أَبُو عَلِيٍّ طَلْقُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ، سَكَنَ الْيَمَامَةَ
Al-Khaṭīb al-Baghdādī (d. 1071 CE) - Tārīkh Baghdād - الخطيب البغدادي - تاريخ بغداد
ا
ب
ت
ث
ج
ح
خ
د
ذ
ر
ز
س
ش
ص
ض
ط
ظ
ع
غ
ف
ق
ك
ل
م
ن
ه
و
ي
I pay $140/month to host my websites. If you wish to help, please use the following button (secure payments with Stripe).
الصفحة الرئيسية للكتاب Number of entries in this book
عدد المواضيع في هذا الكتاب 7749 1. ابو علي طلق12. ابراهيم الاجري1 3. ابراهيم الاجري الكبير1 4. ابراهيم الكبشي المعدل1 5. ابراهيم امير المؤمنين المتقي لله بن جعفر المقتدر بالله بن احمد ال...1 6. ابراهيم بن ابي العباس ويقال ابن العباس ابو اسحاق السامري...1 7. ابراهيم بن ابي الليث ابو اسحاق1 8. ابراهيم بن ابي محمد يحيى بن المبارك بن المغيرة ابو اسحاق العدوي ا...1 9. ابراهيم بن ابي نعيم القفصي1 10. ابراهيم بن احمد ابو اسحاق المارستاني...1 11. ابراهيم بن احمد ابو اسحاق المروزي1 12. ابراهيم بن احمد الهمذاني1 13. ابراهيم بن احمد بن ابراهيم بن عبد الله ابو اسحاق المقرئ البزوري...1 14. ابراهيم بن احمد بن اسحاق بن ابراهيم المخرمي...1 15. ابراهيم بن احمد بن اسماعيل ابو اسحاق الخواص...1 16. ابراهيم بن احمد بن الحسن ابو اسحاق المقرئ القرميسيني...1 17. ابراهيم بن احمد بن الحسن بن علي ابو الحسن المقرئ...1 18. ابراهيم بن احمد بن النعمان ابو اسحاق الازدي...1 19. ابراهيم بن احمد بن بشران بن زكريا بن احمد بن الحجاج بن سيار بن بي...1 20. ابراهيم بن احمد بن جعفر بن موسى بن ابراهيم بن عبد الله بن سلام اب...1 21. ابراهيم بن احمد بن سهل بن شوكر ابو يوسف البغدادي...1 22. ابراهيم بن احمد بن عبد الرحمن المفسر...1 23. ابراهيم بن احمد بن عبد الله ابو اسحاق الرازي...1 24. ابراهيم بن احمد بن عبد الله بن يعيش ابو اسحاق...1 25. ابراهيم بن احمد بن عمر بن حفص بن الجهم بن واقد بن عبد الله ابو اس...1 26. ابراهيم بن احمد بن عمر بن حمدان ابو اسحاق الفقيه ابن شاقلاء...1 27. ابراهيم بن احمد بن محمد ابو اسحاق الطبري النجوي...1 28. ابراهيم بن احمد بن محمد بن احمد بن عبد الله ابو اسحاق الطبري المق...1 29. ابراهيم بن احمد بن محمد بن موسى ابو اليسر الانصاري ابن الجوزي...1 30. ابراهيم بن احمد بن مروان ابو اسحاق الواسطي...1 31. ابراهيم بن احمد بن منصور ابو اسحاق الخضيب مولى بني هاشم...1 32. ابراهيم بن احمد بن نصر بن محمد ابو اسحاق الكاتب...1 33. ابراهيم بن ادريس ابو اسحاق النحوي1 34. ابراهيم بن ازر1 35. ابراهيم بن اسباط بن السكن ابو اسحاق البزاز...1 36. ابراهيم بن اسحاق ابو اسحاق الانصاري الغسيلي لانه...1 37. ابراهيم بن اسحاق بن ابراهيم بن بشير بن عبد الله بن ديسم ابو اسحاق...1 38. ابراهيم بن اسحاق بن ابراهيم بن مهران بن عبد الله ابو اسحاق الثقفي...1 39. ابراهيم بن اسحاق بن ابي العنبس ابو اسحاق الزهري القاضي الكوفي...1 40. ابراهيم بن اسحاق بن ابي خضرون ابو اسحاق الصيدلاني...1 41. ابراهيم بن اسحاق بن بشر بن موسى بن صالح بن شيخ بن عميرة ابو اسحاق...1 42. ابراهيم بن اسحاق بن عيسى ابو اسحاق الطالقاني...1 43. ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن مقسم ابو اسحاق البصري الاسدي ابن...1 44. ابراهيم بن اسماعيل بن محمد ابو اسحاق السوطي...1 45. ابراهيم بن الحارث بن اسماعيل ابو اسحاق البغدادي...2 46. ابراهيم بن الحارث بن مصعب بن الوليد بن عبادة بن الصامت ابو اسحاق ...1 47. ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب امه فاطمة بنت الحسين...1 48. ابراهيم بن الحسين ابو اسحاق البنا الحنبلي...1 49. ابراهيم بن الحسين ابو اسحاق المؤدب الحلاج...1 50. ابراهيم بن الحسين بن الفرج الهمذاني1 51. ابراهيم بن الحسين بن حكمان ابو منصور الصيرفي ابن الكرجي...1 52. ابراهيم بن الحسين بن داود بن موسى ابو اسحاق القطان...1 53. ابراهيم بن الحسين بن زريق ابو اسحاق1 54. ابراهيم بن الحسين بن علي ابو اسحاق الخضيب الصفار...1 55. ابراهيم بن الحسين بن علي بن ابراهيم بن موسى بن عمران ابو اسحاق ال...1 56. ابراهيم بن السري ابو اسحاق المقرئ1 57. ابراهيم بن السري بن المغلس السقطي1 58. ابراهيم بن السري بن سهل ابو اسحاق النحوي الزجاج...1 59. ابراهيم بن الشاذ بن محمد بن اسحاق الجبلي...1 60. ابراهيم بن الصباح ابو اسحاق الدقاق1 61. ابراهيم بن الصلت الصوفي1 62. ابراهيم بن العباس بن محمد بن صول1 63. ابراهيم بن الفضل بن حيان الحلواني1 64. ابراهيم بن القعقاع ابو اسحاق1 65. ابراهيم بن الليث النخشبي1 66. ابراهيم بن المبارك بن عبد الله ابو اسحاق...1 67. ابراهيم بن المختار ابو اسماعيل التميمي الرازي...1 68. ابراهيم بن المظفر بن عبيد الله بن خفيف ابو اسحاق السمسار...1 69. ابراهيم بن المنذر بن عبد الله بن المنذر بن المغيرة بن عبد الله بن...1 70. ابراهيم بن النضر بن مروان بن سويد العطار...1 71. ابراهيم بن الهيثم بن المهلب ابو اسحاق البلدي...2 72. ابراهيم بن الوليد بن ايوب ابو اسحاق الجشاش...1 73. ابراهيم بن اليسع ابو اسحاق الشعبي1 74. ابراهيم بن اورمة بن سياوش بن فروخ ابو اسحاق الاصبهاني الحافظ...1 75. ابراهيم بن ايوب الطبري1 76. ابراهيم بن بشار بن محمد ابو اسحاق الخراساني الصوفي...1 77. ابراهيم بن بكر ابو اسحاق الشيباني1 78. ابراهيم بن بيهويه بن منصور بن منصور بن موسى الفارسي...1 79. ابراهيم بن ثابت ابو اسحاق الدعاء1 80. ابراهيم بن جابر ابو اسحاق الفقيه1 81. ابراهيم بن جابر بن عبد الرحمن المروزي...1 82. ابراهيم بن جابر بن عيسى ابو اسحاق الغطريفي...1 83. ابراهيم بن جعفر الفقيه1 84. ابراهيم بن جعفر المتوكل علي الله بن محمد المعتصم بالله بن هارون ا...1 85. ابراهيم بن جعفر بن محمد الفقيه ابن المخلص البصري...1 86. ابراهيم بن حامد بن شباب الاصبهاني1 87. ابراهيم بن حبيش بن دينار ابو اسحاق المعدل...1 88. ابراهيم بن حكيم القصار1 89. ابراهيم بن حماد بن ابراهيم بن يونس ابن نيطرا...1 90. ابراهيم بن حماد بن اسحاق بن اسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم ابو اس...1 91. ابراهيم بن حمد بن يوسف بن ابراهيم بن ابان ابو الفضل الهمذاني التا...1 92. ابراهيم بن حمزة بن محمد بن العباس بن الفضل بن الحارث بن جنادة بن ...1 93. ابراهيم بن حيان البيع1 94. ابراهيم بن خالد بن ابي اليمان ابو ثور الكلبي الفقيه...1 95. ابراهيم بن خثيم بن عراك بن مالك6 96. ابراهيم بن خفيف ابو اسحاق1 97. ابراهيم بن دارم بن احمد بن الحسين بن عبيد الله بن المغيرة بن عبيد...1 98. ابراهيم بن داود بن سليمان المنادي1 99. ابراهيم بن دبيس بن احمد بن علي الحداد...1 100. ابراهيم بن درستويه ابو اسحاق الفارسي الشيرازي...1 ▶ Next 100
You are viewing hadithtransmitters.hawramani.com in filtered mode: only posts belonging to
Al-Khaṭīb al-Baghdādī (d. 1071 CE) - Tārīkh Baghdād - الخطيب البغدادي - تاريخ بغداد are being displayed.
Similar and related entries:
مواضيع متعلقة أو مشابهة بهذا الموضوع
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=132418&book=5550#c9276c
أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطا بن ماه، مولى لتيم الله ابن ثعلبة: ولد سنة ثمانين ومات ببغداد سنة خمسين ومائة وهو ابن سبعين سنة.
قال الشافعي: قيل لمالك: هل رأيت أبا حنيفة؟ قال: نعم، رأيت رجلاً لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهباً لقام بحجته. وروى حرملة عن الشافعي قال: من أراد الحديث الصحيح فعليه بمالك، ومن أراد الجدل فعليه بأبي حنيفة، ومن أراد التفسير فعليه بمقاتل بن سليمان. وروى حرملة أيضاً قال: سمعت الشافعي يقول: من أراد أن يتبحر في الفقه فهو عيال علي أبي حنيفة.
وأخذ الفقه عن حماد بن أبي سليمان راوية إبراهيم وقد كان في أيامه أربعة من الصحابة: أنس بن مالك وعبد الله بن أبي أوفى الأنصاري وأبو الطفيل عامر ين واثلة وسهل بن سعد الساعدي وجماعة من التابعين كالشعبي والنخعي وعلي بن الحسين وغيرهم، وقد مضى تاريخ وفاتهم، ولم يأخذ أبو حنيفة عن أحد منهم، وقد أخذ عنه خلق كثير نذكرهم في غير هذا الموضع إن شاء الله تعالى.
قال الشافعي: قيل لمالك: هل رأيت أبا حنيفة؟ قال: نعم، رأيت رجلاً لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهباً لقام بحجته. وروى حرملة عن الشافعي قال: من أراد الحديث الصحيح فعليه بمالك، ومن أراد الجدل فعليه بأبي حنيفة، ومن أراد التفسير فعليه بمقاتل بن سليمان. وروى حرملة أيضاً قال: سمعت الشافعي يقول: من أراد أن يتبحر في الفقه فهو عيال علي أبي حنيفة.
وأخذ الفقه عن حماد بن أبي سليمان راوية إبراهيم وقد كان في أيامه أربعة من الصحابة: أنس بن مالك وعبد الله بن أبي أوفى الأنصاري وأبو الطفيل عامر ين واثلة وسهل بن سعد الساعدي وجماعة من التابعين كالشعبي والنخعي وعلي بن الحسين وغيرهم، وقد مضى تاريخ وفاتهم، ولم يأخذ أبو حنيفة عن أحد منهم، وقد أخذ عنه خلق كثير نذكرهم في غير هذا الموضع إن شاء الله تعالى.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=159081&book=5550#c1ff89
أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيْرَازِيُّ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَلِيِّ بنِ يُوْسُفَ
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، القُدْوَةُ، المُجْتَهِدُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو إِسْحَاقَ
إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَلِيِّ بنِ يُوْسُفَ الفَيْروزآبَادِيُّ، الشيرَازِيُّ، الشَّافِعِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ، قِيْلَ: لَقَبُه جَمَالُ الدِّيْنِ.مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
تَفقه عَلَى: أَبِي عَبْدِ اللهِ البَيْضَاوِيّ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ بن رَامِين بَشِيْرَاز، وَأَخَذَ بِالبَصْرَةِ عَنِ الخَرَزِي.
وَقَدِمَ بَغْدَاد سَنَة خَمْسَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة، فَلزمَ أَبَا الطَّيب، وَبَرَعَ، وَصَارَ مُعيدَه، وَكَانَ يُضرب المَثَل بفصَاحته وَقوَّةِ مُنَاظرته.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي عَلِيّ بن شَاذَانَ، وَأَبِي بَكْرٍ البَرْقَانِي، وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْد اللهِ الخَرْجُوشِي.
حَدَّثَ عَنْهُ: الخَطِيْبُ، وَأَبُو الوَلِيْدِ البَاجِي، وَالحُمَيْدِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ
ابْن السَّمَرْقَنْدِيّ، وَأَبُو البَدر الكَرْخِيّ، وَالزَّاهِدُ يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ، وَأَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيّ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ عَبْدِ السَّلاَم، وَأَحْمَدُ بنُ نَصْرِ بن حِمَّان الهَمَذَانِيّ خَاتِمَةُ مِنْ رَوَى عَنْهُ.قَالَ السَّمْعَانِيّ: هُوَ إِمَامُ الشَّافِعِيَّة، وَمُدَرِّس النِّظَامِيَّة، وَشيخ العَصْر.
رَحل النَّاسُ إِلَيْهِ مِنَ البِلاَد، وَقَصدُوْهُ، وَتَفَرَّد بِالعِلْمِ الوَافر مَعَ السيرَةِ الجمِيْلَة، وَالطّرِيقَةِ المَرْضِيَّة.
جَاءته الدُّنْيَا صَاغرَةً، فَأَبَاهَا، وَاقتصر عَلَى خُشونَة الْعَيْش أَيَّامَ حيَاتِه.
صَنَّف فِي الأُصُوْل وَالفروعِ وَالخلاَفِ وَالمَذْهَب، وَكَانَ زَاهِداً، وَرِعاً، مُتوَاضعاً، ظرِيفاً، كَرِيْماً، جَوَاداً، طَلْقَ الوَجْه، دَائِمَ البِشْر، مليحَ المُحاورَة.
حَدَّثَنَا عَنْهُ جَمَاعَةٌ كَثِيْرَة.
حُكِي عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ نَائِماً بِبَغْدَادَ، فَرَأَيْت النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! بَلَغَنِي عَنْكَ أَحَادِيْثُ كَثِيْرَةٌ عَنْ نَاقلِي الأَخْبَار، فَأُرِيْد أَنْ أَسْمَع مِنْكَ حَدِيْثاً أَتشرَّف بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَأَجعله ذُخراً لِلآخِرَة، فَقَالَ لِي: يَا شَيْخ! - وَسمَّانِي شَيْخاً، وَخَاطبنِي بِهِ. وَكَانَ يَفرح بِهَذَا - قل عَنِّي: مَنْ أَرَادَ السَّلاَمَةَ، فَلْيَطْلُبهَا فِي سلاَمَةِ غَيْره.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ هَذَا بِمَرْوَ مِنْ أَبِي القَاسِمِ حَيْدَر بن مَحْمُوْد الشيرَازِي، أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ.
وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: أَنَّ رَجُلاً أَخسَأَ كلباً، فَقَالَ: مَهْ! الطَّرِيْقُ بَيْنك وَبَيْنَهُ.
وَعَنْهُ: أَنَّهُ اشْتَهَى ثرِيْداً بِمَاء باقلاَّء، قَالَ: فَمَا صَحَّ لِي أَكلُه لاشتغَالِي بِالدَّرس وَأَخَذِي النّوبَة.قَالَ السَّمْعَانِيّ: قَالَ أَصْحَابنَا بِبَغْدَادَ: كَانَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاقَ إِذَا بَقِيَ مُدَّةً لاَ يَأْكُل شَيْئاً، صَعد إِلَى النَّصرِيَّة وَلَهُ بِهَا صَدِيْق، فَكَانَ يَثْرِدُ لَهُ رَغِيْفاً، وَيَشرَبُه بِمَاء البَاقلاَّء، فَرُبَّمَا صعد إِلَيْهِ وَقَدْ فَرغ، فَيَقُوْلُ أَبُو إِسْحَاقَ: {تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} [النَّازعَات:12]
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الشَّاشِيّ: أَبُو إِسْحَاقَ حُجَّةُ اللهِ عَلَى أَئِمَّة العَصْر.
وَقَالَ المُوفَّق الحَنَفِيّ: أَبُو إِسْحَاقَ أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ فِي الفُقَهَاء.
قَالَ القَاضِي ابْن هَانِئ :إِمَامَانِ مَا اتَّفَقَ لَهُمَا الحَجّ، أَبُو إِسْحَاقَ، وَقَاضِي القُضَاة أَبُو عَبْدِ اللهِ الدَّامغَانِيّ، أَمَا أَبُو إِسْحَاقَ فَكَانَ فَقيراً، وَلَوْ أَرَادَه لحملُوْهُ عَلَى الأَعْنَاق، وَالآخر لَوْ أَرَادَهُ لأَمكنه عَلَى السُّندس وَالاسْتَبْرق.
السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ القَاسِمِ الشَّهْرُزُورِيّ بِالمَوْصِلِ يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخُنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِذَا أَخْطَأَ أَحَدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ: أَيُّ سكتَةٍ فَاتَتْكَ ؟!
قَالَ: وَكَانَ يَتَوَسْوَسُ - يَعْنِي: فِي المَاء -. وَسَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ
الأَنْمَاطِيّ يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو إِسْحَاقَ يَتوضَّأُ فِي الشطّ، وَيَشُكُّ فِي غَسْلِ وَجهه، حَتَّى يُغَسِّله مَرَّات، فَقَالَ لَهُ رَجُل: يَا شَيْخ! مَا هَذَا؟قَالَ: لَوْ صَحَّتْ لِيَ الثَّلاَثُ مَا زِدْت عَلَيْهَا.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: دَخَلَ أَبُو إِسْحَاقَ يَوْماً مَسْجِداً ليتغدَّى، فَنَسِيَ دِيْنَاراً، ثُمَّ ذَكَرَ، فَرَجَعَ، فَوَجَده، فَفَكَّر، وَقَالَ: لَعَلَّهُ وَقَعَ مِنْ غَيْرِي، فَتركه.
قِيْلَ: إِنَّ ظَاهِراً النَّيْسَابُوْرِيّ خَرَّجَ لأَبِي إِسْحَاقَ جُزْءاً، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ.
وَمرَّة: أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ البَزَّاز.
وَمرَّة: أَخْبَرَنَا الحَسَنُ ابْن أَبِي بَكْرٍ الفَارِسِيّ، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟
قَالَ: هُوَ ابْنُ شَاذَانَ.
فَقَالَ: مَا أُرِيْدُ هَذَا الْجُزْء، التَّدْليسُ أَخُو الْكَذِب.
قَالَ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيّ: أَتيت أَبَا إِسْحَاقَ بفُتْيَا فِي الطَّرِيْق، فَأَخَذَ قلم خَبَّازٍ، وَكَتَبَ، ثُمَّ مسحَ الْقَلَم فِي ثَوْبه.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ جَمَاعَة يَقُوْلُوْنَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو إِسْحَاقَ نَيْسَابُوْر رَسُوْلاً تَلَقَّوْهُ، وَحَمَلَ إِمَام الحَرَمَيْنِ غَاشِيَتَه، وَمَشَى بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَالَ: أَفتخِرُ بِهَذَا.
وَكَانَ عَامَّة المدرّسين بِالعِرَاقِ وَالجِبَال تَلاَمِذته وَأَتْبَاعه - وَكفَاهم بِذَلِكَ
فَخراً - وَكَانَ يُنْشِدُ الأَشعَارَ المَلِيْحَة، وَيُوردُهَا، وَيَحفَظُ مِنْهَا الكَثِيْر.وَعَنْهُ قَالَ: العِلْمُ الَّذِي لاَ يَنْتَفِعُ بِهِ صَاحِبُه أَنْ يَكُوْنَ الرَّجُل عَالِماً وَلاَ يَكُوْن عَامِلاً.
وَقَالَ: الجَاهِلُ بِالعالِمِ يَقتدي، فَإِذَا كَانَ العَالِم لاَ يَعملُ، فَالجَاهِلُ مَا يَرْجُو مِنْ نَفْسِهِ؟ فَاللَّهَ اللَّهَ يَا أَوْلاَدِي! نَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ عِلْمٍ يَصِيْر حَجَّةً عَلَيْنَا.
قِيْلَ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحِيْم بنَ القُشَيْرِيّ جلس بِجَنْبِ الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاقَ، فَأَحسَّ بثِقلٍ فِي كُمِّهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا سيدنَا؟
قَالَ: قرصِي الملاَح، وَكَانَ يَحملهُمَا فِي كُمِّهِ لِلتَّكَلُّفِ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: رَأَيْت بخطِّ أَبِي إِسْحَاقَ رُقعَةً فِيْهَا نُسخَةُ مَا رَآهُ أَبُو مُحَمَّدٍ المزِيديّ :رَأَيْتُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ لَيْلَة جُمُعَةٍ أَبَا إِسْحَاقَ الفِيروزآبَادِيّ فِي مَنَامِي يَطيرُ مَعَ أَصْحَابه فِي السَّمَاءِ الثَّالِثَة أَوِ الرَّابِعَة، فَتحيَّرتُ، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا هُوَ الشَّيْخُ الإِمَام مَعَ أَصْحَابه يَطيرُ وَأَنَا مَعَهُم، فَكُنْتُ فِي هَذِهِ الفكرَة إِذْ تلقَّى الشَّيْخَ مَلَكٌ، وَسلَّم عَلَيْهِ عَنِ الرَّبِّ تَعَالَى، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَقرَأُ عَلَيْك السَّلاَمَ وَيَقُوْلُ: مَا تُدَرِّسُ لأَصْحَابك؟
قَالَ: أُدَرِّس مَا نُقِلَ عَنْ صَاحِب الشَّرع.
قَالَ لَهُ الملكُ: فَاقرَأْ عليَّ شَيْئاً أَسْمَعه.
فَقَرَأَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ مَسْأَلَةً لاَ أَذْكُرُهَا، ثُمَّ رَجَعَ المَلَكُ بَعْد سَاعَةٍ إِلَى الشَّيْخ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَقُوْلُ:
الحَقُّ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ وَأَصْحَابُك، فَادخُلِ الجَنَّةَ مَعَهُم.قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: كُنْتُ أُعيدُ كُلَّ قِيَاسٍ أَلفَ مرَّة، فَإِذَا فَرغتُ أَخذتُ قيَاساً آخر عَلَى هَذَا، وَكُنْتُ أُعيْدُ كُلّ دَرْسٍ أَلفَ مرَّة، فَإِذَا كَانَ فِي المَسْأَلَة بَيْتٌ يُسْتَشهدُ بِهِ حَفِظتُ القصيدَة الَّتِي فِيْهَا البَيْت.
كَانَ الوَزِيْرُ ابْنُ جَهِير كَثِيْراً مَا يَقُوْلُ: الإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ وَحيدُ عصره، وَفرِيْدُ دَهْرِهِ، وَمُسْتجَابُ الدَّعوَة.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: لمَا خَرَجَ أَبُو إِسْحَاقَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، خَرَجَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ تَلاَمِذته كَأَبِي بَكْرٍ الشَّاشِيّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الطَّبرِيّ، وَأَبِي مُعَاذ الأَنْدَلُسِيّ، وَالقَاضِي عليّ المَيَانَجِيّ، وَقَاضِي البَصْرَةِ ابْنِ فِتيَان، وَأَبِي الحَسَنِ الآمِدِيّ، وَأَبِي القَاسِمِ الزَّنْجَانِيّ، وَأَبِي عَلِيٍّ الفَارِقِيّ، وَأَبِي العَبَّاسِ بن الرُّطبِيّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: وَلدَ أَبُو إِسْحَاقَ بِفيْرُوزآبَاد - بُليدَة بفَارِس - وَنَشَأَ بِهَا، وَقرَأَ الفِقْهَ بَشِيْرَاز عَلَى أَبِي القَاسِمِ الدَّارَكِيّ، وَعَلَى أَبِي الطَّيِّب الطَّبَرِيّ صَاحِب المَاسَرْجِسِيّ، وَعَلَى الزَّجَّاجِيّ صَاحِبِ ابْن القَاصّ، وَقرَأَ الكَلاَمَ عَلَى أَبِي حَاتِمٍ القَزْوِيْنِيّ صَاحِبِ ابْن البَاقِلاَّنِيّ، وَخَطُّه فِي غَايَة الرَّدَاءة.
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ الجُرْجَانِيّ القَاضِي: كَانَ أَبُو إِسْحَاقَ لاَ يَملك شَيْئاً، بلغَ بِهِ الفَقْر، حَتَّى كَانَ لاَ يَجدُ قُوتاً وَلاَ مَلْبَساً، كُنَّا نَأْتيه وَهُوَ سَاكنٌ فِي القَطيعَة،
فِيقوم لَنَا نِصْف قَوْمَةٍ، كِي لاَ يظْهر مِنْهُ شَيْءٌ مِنَ العُرِي، وَكُنْتُ أَمْشِي مَعَهُ، فَتعلَّقَ بِهِ باقلاَّنِيّ، وَقَالَ: يَا شَيْخُ! كَسَرْتَنِي وَأَفقرتَنِي! فَقُلْنَا: وَكم لَكَ عِنْدَهُ؟قَالَ: حَبَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ حبتَان وَنِصْف.
وَقَالَ ابْنُ الخَاضبَة: كَانَ ابْنُ أَبِي عقيل يَبعث مِنْ صُوْر إِلَى الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاقَ البَدْلَة وَالعِمَامَة المُثَمَّنَة، فَكَانَ لاَ يَلْبَس العِمَامَة حَتَّى يَغسلهَا فِي دِجْلَة، وَيَقْصِد طهَارتهَا.
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا إِسْحَاقَ نَزع عِمَامَته - وَكَانَتْ بِعِشْرِيْنَ دِيْنَاراً - وَتوضَأَ فِي دِجْلَة، فَجَاءَ لِصٌّ، فَأَخَذَهَا، وَتركَ عِمَامَةً رديئَةً بَدَلهَا، فَطَلَعَ الشَّيْخ، فَلبِسهَا، وَمَا شعر حَتَّى سَأَلُوْهُ وَهُوَ يدرّس، فَقَالَ: لَعَلَّ الَّذِي أَخَذَهَا مُحْتَاج.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ الخَاضبَة: سَمِعْتُ بَعْض أَصْحَاب أَبِي إِسْحَاقَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ الشَّيْخ كَانَ يُصَلِّي عِنْد فَرَاغ كُلّ فَصلٍ مِنَ (المُهَذَّب ) .
قَالَ نِظَامُ المُلك - وَأَثْنَى عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ وَقَالَ -:كَيْفَ حَالِي مَعَ رَجُل لاَ يُفَرِّقُ بَيْنِي وَبَيْنَ نَهْروز الفَرَّاش فِي المُخَاطبَة؟
قَالَ لِي: بَارَكَ اللهُ فِيك، وَقَالَ لَهُ لَمَّا صبَّ عَلَيْهِ كَذَلِكَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الهَمَذَانِيّ: حَكَى أَبِي قَالَ: حضَرتُ مَعَ قَاضِي القُضَاة أَبِي الحَسَنِ المَاورديّ عزَاءً، فَتكلّم الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَاجلاً، فَلَمَّا خَرَجْنَا، قَالَ المَاورديّ: مَا رَأَيْتُ كَأَبِي إِسْحَاقَ! لَوْ رَآهُ الشَّافِعِيُّ لَتَجَمَّل بِهِ.
أَخْبَرَنِي الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ: سَأَلت شُجَاعاً الذُّهْلِيّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَقَالَ:إِمَامُ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ وَالمُقَدَّمُ عَلَيْهِم فِي وَقته بِبَغْدَادَ.
كَانَ ثِقَةً، وَرِعاً، صَالِحاً، عَالِماً بِالخلاَف عِلْماً لاَ يُشَاركه فِيْهِ أَحَد.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الهَمَذَانِيّ: نَدَبَ المُقتدي بِاللهِ أَبَا إِسْحَاقَ لِلرسليَة إِلَى المعَسْكَر، فَتوجَّه فِي آخِرِ سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ، فَكَانَ يَخْرُجُ إِلَيْهِ أَهْلُ البَلَد بِنسَائِهِم وَأَولأَدْهم يَمْسَحُوْنَ أَرْدَانه، وَيَأْخذُوْنَ تُرَابَ نَعليه يَسْتَشفُوْنَ بِهِ، وَخَرَجَ الخَبَّازون، وَنثرُوا الْخبز، وَهُوَ يَنهَاهُم، وَلاَ يَنْتهون، وَخَرَجَ أَصْحَاب الفَاكِهَة وَالحلوَاء، وَنثرُوا عَلَى الأَسَاكفَة، وَعملُوا مدَاسَاتٍ صغَاراً، وَنَثَرُوهَا، وَهِيَ تَقَعُ عَلَى رُؤُوْس النَّاسِ، وَالشَّيْخُ يَعْجَبُ، وَقَالَ لَنَا: رَأَيتُم النِّثَار، وَمَا وَصلَ إِلَيْكُم مِنْهُ؟ فَقَالُوا: يَا سيّدي! وَأَنْت أَيَّ شَيْءٍ كَانَ حظُّكَ مِنْهُ؟
قَالَ: أَنَا غَطَّيْتُ نَفْسِي بِالمِحَفَّة.
قَالَ شِيْرَوَيْه الدَّيلمِيّ فِي (تَارِيخ هَمَذَان) :أَبُو إِسْحَاقَ إِمَامُ عصره قَدِمَ عَلَيْنَا رَسُوْلاً إِلَى السُّلْطَانِ مَلِكْشَاه، سَمِعْتُ مِنْهُ، وَكَانَ ثِقَةً فَقِيْهاً زَاهِداً فِي الدُّنْيَا عَلَى التّحقيق، أَوحدَ زَمَانه.
قَالَ خَطيبُ المَوْصِل أَبُو الفَضْلِ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: تَوجهتُ مِنَ المَوْصِل سَنَة إِلَى أَبِي إِسْحَاقَ، فَلَمَّا حضَرتُ عِنْدَهُ رحَّب بِي، وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟
فَقُلْتُ: مِنَ المَوْصِل.
قَالَ: مَرْحَباً أَنْتَ بَلديِّي. قُلْتُ: يَا سيّدنَا!
أَنْتَ مِنْ فِيروزآبَاد. قَالَ: أَمَا جَمَعتنَا سَفِيْنَةُ نُوْح ؟ فَشَاهَدتُ مِنْ حُسن أَخلاَقه وَلطَافته وَزُهْده مَا حبَّبَ إِلَيَّ لُزومَه، فَصَحِبته إِلَى أَنْ مَاتَ.تُوُفِّيَ: لَيْلَة الحَادِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة بِبَغْدَادَ، وَأُحضر إِلَى دَار أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ المُقتدي بِاللهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَة بَاب أَبرز، وَعُمِلَ العزَاء بِالنّظَامِيَّة، وَصَلَّى عَلَيْهِ صَاحِبُه أَبُو عَبْدِ اللهِ الطَّبرِيّ، ثُمَّ رتَّب المُؤَيَّدُ بنُ نِظَام الْملك بَعْدَهُ فِي تَدْرِيس النّظَامِيَّة أَبَا سَعْد المُتولِّي، فَلَمَّا بلغَ ذَلِكَ النّظَامَ، كتبَ بِإِنْكَار ذَلِكَ، وَقَالَ: كَانَ مِنَ الوَاجِب أَنْ تُغلق المدرسَةُ سَنَةً مِنْ أَجْل الشَّيْخ.
وَعَاب عَلَى مَنْ تَولَّى، وَأَمر أَنْ يُدَرِّس الإِمَامُ، أَبُو نَصْرٍ عبدُ السَّيِّد بنُ الصّبَّاغ بِهَا.
قُلْتُ: درَّس بِهَا الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ بَعْدَ تَمَنُّع، وَلَمْ يَتَنَاوَل جَامَكِيَّةً أَصلاً، وَكَانَ يَقتصِرُ عَلَى عِمَامَةٍ صغِيرَة وَثَوْبٍ قُطنِي، وَيَقْنَعُ بِالقُوْت، وَكَانَ الفَقِيْهُ رَافِعٌ الحَمَّال رفِيقَه فِي الاشتغَال، فِيحمل شطرَ نَهَاره بِالأُجرَة، وَيُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَبِي إِسْحَاقَ، ثُمَّ إِنَّ رَافِعاً حَجَّ وَجَاور، وَصَارَ فَقِيْهَ الْحرم فِي حُدُوْدِ الأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَمَاتَ أَبُو إِسْحَاقَ، وَلَمْ يُخَلِّف دِرْهَماً، وَلاَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. وَكَذَا فَلْيَكُنِ
الزُّهْدُ، وَمَا تَزَوَّجَ فِيمَا أَعْلَم، وَبِحُسْن نِيتهِ فِي العِلْمِ اشتهرتْ تَصَانِيْفُه فِي الدُّنْيَا، (كَالمهذَّب ) ، وَ (التَّنْبِيه ) ، وَ (اللُّمَع فِي أُصُوْل الفِقْه)، وَ (شَرْح اللمع) ، (وَالمعونَة فِي الجَدَل) ، وَ (الْمُلَخَّص فِي أُصُوْل الفِقْه) ، وَغَيْر ذَلِكَ.وَمِنْ شِعْرِهِ:
أُحِبُّ الكَأْسَ مِنْ غَيْرِ المُدَامِ ... وَأَلهُوَ بِالحسَابِ بِلاَ حَرَامِ
وَمَا حُبِّي لِفَاحِشَةٍ وَلَكِنْ ... رَأَيْتُ الحُبَّ أَخلاَقَ الكِرَامِ
وَقَالَ:
سَأَلْتُ النَّاسَ عَنْ خِلٍّ وَفِيٍّ ... فَقَالُوا: مَا إِلَى هَذَا سَبِيْلُ
تَمَسَّكْ إِنْ ظَفِرْتَ بِوُدِّ حُرٍّ ... فَإِنَّ الحُرَّ فِي الدُّنْيَا قَلِيْلُ
وَلعَاصِم بنِ الحَسَنِ فِيْهِ:
تَرَاهُ مِنَ الذَّكَاءِ نَحِيْفَ جِسْمٍ ... عَلَيْهِ مِنْ تَوَقُّدِهِ دَلِيْلُإِذَا كَانَ الفَتَى ضَخْمَ المَعَانِي ... فَلَيْسَ يَضِيْرُهُ الجِسْمُ النَّحِيْلُ
وَلأَبِي القَاسِمِ بن نَاقيَاء يَرثيه :
أَجْرَى المَدَامِعَ بِالدَّمِ المُهْرَاقِ ... خَطْبٌ أَقَامَ قِيَامَةَ الآمَاقِ
خَطْبٌ شَجَا مِنَّا القُلُوبَ بِلَوْعَةٍ ... بَيْنَ التَّرَاقِي مَا لَهَا مِنْ رَاقِ
مَا لِلَّيَالِي لاَ تُؤَلِّفُ شَمْلَهَا ... بَعْد ابْن بَجْدَتِهَا أَبِي إِسْحَاقِ
إِن قِيْلَ مَاتَ فَلَمْ يَمُتْ مَنْ ذِكْرُهُ ... حَيٌّ عَلَى مَرِّ اللَّيَالِي بَاقِ
وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى خُرَاسَانَ، فَمَا دَخَلتُ بلدَة إِلاَّ كَانَ قَاضِيهَا أَوْ خطيبُهَا أَوْ مُفتيهَا مِنْ أَصْحَابِي.
قَالَ أَنْوشتِكين الرّضوَانِيّ: أَنشدنِي أَبُو إِسْحَاقَ الشيرَازِيّ لِنَفْسِهِ:
وَلَوْ أَنِّي جُعِلْتُ أَمِيْرَ جَيْشٍ ... لَما قَاتَلْتُ إِلاَّ بِالسُّؤَاللأَنَّ النَّاسَ يَنهزمُوْنَ مِنْهُ ... وَقَدْ ثَبَتُوا لأَطرَافِ العَوَالِي
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، القُدْوَةُ، المُجْتَهِدُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو إِسْحَاقَ
إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَلِيِّ بنِ يُوْسُفَ الفَيْروزآبَادِيُّ، الشيرَازِيُّ، الشَّافِعِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ، قِيْلَ: لَقَبُه جَمَالُ الدِّيْنِ.مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
تَفقه عَلَى: أَبِي عَبْدِ اللهِ البَيْضَاوِيّ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ بن رَامِين بَشِيْرَاز، وَأَخَذَ بِالبَصْرَةِ عَنِ الخَرَزِي.
وَقَدِمَ بَغْدَاد سَنَة خَمْسَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة، فَلزمَ أَبَا الطَّيب، وَبَرَعَ، وَصَارَ مُعيدَه، وَكَانَ يُضرب المَثَل بفصَاحته وَقوَّةِ مُنَاظرته.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي عَلِيّ بن شَاذَانَ، وَأَبِي بَكْرٍ البَرْقَانِي، وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْد اللهِ الخَرْجُوشِي.
حَدَّثَ عَنْهُ: الخَطِيْبُ، وَأَبُو الوَلِيْدِ البَاجِي، وَالحُمَيْدِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ
ابْن السَّمَرْقَنْدِيّ، وَأَبُو البَدر الكَرْخِيّ، وَالزَّاهِدُ يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ، وَأَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيّ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ عَبْدِ السَّلاَم، وَأَحْمَدُ بنُ نَصْرِ بن حِمَّان الهَمَذَانِيّ خَاتِمَةُ مِنْ رَوَى عَنْهُ.قَالَ السَّمْعَانِيّ: هُوَ إِمَامُ الشَّافِعِيَّة، وَمُدَرِّس النِّظَامِيَّة، وَشيخ العَصْر.
رَحل النَّاسُ إِلَيْهِ مِنَ البِلاَد، وَقَصدُوْهُ، وَتَفَرَّد بِالعِلْمِ الوَافر مَعَ السيرَةِ الجمِيْلَة، وَالطّرِيقَةِ المَرْضِيَّة.
جَاءته الدُّنْيَا صَاغرَةً، فَأَبَاهَا، وَاقتصر عَلَى خُشونَة الْعَيْش أَيَّامَ حيَاتِه.
صَنَّف فِي الأُصُوْل وَالفروعِ وَالخلاَفِ وَالمَذْهَب، وَكَانَ زَاهِداً، وَرِعاً، مُتوَاضعاً، ظرِيفاً، كَرِيْماً، جَوَاداً، طَلْقَ الوَجْه، دَائِمَ البِشْر، مليحَ المُحاورَة.
حَدَّثَنَا عَنْهُ جَمَاعَةٌ كَثِيْرَة.
حُكِي عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ نَائِماً بِبَغْدَادَ، فَرَأَيْت النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! بَلَغَنِي عَنْكَ أَحَادِيْثُ كَثِيْرَةٌ عَنْ نَاقلِي الأَخْبَار، فَأُرِيْد أَنْ أَسْمَع مِنْكَ حَدِيْثاً أَتشرَّف بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَأَجعله ذُخراً لِلآخِرَة، فَقَالَ لِي: يَا شَيْخ! - وَسمَّانِي شَيْخاً، وَخَاطبنِي بِهِ. وَكَانَ يَفرح بِهَذَا - قل عَنِّي: مَنْ أَرَادَ السَّلاَمَةَ، فَلْيَطْلُبهَا فِي سلاَمَةِ غَيْره.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ هَذَا بِمَرْوَ مِنْ أَبِي القَاسِمِ حَيْدَر بن مَحْمُوْد الشيرَازِي، أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ.
وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: أَنَّ رَجُلاً أَخسَأَ كلباً، فَقَالَ: مَهْ! الطَّرِيْقُ بَيْنك وَبَيْنَهُ.
وَعَنْهُ: أَنَّهُ اشْتَهَى ثرِيْداً بِمَاء باقلاَّء، قَالَ: فَمَا صَحَّ لِي أَكلُه لاشتغَالِي بِالدَّرس وَأَخَذِي النّوبَة.قَالَ السَّمْعَانِيّ: قَالَ أَصْحَابنَا بِبَغْدَادَ: كَانَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاقَ إِذَا بَقِيَ مُدَّةً لاَ يَأْكُل شَيْئاً، صَعد إِلَى النَّصرِيَّة وَلَهُ بِهَا صَدِيْق، فَكَانَ يَثْرِدُ لَهُ رَغِيْفاً، وَيَشرَبُه بِمَاء البَاقلاَّء، فَرُبَّمَا صعد إِلَيْهِ وَقَدْ فَرغ، فَيَقُوْلُ أَبُو إِسْحَاقَ: {تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} [النَّازعَات:12]
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الشَّاشِيّ: أَبُو إِسْحَاقَ حُجَّةُ اللهِ عَلَى أَئِمَّة العَصْر.
