مُحَمَّدُ بنُ دَاوُدَ بنِ عَلِيٍّ الظَّاهِرِيُّ
العَلاَّمَةُ، البَارِعُ، ذُو الفنُوْنِ، أَبُو بَكْرٍ: فَكَانَ أَحَدَ مَنْ يُضْرَبُ المَثَلُ بِذَكَائِهِ، وَهُوَ مُصَنِّفُ كِتَابِ (الزّهرَةِ) فِي الآدَابِ وَالشِّعْرِ.
وَلَهُ كِتَابٌ فِي الفَرَائِضِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَبَّاسٍ الدُّوْرِيِّ، وَأَبِي قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى المَدَائِنِيِّ، وَطَبَقَتِهِم.
وَلَهُ بَصَرٌ تَامٌّ بِالحَدِيْثِ، وَبِأَقوَالِ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ يَجْتَهِدُ وَلاَ يُقَلِّدُ أَحَداً.
حَدَّثَ عَنْهُ: نِفْطَوَيْه، وَالقَاضِي أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، وَجَمَاعَةٌ.
وَمَاتَ قَبْلَ الكُهُوْلَةِ، وَقَلَّ مَا رَوَى.
تَصَدَّرَ لِلْفُتْيَا بَعْدَ وَالِدِهِ، وَكَانَ يُنَاظِرُ أَبَا العَبَّاسِ بنَ سُرَيْجٍ، وَلاَ يَكَادُ يَنْقَطِعُ مَعَهُ.
قَالَ القَاضِي أَبُو الحَسَنِ الدَّاوودِيُّ: لَمَّا جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ بنُ دَاوُدَ لِلْفَتوَى بَعْدَ وَالِدِهِ اسْتَصْغَرُوهُ، فَدَسُّوا عَلَيْهِ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ حَدِّ السُّكْرِ، وَمتَى يُعَدُّ الإِنْسَانُ سَكرَانَ؟
فَقَالَ: إِذَا عَزَبَتْ عَنْهُ الهُمُوْمُ، وَبَاحَ بِسِرِّهِ المَكْتُومِ.
فَاسْتُحْسِنَ ذَلِكَ مِنْهُ.قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ: كَانَ ابْنُ دَاوُدَ مِنْ أَجْملِ النَّاسِ، وَأَكْرَمِهِم خُلُقاً، وَأَبْلَغِهِم لِسَاناً، وَأَنْظَفِهِم هَيْئَةً، مَعَ الدِّيْنِ وَالوَرَعِ، وَكُلِّ خُلَّةٍ مَحْمُودَةٍ، مُحَبَّباً إِلَى النَّاسِ، حَفِظَ القُرْآنَ وَلَهُ سَبعُ سِنِيْنَ، وَذَاكَرَ الرِّجَالَ بِالآدَابِ وَالشِّعْرِ وَلَهُ عَشْرُ سِنِيْنَ، وَكَانَ يُشَاهَدُ فِي مَجْلِسِهِ أَرْبَعُ مائَةِ صَاحِبِ مِحْبَرَةٍ، وَلَهُ مِنَ التَّآلِيفِ: كِتَابُ (الإِنذَارِ وَالإِعذَارِ) ، وَكِتَابُ (التَّقصِّي) فِي الفِقْهِ، وَكِتَابُ (الإِيْجَازِ) وَلَمْ يَتِمَّ، وَكِتَابُ (الانْتِصَارِ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيِّ) ، وَكِتَابُ (الوُصُولِ إِلَى مَعْرِفَةِ الأُصُولِ) ، وَكِتَابُ (اختِلاَفِ مَصَاحِفِ الصَّحَابَةِ) ، وَكِتَابُ (الفَرَائِضِ) وَكِتَابُ (المَنَاسِكِ) .
عَاشَ ثَلاَثاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
قَالَ: وَمَاتَ فِي عَاشِرِ رَمَضَانَ، سنَةَ سبعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ التَّنُوخِيُّ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ البَخْتَرِيِّ الدَّاوُودِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو الحَسَنِ بنُ المُغَلِّسِ الدَّاوُودِيُّ، قَالَ:
كَانَ مُحَمَّدُ بنُ دَاوُدَ، وَابْنُ سُرَيْجٍ إِذَا حَضَرَا مَجْلِسَ أَبِي عُمَرَ القَاضِي، لَمْ يَجْرِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِيْمَا يَتَفَاوَضَانِهِ أَحْسَنُ وَمَنْ مَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا، فَسَأَلَ أَبَا بَكْرٍ عَنِ العَوْدِ المُوجِبِ لِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ، فَقَالَ: إِعَادَةُ القَوْلِ ثَانِياً، وَهُوَ مَذْهَبُهُ، وَمَذْهَبُ أَبِيْهِ، فَطَالَبَهُ بِالدَّلِيْلِ، فَشَرَعَ فِيْهِ، فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ هَذَا قَوْلُ
مَنْ مِنَ المُسْلِمِيْنَ تَقَدَّمَكُم فِيْهِ؟فَغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: أَتَظُنُّ أَنَّ مَنِ اعْتَقَدْتَ قَوْلَهُم إِجْمَاعاً فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ عِنْدِي إِجمَاعٌ؟ أَحْسَنُ أَحْوَالِهِم أَنْ أَعُدُّهُم خِلاَفاً، وَهَيْهَاتَ أَنْ يَكُونُوا كَذَلِكَ.