وَقَالَ المُوفَّق الحَنَفِيّ: أَبُو إِسْحَاقَ أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ فِي الفُقَهَاء.
قَالَ القَاضِي ابْن هَانِئ :إِمَامَانِ مَا اتَّفَقَ لَهُمَا الحَجّ، أَبُو إِسْحَاقَ، وَقَاضِي القُضَاة أَبُو عَبْدِ اللهِ الدَّامغَانِيّ، أَمَا أَبُو إِسْحَاقَ فَكَانَ فَقيراً، وَلَوْ أَرَادَه لحملُوْهُ عَلَى الأَعْنَاق، وَالآخر لَوْ أَرَادَهُ لأَمكنه عَلَى السُّندس وَالاسْتَبْرق.
السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ القَاسِمِ الشَّهْرُزُورِيّ بِالمَوْصِلِ يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخُنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِذَا أَخْطَأَ أَحَدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ: أَيُّ سكتَةٍ فَاتَتْكَ ؟!
قَالَ: وَكَانَ يَتَوَسْوَسُ - يَعْنِي: فِي المَاء -. وَسَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ
الأَنْمَاطِيّ يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو إِسْحَاقَ يَتوضَّأُ فِي الشطّ، وَيَشُكُّ فِي غَسْلِ وَجهه، حَتَّى يُغَسِّله مَرَّات، فَقَالَ لَهُ رَجُل: يَا شَيْخ! مَا هَذَا؟قَالَ: لَوْ صَحَّتْ لِيَ الثَّلاَثُ مَا زِدْت عَلَيْهَا.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: دَخَلَ أَبُو إِسْحَاقَ يَوْماً مَسْجِداً ليتغدَّى، فَنَسِيَ دِيْنَاراً، ثُمَّ ذَكَرَ، فَرَجَعَ، فَوَجَده، فَفَكَّر، وَقَالَ: لَعَلَّهُ وَقَعَ مِنْ غَيْرِي، فَتركه.
قِيْلَ: إِنَّ ظَاهِراً النَّيْسَابُوْرِيّ خَرَّجَ لأَبِي إِسْحَاقَ جُزْءاً، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ.
وَمرَّة: أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ البَزَّاز.
وَمرَّة: أَخْبَرَنَا الحَسَنُ ابْن أَبِي بَكْرٍ الفَارِسِيّ، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟
قَالَ: هُوَ ابْنُ شَاذَانَ.
فَقَالَ: مَا أُرِيْدُ هَذَا الْجُزْء، التَّدْليسُ أَخُو الْكَذِب.
قَالَ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيّ: أَتيت أَبَا إِسْحَاقَ بفُتْيَا فِي الطَّرِيْق، فَأَخَذَ قلم خَبَّازٍ، وَكَتَبَ، ثُمَّ مسحَ الْقَلَم فِي ثَوْبه.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ جَمَاعَة يَقُوْلُوْنَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو إِسْحَاقَ نَيْسَابُوْر رَسُوْلاً تَلَقَّوْهُ، وَحَمَلَ إِمَام الحَرَمَيْنِ غَاشِيَتَه، وَمَشَى بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَالَ: أَفتخِرُ بِهَذَا.
وَكَانَ عَامَّة المدرّسين بِالعِرَاقِ وَالجِبَال تَلاَمِذته وَأَتْبَاعه - وَكفَاهم بِذَلِكَ
فَخراً - وَكَانَ يُنْشِدُ الأَشعَارَ المَلِيْحَة، وَيُوردُهَا، وَيَحفَظُ مِنْهَا الكَثِيْر.وَعَنْهُ قَالَ: العِلْمُ الَّذِي لاَ يَنْتَفِعُ بِهِ صَاحِبُه أَنْ يَكُوْنَ الرَّجُل عَالِماً وَلاَ يَكُوْن عَامِلاً.
وَقَالَ: الجَاهِلُ بِالعالِمِ يَقتدي، فَإِذَا كَانَ العَالِم لاَ يَعملُ، فَالجَاهِلُ مَا يَرْجُو مِنْ نَفْسِهِ؟ فَاللَّهَ اللَّهَ يَا أَوْلاَدِي! نَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ عِلْمٍ يَصِيْر حَجَّةً عَلَيْنَا.
قِيْلَ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحِيْم بنَ القُشَيْرِيّ جلس بِجَنْبِ الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاقَ، فَأَحسَّ بثِقلٍ فِي كُمِّهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا سيدنَا؟
قَالَ: قرصِي الملاَح، وَكَانَ يَحملهُمَا فِي كُمِّهِ لِلتَّكَلُّفِ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: رَأَيْت بخطِّ أَبِي إِسْحَاقَ رُقعَةً فِيْهَا نُسخَةُ مَا رَآهُ أَبُو مُحَمَّدٍ المزِيديّ :رَأَيْتُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ لَيْلَة جُمُعَةٍ أَبَا إِسْحَاقَ الفِيروزآبَادِيّ فِي مَنَامِي يَطيرُ مَعَ أَصْحَابه فِي السَّمَاءِ الثَّالِثَة أَوِ الرَّابِعَة، فَتحيَّرتُ، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا هُوَ الشَّيْخُ الإِمَام مَعَ أَصْحَابه يَطيرُ وَأَنَا مَعَهُم، فَكُنْتُ فِي هَذِهِ الفكرَة إِذْ تلقَّى الشَّيْخَ مَلَكٌ، وَسلَّم عَلَيْهِ عَنِ الرَّبِّ تَعَالَى، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَقرَأُ عَلَيْك السَّلاَمَ وَيَقُوْلُ: مَا تُدَرِّسُ لأَصْحَابك؟
قَالَ: أُدَرِّس مَا نُقِلَ عَنْ صَاحِب الشَّرع.
قَالَ لَهُ الملكُ: فَاقرَأْ عليَّ شَيْئاً أَسْمَعه.
فَقَرَأَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ مَسْأَلَةً لاَ أَذْكُرُهَا، ثُمَّ رَجَعَ المَلَكُ بَعْد سَاعَةٍ إِلَى الشَّيْخ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَقُوْلُ:
الحَقُّ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ وَأَصْحَابُك، فَادخُلِ الجَنَّةَ مَعَهُم.قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: كُنْتُ أُعيدُ كُلَّ قِيَاسٍ أَلفَ مرَّة، فَإِذَا فَرغتُ أَخذتُ قيَاساً آخر عَلَى هَذَا، وَكُنْتُ أُعيْدُ كُلّ دَرْسٍ أَلفَ مرَّة، فَإِذَا كَانَ فِي المَسْأَلَة بَيْتٌ يُسْتَشهدُ بِهِ حَفِظتُ القصيدَة الَّتِي فِيْهَا البَيْت.
كَانَ الوَزِيْرُ ابْنُ جَهِير كَثِيْراً مَا يَقُوْلُ: الإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ وَحيدُ عصره، وَفرِيْدُ دَهْرِهِ، وَمُسْتجَابُ الدَّعوَة.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: لمَا خَرَجَ أَبُو إِسْحَاقَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، خَرَجَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ تَلاَمِذته كَأَبِي بَكْرٍ الشَّاشِيّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الطَّبرِيّ، وَأَبِي مُعَاذ الأَنْدَلُسِيّ، وَالقَاضِي عليّ المَيَانَجِيّ، وَقَاضِي البَصْرَةِ ابْنِ فِتيَان، وَأَبِي الحَسَنِ الآمِدِيّ، وَأَبِي القَاسِمِ الزَّنْجَانِيّ، وَأَبِي عَلِيٍّ الفَارِقِيّ، وَأَبِي العَبَّاسِ بن الرُّطبِيّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: وَلدَ أَبُو إِسْحَاقَ بِفيْرُوزآبَاد - بُليدَة بفَارِس - وَنَشَأَ بِهَا، وَقرَأَ الفِقْهَ بَشِيْرَاز عَلَى أَبِي القَاسِمِ الدَّارَكِيّ، وَعَلَى أَبِي الطَّيِّب الطَّبَرِيّ صَاحِب المَاسَرْجِسِيّ، وَعَلَى الزَّجَّاجِيّ صَاحِبِ ابْن القَاصّ، وَقرَأَ الكَلاَمَ عَلَى أَبِي حَاتِمٍ القَزْوِيْنِيّ صَاحِبِ ابْن البَاقِلاَّنِيّ، وَخَطُّه فِي غَايَة الرَّدَاءة.
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ الجُرْجَانِيّ القَاضِي: كَانَ أَبُو إِسْحَاقَ لاَ يَملك شَيْئاً، بلغَ بِهِ الفَقْر، حَتَّى كَانَ لاَ يَجدُ قُوتاً وَلاَ مَلْبَساً، كُنَّا نَأْتيه وَهُوَ سَاكنٌ فِي القَطيعَة،
فِيقوم لَنَا نِصْف قَوْمَةٍ، كِي لاَ يظْهر مِنْهُ شَيْءٌ مِنَ العُرِي، وَكُنْتُ أَمْشِي مَعَهُ، فَتعلَّقَ بِهِ باقلاَّنِيّ، وَقَالَ: يَا شَيْخُ! كَسَرْتَنِي وَأَفقرتَنِي! فَقُلْنَا: وَكم لَكَ عِنْدَهُ؟قَالَ: حَبَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ حبتَان وَنِصْف.
وَقَالَ ابْنُ الخَاضبَة: كَانَ ابْنُ أَبِي عقيل يَبعث مِنْ صُوْر إِلَى الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاقَ البَدْلَة وَالعِمَامَة المُثَمَّنَة، فَكَانَ لاَ يَلْبَس العِمَامَة حَتَّى يَغسلهَا فِي دِجْلَة، وَيَقْصِد طهَارتهَا.
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا إِسْحَاقَ نَزع عِمَامَته - وَكَانَتْ بِعِشْرِيْنَ دِيْنَاراً - وَتوضَأَ فِي دِجْلَة، فَجَاءَ لِصٌّ، فَأَخَذَهَا، وَتركَ عِمَامَةً رديئَةً بَدَلهَا، فَطَلَعَ الشَّيْخ، فَلبِسهَا، وَمَا شعر حَتَّى سَأَلُوْهُ وَهُوَ يدرّس، فَقَالَ: لَعَلَّ الَّذِي أَخَذَهَا مُحْتَاج.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ الخَاضبَة: سَمِعْتُ بَعْض أَصْحَاب أَبِي إِسْحَاقَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ الشَّيْخ كَانَ يُصَلِّي عِنْد فَرَاغ كُلّ فَصلٍ مِنَ (المُهَذَّب ) .
قَالَ نِظَامُ المُلك - وَأَثْنَى عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ وَقَالَ -:كَيْفَ حَالِي مَعَ رَجُل لاَ يُفَرِّقُ بَيْنِي وَبَيْنَ نَهْروز الفَرَّاش فِي المُخَاطبَة؟
قَالَ لِي: بَارَكَ اللهُ فِيك، وَقَالَ لَهُ لَمَّا صبَّ عَلَيْهِ كَذَلِكَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الهَمَذَانِيّ: حَكَى أَبِي قَالَ: حضَرتُ مَعَ قَاضِي القُضَاة أَبِي الحَسَنِ المَاورديّ عزَاءً، فَتكلّم الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَاجلاً، فَلَمَّا خَرَجْنَا، قَالَ المَاورديّ: مَا رَأَيْتُ كَأَبِي إِسْحَاقَ! لَوْ رَآهُ الشَّافِعِيُّ لَتَجَمَّل بِهِ.
أَخْبَرَنِي الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ: سَأَلت شُجَاعاً الذُّهْلِيّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَقَالَ:إِمَامُ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ وَالمُقَدَّمُ عَلَيْهِم فِي وَقته بِبَغْدَادَ.
كَانَ ثِقَةً، وَرِعاً، صَالِحاً، عَالِماً بِالخلاَف عِلْماً لاَ يُشَاركه فِيْهِ أَحَد.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الهَمَذَانِيّ: نَدَبَ المُقتدي بِاللهِ أَبَا إِسْحَاقَ لِلرسليَة إِلَى المعَسْكَر، فَتوجَّه فِي آخِرِ سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ، فَكَانَ يَخْرُجُ إِلَيْهِ أَهْلُ البَلَد بِنسَائِهِم وَأَولأَدْهم يَمْسَحُوْنَ أَرْدَانه، وَيَأْخذُوْنَ تُرَابَ نَعليه يَسْتَشفُوْنَ بِهِ، وَخَرَجَ الخَبَّازون، وَنثرُوا الْخبز، وَهُوَ يَنهَاهُم، وَلاَ يَنْتهون، وَخَرَجَ أَصْحَاب الفَاكِهَة وَالحلوَاء، وَنثرُوا عَلَى الأَسَاكفَة، وَعملُوا مدَاسَاتٍ صغَاراً، وَنَثَرُوهَا، وَهِيَ تَقَعُ عَلَى رُؤُوْس النَّاسِ، وَالشَّيْخُ يَعْجَبُ، وَقَالَ لَنَا: رَأَيتُم النِّثَار، وَمَا وَصلَ إِلَيْكُم مِنْهُ؟ فَقَالُوا: يَا سيّدي! وَأَنْت أَيَّ شَيْءٍ كَانَ حظُّكَ مِنْهُ؟
قَالَ: أَنَا غَطَّيْتُ نَفْسِي بِالمِحَفَّة.
قَالَ شِيْرَوَيْه الدَّيلمِيّ فِي (تَارِيخ هَمَذَان) :أَبُو إِسْحَاقَ إِمَامُ عصره قَدِمَ عَلَيْنَا رَسُوْلاً إِلَى السُّلْطَانِ مَلِكْشَاه، سَمِعْتُ مِنْهُ، وَكَانَ ثِقَةً فَقِيْهاً زَاهِداً فِي الدُّنْيَا عَلَى التّحقيق، أَوحدَ زَمَانه.
قَالَ خَطيبُ المَوْصِل أَبُو الفَضْلِ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: تَوجهتُ مِنَ المَوْصِل سَنَة إِلَى أَبِي إِسْحَاقَ، فَلَمَّا حضَرتُ عِنْدَهُ رحَّب بِي، وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟
فَقُلْتُ: مِنَ المَوْصِل.
قَالَ: مَرْحَباً أَنْتَ بَلديِّي. قُلْتُ: يَا سيّدنَا!
أَنْتَ مِنْ فِيروزآبَاد. قَالَ: أَمَا جَمَعتنَا سَفِيْنَةُ نُوْح ؟ فَشَاهَدتُ مِنْ حُسن أَخلاَقه وَلطَافته وَزُهْده مَا حبَّبَ إِلَيَّ لُزومَه، فَصَحِبته إِلَى أَنْ مَاتَ.تُوُفِّيَ: لَيْلَة الحَادِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة بِبَغْدَادَ، وَأُحضر إِلَى دَار أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ المُقتدي بِاللهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَة بَاب أَبرز، وَعُمِلَ العزَاء بِالنّظَامِيَّة، وَصَلَّى عَلَيْهِ صَاحِبُه أَبُو عَبْدِ اللهِ الطَّبرِيّ، ثُمَّ رتَّب المُؤَيَّدُ بنُ نِظَام الْملك بَعْدَهُ فِي تَدْرِيس النّظَامِيَّة أَبَا سَعْد المُتولِّي، فَلَمَّا بلغَ ذَلِكَ النّظَامَ، كتبَ بِإِنْكَار ذَلِكَ، وَقَالَ: كَانَ مِنَ الوَاجِب أَنْ تُغلق المدرسَةُ سَنَةً مِنْ أَجْل الشَّيْخ.
وَعَاب عَلَى مَنْ تَولَّى، وَأَمر أَنْ يُدَرِّس الإِمَامُ، أَبُو نَصْرٍ عبدُ السَّيِّد بنُ الصّبَّاغ بِهَا.
قُلْتُ: درَّس بِهَا الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ بَعْدَ تَمَنُّع، وَلَمْ يَتَنَاوَل جَامَكِيَّةً أَصلاً، وَكَانَ يَقتصِرُ عَلَى عِمَامَةٍ صغِيرَة وَثَوْبٍ قُطنِي، وَيَقْنَعُ بِالقُوْت، وَكَانَ الفَقِيْهُ رَافِعٌ الحَمَّال رفِيقَه فِي الاشتغَال، فِيحمل شطرَ نَهَاره بِالأُجرَة، وَيُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَبِي إِسْحَاقَ، ثُمَّ إِنَّ رَافِعاً حَجَّ وَجَاور، وَصَارَ فَقِيْهَ الْحرم فِي حُدُوْدِ الأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَمَاتَ أَبُو إِسْحَاقَ، وَلَمْ يُخَلِّف دِرْهَماً، وَلاَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. وَكَذَا فَلْيَكُنِ
الزُّهْدُ، وَمَا تَزَوَّجَ فِيمَا أَعْلَم، وَبِحُسْن نِيتهِ فِي العِلْمِ اشتهرتْ تَصَانِيْفُه فِي الدُّنْيَا، (كَالمهذَّب ) ، وَ (التَّنْبِيه ) ، وَ (اللُّمَع فِي أُصُوْل الفِقْه)، وَ (شَرْح اللمع) ، (وَالمعونَة فِي الجَدَل) ، وَ (الْمُلَخَّص فِي أُصُوْل الفِقْه) ، وَغَيْر ذَلِكَ.وَمِنْ شِعْرِهِ:
أُحِبُّ الكَأْسَ مِنْ غَيْرِ المُدَامِ ... وَأَلهُوَ بِالحسَابِ بِلاَ حَرَامِ
وَمَا حُبِّي لِفَاحِشَةٍ وَلَكِنْ ... رَأَيْتُ الحُبَّ أَخلاَقَ الكِرَامِ
وَقَالَ:
سَأَلْتُ النَّاسَ عَنْ خِلٍّ وَفِيٍّ ... فَقَالُوا: مَا إِلَى هَذَا سَبِيْلُ
تَمَسَّكْ إِنْ ظَفِرْتَ بِوُدِّ حُرٍّ ... فَإِنَّ الحُرَّ فِي الدُّنْيَا قَلِيْلُ
وَلعَاصِم بنِ الحَسَنِ فِيْهِ:
تَرَاهُ مِنَ الذَّكَاءِ نَحِيْفَ جِسْمٍ ... عَلَيْهِ مِنْ تَوَقُّدِهِ دَلِيْلُإِذَا كَانَ الفَتَى ضَخْمَ المَعَانِي ... فَلَيْسَ يَضِيْرُهُ الجِسْمُ النَّحِيْلُ
وَلأَبِي القَاسِمِ بن نَاقيَاء يَرثيه :
أَجْرَى المَدَامِعَ بِالدَّمِ المُهْرَاقِ ... خَطْبٌ أَقَامَ قِيَامَةَ الآمَاقِ
خَطْبٌ شَجَا مِنَّا القُلُوبَ بِلَوْعَةٍ ... بَيْنَ التَّرَاقِي مَا لَهَا مِنْ رَاقِ
مَا لِلَّيَالِي لاَ تُؤَلِّفُ شَمْلَهَا ... بَعْد ابْن بَجْدَتِهَا أَبِي إِسْحَاقِ
إِن قِيْلَ مَاتَ فَلَمْ يَمُتْ مَنْ ذِكْرُهُ ... حَيٌّ عَلَى مَرِّ اللَّيَالِي بَاقِ
وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى خُرَاسَانَ، فَمَا دَخَلتُ بلدَة إِلاَّ كَانَ قَاضِيهَا أَوْ خطيبُهَا أَوْ مُفتيهَا مِنْ أَصْحَابِي.
قَالَ أَنْوشتِكين الرّضوَانِيّ: أَنشدنِي أَبُو إِسْحَاقَ الشيرَازِيّ لِنَفْسِهِ:
وَلَوْ أَنِّي جُعِلْتُ أَمِيْرَ جَيْشٍ ... لَما قَاتَلْتُ إِلاَّ بِالسُّؤَاللأَنَّ النَّاسَ يَنهزمُوْنَ مِنْهُ ... وَقَدْ ثَبَتُوا لأَطرَافِ العَوَالِي
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=159055&book=5550#fd3174
أَبُو صَالِحٍ المُؤَذِّنُ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَلِيٍّ
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الزَّاهِدُ، المُسْنِدُ، مُحَدِّثُ خُرَاسَانَ، أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ بَكْرٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الصُّوْفِيُّ، المُؤَذِّنُ.
أَوّل سَمَاعه كَانَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، فَسَمِعَ: أَبَا نُعَيْمٍ الإِسفرَايينِي، وَأَبَا الحَسَنِ العَلَوِيّ، وَأَبَا طَاهِرٍ بنَ مَحْمِش، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ الحَاكِم، وَحَمْزَةَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ المُهَلَّبِيّ، وَعَبْدَ اللهِ بن يُوْسُفَ الأَصْبَهَانِيّ، وَأَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ، وَأَبَا زَكَرِيَّا المزكِّي، وَطَبَقَتهُم.
وَسَمِعَ مِنْ: حَمْزَة بن
يُوْسُف السَّهْمِيّ، وَعِدَّةٍ بجُرْجَان، وَمِنْ أَبِي القَاسِمِ بن بِشْرَان، وَطَبَقَتِهِ بِبَغْدَادَ، وَمِنْ أَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظ وَنَحْوِهِ بِأَصْبَهَانَ، وَمِنَ المُسَدَّد الأُملوكِي، وَعبدِ الرَّحْمَن بن الطُّبيز الحَلَبِيّ بِدِمَشْقَ، وَمِنْ أَبِي ذَرٍّ الهَرَوِيّ بِمَكَّةَ، وَمِنَ الحَسَنِ بن الأَشْعَثِ بِمَنْبج، وَصَحِبَ الأُسْتَاذ أَبَا عليّ الدَّقَّاق، وَأَحْمَد بن نَصْرٍ الطَّالْقَانِيّ، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ، وَعَمِلَ مسوَّدَة (لِتَارِيخ مَرْو) .قَالَ زَاهِر الشَّحَّامِيّ: خَرَّجَ أَبُو صَالِحٍ أَلفَ حَدِيْث، عَنْ أَلف شَيْخ لَهُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ :قَدِمَ أَبُو صَالِحٍ عَلَيْنَا فِي حَيَاة ابْنِ بِشْرَان، وَكَتَبَ عَنِّي، وَكَتَبتُ عَنْهُ، وَكَانَ ثِقَةً.
قُلْتُ: مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة، وَأَقدمُ شَيْخٍ لَهُ أَبُو نُعَيْمٍ الإِسفرَايينِي.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ، وَزَاهِرٌ، وَوجيهٌ ابْنَا الشَّحَّامِيّ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ حُسَيْنٍ البِسْطَامِيّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ الفُرَاوِي، وَعبدُ الْمُنعم بن القُشَيْرِيّ، وَابْنُ أَخِيْهِ أَبُو الأَسْعَد هِبَةُ الرَّحْمَن بن عبد الوَاحِد، وَعِدَّة.
قَالَ عبدُ الغَافِرِ فِي (السّيَاق) :أَبُو صَالِحٍ المُؤَذِّن الأَمِيْن، المُتْقِن، المُحَدِّثُ، الصُّوْفِيّ، نَسيجُ وَحْدَه فِي طرِيقته وَجَمَعِهِ وَإِفَادته، مَا رَأَيْتُ مِثْلَه فِي حِفْظ القُرْآن وَجَمْعِ الأَحَادِيْثِ.
سَمِعَ الكَثِيْرَ، وَجَمَعَ الأَبْوَاب وَالشُّيُوْخ، وَأَذَّنَ سِنِيْنَ حُسبَةً، وَكَانَ يَحُثُّنِي عَلَى مَعْرِفَة الحَدِيْث، وَلَمْ أَتمكَّن مِنْ جمع
هَذَا الكِتَاب إِلاَّ مِنْ مُسَوَّدَاتِهِ وَمجموعَاته، فَهِيَ المرجوعُ إِلَيْهَا فِيمَا أَحتَاج إِلَى مَعْرِفَته وَتَخرِيجه ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:وَلَوْ ذَهَبتُ أَشرح مَا رَأَيْتُ مِنْهُ؛ لسوَّدتُ أَورَاقاً جَمَّة، وَمَا انتهيتُ إِلَى اسْتيفَاء ذَلِكَ مِنْ كَثْرَةِ مَا هُوَ بِصَدَدِهِ مِنَ الاشتغَال وَالقِرَاءة عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَلِيٍّ الهَمَذَانِيّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي زَكَرِيَّا المزكِّي يَقُوْلُ:
مَا يَقدرُ أَحَدٌ أَنْ يَكْذِبَ فِي هَذِهِ البلدَة وَأَبُو صَالِحٍ حَيٌّ.
وَسَمِعْتُ أَبَا المُظَفَّر مَنْصُوْراً السَّمْعَانِيّ يَقُوْلُ: إِذَا دَخَلتُم عَلَى أَبِي صَالِحٍ، فَادخلُوا بِالحُرمَة، فَإِنَّهُ نَجْمُ الزَّمَان، وَشيخُ وَقته فِي هَذَا الأَوَان.
قَالَ عبدُ الغَافِر: تُوُفِّيَ فِي سَابعِ رَمَضَان سَنَة سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: رَآهُ بَعْضُ الصَّالِحِيْنَ لَيْلَةَ وَفَاتِهِ، وَكَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَخَذَ بِيَدِهِ، وَقَالَ لَهُ: جَزَاكَ اللهُ عَنِّي خَيراً، فَنعمَ مَا أَقَمْتَ بحقِّي، وَنعمَ مَا أَديتَ مِنْ قَوْلِي، وَنشرتَ مِنْ سُنَّتِي.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عبدُ الْمعز بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ المُؤَذِّن، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزِّيَادِيّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى البَزَّاز، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بِشْر، حَدَّثَنَا بشرُ بن السَّرِيّ، حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّهُ طلَّق امْرَأَته وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَمره النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرَاجعهَا.
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحُ الإِسْنَادِ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: أَبُو صَالِحٍ حَافظٌ صُوْفِيّ، مُتْقِنٌ، نسيجُ وَحْده فِي الْجمع وَالإِفَادَة، أَذَّنَ مُدَّةً احتسَاباً، وَوعظَ فِي اللَّيْلِ، وَسَبَّح عَلَى المدرسَة البَيْهَقِيَّة، وَكَانَ تَحْتَ يَده أَوقَافُ الكُتُب وَالأَجزَاء الحَدِيْثية، فِيتعهَّد حَفِظهَا، وَيَأْخُذُ صَدَقَاتِ التُّجَّار وَالأَكَابِر، فِيوصلُهَا إِلَى المُسْتَحِقِيْنَ.أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَخْبَرَنَا زِينُ الأَمنَاء الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَمِّي أَبُو القَاسِمِ الحَافِظ، سَنَة، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي صَالِحٍ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا عُبيدُ الله بنُ إِبْرَاهِيْمَ المُزكِّي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاء، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ الوَلِيْدِ، عَنْ قَيْسٍ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ:
قَدِمَ وَفْدُ جُهَيْنَةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَ غُلاَمٌ يَتَكَلَّم، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فَأَيْنَ الكُبْرُ؟) .
وَقَدْ مَاتَ فِي سَنَةِ سَبْعِيْنَ هَذِهِ: ابْن النَّقُّوْرِ المَذْكُوْر، وَالشَّيْخ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حمَّدُوْهُ البَغْدَادِيّ المُقْرِئ، آخر مَنْ حَدَّثَ عَنِ ابْنِ سَمْعُوْنَ، وَخطيبُ دِمَشْق أَبُو نَصْرٍ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَلاَّب ؛صَاحِبُ ابْنِ جُمَيْع، وَأَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ ابْنُ الحَافِظِ الحَسَن بن مُحَمَّدٍ الخَلاَّل، وَشيخُ الحنَابلَة الشَّرِيْف أَبُو جَعْفَرٍ عبدُ الخَالِق بنُ أَبِي مُوْسَى الهَاشِمِيّ، عَنْ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً، وَنَحْوِيُّ العِرَاق أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ الوَرَّاق الضّرِير، وَمُحَدِّثُ أَصْبَهَان عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مَنْدَة العَبْدِيّ، وَآخَرُوْنَ.
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الزَّاهِدُ، المُسْنِدُ، مُحَدِّثُ خُرَاسَانَ، أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ بَكْرٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الصُّوْفِيُّ، المُؤَذِّنُ.
أَوّل سَمَاعه كَانَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، فَسَمِعَ: أَبَا نُعَيْمٍ الإِسفرَايينِي، وَأَبَا الحَسَنِ العَلَوِيّ، وَأَبَا طَاهِرٍ بنَ مَحْمِش، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ الحَاكِم، وَحَمْزَةَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ المُهَلَّبِيّ، وَعَبْدَ اللهِ بن يُوْسُفَ الأَصْبَهَانِيّ، وَأَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ، وَأَبَا زَكَرِيَّا المزكِّي، وَطَبَقَتهُم.
وَسَمِعَ مِنْ: حَمْزَة بن
يُوْسُف السَّهْمِيّ، وَعِدَّةٍ بجُرْجَان، وَمِنْ أَبِي القَاسِمِ بن بِشْرَان، وَطَبَقَتِهِ بِبَغْدَادَ، وَمِنْ أَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظ وَنَحْوِهِ بِأَصْبَهَانَ، وَمِنَ المُسَدَّد الأُملوكِي، وَعبدِ الرَّحْمَن بن الطُّبيز الحَلَبِيّ بِدِمَشْقَ، وَمِنْ أَبِي ذَرٍّ الهَرَوِيّ بِمَكَّةَ، وَمِنَ الحَسَنِ بن الأَشْعَثِ بِمَنْبج، وَصَحِبَ الأُسْتَاذ أَبَا عليّ الدَّقَّاق، وَأَحْمَد بن نَصْرٍ الطَّالْقَانِيّ، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ، وَعَمِلَ مسوَّدَة (لِتَارِيخ مَرْو) .قَالَ زَاهِر الشَّحَّامِيّ: خَرَّجَ أَبُو صَالِحٍ أَلفَ حَدِيْث، عَنْ أَلف شَيْخ لَهُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ :قَدِمَ أَبُو صَالِحٍ عَلَيْنَا فِي حَيَاة ابْنِ بِشْرَان، وَكَتَبَ عَنِّي، وَكَتَبتُ عَنْهُ، وَكَانَ ثِقَةً.
قُلْتُ: مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة، وَأَقدمُ شَيْخٍ لَهُ أَبُو نُعَيْمٍ الإِسفرَايينِي.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ، وَزَاهِرٌ، وَوجيهٌ ابْنَا الشَّحَّامِيّ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ حُسَيْنٍ البِسْطَامِيّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ الفُرَاوِي، وَعبدُ الْمُنعم بن القُشَيْرِيّ، وَابْنُ أَخِيْهِ أَبُو الأَسْعَد هِبَةُ الرَّحْمَن بن عبد الوَاحِد، وَعِدَّة.
قَالَ عبدُ الغَافِرِ فِي (السّيَاق) :أَبُو صَالِحٍ المُؤَذِّن الأَمِيْن، المُتْقِن، المُحَدِّثُ، الصُّوْفِيّ، نَسيجُ وَحْدَه فِي طرِيقته وَجَمَعِهِ وَإِفَادته، مَا رَأَيْتُ مِثْلَه فِي حِفْظ القُرْآن وَجَمْعِ الأَحَادِيْثِ.
سَمِعَ الكَثِيْرَ، وَجَمَعَ الأَبْوَاب وَالشُّيُوْخ، وَأَذَّنَ سِنِيْنَ حُسبَةً، وَكَانَ يَحُثُّنِي عَلَى مَعْرِفَة الحَدِيْث، وَلَمْ أَتمكَّن مِنْ جمع
هَذَا الكِتَاب إِلاَّ مِنْ مُسَوَّدَاتِهِ وَمجموعَاته، فَهِيَ المرجوعُ إِلَيْهَا فِيمَا أَحتَاج إِلَى مَعْرِفَته وَتَخرِيجه ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:وَلَوْ ذَهَبتُ أَشرح مَا رَأَيْتُ مِنْهُ؛ لسوَّدتُ أَورَاقاً جَمَّة، وَمَا انتهيتُ إِلَى اسْتيفَاء ذَلِكَ مِنْ كَثْرَةِ مَا هُوَ بِصَدَدِهِ مِنَ الاشتغَال وَالقِرَاءة عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَلِيٍّ الهَمَذَانِيّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي زَكَرِيَّا المزكِّي يَقُوْلُ:
مَا يَقدرُ أَحَدٌ أَنْ يَكْذِبَ فِي هَذِهِ البلدَة وَأَبُو صَالِحٍ حَيٌّ.
وَسَمِعْتُ أَبَا المُظَفَّر مَنْصُوْراً السَّمْعَانِيّ يَقُوْلُ: إِذَا دَخَلتُم عَلَى أَبِي صَالِحٍ، فَادخلُوا بِالحُرمَة، فَإِنَّهُ نَجْمُ الزَّمَان، وَشيخُ وَقته فِي هَذَا الأَوَان.
قَالَ عبدُ الغَافِر: تُوُفِّيَ فِي سَابعِ رَمَضَان سَنَة سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: رَآهُ بَعْضُ الصَّالِحِيْنَ لَيْلَةَ وَفَاتِهِ، وَكَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَخَذَ بِيَدِهِ، وَقَالَ لَهُ: جَزَاكَ اللهُ عَنِّي خَيراً، فَنعمَ مَا أَقَمْتَ بحقِّي، وَنعمَ مَا أَديتَ مِنْ قَوْلِي، وَنشرتَ مِنْ سُنَّتِي.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عبدُ الْمعز بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ المُؤَذِّن، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزِّيَادِيّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى البَزَّاز، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بِشْر، حَدَّثَنَا بشرُ بن السَّرِيّ، حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّهُ طلَّق امْرَأَته وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَمره النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرَاجعهَا.
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحُ الإِسْنَادِ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: أَبُو صَالِحٍ حَافظٌ صُوْفِيّ، مُتْقِنٌ، نسيجُ وَحْده فِي الْجمع وَالإِفَادَة، أَذَّنَ مُدَّةً احتسَاباً، وَوعظَ فِي اللَّيْلِ، وَسَبَّح عَلَى المدرسَة البَيْهَقِيَّة، وَكَانَ تَحْتَ يَده أَوقَافُ الكُتُب وَالأَجزَاء الحَدِيْثية، فِيتعهَّد حَفِظهَا، وَيَأْخُذُ صَدَقَاتِ التُّجَّار وَالأَكَابِر، فِيوصلُهَا إِلَى المُسْتَحِقِيْنَ.أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَخْبَرَنَا زِينُ الأَمنَاء الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَمِّي أَبُو القَاسِمِ الحَافِظ، سَنَة، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي صَالِحٍ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا عُبيدُ الله بنُ إِبْرَاهِيْمَ المُزكِّي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاء، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ الوَلِيْدِ، عَنْ قَيْسٍ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ:
قَدِمَ وَفْدُ جُهَيْنَةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَ غُلاَمٌ يَتَكَلَّم، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فَأَيْنَ الكُبْرُ؟) .
وَقَدْ مَاتَ فِي سَنَةِ سَبْعِيْنَ هَذِهِ: ابْن النَّقُّوْرِ المَذْكُوْر، وَالشَّيْخ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حمَّدُوْهُ البَغْدَادِيّ المُقْرِئ، آخر مَنْ حَدَّثَ عَنِ ابْنِ سَمْعُوْنَ، وَخطيبُ دِمَشْق أَبُو نَصْرٍ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَلاَّب ؛صَاحِبُ ابْنِ جُمَيْع، وَأَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ ابْنُ الحَافِظِ الحَسَن بن مُحَمَّدٍ الخَلاَّل، وَشيخُ الحنَابلَة الشَّرِيْف أَبُو جَعْفَرٍ عبدُ الخَالِق بنُ أَبِي مُوْسَى الهَاشِمِيّ، عَنْ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً، وَنَحْوِيُّ العِرَاق أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ الوَرَّاق الضّرِير، وَمُحَدِّثُ أَصْبَهَان عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مَنْدَة العَبْدِيّ، وَآخَرُوْنَ.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=156927&book=5550#c318c9
أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ
ابْنِ المُغِيْرَةِ بنِ بَرْدِزْبَه، وَقِيْلَ: بَذْدُزْبَه، وَهِيَ لَفْظَةٌ بخَارِيَّةٌ، معنَاهَا الزرَّاعُ.
أَسلَمَ المُغِيْرَةُ عَلَى يَدِي اليَمَان الجُعْفِيِّ وَالِي بُخَارَى، وَكَانَ مَجُوْسِيّاً، وَطَلَبَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ العِلْمَ.فَأَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ بنِ سِلَفَةَ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ البَرْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعَ أَبِي مِنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَرَأَى حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، وَصَافحَ ابْنَ المُبَارَكِ بكلتَا يَدَيْهِ.
قُلْتُ: وَوُلِدَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قَاله أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ البُخَارِيُّ، وَرَّاقُ أَبِي عَبْدِ اللهِ فِي كِتَابِ (شمَائِلِ البُخَارِيِّ) ، جَمْعَهُ، وَهُوَ جزءٌ ضخمٌ.
أَنْبَأَنِي بِهِ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوْسِيِّ، أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ طَاهِرٍ الحَافِظ أَجَازَ لَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ خَلَفٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مِهْرَوَيْهِ الفَارِسِيُّ المُؤَدِّبُ، قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ مَرْو لزيَارَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ بنِ مَطَرٍ الفِرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي حَاتِمٍ، فَذَكَرَ الكِتَابَ فَمَا أَنْقُلُهُ عَنْهُ، فَبهَذَا السّندِ.
ثُمَّ إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ فِيْمَا أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ سنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَفْصٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الفَضْلِ البَلْخِيُّ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: ذهبَتْ عينَا مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فِي صِغَرِهِ فرأَتْ وَالِدتُهُ فِي المَنَامِ إِبْرَاهِيْمَ الخَلِيْلَ - عَلَيْهِ السَّلاَم - فَقَالَ لَهَا: يَا هَذِهِ، قَدْ رَدَّ اللهُ عَلَى ابْنِكِ بصرَهُ لكَثْرَةِ بُكَائِكِ، أَوْ كَثْرَةِ دُعَائِكِ - شكَّ البَلْخِيُّ - فَأَصْبحْنَا وَقَدْ رَدَّ اللهُ عَلَيْهِ بصرَهُ.وبَالسَّندِ المَاضِي إِلَى مُحَمَّدِ بنِ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: كَيْفَ كَانَ بَدْءُ أَمرِكَ؟
قَالَ: أُلْهِمْتُ حِفْظَ الحَدِيْثِ وَأَنَا فِي الكُتَّابِ.
فَقُلْتُ: كم كَانَ سِنُّكَ؟
فَقَالَ: عشرُ سِنِيْنَ، أَوْ أَقَلّ، ثُمَّ خرجْتُ مِنَ الكُتَّابِ بَعْد العشرِ، فَجَعَلْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى الدَّاخلِيِّ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ يَوْماً فِيْمَا كَانَ يَقْرَأُ لِلنَّاسِ: سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ لَمْ يَرْوِ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ.
فَانْتَهَرنِي، فَقُلْتُ لَهُ: ارْجِعْ إِلَى الأَصْلِ فَدَخَلَ فنظَرَ فِيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ لِي: كَيْفَ هُوَ يَا غُلاَمُ؟
قُلْتُ: هُوَ الزُّبَيْرُ بنُ عَدِيٍّ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَأَخَذَ القلمَ مِنِّي، وَأَحْكَمَ كِتَابَهُ، وَقَالَ: صدقْتَ.
فَقِيْلَ لِلْبُخَارِيِّ: ابْنُ كَمْ كُنْتَ حِيْنَ رددتَ عَلَيْهِ؟
قَالَ: ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمَّا طَعَنْتُ فِي سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، كُنْتُ قَدْ حفظتُ كتبَ ابْنِ المُبَارَكِ وَوَكِيْعٍ، وَعرفتُ كَلاَمَ هَؤُلاَءِ، ثُمَّ خرجْتُ مَعَ أُمِّي وَأَخِي أَحْمَدَ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا حَجَجْتُ رَجَعَ أَخِي بِهَا! وَتخلَّفْتُ فِي طلبِ الحَدِيْثِ.
ذِكْرُ تسمِيَة شُيوخِهِ وَأَصْحَابِهِسَمِعَ بِبُخَارَى قَبْلَ أَنْ يرتحلَ مِنْ: مَوْلاَه مِنْ فَوْقِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ اليَمَانِ الجُعْفِيِّ المُسْنديِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيِّ، وَجَمَاعَةٍ، ليسُوا مِنْ كِبَارِ شُيُوْخِهِ.
ثُمَّ سَمِعَ ببلخٍ مِنْ: مكِّيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَهُوَ مِنْ عَوَالِي شُيوخِهِ.
وَسَمِعَ بِمَرْوَ مِنْ: عبدَانَ بنِ عُثْمَانَ، وَعَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، وَصَدَقَةَ بنِ الفَضْلِ، وَجَمَاعَةٍ.
وبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ: يَحْيَى بنِ يَحْيَى، وَجَمَاعَةٍ.
وبَالرَّيِّ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى.
وبِبَغْدَادَ إِذْ قَدِمَ العِرَاقَ فِي آخِرِ سَنَةِ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعِ، وَسُرَيْجِ بنِ النُّعْمَانِ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَابِق، وَعَفَّانَ.
وبِالبَصْرَةِ مِنْ: أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيْلِ، وَالأَنْصَارِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَمَّادٍ الشُّعَيثِيّ صَاحِبِ ابْنِ عَوْنٍ، وَمِن مُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَةَ، وَحَجَّاجِ بنِ منهَالٍ، وَبدلِ بنِ المُحَبِّرِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ رَجَاءَ، وَعِدَّةٍ.
وبِالْكُوْفَةِ مِنْ: عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَخَالِدِ بنِ مَخْلَدٍ، وَطَلْقِ بنِ غَنَّامٍ، وَخَالِدِ بنِ يَزِيْدَ المُقْرِئِ مِمَّنْ قَرَأَ عَلَى حَمْزَةَ.
وَبِمَكَّةَ مِنْ: أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئِ، وَخَلاَّدِ بنِ يَحْيَى، وَحَسَّانِ بنِ حَسَّانٍ البَصْرِيِّ، وَأَبِي الوَلِيْدِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الأَزْرَقِيِّ، وَالحُمَيْدِيِّ.وبَالمَدِيْنَةِ مِنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ الأُوَيسِيِّ، وَأَيُّوْبَ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ.
وبمصرَ: سَعِيْدَ بنَ أَبِي مَرْيَمَ، وَأَحْمَدَ بنَ إِشكَابٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ يُوْسُفَ، وَأَصْبَغَ، وَعِدَّةً.
وبَالشَّامِ: أَبَا اليَمَانِ، وَآدَمَ بنَ أَبِي إِيَاسٍ، وَعَلِيَّ بنَ عَيَّاشٍ، وَبِشْرَ بنَ شُعَيْبٍ.
وَقَدْ سَمِعَ مِنْ: أَبِي المُغِيْرَةِ عَبْدِ القُدّوس، وَأَحْمَدَ بنِ خَالِدٍ الوهبِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، وَأَبِي مُسْهِرٍ، وَأُمَمٍ سِوَاهُم.
وَقَدْ قَالَ وَرَّاقُهُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ بلخَ، فَسَأَلونِي أَنْ أُمْلِيَ عَلَيْهِم لِكُلِّ مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيْثاً، فَأَمليتُ أَلفَ حَدِيْثٍ لأَلفِ رَجُلٍ ممَّن كَتَبْتُ عَنْهُم.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ قَبْلَ مَوْته بشهرٍ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ أَلفٍ وَثَمَانِيْنَ رَجُلاً، لَيْسَ فِيْهِم إِلاَّ صَاحِب حَدِيْثٍ، كَانُوا يَقُوْلُوْنَ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعملٌ، يَزِيْدُ وَينقصُ.
قُلْتُ: فَأَعْلَى شُيُوْخهِ الَّذِيْنَ حَدَّثوهُ عَنِ التَّابِعِيْنَ، وَهُم: أَبُو عَاصِمٍ،
وَالأَنْصَارِيُّ، وَمكِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو المُغِيْرَةِ، وَنحوُهُم.وَأَوْسَاطُ شُيُوْخهِ الَّذِيْنَ رَوَوْا لَهُ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَشُعْبَةَ، وَشُعَيْبِ بنِ أَبِي حَمْزَةَ، وَالثَّوْرِيِّ.
ثُمَّ طَبَقَةٌ أُخْرَى دونَهُم كَأَصْحَابِ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ.
وَالطَّبَقَةُ الرَّابِعَةُ مِنْ شُيُوْخِهِ مِثْلُ أَصْحَابِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ.
ثُمَّ الطَّبَقَةُ الخَامِسَةُ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ الَّذِي روَى عَنْهُ الكَثِيْرَ وَيُدَلِّسُهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ صَاعِقَة، وَهَؤُلاَءِ هُم مِنْ أَقْرَانِهِ.
وَقَدْ سَمِعَ مِنْ أَبِي مُسْهِرٍ، وَشَكَّ فِي سَمَاعِهِ، فَقَالَ: فِي غَيْر (الصَّحِيْحِ) : حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، أَوْ حَدَّثَنَا رَجُلٌ عَنْهُ.
وَروَى عَنْ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ وَاقِدٍ الحَرَّانِيِّ، لَقِيَهُ بِالعِرَاقِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الجَزِيْرَةَ.
وَقَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُعَلَّى بنِ مَنْصُوْرٍ الرَّازِيِّ بِبَغْدَادَ سنَةَ عشر.
رَوَى عَنْهُ خلقٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم: أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْحَاقَ الحَرْبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَمْرِو بنِ أَبِي عَاصِمٍ، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَة، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَضْرَمِيُّ مُطَيَّن، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مَعْقِلٍ النَّسَفيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَاجِيَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بُجَيْرٍ، وَأَبُو قُرَيْشٍ مُحَمَّدُ بنُ جُمْعَةَ، وَيَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيُّ رَاوِي (الصَّحِيْحِ) ، وَمَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدٍ مِزْبَزْدَة، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَالحُسَيْنُ وَالقَاسِمُ ابْنَا المَحَامِلِيِّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الأَشْقَرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ فَارِسٍ، وَمَحْمُوْدُ بنُ عَنْبَرٍ النَّسَفيُّ، وَأَممٌ لاَ يُحصَونَ.وَرَوَى عَنْهُ: مُسْلِمٌ فِي غَيْر (صَحِيْحهِ) .
وَقِيْلَ: إِنَّ النَّسَائِيَّ رَوَى عَنْهُ فِي الصِّيَامِ مِنْ (سُنَنِهِ) ، وَلَمْ يَصِحَّ، لَكِن قَدْ حَكَى النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ (الكُنَى) لهُ أَشْيَاءَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ الخَفَّافِ، عَنِ البُخَارِيِّ.
وَقَدْ رَتَّبَ شَيْخُنَا أَبُو الحَجَّاجِ المِزِّيِّ شُيُوْخَ البُخَارِيِّ وَأَصْحَابَهُ عَلَى المُعْجَمِ كعَادَتِهِ وَذَكَرَ خَلْقاً سِوَى مَنْ ذَكَرْتُ.
وَقَدْ أَنْبَأَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ أَبَا اليُمْنِ اللُّغَوِيَّ أَخبرَهُم، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ القَاضِي الحَرَشِيُّ بِنَيْسَابُوْرَ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَحْمَدَ البَلْخِيَّ، يَرْوِي عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: سَمِعَ كِتَابَ (الصَّحِيْحِ) لِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ تِسْعُوْنَ أَلفَ رَجُلٍ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ يَرْوِيْهِ غَيْرِي.وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيُّ: رَوَى (صَحِيْحَ) البُخَارِيِّ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: الفِرَبْرِيُّ، وَحَمَّادُ بنُ شَاكِرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنَ مَعْقِلٍ، وَطَاهرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَخْلَدٍ النَّسَفِيَان.
وَقَالَ الأَمِيْرُ الحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ بنُ مَاكُوْلا: آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنِ البُخَارِيِّ بـ (الصَّحِيْحِ) أَبُو طَلْحَةَ مَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ البَزْدِيُّ مِنْ أَهْلِ بَزْدَةَ.
وَكَانَ ثِقَةً، تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الأَبَرْقُوْهِيُّ بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ زَيْدُ بنُ هِبَةِ اللهِ البَغْدَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ قَفَرْجَلٍ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَحَامِلِيُّ سَنَة تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ -يَعْنِي: الثَّوْرِيَّ- عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَدِّي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ أَبِي
مُوْسَى قَالَ:قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً) .
وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَكَانَ جَالِساً، فَجَاءهُ رَجُلٌ أَوْ طَالِبُ حَاجَةٍ، فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: (اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلِيَقْضِ اللهُ عَلَى لِسَانِ رَسُوْلِهِ مَا شَاءَ) .
أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُجَلِّدُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ يُوْنُسَ وَحَبِيْبٍ، وَيَحْيَى بن عَتِيْق، وَهِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أُمِّ عطيَّةَ، قَالَتْ: أَمَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تَخْرُجَ ذَوَاتُ الخُدُورِ يَوْمَ العِيْدِ.
قِيْلَ: فَالحُيَّضُ؟
قَالَ: (يَشْهَدْنَ الخَيْرَ، وَدَعْوَةَ المُسْلِمِيْنَ ) .
هذَان حَدِيْثَانِ صَحِيْحَانِ مِنْ عَالِي مَا وَقَعَ لَنَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ سِوَى (الصَّحِيْحِ) .
وَأَمَّا الصَّحِيْحُ فَهُوَ أَعْلَى مَا وَقَعَ لَنَا مِنَ الكُتُبِ السِّتَّةِ فِي أَوَّلِ مَا سَمِعْتُ الحَدِيْثَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.فَمَا ظَنُّكَ بعلُوِّهِ اليَوْمَ وَهُوَ سنَة خَمْسَ عَشْرَةَ وَسَبْعَ مائَةٍ !! لَوْ رحلَ الرَّجُلُ مِنْ مسيرَةِ سَنَةٍ لسَمَاعِهِ لمَا فَرَّطَ.
كَيْفَ وَقَدْ دَامَ عُلُوُّهُ إِلَى عَامِ ثَلاَثِيْنَ، وَهُوَ أَعْلَى الكُتُبِ السِّتَّةِ سَنَداً إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شَيْءٍ كَثِيْرٍ مِنَ الأَحَادِيْثِ، وَذَلِكَ لأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ أَسنُّ الجَمَاعَةِ، وَأَقْدَمُهُم لُقِيّاً لِلْكبارِ، أَخَذَ عَنْ جَمَاعَةٍ يَرْوِي الأَئِمَّةُ الخمسَةُ، عَنْ رجلٍ عَنْهُم.
ذِكْرُ رِحلتِهِ وَطَلَبِهِ وَتَصَانِيْفِهِ
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ البُخَارِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: حَجَجْتُ، وَرَجَعَ أَخِي بِأُمِّي، وَتخلَّفْتُ فِي طلبِ الحَدِيْث فَلَمَّا طَعنْتُ فِي ثَمَانِ عَشْرَةَ، جَعَلتُ أُصَنِّفُ قضَايَا الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ وَأَقَاويلَهُم، وَذَلِكَ أَيَّامَ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى.
وصنَّفْتُ كِتَابَ (التَّارِيْخِ) إِذْ ذَاكَ عِنْدَ قَبْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي اللَّيَالِي المُقْمِرَةِ، وَقَلَّ اسْمٌ فِي التَّارِيْخِ إِلاَّ وَلَهُ قِصَّةٌ، إِلاَّ أَنِّي كَرِهْتُ تطويلَ الكِتَابِ.
وكُنْتُ أَختلِفُ إِلَى الفُقَهَاءِ بِمَرْوَ وَأَنَا صَبِيٌّ، فَإِذَا جِئْتُ أَستحِي أَنْ أُسَلِّمَ عَلَيْهِم، فَقَالَ لِي مُؤَدِّبٌ مِنْ أَهلِهَا: كم كتبتَ اليَوْمَ؟فَقلتُ: اثْنَيْنِ، وَأَرَدْتُ بِذَلِكَ حَدِيْثَيْنِ، فَضَحِكَ مَنْ حَضَرَ المَجْلِسَ.
فَقَالَ شَيْخٌ مِنْهُم: لاَ تضحكُوا، فَلَعَلَّهُ يَضْحَكُ مِنْكُم يَوْماً!!
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى الحُمَيْدِيِّ وَأَنَا ابْنُ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ اخْتِلاَفٌ فِي حَدِيْثٍ، فَلَمَّا بَصُرَ بِي الحُمَيْدِيُّ قَالَ: قَدْ جَاءَ مَنْ يفصِلُ بَيْنَنَا، فَعَرضَا عَلَيَّ، فَقضيتُ لِلْحُمِيديِّ عَلَى مَنْ يُخَالِفُهُ، وَلَوْ أَنَّ مُخَالِفَهُ أَصَرَّ عَلَى خِلاَفِهِ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى دعوَاهُ، لَمَاتَ كَافِراً.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ الخلاَّل، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلَيٍّ البَردَانِيُّ، وَابْنُ الطُّيوُرِيِّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ غُنجَار، أَخْبَرَنَا خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَيَّامُ، سَمِعْتُ الفَضْلَ بنَ إِسْحَاقَ البَزَّازَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ منهَال العَابِدُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ قَالَ: كتبنَا عَنِ البُخَارِيِّ عَلَى بَابِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، وَمَا فِي وَجْهِهِ شَعْرَةٌ.
فقُلْنَا: ابْنُ كَمْ أَنْتَ؟
قَالَ: ابْنُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَقَالَ خَلَفٌ الخيَّامُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مَعْقِلٍ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كُنْتُ عندَ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَوْ جمعتُم كِتَاباً مختصِراً لسُنَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي قَلبِي، فَأَخذتُ فِي جمعِ هَذَا الكِتَابِ.
وَعَنْ.... أَنَّ البُخَارِيَّ قَالَ: أَخرجتُ هَذَا الكِتَابَ مِنْ زُهَاءِ سِتِّ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ.أَنبأَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ، أَنْبَأَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ العَطَّارُ بِالرَّيِّ، سَمِعْتُ أَبَا الهَيْثَمِ الكُشْمِيهَنِيَّ، سَمِعْتُ الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: مَا وضعتُ فِي كِتَابِي (الصَّحِيْحِ) حَدِيْثاً إِلاَّ اغتسلتُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ.
أَخْبَرْنَا ابْنُ الخلاَّلِ، أَخْبَرَنَا الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الوَلِيْدِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ بُنْدَارٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البَزَّازَ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مَعْقِلٍ، سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: مَا أَدخلتُ فِي هَذَا الكِتَابِ إِلاَّ مَا صَحَّ، وَتركتُ مِنَ الصِّحَاحِ كِي لاَ يطولَ الكِتَابُ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: تَحْفَظُ
جَمِيْعَ مَا أَدْخَلْتَ فِي المُصَنَّفِ؟ فَقَالَ: لاَ يخفَى عليَّ جَمِيْعُ مَا فِيْهِ.وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: صنفتُ جَمِيْعَ كُتُبِي ثَلاَث مَرَّاتٍ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَوْ نُشِرَ بَعْضُ أُسْتَاذِي هَؤُلاَءِ لَمْ يفهمُوا كَيْفَ صنَّفْتُ (التَّارِيْخَ) ، وَلاَ عرفُوهُ، ثُمَّ قَالَ: صنَّفْتُهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَخذ إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه كِتَابَ (التَّارِيْخِ) الَّذِي صنَّفْتُ، فَأَدخلَهُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ، أَلاَ أُرِيكَ سِحْراً؟ قَالَ: فَنَظَرَ فِيْهِ عَبْدُ اللهِ، فَتَعَجَّبَ مِنْهُ، وَقَالَ: لَسْتُ أَفهُمُ تَصْنِيْفَهُ.
وَقَالَ خَلَفٌ الخيَّامُ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ يَقُوْلُ: دَخَلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى العِرَاقِ فِي آخِرِ سَنَةِ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ بَغْدَادَ آخِرَ ثَمَانِ مَرَّاتٍ، فِي كُلِّ ذَلِكَ أُجَالِسُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقَالَ لِي فِي آخِرِ مَا وَدَّعْتُهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تدعُ العِلْمَ وَالنَّاسَ، وَتصِيرُ إِلَى خُرَاسَانَ؟! قَالَ: فَأَنَا الآنَ أَذْكُرُ قَوْلَهُ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الحَاكِمِ: أَوَّل مَا وَردَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ سَنَةَ تِسْعٍ وَمائَتَيْنِ، وَوَرَدَهَا فِي الأَخِيْرِ سنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَأَقَامَ بِهَا خَمْسَ سِنِيْنَ يُحَدِّثُ عَلَى الدّوامِ.أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ بنُ القوَّاسِ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ الحَرَسْتَانِيِّ قِرَاءةً عَلَيْهِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ وَأَنَا حَاضِرٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ المُسْلَّم الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ آدَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ البُخَارِيُّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بِمَنْزِلِهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَأَحصيتُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَامَ وَأَسْرَجَ يَسْتَذكرُ أَشْيَاءَ يُعَلِّقُهَا فِي لَيْلَةٍ ثَمَانِ عَشْرَةَ مرَّة.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، إِذَا كُنْتُ مَعَهُ فِي سفرٍ، يَجْمَعُنَا بَيْتٌ وَاحِدٌ إِلاَّ فِي القيظِ أَحْيَاناً، فَكُنْتُ أَرَاهُ يقومُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ خَمْسَ عَشْرَةَ مرَّة إِلَى عِشْرِيْنَ مرَّة، فِي كُلِّ ذَلِكَ يَأْخُذُ القَدَّاحَةَ، فيُورِي نَاراً، وَيُسْرِجُ، ثُمَّ يُخرجُ أَحَادِيْثَ، فيُعلِّمُ عَلَيْهَا.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عَبْدَ القُدّوسِ بنَ هَمَّامٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عِدَّةً مِنَ المَشَايِخِ، يَقُوْلُوْنَ: حَوَّلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ ترَاجِمَ جَامِعِهِ بَيْنَ قَبْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِنْبَرِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي لِكُلِّ تَرْجَمَةٍ رَكْعَتَيْنِ.
وَقَالَ :.... سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: صنّفْتُ (الصَّحِيْحَ) فِي سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، وَجَعَلتُهُ حُجَّةً فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَ الله تَعَالَى.وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ هَانِئَ بنَ النَّضْر يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ -يَعْنِي: الفِرْيَابِيَّ- بِالشَّامِ وَكُنَّا نَتَنَزَّهُ فِعْلَ الشَّبَابِ فِي أَكلِ الفِرْصَادِ وَنَحْوِهِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مَعَنَا، وَكَانَ لاَ يُزَاحمنَا فِي شَيْءٍ مِمَّا نَحْنُ فِيْهِ، وَيُكِبُّ عَلَى العِلْمِ.
وَقَالَ مُحَمَّد: سَمِعْتُ النَّجْمَ بنَ الفُضَيْل يَقُوْلُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، كَأَنَّهُ يَمْشِي، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَمْشِي خَلْفَهُ، فَكُلَّمَا رَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدَمَهُ، وضعَ مُحَمَّدُ بنُ إِسمَاعيلَ قدَمَهُ فِي المكَانِ الَّذِي رَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدَمَهُ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخٌ يَمُرُّ بِنَا فِي مَجْلِسِ الدَّاخلِيِّ، فَأُخْبِرُهُ بِالأَحَادِيْثِ الصَّحِيْحَةِ مِمَّا يُعرِضُ عَلَيَّ، وَأُخْبِرُهُ بِقَولِهِم، فَإِذَا هُوَ يَقُوْلُ لِي يَوْماً: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، رئِيسُنَا فِي أَبو جَاد، وَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ شربَ دوَاءَ الحِفْظِ يُقَالُ لَهُ: بَلاَذُر، فَقُلْتُ لَهُ يَوْماً خلوَةً: هَلْ مِنْ دوَاءٍ يشربُهُ الرَّجُلُ، فينتفعُ بِهِ لِلْحفظِ؟فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ، ثُمَّ أَقبلَ عليَّ، وَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ شَيْئاً أَنْفَعَ لِلْحفظِ مِنْ نَهْمَةِ الرَّجُلِ، وَمُدَاومَةِ النَّظَرِ.
قَالَ: وَذَاكَ أَنِّي كُنْتُ بِنَيْسَابُوْرَ مُقيماً، فَكَانَ تَرِدُ إِلَيَّ مِنْ بُخَارَى كُتُبٌ، وَكُنَّ قَرَابَاتٌ لِي يُقرِئنَ سَلاَمهنَّ فِي الكُتُبِ، فَكُنْتُ أَكْتُبُ كِتَاباً إِلَى بُخَارَى، وَأَرَدْتُ أَنْ أُقرِئَهنَّ سَلاَمِي، فَذَهَبَ عليَّ أَسَامِيهنَّ حِيْنَ كَتَبْتُ كِتَابِي، وَلَمْ أُقرِئهنَّ سَلاَمِي، وَمَا أَقَلَّ مَا يَذْهَبُ عَنِّي مِنَ العِلْمِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَمْ تكن كِتَابتِي لِلْحَدِيْثِ كَمَا كَتَبَ هَؤُلاَءِ.
كُنْتُ إِذَا كَتَبْتُ عَنْ رجلٍ سَأَلْتُهُ عَنِ اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ وَنِسْبَتِهِ وَحَمْلِهِ الحَدِيْثَ، إِنْ كَانَ الرَّجُلُ فَهماً.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَأَلْتُهُ أَنْ يُخْرِجَ إِلَيَّ أَصْلَهُ وَنُسخَتَهُ.
فَأَمَّا الآخرُونَ لاَ يُبالُونَ مَا يَكْتُبُونَ، وَكَيْفَ يَكْتُبُونَ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ العَبَّاسَ الدُّوْرِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً يُحْسِنُ طلبَ الحَدِيْثِ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ لاَ يدعُ أَصْلاً وَلاَ فرعاً إِلاَّ قَلَعَهُ.
ثُمَّ قَالَ لَنَا: لاَ تَدَعُوا مِنْ كَلاَمِهِ شَيْئاً إِلاَّ كَتَبْتُمُوهُ.
وَقَالَ: كَتَبَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ بَعْضُ السَّلاَطينِ فِي حَاجَةٍ لَهُ، وَدَعَا لَهُ دعَاءً كَثِيْراً.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سَلاَمٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، أَمَّا بَعْدُ: وَصَلَ إِلَيَّ كِتَابُكَ وَفَهِمْتُهُ، وَفِي بيتِهِ يُؤْتَى
الحَكَمُ وَالسَّلاَمُ.وَقَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الخَوَّاصَ، مُستملِي صَدَقَةَ، يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ كَالصَّبيِّ جَالِساً بَيْنَ يَدِي مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، يَسْأَلُهُ عَنْ عِلَلِ الحَدِيْثِ.
ذِكْرُ حِفْظِهِ وَسَعَةِ عِلْمِهِ وَذَكَائِهِ
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ غُنْجَار فِي (تَارِيْخِ بُخَارَى) : سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ مَهِيبَ بنَ سُلَيْمٍ، سَمِعْتُ جَعْفَر بنَ مُحَمَّدٍ القَطَّانَ إِمَامَ كرمِيْنيَةَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْل يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ أَلفِ شَيْخٍ وَأَكْثَر، عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم عَشْرَةُ آلاَفٍ وَأَكْثَر، مَا عِنْدِي حَدِيْثٌ إِلاَّ أَذكُرُ إِسْنَادَهُ.
قَالَ غُنْجَارٌ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِمْرَانَ الجُرْجَانِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدٍ البُخَارِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: لَقِيْتُ أَكْثَرَ مِنْ أَلفِ رَجُلٍ أَهْلِ الحِجَازِ وَالعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ، لَقِيتُهُم كَرَّاتٍ، أَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالجَزِيْرَةِ مرَّتينِ، وَأَهْلِ البَصْرَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَبَالحِجَازِ سِتَّة أَعْوَامٍ، وَلاَ أُحْصِي كم دَخَلْتُ الكُوْفَةَ وَبَغْدَادَ مَعَ مُحَدِّثِي خُرَاسَانَ، مِنْهُمُ: المَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَابْنُ شَقِيقٍ، وَقُتَيْبَةُ، وَشِهَابُ بنُ معمرٍ، وَبَالشَّامِ: الفِرْيَابِيُّ، وَأَبَا مُسْهِرٍ، وَأَبَا المُغِيْرَةِ، وَأَبَا اليَمَانِ، وَسَمَّى خلقاً.
ثُمَّ قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ وَاحِداً مِنْهُم يَخْتلِف فِي هَذِهِ
الأَشْيَاءِ أَنَّ الدِّيْنَ قَوْلٌ وَعملٌ، وَأَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ.وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ وَآخَرَ يَقُوْلاَنِ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ يَخْتلِفُ مَعَنَا إِلَى مَشَايِخِ البَصْرَةِ وَهُوَ غُلاَمٌ، فَلاَ يَكْتُبُ، حَتَّى أَتَى عَلَى ذَلِكَ أَيَّامٍ، فكنَّا نَقُوْل لَهُ: إِنَّك تختلفُ معنَا ولاَ تَكْتُبُ، فَمَا تصنَعُ؟
فَقَالَ لَنَا يَوْماً بَعْد ستَّةَ عشرَ يَوْماً: إِنَّكمَا قَدْ أَكْثَرْتُمَا عَلَيَّ وَأَلْححتُمَا، فَاعْرِضَا عَلَيَّ مَا كَتَبْتُمَا.
فَأَخْرجْنَا إِلَيْهِ مَا كَانَ عِنْدنَا، فَزَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ أَلفِ حَدِيْثٍ، فَقرأَهَا كُلَّهَا عَنْ ظَهرِ القَلْبِ، حَتَّى جَعَلنَا نُحْكِمُ كُتُبَنَا مِنْ حِفْظِهِ.
ثُمَّ قَالَ: أَتَرَوْنَ أَنِّي أَختلِفُ هَدْراً، وَأُضَيِّعُ أَيَّامِي؟! فَعَرفْنَا أَنَّهُ لاَ يتقدَّمُهُ أَحَدٌ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُمَا يَقُوْلاَنِ: كَانَ أَهْلُ المَعْرِفَةِ مِنَ البَصْرِيِّيْنَ يَعْدُوْنَ خَلْفَهُ فِي طلبِ الحَدِيْثِ وَهُوَ شَابٌّ حَتَّى يغلِبُوهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُجلسوهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيْقِ، فيجتمعُ عَلَيْهِ أَلوفٌ، أَكْثَرهُم مِمَّنْ يَكْتُبُ عَنْهُ.
وَكَانَ شَابّاً لَمْ يَخْرُجْ وَجْهُهُ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ الحَافِظُ: سَمِعْتُ عِدَّةَ مَشَايِخٍ يحكُوْن أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ قَدِمَ بَغْدَادَ، فسَمِعَ بِهِ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَاجْتَمَعُوا وَعَمَدُوا إِلَى مائَةِ حَدِيْثٍ، فَقلبُوا مُتونهَا وَأَسَانِيْدَهَا، وَجَعَلُوا مَتْنَ هَذَا الإِسْنَادِ هَذَا، وَإِسْنَادَ هَذَا المَتْنِ هَذَا، وَدفعُوا إِلَى كُلِّ
وَاحِدٍ عَشْرَةَ أَحَادِيْثَ ليُلْقُوهَا عَلَى البُخَارِيِّ فِي المَجْلِسِ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ، وَانتَدبَ أَحَدُهُم، فَسَأَلَ البُخَارِيَّ عَنْ حَدِيْثٍ مِنْ عَشَرتِهِ، فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُهُ.وَسَأَلَهُ عَنْ آخر، فَقَالَ: لاَ أَعرِفُهُ.
وَكَذَلِكَ حَتَّى فرغَ مِنْ عشرتِهِ.
فَكَانَ الفقهَاءُ يَلْتَفِتُ بَعْضهُم إِلَى بَعْضٍ، وَيَقُوْلُوْنَ: الرَّجُلَ فَهِمَ.
وَمَنْ كَانَ لاَ يَدْرِي قضَى عَلَى البُخَارِيِّ بِالعجزِ، ثُمَّ انتدبَ آخرُ، فَفَعَلَ كَمَا فعلَ الأَوَّلُ.
وَالبُخَارِيُّ يَقُوْلُ: لاَ أَعرِفُهُ.
ثُمَّ الثَّالِثَ وَإِلَى تمَام العشرَةِ أَنفسٍ، وَهُوَ لاَ يزيدُهُم عَلَى: لاَ أَعرِفُهُ.
فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُم قَدْ فرغُوا، التفتَ إِلَى الأَوَّلِ مِنْهُم، فَقَالَ: أَمَّا حَدِيْثُكَ الأَوَّلُ فكذَا، وَالثَّانِي كَذَا، وَالثَّالِثُ كَذَا إِلَى العشرَةِ، فردَّ كُلَّ متنٍ إِلَى إِسْنَادِهِ.
وَفعلَ بِالآخرينَ مِثْلَ ذَلِكَ.
فَأَقَرَّ لَهُ النَّاسُ بِالحِفْظِ.
فَكَانَ ابْنُ صَاعِدٍ إِذَا ذكرَهُ يَقُوْلُ: الكبشُ النَّطَّاحُ.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا مَنْصُوْرُ بنُ إِسْحَاقَ الأَسَدِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الزَّاغُوْنِيَّ، سَمِعْتُ يُوْسُفَ بنَ مُوْسَى المَرْوَرُّوْذِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ بِالبَصْرَةِ فِي جَامِعِهَا، إِذْ سَمِعْتُ مُنَادِيّاً يُنَادِي: يَا أَهْلَ العِلْمِ، قَدْ قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، فَقَامُوا فِي طلبِهِ، وَكُنْتُ مَعَهُم، فرأَينَا رَجُلاً شَابّاً، يُصَلِّي خَلْفَ الأُسْطُوَانَةِ.
فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلاَةِ، أَحَدقُوا بِهِ، وَسأَلُوهُ أَنْ يَعْقِدَ لَهُم مَجْلِسَ الإِملاَءِ، فَأَجَابهُم.
فَلَمَّا كَانَ الغدُ اجْتَمَعَ قَرِيْبٌ مِنْ كَذَا كَذَا أَلفٍ فَجَلَسَ لِلإِملاَءِ وَقَالَ: يَا أَهْلَ البَصْرَةِ، أَنَا شَابٌّ وَقَدْ سَأَلْتُمونِي أَنْ أُحدِّثَكُم، وَسأُحدِّثكُم بأَحَادِيْثَ عَنْ أَهْلِ بلدِكُم تَسْتفيدُوْنَ الكُلَّ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ جَبَلَةَ
بنِ أَبِي رَوَّاد بلدِيُّكُم، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُوْرٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَعْرَابِيّاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، الرَّجُلُ يُحِبُّ القَوْمَ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ.ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ هَذَا عِنْدكُم، إِنَّ مَا عِنْدكُم عَنْ غَيْرِ مَنْصُوْرٍ، عَنْ سَالِمٍ.
وَأَملَى مَجْلِساً عَلَى هَذَا النَّسَقِ يَقُوْلُ فِي كُلِّ حَدِيْثٍ: رَوَى شُعْبَةُ هَذَا الحَدِيْثِ عندَكُم كَذَا، فَأَمَّا مِنْ رِوَايَةِ فُلاَنٍ، فَلَيْسَ عندَكُم، أَوْ كَلاَماً هَذَا مَعْنَاهُ.
قَالَ يُوْسُفُ: وَكَانَ دُخولِي البَصْرَةَ أَيَّامَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي الشّوَاربِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: قَرَأَ عَلَيْنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ كِتَابَ (الهِبَةِ) ، فَقَالَ: لَيْسَ فِي هِبَةِ وَكِيْعٍ إِلاَّ حَدِيْثَانِ مُسْنَدَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ.
وَفِي كِتَابِ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ خَمْسَةٌ أَوْ نحوهُ. وَفِي كِتَابِي هَذَا خَمْسُ مائَةِ
حَدِيْثٍ أَوْ أَكْثَرُ.وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: تَفَكَّرْتُ أَصْحَابَ أَنَسٍ، فَحضرنِي فِي سَاعَةٍ ثَلاَثُ مَائةٍ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا قَدِمْتُ عَلَى أَحَدٍ إِلاَّ كَانَ انتفَاعُهُ بِي أَكْثَر مِنِ انتفَاعِي بِهِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ، سَمِعْتُ أَبَا الأَزْهَرِ يَقُوْلُ: كَانَ بِسَمَرْقَنْدَ أَرْبَعُ مائَةٍ مِمَّنْ يطلُبُونَ الحَدِيْثَ، فَاجْتَمَعُوا سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَأَحَبُّوا مُغَالطَةَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَأَدخلُوا إِسْنَادَ الشَّامِ فِي إِسْنَادِ العِرَاقِ، وَإِسْنَادَ اليَمَنِ فِي إِسْنَادِ الحَرَمَيْنِ، فَمَا تَعَلَّقُوا مِنْهُ بِسَقْطَةٍ لاَ فِي الإِسْنَادِ، وَلاَ فِي المَتْنِ.
وَقَالَ الفِرَبْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا اسْتصغرتُ نَفْسِي عِنْدَ أَحَدٍ إِلاَّ عِنْدَ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَرُبَّمَا كُنْتُ أُغْرِبُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَحْيَدُ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ وَالِي بُخَارَى: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَوْماً: رُبَّ حَدِيْثٍ سَمِعْتُهُ بِالبَصْرَةِ كَتَبْتُهُ بِالشَّامِ، وَرُبَّ حَدِيْثٍ سَمِعْتُهُ بِالشَّامِ كَتَبْتُهُ بِمِصْرَ.
فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ بكَمَالِهِ؟ قَالَ: فَسَكَتَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا نمتُ البَارِحَةَ حَتَّى عَدَدْتُ كم أَدْخَلْتُ مُصَنَّفَاتِي مِنَ الحَدِيْثِ، فَإِذَا نَحْوُ مئَتَي أَلفِ حَدِيْثٍ مُسْنَدَةٍ.وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا كَتَبْتُ حِكَايَةً قَطُّ، كُنْتُ أَتَحَفَّظُهَا.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: صنَّفْتُ كِتَابَ (الاعتصَامِ) فِي لَيْلَةٍ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لاَ أَعْلَمُ شَيْئاً يُحتَاجُ إِلَيْهِ إِلاَّ وَهُوَ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
فَقُلْتُ لَهُ: يُمكنُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ كُلِّهُ.
قَالَ: نَعَمْ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ بِنَيْسَابُوْرَ أَجلسُ فِي الجَامِعِ، فَذَهَبَ عَمْرُو بنُ زُرَارَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه إِلَى يَعْقُوْبَ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَالِي نَيْسَابُوْرَ، فَأَخبروهُ بِمكَانِي، فَاعتذرَ إِلَيْهِم، وَقَالَ: مذهَبُنَا إِذَا رُفِعَ إِلَيْنَا غَرِيْبٌ لَمْ نَعْرِفْهُ حبسنَاهُ حَتَّى يَظْهَرَ لَنَا أَمرُهُ.
فَقَالَ لَهُ بَعْضهُم: بَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ لَكَ: لاَ تُحْسِنُ تصلِي، فَكَيْفَ تَجْلِسُ؟
فَقَالَ: لَو قِيْلَ لِي شَيْءٌ مِنْ هذَا مَاكُنْت أَقومُ مِنْ ذَلِكَ المَجْلِسِ حَتَّى أَروِي عَشْرَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ، فِي الصَّلاَةِ خَاصَّةً.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ الفِرْيَابِيِّ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي الخَطَّابِ، عَنْ أَنَسٍ:أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَطُوْفُ عَلَى نسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ.
فَلَمْ يعرِفْ أَحَدٌ فِي المَجْلِسِ أَبَا عُرْوَةَ، وَلاَ أَبَا الخَطَّابِ.
فَقُلْتُ: أَمَا أَبُو عُرْوَةَ فَمَعْمَرٌ، وَأَبُو الخَطَّابِ قَتَادَةُ.
قَالَ: وَكَانَ الثَّوْرِيُّ فَعُولاً لِهَذَا، يُكَنِّي المَشْهُوْرينَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَدِمَ رَجَاءُ الحَافِظُ، فَصَارَ إِلَى أَبِي عَبْدِ الله، فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: مَا أَعددتَ لِقُدُومِي حِيْنَ بَلَغَكَ؟ وَفِي أَيِّ شَيْءٍ نظرتَ؟
فَقَالَ: مَا أَحَدثْتُ نَظَراً، وَلَمْ أَستعِدَّ لِذَلِكَ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تسأَلَ عَنْ شَيْءٍ، فَافعلْ.
فَجَعَلَ ينَاظرُهُ فِي أَشْيَاءَ، فَبقيَ رَجَاءُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ هُوَ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: هَلْ لَكَ فِي الزِّيَادَةِ؟ فَقَالَ اسْتحيَاءً مِنْهُ وَخجلاً: نَعَمْ.
قَالَ: سَلْ إِنْ شِئْتَ؟
فَأَخَذَ فِي أَسَامِي أَيُّوْبَ، فَعدَّ نَحْواً مِنْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ سَاكتٌ.
فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: لَقَدْ جمعتَ، فَظنَّ رَجَاءُ أَنَّهُ قَدْ صنعَ شَيْئاً، فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَاتَكَ خَيرٌ كَثِيْرٌ.
فزيَّفَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي أُوْلَئِكَ سَبْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً، وَأَغربَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ سِتِّيْنَ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ رَجَاءُ: كم رويتَ فِي العِمَامَةِ السَّوْدَاءِ؟
قَالَ: هَاتِ كم رويتَ أَنْتَ؟
ثُمَّ قَالَ: نروِي نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ
حَدِيْثاً.فَخَجِلَ رَجَاءُ مِنْ ذَاكَ، وَيبِسَ رِيقُهُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ بَلْخَ، فَسَأَلنِي أَصْحَابُ الحَدِيْثِ أَنْ أُمْلِي عَلَيْهِم لِكُلِّ مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيْثاً.
فَأَمليتُ أَلفَ حَدِيْثٍ لأَلفِ رَجُلٍ مِمَّن كَتَبْتُ عَنْهُم.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سُئِلَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ عَمَّنْ طلَّقَ نَاسياً.
فَسَكَتَ سَاعَةً طَوِيْلَةً مُتفكِّراً، وَالتبسَ عَلَيْهِ الأَمْرُ.
فَقُلْتُ أَنَا: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ تجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلَّم ) .
وَإِنَّمَا يُرَادُ مبَاشرَةُ هَذِهِ الثَّلاَث العَمَلِ وَالقَلْبِ أَوِ الكَلاَمِ وَالقَلْبِ وَهَذَا لَمْ يعتقدْ بِقَلْبِهِ.
فَقَالَ إِسْحَاقُ: قَوَّيْتَنِي، وَأَفْتَى بِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّد: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْل يَقُوْلُ: كَانَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ إِذَا انتخبْتُ مِنْ كِتَابِهِ، نَسَخَ تِلْكَ الأَحَادِيْثِ، وَقَالَ: هَذِهِ الأَحَادِيْثُ انْتَخَبَهَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مِنْ حَدِيْثِي.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُنِيْرٍ يَكْتُبُ عَنِ البُخَارِيِّ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَنَا مِنْ تلاَمِيذِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَهُوَ مُعَلِّمٌ.قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ أَحَادِيْثَ فِي (صَحِيْحِهِ) عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنير، عَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَجَمَاعَةٍ.
وَكَانَ زَاهِداً عَابِداً حَتَّى قَالَ البُخَارِيُّ: لَمْ أَرَ مِثْلَهُ.
قُلْتُ: وَتُوُفِّيَ هُوَ وَالإِمَامُ أَحْمَدُ فِي سَنَةٍ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ المَدِيْنِيَّ بِالشَّاشِ زَمَنَ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي عَرَابَةَ يَقُوْلُ: كُنَّا بِنَيْسَابُوْرَ عِنْدَ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ فِي المَجْلِسِ، فَمَرَّ إِسْحَاقُ بِحَدِيْثٍ كَانَ دُوْنَ الصَّحَابِيِّ عَطَاءَ الكَيْخَارَانِيِّ.
فَقَالَ إِسْحَاقُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَيش كَيْخَارَان؟ فَقَالَ: قَرْيَةٌ بِاليَمَنِ، كَانَ مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ بعثَ هَذَا الرَّجُلَ، وَكَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو بَكْرٍ، فَأُنْسِيتُهُ إِلَى اليَمَنِ، فَمَرَّ بكَيْخَارَان، فسَمِعَ مِنْهُ عَطَاءُ حَدِيْثَيْنِ.
فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَأَنَّكَ شَهِدْتَ القَوْمَ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُومسِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ خميرويه، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: أَحفَظُ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ، وَأَحفَظُ مَائَتَي أَلفِ حَدِيْثٍ غَيْرِ صَحِيْحٍ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الكَلْواذَانِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ يَأْخُذُ الكِتَابَ مِنَ العُلَمَاءِ، فيطَّلِعُ عَلَيْهِ اطِّلاعَةً، فيحْفَظُ عَامَّةَ أَطرَافِ الأَحَادِيْثِ بِمَرَّةٍ.قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقَ يَقُوْلُ فِي الزِّيَادَاتِ المذيَّلَةِ عَلَى شمَائِلِ أَبِي عَبْدِ اللهِ - قُلْتُ: وَلَيْسَتْ هِيَ دَاخلَةً فِي رِوَايَةِ ابْنِ خَلَفٍ الشِّيرَازيِّ - قَالَ:
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: مَا جلَسْتُ لِلْحَدِيْثِ حَتَّى عرفْتُ الصَّحِيْحَ مِنَ السَّقيمِ، وَحَتَّى نظرتُ فِي عَامَّةِ كُتُبِ الرَّأْي، وَحَتَّى دَخَلْتُ البَصْرَةَ خَمْسَ مَرَّاتٍ أَوْ نحوهَا، فَمَا تركتُ بِهَا حَدِيْثاً صَحِيْحاً إِلاَّ كَتَبْتُهُ، إِلاَّ مَا لَمْ يَظهر لِي.