فَغَضِبَ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَقَالَ: أَنْتَ بِكِتَابِ (الزّهْرَةِ) أَمْهَرُ مِنْكَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ.
قَالَ: وَبِكِتَابِ (الزّهرَةِ) تُعَيِّرُنِي؟ وَاللهِ مَا تُحْسِنُ تَسْتَتِمُّ قِرَاءتَهُ قِرَاءةَ مَنْ يَفْهَمُ، وَإِنَّهُ لِمَنْ أَحَدِ المنَاقِبِ لِي إِذْ أَقُولُ فِيْهِ:
أُكَرِّرُ فِي رَوْضِ المَحَاسِنِ مُقْلَتِي ... وَأَمْنَعُ نَفْسِي أَنْ تَنَالَ مُحَرَّمَا
وَيَنْطِقُ سِرِّي عَنْ مُتَرْجَمِ خَاطِرِي ... فلَوْلا اخْتِلاسِي رَدَّهُ لَتَكَلَّمَا
رَأَيْتُ الهَوَى دَعْوَى مِنَ النَّاسِ كُلِّهِم ... فَمَا إِنْ أَرَى حُبّاً صَحِيْحاً مُسَلَّما
فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ : فَأَنَا الَّذِي أَقُولُ:
وَمُشَاهَدٍ بِالغُنْجِ مِنْ لَحَظَاتِهِ ... قَدْ بِتُّ أَمْنَعُهُ لَذِيْذَ سُبَاتِهِ
ضِنّاً بِحُسْنِ حَدِيْثِهِ وَعِتَابِهِ ... وَأُكَرِّرُ اللَّحَظَاتِ فِي وَجَنَاتِهِ
حَتَّى إِذَا مَا الصُّبْحُ لاحَ عَمُوْدُهُ ... وَلَّى بِخَاتَمِ رَبِّهِ وَبَرَاتِهِ
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَيَّدَ اللهُ القَاضِي، قَدْ أَخْبَرَ بِحَالَةٍ، ثُمَّ ادَّعَى البَرَاءةَ مِمَّا تُوْجِبُهُ، فَعَلَيْهِ البَيِّنَةُ.
فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: مِنْ مَذْهَبِي أَنَّ المُقِرَّ إِذَا أَقَرَّ إِقرَاراً نَاطَهُ بِصِفَةٍ، كَانَ إِقرَارُهُ مَوْكُولاً إِلَى صِفَتِهِ تِلْكَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ القَاضِي: كُنْتُ أُسَايِرُ مُحَمَّدَ بنَ دَاوُدَ، فَإِذَا بِجَارِيَةٍ تُغَنِّي بِشَيْءٍ مِنْ شِعْرِهِ، وَهُوَ:أَشْكُو غَلِيْلَ فُؤَادٍ أَنْتَ مُتْلِفُهُ ... شَكْوَى عَلِيْلٍ إِلَى إِلْفٍ يُعَلِّلُهُ
سُقْمِي تَزِيْدُ مَعَ الأَيَّامِ كَثْرَتُهُ ... وَأَنْتَ فِي عُظْمِ مَا أَلْقَى تُقَلِّلُهُ
اللهُ حَرَّمَ قَتْلِي فِي الهَوَى سَفَهاً ... وَأَنْتَ يَا قَاتِلِي ظُلْماً تُحَلِّلُهُ
وَقِيْلَ: كَانَ ابْنُ دَاوُدَ خَصْماً لابْنِ سُرَيْجٍ فِي المُنَاظَرَةِ، كَانَا يَتَرَادَّانِ فِي الكُتُبِ، فَلَمَّا بَلَغَ ابْنَ سُرَيْجٍ مَوْتَ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ، حَزِنَ لَهُ، وَنَحَّى مَخَادَّهُ، وَجَلَسَ لِلتَّعْزِيَةِ، وَقَالَ: مَا آسَى إِلاَّ عَلَى تُرَابٍ يَأْكُلُ لِسَانَ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سُكَّرَةَ القَاضِي: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ جَامعٍ الصَّيْدَلاَنِيُّ مَحْبُوبَ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى ابْنِ دَاوُدَ، وَمَا عُرِفَ مَعْشُوقٌ يُنْفِقُ عَلَى عَاشِقِهِ سِوَاهُ، وَمِنْ شِعْرِهِ:
حَمَلْتُ جِبَالَ الحُبِّ فِيْكَ وَإِنَّنِي ... لأَعْجَزُ عَنْ حَمْلِ القَمِيْصِ وَأَضْعُفُ
وَمَا الحُبُّ مِنْ حُسْنٍ وَلاَ مِنْ سَمَاحَةٍ ... وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ بِهِ الرُّوْحُ تَكْلَفُ
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَرَفَةَ نِفْطَوَيْه: دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ فِي مَرَضِهِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟
قَالَ: حُبُّ مَنْ تَعْلَمُ أَوْرَثَنِي مَا تَرَى.