وَقَالَ غُنْجَارٌ فِي (تَارِيْخِهِ) : حَدَّثَنَا أَبُو عمْروٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ يُوْسُفَ البِيْكَنْدِيُّ، سَمِعْتُ عَليَّ بنَ الحُسَيْنِ بنِ عَاصِمٍ البِيْكَنْدِيَّ يَقُوْلُ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: فَاجْتَمَعنَا عِنْدَهُ.
فَقَالَ بَعْضنَا: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى سَبْعِيْنَ أَلفِ حَدِيْثٍ مِنْ كِتَابِي.
فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: أَو تَعْجَبُ مِنْ هَذَا؟! لَعَلَّ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى مئتَي أَلفِ حَدِيْثٍ مِنْ كِتَابِهِ.
وَإِنَّمَا عَنَى بِهِ نَفْسَهُ.
ذِكْرُ ثَنَاءِ الأَئِمَّةِ عَلَيْهِ
قَالَ أَبوجعفرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِي يَقُوْلُ:
كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ: كُلَّمَا دَخَلَ عليَّ هَذَا الصَّبِيُّ تحيَّرْتُ، وَألبسَ عليَّ أَمر الحَدِيْثِ وَغَيْرِهِ، وَلاَ أَزَالُ خَائِفاً مَا لَمْ يَخْرُجْ.قَالَ أَبُو جعفرٍ: سَمِعْتُ أَبَا عُمُرَ سُلَيمُ بنُ مُجَاهِدٍ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيِّ، فَقَالَ: لَوْ جِئْتَ قَبْلُ لرَأَيْتَ صَبِيّاً يَحْفَظُ سَبْعِيْنَ أَلفِ حَدِيْثٍ.
قَالَ: فَخَرَجتُ فِي طَلَبِهِ حَتَّى لَحِقْتُهُ.
قَالَ: أَنْتَ الَّذِي يَقُوْلُ: إِنِّي أَحْفَظُ سَبْعِيْنَ أَلفَ حَدِيْثٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَأَكْثَر، وَلاَ أَجيئُكَ بِحَدِيْثٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ إِلاَّ عَرَّفْتُكَ مولِدَ أَكْثَرِهِم وَوَفَاتَهُم وَمسَاكنِهِم، وَلَسْتُ أَروِي حَدِيْثاً مِنْ حَدِيْثِ الصَّحَابَةِ أَوِ التَّابِعِيْنَ إِلاَّ وَلِي مِنْ ذَلِكَ أَصْلٌ أَحْفَظُهُ حِفْظاً عَنْ كِتَابِ اللهِ، وَسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي: إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ البُخَارِيَّ صَارَ إِلَى أَبِي إِسْحَاقَ السُّرْمَارِيِّ عَائِداً، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى فَقِيْهٍ بحقِّهِ وَصدقِهِ، فلينظُرْ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ وَأَجْلَسَهُ عَلَى حِجْرِهِ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَالَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِي: كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ
سَلاَمٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ حِيْنَ قَدِمَ مِنَ العِرَاقِ، فَأَخبرَهُ بِمِحْنَةِ النَّاسِ، وَمَا صنعَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الأُمُورِ.فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَم لِمَنْ حضَرَهُ: أَترُوْنَ البِكْرَ أَشَدَّ حيَاءً مِنْ هَذَا؟
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: لَوْ قَدرْتُ أَنْ أَزيدَ فِي عُمُرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ مِنْ عُمُرِي لفعلْتُ، فَإِنَّ مَوْتِي يَكُوْنُ مَوْتَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَموتُهُ ذهَابُ العِلْمِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى بنَ جَعْفَرٍ - وَهُوَ البِيْكَنْدِيُّ - يَقُوْلُ لمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ: لَوْلاَ أَنْتَ مَا اسْتطبتُ العيشَ بِبُخَارَى.
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي رَجَاء، هُوَ قُتَيْبَةُ، فسُئِلَ عَنْ طلاَقِ السَّكرَانِ، فَقَالَ: هَذَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ المَدِيْنِيِّ وَابْنُ رَاهْوَيْه قَدْ سَاقهُمُ اللهُ إِلَيْكَ، وَأَشَارَ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَكَانَ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَغْلُوْبَ العقلِ حَتَّى لاَ يَذْكُرُ مَا يُحدثُ فِي سُكْرِهِ، أَنَّهُ لاَ يجوزُ عليهِ مِنْ أَمرِهِ شَيْءٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ سَعِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: لَمَّا مَاتَ أَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ ركبَ مُحَمَّدٌ وَإِسْحَاقُ يُشَيِّعَانِ جِنَازَتَهُ.
فكُنْتُ أَسْمَعُ أَهْلَ المَعْرِفَةِ بِنَيْسَابُوْرَ يَنْظُرُونَ، وَيَقُوْلُوْنَ: مُحَمَّدٌ أَفْقَهُ مِنْ إِسْحَاقَ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ حَفْصٍ الأَشْقَرَ، سَمِعْتُ عبدَانَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ بعينِي شَابّاً أَبصرَ مِنْ هَذَا، وَأَشَار بِيَدِهِ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.وَقَالَ: سَمِعْتُ صَالِحَ بنَ مِسْمَارٍ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ فَقِيْهُ هَذِهِ الأُمَّةِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ خَالِدٍ المَرْوَزِيَّ، يَقُوْلُ: قَالَ مُسَدَّدٌ: لاَ تختَارُوا عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، يَا أَهْلَ خُرَاسَان.
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُوْسَى بنَ قُرَيْش يَقُوْلُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ لِلْبُخَارِيِّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، انظُرْ فِي كُتُبِي، وَأَخْبِرْنِي بِمَا فِيْهِ مِنَ السَّقْطِ.
قَالَ: نَعَمْ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: كُنْتُ إِذَا دَخَلْتُ عَلَى سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ يَقُوْلُ: بَيِّنْ لَنَا غَلَطَ شُعْبَةَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: اجْتَمَعَ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَسَأَلونِي أَنْ أُكلِّمَ إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي أُوَيْسٍ ليزيدَهُم فِي القِرَاءةِ، فَفَعَلْتُ، فَدَعَا إِسْمَاعِيْلُ الجَارِيَةَ، وَأَمرَهَا أَنْ تُخْرجَ صرَّةَ دَنَانِيْرٍ، وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فرِّقْهَا عَلَيْهِم.
قُلْتُ: إِنَّمَا أَرَادُوا الحَدِيْثَ.
قَالَ: قَدْ أَجَبْتُكَ إِلَى مَا طلبْتَ مِنَ الزِّيَادَةِ، غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ أَنْ يُضَمَّ هَذَا إِلَى ذَاكَ ليَظْهَرَ أَثركَ فِيْهِم.
وَقَالَ: حَدَّثَنِي حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ عَلَى سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ نظرَ إِلَيْهِ سُلَيْمَانُ، فَقَالَ: هَذَا يَكُوْنُ لَهُ يَوْماً صوتٌ.وَقَالَ خَلَفٌ الخَيَّامُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ السَّلاَمِ: قَالَ: ذَكَرْنَا قَوْلَ البُخَارِيِّ لِعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ -يَعْنِي: مَا اسْتصغرتُ نَفْسِي إِلاَّ بَيْنَ يَدِي عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ- فَقَالَ عَلِيٌّ: دعُوا هَذَا، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ لَمْ يَرَ مِثْلَ نَفْسِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: ذَاكرنِي أَصْحَابُ عَمْرِو بنِ عَلِيٍّ الفَلاَّسِ بِحَدِيْثٍ، فَقُلْتُ: لاَ أَعْرِفُهُ، فَسُرُّوا بِذَلِكَ، وَصَارُوا إِلَى عَمْرٍو، فَأَخبروهُ.
فَقَالَ: حَدِيْثٌ لاَ يَعْرِفُهُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ لَيْسَ بِحَدِيْثٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي أَبُو مُصْعَبِ الزُّهْرِيُّ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَفقَهُ عِنْدنَا وَأَبصرُ بِالحَدِيْثِ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
فَقِيْلَ لَهُ: جَاوزتَ الحدَّ.
فَقَالَ لِلرَّجُلِ: لَوْ أَدْرَكْتَ مَالِكاً، وَنظرتَ إِلَى وَجْهِهِ وَوجهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، لقُلْتَ: كِلاَهُمَا وَاحِدٌ فِي الفِقْهِ وَالحَدِيْثِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: اكتُبُوا عَنْ هَذَا الشَّابِّ -يَعْنِي: البُخَارِيّ- فَلَو كَانَ فِي زَمَنِ الحَسَنِ لاحْتَاجَ إِلَيْهِ النَّاسُ لمَعْرِفَتِهِ بِالحَدِيْثِ وَفقهِهِ.قَالَ: وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ حُجْرٍ يَقُوْلُ: أَخرجَتْ خُرَاسَانُ ثَلاَثَةً: أَبُو زُرْعَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيَّ، وَمُحَمَّدُ عِنْدِي أَبصرُهُم وَأَعْلَمُهُم وَأَفْقَهُهُم
قَالَ: وَأَوردتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ حُجْرٍ كِتَابَ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَلَمَّا قَرَأَهُ قَالَ: كَيْفَ خَلَّفْتَ ذَلِكَ الكبْش؟
فَقُلْتُ: بِخَيْرٍ.
فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ مِثْلَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ الضَّوْءِ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ يَقُوْلاَنِ: مَا رأَينَا مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حنيلٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَا أَخرجتْ خُرَاسَانُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: سَمِعْتُ بُنْدَاراً مُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ يَقُوْلُ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: كُنْتُ بِالبَصْرَةِ، فَسَمِعْتُ قُدُومَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ بُنْدَارٌ: اليَوْمَ دَخَلَ سَيِّدُ الفُقَهَاءِ.وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ: إِنَّ ثوبِي لاَ يَمَسُّ جلدِي مَثَلاً، مَا لَمْ ترجعْ إِلَيَّ، أَخَافُ أَنْ تجدَ فِي حَدِيْثِي شَيْئاً يُسَقِّمُنِي.
فَإِذَا رجعت فَنَظَرت فِي حَدِيْثِي طَابتْ نَفْسِي، وَأَمِنْتُ مِمَّا أَخَافُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ خَالِدٍ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَبَا عَمَّارٍ الحُسَيْنَ بنَ حُرَيْثٍ يُثْنِي عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ البُخَارِيِّ، وَيَقُوْلُ: لاَ أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْتُ مِثْلَهُ، كَأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ إِلاَّ لِلْحَدِيْثِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ مَحْمُوْدَ بنَ النَّضْرِ أَبَا سهلٍ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ البَصْرَةَ وَالشَّامَ وَالحِجَازَ وَالكُوْفَةَ، وَرأَيتُ علمَاءهَا، كُلَّمَا جرَى ذكرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فَضَّلُوهُ عَلَى أَنفُسِهِم.
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: لَمَّا دَخَلْتُ البَصْرَةَ صِرتُ إِلَى بُنْدَارٍ، فَقَالَ لِي: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ خُرَاسَانَ.
قَالَ: مِنْ أَيُّهَا؟
قُلْتُ: مِنْ بُخَارَى.
قَالَ: تَعْرِفُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ؟
قُلْتُ: أَنَا مِنْ قَرَابَتِهِ.
فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْفَعُنِي فَوْقَ النَّاسِ.
قَالَ مُحَمَّدُ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: لَمَّا دَخَلْتُ البَصْرَةَ صِرتُ إِلَى مَجْلِسِ بُنْدَارٍ، فَلَمَّا وَقَعَ بصرُهُ عليَّ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ الفَتَى؟قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ بُخَارَى.
فَقَالَ لِي: كَيْفَ تركتَ أَبَا عَبْدِ اللهِ؟
فَأَمسكتُ، فَقَالُوا لَهُ: يرحمُكَ اللهُ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، فَقَامَ، وَأَخَذَ بِيَدِي، وَعَانقَنِي، وَقَالَ: مَرْحَباً بِمَنْ أَفتخِرُ بِهِ مُنْذُ سِنِيْنَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ يَقُوْلُ: لَمْ يَدْخُلْ البَصْرَةَ رَجُلٌ أَعْلَمُ بِالحَدِيْثِ مِنْ أَخينَا أَبِي عَبْدِ اللهِ.
قَالَ: فَلَمَّا أَرَادَ الخُرُوجَ وَدَّعَهُ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ موعِدُنَا الحَشْرُ أَنْ لاَ نلتقِي بَعْدُ.
وَقَالَ أَبُو قُرَيْشٍ مُحَمَّدُ بنُ جمعَةَ الحَافِظُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ يَقُوْلُ: حفَاظُ الدُّنْيَا أَرْبَعَةٌ: أَبُو زُرْعَةَ بِالرَّيِّ، وَالدَّارِمِيُّ بِسَمَرْقَنْدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بِبُخَارَى، وَمُسْلِمٌ بِنَيْسَابُوْرَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ الأَشْعَثِ البِيْكَنْدِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: انْتَهَى الحِفْظُ إِلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَان: أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْديِّ، وَالحَسَنِ بنِ شُجَاعٍ البَلْخِيِّ.
قَالَ ابْنُ الأَشْعَثِ: فحكيتُ هَذَا لِمُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ البَلْخِيِّ، فَأَطرَى ذكرَ ابْنِ شُجَاعٍ.
فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ لَمْ يَشْتَهرْ؟
قَالَ: لأَنَّهُ لَمْ يُمَتَّعْ بِالعُمُرِ.
قُلْتُ: هَذَا ابْنُ شُجَاعٍ رحلَ وَسَمِعَ: مَكِّيَّ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَأَبَا مُسْهِرٍ.وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ نَصْرُ بنُ زَكَرِيَّا المَرْوَزِيُّ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: شَبَابُ خُرَاسَان أَرْبَعَةٌ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي: الدَّارِمِيّ- وَزَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى اللُّؤْلُؤِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ جَعْفَراً الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُنيرٍ يَقُوْلُ: أَنَا مِنْ تلاَمِيذِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَهُوَ مُعَلِّمِي وَرَأَيْتُهُ يَكْتُبُ عَنْ مُحَمَّدٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا حَاشِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ، سَمِعْتُ يَعْقُوْبَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيَّ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ فَقِيْهُ هَذِهِ الأُمَّةِ.
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ المُسْنِديِّ قَالَ: حُفَّاظُ زَمَانِنَا ثَلاَثَةٌ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَحَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَيَحْيَى بنُ سَهْلٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرَبْرِيُّ قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنِيْر -رَحِمَهُ اللهُ- إِلَى بُخَارَى فِي حَاجَةٍ لَهُ.
فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ لَهُ ابْنُ مُنِيْرٍ: لقيتَ أَبَا عَبْدِ اللهِ؟
قَالَ: لاَ.
فطردَهُ، وَقَالَ: مَا فيكَ بَعْدَ هَذَا خَيْرٌ، إِذْ قدِمْتَ بُخَارَى وَلَمْ تَصِرْ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ يَقُوْلُ: حضَرتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ، فَرَأَيْتُ رَجُلاً يَقُوْلُ فِي مَجْلِسِهِ: نَاظرَ أَبُو بَكْرٍ أَبَا عَبْدِ اللهِ فِي أَحَادِيْثِ سُفْيَانَ، فَعَرفَ كُلَّهَا، ثُمَّ أَقبلَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ، فَأَغربَ عَلَيْهِ مَائَتَي حَدِيْثٍ.فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُوْلُ: ذَاكَ الفَتَى البَازِلُ - وَالبَازلُ الجملُ المُسِنُّ - إِلاَّ أَنَّهُ يُرِيْدُ هَا هُنَا البصيرُ بِالعِلْمِ، الشجَاعُ.
وَسَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ يَقُوْلُ: إِنَّ الرُّتُوتَ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ مِثْلَ: سَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَنُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، وَالحُمَيْدِيِّ، وَحَجَّاجِ بنِ مِنْهَالٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَالعَدَنِيِّ، وَالحَسَنِ الخلاَلِ بِمَكَّةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَيْمُوْنٍ صَاحِبِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ العَلاَءِ، وَالأَشَجِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ المُنْذِرِ الحِزَامِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى الفَرَّاءِ، كَانُوا يهَابُوْنَ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، وَيَقْضُونَ لَهُ عَلَى أَنفُسِهِم فِي المَعْرِفَةِ وَالنَّظَرِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنِي حَاتِمُ بنُ مَالِكٍ الوَرَّاقُ؟ قَالَ: سَمِعْتُ عُلَمَاءَ مَكَّةَ يَقُوْلُوْنَ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِمَامُنَا وَفَقِيْهُنَا وَفَقِيْهُ خُرَاسَانَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبِي -رَحِمَهُ اللهُ- يَقُوْلُ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَخْتَلِفُ إِلَى أَبِي حَفْصٍ أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ البُخَارِيِّ وَهُوَ صَغِيْرٌ، فَسَمِعْتُ أَبَا
حَفْصٍ يَقُوْلُ:هَذَا شَابٌّ كَيِّسٌ، أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ لَهُ صِيتٌ وَذِكْرٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا سهلٍ محموداً الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِيْنَ عَالِماً مِنْ عُلَمَاءِ مِصْرَ، يَقُوْلُوْنَ: حَاجَتُنَا مِنَ الدُّنْيَا النَّظَرُ فِي (تَارِيْخِ) مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بنُ يُوْنُسَ، قَالَ: سُئِلَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي: الدَّارِمِيّ- عَنْ حَدِيْثِ سَالِمِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ، فَقَالَ: كتبنَاهُ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدٌ يَقُوْلُ: سَالِمٌ ضَعِيْفٌ.
فَقِيْلَ لَهُ: مَا تَقُوْلُ أَنْتَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ أَبْصَرُ مِنِّي.
قَالَ: وَسُئِلَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَدِيْثِ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ: (لاَ يَكْذِبُ الكَاذِبُ إِلاَّ مِنْ مَهَانَةِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ ) .
وَقِيْلَ لَهُ: مُحَمَّدٌ يزعُمُ أَنَّ هَذَا صَحِيْحٌ، فَقَالَ: مُحَمَّدٌ أَبصرُ مِنِّي، لأَنَّ همَّهُ النَّظَرُ فِي الحَدِيْثِ، وَأَنَا مَشْغُوْلٌ مريضٌ، ثُمَّ قَالَ: مُحَمَّدٌ أَكْيَسُ خلقِ اللهِ، إِنَّهُ عَقَلَ عَنِ اللهِ مَا أَمرَهُ بِهِ، وَنَهَى عَنْهُ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ، إِذَا قَرَأَ مُحَمِّدٌ القُرْآنَ، شَغَلَ قَلْبَهُ وَبصرَهُ وَسَمْعَهُ، وَتَفَكَّرَ فِي أَمْثَالِهِ، وَعرفَ حلاَلَهُ وَحرَامَهُ.
وَقَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ سُلَيْمَانُ بنُ مُجَالدٍ: إِنِّي سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْديًّ عَنْ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَعْلَمُنَا وَأَفْقَهُنَا
وَأَغْوَصُنَا، وَأَكْثَرُنَا طلباً.وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ المُؤَدِّبَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ يُشْبِهُ طلبُ مُحَمَّدٍ لِلْحَدِيْثِ طلبَنَا، كَانَ إِذَا نظَرَ فِي حَدِيْثِ رَجُلٍ أَنْزَفَهُ.
وَقَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ وَرَّاقُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَأَلَنِي عَبْدُ اللهِ عَنْ كِتَابِ (الأَدبِ) مِنْ تَصْنِيْفِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ: احمِلْهُ لأَنْظُرَ فِيْهِ، فَأَخَذَ الكِتَابَ مِنِّي، وَحَبَسَهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا أَخذتُ مِنْهُ، قُلْتُ: هَلْ رَأَيْتَ فِيْهِ حَشْواً، أَوْ حَدِيْثاً ضَعِيْفاً؟
فَقَالَ ابْنُ إِسْمَاعِيْلَ: لاَ يَقْرَأُ عَلَى النَّاسِ إِلاَّ الحَدِيْثَ الصَّحِيْحَ، وَهَلْ يُنْكَرُ عَلَى مُحَمَّدٍ؟!
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطَّيِّبِ حَاتِمَ بنَ مَنْصُوْرٍ الكِسِّيَّ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ فِي بصرِهِ وَنفَاذِهِ مِنَ العِلْمِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو المستنيرَ بنَ عَتِيْقٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَجَاءَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: فَضْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ عَلَى العُلَمَاءِ كفضلِ الرِّجَالِ عَل?ى النِّسَاءِ.
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، كُلُّ ذَلِكَ بِمَرَّةٍ؟!
فَقَالَ: هُوَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ يَمْشِي عَلَى ظَهرِ الأَرْضِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: سَأَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَبَا رَجَاءَ
البَغْلاَنِيَّ -يَعْنِي: قُتَيْبَة- إِخْرَاجَ أَحَادِيْثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ،فَقَالَ: مُنْذُ كَتَبْتُهَا مَا عرضتُهَا عَلَى أَحَدٍ، فَإِنِ احتسبتَ وَنظرتَ فِيْهَا، وَعلَّمتَ عَلَى الخطأِ مِنْهَا فعلتُ، وَإِلاَّ لَمْ أُحَدِّثْ بِهَا، لأَنِّي لاَ آمَنُ أَنْ يَكُوْنَ فِيْهَا بَعْضُ الخطأِ، وَذَلِكَ أَنَّ الزِّحَامَ كَانَ كَثِيْراً، وَكَانَ النَّاسُ يُعَارِضونَ كُتُبَهُم، فيُصحِّحُ بَعْضُهُم مِنْ بَعْضٍ، وَتركتُ كِتَابِي كَمَا هُوَ، فَسُرَّ البُخَارِيُّ بِذَلِكَ، وَقَالَ: وُفِّقْتَ.
ثُمَّ أَخذَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ صَلاَةَ الغدَاةِ، فينظُرُ فِيْهِ إِلَى وَقْتِ خُرُوْجِهِ إِلَى المَجْلِسِ، وَيُعَلِّم عَلَى الخطأِ مِنْهُ.
فَسَمِعْتُ البُخَارِيَّ رَدَّ عَلَى أَبِي رَجَاء يَوْماً حَدِيْثاً.
فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَذَا مِمَّا كَتَبَ عَنِّي أَهْلُ بَغْدَادَ، وَعَلَيْهِ علاَمَةُ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَلاَ أَقدِرُ أُغَيِّرُهُ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: إِنَّمَا كتبَ أُوْلَئِكَ عَنْكَ لأَنَّكَ كُنْتَ مُجْتَازاً، وَأَنَا قَدْ كَتَبْتُ هَذَا عَنْ عِدَّةٍ عَلَى مَا أَقُوْلُ لَكَ، كَتَبْتُهُ عَنْ يَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ، وَابْنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَكَاتِبِ اللَّيْثِ عَنِ اللَّيْثِ، فَرَجَعَ أَبُو رَجَاءَ، وَفَهِمَ قَوْلَهُ، وَخضَعَ لَهُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: كَانَ زَكَرِيَّا اللُّؤْلُؤِيُّ وَالحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ ببلخَ يمشيَانِ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ إِلَى المَشَايِخِ إِجْلاَلاً لَهُ وَإِكرَاماً.
قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه جَالِساً عَلَى السَّرِيْرِ، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ مَعَهُ وَإِسْحَاقُ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَتَّى مرَّ عَلَى حَدِيْثٍ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ.
ثُمَّ رَأَيْتُ عَمْرَو بنَ زُرَارَةَ وَمُحَمَّدَ بنَ رَافِعٍ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ يَسْأَلاَنِهِ عَنْ عِلَلِ الحَدِيْثِ، فَلَمَّا قَامَا قَالاَ لِمَنْ حَضَرَ: لاَ تُخْدَعُوا عَن أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَإِنَّهُ أَفْقَهُ مِنَّا وَأَعْلَمُ وَأَبصرُ.قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ إِسْحَاقَ وَعَمْرُو بنُ زُرَارَةَ ثَمَّ، وَهُوَ يَسْتَملِي عَلَى البُخَارِيِّ، وَأَصْحَابُ الحَدِيْثِ يَكْتُبُوْنَ عَنْهُ، وَإِسْحَاقُ يَقُوْلُ: هُوَ أَبصرُ مِنِّي.
وَكَانَ مُحَمَّدٌ يَوْمَئِذٍ شَابّاً.
وَقَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ قَالَ: كُنَّا مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ بَشَّارٍ، فَسَأَلَهُ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ عَنْ حَدِيْثٍ، فَأَجَابَهُ، فَقَالَ: هَذَا أَفقَهُ خلقِ اللهِ فِي زَمَانِنَا.
وَأَشَارَ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ يَقُوْلُ: لَوْ أَنَّ وَكِيْعاً وَابْنَ عُيَيْنَةَ وَابْنَ المُبَارَكِ كَانُوا فِي الأَحيَاءِ لاحْتَاجُوا إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ: انْظُرْ فِي كُتُبِي وَمَا أَملِكُهُ لَكَ، وَأَنَا شَاكرٌ لَكَ مَا دمتُ حيّاً.
وَقَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَمْرٍو الكَرْمَانِيُّ: سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيَّ يَقُوْلُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ صَدِيْقِي، ليسَ بِخُرَاسَانَ مِثْلَهُ.
فحكيتُ لمهيَارٍ بِالبَصْرَةِ عَنْ قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: رُحِلَ إِلَيَّ مِنْ شرقِ الأَرْضِ وَغربِهَا، فَمَا رحلَ إِلَيَّ مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ مهيَارٌ: صَدَقَ.
أَنَا رَأَيْتُهُ مَعَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَهُمَا يَخْتَلِفَانِ جَمِيْعاً إِلَى
مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَرَأَيْتُ يَحْيَى ينقَادُ لَهُ فِي المَعْرِفَةِ.وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ الأَشَجَّ، وَخَرَجَ إِلَيْنَا فِي غدَاةٍ بَارِدَةٍ، وَهُوَ يرتعدُ مِنَ البَرْدِ، فَقَالَ: أَيَكُوْنُ عندَكُم مِثْلُ ذَا البَرْدِ؟
فَقُلْتُ: مِثْلُ ذَا يَكُوْنُ فِي الخريفِ وَالرَّبِيْعِ، وَرُبَّمَا نُمسِي وَالنَّهْرُ جَارٍ، فنصبحُ وَنَحتَاجُ إِلَى الفَأَسِ فِي نَقْبِ الجَمَدِ.
فَقَالَ لِي: مِنْ أَيِّ خُرَاسَان أَنْتَ؟
قُلْتُ: مِنْ بُخَارَى.
فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: هُوَ مِنْ وَطَنِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ لَهُ: إِذَا قَدِمَ عَلَيْك مَنْ يُتوسَّلُ بِهِ فَاعرفْ لَهُ حقَّهُ، فَإِنَّهُ إِمَامٌ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ ثَابِتٍ الشَّاشِيَّ، سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي أُوَيْسٍ يَقُوْلُ: مَا أَخذَ عَنِّي أَحَدٌ مَا أَخذَ عَنِّي مُحَمَّدٌ، نظرَ إِلَى كُتُبِي، فرآهَا دَارسَةً، فَقَالَ لِي: أَتَأْذنُ لِي أَنْ أُجدِّدَهَا؟
فَقُلْتُ: نَعَمْ.
فَاسْتَخرجَ عَامَّةَ حَدِيْثِي بِهَذِهِ العِلَّةِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ حُجْرٍ سَاعَةَ وَدَّعَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: قُلْ فِي أَدبِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا شِئْتَ، وَقُلْ فِي علمِ مُحَمَّدٍ مَا شِئْتَ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ اللَّيْثِ يَقُوْلُ: وذُكِرَ عِنْدَه عَبْدُ اللهِ وَمُحَمَّدٌ، فسَمِعَ بَعْضَ الجَمَاعَةِ يُفضِّلُ عَبْدَ اللهِ عَلَى مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: إِذَا قَدمتوهُ فَقَدِّمُوهُ فِي الشِّعْرِ وَالعَرَبِيَّةِ، وَلاَ تقدّمُوهُ عَلَيْهِ فِي العِلْمِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَدُسُّ إِلَيَّ أَحَادِيْثَ مِنْ أَحَادِيْثِهِ المُشْكِلَةِ عَلَيْهِ، يَسْأَلُنِي أَنْ أَعرِضَهَا عَلَى مُحَمَّدٍ، وَكَانَ يَشتهِي أَنْ لاَ يَعْلَمَ مُحَمَّدٌ، فَكُنْتُ إِذَا عَرضْتُ عَلَيْهِ شَيْئاً يَقُوْلُ: مِنْ ثَمَّ جَاءتْ؟
وَعَنْ قُتَيْبَةَ قَالَ: لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ فِي الصَّحَابَةِ لكَانَ آيَةً.وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الهَمَذَانِيُّ: كُنَّا عِنْدَ قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ شَعْرَانِيٌّ يُقَالُ لَهُ: أَبُو يَعْقُوْبَ، فَسَأَلَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فنكسَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رفعَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: يَا هَؤُلاَءِ، نظرْتُ فِي الحَدِيْثِ، وَنظرتُ فِي الرَّأْيِ، وَجَالَسْتُ الفُقَهَاءَ وَالزُّهَادَ وَالعُبَّادَ، مَا رَأَيْتُ مُنْذُ عقلْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسمَاعيلَ.
وَقَالَ حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ يَقُوْلُ: مَثَلُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ عِنْدَ الصَّحَابَةِ فِي صدقِهِ وَوَرَعِهِ كَمَا كَانَ عُمَرُ فِي الصَّحَابَةِ.
وَقَالَ حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: لَمْ يجئْنَا مِنْ خُرَاسَانَ مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وروينَا عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ قَالَ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَعْلَمُ مَنْ دَخَلَ العِرَاقَ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ إِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ، سَمِعَ بِبُخَارَى هَارُوْنَ بنَ الأَشْعَثِ، وَمُحَمَّدَ بنَ سَلاَمٍ، وَسَمَّى خَلْقاً مِنْ شُيُوْخِهِ.
ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطَّيِّبِ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ المُذَكِّرَ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ تَحْتَ أَديمِ السَّمَاءِ أَعْلَمَ بِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَحْفَظَ لَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
ثُمَّ قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ بَيْنَ يَدِي البُخَارِيِّ يَسْأَلُهُ سُؤَالَ الصَّبِيِّ.ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ أَحْمَدَ الشَّيْبَانِيَّ المُعَدَّلَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حمدُوْنَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ فِي جِنَازَةِ سَعِيْدِ بنِ مَرْوَانَ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ يَسْأَلُهُ عَنِ الأَسَامِي وَالكُنَى وَالعِلَلِ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَمُرُّ فِيْهِ مِثْلَ السَّهمِ، كَأَنَّهُ يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الإِخلاَص:1] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ المُطوّعِيّ بِبُخَارَى، حَدَّثَنَا مُسَبِّحُ بنُ سَعِيْدٍ البُخَارِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْديَّ يَقُوْلُ: قَدْ رَأَيْتُ العُلَمَاءَ بِالحِجَازِ وَالعِرَاقَينِ، فَمَا رَأَيْتُ فِيْهِم أَجمعَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ حمدُوْن بنِ رُسْتُمَ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ، وَجَاءَ إِلَى البُخَارِيِّ فَقَالَ: دَعْنِي أُقَبِّلْ رجليكَ يَا أُسْتَاذَ الأُسْتَاذِين، وَسَيِّدَ المُحَدِّثِيْنَ، وَطبيبَ الحَدِيْثِ فِي عِلَلِهِ.
وَقَالَ أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ: لَمْ أَرَ بِالعِرَاقِ وَلاَ بِخُرَاسَانَ فِي مَعْنَى العِلَلِ وَالتَّارِيْخِ وَمَعْرِفَةِ الأَسَانِيْدِ أَعْلَمَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنِيْرٍ، فَلَمَّا قَامَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، جَعَلَكَ اللهُ زَيْنَ هَذِهِ الأُمَّةِ.قَالَ التِّرْمِذِيُّ: اسْتُجِيْبَ لَهُ فِيْهِ.
قُلْتُ: ابْنُ مُنِيْرٍ مِنْ كِبَارِ الزُّهَّادِ، قَالَ.... قِيْلَ: إِنَّ البُخَارِيَّ لَمَّا قَدِمَ مِنَ العِرَاقِ، قَدْمَتَهُ الآخِرَة، وَتلقَّاهُ النَّاسُ، وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ، وَبَالغُوا فِي بِرِّهِ.
قِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: كَيْفَ لَوْ رَأَيْتُم يَوْمَ دُخُوْلِنَا البَصْرَةَ ؟
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَة: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَجْلِسُ بِبَغْدَادَ، وَكُنْتُ أَستملِي لَهُ، وَيجتمعُ فِي مَجْلِسِهِ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِيْنَ أَلْفاً.
وَقَالَ عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ خَلَفٍ النَّسَفِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَلِيٍّ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الدَّارِمِيِّ وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ وَأَبِي زُرْعَةَ، فقَالَ: أَعْلَمُهُم بالحَدِيْثِ مُحَمِّدٌ، وأَحْفَظُهُم أَبُو زُرْعَةَ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ زبركٍ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِدْرِيْسَ الرَّازِيَّ يَقُوْلُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ: يقدَمُ عَلَيْكُم رَجُلٌ مِنْ خُرَاسَانَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا أَحْفَظُ مِنْهُ، وَلاَ قَدِمَ العِرَاقَ أَعْلَمُ مِنْهُ.
فَقَدمَ عَلَيْنَا البُخَارِيَّ.
وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ حَاتِمُ بنُ مُحَمَّدٍ: قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ الحَافِظُ: لَوْ أَنَّ أَهْلَ الإِسْلاَمِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يُنَصِّبُوا آخَرَ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ.وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفَقِيْهُ الدَّغُوْلِيُّ: كتبَ أَهْلُ بَغْدَادَ إِلَى البُخَارِيِّ:
المُسْلِمُوْنَ بِخَيْرٍ مَا بَقِيْتَ لَهُم ... وَلَيْسَ بَعْدَكَ خَيْرٌ حِيْنَ تُفْتَقَدُ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: سُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، فَقَالَ: تَرَكَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ.
وَسُئِلَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ، فَقَالَ: تركَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ.
فَذُكِرَ ذَلِكَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: بِرُّهُ لَنَا قَدِيْمٌ.
قَالَ الخَطِيْبُ: وَسُئِلَ العَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ الرَّازِيُّ الصَّائِغُ: أيُّهُمَا أَفْضَلُ، أَبُو زُرْعَةَ أَوْ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ؟
فَقَالَ: التقيتُ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بَيْنَ حُلْوَانَ وَبَغْدَادَ، فَرَجَعتُ مَعَهُ مَرحلَةً، وَجَهِدْتُ أَنْ أَجِيءَ بِحَدِيْثٍ لاَ يَعْرِفُهُ، فَمَا أَمكنَنِي، وَأَنَا أُغْرِبُ عَلَى أَبِي زُرْعَةَ عَدَدَ شَعْرِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ فِي (تَارِيْخِهِ) : مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الجُعْفِيُّ طَلَبَ العِلْمَ، وَجَالَسَ النَّاسَ، وَرَحَلَ فِي الحَدِيْثِ، وَمَهَرَ فِيهِ وَأَبْصَرَ،
وَكَانَ حَسَنَ المَعْرِفَةِ، وَالحِفْظِ، وَكَانَ يتفقَّهُ.قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: رَأَيْتُ أَبِي يُطْنِبُ فِي مدحِ أَحمدَ بنِ سَيَّارٍ، وَيذكرُه بِالعِلْمِ وَالفِقْه.
وَذكر عَمَرُ بنُ حَفْصٍ الأَشْقَرُ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَجَاءُ بنُ مُرَجَّى بُخَارَى يُرِيْد الخُرُوجَ إِلَى الشَّاشِ، نَزَلَ الرّباطَ، وَسَارَ إِلَيْهِ مَشَايِخنَا، وَسِرْتُ فِيْمَنْ سَارَ إِلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَأَخبرتُهُ بسَلاَمَتِهِ، وَقُلْتُ: لَعَلَّهُ يَجِيْئُكَ السَّاعَةَ، فَأَملَى عَلَيْنَا، وَانقضَى المَجْلِسُ، وَلَمْ يَجِئْ.
فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّانِي لَمْ يَجِئْهُ.
فَلَمَّا كَانَ اليَوْم الثَّالِث قَالَ رَجَاءُ: إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ لَمْ يَرَنَا أَهْلاً لِلزِّيَارَةِ، فمُرُّوا بِنَا إِلَيْهِ نقضِ حقَّهُ، فَإِنِّي عَلَى الخُرُوجِ - وَكَانَ كَالمُتَرَغّمِ عَلَيْهِ - فَجِئْنَا بجمَاعتِنَا إِلَيْهِ، فَقَالَ رَجَاءُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كُنْتُ بِالأَشواقِ إِلَيْكَ، وَأَشْتَهِي أَنْ تذكرَ شَيْئاً مِنَ الحَدِيْث، فَإِنِّي عَلَى الخُرُوج.
قَالَ: مَا شِئْتَ.
فَأَلقَى عَلَيْهِ رَجَاءُ شَيْئاً مِنْ حَدِيْثِ أَيُّوْبَ، وَأَبو عَبْدِ اللهِ يُجِيْبُ إِلَى أَنْ سكتَ رَجَاءُ عَنِ الإِلقَاءِ.
فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: ترَى بَقِيَ شَيْءٌ لَمْ نذكرْهُ، فَأَخَذَ مُحَمَّدٌ يُلْقِي، وَيَقُوْلُ رَجَاءُ: مَنْ رَوَى هَذَا؟ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ يَجِيْءُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَنْ أَلقَى قَرِيْباً مِنْ بِضْعَة عشر حَدِيْثاً.
وَتَغَيَّرَ رَجَاءُ تغيُّراً شَدِيْداً، وَحَانَتْ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ نظرَةٌ إِلَى وَجْهِهِ، فَعَرفَ التَّغَيُّرَ فِيْهِ، فَقطَعَ الحَدِيْثَ.
فَلَمَّا خَرَجَ رَجَاءُ قَالَ مُحَمَّدٌ: أَرَدْتُ أَنْ أَبلغَ بِهِ ضِعْفَ مَا أَلقَيْتُهُ، إِلاَّ أَنِّي خشيتُ أَنْ يدخُلَهُ شَيْءٌ، فَأَمسكتُ.
وَقَالَ خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ نَصْرٍ الخَفَّافَ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَعْلَمُ بِالحَدِيْثِ مِنْ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه وَأَحْمَدَ بنِ
حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمَا بِعِشْرِيْنَ دَرَجَةٍ؛ وَمَنْ قَالَ فِيْهِ شَيْئاً، فمنِّي عَلَيْهِ أَلفُ لعنَةٍ.ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التَّقيُّ النَّقيُّ العَالِمُ الَّذِي لَمْ أَرَ مِثْلَهُ.
وَرُوِيَ عَنِ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ المَعْرُوْفِ بعُبَيْدِ العِجْلِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَلَمْ يَكُنْ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ يبلغُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ.
وَرَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ وَأَبَا حَاتِمٍ يَسْتَمَعَانِ إِلَى مُحَمَّدٍ أَيَّ شَيْءٍ يَقُوْلُ، يجلسُونَ إِلَى جَنْبِهِ، فَذُكِرَ لعُبَيْدِ العِجْلِ قِصَّةُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، فَقَالَ: مَا لَهُ وَلِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ؟ كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ، وَكَانَ أَعْلَمَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بكذَا وَكَذَا، وَكَانَ دَيِّناً فَاضِلاً يُحْسِنُ كُلَّ شَيْءٍ.
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بنُ حمدُوْن القصَّارُ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ، وَجَاءَ إِلَى البُخَارِيِّ، فَقَبَّلَ بَيْنَ عينيهِ، وَقَالَ: دعنِي أُقَبِّلُ رِجْليكَ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثكَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بنُ يَزِيْدَ الحَرَّانِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنِ أَبيه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كَفَّارَةِ المَجْلِسِ، فَمَا عِلَّتُهُ؟
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ: هَذَا حَدِيْثٌ مَلِيْحٌ، وَلاَ أَعْلَمُ بِهَذَا الإِسْنَادِ فِي الدُّنْيَا حَدِيْثاً غَيْرَ هَذَا الحَدِيْثِ الوَاحِدِ فِي هَذَا البَابِ، إِلاَّ أَنَّهُ معلولٌ حَدَّثَنَا بِهِ مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ، عَنْ عَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ قَوْلَهُ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهَذَا أَوْلَى، فَإِنَّهُ لاَ يُذكَرُ لمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ سَمَاعٌ مِنْ سُهَيْلٍ.فَقَالَ لَهُ مُسْلِمٌ: لاَ يُبْغِضُكَ إِلاَّ حَاسِدٌ، وَأَشهدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِثْلُكَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ الأَخْرَمِ: سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: لَمَّا قَدِمَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ اسْتَقبَلَهُ أَرْبَعَةُ آلاَفِ رَجُلٍ رُكْبَاناً عَلَى الخيلِ، سِوَى مِنْ ركبَ بغلاً أَوْ حِمَاراً وَسوَى الرَّجَّالَةِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ: وَددْت أَنِّي شَعْرَةٌ فِي صَدْرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ وَآخَرَ يَقُوْلاَنِ: كَانَ أَهْلُ المَعْرِفَةِ بِالبَصْرَةِ يَعْدُونَ خَلْفَ البُخَارِيِّ فِي طلبِ الحَدِيْثِ، وَهُوَ شَابٌّ حَتَّى يغلِبُوهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُجْلِسُوهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيْقِ، فيجتمعُ عَلَيْهِ أَلوفٌ أَكْثَرُهُم مِمَّنْ يَكْتُبُ عَنْهُ.
قَالاَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عِنْدَ ذَلِكَ شَابّاً لَمْ يخرجْ وَجْهُهُ.
أَخبرنَي الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ المهدوِيُّ، سَمِعْتُ خَالِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ المَرْوَزِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا سهلٍ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ المَرْوَزِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا زيدٍ المَرْوَزِيَّ الفَقِيْهَ يَقُوْلُ: كُنْتُ نَائِماً بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمقَامِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لِي: يَا أَبَا زيدٍ، إِلَى مَتَى تدرسُ كِتَابَ الشَّافِعِيِّ، وَلاَ تدرُسُ كِتَابِي؟فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ وَمَا كِتَابُكَ؟
قَالَ: (جَامِعُ) مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وجدْتُ فَائِدَةً مَنْقُوْلَةً عَنْ أَبِي الخَطَّابِ بنِ دِحْيَةَ، أَنَّ الرَّمْلِيَّ الكَذَّابَةَ قَالَ: البُخَارِيُّ مَجْهُوْلٌ، لَمْ يَرْوِ عَنْهُ سِوَى الفِرَبْرِيُّ.
قَالَ أَبُو الخَطَّابِ: وَاللهِ كذبَ فِي هَذَا وَفَجَرَ، وَالتقمَ الحَجَرَ، بَلِ البُخَارِيُّ مَشْهُوْرٌ بِالعِلْمِ وَحَمْلِهِ؛ مجمعٌ عَلَى حِفْظِهِ وَنُبْلِهِ، جَابَ البِلاَدَ، وَطَلَبَ الرِّوَايَةَ وَالإِسْنَادِ.
رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ العُلَمَاءِ إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَمَّا كِتَابُهُ فَقَدْ عرضَهُ عَلَى حَافِظِ زَمَانِهِ أَبِي زُرْعَةَ، فَقَالَ: كِتَابُكَ كُلُّهُ صَحِيْحٌ إِلاَّ ثَلاَثَةُ أَحَادِيْث.
ذِكْرُ عِبَادَتِهِ وَفَضْلِهِ وَوَرَعِهِ وَصَلاَحِهِ
قَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ المُطَّوِّعِيُّ، حَدَّثَنَا مُسَبِّحُ بنُ سَعِيْدٍ
قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يختمُ فِي رَمَضَانَ فِي النَّهَارِ كُلَّ يَوْمٍ خَتْمَةً، وَيقومُ بَعْدَ التّروَايحِ كُلَّ ثَلاَثِ لَيَالٍ بخَتْمَةٍ.وَقَالَ بَكْرُ بنُ مُنِيْرٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: أَرْجُو أَنْ أَلقَى اللهَ وَلاَ يحَاسبنِي أَنِّي اغتبتُ أَحَداً.
قُلْتُ: صَدَقَ -رَحِمَهُ اللهُ- وَمَن نظَرَ فَى كَلاَمِهِ فِي الجرحِ وَالتعديلِ عَلِمَ وَرعَهُ فِي الكَلاَمِ فِي النَّاسِ، وَإِنصَافَهُ فِيْمَنْ يُضَعِّفُهُ، فَإِنَّهُ أَكْثَر مَا يَقُوْلُ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ، سَكَتُوا عَنْهُ، فِيْهِ نظرٌ، وَنَحْو هَذَا. وَقَلَّ أَنْ يَقُوْلَ: فُلاَنٌ
..................................................................................
كَذَّابٌ، أَوْ كَانَ يَضَعُ الحَدِيْثَ.حَتَّى إِنَّهُ قَالَ: إِذَا قُلْتُ: فُلاَنٌ فِي حَدِيْثِهِ نَظَرٌ، فَهُوَ مُتَّهَمٌ وَاهٍ.
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: لاَ يُحَاسبُنِي اللهُ أَنِّي اغتبْتُ أَحَداً، وَهَذَا هُوَ وَاللهِ غَايَةُ الوَرَعِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: سَمِعْتُهُ -يَعْنِي: البُخَارِيَّ- يَقُوْلُ: لاَ يَكُوْنُ لِي خصمٌ فِي الآخِرَةِ، فَقُلْتُ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَنْقِمُونَ عَلَيْكَ فِي كِتَابِ (التَّارِيْخ) وَيَقُوْلُوْنَ: فِيْهِ اغتيَابُ النَّاسِ، فَقَالَ: إِنَّمَا روينَا ذَلِكَ رِوَايَةً لَمْ نَقُلْهُ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِنَا، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بِئْسَ مَوْلَى العَشِيْرَةِ) يَعْنِي: حَدِيْث عَائِشَةَ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا اغتبْتُ أَحَداً قَطُّ مُنْذُ عَلِمتُ أَنَّ الغِيبَةَ تَضُرُّ أَهْلَهَا.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يُصَلِّي فِي وَقْتِ السَّحَرِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَكَانَ لاَ يُوقظنِي فِي كُلِّ مَا يقوم.
فَقُلْتُ: أَرَاكَ تحمِلُ عَلَى نَفْسِكَ، وَلَمْ توقظْنِي.
قَالَ: أَنْتَ شَابٌّ، وَلاَ أُحِبُّ أَنْ أُفْسِدَ عَلَيْكَ نَومَكَ.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ المُقْرِئِ، سَمِعْتُ بَكْرَ بنَ مُنِيْرٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يُصَلِّي ذَاتَ لَيْلَةٍ، فلسعَهُ الزُّنْبُورُ سَبْعَ عَشْرَةَ مَرَّةً.
فَلَمَّا قضَى الصَّلاَةَ، قَالَ: انْظُرُوا أَيش آذَانِي.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: دُعِيَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى بُسْتَانِ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا صَلَّى بِالقَوْمِ الظُّهْرَ، قَامَ يتطوَّعُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ، رفعَ ذيلَ قمِيصِهِ، فَقَالَ لبَعْضِ مَنْ مَعَهُ: انظُرْ هَلْ تَرَى تَحْتَ قمِيصِي شَيْئاً؟ فَإِذَا زنبورٌ قَدْ أَبَرَهُ فِي ستِّةِ عشرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعاً، وَقَدْ تورمَ مِنْ ذَلِكَ جَسَدُهُ.فَقَالَ لَهُ بَعْضُ القَوْمِ: كَيْفَ لَمْ تخرجْ مِنَ الصَّلاَةِ أَوَّلَ مَا أَبَرَكَ؟
قَالَ: كُنْتُ فِي سُوْرَةٍ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُتِمَّهَا !!
وَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ سَعِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ العُلَمَاءَ بِالبَصْرَةِ يَقُوْلُوْنَ: مَا فِي الدُّنْيَا مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فِي المَعْرِفَةِ وَالصَّلاَحِ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الوَرَّاقُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي شَعْرَةٌ فِي صَدْرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ الخَفَّافُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التَّقيُّ النَّقيُّ العَالِمُ الَّذِي لَمْ أَرَ مِثْلَهُ.
أَعدْتُ هَذَا لِلتَّبويبِ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَامِدٍ البَزَّازُ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ جَابِرٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ لَمَّا وَردَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ يَقُوْلُ: اذْهَبُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ، فَاسْمَعُوا مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عبدَ القُدُّوسِ بنَ عَبْدِ الجَبَّارِ السَّمَرْقَنْديَّ يَقُوْلُ: جَاءَ مُحَمَّدٌ إِلَى أَقربَائِهِ بخَرْتَنْك، فسَمِعْتُهُ يدعُو لَيْلَةً إِذْ فرغَ مِنْ وِرْدِهِ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عليَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ.فَمَا تمَّ الشَّهر حَتَّى مَاتَ.
وَقَدْ ذكرنَا أَنَّهُ لَمَّا أَلَّفَ (الصَّحِيْحَ) كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ كُلِّ تَرْجَمَةٍ.
وَرَوَى الخَطِيْبُ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الفِرَبْرِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، فَقَالَ لِي: أَيْنَ تُرِيْدُ؟
فَقُلْتُ: أُرِيْدُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ، فَقَالَ: أَقْرئْهُ مِنِّيَ السَّلاَمُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: ركبنَا يَوْماً إِلَى الرَّمْيِ، وَنَحْنُ بِفِرَبْر، فَخَرَجْنَا إِلَى الدَّربِ الَّذِي يُؤدِّي إِلَى الفُرْضَةِ.
فجعلنَا نَرمِي، وَأَصَابَ سَهْمُ أَبِي عَبْدِ اللهِ وتِدَ القنطرَةِ الَّذِي عَلَى نهرِ وَرَّادَةَ، فَانْشَقَّ الوَتِدُ.
فَلَمَّا رَآهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ نَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ، فَأَخْرَجَ السَّهمَ مِنَ الوَتِدِ، وَتركَ الرَّمْيَ.
وَقَالَ لَنَا: ارجِعُوا.
وَرجَعْنَا مَعَهُ إِلَى المَنْزِلِ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، لِي إِلَيْك حَاجَةٌ تقضيهَا؟
قلتُ: أَمْرُكَ طَاعَةٌ.
قَالَ: حَاجَةٌ مُهِمَّةٌ، وَهُوَ يتنفَّسُ الصُّعَدَاءَ.
فَقَالَ لِمَنْ مَعَنَا: اذهبُوا مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ حَتَّى تُعِينوهُ عَلَى مَا سَأَلْتُهُ.
فَقُلْتُ: أَيَّةُ حَاجَةٍ هِيَ؟
قَالَ لِي: تضمنُ قَضَاءهَا؟
قُلْتُ: نَعَمْ، عَلَى الرَّأْسِ وَالعَيْنِ.
قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تَصِيرَ إِلَى صَاحِبِ القنطرَةِ، فَتَقُوْلَ لَهُ: إِنَّا قَدْ أَخللنَا بِالوَتِدِ، فَنُحِبُّ أَنْ تَأَذَنَ لَنَا فِي إِقَامَةِ بَدَلِهِ، أَوْ تَأَخُذَ ثَمَنَهُ،
وَتجعلنَا فِي حِلٍّ مِمَّا كَانَ منَّا، وَكَانَ صَاحِبَ القنطرَةِ حُمَيْدُ بنُ الأَخضرِ الفِرَبْرِيُّ.فَقَالَ لَي: أَبلغْ أَبَا عَبْدِ اللهِ السَّلاَمَ، وَقُلْ لَهُ: أَنْتَ فِي حِلٍّ مِمَّا كَانَ مِنْكَ، وَقَالَ جَمِيْعُ مُلْكِي لَكَ الفدَاءُ، وَإِنْ قُلْتُ: نَفْسِي، أَكُوْنُ قَدْ كذبْتُ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أُحِبُّ أَنْ تحتَشِمنِي فِي وَتِدٍ أَوْ فِي مُلكِي.
فَأَبلغتُهُ رسَالَتَهُ، فَتهلَّلَ وَجْهُهُ، وَاسْتنَارَ، وَأَظْهَرَ سُرُوْراً، وَقَرَأَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ عَلَى الغُربَاءِ نَحْواً مِنْ خَمْسِ مائَةِ حَدِيْثٍ، وَتصدَّقَ بِثَلاَثِ مائَةِ دِرْهَمٍ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ لأَبِي مَعْشَرٍ الضَّرِيْرِ: اجعلنِي فِي حلٍّ يَا أَبَا مَعْشَرٍ.
فَقَالَ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ؟
قَالَ: رويتُ يَوْماً حَدِيْثاً، فَنَظَرْتُ إِلَيْكَ، وَقَدْ أُعْجِبتَ بِهِ، وَأَنْتَ تُحرِّكُ رأْسَكَ وَيَدَكَ، فَتبسَّمْتُ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ: أَنْتَ فِي حِلٍّ، رَحِمَكَ اللهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ.
قَالَ: وَرَأَيْتُهُ اسْتلقَى عَلَى قَفَاهُ يَوْماً، وَنَحْنُ بِفِرَبْر فِي تَصْنِيْفِهِ كِتَابِ (التَّفْسِيْرِ) .
وَأَتْعَبَ نَفْسَهُ ذَلِكَ اليَوْمِ فِي كَثْرَةِ إِخْرَاجِ الحَدِيْثِ.
فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَرَاكَ تَقُوْلُ: إِنِّي مَا أَثْبَتُّ شَيْئاً، بِغَيْرِ علمٍ قَطُّ مُنْذُ عَقَلْتُ، فَمَا الفَائِدَةُ فِي الاسْتلقَاءِ؟
قَالَ: أَتعبْنَا أَنفُسَنَا اليَوْمَ، وَهَذَا ثغرٌ مِنَ الثُّغُوْرِ، خَشِيْتُ أَنْ يَحْدُثَ حَدَثٌ مِنْ أَمرِ العدوِّ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَسْتريحَ، وَآخُذَ أُهبَةً، فَإِن غَافَصَنَا العَدُوُّ كَانَ بِنَا حَرَاكٌ.
قَالَ: وَكَانَ يَرْكَبُ إِلَى الرَّمْي كَثِيْراً، فَمَا أَعْلَمُنِي رَأَيْتُهُ فِي طولِ مَا صحِبْتُهُ أَخْطَأَ سهمُهُ الهَدَفَ إِلاَّ مرَّتينِ، فَكَانَ يُصِيْبُ الهدفَ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَكَانَ لاَ يُسْبَقُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا أَكلْتُ كُرَّاثاً قَطُّ، وَلاَ القَنَابَرَى.قُلْتُ: ولِمَ ذَاكَ؟
قَالَ: كرِهْتُ أَنْ أُوذِيَ مَنْ مَعِي مِنْ نَتَنِهِمَا.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ البصلُ النِّيءُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ الفِرَبْرِيُّ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ البُخَارِيِّ بِفِرَبْر فِي المَسْجَدِ، فَدَفَعْتُ مِنْ لِحْيَتِهِ قَذَاةً مِثْلَ الذَّرَّةِ أَذْكُرُهَا، فَأَردْتُ أَنْ أُلقِيهَا فِي المَسْجَدِ، فَقَالَ: أَلقِهَا خَارجاً مِنَ المَسْجَدِ.
قَالَ: وَأَملَى يَوْماً عليَّ حَدِيْثاً كَثِيْراً، فَخَافَ مَلاَلِي، فَقَالَ: طِبْ نَفْساً، فإِن أَهْلَ الملاَهِي فِي ملاَهِيهِم، وَأَهْلَ الصّنَاعَاتِ فِي صنَاعَاتِهِم، وَالتُّجَّارَ فِي تجَارَاتِهِم، وَأَنْتَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ.
فَقُلْتُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا، يرحمُكَ اللهُ إِلاَّ وَأَنَا أَرَى الحظَّ لنفسِي فِيْهِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا أَردْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ بكَلاَمٍ فِيْهِ ذكرُ الدُّنْيَا إِلاَّ بدأَتُ بحمدِ اللهِ وَالثنَاءِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: يَقُوْلُوْنَ: إِنَّكَ تَنَاولْتَ فُلاَناً.
قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، مَا ذكرْتُ أَحَداً بسوءٍ إِلاَّ أَنْ أَقُوْلَ سَاهِياً، وَمَا يَخْرُجُ اسْمُ فُلاَنٍ مِنْ صحيفَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ.
قَالَ: وضيَّفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فِي بستَانٍ لَهُ، وضيَّفَنَا مَعَهُ، فَلَمَّا جَلَسْنَا أَعجبَ صَاحِبَ البُسْتَانِ بُستَانُهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عَمِلَ مَجَالِسَ فِيْهِ، وَأَجرَى
المَاءَ فِي أَنْهَارِهِ.فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَيْفَ تَرَى؟
فَقَالَ: هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا.
قَالَ: وَكَانَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ غَرِيمٌ قَطَعَ عَلَيْهِ مَالاً كَثِيْراً، فَبلغَهُ أَنَّهُ قَدِمَ آمُل، وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِفِرَبْر، فَقُلْنَا لَهُ: يَنْبَغِي أَنْ تعبُرَ وَتَأْخُذَهُ بِمَالِكَ.
فَقَالَ: لَيْسَ لَنَا أَنْ نُرَوِّعَهُ.
ثُمَّ بَلَغَ غريْمُهُ مَكَانَهُ بِفِرَبْر، فَخَرَجَ إِلَى خُوَارزمَ، فَقُلْنَا: يَنْبَغِي أَنْ تَقُوْلَ لأَبِي سَلَمَةَ الكُشَانِيِّ عَاملِ آمُل ليكَتَبَ إِلَى خُوَارزمَ فِي أَخذِهِ، وَاسْتخرَاجِ حقِّكَ مِنْهُ.
فَقَالَ: إِنْ أَخَذْتُ مِنْهُم كِتَاباً طمِعُوا مِنِّي فِي كِتَابٍ، وَلَسْتُ أَبيعُ دينِي بدُنيَاي.
فَجَهِدْنَا، فَلَمْ يَأْخُذْ حَتَّى كلَّمْنَا السُّلْطَانُ عَنْ غَيْرِ أَمرِهِ.
فَكَتَبَ إِلَى وَالِي خُوَارزمَ.
فَلَمَّا أُبلِغَ أَبَا عَبْدِ اللهِ ذَلِكَ، وَجَدَ وَجْداً شَدِيْداً.
وَقَالَ: لاَ تكونُوا أَشفقَ عليَّ مِنْ نَفْسِي.
وَكَتَبَ كِتَاباً، وَأَرْدَفَ تِلْكَ الكُتُبَ بكُتُبٍ، وَكَتَبَ إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ بخُوَارِزْمَ أَنْ لاَ يُتَعرَّضَ لغريمِهِ إِلاَّ بِخَيْرٍ.
فَرَجَعَ غريمُهُ إِلَى آمُل، وَقصَدَ إِلَى نَاحِيَةِ مَرْو.
فَاجْتَمَعَ التُّجَّارُ، وَأُخْبِرَ السُّلْطَانُ بِأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ خَرَجَ فِي طَلَبِ غريمٍ لَهُ.
فَأَرَادَ السُّلْطَانُ التَّشديدَ عَلَى غريمِهِ، وَكَرِهَ ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَصَالَحَ غريمَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ كُلَّ سَنَةٍ عَشْرَةُ دَرَاهِم شَيْئاً يَسِيْراً.
وَكَانَ المَالُ خَمْسَةً وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً.
وَلَمْ يصِلْ مِنْ ذَلِكَ المَالِ إِلَى دِرْهَمٍ، وَلاَ إِلَى أَكْثَرِ مِنْهُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، يَقُوْلُ: مَا تولَّيْتُ شِرَاءَ شَيْءٍ وَلاَ بَيْعَهُ قَطُّ.
فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ وَقَدْ أَحلَّ اللهُ البيعَ؟
قَالَ: لِمَا فِيْهِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقصَانِ وَالتخليطِ، فَخشيتُ إِنْ تولّيتُ أَنْ أَستوِي بغَيرِي.
قُلْتُ: فَمَنْ كَانَ يَتَوَلَّى أَمرُكَ فِي أَسفَارِكَ وَمُبَايَعَتِكَ؟
قَالَ: كُنْتُ أُكْفَى ذَلِكَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ خِدَاشٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَفْصٍ، يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الحَسَنِ -يَعْنِي: إِسْمَاعِيْل- وَالِدِ أَبِي عَبْدِ اللهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ مِنْ مَالِي دِرْهَماً مِنْ حرَامٍ، وَلاَ دِرْهَماً مِنْ شُبْهَةٍ.قَالَ أَحْمَدُ: فَتصَاغَرَتْ إِلَيَّ نَفْسِي عِنْدَ ذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَصْدَقُ مَا يَكُوْنُ الرَّجُلُ عِنْدَ المَوْتِ.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ اكترَى مَنْزِلاً، فلبِثَ فِيْهِ طَوِيْلاً، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَمْ أَمسحْ ذَكَرِي بِالحَائِطِ، وَلاَ بِالأَرْضِ فِي ذَلِكَ المَنْزِلِ.
فَقِيْلَ لَهُ: لِمَ؟ قَالَ: لأَنَّ المَنْزِلَ لغَيرِي.
قَالَ: وَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ يَوْماً بِفِرَبْر: بَلَغَنِي أَنَّ نَخَّاساً قَدِمَ بجَوَارِي، فَتصيرَ مَعِي؟
قُلْتُ: نَعَمْ، فصِرنَا إِلَيْهِ فَأَخْرَجَ جَوَارِيَ حِسَاناً صِبَاحاً.
ثُمَّ خَرَجَ مِنْ خِلاَلِهنَّ جَارِيَةٌ خَزَرِيَّةٌ دمِيمَةٌ عَلَيْهَا شحمٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فمسَّ ذَقْنَهَا فَقَالَ: اشترِ هَذِهِ لَنَا مِنْهُ.
فَقُلْتُ: هَذِهِ دمِيمَةٌ قبيحَةٌ لاَ تَصْلُحُ، وَاللاَتِي نظرْنَا إِليهنَّ يُمْكِنُ شِرَاءهُنَّ بثمنِ هَذِهِ.
فَقَالَ: اشترِ هَذِهِ، فَإِنِّي قَدْ مَسِسْتُ ذَقْنَهَا، وَلاَ أُحبُّ أَنْ أَمسَّ جَارِيَةً، ثُمَّ لاَ أَشْتَرِيهَا.
فَاشْترَاهَا بغلاَءِ خَمْسِ مائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى مَا قَالَ أَهْلُ المَعْرِفَةِ.
ثُمَّ لَمْ تزلْ عِنْدَهُ حَتَّى أَخرَجَهَا مَعَهُ إِلَى نَيْسَابُوْرَ.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُقْرِئُ: سَمِعْتُ بكرَ بنَ مُنِيْرٍ - وَقَدْ ذكرَ معنَاهَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَاللَّفْظُ لبَكْرٍ - قَالَ: كَانَ حُمِلَ إِلَى البُخَارِيِّ بِضَاعَةٌ أَنفذَهَا إِلَيْهِ ابْنُهُ أَحْمَدُ، فَاجْتَمَعَ بَعْضُ التُّجَّارِ إِلَيْهِ.
فَطَلَبُوهَا بربحِ خَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ.
فَقَالَ: انْصَرَفُوا اللَّيْلَةَ.
فَجَاءهُ مِنَ الغَدِ تُجَّارٌ آخرُوْنَ، فَطَلَبُوا مِنْهُ البِضَاعَةَ بربحِ عَشْرَةِ آلاَفٍ. فَقَالَ: إِنِّي
نَوَيْتُ بيعَهَا للَّذين أَتَوا البَارِحَةَ.وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ حمدٍ المُلاَحِمِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَابرِ بنِ كَاتِبٍ، سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ حَفْصٍ الأَشْقَرُ قَالَ: كُنَّا مَعَ البُخَارِيِّ بِالبَصْرَةِ نكتبُ، فَفَقدنَاهُ أَيَّاماً، ثُمَّ وَجدنَاهُ فِي بَيْتٍ وَهُوَ عُريَانٌ، وَقَدْ نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَجَمَعنَا لَهُ الدَّرَاهِمَ، وَكسونَاهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَكُوْنَ بحَالَةٍ إِذَا دَعَا لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ.
فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةُ أَخِيْهِ بحضرتِي: فَهَلْ تبيَّنْتَ ذَلِكَ أَيُّهَا الشَّيْخُ مِنْ نَفْسِكَ؛ أَوْ جرَّبْتَ؟
قَالَ: نَعَمْ، دعوتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ مرَّتينِ، فَاسْتجَابَ لِي، فَلَنْ أُحِبَّ أَنْ أَدْعُوَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَعَلَّهُ يَنْقُصُ مِنْ حسنَاتِي، أَو يُعَجِّلَ لِي فِي الدُّنْيَا.
ثُمَّ قَالَ: مَا حَاجَةُ المُسْلِمُ إِلَى الكذِبِ وَالبُخْلِ؟!!
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: خَرَجتُ إِلَى آدَمَ بنِ أَبِي إِيَاسٍ، فَتخلَّفَتْ عَنِّي نَفَقَتِي، حَتَّى جَعَلتُ أَتنَاولُ الحشيشَ، وَلاَ أُخْبِرْ بِذَلِكَ أَحَداً.
فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّالِثُ أَتَانِي آتٍ لَمْ أَعرِفْهُ، فَنَاولَنِي صُرَّةَ دَنَانِيْر، وَقَالَ: أَنْفِقْ عَلَى نَفْسِكَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بنَ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْديَّ يَقُوْلُ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مخصوصاً بِثَلاَثِ خِصَالٍ مَعَ مَا كَانَ فِيْهِ مِنَ الخِصَالِ المحمودَةِ: كَانَ قَلِيْلَ الكَلاَمِ، وَكَانَ لاَ يطمعُ فِيْمَا عِنْدَ النَّاسِ،
وَكَانَ لاَ يشتغِلُ بِأُمُورِ النَّاسِ، كُلُّ شُغْلِهِ كَانَ فِي العِلْمِ.وَقَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ يَقُوْلُ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ يُعَلِّمُ النَّاسَ الحَدِيْثَ حِسْبَةً غَيْرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَرَأَيْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ يَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللهِ أَنْ يُحَدِّثَهُ كُلَّ يَوْمٍ بِثَلاَثَةِ أَحَادِيْثَ، وَيُبَيِّنَ لَهُ مَعَانِيهَا وَتفَاسِيرِهَا وَعِلَلِهَا.
فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ قدرَ مُقَامِهِ.
وَكَانَ أَقَامَ فِي تِلْكَ الدفعَةِ جُمْعَةً.
وَسَمِعْتُ سليماً يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ بعينِي مُنْذُ سِتِّيْنَ سَنَةً أَفْقَهَ، وَلاَ أَوْرَعَ، وَلاَ أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا، مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
قَالَ عَبْدُ المَجِيْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ يُسَوِّي بَيْنَ القَوِيِّ وَالضَّعيفِ.
ذِكْرُ كَرَمِهِ وَسَمَاحَتِهِ وَصِفَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَانَتْ لَهُ قِطْعَةُ أَرْضٍ يَكْرِيهَا كُلَّ سَنَةٍ بِسَبْعِ مائَةِ دِرْهَمٍ.
فَكَانَ ذَلِكَ المُكْتَرِي رُبَّمَا حملَ مِنْهَا إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ قِثَّاةً أَوْ قِثَّاتَينِ، لأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ كَانَ مُعْجَباً بِالقِثَّاءِ النَّضيجِ، وَكَانَ يُؤْثِرُهُ عَلَى البطيخِ أَحْيَاناً، فَكَانَ يَهَبُ لِلرَّجُلِ مائَةَ دِرْهَمٍ كُلَّ سَنَةٍ لحملِهِ القِثَّاءَ إِلَيْهِ أَحْيَاناً.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَستَغِلُّ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَ مائَةِ دِرْهَمٍ، فَأَنفقْتُ كُلَّ ذَلِكَ فِي طَلَبِ العِلْمِ.
فَقُلْتُ: كم بَيْنَ مَنْ ينفقُ عَلَى هَذَا الوَجْهِ، وَبَيْنَ مَنْ كَانَ خِلْواً مِنَ المَالِ، فَجَمَعَ وَكسبَ بِالعِلْمِ، حَتَّى اجْتَمَعَ لَهُ.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: {مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الشُّوْرَى: 36]
قَالَ: وَكُنَّا بِفِرَبْر، وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يبنِي رِباطاً مِمَّا يلِي بُخَارَى، فَاجْتَمَعَ بَشَرٌ كَثِيْرٌ يُعينونَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ ينقُلُ اللَّبِنَ، فَكُنْتُ أَقُوْلُ لَهُ: إِنَّكَ تُكْفَى يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَيَقُوْلُ: هَذَا الَّذِي يَنْفَعُنَا.ثُمَّ أَخذَ ينقلُ الزَّنْبَرَاتِ مَعَهُ، وَكَانَ ذَبَحَ لَهُم بَقَرَةً، فَلَمَّا أَدْرَكَتِ القدورُ، دَعَا النَّاسَ إِلَى الطَّعَامِ، وَكَانَ بِهَا مائَةُ نَفْسٍ أَوْ أَكْثَرُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ أَنَّهُ يجتمعُ مَا اجْتَمَعَ، وَكُنَّا أَخرجْنَا مَعَهُ مِنْ فِرَبْر خُبزاً بِثَلاَثَةِ درَاهمَ أَوْ أَقَلَّ، فَأَلقينَا بَيْنَ أَيديهِم، فَأَكَلَ جَمِيْعُ مَنْ حضَرَ، وَفضلتْ أَرغفَةٌ صَالِحَةٌ.
وَكَانَ الخبزُ إِذْ ذَاكَ خَمْسَةَ أَمْنَاءٍ بِدِرْهَمٍ.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ رُبَّمَا يَأْتِي عَلَيْهِ النَّهَارُ، فَلاَ يَأْكُلُ فِيْهِ رُقَاقَةً، إِنَّمَا كَانَ يَأْكُلُ أَحْيَاناً لوزتين أَوْ ثَلاَثاً.
وَكَانَ يجتنِبُ توَابِلَ القُدورِ مِثْلَ الحِمّصِ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ لِي يَوْماً شبهَ المُتفرِّجِ بصَاحِبِهِ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، نَحْتَاجُ فِي السَّنَةِ إِلَى شَيْءٍ كَثِيْرٍ.
قُلْتُ لَهُ: قَدْرُ كَمْ؟
قَالَ: أَحتَاجُ فِي السَّنَةِ إِلَى أَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، أَوْ خَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ.
قَالَ: وَكَانَ يتصدَّقُ بِالكَثِيْرِ، يَأْخُذُ بِيَدِهِ صَاحِبَ الحَاجَةِ مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ، فيُنَاوِلُهُ مَا بَيْنَ العِشْرِيْنَ إِلَى الثَّلاَثِيْنَ، وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ، مِنْ غَيْرِ أَن يَشْعُرَ بِذَلِكَ أَحَدٌ.
وَكَانَ لاَ يُفَارِقُهُ كِيْسُهُ.
وَرَأَيْتُهُ نَاولَ رَجُلاً مِرَاراً صُرَّةً فِيْهَا ثَلاَثُ مائَةِ دِرْهَمٍ - وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ أَخْبَرَنِي بعَدَدِ مَا كَانَ فِيْهَا مِنْ بَعْدُ - فَأَرَادَ أَنْ يدعُوَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: ارفُقْ، وَاشتغلْ بِحَدِيْثٍ آخرَ كيلاَ يعلمَ بِذَلِكَ أَحَدٌ.
قَالَ: وَكُنْتُ اشْتَرَيْتُ مَنْزِلاً بتسعِ مائَةٍ وَعِشْرِيْنَ دِرْهَماً، فَقَالَ: لِي
إِلَيْكَ حَاجَةٌ تَقْضِيهَا؟قُلْتُ: نَعَمْ، وَنُعْمَى عينٍ.
قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تصيرَ إِلَى نُوْحِ بنِ أَبِي شدَّادٍ الصَّيْرَفِيِّ، وَتَأْخُذَ مِنْهُ أَلفَ دِرْهَمٍ، وَتَحْمِلَهُ إِلَيَّ، فَفَعَلتُ.
فَقَالَ لِي: خُذْهُ إِلَيْكَ، فَاصرِفْهُ فِي ثمنِ المَنْزِلِ.
فَقُلْتُ: قَدْ قَبِلْتُهُ مِنْكَ وَشكرتُهُ.
وَأَقبلنَا عَلَى الكِتَابَةِ، وَكُنَّا فِي تَصْنِيْفِ (الجَامِعِ) .
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ سَاعَةٍ، قُلْتُ: عَرَضَتْ لِي حَاجَةٌ لاَ أَجْتَرِئُ رفعَهَا إِلَيْكَ، فَظنَّ أَنِّي طَمِعْتُ فِي الزِّيَادَةِ.
فَقَالَ: لاَ تحتشمْنِي، وَأَخْبِرْنِي بِمَا تَحْتَاجُ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُوْنَ مأَخوذاً بِسببِكَ.
قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ؟
قَالَ: لأَنْ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ.
فذكرَ حَدِيْثَ سَعْدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ.
فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ جَعَلتُكَ فِي حِلٍّ مِنْ جَمِيْعِ مَا تَقُوْلُ، وَوهبْتُ لَكَ المَالَ الَّذِي عرضتَهُ عليَّ، عَنَيْتُ المُنَاصفَةَ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: لِي جَوَارٍ وَامْرَأَةٌ، وَأَنْتَ عَزَبٌ، فَالَّذِي يَجِبُ عليَّ أَنْ أُنَاصِفَكَ لنستوِي فِي المَالِ وَغَيْرِهِ، وَأَربحُ عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ.
فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ فعلْتَ - رَحِمَكَ اللهُ - أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِذْ أَنْزَلْتَنِي مِنْ نَفْسِكَ مَا لَمْ تُنْزِلْ أَحَداً، وَحللتُ مِنْكَ محلَّ الوَلَدِ، ثُمَّ حَفِظَ عليَّ حَدِيْثِي الأَوَّل، وَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ؟
قُلْتُ: تَقْضِيهَا؟
قَالَ: نَعَمْ، وَأُسَرُّ بِذَلِكَ.
قُلْتُ: هَذِهِ الأَلفُ، تَأْمُرُ بِقَبُولِهِ، وَاصْرِفْهُ فِي بَعْضِ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَقَبِلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ضَمِنَ لِي قَضَاءَ حَاجَتِي.
ثُمَّ جلسْنَا بَعْدَ ذَلِكَ بيومِيْنِ لتَصْنِيْفِ (الجَامِعِ) ، وَكَتَبْنَا مِنْهُ ذَلِكَ اليَوْمَ شَيْئاً كَثِيْراً إِلَى الظُّهْرِ، ثُمَّ صَلَّينَا الظُّهرَ، وَأَقبلْنَا عَلَى الكِتَابَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ نكُوْنَ أَكلْنَا شَيْئاً، فرآنِي لَمَّا كَانَ قُرْبَ العصرِ شِبْهَ القَلِقِ المستوحشِ، فَتوهَّمَ فِيَّ ملاَلاً.
وَإِنَّمَا كَانَ بِيَ الحصرُ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَكنْ أَقدرُ عَلَى القِيَامِ، وَكُنْتُ أَتَلَوَّى اهتمَاماً بِالحصرِ.
فَدَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ المَنْزِلَ، وَأَخْرَجَ إِلَيَّ كَاغدَةً فِيْهَا ثَلاَثُ مائَةِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: أَمَا إِذْ لَمْ تقبلْ ثمنَ المَنْزِلِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تصرِفَ هَذَا فِي بَعْضِ حَوَائِجِكَ.
فجهَدَنِي، فَلَمْ أَقبلْ.
ثُمَّ كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ، كتبنَا إِلَى الظُّهرِ أَيْضاً، فَنَاوَلَنِي
عِشْرِيْنَ دِرْهَماً.فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تصرِفَ هَذِهِ فِي شرَاءِ الخُضرِ وَنحوِ ذَلِكَ.
فَاشْتَرَيْتُ بِهَا مَا كُنْتُ أَعلَمُ أَنَّهُ يلاَئِمُهُ، وَبعثْتُ بِهِ إِلَيْهِ، وَأَتيتُ.
فَقَالَ لِي: بَيَّضَ اللهُ وَجْهَكَ، لَيْسَ فيكَ حِيْلَةٌ، فَلاَ يَنْبَغِي لَنَا أَن نُعَنِّي أَنْفُسَنَا.
فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ قَدْ جمعتَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَأَيُّ رَجُلٍ يَبَرُّ خَادِمَهُ بِمثلِ مَا تَبَرُّنِي، إِنْ كُنْتُ لاَ أَعرِفُ هَذَا؛ فلَسْتُ أَعرِفُ أَكْثَرَ مِنْهُ.
سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدٍ الصَّارفيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ فَى مَنْزِلِهِ، فَجَاءتْهُ جَارِيَةٌ، وَأَرَادَتْ دُخُوْلَ المَنْزِلِ، فعثرَتْ عَلَى محبرَةٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: كَيْفَ تمشينَ؟
قَالَتْ: إِذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيْقٌ، كَيْفَ أَمْشِي؟
فَبسط يَدَيْهِ، وَقَالَ لَهَا: اذهبِي فَقَدْ أَعتقْتُكِ.
قَالَ: فَقِيْلَ لَهُ فِيْمَا بَعْدُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَغضبتْكَ الجَارِيَةُ؟
قَالَ: إِنْ كَانَتْ أَغضبتْنِي فَإِنِّي أَرضيْتُ نَفْسِي بِمَا فعلْتُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ الحَافِظُ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البَزَّازُ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ شَيْخاً نحيفَ الجسمِ، لَيْسَ بِالطَّوِيْلِ وَلاَ بِالقَصِيْرِ.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنٍ التَّمِيْمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى التَّمِيْمِيُّ، سَمِعْتُ جِبْرِيْلَ بنَ مِيكَائِيلَ بِمِصْرَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: لَمَّا بَلَغْتُ خُرَاسَانَ أُصِبْتُ ببَعْضِ بَصْرِي، فعَلَّمَنِي رَجُلٌ أَنْ أَحْلِقَ رَأْسِي، وَأُغَلِّفَهُ بِالخِطْمِيِّ.
فَفَعَلْتُ، فردَّ اللهُ عليَّ بَصْرِي.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ الوَرَّاقُ: دَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بِفِرَبْر الحَمَّامَ، وَكُنْتُ أَنَا فِي مَشْلَحِ الحَمَّامِ، أَتعَاهَدُ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ نَاوَلْتُهُ ثِيَابَهُ، فلبِسَهَا، ثُمَّ نَاوَلْتُهُ الخُفَّ، فَقَالَ: مَسِسْتَ شَيْئاً فِيْهِ شعرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.فَقُلْتُ: فِي أَيِّ مَوْضِعٍ هُوَ مِنَ الخُفِّ؟
فَلَمْ يُخْبِرْنِي.
فتوهَّمْتُ أَنَّهُ فِي سَاقِهِ بَيْنَ الظِّهَارَةِ وَالبِطَانَةِ.
ذِكْرُ قِصَّتِهِ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ - رحِمَهُمَا اللهُ -
قَالَ الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ حَامِدٍ البَزَّازَ قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ جَابِرٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى قَالَ لَنَا لَمَّا وَرَدَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ: اذْهَبُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ فَاسْمَعُوا مِنْهُ.
فَذَهَبَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَأَقبلُوا عَلَى السَّمَاعِ مِنْهُ، حَتَّى ظَهرَ الخَلَلُ فِي مَجْلِسِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، فَحَسَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَتَكَلَّمَ فِيْهِ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: ذَكَرَ لِي جَمَاعَةٌ مِنَ المَشَايِخِ أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ لَمَّا وَردَ نَيْسَابُوْرَ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، حَسَدَهُ بَعْضُ مَنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ مِنْ مَشَايِخِ نَيْسَابُوْرَ لَمَّا رَأَوا إِقبالَ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَاجْتِمَاعَهُم عَلَيْهِ، فَقَالَ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ: إِنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: اللَّفْظُ بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَامتحنُوهُ فِي المَجْلِسِ.
فَلَمَّا حضَرَ النَّاسُ مَجْلِسَ البُخَارِيِّ، قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا تَقُوْلُ فِي اللَّفْظِ بِالقُرْآنِ، مَخْلُوْقٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ؟
فَأَعرَضَ عَنْهُ البُخَارِيُّ وَلَمْ يُجِبْهُ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ القَوْلَ، فَأَعرضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ، فَالتفَتَ إِلَيْهِ البُخَارِيُّ، وَقَالَ:
القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَأَفْعَالُ العبَادِ مَخْلُوْقَةٌ وَالامْتِحَانُ بِدْعَةٌ.فشَغَبَ الرَّجُلُ، وَشَغَبَ النَّاسُ، وَتَفَرَّقُوا عَنْهُ.
وَقَعَدَ البُخَارِيُّ فِي مَنْزِلِهِ.
أَنْبَأَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ القَيْسِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا: أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَالِبٍ أَبُو بَكْرٍ البَرْقَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سيَّارٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ خشنَام قَالَ: سُئِلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بِنَيْسَابُوْرَ عَنِ اللَّفْظِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ -يَعْنِي: أَبَا قُدَامَةَ- عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ هُوَ القَطَّانُ قَالَ: أَعْمَالُ العبَادِ كُلُّهَا مَخْلُوْقَةٌ.
فمَرَقُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: ترجِعُ عَنْ هَذَا القَوْلِ، حَتَّى نعُودَ إِلَيْكَ؟
قَالَ: لاَ أَفعلْ إِلاَّ أَنْ تَجِيئُوا بحجَّةٍ فِيْمَا تقولُونَ أَقْوَى مِنْ حُجَّتِي.
وَأَعجبَنِي مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ ثَبَاتُهُ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الهَيْثَمِ المُطَّوِّعِيُّ بِبُخَارَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: أَمَّا أَفْعَالُ العِبَادِ فمَخْلُوْقَةٌ.
فَقَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ يَصْنَعُ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ ) .
وَبِهِ قَالَ: وَسَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ
يَقُوْلُ: مَا زِلْتُ أَسمَعُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: إِن أَفْعَالَ العِبَادِ مَخْلُوْقَةٌ.قَالَ البُخَارِيُّ: حَرَكَاتُهُم وَأَصْوَاتُهُم وَاكتِسَابُهُم وَكِتَابَتُهُم مَخْلُوْقَةٌ.
فَأَمَّا القُرْآنُ المَتْلُوُّ المُبَيَّنُ المُثْبَتُ فِي المَصَاحِفِ، المسطورُ المَكْتُوْبُ المُوعَى فِي القُلُوْبِ، فَهُوَ كَلاَمُ اللهِ لَيْسَ بِمَخْلُوْقٍ.
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُوْرِ الَّذِيْنَ أُوْتُوا العِلْمَ} [الْعَنْكَبُوت:49]
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الأَعمَشِيُّ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ فِي جنَازَةِ أَبِي عُثْمَانَ سَعِيْدِ بنِ مَرْوَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى يَسْأَلُهُ عَنِ الأَسَامِي وَالكُنَى وَعِلَلِ الحَدِيْثِ، وَيمرُّ فِيْهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مِثْلَ السَّهْمِ.
فَمَا أَتَى عَلَى هَذَا شَهْرٌ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى: أَلاَ مَنْ يَخْتلِفُ إِلَى مَجْلِسِهِ فَلاَ يَخْتَلِفْ إِلَيْنَا، فَإِنَّهُم كَتَبُوا إِلَيْنَا مِنْ بَغْدَادَ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي اللَّفْظِ، وَنهينَاهُ، فَلَمْ يَنْتَهِ، فَلاَ تقربوهُ، وَمَنْ يقربْهُ فَلاَ يقربْنَا، فَأَقَامَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ هَا هُنَا مُدَّةً، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى بُخَارَى.
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ يَقُوْلُ:
القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ مِنْ جَمِيْعِ جهَاتِهِ، وَحَيْثُ تُصُرِّفَ، فَمَنْ لزمَ هَذَا اسْتغنَى عَنِ اللَّفْظِ وَعمَّا سِوَاهُ مِنَ الكَلاَمِ فِي القُرْآنِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ فَقَدْ كَفَرَ، وَخَرَجَ عَنِ الإِيْمَانِ، وَبَانتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ، يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلاَّ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَجُعِلَ مَالُهُ فَيْئاً بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ وَلَمْ يُدْفَنْ فِي مَقَابِرِهِم، وَمَنْ وَقَفَ، فَقَالَ: لاَ أَقُوْلُ مَخْلُوْق وَلاَ غَيْر مَخْلُوْق، فَقَدْ ضَاهَى الكُفْرَ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَهَذَا مُبْتَدِعٌ، لاَ يُجَالَسْ وَلاَ يُكَلَّمْ.وَمِنْ ذهبَ بَعْدَ هَذَا إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ فَاتَّهِمُوهُ، فَإِنَّهُ لاَ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ إِلاَّ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مذهَبِهِ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الهَيْثَمِ بِبُخَارَى، أَخْبَرَنَا الفِرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا البُخَارِيُّ، قَالَ: نظرتُ فِي كَلاَمِ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى وَالمَجُوْسِ فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَضَلَّ فِي كُفْرِهِم مِنَ الجَهْمِيَّةِ، وَإِنِّي لأَستجهلُ مَنْ لاَ يُكَفِّرُهُم.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَاضِرٍ العَبْسِيُّ، حَدَّثَنَا الفِرَبْرِيُّ، سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَنْ قَالَ: مَخْلُوْقٌ فَهُوَ كَافِرٌ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ الوَرَّاقُ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ شَاذِلٍ يَقُوْلُ: لَمَّا وَقَعَ بَيْنَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى وَالبُخَارِيِّ، دَخَلْتُ عَلَى البُخَارِيِّ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَيْشٍ الحِيلَةُ لَنَا فِيْمَا بينكَ وَبَيْنَ مُحَمَّدِ بنِ
يَحْيَى، كُلُّ مَنْ يَخْتلِفُ إِلَيْكَ يُطْرَدُ؟فَقَالَ: كم يَعْتَرِي مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الحسدُ فِي العِلْمِ، وَالعِلْمُ رِزْقُ اللهِ يُعْطِيهِ مَنْ يَشَاءُ.
فَقُلْتُ: هَذِهِ المَسْأَلَةُ الَّتِي تُحْكَى عَنْكَ؟
قَالَ: يَا بنِي، هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مَشْؤُوْمَةٌ، رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَمَا نَالَهُ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ، وَجَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ لاَ أَتَكَلَّمَ فِيْهَا.
قُلْتُ: المَسْأَلَةُ هِيَ أَنَّ اللَّفْظَ مَخْلُوْقٌ، سُئِلَ عَنْهَا البُخَارِيُّ، فَوَقَفَ فِيْهَا، فَلَمَّا وَقَفَ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَفْعَالَنَا مَخْلُوْقَةٌ، وَاسْتدلَّ لِذَلِكَ، فَهِمَ مِنْهُ الذُّهْلِيُّ أَنَّهُ يُوَجِّهُ مَسْأَلَةَ اللَّفْظِ، فَتَكَلَّمَ فِيْهِ، وَأَخَذَهُ بلاَزِمِ قَوْلِهِ هُوَ وَغَيْرهُ.
وَقَدْ قَالَ البُخَارِيُّ فِي الحِكَايَةِ الَّتِي رَوَاهَا غُنْجَارٌ فِي (تَارِيْخِهِ) حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ نَصْرٍ النَّيْسَابُوْرِيَّ الخَفَّافَ بِبُخَارَى يَقُوْلُ: كُنَّا يَوْماً عِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ القَيْسِيِّ، وَمَعَنَا مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ، فجَرَى ذِكْرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ نصرٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَنْ زَعَمَ أَنِّي قُلْتُ: لَفْظِي بِالقُرْآن مَخْلُوْقٌ فَهُوَ كَذَّابٌ، فَإِنِّي لَمْ أَقُلْهُ.
فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ قَدْ خَاضَ النَّاسُ فِي هَذَا وَأَكْثَرُوا فِيْهِ.
فَقَالَ: لَيْسَ إِلاَّ مَا أَقُوْلُ.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو الخَفَّافُ: فَأَتَيْتُ البُخَارِيَّ، فَنَاظرتُهُ فِي شِيءٍ مِنَ الأَحَادِيْثِ حَتَّى طَابَتْ نَفْسُهُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَا هُنَا أَحَدٌ يحكِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ هَذِهِ المَقَالَة.
فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، احْفَظ مَا أَقُوْلُ لَكَ: مَنْ زَعَمَ مِنْ أَهْلِ
نَيْسَابُوْرَ وَقُومس وَالرَّيِّ وَهَمَذَان وَحلوَانَ وَبَغْدَادَ وَالكُوْفَةِ وَالبَصْرَةِ وَمَكَّةَ وَالمَدِيْنَةِ أَنِّي قُلْتُ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ فَهُوَ كَذَّابٌ، فَإِنِّي لَمْ أَقُلْهُ إِلاَّ أَنِّي قُلْتُ: أَفْعَالُ العِبَادِ مَخْلُوْقَةٌ.وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ حَاتِمُ بنُ أَحْمَدَ الكِنْدِيُّ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ يَقُوْلُ: لَمَّا قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ نَيْسَابُوْرَ مَا رَأَيْتُ وَالِياً وَلاَ عَالِماً فَعَلَ بِهِ أَهْلُ نَيْسَابُوْرَ مَا فعلُوا بِهِ، اسْتَقبلُوهُ مرحلَتَيْنِ وَثَلاَثَة.
فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى فِي مَجْلِسِهِ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَقبلَ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ غَداً فليستقبِلْهُ.
فَاسْتقبلَهُ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى وَعَامَّةُ العُلَمَاءِ، فَنَزَلَ دَارَ البُخَاريّينَ، فَقَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى: لاَ تسأَلُوهُ عَنْ شِيءٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَإِنَّهُ إِنْ أَجَابَ بِخِلاَفِ مَا نَحْنُ فِيْهِ، وَقَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، ثُمَّ شَمِتَ بِنَا كُلُّ حَرُورِيٍّ، وَكُلُّ رَافضيٍّ، وَكُلُّ جَهْمِيٍّ، وَكُلُّ مُرْجِئٍ بِخُرَاسَانَ.
قَالَ: فَازدحمَ النَّاسُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، حَتَّى امتلأَ السّطحُ وَالدَّارُ، فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ، قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَسَأَلَهُ عَنِ اللَّفْظِ بِالقُرْآنِ.
فَقَالَ: أَفْعَالُنَا مَخْلُوْقَةٌ، وَأَلفَاظُنَا مِنْ أَفْعَالِنَا.
فَوَقَعَ بَيْنَهُمُ اخْتِلاَفٌ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: قَالَ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَقُلْ، حَتَّى توَاثَبُوا، فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الدَّارِ وَأَخرجُوهُم.
وَقَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ الأَخْرَمِ، سَمِعْتُ ابْنَ عَلِيٍّ المَخْلَديَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ: قَدْ أَظهرَ هَذَا البُخَارِيُّ قَوْلَ اللفظيَّةِ، وَاللفظيَّةُ عِنْدِي شرُّ مِنَ الجَهْمِيَّةِ.وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَالِحِ بنِ هَانِئٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَلَمَةَ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى البُخَارِيِّ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَذَا رَجُلٌ مَقْبُوْلٌ بِخُرَاسَانَ خصوصاً فِي هَذِهِ المَدِيْنَةِ، وَقَدْ لَجَّ فِي هَذَا الحَدِيْثِ حَتَّى لاَ يَقْدِرَ أَحَدٌ منَّا أَنْ يُكَلِّمَهُ فِيْهِ، فَمَا تَرَى؟
فَقبضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: {وَأَفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيْرٌ بِالعِبَادِ} [غَافر: 44] اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أُرِدِ المقَامَ بِنَيْسَابُوْرَ أَشَراً وَلاَ بَطراً، وَلاَ طَلباً للرِّئاسَةِ، وَإِنَّمَا أَبَتْ عليَّ نَفْسِي فِي الرُّجُوعِ إِلَى وَطَنِي لِغَلَبَةِ المُخَالِفينَ، وَقَدْ قَصَدَنِي هَذَا الرَّجُلُ حَسَداً لَمَّا آتَانِي اللهُ لاَ غَيْر.
ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَحْمَدُ، إِنِّي خَارجٌ غَداً لتتخلَّصُوا مِنْ حَدِيْثِهِ لأَجلِي.
قَالَ: فَأَخبرْتُ جَمَاعَةَ أَصْحَابِنَا، فَوَاللهِ مَا شَيَّعَهُ غَيْرِي.
كُنْتُ مَعَهُ حِيْنَ خَرَجَ مِنَ البلدِ، وَأَقَامَ عَلَى بَابِ البلدِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لإِصْلاَحِ أَمرِهِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: لَمَّا اسْتوطَنَ
البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ أَكْثَرَ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ الاخْتِلاَفَ إِلَيْهِ.فَلَمَّا وَقَعَ بَيْنَ الذُّهْلِيِّ وَبَيْنَ البُخَارِيِّ مَا وَقَعَ فِي مَسْأَلَةِ اللَّفْظِ، وَنَادَى عَلَيْهِ، وَمنعَ النَّاسَ عَنْهُ، انْقَطَعَ عَنْهُ أَكْثَرُ النَّاسِ غَيْرَ مُسْلِمٍ.
فَقَالَ الذُّهْلِيُّ يَوْماً: أَلاَ مَنْ قَالَ بِاللَّفْظِ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسَنَا.
فَأَخَذَ مُسْلِمٌ رِدَاءً فَوْقَ عِمَامَتِهِ، وَقَامَ عَلَى رُؤُوْسِ النَّاسِ، وَبَعَثَ إِلَى الذُّهْلِيِّ مَا كتبَ عَنْهُ عَلَى ظَهرِ جَمَّالٍ.
وَكَانَ مُسْلِمٌ يُظْهِرُ القَوْلَ بِاللَّفْظِ وَلاَ يَكْتُمُهُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ المُؤَذِّنَ، سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ بنَ الشَّرْقِيِّ يَقُوْلُ: حضَرْتُ مَجْلِسَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ، فَقَالَ: أَلاَ مَنْ قَالَ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ فَلاَ يَحْضُرْ مَجْلِسَنَا، فَقَامَ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ مِنَ المَجْلِسِ.
رَوَاهَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيْرَازِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ، فَزَادَ: وَتَبِعَهُ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيرَازيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الأَخْرَمَ، سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: لَمَّا قَامَ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ مِنْ مَجْلِسِ الذُّهْلِيِّ، قَالَ الذُّهْلِيُّ: لاَ يُسَاكِننِي هَذَا الرَّجُلُ فِي البلدِ.
فَخَشِيَ البُخَارِيُّ وَسَافَرَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَتَى رَجُلٌ عَبْدَ اللهِ البُخَارِيَّ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنَّ فُلاَناً يُكَفِّرُكَ!
فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ
لأَخِيْهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا ) .وَكَانَ كَثِيْرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُوْلُوْنَ لَهُ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقَعُ فيكَ.
فَيَقُوْلُ: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيْفاً} [النِّسَاء 76] وَيتلو أَيْضاً: {وَلاَ يَحيقُ المَكْرُ السَّيِّءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} [فَاطِر: 43] .
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: كَيْفَ لاَ تدعُو اللهَ عَلَى هَؤُلاَءِ الَّذِيْنَ يظلِمُونَكَ وَيتنَاولونَكَ وَيَبْهَتُونَكَ؟
فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ ) ، وَقَالَ: - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ -: (مَنْ دَعَا عَلَى ظَالِمِهِ، فَقَدِ انْتَصَرَ ) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ يَتَعرَّضُ لَنَا قَطُّ أَحَدٌ مِنْ أَفنَاءِ النَّاسِ إِلاَّ رُمِيَ بِقَارعَةٍ، وَلَمْ يَسْلَمْ، وَكُلَّمَا حَدَّثَ الجُهَالُ أَنفسَهُم أَنْ يَمْكُرُوا بِنَا رَأَيْتُ مِنْ ليلتِي فِي المَنَامِ نَاراً تُوَقَدُ ثُمَّ تُطفَأُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتفَعَ بِهَا، فَأَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ تَعَالَى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ}
[المَائِدَة: 64] .وَكَانَ هِجِّيرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ إِذَا أَتيتهُ فِي آخِرِ مَقْدَمِهِ مِنَ العِرَاقِ: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُم وَإِنْ يَخْذُلْكُم فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُم مِنْ بَعْدِهِ} [آل عِمْرَان:160] الآيَة.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيْرَازِيُّ: سَمِعْتُ القَاسِمَ بنَ القَاسِمِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ وَرَّاقَ أَحْمَدَ بنِ سَيَّارٍ يَقُوْلُ لَمَّا قَدِمَ البُخَارِيُّ مَرْوَ اسْتَقبلَهُ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ فِيْمَنْ اسْتَقبَلَهُ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، نَحْنُ لاَ نُخَالِفُكَ فِيْمَا تَقُوْلُ، وَلَكِنَّ العَامَّةَ لاَ تحملُ ذَا مِنْكَ.
فَقَالَ البُخَارِيُّ: إِنِّي أَخشَى النَّارَ، أُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ أَعْلَمُهُ حقاً أَنْ أَقُوْلَ غَيْرَهُ.
فَانْصَرَفَ عَنْهُ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي (الجرحِ وَالتعديلِ ) : قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الرَّيَّ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَسَمِعَ مِنْهُ أَبِي وَأَبُو زُرْعَةَ، وَتركَا حَدِيْثَهُ عِنْدَمَا كَتَبَ إِليهِمَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى أَنَّهُ أَظهرَ عِنْدَهُم بِنَيْسَابُوْرَ أَنَّ لَفْظَهُ بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ.
قُلْتُ: إِنْ تركَا حَدِيْثَهُ، أَوْ لَمْ يَتْرُكَاهُ، البُخَارِيُّ ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ مُحتجٌّ بِهِ فِي العَالَمِ.ذِكْرُ مِحْنَتِهِ مَعَ أَمِيْرِ بُخَارَى
رَوَى أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيرَازيُّ قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُوْلُ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بُخَارَى نُصِبَ لَهُ القبَابُ عَلَى فرسخٍ مِنَ البلدِ، وَاسْتقبلَهُ عَامَّةُ أَهْلِ البلدِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَذْكُوْرٌ إِلاَّ اسْتَقبَلَهُ، وَنُثِرَ عَلَيْهِ الدَّنَانِيْرُ وَالِدَرَاهِمُ وَالسُّكَّرُ الكَثِيْرُ، فَبقيَ أَيَّاماً.
قَالَ: فَكَتَبَ بَعْدَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ إِلَى خَالِدِ بنِ أَحْمَدَ أَمِيْرِ بُخَارَى: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ أَظهرَ خِلاَفَ السُّنَّةِ.
فَقَرَأَ كِتَابَهُ عَلَى أَهْلِ بُخَارَى، فَقَالُوا: لاَ نُفَارِقُهُ، فَأَمرَهُ الأَمِيْرُ بِالخُرُوجِ مِنَ البلدِ، فَخَرَجَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ: فحَكَى لِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَعْقِلٍ النَّسفيِّ قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ فِي اليَوْمِ الَّذِي أُخرِجَ فِيْهِ مِنْ بُخَارَى، فَتقدَّمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَيْفَ تَرَى هَذَا اليَوْمَ مِنَ اليَوْمِ الَّذِي نُثِرَ عَلَيْكَ فِيْهِ مَا نُثِرَ؟
فَقَالَ: لاَ أُبَالِي إِذَا سَلِمَ دينِي.
قَالَ: فَخَرَجَ إِلَى بِيْكَنْد، فَسَارَ النَّاسُ مَعَهُ حزبينِ: حزبٌ مَعَهُ، وَحزبٌ عَلَيْهِ،
إِلَى أَنْ كتبَ إِلَيْهِ أَهْلُ سَمَرْقَنْدَ، فَسَأَلُوْهُ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِم، فَقَدِمَ إِلَى أَنْ وَصلَ بَعْضَ قُرَى سَمَرْقَنْدَ، فَوَقَعَ بَيْنَ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ فِتْنَةٌ مِنْ سَبَبِهِ، قَوْمٌ يُرِيْدُوْنَ إِدخَالَهُ البلَدَ، وَقَوْمٌ لاَ يُرِيْدُوْنَ ذَلِكَ، إِلَى أَنِ اتَّفقُوا عَلَى أَنْ يَدْخُلَ إِلَيْهِم، فَاتَّصلَ بِهِ الخَبَرُ وَمَا وَقَعَ بَيْنَهُم بِسَبِبِهِ، فَخَرَجَ يُرِيْدُ أَنْ يَرْكَبَ.فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى دَابَّتِهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ خِرْ لِي، ثَلاَثاً، فَسقَطَ مَيْتاً، فَاتَّصل بِأَهْلِ سَمَرْقَنْدَ، فَحضروهُ بِأَجمعهِم.
هَذِهِ حِكَايَةٌ شَاذَّةٌ مُنْقَطِعَةٌ، وَالصَّحِيْحُ مَا يَأْتِي خِلاَفهَا.
قَالَ غُنْجَارٌ فِي (تَارِيْخِهِ) : سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ بَكْرَ بنَ مُنِيْرِ بنِ خُليدِ بنِ عَسْكَرٍ يَقُوْلُ: بعثَ الأَمِيْرُ خَالِدُ بنُ أَحْمَدَ الذُّهْلِيُّ وَالِي بُخَارَى إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ أَنِ احملْ إِلَيَّ كِتَابَ (الجَامِعِ) وَ (التَّارِيْخِ) وَغَيْرِهِمَا لأَسْمَعَ مِنْكَ.
فَقَالَ لِرَسُوْلِهِ: أَنَا لاَ أُذِلُّ العِلْمَ، وَلاَ أَحْمِلُهُ إِلَى أَبْوَابِ النَّاسِ، فَإِنْ كَانَتْ لَكَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ حَاجَةٌ، فَاحضُرْ فِي مَسْجِدِي، أَوْ فِي دَارِي، وَإِنْ لَمْ يُعجبْكَ هَذَا فَإِنَّكَ سُلْطَانٌ، فَامنعنِي مِنَ المَجْلِسِ، ليَكُوْنَ لِي عذرٌ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، لأَنِّي لاَ أَكتُمُ العِلْمَ لقولِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ ) فَكَانَ سَبَبُ الوحشَةِ بَيْنَهُمَا هَذَا.
وَقَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ العَبَّاسِ الضَّبِّيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا
بَكْرٍ بنَ أَبِي عَمْرٍو الحَافِظَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ سَبَبُ مُنَافرَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ أَنَّ خَالِدَ بنَ أَحْمَدَ الذُّهْلِيَّ الأَمِيْرَ خَلِيْفَةَ الطَّاهريَّةِ بِبُخَارَى سَأَلَ أَنْ يَحْضُرَ مَنْزِلَهُ، فيقرأَ (الجَامِعَ) وَ (التَّارِيْخَ) عَلَى أَوْلاَدِهِ، فَامْتَنَعَ عَنِ الحُضُوْرِ عِنْدَهُ، فرَاسلَهُ بِأَنْ يعقِدَ مَجْلِساً لأَوْلاَدِهِ، لاَ يَحْضُرُهُ غَيْرهُم، فَامْتَنَعَ، وَقَالَ: لاَ أَخُصُّ أَحَداً.فَاسْتعَانَ الأَمِيْرُ بحريثِ بنِ أَبِي الوَرْقَاءِ وَغَيْرِهِ، حَتَّى تَكَلَّمُوا فِي مَذْهَبِهِ، وَنَفَاهُ عَنِ البلدِ، فَدَعَا عَلَيْهِم، فَلَمْ يَأْتِ إِلاَّ شَهْرٌ حَتَّى وَرَدَ أَمْرُ الطَّاهريَّةِ، بِأَنْ يُنَادَى عَلَى خَالِدٍ فِي البلدِ، فَنُوْدِيَ عَلَيْهِ عَلَى أَتَانٍ.
وَأَمَّا حُريثٌ، فَإِنَّهُ ابْتُلِيَ بِأَهْلِهِ، فَرَأَى فِيْهَا مَا يَجِلُّ عَنِ الوَصْفِ.
وَأَمَّا فُلاَن، فَابْتُلِيَ بِأَوْلاَدِهِ، وَأَرَاهُ اللهُ فِيْهِمُ البلاَيَا.
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا خَلَفٌ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بنُ شَاذَوْيه قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَسْكُنُ سِكَّةَ الدَّهْقَانِ، وَكَانَ جَمَاعَةٌ يَخْتَلِفونَ إِلَيْهِ، يُظْهِرُونَ شِعَارَ أَهْلِ الحَدِيْثِ مِنْ إِفرَادِ الإِقَامَةِ، وَرَفْعِ الأَيدِي فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
فَقَالَ حُريثُ بنُ أَبِي الوَرْقَاءِ وَغَيْرُهُ: هَذَا رَجُلٌ مُشغِبٌ، وَهُوَ يُفْسِدُ عَلَيْنَا هَذِهِ المَدِيْنَةَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى مِنْ نَيْسَابُوْرَ، وَهُوَ إِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ، فَاحتَّجُوا عَلَيْهِ بِابْنِ يَحْيَى، وَاسْتعَانُوا عَلَيْهِ بِالسُّلْطَانِ فِي نَفْيِهِ مِنَ البلدِ، فَأُخْرَجَ.
وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ وَرِعاً، يتجنَّبُ السُّلْطَانَ وَلاَ يَدْخُلُ عَلَيْهِم.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ وَاصلٍ البِيْكَنْدِيَّ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا بخُرُوْجِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَمقَامُهُ عِنْدنَا، حَتَّى سَمِعْنَا مِنْهُ هَذِهِ الكُتُبَ، وَإِلاَّ مَنْ كَانَ يصلُ إِلَيْهِ وَبمقَامِهِ فِي هَذِهِ النَّوَاحِي: فِرَبْر
وَبِيْكَنْد بقيَتْ هَذِهِ الآثَارُ فِيْهَا، وَتخرَّجَ النَّاسُ بِهِ.قُلْتُ: خَالِدُ بنُ أَحْمَدَ الأَمِيْرُ، قَالَ الحَاكِمُ: لَهُ بِبُخَارَى آثَارٌ محمودَةٌ كُلُّهَا، إِلاَّ مَوْجِدَتَهُ عَلَى البُخَارِيِّ، فَإِنَّهَا زَلَّةٌ، وَسببٌ لزوَالِ مُلْكِهِ.
سَمِعَ: إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ القَوَارِيْرِيَّ، وَطَائِفَةً.
حَدَّثَنَا عَنْهُ بهمذَانَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ الجَلاَّبُ، وَبمروَ: عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْرَقُ، وَكَانَ قَدْ مَالَ إِلَى يَعْقُوْبَ بنِ اللَّيْثِ، فَلَمَّا حَجَّ حبسوهُ بِبَغْدَادَ حَتَّى مَاتَ لسنتِهِ، وَهِيَ سَنَةُ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
ذِكْرُ وَفَاتِهِ:
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عَبْدَ القدُّوسِ بنَ عَبْدِ الجبَّارِ السَّمَرْقنديَّ يَقُوْلُ: جَاءَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى خَرْتَنْك - قَرْيَةٌ عَلَى فَرْسَخيْنِ مِنْ سَمَرْقَنْد - وَكَانَ لَهُ بِهَا أَقربَاء، فَنَزَلَ عِنْدَهُم، فسَمِعْتُهُ لَيْلَةً يدعُو وَقَدْ فرغَ مِنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عليَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، فَاقبضنِي إِلَيْكَ، فَمَا تمَّ الشَّهْرُ حَتَّى مَاتَ، وَقبرُهُ بِخَرْتَنْك.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، سَمِعْتُ أَبَا مَنْصُوْرٍ غَالِبَ بنَ جِبْرِيْلَ، وَهُوَ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
إِنَّهُ أَقَامَ عِنْدنَا أَيَّاماً، فمَرِضَ، وَاشتدَّ بِهِ المَرَضُ، حَتَّى وَجَّهَ رَسُوْلاً إِلَى مَدِيْنَةِ سَمَرْقَنْدَ فِي إِخْرَاجِ مُحَمَّدٍ، فَلَمَّا وَافَى
تَهَيَّأَ للرُّكُوبِ، فلبسَ خُفَّيْهِ، وَتعمَّمَ، فَلَمَّا مَشَى قدرَ عِشْرِيْنَ خطوَةً أَوْ نحوَهَا وَأَنَا آخِذٌ بَعْضُدِهِ وَرَجُلٌ أَخذَ مَعِي يقودُهُ إِلَى الدَّابَّةِ ليركبَهَا، فَقَالَ -رَحِمَهُ اللهُ-: أَرسلونِي، فَقَدْ ضَعُفْتُ، فَدَعَا بدعَوَاتٍ، ثُمَّ اضطجعَ، فَقَضَى -رَحِمَهُ اللهُ- فسَالَ مِنْهُ العرَقُ شَيْءٌ لاَ يُوْصَفُ، فَمَا سَكَنَ مِنْهُ العرَقُ إِلَى أَنْ أَدرجنَاهُ فِي ثِيَابِهِ.وَكَانَ فِيْمَا قَالَ لَنَا وَأَوْصَى إِلَيْنَا: أَنْ كَفِّنُونِي فِي ثَلاَثَةِ أَثوَابٍ بِيْضٍ، لَيْسَ فِيْهَا قَمِيْصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ، فَفَعَلْنَا ذَلِكَ.
فَلَمَّا دَفَنَّاهُ فَاحَ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ رَائِحَةٌ غَاليَةٌ أَطيبُ مِنَ المِسْكِ، فَدَام ذَلِكَ أَيَّاماً، ثُمَّ علَتْ سوَارِيُّ بِيْضٌ فِي السَّمَاءِ مستطيلَةٌ بحِذَاءِ قَبْرِهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَخْتَلِفونَ وَيتعجَّبُوْنَ، وَأَمَّا التُّرَابُ فَإِنَّهُم كَانُوا يَرْفَعُوْنَ عَنِ القَبْرِ حَتَّى ظَهرَ القَبْرُ، وَلَمْ نكنْ نقدِرُ عَلَى حفظِ القَبْرِ بِالحُرَّاسِ، وَغُلِبْنَا عَلَى أَنفُسِنَا، فنصبنَا عَلَى القَبْرِ خَشَباً مُشَبَّكاً، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ عَلَى الوُصُوْلِ إِلَى القَبْرِ، فَكَانُوا يَرْفَعُوْنَ مَا حولَ القَبْرِ مِنَ التُّرَابِ، وَلَمْ يَكُوْنُوا يخلصُوْنَ إِلَى القَبْرِ، وَأَمَّا رِيْحُ الطِّيبِ فَإِنَّهُ تدَاومَ أَيَّاماً كَثِيْرَةً حَتَّى تَحَدَّثَ أَهْلُ البَلْدَة، وَتعجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ، وَظهرَ عِنْدَ مُخَالِفِيهِ أَمرُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَخَرَجَ بَعْضُ مُخَالِفِيهِ إِلَى قَبْرِهِ، وَأَظهرُوا التَّوبَةَ وَالنَّدَامَةَ مِمَّا كَانُوا شرعُوا فِيْهِ مِنْ مذمومِ المَذْهَبِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَلَمْ يعِشْ أَبُو مَنْصُوْرٍ غَالِبُ بنُ جِبْرِيْلَ بَعْدَهُ إِلاَّ القَلِيْلَ، وَأَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ إِلَى جَنْبِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مكِّي الجُرْجَانِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَاحِدِ بنَ آدَمَ الطَّواويسِيَّ يَقُوْلُ:رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ وَاقفٌ فِي مَوْضِعٍ، فسلَّمْتُ عَلَيْهِ، فردَّ عليَّ السَّلاَمَ.
فَقُلْتُ: مَا وُقُوفُكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: أَنتَظِرُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ بَلَغَنِي مَوْتَهُ، فَنَظَرتُ، فَإِذَا قَدْ مَاتَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيْهَا.
وَقَالَ خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَيَّامُ: سَمِعْتُ مَهِيبَ بنَ سُلَيْمٍ الكرْمِيْنِيَّ يَقُوْلُ:
مَاتَ عِنْدنَا البُخَارِيُّ لَيْلَةَ عيدِ الفِطرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ، وَقَدْ بَلَغَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَكَانَ فِي بَيْتٍ وَحدَهُ، فَوَجَدنَاهُ لَمَّا أَصْبَحَ وَهُوَ مَيِّتٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البَزَّازَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ:
تُوُفِّيَ البُخَارِيُّ لَيْلَةَ السَّبْتِ، لَيْلَةَ الفِطْرِ، عِنْدَ صَلاَةِ العشَاءِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الفِطْرِ بَعْدَ صَلاَةِ الظُّهْرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَعَاشَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ سَنَةً إِلاَّ ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْماً.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ حَاتِمٍ الخَلْقَانِيَّ فِي المَنَامِ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدِ بنِ حَفْصٍ، فَسَأَلْتُهُ وَأَنَا أَعْرِفُ أَنَّهُ مَيِّتٌ عَنْ شَيْخِي -رَحِمَهُ اللهُ- هَلْ رَأَيْتَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتُهُ، وَهُوَ ذَاكَ، يشيرُ إِلَى نَاحِيَةِ سطحٍ مِنْ سطوحِ المَنْزِلِ.
ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
فَقَالَ: رَأَيْتُهُ، وَأَشَارَ إِلَى السَّمَاءِ إِشَارَةً كَادَ أَنْ يَسْقُطَ مِنْهَا لعلوِّ مَا يُشيرُ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بنُ الحَسَنِ السَّكتِيُّ السَّمرقندِيُّ، قَدِمَ عَلَيْنَا بَلَنْسِيَةَ عَامَ أَرْبَعِيْنَ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، قَالَ: قَحطَ المَطَرُ عِنْدنَا بِسَمَرْقَنْدَ فِي بَعْضِ الأَعْوَامِ، فَاسْتسقَى النَّاسُ مِرَاراً، فَلَمْ يُسْقَوا، فَأَتَى رَجُلٌ صَالِحٌ مَعْرُوْفٌ بِالصَّلاَحِ إِلَى قَاضِي سَمَرْقَنْدَ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي رَأَيْتُ رأْياً أَعرضُهُ عَلَيْكَ.قَالَ: وَمَا هُوَ؟
قَالَ: أَرَى أَنْ تخرجَ وَيخرجَ النَّاسُ مَعَكَ إِلَى قَبْرِ الإِمَامِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، وَقبرُهُ بخَرْتَنْك، وَنستسقِي عِنْدَهُ، فعسَى اللهُ أَنْ يَسْقِينَا.
قَالَ: فَقَالَ القَاضِي: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ.
فَخَرَجَ القَاضِي وَالنَّاسُ مَعَهُ، وَاسْتسقَى القَاضِي بِالنَّاسِ، وَبَكَى النَّاسُ عِنْدَ القَبْرِ، وَتشفَّعُوا بصَاحِبِهِ، فَأَرسلَ اللهُ -تَعَالَى- السَّمَاءَ بِمَاءٍ عَظِيْمٍ غَزِيْرٍ أَقَامَ النَّاسُ مِنْ أَجلِهِ بِخَرْتَنْك سَبْعَةَ أَيَّامٍ أَوْ نحوَهَا، لاَ يَسْتَطيعُ أَحَدٌ الوُصُوْلَ إِلَى سَمَرْقَنْدَ مِنْ كَثْرَةِ المَطَرِ وَغزَارتِهِ، وَبَيْنَ خرتنك وَسَمَرْقَنْد نَحْوَ ثَلاَثَةَ أَمِيَالٍ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ فِي (تَارِيْخِهِ) : أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ القَاضِي الحرشِيُّ بِنَيْسَابُوْرَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَحْمَدَ الفَقِيْهَ البَلْخِيَّ (ح) ، قَالَ الخَطِيْبُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارَ البَلْخِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ المُسْتَمْلِي يَرْوِي عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: سَمِعَ كِتَابَ (الصَّحِيْحِ) لِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ تِسْعُوْنَ أَلفَ رَجُلٍ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ يَرْوِيْهِ غَيْرِي.
ذِكْرُ الصَّحَابَةِ الَّذِيْنَ أَخْرَجَ لَهُم البُخَارِيُّ وَلَمْ يروِ عَنْهُم سِوَى وَاحِدٍ:مِرْدَاسٌ الأَسْلَمِيُّ؛ عَنْهُ قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، حَزْنٌ المَخْزُوْمِيُّ؛ تَفَرَّدَ عَنْهُ ابْنُهُ أَبُو سَعِيْدٍ المُسَيَّبُ بنُ حَزْنٍ، زَاهِرُ بنُ الأَسْوَدِ؛ عَنْهُ ابْنُهُ مَجْزَأَةُ، عَبْدُ اللهِ بنُ هِشَامِ بنِ زُهْرَةَ القُرَشِيُّ؛ عَنْهُ حَفِيْدَهُ زُهْرَةُ بنُ مَعْبَدٍ، عَمْرُو بنُ تَغْلِبَ؛ عَنْهُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ، عَبْدُ اللهِ بنُ ثَعْلَبَةَ بنُ صُعَيْرٍ؛ رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ قَوْلَهُ، سُنَيْنٌ أَبُو جَمِيْلَةَ السُّلَمِيُّ؛ عَنْهُ الزُّهْرِيُّ، أَبُو سَعِيْدٍ بنُ المُعَلَّى؛ تَفَرَّدَ عَنْهُ حَفْصُ بنُ عَاصِمٍ، سُوَيْدُ بنُ النُّعْمَانِ الأَنْصَارِيُّ شَجَرِيٌّ؛ تَفَرَّدَ بِالحَدِيْثِ عَنْهُ بُشَيْرُ بنُ يَسَارٍ، خولَةُ بِنْتُ ثَامرٍ؛ عَنْهَا النُّعْمَانُ بنُ أَبِي عَيَّاشٍ، فَجملتُهُم عَشْرَةٌ.
فصل:
(تَارِيْخُ) البُخَارِيِّ، يَشْتَمِلُ عَلَى نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِيْنَ أَلفاً وَزيَادَةً، وَكِتَابُهُ فِي (الضُّعَفَاءِ) دُوْنَ السَّبْعِ مائَةِ نَفْسٍ، وَمَنْ خَرَّجَ لَهُم فِي (صَحِيْحِهِ) دُوْنَ الأَلفينِ.
قَالَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الحَازمِيُّ، فـ (صَحِيْحُهُ) مُخْتَصرٌ جِدّاً. وَقَدْ
نقل الإِسْمَاعِيْلِيُّ عَمَّنْ حَكَى عَنِ البُخَارِيِّ، قَالَ: لَمْ أَخرِّجْ فِي الكِتَابِ إِلاَّ صَحِيْحاً.قَالَ: وَمَا تركتُ مِنَ الصَّحِيْحِ أَكْثَرُ.
لِبَعْضِهِم:
(صَحِيْحُ البُخَارِيِّ) لَوْ أَنْصَفُوهُ ... لَمَا خُطَّ إِلاَّ بمَاءِ الذَّهَبْ
هُوَ الفَرْقُ بَيْنَ الهُدَى وَالعمَى ... هُوَ السَّدُّ بَيْنَ الفَتَى وَالعَطَبْ
أَسَانِيْدُ مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاءِ ... أَمَامَ مُتُوْنٍ كَمِثْلِ الشُّهُبْ
بِهِ قَامَ مِيْزَانُ دِيْنِ الرَّسُوْلِ ... وَدَانَ بِهِ العُجْمُ بَعْدَ العَرَبْ
حِجَابٌ مِنَ النَّارِ لاَ شَكَّ فِيْهِ ... تَمَيَّزَ بَيْنَ الرِّضَى وَالغَضَبْ
وَسِتْرٌ رَقِيْقٌ إِلَى المُصْطَفَى ... وَنصٌّ مُبِيْنٌ لِكَشْفِ الرِّيَبْ
فَيَا عَالِماً أَجْمَعَ العَالِمُوْنَ ... عَلَى فَضْلِ رُتْبَتِهِ فِي الرُّتَبْ
سَبَقْتَ الأَئِمَّةَ فِيْمَا جَمَعْتَ ... وَفُزْتَ عَلَى رَغْمِهِمْ بِالقَصَبْ
نَفَيْتَ الضَّعِيْفَ مِنَ النَّاقِلِيْنَ ... وَمَنْ كَانَ مُتَّهَماً بِالكَذِبْ
وَأَبْرَزْتَ فِي حُسْنِ تَرْتِيْبِهِ ... وَتَبْوِيْبِهِ عَجَباً لِلْعَجَبْ
فَأَعطَاكَ مَولاَكَ مَا تَشْتَهِيْهِ ... وَأَجْزَلَ حَظَّكَ فِيْمَا وَهَبْ
ابْنِ المُغِيْرَةِ بنِ بَرْدِزْبَه، وَقِيْلَ: بَذْدُزْبَه، وَهِيَ لَفْظَةٌ بخَارِيَّةٌ، معنَاهَا الزرَّاعُ.
أَسلَمَ المُغِيْرَةُ عَلَى يَدِي اليَمَان الجُعْفِيِّ وَالِي بُخَارَى، وَكَانَ مَجُوْسِيّاً، وَطَلَبَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ العِلْمَ.فَأَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ بنِ سِلَفَةَ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ البَرْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعَ أَبِي مِنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَرَأَى حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، وَصَافحَ ابْنَ المُبَارَكِ بكلتَا يَدَيْهِ.
قُلْتُ: وَوُلِدَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قَاله أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ البُخَارِيُّ، وَرَّاقُ أَبِي عَبْدِ اللهِ فِي كِتَابِ (شمَائِلِ البُخَارِيِّ) ، جَمْعَهُ، وَهُوَ جزءٌ ضخمٌ.
أَنْبَأَنِي بِهِ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوْسِيِّ، أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ طَاهِرٍ الحَافِظ أَجَازَ لَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ خَلَفٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مِهْرَوَيْهِ الفَارِسِيُّ المُؤَدِّبُ، قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ مَرْو لزيَارَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ بنِ مَطَرٍ الفِرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي حَاتِمٍ، فَذَكَرَ الكِتَابَ فَمَا أَنْقُلُهُ عَنْهُ، فَبهَذَا السّندِ.