فَقُلْتُ: مَا مَنَعَكَ مِنَ الاسْتِمْتَاعِ بِهِ، مَعَ القُدْرَةِ عَلَيْهِ؟قَالَ: الاسْتِمْتَاعُ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: النَّظَرُ، وَهُوَ أَوْرَثَنِي مَا تَرَى، وَالثَّانِي: اللَّذَّةُ المَحْظُورَةُ، وَمَنَعَنِي مِنْهَا مَا حَدَّثَنِي بِهِ أَبِي، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَفَعَهُ، قَالَ: (مَنْ عَشِقَ، وَعَفَّ، وَكَتَمَ، وَصَبَرَ، غَفَرَ الله لَهُ، وَأَدْخَلَهُ الجَنَّةَ).
ثُمَّ أَنْشَدَ لِنَفْسِهِ:
انْظُرْ إِلَى السِّحْرِ يَجْرِي فِي لَوَاحِظِهِ ... وَانْظُرْ إِلَى دَعَجٍ فِي طَرْفِهِ السَّاجِي
وَانْظُرْ إِلَى شَعَرَاتٍ فَوْقَ عَارِضِهِ ... كَأَنَّهُنَّ نِمَالٌ دَبَّ فِي عَاجِ
قَالَ نِفْطَوَيْه: وَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ، أَوْ فِي اليَوْمِ الثَّانِي.
رَوَاهَا: جَمَاعَةٌ، عَنْ نِفْطَوَيْه.
قَالَ أَبُو زَيْدٍ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ: كُنْتُ عِنْدَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، فَذَكَرْتُ لَهُ حَدِيْثاً سَمِعْتُهُ مِنْ سُوَيْدِ بنِ سَعِيْدٍ ... ، فَذَكَرَ الحَدِيْثَ المَذْكُوْرَ.
فَقَالَ: وَاللهِ لَوْ كَانَ عِنْدِي فَرَسٌ وَرُمْحٌ لَغَزَوْتُ سُويداً فِي هَذَا الحَدِيْثِ.
قُلْتُ: هُوَ مِمَّا نَقَمُوا عَلَى سُوَيْدٍ.
قَالَ [.....] : تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ فِي عَاشِرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، عَنِ الكِنْدِيِّ، وَقَرَأْتُ عَلَى أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ المُوَفَّقِ الشَّافِعِيِّ: أَخْبَرَكُم مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ النَّشبِيِّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الحَسَنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ هِبَةِ اللهِ الكَاتِبُ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيَّ يَقُوْلُ:
ثُمَّ انْتَهَى الفِقْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ البِلاَدِ الَّتِي انْتَهَى إِلَيْهَا الإِسْلاَمُ إِلَى أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَدَاوُدَ، وَانْتَشَرَ عَنْهُمُ الفِقْهُ فِي الآفَاقِ، وَقَامَ بِنُصْرَةِ مَذَاهِبِهِم أَئِمَّةٌ يَنْتَسِبُوْنَ إِلَيْهِم، وَيَنْصُرُوْنَ أَقْوَالَهُم.
وَبِهِ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ -رَحِمَهُ اللهُ-: وَأَمَّا دَاوُدُ فَقَامَ بِنَقْلِ فِقْهِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، مِنْهُم ابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ، وَكَانَ فَقِيْهاً أَدِيْباً شَاعِراً ظَرِيْفاً، وَكَانَ يُنَاظِرُ إِمَامَ أَصْحَابِنَا أَبَا العَبَّاسِ بنَ سُرَيْجٍ، وَخَلَفَ أَبَاهُ فِي حَلْقَتِهِ....، وَسَمِعْتُ شَيْخَنَا القَاضِي أَبَا الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ الخُضَرِيَّ قَالَ:
كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ، فَجَاءتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: مَا تَقُوْلُ فِي رَجُلٍ لَهُ زَوْجَةٌ، لاَ هُوَ يُمْسِكُهَا، وَلاَ هُوَ يُطَلِّقُهَا؟
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ العِلْمِ، فَقَالَ قَائِلُوْنَ: تُؤْمَرُ بِالصَّبْرِ وَالاحْتِسَابِ، وَتَبْعَثُ عَلَى الطَّلَبِ وَالاكْتِسَابِ.
وَقَالَ قَائِلُوْنَ: يُؤْمَرُ بِالإِنْفَاقِ، وَإِلاَّ حُمِلَ عَلَى الطَّلاَقِ. فَلَمْ تَفْهَمِ المرْأَةُ قَوْلَهُ، فَأَعَادَتْ سُؤَالَهَا
عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا هَذِهِ قَدْ أَجَبْتُكِ ... وَلَسْتُ بِسُلْطَانٍ فَأَمْضِي، وَلاَ قَاضٍ فَأَقْضِي، وَلاَ زَوْجٍ فَأُرْضِي، فَانْصَرِفِي.قَالَ لَنَا أَبُو العَبَّاسِ بنُ الظَّاهِرِيُّ، عَنِ ابْنِ النَّجَّارِ، قَالَ:
وَهْبُ بنُ جَامِعِ بنِ وَهْبٍ العَطَّارُ الصَّيْدَلاَنِيُّ صَاحِبُ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ، كَانَ قَدْ أَحَبَّهُ، وَشُغِفَ بِهِ، حَتَّى مَاتَ مِنْ حُبِّهِ، وَمِنْ أَجْلِهِ صَنَّفَ كِتَابَ (الزَّهرَةِ) .
حَدَّثَ عَنْ ابْنِ دَاوُدَ: مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى البَرْبَرِيُّ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ قَاسِمٌ.
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيِّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الغَفَّارِ بنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الشِّيرَازِيُّ الحَافِظُ، سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ بِالدَّامَغَانِ، حَدَّثَنَا الجَدُّ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الظَّاهِرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَالِحٍ المَنْصُوْرِيُّ القَاضِي، أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ وَهْبٍ الدَّاوُودِيُّ، حَدَّثَنِي وَهْبُ بنُ جَامِعٍ العَطَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ دَاوُدَ بنِ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَرْبٍ بنِ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عَلِيٍّ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي الرَّضِيْعِ: (يُنْضَحُ بَوْلُ الغُلاَمِ، وَيُغْسَلُ بَوْلُ الجَارِيَةِ).
وَقَالَ عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحُسَيْنِ الفَارِسِيُّ الوَاعِظُ إِملاَءً بِالرَّيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ العَلَوِيُّ، حَدَّثَنِي جَدِّي، سَمِعْتُ وَهْبَ بنَ جَامِعٍ العَطَّارَ صَدِيْقَ ابْنِ دَاوُدَ، قَالَ:دَخَلْتُ عَلَى المُتَّقِي للهِ، فَسَأَلَنِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ دَاوُدَ: هَلْ رَأَيْتَ مِنْهُ مَا تَكْرَهُ؟
قُلْتُ: لاَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِلاَّ أَنِّي بِتُّ عِنْدَهُ لَيْلَةً، فَكَانَ يَكْشِفُ عَنْ وَجْهِي، ثُمَّ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ! إِنَّكَ تَعْلَمُ إِنِّي لأُحِبُّهُ، وَإِنِّي لأُرَاقِبُكَ فِيْهِ.
قَالَ: فَمَا بَلَغَ مِنْ رِعَايَتِكَ مِنْ حَقِّهِ؟
قُلْتُ: دَخَلْتُ الحَمَّامَ، فَلَمَّا خَرَجْتُ، نَظَرْتُ فِي المِرَآةِ، فَاسْتَحْسَنْتُ صُورَتِي فَوْقَ مَا أَعْهَدُ، فغَطَّيْتُ وَجْهِي، وَآلَيْتُ أَنْ لاَ يَنْظُرَ إِلَى وَجْهِي أَحَدٌ قَبْلَهُ، وَبَادَرْتُ إِلَيْهِ، فَكَشَفَ وَجْهِي، فَفَرِحَ وَسُرَّ، وَقَالَ: سُبْحَانَ خَالِقِهِ وَمُصَوِّرِهِ، وَتَلا: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} ... الآيَةَ.