ثُمَّ إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ فِيْمَا أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ سنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَفْصٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الفَضْلِ البَلْخِيُّ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: ذهبَتْ عينَا مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فِي صِغَرِهِ فرأَتْ وَالِدتُهُ فِي المَنَامِ إِبْرَاهِيْمَ الخَلِيْلَ - عَلَيْهِ السَّلاَم - فَقَالَ لَهَا: يَا هَذِهِ، قَدْ رَدَّ اللهُ عَلَى ابْنِكِ بصرَهُ لكَثْرَةِ بُكَائِكِ، أَوْ كَثْرَةِ دُعَائِكِ - شكَّ البَلْخِيُّ - فَأَصْبحْنَا وَقَدْ رَدَّ اللهُ عَلَيْهِ بصرَهُ.وبَالسَّندِ المَاضِي إِلَى مُحَمَّدِ بنِ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: كَيْفَ كَانَ بَدْءُ أَمرِكَ؟
قَالَ: أُلْهِمْتُ حِفْظَ الحَدِيْثِ وَأَنَا فِي الكُتَّابِ.
فَقُلْتُ: كم كَانَ سِنُّكَ؟
فَقَالَ: عشرُ سِنِيْنَ، أَوْ أَقَلّ، ثُمَّ خرجْتُ مِنَ الكُتَّابِ بَعْد العشرِ، فَجَعَلْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى الدَّاخلِيِّ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ يَوْماً فِيْمَا كَانَ يَقْرَأُ لِلنَّاسِ: سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ لَمْ يَرْوِ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ.
فَانْتَهَرنِي، فَقُلْتُ لَهُ: ارْجِعْ إِلَى الأَصْلِ فَدَخَلَ فنظَرَ فِيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ لِي: كَيْفَ هُوَ يَا غُلاَمُ؟
قُلْتُ: هُوَ الزُّبَيْرُ بنُ عَدِيٍّ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَأَخَذَ القلمَ مِنِّي، وَأَحْكَمَ كِتَابَهُ، وَقَالَ: صدقْتَ.
فَقِيْلَ لِلْبُخَارِيِّ: ابْنُ كَمْ كُنْتَ حِيْنَ رددتَ عَلَيْهِ؟
قَالَ: ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمَّا طَعَنْتُ فِي سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، كُنْتُ قَدْ حفظتُ كتبَ ابْنِ المُبَارَكِ وَوَكِيْعٍ، وَعرفتُ كَلاَمَ هَؤُلاَءِ، ثُمَّ خرجْتُ مَعَ أُمِّي وَأَخِي أَحْمَدَ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا حَجَجْتُ رَجَعَ أَخِي بِهَا! وَتخلَّفْتُ فِي طلبِ الحَدِيْثِ.
ذِكْرُ تسمِيَة شُيوخِهِ وَأَصْحَابِهِسَمِعَ بِبُخَارَى قَبْلَ أَنْ يرتحلَ مِنْ: مَوْلاَه مِنْ فَوْقِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ اليَمَانِ الجُعْفِيِّ المُسْنديِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيِّ، وَجَمَاعَةٍ، ليسُوا مِنْ كِبَارِ شُيُوْخِهِ.
ثُمَّ سَمِعَ ببلخٍ مِنْ: مكِّيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَهُوَ مِنْ عَوَالِي شُيوخِهِ.
وَسَمِعَ بِمَرْوَ مِنْ: عبدَانَ بنِ عُثْمَانَ، وَعَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، وَصَدَقَةَ بنِ الفَضْلِ، وَجَمَاعَةٍ.
وبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ: يَحْيَى بنِ يَحْيَى، وَجَمَاعَةٍ.
وبَالرَّيِّ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى.
وبِبَغْدَادَ إِذْ قَدِمَ العِرَاقَ فِي آخِرِ سَنَةِ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعِ، وَسُرَيْجِ بنِ النُّعْمَانِ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَابِق، وَعَفَّانَ.
وبِالبَصْرَةِ مِنْ: أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيْلِ، وَالأَنْصَارِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَمَّادٍ الشُّعَيثِيّ صَاحِبِ ابْنِ عَوْنٍ، وَمِن مُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَةَ، وَحَجَّاجِ بنِ منهَالٍ، وَبدلِ بنِ المُحَبِّرِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ رَجَاءَ، وَعِدَّةٍ.
وبِالْكُوْفَةِ مِنْ: عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَخَالِدِ بنِ مَخْلَدٍ، وَطَلْقِ بنِ غَنَّامٍ، وَخَالِدِ بنِ يَزِيْدَ المُقْرِئِ مِمَّنْ قَرَأَ عَلَى حَمْزَةَ.
وَبِمَكَّةَ مِنْ: أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئِ، وَخَلاَّدِ بنِ يَحْيَى، وَحَسَّانِ بنِ حَسَّانٍ البَصْرِيِّ، وَأَبِي الوَلِيْدِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الأَزْرَقِيِّ، وَالحُمَيْدِيِّ.وبَالمَدِيْنَةِ مِنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ الأُوَيسِيِّ، وَأَيُّوْبَ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ.
وبمصرَ: سَعِيْدَ بنَ أَبِي مَرْيَمَ، وَأَحْمَدَ بنَ إِشكَابٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ يُوْسُفَ، وَأَصْبَغَ، وَعِدَّةً.
وبَالشَّامِ: أَبَا اليَمَانِ، وَآدَمَ بنَ أَبِي إِيَاسٍ، وَعَلِيَّ بنَ عَيَّاشٍ، وَبِشْرَ بنَ شُعَيْبٍ.
وَقَدْ سَمِعَ مِنْ: أَبِي المُغِيْرَةِ عَبْدِ القُدّوس، وَأَحْمَدَ بنِ خَالِدٍ الوهبِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، وَأَبِي مُسْهِرٍ، وَأُمَمٍ سِوَاهُم.
وَقَدْ قَالَ وَرَّاقُهُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ بلخَ، فَسَأَلونِي أَنْ أُمْلِيَ عَلَيْهِم لِكُلِّ مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيْثاً، فَأَمليتُ أَلفَ حَدِيْثٍ لأَلفِ رَجُلٍ ممَّن كَتَبْتُ عَنْهُم.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ قَبْلَ مَوْته بشهرٍ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ أَلفٍ وَثَمَانِيْنَ رَجُلاً، لَيْسَ فِيْهِم إِلاَّ صَاحِب حَدِيْثٍ، كَانُوا يَقُوْلُوْنَ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعملٌ، يَزِيْدُ وَينقصُ.
قُلْتُ: فَأَعْلَى شُيُوْخهِ الَّذِيْنَ حَدَّثوهُ عَنِ التَّابِعِيْنَ، وَهُم: أَبُو عَاصِمٍ،
وَالأَنْصَارِيُّ، وَمكِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو المُغِيْرَةِ، وَنحوُهُم.وَأَوْسَاطُ شُيُوْخهِ الَّذِيْنَ رَوَوْا لَهُ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَشُعْبَةَ، وَشُعَيْبِ بنِ أَبِي حَمْزَةَ، وَالثَّوْرِيِّ.
ثُمَّ طَبَقَةٌ أُخْرَى دونَهُم كَأَصْحَابِ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ.
وَالطَّبَقَةُ الرَّابِعَةُ مِنْ شُيُوْخِهِ مِثْلُ أَصْحَابِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ.
ثُمَّ الطَّبَقَةُ الخَامِسَةُ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ الَّذِي روَى عَنْهُ الكَثِيْرَ وَيُدَلِّسُهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ صَاعِقَة، وَهَؤُلاَءِ هُم مِنْ أَقْرَانِهِ.
وَقَدْ سَمِعَ مِنْ أَبِي مُسْهِرٍ، وَشَكَّ فِي سَمَاعِهِ، فَقَالَ: فِي غَيْر (الصَّحِيْحِ) : حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، أَوْ حَدَّثَنَا رَجُلٌ عَنْهُ.
وَروَى عَنْ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ وَاقِدٍ الحَرَّانِيِّ، لَقِيَهُ بِالعِرَاقِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الجَزِيْرَةَ.
وَقَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُعَلَّى بنِ مَنْصُوْرٍ الرَّازِيِّ بِبَغْدَادَ سنَةَ عشر.
رَوَى عَنْهُ خلقٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم: أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْحَاقَ الحَرْبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَمْرِو بنِ أَبِي عَاصِمٍ، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَة، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَضْرَمِيُّ مُطَيَّن، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مَعْقِلٍ النَّسَفيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَاجِيَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بُجَيْرٍ، وَأَبُو قُرَيْشٍ مُحَمَّدُ بنُ جُمْعَةَ، وَيَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيُّ رَاوِي (الصَّحِيْحِ) ، وَمَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدٍ مِزْبَزْدَة، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَالحُسَيْنُ وَالقَاسِمُ ابْنَا المَحَامِلِيِّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الأَشْقَرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ فَارِسٍ، وَمَحْمُوْدُ بنُ عَنْبَرٍ النَّسَفيُّ، وَأَممٌ لاَ يُحصَونَ.وَرَوَى عَنْهُ: مُسْلِمٌ فِي غَيْر (صَحِيْحهِ) .
وَقِيْلَ: إِنَّ النَّسَائِيَّ رَوَى عَنْهُ فِي الصِّيَامِ مِنْ (سُنَنِهِ) ، وَلَمْ يَصِحَّ، لَكِن قَدْ حَكَى النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ (الكُنَى) لهُ أَشْيَاءَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ الخَفَّافِ، عَنِ البُخَارِيِّ.
وَقَدْ رَتَّبَ شَيْخُنَا أَبُو الحَجَّاجِ المِزِّيِّ شُيُوْخَ البُخَارِيِّ وَأَصْحَابَهُ عَلَى المُعْجَمِ كعَادَتِهِ وَذَكَرَ خَلْقاً سِوَى مَنْ ذَكَرْتُ.
وَقَدْ أَنْبَأَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ أَبَا اليُمْنِ اللُّغَوِيَّ أَخبرَهُم، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ القَاضِي الحَرَشِيُّ بِنَيْسَابُوْرَ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَحْمَدَ البَلْخِيَّ، يَرْوِي عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: سَمِعَ كِتَابَ (الصَّحِيْحِ) لِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ تِسْعُوْنَ أَلفَ رَجُلٍ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ يَرْوِيْهِ غَيْرِي.وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيُّ: رَوَى (صَحِيْحَ) البُخَارِيِّ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: الفِرَبْرِيُّ، وَحَمَّادُ بنُ شَاكِرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنَ مَعْقِلٍ، وَطَاهرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَخْلَدٍ النَّسَفِيَان.
وَقَالَ الأَمِيْرُ الحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ بنُ مَاكُوْلا: آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنِ البُخَارِيِّ بـ (الصَّحِيْحِ) أَبُو طَلْحَةَ مَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ البَزْدِيُّ مِنْ أَهْلِ بَزْدَةَ.
وَكَانَ ثِقَةً، تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الأَبَرْقُوْهِيُّ بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ زَيْدُ بنُ هِبَةِ اللهِ البَغْدَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ قَفَرْجَلٍ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَحَامِلِيُّ سَنَة تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ -يَعْنِي: الثَّوْرِيَّ- عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَدِّي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ أَبِي
مُوْسَى قَالَ:قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً) .
وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَكَانَ جَالِساً، فَجَاءهُ رَجُلٌ أَوْ طَالِبُ حَاجَةٍ، فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: (اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلِيَقْضِ اللهُ عَلَى لِسَانِ رَسُوْلِهِ مَا شَاءَ) .
أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُجَلِّدُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ يُوْنُسَ وَحَبِيْبٍ، وَيَحْيَى بن عَتِيْق، وَهِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أُمِّ عطيَّةَ، قَالَتْ: أَمَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تَخْرُجَ ذَوَاتُ الخُدُورِ يَوْمَ العِيْدِ.
قِيْلَ: فَالحُيَّضُ؟
قَالَ: (يَشْهَدْنَ الخَيْرَ، وَدَعْوَةَ المُسْلِمِيْنَ ) .
هذَان حَدِيْثَانِ صَحِيْحَانِ مِنْ عَالِي مَا وَقَعَ لَنَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ سِوَى (الصَّحِيْحِ) .
وَأَمَّا الصَّحِيْحُ فَهُوَ أَعْلَى مَا وَقَعَ لَنَا مِنَ الكُتُبِ السِّتَّةِ فِي أَوَّلِ مَا سَمِعْتُ الحَدِيْثَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.فَمَا ظَنُّكَ بعلُوِّهِ اليَوْمَ وَهُوَ سنَة خَمْسَ عَشْرَةَ وَسَبْعَ مائَةٍ !! لَوْ رحلَ الرَّجُلُ مِنْ مسيرَةِ سَنَةٍ لسَمَاعِهِ لمَا فَرَّطَ.
كَيْفَ وَقَدْ دَامَ عُلُوُّهُ إِلَى عَامِ ثَلاَثِيْنَ، وَهُوَ أَعْلَى الكُتُبِ السِّتَّةِ سَنَداً إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شَيْءٍ كَثِيْرٍ مِنَ الأَحَادِيْثِ، وَذَلِكَ لأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ أَسنُّ الجَمَاعَةِ، وَأَقْدَمُهُم لُقِيّاً لِلْكبارِ، أَخَذَ عَنْ جَمَاعَةٍ يَرْوِي الأَئِمَّةُ الخمسَةُ، عَنْ رجلٍ عَنْهُم.
ذِكْرُ رِحلتِهِ وَطَلَبِهِ وَتَصَانِيْفِهِ
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ البُخَارِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: حَجَجْتُ، وَرَجَعَ أَخِي بِأُمِّي، وَتخلَّفْتُ فِي طلبِ الحَدِيْث فَلَمَّا طَعنْتُ فِي ثَمَانِ عَشْرَةَ، جَعَلتُ أُصَنِّفُ قضَايَا الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ وَأَقَاويلَهُم، وَذَلِكَ أَيَّامَ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى.
وصنَّفْتُ كِتَابَ (التَّارِيْخِ) إِذْ ذَاكَ عِنْدَ قَبْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي اللَّيَالِي المُقْمِرَةِ، وَقَلَّ اسْمٌ فِي التَّارِيْخِ إِلاَّ وَلَهُ قِصَّةٌ، إِلاَّ أَنِّي كَرِهْتُ تطويلَ الكِتَابِ.
وكُنْتُ أَختلِفُ إِلَى الفُقَهَاءِ بِمَرْوَ وَأَنَا صَبِيٌّ، فَإِذَا جِئْتُ أَستحِي أَنْ أُسَلِّمَ عَلَيْهِم، فَقَالَ لِي مُؤَدِّبٌ مِنْ أَهلِهَا: كم كتبتَ اليَوْمَ؟فَقلتُ: اثْنَيْنِ، وَأَرَدْتُ بِذَلِكَ حَدِيْثَيْنِ، فَضَحِكَ مَنْ حَضَرَ المَجْلِسَ.
فَقَالَ شَيْخٌ مِنْهُم: لاَ تضحكُوا، فَلَعَلَّهُ يَضْحَكُ مِنْكُم يَوْماً!!
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى الحُمَيْدِيِّ وَأَنَا ابْنُ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ اخْتِلاَفٌ فِي حَدِيْثٍ، فَلَمَّا بَصُرَ بِي الحُمَيْدِيُّ قَالَ: قَدْ جَاءَ مَنْ يفصِلُ بَيْنَنَا، فَعَرضَا عَلَيَّ، فَقضيتُ لِلْحُمِيديِّ عَلَى مَنْ يُخَالِفُهُ، وَلَوْ أَنَّ مُخَالِفَهُ أَصَرَّ عَلَى خِلاَفِهِ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى دعوَاهُ، لَمَاتَ كَافِراً.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ الخلاَّل، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلَيٍّ البَردَانِيُّ، وَابْنُ الطُّيوُرِيِّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ غُنجَار، أَخْبَرَنَا خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَيَّامُ، سَمِعْتُ الفَضْلَ بنَ إِسْحَاقَ البَزَّازَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ منهَال العَابِدُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ قَالَ: كتبنَا عَنِ البُخَارِيِّ عَلَى بَابِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، وَمَا فِي وَجْهِهِ شَعْرَةٌ.
فقُلْنَا: ابْنُ كَمْ أَنْتَ؟
قَالَ: ابْنُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَقَالَ خَلَفٌ الخيَّامُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مَعْقِلٍ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كُنْتُ عندَ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَوْ جمعتُم كِتَاباً مختصِراً لسُنَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي قَلبِي، فَأَخذتُ فِي جمعِ هَذَا الكِتَابِ.
وَعَنْ.... أَنَّ البُخَارِيَّ قَالَ: أَخرجتُ هَذَا الكِتَابَ مِنْ زُهَاءِ سِتِّ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ.أَنبأَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ، أَنْبَأَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ العَطَّارُ بِالرَّيِّ، سَمِعْتُ أَبَا الهَيْثَمِ الكُشْمِيهَنِيَّ، سَمِعْتُ الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: مَا وضعتُ فِي كِتَابِي (الصَّحِيْحِ) حَدِيْثاً إِلاَّ اغتسلتُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ.
أَخْبَرْنَا ابْنُ الخلاَّلِ، أَخْبَرَنَا الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الوَلِيْدِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ بُنْدَارٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البَزَّازَ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مَعْقِلٍ، سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: مَا أَدخلتُ فِي هَذَا الكِتَابِ إِلاَّ مَا صَحَّ، وَتركتُ مِنَ الصِّحَاحِ كِي لاَ يطولَ الكِتَابُ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: تَحْفَظُ
جَمِيْعَ مَا أَدْخَلْتَ فِي المُصَنَّفِ؟ فَقَالَ: لاَ يخفَى عليَّ جَمِيْعُ مَا فِيْهِ.وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: صنفتُ جَمِيْعَ كُتُبِي ثَلاَث مَرَّاتٍ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَوْ نُشِرَ بَعْضُ أُسْتَاذِي هَؤُلاَءِ لَمْ يفهمُوا كَيْفَ صنَّفْتُ (التَّارِيْخَ) ، وَلاَ عرفُوهُ، ثُمَّ قَالَ: صنَّفْتُهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَخذ إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه كِتَابَ (التَّارِيْخِ) الَّذِي صنَّفْتُ، فَأَدخلَهُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ، أَلاَ أُرِيكَ سِحْراً؟ قَالَ: فَنَظَرَ فِيْهِ عَبْدُ اللهِ، فَتَعَجَّبَ مِنْهُ، وَقَالَ: لَسْتُ أَفهُمُ تَصْنِيْفَهُ.
وَقَالَ خَلَفٌ الخيَّامُ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ يَقُوْلُ: دَخَلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى العِرَاقِ فِي آخِرِ سَنَةِ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ بَغْدَادَ آخِرَ ثَمَانِ مَرَّاتٍ، فِي كُلِّ ذَلِكَ أُجَالِسُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقَالَ لِي فِي آخِرِ مَا وَدَّعْتُهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تدعُ العِلْمَ وَالنَّاسَ، وَتصِيرُ إِلَى خُرَاسَانَ؟! قَالَ: فَأَنَا الآنَ أَذْكُرُ قَوْلَهُ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الحَاكِمِ: أَوَّل مَا وَردَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ سَنَةَ تِسْعٍ وَمائَتَيْنِ، وَوَرَدَهَا فِي الأَخِيْرِ سنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَأَقَامَ بِهَا خَمْسَ سِنِيْنَ يُحَدِّثُ عَلَى الدّوامِ.أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ بنُ القوَّاسِ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ الحَرَسْتَانِيِّ قِرَاءةً عَلَيْهِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ وَأَنَا حَاضِرٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ المُسْلَّم الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ آدَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ البُخَارِيُّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بِمَنْزِلِهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَأَحصيتُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَامَ وَأَسْرَجَ يَسْتَذكرُ أَشْيَاءَ يُعَلِّقُهَا فِي لَيْلَةٍ ثَمَانِ عَشْرَةَ مرَّة.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، إِذَا كُنْتُ مَعَهُ فِي سفرٍ، يَجْمَعُنَا بَيْتٌ وَاحِدٌ إِلاَّ فِي القيظِ أَحْيَاناً، فَكُنْتُ أَرَاهُ يقومُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ خَمْسَ عَشْرَةَ مرَّة إِلَى عِشْرِيْنَ مرَّة، فِي كُلِّ ذَلِكَ يَأْخُذُ القَدَّاحَةَ، فيُورِي نَاراً، وَيُسْرِجُ، ثُمَّ يُخرجُ أَحَادِيْثَ، فيُعلِّمُ عَلَيْهَا.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عَبْدَ القُدّوسِ بنَ هَمَّامٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عِدَّةً مِنَ المَشَايِخِ، يَقُوْلُوْنَ: حَوَّلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ ترَاجِمَ جَامِعِهِ بَيْنَ قَبْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِنْبَرِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي لِكُلِّ تَرْجَمَةٍ رَكْعَتَيْنِ.
وَقَالَ :.... سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: صنّفْتُ (الصَّحِيْحَ) فِي سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، وَجَعَلتُهُ حُجَّةً فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَ الله تَعَالَى.وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ هَانِئَ بنَ النَّضْر يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ -يَعْنِي: الفِرْيَابِيَّ- بِالشَّامِ وَكُنَّا نَتَنَزَّهُ فِعْلَ الشَّبَابِ فِي أَكلِ الفِرْصَادِ وَنَحْوِهِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مَعَنَا، وَكَانَ لاَ يُزَاحمنَا فِي شَيْءٍ مِمَّا نَحْنُ فِيْهِ، وَيُكِبُّ عَلَى العِلْمِ.
وَقَالَ مُحَمَّد: سَمِعْتُ النَّجْمَ بنَ الفُضَيْل يَقُوْلُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، كَأَنَّهُ يَمْشِي، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَمْشِي خَلْفَهُ، فَكُلَّمَا رَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدَمَهُ، وضعَ مُحَمَّدُ بنُ إِسمَاعيلَ قدَمَهُ فِي المكَانِ الَّذِي رَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدَمَهُ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخٌ يَمُرُّ بِنَا فِي مَجْلِسِ الدَّاخلِيِّ، فَأُخْبِرُهُ بِالأَحَادِيْثِ الصَّحِيْحَةِ مِمَّا يُعرِضُ عَلَيَّ، وَأُخْبِرُهُ بِقَولِهِم، فَإِذَا هُوَ يَقُوْلُ لِي يَوْماً: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، رئِيسُنَا فِي أَبو جَاد، وَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ شربَ دوَاءَ الحِفْظِ يُقَالُ لَهُ: بَلاَذُر، فَقُلْتُ لَهُ يَوْماً خلوَةً: هَلْ مِنْ دوَاءٍ يشربُهُ الرَّجُلُ، فينتفعُ بِهِ لِلْحفظِ؟فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ، ثُمَّ أَقبلَ عليَّ، وَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ شَيْئاً أَنْفَعَ لِلْحفظِ مِنْ نَهْمَةِ الرَّجُلِ، وَمُدَاومَةِ النَّظَرِ.
قَالَ: وَذَاكَ أَنِّي كُنْتُ بِنَيْسَابُوْرَ مُقيماً، فَكَانَ تَرِدُ إِلَيَّ مِنْ بُخَارَى كُتُبٌ، وَكُنَّ قَرَابَاتٌ لِي يُقرِئنَ سَلاَمهنَّ فِي الكُتُبِ، فَكُنْتُ أَكْتُبُ كِتَاباً إِلَى بُخَارَى، وَأَرَدْتُ أَنْ أُقرِئَهنَّ سَلاَمِي، فَذَهَبَ عليَّ أَسَامِيهنَّ حِيْنَ كَتَبْتُ كِتَابِي، وَلَمْ أُقرِئهنَّ سَلاَمِي، وَمَا أَقَلَّ مَا يَذْهَبُ عَنِّي مِنَ العِلْمِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَمْ تكن كِتَابتِي لِلْحَدِيْثِ كَمَا كَتَبَ هَؤُلاَءِ.
كُنْتُ إِذَا كَتَبْتُ عَنْ رجلٍ سَأَلْتُهُ عَنِ اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ وَنِسْبَتِهِ وَحَمْلِهِ الحَدِيْثَ، إِنْ كَانَ الرَّجُلُ فَهماً.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَأَلْتُهُ أَنْ يُخْرِجَ إِلَيَّ أَصْلَهُ وَنُسخَتَهُ.
فَأَمَّا الآخرُونَ لاَ يُبالُونَ مَا يَكْتُبُونَ، وَكَيْفَ يَكْتُبُونَ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ العَبَّاسَ الدُّوْرِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً يُحْسِنُ طلبَ الحَدِيْثِ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ لاَ يدعُ أَصْلاً وَلاَ فرعاً إِلاَّ قَلَعَهُ.
ثُمَّ قَالَ لَنَا: لاَ تَدَعُوا مِنْ كَلاَمِهِ شَيْئاً إِلاَّ كَتَبْتُمُوهُ.
وَقَالَ: كَتَبَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ بَعْضُ السَّلاَطينِ فِي حَاجَةٍ لَهُ، وَدَعَا لَهُ دعَاءً كَثِيْراً.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سَلاَمٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، أَمَّا بَعْدُ: وَصَلَ إِلَيَّ كِتَابُكَ وَفَهِمْتُهُ، وَفِي بيتِهِ يُؤْتَى
الحَكَمُ وَالسَّلاَمُ.وَقَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الخَوَّاصَ، مُستملِي صَدَقَةَ، يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ كَالصَّبيِّ جَالِساً بَيْنَ يَدِي مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، يَسْأَلُهُ عَنْ عِلَلِ الحَدِيْثِ.
ذِكْرُ حِفْظِهِ وَسَعَةِ عِلْمِهِ وَذَكَائِهِ
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ غُنْجَار فِي (تَارِيْخِ بُخَارَى) : سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ مَهِيبَ بنَ سُلَيْمٍ، سَمِعْتُ جَعْفَر بنَ مُحَمَّدٍ القَطَّانَ إِمَامَ كرمِيْنيَةَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْل يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ أَلفِ شَيْخٍ وَأَكْثَر، عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم عَشْرَةُ آلاَفٍ وَأَكْثَر، مَا عِنْدِي حَدِيْثٌ إِلاَّ أَذكُرُ إِسْنَادَهُ.
قَالَ غُنْجَارٌ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِمْرَانَ الجُرْجَانِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدٍ البُخَارِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: لَقِيْتُ أَكْثَرَ مِنْ أَلفِ رَجُلٍ أَهْلِ الحِجَازِ وَالعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ، لَقِيتُهُم كَرَّاتٍ، أَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالجَزِيْرَةِ مرَّتينِ، وَأَهْلِ البَصْرَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَبَالحِجَازِ سِتَّة أَعْوَامٍ، وَلاَ أُحْصِي كم دَخَلْتُ الكُوْفَةَ وَبَغْدَادَ مَعَ مُحَدِّثِي خُرَاسَانَ، مِنْهُمُ: المَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَابْنُ شَقِيقٍ، وَقُتَيْبَةُ، وَشِهَابُ بنُ معمرٍ، وَبَالشَّامِ: الفِرْيَابِيُّ، وَأَبَا مُسْهِرٍ، وَأَبَا المُغِيْرَةِ، وَأَبَا اليَمَانِ، وَسَمَّى خلقاً.
ثُمَّ قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ وَاحِداً مِنْهُم يَخْتلِف فِي هَذِهِ
الأَشْيَاءِ أَنَّ الدِّيْنَ قَوْلٌ وَعملٌ، وَأَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ.وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ وَآخَرَ يَقُوْلاَنِ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ يَخْتلِفُ مَعَنَا إِلَى مَشَايِخِ البَصْرَةِ وَهُوَ غُلاَمٌ، فَلاَ يَكْتُبُ، حَتَّى أَتَى عَلَى ذَلِكَ أَيَّامٍ، فكنَّا نَقُوْل لَهُ: إِنَّك تختلفُ معنَا ولاَ تَكْتُبُ، فَمَا تصنَعُ؟
فَقَالَ لَنَا يَوْماً بَعْد ستَّةَ عشرَ يَوْماً: إِنَّكمَا قَدْ أَكْثَرْتُمَا عَلَيَّ وَأَلْححتُمَا، فَاعْرِضَا عَلَيَّ مَا كَتَبْتُمَا.
فَأَخْرجْنَا إِلَيْهِ مَا كَانَ عِنْدنَا، فَزَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ أَلفِ حَدِيْثٍ، فَقرأَهَا كُلَّهَا عَنْ ظَهرِ القَلْبِ، حَتَّى جَعَلنَا نُحْكِمُ كُتُبَنَا مِنْ حِفْظِهِ.
ثُمَّ قَالَ: أَتَرَوْنَ أَنِّي أَختلِفُ هَدْراً، وَأُضَيِّعُ أَيَّامِي؟! فَعَرفْنَا أَنَّهُ لاَ يتقدَّمُهُ أَحَدٌ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُمَا يَقُوْلاَنِ: كَانَ أَهْلُ المَعْرِفَةِ مِنَ البَصْرِيِّيْنَ يَعْدُوْنَ خَلْفَهُ فِي طلبِ الحَدِيْثِ وَهُوَ شَابٌّ حَتَّى يغلِبُوهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُجلسوهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيْقِ، فيجتمعُ عَلَيْهِ أَلوفٌ، أَكْثَرهُم مِمَّنْ يَكْتُبُ عَنْهُ.
وَكَانَ شَابّاً لَمْ يَخْرُجْ وَجْهُهُ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ الحَافِظُ: سَمِعْتُ عِدَّةَ مَشَايِخٍ يحكُوْن أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ قَدِمَ بَغْدَادَ، فسَمِعَ بِهِ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَاجْتَمَعُوا وَعَمَدُوا إِلَى مائَةِ حَدِيْثٍ، فَقلبُوا مُتونهَا وَأَسَانِيْدَهَا، وَجَعَلُوا مَتْنَ هَذَا الإِسْنَادِ هَذَا، وَإِسْنَادَ هَذَا المَتْنِ هَذَا، وَدفعُوا إِلَى كُلِّ
وَاحِدٍ عَشْرَةَ أَحَادِيْثَ ليُلْقُوهَا عَلَى البُخَارِيِّ فِي المَجْلِسِ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ، وَانتَدبَ أَحَدُهُم، فَسَأَلَ البُخَارِيَّ عَنْ حَدِيْثٍ مِنْ عَشَرتِهِ، فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُهُ.وَسَأَلَهُ عَنْ آخر، فَقَالَ: لاَ أَعرِفُهُ.
وَكَذَلِكَ حَتَّى فرغَ مِنْ عشرتِهِ.
فَكَانَ الفقهَاءُ يَلْتَفِتُ بَعْضهُم إِلَى بَعْضٍ، وَيَقُوْلُوْنَ: الرَّجُلَ فَهِمَ.
وَمَنْ كَانَ لاَ يَدْرِي قضَى عَلَى البُخَارِيِّ بِالعجزِ، ثُمَّ انتدبَ آخرُ، فَفَعَلَ كَمَا فعلَ الأَوَّلُ.
وَالبُخَارِيُّ يَقُوْلُ: لاَ أَعرِفُهُ.
ثُمَّ الثَّالِثَ وَإِلَى تمَام العشرَةِ أَنفسٍ، وَهُوَ لاَ يزيدُهُم عَلَى: لاَ أَعرِفُهُ.
فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُم قَدْ فرغُوا، التفتَ إِلَى الأَوَّلِ مِنْهُم، فَقَالَ: أَمَّا حَدِيْثُكَ الأَوَّلُ فكذَا، وَالثَّانِي كَذَا، وَالثَّالِثُ كَذَا إِلَى العشرَةِ، فردَّ كُلَّ متنٍ إِلَى إِسْنَادِهِ.
وَفعلَ بِالآخرينَ مِثْلَ ذَلِكَ.
فَأَقَرَّ لَهُ النَّاسُ بِالحِفْظِ.
فَكَانَ ابْنُ صَاعِدٍ إِذَا ذكرَهُ يَقُوْلُ: الكبشُ النَّطَّاحُ.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا مَنْصُوْرُ بنُ إِسْحَاقَ الأَسَدِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الزَّاغُوْنِيَّ، سَمِعْتُ يُوْسُفَ بنَ مُوْسَى المَرْوَرُّوْذِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ بِالبَصْرَةِ فِي جَامِعِهَا، إِذْ سَمِعْتُ مُنَادِيّاً يُنَادِي: يَا أَهْلَ العِلْمِ، قَدْ قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، فَقَامُوا فِي طلبِهِ، وَكُنْتُ مَعَهُم، فرأَينَا رَجُلاً شَابّاً، يُصَلِّي خَلْفَ الأُسْطُوَانَةِ.
فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلاَةِ، أَحَدقُوا بِهِ، وَسأَلُوهُ أَنْ يَعْقِدَ لَهُم مَجْلِسَ الإِملاَءِ، فَأَجَابهُم.
فَلَمَّا كَانَ الغدُ اجْتَمَعَ قَرِيْبٌ مِنْ كَذَا كَذَا أَلفٍ فَجَلَسَ لِلإِملاَءِ وَقَالَ: يَا أَهْلَ البَصْرَةِ، أَنَا شَابٌّ وَقَدْ سَأَلْتُمونِي أَنْ أُحدِّثَكُم، وَسأُحدِّثكُم بأَحَادِيْثَ عَنْ أَهْلِ بلدِكُم تَسْتفيدُوْنَ الكُلَّ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ جَبَلَةَ
بنِ أَبِي رَوَّاد بلدِيُّكُم، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُوْرٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَعْرَابِيّاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، الرَّجُلُ يُحِبُّ القَوْمَ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ.ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ هَذَا عِنْدكُم، إِنَّ مَا عِنْدكُم عَنْ غَيْرِ مَنْصُوْرٍ، عَنْ سَالِمٍ.
وَأَملَى مَجْلِساً عَلَى هَذَا النَّسَقِ يَقُوْلُ فِي كُلِّ حَدِيْثٍ: رَوَى شُعْبَةُ هَذَا الحَدِيْثِ عندَكُم كَذَا، فَأَمَّا مِنْ رِوَايَةِ فُلاَنٍ، فَلَيْسَ عندَكُم، أَوْ كَلاَماً هَذَا مَعْنَاهُ.
قَالَ يُوْسُفُ: وَكَانَ دُخولِي البَصْرَةَ أَيَّامَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي الشّوَاربِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: قَرَأَ عَلَيْنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ كِتَابَ (الهِبَةِ) ، فَقَالَ: لَيْسَ فِي هِبَةِ وَكِيْعٍ إِلاَّ حَدِيْثَانِ مُسْنَدَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ.
وَفِي كِتَابِ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ خَمْسَةٌ أَوْ نحوهُ. وَفِي كِتَابِي هَذَا خَمْسُ مائَةِ
حَدِيْثٍ أَوْ أَكْثَرُ.وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: تَفَكَّرْتُ أَصْحَابَ أَنَسٍ، فَحضرنِي فِي سَاعَةٍ ثَلاَثُ مَائةٍ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا قَدِمْتُ عَلَى أَحَدٍ إِلاَّ كَانَ انتفَاعُهُ بِي أَكْثَر مِنِ انتفَاعِي بِهِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ، سَمِعْتُ أَبَا الأَزْهَرِ يَقُوْلُ: كَانَ بِسَمَرْقَنْدَ أَرْبَعُ مائَةٍ مِمَّنْ يطلُبُونَ الحَدِيْثَ، فَاجْتَمَعُوا سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَأَحَبُّوا مُغَالطَةَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَأَدخلُوا إِسْنَادَ الشَّامِ فِي إِسْنَادِ العِرَاقِ، وَإِسْنَادَ اليَمَنِ فِي إِسْنَادِ الحَرَمَيْنِ، فَمَا تَعَلَّقُوا مِنْهُ بِسَقْطَةٍ لاَ فِي الإِسْنَادِ، وَلاَ فِي المَتْنِ.
وَقَالَ الفِرَبْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا اسْتصغرتُ نَفْسِي عِنْدَ أَحَدٍ إِلاَّ عِنْدَ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَرُبَّمَا كُنْتُ أُغْرِبُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَحْيَدُ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ وَالِي بُخَارَى: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَوْماً: رُبَّ حَدِيْثٍ سَمِعْتُهُ بِالبَصْرَةِ كَتَبْتُهُ بِالشَّامِ، وَرُبَّ حَدِيْثٍ سَمِعْتُهُ بِالشَّامِ كَتَبْتُهُ بِمِصْرَ.
فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ بكَمَالِهِ؟ قَالَ: فَسَكَتَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا نمتُ البَارِحَةَ حَتَّى عَدَدْتُ كم أَدْخَلْتُ مُصَنَّفَاتِي مِنَ الحَدِيْثِ، فَإِذَا نَحْوُ مئَتَي أَلفِ حَدِيْثٍ مُسْنَدَةٍ.وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا كَتَبْتُ حِكَايَةً قَطُّ، كُنْتُ أَتَحَفَّظُهَا.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: صنَّفْتُ كِتَابَ (الاعتصَامِ) فِي لَيْلَةٍ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لاَ أَعْلَمُ شَيْئاً يُحتَاجُ إِلَيْهِ إِلاَّ وَهُوَ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
فَقُلْتُ لَهُ: يُمكنُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ كُلِّهُ.
قَالَ: نَعَمْ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ بِنَيْسَابُوْرَ أَجلسُ فِي الجَامِعِ، فَذَهَبَ عَمْرُو بنُ زُرَارَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه إِلَى يَعْقُوْبَ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَالِي نَيْسَابُوْرَ، فَأَخبروهُ بِمكَانِي، فَاعتذرَ إِلَيْهِم، وَقَالَ: مذهَبُنَا إِذَا رُفِعَ إِلَيْنَا غَرِيْبٌ لَمْ نَعْرِفْهُ حبسنَاهُ حَتَّى يَظْهَرَ لَنَا أَمرُهُ.
فَقَالَ لَهُ بَعْضهُم: بَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ لَكَ: لاَ تُحْسِنُ تصلِي، فَكَيْفَ تَجْلِسُ؟
فَقَالَ: لَو قِيْلَ لِي شَيْءٌ مِنْ هذَا مَاكُنْت أَقومُ مِنْ ذَلِكَ المَجْلِسِ حَتَّى أَروِي عَشْرَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ، فِي الصَّلاَةِ خَاصَّةً.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ الفِرْيَابِيِّ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي الخَطَّابِ، عَنْ أَنَسٍ:أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَطُوْفُ عَلَى نسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ.
فَلَمْ يعرِفْ أَحَدٌ فِي المَجْلِسِ أَبَا عُرْوَةَ، وَلاَ أَبَا الخَطَّابِ.
فَقُلْتُ: أَمَا أَبُو عُرْوَةَ فَمَعْمَرٌ، وَأَبُو الخَطَّابِ قَتَادَةُ.
قَالَ: وَكَانَ الثَّوْرِيُّ فَعُولاً لِهَذَا، يُكَنِّي المَشْهُوْرينَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَدِمَ رَجَاءُ الحَافِظُ، فَصَارَ إِلَى أَبِي عَبْدِ الله، فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: مَا أَعددتَ لِقُدُومِي حِيْنَ بَلَغَكَ؟ وَفِي أَيِّ شَيْءٍ نظرتَ؟
فَقَالَ: مَا أَحَدثْتُ نَظَراً، وَلَمْ أَستعِدَّ لِذَلِكَ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تسأَلَ عَنْ شَيْءٍ، فَافعلْ.
فَجَعَلَ ينَاظرُهُ فِي أَشْيَاءَ، فَبقيَ رَجَاءُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ هُوَ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: هَلْ لَكَ فِي الزِّيَادَةِ؟ فَقَالَ اسْتحيَاءً مِنْهُ وَخجلاً: نَعَمْ.
قَالَ: سَلْ إِنْ شِئْتَ؟
فَأَخَذَ فِي أَسَامِي أَيُّوْبَ، فَعدَّ نَحْواً مِنْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ سَاكتٌ.
فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: لَقَدْ جمعتَ، فَظنَّ رَجَاءُ أَنَّهُ قَدْ صنعَ شَيْئاً، فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَاتَكَ خَيرٌ كَثِيْرٌ.
فزيَّفَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي أُوْلَئِكَ سَبْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً، وَأَغربَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ سِتِّيْنَ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ رَجَاءُ: كم رويتَ فِي العِمَامَةِ السَّوْدَاءِ؟
قَالَ: هَاتِ كم رويتَ أَنْتَ؟
ثُمَّ قَالَ: نروِي نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ
حَدِيْثاً.فَخَجِلَ رَجَاءُ مِنْ ذَاكَ، وَيبِسَ رِيقُهُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ بَلْخَ، فَسَأَلنِي أَصْحَابُ الحَدِيْثِ أَنْ أُمْلِي عَلَيْهِم لِكُلِّ مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيْثاً.
فَأَمليتُ أَلفَ حَدِيْثٍ لأَلفِ رَجُلٍ مِمَّن كَتَبْتُ عَنْهُم.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سُئِلَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ عَمَّنْ طلَّقَ نَاسياً.