العَلاَّمَةُ، البَارِعُ، ذُو الفنُوْنِ، أَبُو بَكْرٍ: فَكَانَ أَحَدَ مَنْ يُضْرَبُ المَثَلُ بِذَكَائِهِ، وَهُوَ مُصَنِّفُ كِتَابِ (الزّهرَةِ) فِي الآدَابِ وَالشِّعْرِ.
وَلَهُ كِتَابٌ فِي الفَرَائِضِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَبَّاسٍ الدُّوْرِيِّ، وَأَبِي قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى المَدَائِنِيِّ، وَطَبَقَتِهِم.
وَلَهُ بَصَرٌ تَامٌّ بِالحَدِيْثِ، وَبِأَقوَالِ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ يَجْتَهِدُ وَلاَ يُقَلِّدُ أَحَداً.
حَدَّثَ عَنْهُ: نِفْطَوَيْه، وَالقَاضِي أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، وَجَمَاعَةٌ.
وَمَاتَ قَبْلَ الكُهُوْلَةِ، وَقَلَّ مَا رَوَى.
تَصَدَّرَ لِلْفُتْيَا بَعْدَ وَالِدِهِ، وَكَانَ يُنَاظِرُ أَبَا العَبَّاسِ بنَ سُرَيْجٍ، وَلاَ يَكَادُ يَنْقَطِعُ مَعَهُ.
قَالَ القَاضِي أَبُو الحَسَنِ الدَّاوودِيُّ: لَمَّا جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ بنُ دَاوُدَ لِلْفَتوَى بَعْدَ وَالِدِهِ اسْتَصْغَرُوهُ، فَدَسُّوا عَلَيْهِ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ حَدِّ السُّكْرِ، وَمتَى يُعَدُّ الإِنْسَانُ سَكرَانَ؟
فَقَالَ: إِذَا عَزَبَتْ عَنْهُ الهُمُوْمُ، وَبَاحَ بِسِرِّهِ المَكْتُومِ.
فَاسْتُحْسِنَ ذَلِكَ مِنْهُ.قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ: كَانَ ابْنُ دَاوُدَ مِنْ أَجْملِ النَّاسِ، وَأَكْرَمِهِم خُلُقاً، وَأَبْلَغِهِم لِسَاناً، وَأَنْظَفِهِم هَيْئَةً، مَعَ الدِّيْنِ وَالوَرَعِ، وَكُلِّ خُلَّةٍ مَحْمُودَةٍ، مُحَبَّباً إِلَى النَّاسِ، حَفِظَ القُرْآنَ وَلَهُ سَبعُ سِنِيْنَ، وَذَاكَرَ الرِّجَالَ بِالآدَابِ وَالشِّعْرِ وَلَهُ عَشْرُ سِنِيْنَ، وَكَانَ يُشَاهَدُ فِي مَجْلِسِهِ أَرْبَعُ مائَةِ صَاحِبِ مِحْبَرَةٍ، وَلَهُ مِنَ التَّآلِيفِ: كِتَابُ (الإِنذَارِ وَالإِعذَارِ) ، وَكِتَابُ (التَّقصِّي) فِي الفِقْهِ، وَكِتَابُ (الإِيْجَازِ) وَلَمْ يَتِمَّ، وَكِتَابُ (الانْتِصَارِ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيِّ) ، وَكِتَابُ (الوُصُولِ إِلَى مَعْرِفَةِ الأُصُولِ) ، وَكِتَابُ (اختِلاَفِ مَصَاحِفِ الصَّحَابَةِ) ، وَكِتَابُ (الفَرَائِضِ) وَكِتَابُ (المَنَاسِكِ) .
عَاشَ ثَلاَثاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
قَالَ: وَمَاتَ فِي عَاشِرِ رَمَضَانَ، سنَةَ سبعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ التَّنُوخِيُّ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ البَخْتَرِيِّ الدَّاوُودِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو الحَسَنِ بنُ المُغَلِّسِ الدَّاوُودِيُّ، قَالَ:
كَانَ مُحَمَّدُ بنُ دَاوُدَ، وَابْنُ سُرَيْجٍ إِذَا حَضَرَا مَجْلِسَ أَبِي عُمَرَ القَاضِي، لَمْ يَجْرِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِيْمَا يَتَفَاوَضَانِهِ أَحْسَنُ وَمَنْ مَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا، فَسَأَلَ أَبَا بَكْرٍ عَنِ العَوْدِ المُوجِبِ لِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ، فَقَالَ: إِعَادَةُ القَوْلِ ثَانِياً، وَهُوَ مَذْهَبُهُ، وَمَذْهَبُ أَبِيْهِ، فَطَالَبَهُ بِالدَّلِيْلِ، فَشَرَعَ فِيْهِ، فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ هَذَا قَوْلُ
مَنْ مِنَ المُسْلِمِيْنَ تَقَدَّمَكُم فِيْهِ؟فَغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: أَتَظُنُّ أَنَّ مَنِ اعْتَقَدْتَ قَوْلَهُم إِجْمَاعاً فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ عِنْدِي إِجمَاعٌ؟ أَحْسَنُ أَحْوَالِهِم أَنْ أَعُدُّهُم خِلاَفاً، وَهَيْهَاتَ أَنْ يَكُونُوا كَذَلِكَ.
فَغَضِبَ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَقَالَ: أَنْتَ بِكِتَابِ (الزّهْرَةِ) أَمْهَرُ مِنْكَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ.
قَالَ: وَبِكِتَابِ (الزّهرَةِ) تُعَيِّرُنِي؟ وَاللهِ مَا تُحْسِنُ تَسْتَتِمُّ قِرَاءتَهُ قِرَاءةَ مَنْ يَفْهَمُ، وَإِنَّهُ لِمَنْ أَحَدِ المنَاقِبِ لِي إِذْ أَقُولُ فِيْهِ:
أُكَرِّرُ فِي رَوْضِ المَحَاسِنِ مُقْلَتِي ... وَأَمْنَعُ نَفْسِي أَنْ تَنَالَ مُحَرَّمَا
وَيَنْطِقُ سِرِّي عَنْ مُتَرْجَمِ خَاطِرِي ... فلَوْلا اخْتِلاسِي رَدَّهُ لَتَكَلَّمَا
رَأَيْتُ الهَوَى دَعْوَى مِنَ النَّاسِ كُلِّهِم ... فَمَا إِنْ أَرَى حُبّاً صَحِيْحاً مُسَلَّما
فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ : فَأَنَا الَّذِي أَقُولُ:
وَمُشَاهَدٍ بِالغُنْجِ مِنْ لَحَظَاتِهِ ... قَدْ بِتُّ أَمْنَعُهُ لَذِيْذَ سُبَاتِهِ
ضِنّاً بِحُسْنِ حَدِيْثِهِ وَعِتَابِهِ ... وَأُكَرِّرُ اللَّحَظَاتِ فِي وَجَنَاتِهِ
حَتَّى إِذَا مَا الصُّبْحُ لاحَ عَمُوْدُهُ ... وَلَّى بِخَاتَمِ رَبِّهِ وَبَرَاتِهِ
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَيَّدَ اللهُ القَاضِي، قَدْ أَخْبَرَ بِحَالَةٍ، ثُمَّ ادَّعَى البَرَاءةَ مِمَّا تُوْجِبُهُ، فَعَلَيْهِ البَيِّنَةُ.
فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: مِنْ مَذْهَبِي أَنَّ المُقِرَّ إِذَا أَقَرَّ إِقرَاراً نَاطَهُ بِصِفَةٍ، كَانَ إِقرَارُهُ مَوْكُولاً إِلَى صِفَتِهِ تِلْكَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ القَاضِي: كُنْتُ أُسَايِرُ مُحَمَّدَ بنَ دَاوُدَ، فَإِذَا بِجَارِيَةٍ تُغَنِّي بِشَيْءٍ مِنْ شِعْرِهِ، وَهُوَ:أَشْكُو غَلِيْلَ فُؤَادٍ أَنْتَ مُتْلِفُهُ ... شَكْوَى عَلِيْلٍ إِلَى إِلْفٍ يُعَلِّلُهُ
سُقْمِي تَزِيْدُ مَعَ الأَيَّامِ كَثْرَتُهُ ... وَأَنْتَ فِي عُظْمِ مَا أَلْقَى تُقَلِّلُهُ
اللهُ حَرَّمَ قَتْلِي فِي الهَوَى سَفَهاً ... وَأَنْتَ يَا قَاتِلِي ظُلْماً تُحَلِّلُهُ
وَقِيْلَ: كَانَ ابْنُ دَاوُدَ خَصْماً لابْنِ سُرَيْجٍ فِي المُنَاظَرَةِ، كَانَا يَتَرَادَّانِ فِي الكُتُبِ، فَلَمَّا بَلَغَ ابْنَ سُرَيْجٍ مَوْتَ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ، حَزِنَ لَهُ، وَنَحَّى مَخَادَّهُ، وَجَلَسَ لِلتَّعْزِيَةِ، وَقَالَ: مَا آسَى إِلاَّ عَلَى تُرَابٍ يَأْكُلُ لِسَانَ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سُكَّرَةَ القَاضِي: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ جَامعٍ الصَّيْدَلاَنِيُّ مَحْبُوبَ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى ابْنِ دَاوُدَ، وَمَا عُرِفَ مَعْشُوقٌ يُنْفِقُ عَلَى عَاشِقِهِ سِوَاهُ، وَمِنْ شِعْرِهِ:
حَمَلْتُ جِبَالَ الحُبِّ فِيْكَ وَإِنَّنِي ... لأَعْجَزُ عَنْ حَمْلِ القَمِيْصِ وَأَضْعُفُ
وَمَا الحُبُّ مِنْ حُسْنٍ وَلاَ مِنْ سَمَاحَةٍ ... وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ بِهِ الرُّوْحُ تَكْلَفُ
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَرَفَةَ نِفْطَوَيْه: دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ فِي مَرَضِهِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟
قَالَ: حُبُّ مَنْ تَعْلَمُ أَوْرَثَنِي مَا تَرَى.
فَقُلْتُ: مَا مَنَعَكَ مِنَ الاسْتِمْتَاعِ بِهِ، مَعَ القُدْرَةِ عَلَيْهِ؟قَالَ: الاسْتِمْتَاعُ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: النَّظَرُ، وَهُوَ أَوْرَثَنِي مَا تَرَى، وَالثَّانِي: اللَّذَّةُ المَحْظُورَةُ، وَمَنَعَنِي مِنْهَا مَا حَدَّثَنِي بِهِ أَبِي، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَفَعَهُ، قَالَ: (مَنْ عَشِقَ، وَعَفَّ، وَكَتَمَ، وَصَبَرَ، غَفَرَ الله لَهُ، وَأَدْخَلَهُ الجَنَّةَ).
ثُمَّ أَنْشَدَ لِنَفْسِهِ:
انْظُرْ إِلَى السِّحْرِ يَجْرِي فِي لَوَاحِظِهِ ... وَانْظُرْ إِلَى دَعَجٍ فِي طَرْفِهِ السَّاجِي
وَانْظُرْ إِلَى شَعَرَاتٍ فَوْقَ عَارِضِهِ ... كَأَنَّهُنَّ نِمَالٌ دَبَّ فِي عَاجِ
قَالَ نِفْطَوَيْه: وَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ، أَوْ فِي اليَوْمِ الثَّانِي.
رَوَاهَا: جَمَاعَةٌ، عَنْ نِفْطَوَيْه.
قَالَ أَبُو زَيْدٍ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ: كُنْتُ عِنْدَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، فَذَكَرْتُ لَهُ حَدِيْثاً سَمِعْتُهُ مِنْ سُوَيْدِ بنِ سَعِيْدٍ ... ، فَذَكَرَ الحَدِيْثَ المَذْكُوْرَ.
فَقَالَ: وَاللهِ لَوْ كَانَ عِنْدِي فَرَسٌ وَرُمْحٌ لَغَزَوْتُ سُويداً فِي هَذَا الحَدِيْثِ.
قُلْتُ: هُوَ مِمَّا نَقَمُوا عَلَى سُوَيْدٍ.
قَالَ [.....] : تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ فِي عَاشِرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، عَنِ الكِنْدِيِّ، وَقَرَأْتُ عَلَى أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ المُوَفَّقِ الشَّافِعِيِّ: أَخْبَرَكُم مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ النَّشبِيِّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الحَسَنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ هِبَةِ اللهِ الكَاتِبُ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيَّ يَقُوْلُ:
ثُمَّ انْتَهَى الفِقْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ البِلاَدِ الَّتِي انْتَهَى إِلَيْهَا الإِسْلاَمُ إِلَى أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَدَاوُدَ، وَانْتَشَرَ عَنْهُمُ الفِقْهُ فِي الآفَاقِ، وَقَامَ بِنُصْرَةِ مَذَاهِبِهِم أَئِمَّةٌ يَنْتَسِبُوْنَ إِلَيْهِم، وَيَنْصُرُوْنَ أَقْوَالَهُم.
وَبِهِ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ -رَحِمَهُ اللهُ-: وَأَمَّا دَاوُدُ فَقَامَ بِنَقْلِ فِقْهِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، مِنْهُم ابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ، وَكَانَ فَقِيْهاً أَدِيْباً شَاعِراً ظَرِيْفاً، وَكَانَ يُنَاظِرُ إِمَامَ أَصْحَابِنَا أَبَا العَبَّاسِ بنَ سُرَيْجٍ، وَخَلَفَ أَبَاهُ فِي حَلْقَتِهِ....، وَسَمِعْتُ شَيْخَنَا القَاضِي أَبَا الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ الخُضَرِيَّ قَالَ:
كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ، فَجَاءتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: مَا تَقُوْلُ فِي رَجُلٍ لَهُ زَوْجَةٌ، لاَ هُوَ يُمْسِكُهَا، وَلاَ هُوَ يُطَلِّقُهَا؟
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ العِلْمِ، فَقَالَ قَائِلُوْنَ: تُؤْمَرُ بِالصَّبْرِ وَالاحْتِسَابِ، وَتَبْعَثُ عَلَى الطَّلَبِ وَالاكْتِسَابِ.
وَقَالَ قَائِلُوْنَ: يُؤْمَرُ بِالإِنْفَاقِ، وَإِلاَّ حُمِلَ عَلَى الطَّلاَقِ. فَلَمْ تَفْهَمِ المرْأَةُ قَوْلَهُ، فَأَعَادَتْ سُؤَالَهَا
عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا هَذِهِ قَدْ أَجَبْتُكِ ... وَلَسْتُ بِسُلْطَانٍ فَأَمْضِي، وَلاَ قَاضٍ فَأَقْضِي، وَلاَ زَوْجٍ فَأُرْضِي، فَانْصَرِفِي.قَالَ لَنَا أَبُو العَبَّاسِ بنُ الظَّاهِرِيُّ، عَنِ ابْنِ النَّجَّارِ، قَالَ:
وَهْبُ بنُ جَامِعِ بنِ وَهْبٍ العَطَّارُ الصَّيْدَلاَنِيُّ صَاحِبُ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ، كَانَ قَدْ أَحَبَّهُ، وَشُغِفَ بِهِ، حَتَّى مَاتَ مِنْ حُبِّهِ، وَمِنْ أَجْلِهِ صَنَّفَ كِتَابَ (الزَّهرَةِ) .
حَدَّثَ عَنْ ابْنِ دَاوُدَ: مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى البَرْبَرِيُّ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ قَاسِمٌ.
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيِّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الغَفَّارِ بنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الشِّيرَازِيُّ الحَافِظُ، سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ بِالدَّامَغَانِ، حَدَّثَنَا الجَدُّ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الظَّاهِرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَالِحٍ المَنْصُوْرِيُّ القَاضِي، أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ وَهْبٍ الدَّاوُودِيُّ، حَدَّثَنِي وَهْبُ بنُ جَامِعٍ العَطَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ دَاوُدَ بنِ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَرْبٍ بنِ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عَلِيٍّ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي الرَّضِيْعِ: (يُنْضَحُ بَوْلُ الغُلاَمِ، وَيُغْسَلُ بَوْلُ الجَارِيَةِ).
وَقَالَ عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحُسَيْنِ الفَارِسِيُّ الوَاعِظُ إِملاَءً بِالرَّيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ العَلَوِيُّ، حَدَّثَنِي جَدِّي، سَمِعْتُ وَهْبَ بنَ جَامِعٍ العَطَّارَ صَدِيْقَ ابْنِ دَاوُدَ، قَالَ:دَخَلْتُ عَلَى المُتَّقِي للهِ، فَسَأَلَنِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ دَاوُدَ: هَلْ رَأَيْتَ مِنْهُ مَا تَكْرَهُ؟
قُلْتُ: لاَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِلاَّ أَنِّي بِتُّ عِنْدَهُ لَيْلَةً، فَكَانَ يَكْشِفُ عَنْ وَجْهِي، ثُمَّ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ! إِنَّكَ تَعْلَمُ إِنِّي لأُحِبُّهُ، وَإِنِّي لأُرَاقِبُكَ فِيْهِ.
قَالَ: فَمَا بَلَغَ مِنْ رِعَايَتِكَ مِنْ حَقِّهِ؟
قُلْتُ: دَخَلْتُ الحَمَّامَ، فَلَمَّا خَرَجْتُ، نَظَرْتُ فِي المِرَآةِ، فَاسْتَحْسَنْتُ صُورَتِي فَوْقَ مَا أَعْهَدُ، فغَطَّيْتُ وَجْهِي، وَآلَيْتُ أَنْ لاَ يَنْظُرَ إِلَى وَجْهِي أَحَدٌ قَبْلَهُ، وَبَادَرْتُ إِلَيْهِ، فَكَشَفَ وَجْهِي، فَفَرِحَ وَسُرَّ، وَقَالَ: سُبْحَانَ خَالِقِهِ وَمُصَوِّرِهِ، وَتَلا: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} ... الآيَةَ.