فَسَكَتَ سَاعَةً طَوِيْلَةً مُتفكِّراً، وَالتبسَ عَلَيْهِ الأَمْرُ.
فَقُلْتُ أَنَا: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ تجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلَّم ) .
وَإِنَّمَا يُرَادُ مبَاشرَةُ هَذِهِ الثَّلاَث العَمَلِ وَالقَلْبِ أَوِ الكَلاَمِ وَالقَلْبِ وَهَذَا لَمْ يعتقدْ بِقَلْبِهِ.
فَقَالَ إِسْحَاقُ: قَوَّيْتَنِي، وَأَفْتَى بِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّد: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْل يَقُوْلُ: كَانَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ إِذَا انتخبْتُ مِنْ كِتَابِهِ، نَسَخَ تِلْكَ الأَحَادِيْثِ، وَقَالَ: هَذِهِ الأَحَادِيْثُ انْتَخَبَهَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مِنْ حَدِيْثِي.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُنِيْرٍ يَكْتُبُ عَنِ البُخَارِيِّ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَنَا مِنْ تلاَمِيذِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَهُوَ مُعَلِّمٌ.قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ أَحَادِيْثَ فِي (صَحِيْحِهِ) عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنير، عَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَجَمَاعَةٍ.
وَكَانَ زَاهِداً عَابِداً حَتَّى قَالَ البُخَارِيُّ: لَمْ أَرَ مِثْلَهُ.
قُلْتُ: وَتُوُفِّيَ هُوَ وَالإِمَامُ أَحْمَدُ فِي سَنَةٍ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ المَدِيْنِيَّ بِالشَّاشِ زَمَنَ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي عَرَابَةَ يَقُوْلُ: كُنَّا بِنَيْسَابُوْرَ عِنْدَ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ فِي المَجْلِسِ، فَمَرَّ إِسْحَاقُ بِحَدِيْثٍ كَانَ دُوْنَ الصَّحَابِيِّ عَطَاءَ الكَيْخَارَانِيِّ.
فَقَالَ إِسْحَاقُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَيش كَيْخَارَان؟ فَقَالَ: قَرْيَةٌ بِاليَمَنِ، كَانَ مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ بعثَ هَذَا الرَّجُلَ، وَكَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو بَكْرٍ، فَأُنْسِيتُهُ إِلَى اليَمَنِ، فَمَرَّ بكَيْخَارَان، فسَمِعَ مِنْهُ عَطَاءُ حَدِيْثَيْنِ.
فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَأَنَّكَ شَهِدْتَ القَوْمَ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُومسِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ خميرويه، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: أَحفَظُ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ، وَأَحفَظُ مَائَتَي أَلفِ حَدِيْثٍ غَيْرِ صَحِيْحٍ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الكَلْواذَانِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ يَأْخُذُ الكِتَابَ مِنَ العُلَمَاءِ، فيطَّلِعُ عَلَيْهِ اطِّلاعَةً، فيحْفَظُ عَامَّةَ أَطرَافِ الأَحَادِيْثِ بِمَرَّةٍ.قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقَ يَقُوْلُ فِي الزِّيَادَاتِ المذيَّلَةِ عَلَى شمَائِلِ أَبِي عَبْدِ اللهِ - قُلْتُ: وَلَيْسَتْ هِيَ دَاخلَةً فِي رِوَايَةِ ابْنِ خَلَفٍ الشِّيرَازيِّ - قَالَ:
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: مَا جلَسْتُ لِلْحَدِيْثِ حَتَّى عرفْتُ الصَّحِيْحَ مِنَ السَّقيمِ، وَحَتَّى نظرتُ فِي عَامَّةِ كُتُبِ الرَّأْي، وَحَتَّى دَخَلْتُ البَصْرَةَ خَمْسَ مَرَّاتٍ أَوْ نحوهَا، فَمَا تركتُ بِهَا حَدِيْثاً صَحِيْحاً إِلاَّ كَتَبْتُهُ، إِلاَّ مَا لَمْ يَظهر لِي.
وَقَالَ غُنْجَارٌ فِي (تَارِيْخِهِ) : حَدَّثَنَا أَبُو عمْروٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ يُوْسُفَ البِيْكَنْدِيُّ، سَمِعْتُ عَليَّ بنَ الحُسَيْنِ بنِ عَاصِمٍ البِيْكَنْدِيَّ يَقُوْلُ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: فَاجْتَمَعنَا عِنْدَهُ.
فَقَالَ بَعْضنَا: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى سَبْعِيْنَ أَلفِ حَدِيْثٍ مِنْ كِتَابِي.
فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: أَو تَعْجَبُ مِنْ هَذَا؟! لَعَلَّ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى مئتَي أَلفِ حَدِيْثٍ مِنْ كِتَابِهِ.
وَإِنَّمَا عَنَى بِهِ نَفْسَهُ.
ذِكْرُ ثَنَاءِ الأَئِمَّةِ عَلَيْهِ
قَالَ أَبوجعفرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِي يَقُوْلُ:
كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ: كُلَّمَا دَخَلَ عليَّ هَذَا الصَّبِيُّ تحيَّرْتُ، وَألبسَ عليَّ أَمر الحَدِيْثِ وَغَيْرِهِ، وَلاَ أَزَالُ خَائِفاً مَا لَمْ يَخْرُجْ.قَالَ أَبُو جعفرٍ: سَمِعْتُ أَبَا عُمُرَ سُلَيمُ بنُ مُجَاهِدٍ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيِّ، فَقَالَ: لَوْ جِئْتَ قَبْلُ لرَأَيْتَ صَبِيّاً يَحْفَظُ سَبْعِيْنَ أَلفِ حَدِيْثٍ.
قَالَ: فَخَرَجتُ فِي طَلَبِهِ حَتَّى لَحِقْتُهُ.
قَالَ: أَنْتَ الَّذِي يَقُوْلُ: إِنِّي أَحْفَظُ سَبْعِيْنَ أَلفَ حَدِيْثٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَأَكْثَر، وَلاَ أَجيئُكَ بِحَدِيْثٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ إِلاَّ عَرَّفْتُكَ مولِدَ أَكْثَرِهِم وَوَفَاتَهُم وَمسَاكنِهِم، وَلَسْتُ أَروِي حَدِيْثاً مِنْ حَدِيْثِ الصَّحَابَةِ أَوِ التَّابِعِيْنَ إِلاَّ وَلِي مِنْ ذَلِكَ أَصْلٌ أَحْفَظُهُ حِفْظاً عَنْ كِتَابِ اللهِ، وَسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي: إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ البُخَارِيَّ صَارَ إِلَى أَبِي إِسْحَاقَ السُّرْمَارِيِّ عَائِداً، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى فَقِيْهٍ بحقِّهِ وَصدقِهِ، فلينظُرْ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ وَأَجْلَسَهُ عَلَى حِجْرِهِ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَالَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِي: كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ
سَلاَمٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ حِيْنَ قَدِمَ مِنَ العِرَاقِ، فَأَخبرَهُ بِمِحْنَةِ النَّاسِ، وَمَا صنعَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الأُمُورِ.فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَم لِمَنْ حضَرَهُ: أَترُوْنَ البِكْرَ أَشَدَّ حيَاءً مِنْ هَذَا؟
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: لَوْ قَدرْتُ أَنْ أَزيدَ فِي عُمُرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ مِنْ عُمُرِي لفعلْتُ، فَإِنَّ مَوْتِي يَكُوْنُ مَوْتَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَموتُهُ ذهَابُ العِلْمِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى بنَ جَعْفَرٍ - وَهُوَ البِيْكَنْدِيُّ - يَقُوْلُ لمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ: لَوْلاَ أَنْتَ مَا اسْتطبتُ العيشَ بِبُخَارَى.
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي رَجَاء، هُوَ قُتَيْبَةُ، فسُئِلَ عَنْ طلاَقِ السَّكرَانِ، فَقَالَ: هَذَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ المَدِيْنِيِّ وَابْنُ رَاهْوَيْه قَدْ سَاقهُمُ اللهُ إِلَيْكَ، وَأَشَارَ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَكَانَ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَغْلُوْبَ العقلِ حَتَّى لاَ يَذْكُرُ مَا يُحدثُ فِي سُكْرِهِ، أَنَّهُ لاَ يجوزُ عليهِ مِنْ أَمرِهِ شَيْءٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ سَعِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: لَمَّا مَاتَ أَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ ركبَ مُحَمَّدٌ وَإِسْحَاقُ يُشَيِّعَانِ جِنَازَتَهُ.
فكُنْتُ أَسْمَعُ أَهْلَ المَعْرِفَةِ بِنَيْسَابُوْرَ يَنْظُرُونَ، وَيَقُوْلُوْنَ: مُحَمَّدٌ أَفْقَهُ مِنْ إِسْحَاقَ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ حَفْصٍ الأَشْقَرَ، سَمِعْتُ عبدَانَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ بعينِي شَابّاً أَبصرَ مِنْ هَذَا، وَأَشَار بِيَدِهِ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.وَقَالَ: سَمِعْتُ صَالِحَ بنَ مِسْمَارٍ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ فَقِيْهُ هَذِهِ الأُمَّةِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ خَالِدٍ المَرْوَزِيَّ، يَقُوْلُ: قَالَ مُسَدَّدٌ: لاَ تختَارُوا عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، يَا أَهْلَ خُرَاسَان.
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُوْسَى بنَ قُرَيْش يَقُوْلُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ لِلْبُخَارِيِّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، انظُرْ فِي كُتُبِي، وَأَخْبِرْنِي بِمَا فِيْهِ مِنَ السَّقْطِ.
قَالَ: نَعَمْ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: كُنْتُ إِذَا دَخَلْتُ عَلَى سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ يَقُوْلُ: بَيِّنْ لَنَا غَلَطَ شُعْبَةَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: اجْتَمَعَ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَسَأَلونِي أَنْ أُكلِّمَ إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي أُوَيْسٍ ليزيدَهُم فِي القِرَاءةِ، فَفَعَلْتُ، فَدَعَا إِسْمَاعِيْلُ الجَارِيَةَ، وَأَمرَهَا أَنْ تُخْرجَ صرَّةَ دَنَانِيْرٍ، وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فرِّقْهَا عَلَيْهِم.
قُلْتُ: إِنَّمَا أَرَادُوا الحَدِيْثَ.
قَالَ: قَدْ أَجَبْتُكَ إِلَى مَا طلبْتَ مِنَ الزِّيَادَةِ، غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ أَنْ يُضَمَّ هَذَا إِلَى ذَاكَ ليَظْهَرَ أَثركَ فِيْهِم.
وَقَالَ: حَدَّثَنِي حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ عَلَى سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ نظرَ إِلَيْهِ سُلَيْمَانُ، فَقَالَ: هَذَا يَكُوْنُ لَهُ يَوْماً صوتٌ.وَقَالَ خَلَفٌ الخَيَّامُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ السَّلاَمِ: قَالَ: ذَكَرْنَا قَوْلَ البُخَارِيِّ لِعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ -يَعْنِي: مَا اسْتصغرتُ نَفْسِي إِلاَّ بَيْنَ يَدِي عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ- فَقَالَ عَلِيٌّ: دعُوا هَذَا، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ لَمْ يَرَ مِثْلَ نَفْسِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: ذَاكرنِي أَصْحَابُ عَمْرِو بنِ عَلِيٍّ الفَلاَّسِ بِحَدِيْثٍ، فَقُلْتُ: لاَ أَعْرِفُهُ، فَسُرُّوا بِذَلِكَ، وَصَارُوا إِلَى عَمْرٍو، فَأَخبروهُ.
فَقَالَ: حَدِيْثٌ لاَ يَعْرِفُهُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ لَيْسَ بِحَدِيْثٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي أَبُو مُصْعَبِ الزُّهْرِيُّ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَفقَهُ عِنْدنَا وَأَبصرُ بِالحَدِيْثِ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
فَقِيْلَ لَهُ: جَاوزتَ الحدَّ.
فَقَالَ لِلرَّجُلِ: لَوْ أَدْرَكْتَ مَالِكاً، وَنظرتَ إِلَى وَجْهِهِ وَوجهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، لقُلْتَ: كِلاَهُمَا وَاحِدٌ فِي الفِقْهِ وَالحَدِيْثِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: اكتُبُوا عَنْ هَذَا الشَّابِّ -يَعْنِي: البُخَارِيّ- فَلَو كَانَ فِي زَمَنِ الحَسَنِ لاحْتَاجَ إِلَيْهِ النَّاسُ لمَعْرِفَتِهِ بِالحَدِيْثِ وَفقهِهِ.قَالَ: وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ حُجْرٍ يَقُوْلُ: أَخرجَتْ خُرَاسَانُ ثَلاَثَةً: أَبُو زُرْعَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيَّ، وَمُحَمَّدُ عِنْدِي أَبصرُهُم وَأَعْلَمُهُم وَأَفْقَهُهُم
قَالَ: وَأَوردتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ حُجْرٍ كِتَابَ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَلَمَّا قَرَأَهُ قَالَ: كَيْفَ خَلَّفْتَ ذَلِكَ الكبْش؟
فَقُلْتُ: بِخَيْرٍ.
فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ مِثْلَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ الضَّوْءِ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ يَقُوْلاَنِ: مَا رأَينَا مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حنيلٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَا أَخرجتْ خُرَاسَانُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: سَمِعْتُ بُنْدَاراً مُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ يَقُوْلُ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: كُنْتُ بِالبَصْرَةِ، فَسَمِعْتُ قُدُومَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ بُنْدَارٌ: اليَوْمَ دَخَلَ سَيِّدُ الفُقَهَاءِ.وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ: إِنَّ ثوبِي لاَ يَمَسُّ جلدِي مَثَلاً، مَا لَمْ ترجعْ إِلَيَّ، أَخَافُ أَنْ تجدَ فِي حَدِيْثِي شَيْئاً يُسَقِّمُنِي.
فَإِذَا رجعت فَنَظَرت فِي حَدِيْثِي طَابتْ نَفْسِي، وَأَمِنْتُ مِمَّا أَخَافُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ خَالِدٍ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَبَا عَمَّارٍ الحُسَيْنَ بنَ حُرَيْثٍ يُثْنِي عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ البُخَارِيِّ، وَيَقُوْلُ: لاَ أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْتُ مِثْلَهُ، كَأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ إِلاَّ لِلْحَدِيْثِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ مَحْمُوْدَ بنَ النَّضْرِ أَبَا سهلٍ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ البَصْرَةَ وَالشَّامَ وَالحِجَازَ وَالكُوْفَةَ، وَرأَيتُ علمَاءهَا، كُلَّمَا جرَى ذكرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فَضَّلُوهُ عَلَى أَنفُسِهِم.
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: لَمَّا دَخَلْتُ البَصْرَةَ صِرتُ إِلَى بُنْدَارٍ، فَقَالَ لِي: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ خُرَاسَانَ.
قَالَ: مِنْ أَيُّهَا؟
قُلْتُ: مِنْ بُخَارَى.
قَالَ: تَعْرِفُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ؟
قُلْتُ: أَنَا مِنْ قَرَابَتِهِ.
فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْفَعُنِي فَوْقَ النَّاسِ.
قَالَ مُحَمَّدُ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: لَمَّا دَخَلْتُ البَصْرَةَ صِرتُ إِلَى مَجْلِسِ بُنْدَارٍ، فَلَمَّا وَقَعَ بصرُهُ عليَّ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ الفَتَى؟قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ بُخَارَى.
فَقَالَ لِي: كَيْفَ تركتَ أَبَا عَبْدِ اللهِ؟
فَأَمسكتُ، فَقَالُوا لَهُ: يرحمُكَ اللهُ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، فَقَامَ، وَأَخَذَ بِيَدِي، وَعَانقَنِي، وَقَالَ: مَرْحَباً بِمَنْ أَفتخِرُ بِهِ مُنْذُ سِنِيْنَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ يَقُوْلُ: لَمْ يَدْخُلْ البَصْرَةَ رَجُلٌ أَعْلَمُ بِالحَدِيْثِ مِنْ أَخينَا أَبِي عَبْدِ اللهِ.
قَالَ: فَلَمَّا أَرَادَ الخُرُوجَ وَدَّعَهُ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ موعِدُنَا الحَشْرُ أَنْ لاَ نلتقِي بَعْدُ.
وَقَالَ أَبُو قُرَيْشٍ مُحَمَّدُ بنُ جمعَةَ الحَافِظُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ يَقُوْلُ: حفَاظُ الدُّنْيَا أَرْبَعَةٌ: أَبُو زُرْعَةَ بِالرَّيِّ، وَالدَّارِمِيُّ بِسَمَرْقَنْدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بِبُخَارَى، وَمُسْلِمٌ بِنَيْسَابُوْرَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ الأَشْعَثِ البِيْكَنْدِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: انْتَهَى الحِفْظُ إِلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَان: أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْديِّ، وَالحَسَنِ بنِ شُجَاعٍ البَلْخِيِّ.
قَالَ ابْنُ الأَشْعَثِ: فحكيتُ هَذَا لِمُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ البَلْخِيِّ، فَأَطرَى ذكرَ ابْنِ شُجَاعٍ.
فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ لَمْ يَشْتَهرْ؟
قَالَ: لأَنَّهُ لَمْ يُمَتَّعْ بِالعُمُرِ.
قُلْتُ: هَذَا ابْنُ شُجَاعٍ رحلَ وَسَمِعَ: مَكِّيَّ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَأَبَا مُسْهِرٍ.وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ نَصْرُ بنُ زَكَرِيَّا المَرْوَزِيُّ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: شَبَابُ خُرَاسَان أَرْبَعَةٌ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي: الدَّارِمِيّ- وَزَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى اللُّؤْلُؤِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ جَعْفَراً الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُنيرٍ يَقُوْلُ: أَنَا مِنْ تلاَمِيذِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَهُوَ مُعَلِّمِي وَرَأَيْتُهُ يَكْتُبُ عَنْ مُحَمَّدٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا حَاشِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ، سَمِعْتُ يَعْقُوْبَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيَّ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ فَقِيْهُ هَذِهِ الأُمَّةِ.
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ المُسْنِديِّ قَالَ: حُفَّاظُ زَمَانِنَا ثَلاَثَةٌ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَحَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَيَحْيَى بنُ سَهْلٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرَبْرِيُّ قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنِيْر -رَحِمَهُ اللهُ- إِلَى بُخَارَى فِي حَاجَةٍ لَهُ.
فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ لَهُ ابْنُ مُنِيْرٍ: لقيتَ أَبَا عَبْدِ اللهِ؟
قَالَ: لاَ.
فطردَهُ، وَقَالَ: مَا فيكَ بَعْدَ هَذَا خَيْرٌ، إِذْ قدِمْتَ بُخَارَى وَلَمْ تَصِرْ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ يَقُوْلُ: حضَرتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ، فَرَأَيْتُ رَجُلاً يَقُوْلُ فِي مَجْلِسِهِ: نَاظرَ أَبُو بَكْرٍ أَبَا عَبْدِ اللهِ فِي أَحَادِيْثِ سُفْيَانَ، فَعَرفَ كُلَّهَا، ثُمَّ أَقبلَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ، فَأَغربَ عَلَيْهِ مَائَتَي حَدِيْثٍ.فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُوْلُ: ذَاكَ الفَتَى البَازِلُ - وَالبَازلُ الجملُ المُسِنُّ - إِلاَّ أَنَّهُ يُرِيْدُ هَا هُنَا البصيرُ بِالعِلْمِ، الشجَاعُ.
وَسَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ يَقُوْلُ: إِنَّ الرُّتُوتَ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ مِثْلَ: سَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَنُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، وَالحُمَيْدِيِّ، وَحَجَّاجِ بنِ مِنْهَالٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَالعَدَنِيِّ، وَالحَسَنِ الخلاَلِ بِمَكَّةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَيْمُوْنٍ صَاحِبِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ العَلاَءِ، وَالأَشَجِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ المُنْذِرِ الحِزَامِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى الفَرَّاءِ، كَانُوا يهَابُوْنَ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، وَيَقْضُونَ لَهُ عَلَى أَنفُسِهِم فِي المَعْرِفَةِ وَالنَّظَرِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنِي حَاتِمُ بنُ مَالِكٍ الوَرَّاقُ؟ قَالَ: سَمِعْتُ عُلَمَاءَ مَكَّةَ يَقُوْلُوْنَ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِمَامُنَا وَفَقِيْهُنَا وَفَقِيْهُ خُرَاسَانَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبِي -رَحِمَهُ اللهُ- يَقُوْلُ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَخْتَلِفُ إِلَى أَبِي حَفْصٍ أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ البُخَارِيِّ وَهُوَ صَغِيْرٌ، فَسَمِعْتُ أَبَا
حَفْصٍ يَقُوْلُ:هَذَا شَابٌّ كَيِّسٌ، أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ لَهُ صِيتٌ وَذِكْرٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا سهلٍ محموداً الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِيْنَ عَالِماً مِنْ عُلَمَاءِ مِصْرَ، يَقُوْلُوْنَ: حَاجَتُنَا مِنَ الدُّنْيَا النَّظَرُ فِي (تَارِيْخِ) مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بنُ يُوْنُسَ، قَالَ: سُئِلَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي: الدَّارِمِيّ- عَنْ حَدِيْثِ سَالِمِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ، فَقَالَ: كتبنَاهُ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدٌ يَقُوْلُ: سَالِمٌ ضَعِيْفٌ.
فَقِيْلَ لَهُ: مَا تَقُوْلُ أَنْتَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ أَبْصَرُ مِنِّي.
قَالَ: وَسُئِلَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَدِيْثِ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ: (لاَ يَكْذِبُ الكَاذِبُ إِلاَّ مِنْ مَهَانَةِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ ) .
وَقِيْلَ لَهُ: مُحَمَّدٌ يزعُمُ أَنَّ هَذَا صَحِيْحٌ، فَقَالَ: مُحَمَّدٌ أَبصرُ مِنِّي، لأَنَّ همَّهُ النَّظَرُ فِي الحَدِيْثِ، وَأَنَا مَشْغُوْلٌ مريضٌ، ثُمَّ قَالَ: مُحَمَّدٌ أَكْيَسُ خلقِ اللهِ، إِنَّهُ عَقَلَ عَنِ اللهِ مَا أَمرَهُ بِهِ، وَنَهَى عَنْهُ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ، إِذَا قَرَأَ مُحَمِّدٌ القُرْآنَ، شَغَلَ قَلْبَهُ وَبصرَهُ وَسَمْعَهُ، وَتَفَكَّرَ فِي أَمْثَالِهِ، وَعرفَ حلاَلَهُ وَحرَامَهُ.
وَقَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ سُلَيْمَانُ بنُ مُجَالدٍ: إِنِّي سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْديًّ عَنْ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَعْلَمُنَا وَأَفْقَهُنَا
وَأَغْوَصُنَا، وَأَكْثَرُنَا طلباً.وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ المُؤَدِّبَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ يُشْبِهُ طلبُ مُحَمَّدٍ لِلْحَدِيْثِ طلبَنَا، كَانَ إِذَا نظَرَ فِي حَدِيْثِ رَجُلٍ أَنْزَفَهُ.
وَقَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ وَرَّاقُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَأَلَنِي عَبْدُ اللهِ عَنْ كِتَابِ (الأَدبِ) مِنْ تَصْنِيْفِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ: احمِلْهُ لأَنْظُرَ فِيْهِ، فَأَخَذَ الكِتَابَ مِنِّي، وَحَبَسَهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا أَخذتُ مِنْهُ، قُلْتُ: هَلْ رَأَيْتَ فِيْهِ حَشْواً، أَوْ حَدِيْثاً ضَعِيْفاً؟
فَقَالَ ابْنُ إِسْمَاعِيْلَ: لاَ يَقْرَأُ عَلَى النَّاسِ إِلاَّ الحَدِيْثَ الصَّحِيْحَ، وَهَلْ يُنْكَرُ عَلَى مُحَمَّدٍ؟!
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطَّيِّبِ حَاتِمَ بنَ مَنْصُوْرٍ الكِسِّيَّ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ فِي بصرِهِ وَنفَاذِهِ مِنَ العِلْمِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو المستنيرَ بنَ عَتِيْقٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَجَاءَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: فَضْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ عَلَى العُلَمَاءِ كفضلِ الرِّجَالِ عَل?ى النِّسَاءِ.
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، كُلُّ ذَلِكَ بِمَرَّةٍ؟!
فَقَالَ: هُوَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ يَمْشِي عَلَى ظَهرِ الأَرْضِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: سَأَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَبَا رَجَاءَ
البَغْلاَنِيَّ -يَعْنِي: قُتَيْبَة- إِخْرَاجَ أَحَادِيْثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ،فَقَالَ: مُنْذُ كَتَبْتُهَا مَا عرضتُهَا عَلَى أَحَدٍ، فَإِنِ احتسبتَ وَنظرتَ فِيْهَا، وَعلَّمتَ عَلَى الخطأِ مِنْهَا فعلتُ، وَإِلاَّ لَمْ أُحَدِّثْ بِهَا، لأَنِّي لاَ آمَنُ أَنْ يَكُوْنَ فِيْهَا بَعْضُ الخطأِ، وَذَلِكَ أَنَّ الزِّحَامَ كَانَ كَثِيْراً، وَكَانَ النَّاسُ يُعَارِضونَ كُتُبَهُم، فيُصحِّحُ بَعْضُهُم مِنْ بَعْضٍ، وَتركتُ كِتَابِي كَمَا هُوَ، فَسُرَّ البُخَارِيُّ بِذَلِكَ، وَقَالَ: وُفِّقْتَ.
ثُمَّ أَخذَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ صَلاَةَ الغدَاةِ، فينظُرُ فِيْهِ إِلَى وَقْتِ خُرُوْجِهِ إِلَى المَجْلِسِ، وَيُعَلِّم عَلَى الخطأِ مِنْهُ.
فَسَمِعْتُ البُخَارِيَّ رَدَّ عَلَى أَبِي رَجَاء يَوْماً حَدِيْثاً.
فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَذَا مِمَّا كَتَبَ عَنِّي أَهْلُ بَغْدَادَ، وَعَلَيْهِ علاَمَةُ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَلاَ أَقدِرُ أُغَيِّرُهُ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: إِنَّمَا كتبَ أُوْلَئِكَ عَنْكَ لأَنَّكَ كُنْتَ مُجْتَازاً، وَأَنَا قَدْ كَتَبْتُ هَذَا عَنْ عِدَّةٍ عَلَى مَا أَقُوْلُ لَكَ، كَتَبْتُهُ عَنْ يَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ، وَابْنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَكَاتِبِ اللَّيْثِ عَنِ اللَّيْثِ، فَرَجَعَ أَبُو رَجَاءَ، وَفَهِمَ قَوْلَهُ، وَخضَعَ لَهُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: كَانَ زَكَرِيَّا اللُّؤْلُؤِيُّ وَالحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ ببلخَ يمشيَانِ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ إِلَى المَشَايِخِ إِجْلاَلاً لَهُ وَإِكرَاماً.
قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه جَالِساً عَلَى السَّرِيْرِ، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ مَعَهُ وَإِسْحَاقُ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَتَّى مرَّ عَلَى حَدِيْثٍ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ.
ثُمَّ رَأَيْتُ عَمْرَو بنَ زُرَارَةَ وَمُحَمَّدَ بنَ رَافِعٍ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ يَسْأَلاَنِهِ عَنْ عِلَلِ الحَدِيْثِ، فَلَمَّا قَامَا قَالاَ لِمَنْ حَضَرَ: لاَ تُخْدَعُوا عَن أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَإِنَّهُ أَفْقَهُ مِنَّا وَأَعْلَمُ وَأَبصرُ.قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ إِسْحَاقَ وَعَمْرُو بنُ زُرَارَةَ ثَمَّ، وَهُوَ يَسْتَملِي عَلَى البُخَارِيِّ، وَأَصْحَابُ الحَدِيْثِ يَكْتُبُوْنَ عَنْهُ، وَإِسْحَاقُ يَقُوْلُ: هُوَ أَبصرُ مِنِّي.
وَكَانَ مُحَمَّدٌ يَوْمَئِذٍ شَابّاً.
وَقَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ قَالَ: كُنَّا مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ بَشَّارٍ، فَسَأَلَهُ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ عَنْ حَدِيْثٍ، فَأَجَابَهُ، فَقَالَ: هَذَا أَفقَهُ خلقِ اللهِ فِي زَمَانِنَا.
وَأَشَارَ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ يَقُوْلُ: لَوْ أَنَّ وَكِيْعاً وَابْنَ عُيَيْنَةَ وَابْنَ المُبَارَكِ كَانُوا فِي الأَحيَاءِ لاحْتَاجُوا إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ: انْظُرْ فِي كُتُبِي وَمَا أَملِكُهُ لَكَ، وَأَنَا شَاكرٌ لَكَ مَا دمتُ حيّاً.
وَقَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَمْرٍو الكَرْمَانِيُّ: سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيَّ يَقُوْلُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ صَدِيْقِي، ليسَ بِخُرَاسَانَ مِثْلَهُ.
فحكيتُ لمهيَارٍ بِالبَصْرَةِ عَنْ قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: رُحِلَ إِلَيَّ مِنْ شرقِ الأَرْضِ وَغربِهَا، فَمَا رحلَ إِلَيَّ مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ مهيَارٌ: صَدَقَ.
أَنَا رَأَيْتُهُ مَعَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَهُمَا يَخْتَلِفَانِ جَمِيْعاً إِلَى
مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَرَأَيْتُ يَحْيَى ينقَادُ لَهُ فِي المَعْرِفَةِ.وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ الأَشَجَّ، وَخَرَجَ إِلَيْنَا فِي غدَاةٍ بَارِدَةٍ، وَهُوَ يرتعدُ مِنَ البَرْدِ، فَقَالَ: أَيَكُوْنُ عندَكُم مِثْلُ ذَا البَرْدِ؟
فَقُلْتُ: مِثْلُ ذَا يَكُوْنُ فِي الخريفِ وَالرَّبِيْعِ، وَرُبَّمَا نُمسِي وَالنَّهْرُ جَارٍ، فنصبحُ وَنَحتَاجُ إِلَى الفَأَسِ فِي نَقْبِ الجَمَدِ.
فَقَالَ لِي: مِنْ أَيِّ خُرَاسَان أَنْتَ؟
قُلْتُ: مِنْ بُخَارَى.
فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: هُوَ مِنْ وَطَنِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ لَهُ: إِذَا قَدِمَ عَلَيْك مَنْ يُتوسَّلُ بِهِ فَاعرفْ لَهُ حقَّهُ، فَإِنَّهُ إِمَامٌ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ ثَابِتٍ الشَّاشِيَّ، سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي أُوَيْسٍ يَقُوْلُ: مَا أَخذَ عَنِّي أَحَدٌ مَا أَخذَ عَنِّي مُحَمَّدٌ، نظرَ إِلَى كُتُبِي، فرآهَا دَارسَةً، فَقَالَ لِي: أَتَأْذنُ لِي أَنْ أُجدِّدَهَا؟
فَقُلْتُ: نَعَمْ.
فَاسْتَخرجَ عَامَّةَ حَدِيْثِي بِهَذِهِ العِلَّةِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ حُجْرٍ سَاعَةَ وَدَّعَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: قُلْ فِي أَدبِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا شِئْتَ، وَقُلْ فِي علمِ مُحَمَّدٍ مَا شِئْتَ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ اللَّيْثِ يَقُوْلُ: وذُكِرَ عِنْدَه عَبْدُ اللهِ وَمُحَمَّدٌ، فسَمِعَ بَعْضَ الجَمَاعَةِ يُفضِّلُ عَبْدَ اللهِ عَلَى مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: إِذَا قَدمتوهُ فَقَدِّمُوهُ فِي الشِّعْرِ وَالعَرَبِيَّةِ، وَلاَ تقدّمُوهُ عَلَيْهِ فِي العِلْمِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَدُسُّ إِلَيَّ أَحَادِيْثَ مِنْ أَحَادِيْثِهِ المُشْكِلَةِ عَلَيْهِ، يَسْأَلُنِي أَنْ أَعرِضَهَا عَلَى مُحَمَّدٍ، وَكَانَ يَشتهِي أَنْ لاَ يَعْلَمَ مُحَمَّدٌ، فَكُنْتُ إِذَا عَرضْتُ عَلَيْهِ شَيْئاً يَقُوْلُ: مِنْ ثَمَّ جَاءتْ؟
وَعَنْ قُتَيْبَةَ قَالَ: لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ فِي الصَّحَابَةِ لكَانَ آيَةً.وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الهَمَذَانِيُّ: كُنَّا عِنْدَ قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ شَعْرَانِيٌّ يُقَالُ لَهُ: أَبُو يَعْقُوْبَ، فَسَأَلَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فنكسَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رفعَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: يَا هَؤُلاَءِ، نظرْتُ فِي الحَدِيْثِ، وَنظرتُ فِي الرَّأْيِ، وَجَالَسْتُ الفُقَهَاءَ وَالزُّهَادَ وَالعُبَّادَ، مَا رَأَيْتُ مُنْذُ عقلْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسمَاعيلَ.
وَقَالَ حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ يَقُوْلُ: مَثَلُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ عِنْدَ الصَّحَابَةِ فِي صدقِهِ وَوَرَعِهِ كَمَا كَانَ عُمَرُ فِي الصَّحَابَةِ.
وَقَالَ حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: لَمْ يجئْنَا مِنْ خُرَاسَانَ مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وروينَا عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ قَالَ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَعْلَمُ مَنْ دَخَلَ العِرَاقَ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ إِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ، سَمِعَ بِبُخَارَى هَارُوْنَ بنَ الأَشْعَثِ، وَمُحَمَّدَ بنَ سَلاَمٍ، وَسَمَّى خَلْقاً مِنْ شُيُوْخِهِ.
ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطَّيِّبِ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ المُذَكِّرَ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ تَحْتَ أَديمِ السَّمَاءِ أَعْلَمَ بِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَحْفَظَ لَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
ثُمَّ قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ بَيْنَ يَدِي البُخَارِيِّ يَسْأَلُهُ سُؤَالَ الصَّبِيِّ.ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ أَحْمَدَ الشَّيْبَانِيَّ المُعَدَّلَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حمدُوْنَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ فِي جِنَازَةِ سَعِيْدِ بنِ مَرْوَانَ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ يَسْأَلُهُ عَنِ الأَسَامِي وَالكُنَى وَالعِلَلِ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَمُرُّ فِيْهِ مِثْلَ السَّهمِ، كَأَنَّهُ يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الإِخلاَص:1] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ المُطوّعِيّ بِبُخَارَى، حَدَّثَنَا مُسَبِّحُ بنُ سَعِيْدٍ البُخَارِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْديَّ يَقُوْلُ: قَدْ رَأَيْتُ العُلَمَاءَ بِالحِجَازِ وَالعِرَاقَينِ، فَمَا رَأَيْتُ فِيْهِم أَجمعَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ حمدُوْن بنِ رُسْتُمَ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ، وَجَاءَ إِلَى البُخَارِيِّ فَقَالَ: دَعْنِي أُقَبِّلْ رجليكَ يَا أُسْتَاذَ الأُسْتَاذِين، وَسَيِّدَ المُحَدِّثِيْنَ، وَطبيبَ الحَدِيْثِ فِي عِلَلِهِ.
وَقَالَ أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ: لَمْ أَرَ بِالعِرَاقِ وَلاَ بِخُرَاسَانَ فِي مَعْنَى العِلَلِ وَالتَّارِيْخِ وَمَعْرِفَةِ الأَسَانِيْدِ أَعْلَمَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنِيْرٍ، فَلَمَّا قَامَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، جَعَلَكَ اللهُ زَيْنَ هَذِهِ الأُمَّةِ.قَالَ التِّرْمِذِيُّ: اسْتُجِيْبَ لَهُ فِيْهِ.
قُلْتُ: ابْنُ مُنِيْرٍ مِنْ كِبَارِ الزُّهَّادِ، قَالَ.... قِيْلَ: إِنَّ البُخَارِيَّ لَمَّا قَدِمَ مِنَ العِرَاقِ، قَدْمَتَهُ الآخِرَة، وَتلقَّاهُ النَّاسُ، وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ، وَبَالغُوا فِي بِرِّهِ.
قِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: كَيْفَ لَوْ رَأَيْتُم يَوْمَ دُخُوْلِنَا البَصْرَةَ ؟
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَة: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَجْلِسُ بِبَغْدَادَ، وَكُنْتُ أَستملِي لَهُ، وَيجتمعُ فِي مَجْلِسِهِ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِيْنَ أَلْفاً.
وَقَالَ عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ خَلَفٍ النَّسَفِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَلِيٍّ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الدَّارِمِيِّ وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ وَأَبِي زُرْعَةَ، فقَالَ: أَعْلَمُهُم بالحَدِيْثِ مُحَمِّدٌ، وأَحْفَظُهُم أَبُو زُرْعَةَ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ زبركٍ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِدْرِيْسَ الرَّازِيَّ يَقُوْلُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ: يقدَمُ عَلَيْكُم رَجُلٌ مِنْ خُرَاسَانَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا أَحْفَظُ مِنْهُ، وَلاَ قَدِمَ العِرَاقَ أَعْلَمُ مِنْهُ.
فَقَدمَ عَلَيْنَا البُخَارِيَّ.
وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ حَاتِمُ بنُ مُحَمَّدٍ: قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ الحَافِظُ: لَوْ أَنَّ أَهْلَ الإِسْلاَمِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يُنَصِّبُوا آخَرَ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ.وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفَقِيْهُ الدَّغُوْلِيُّ: كتبَ أَهْلُ بَغْدَادَ إِلَى البُخَارِيِّ:
المُسْلِمُوْنَ بِخَيْرٍ مَا بَقِيْتَ لَهُم ... وَلَيْسَ بَعْدَكَ خَيْرٌ حِيْنَ تُفْتَقَدُ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: سُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، فَقَالَ: تَرَكَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ.
وَسُئِلَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ، فَقَالَ: تركَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ.
فَذُكِرَ ذَلِكَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: بِرُّهُ لَنَا قَدِيْمٌ.
قَالَ الخَطِيْبُ: وَسُئِلَ العَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ الرَّازِيُّ الصَّائِغُ: أيُّهُمَا أَفْضَلُ، أَبُو زُرْعَةَ أَوْ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ؟
فَقَالَ: التقيتُ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بَيْنَ حُلْوَانَ وَبَغْدَادَ، فَرَجَعتُ مَعَهُ مَرحلَةً، وَجَهِدْتُ أَنْ أَجِيءَ بِحَدِيْثٍ لاَ يَعْرِفُهُ، فَمَا أَمكنَنِي، وَأَنَا أُغْرِبُ عَلَى أَبِي زُرْعَةَ عَدَدَ شَعْرِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ فِي (تَارِيْخِهِ) : مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الجُعْفِيُّ طَلَبَ العِلْمَ، وَجَالَسَ النَّاسَ، وَرَحَلَ فِي الحَدِيْثِ، وَمَهَرَ فِيهِ وَأَبْصَرَ،
وَكَانَ حَسَنَ المَعْرِفَةِ، وَالحِفْظِ، وَكَانَ يتفقَّهُ.قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: رَأَيْتُ أَبِي يُطْنِبُ فِي مدحِ أَحمدَ بنِ سَيَّارٍ، وَيذكرُه بِالعِلْمِ وَالفِقْه.
وَذكر عَمَرُ بنُ حَفْصٍ الأَشْقَرُ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَجَاءُ بنُ مُرَجَّى بُخَارَى يُرِيْد الخُرُوجَ إِلَى الشَّاشِ، نَزَلَ الرّباطَ، وَسَارَ إِلَيْهِ مَشَايِخنَا، وَسِرْتُ فِيْمَنْ سَارَ إِلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَأَخبرتُهُ بسَلاَمَتِهِ، وَقُلْتُ: لَعَلَّهُ يَجِيْئُكَ السَّاعَةَ، فَأَملَى عَلَيْنَا، وَانقضَى المَجْلِسُ، وَلَمْ يَجِئْ.
فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّانِي لَمْ يَجِئْهُ.
فَلَمَّا كَانَ اليَوْم الثَّالِث قَالَ رَجَاءُ: إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ لَمْ يَرَنَا أَهْلاً لِلزِّيَارَةِ، فمُرُّوا بِنَا إِلَيْهِ نقضِ حقَّهُ، فَإِنِّي عَلَى الخُرُوجِ - وَكَانَ كَالمُتَرَغّمِ عَلَيْهِ - فَجِئْنَا بجمَاعتِنَا إِلَيْهِ، فَقَالَ رَجَاءُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كُنْتُ بِالأَشواقِ إِلَيْكَ، وَأَشْتَهِي أَنْ تذكرَ شَيْئاً مِنَ الحَدِيْث، فَإِنِّي عَلَى الخُرُوج.
قَالَ: مَا شِئْتَ.
فَأَلقَى عَلَيْهِ رَجَاءُ شَيْئاً مِنْ حَدِيْثِ أَيُّوْبَ، وَأَبو عَبْدِ اللهِ يُجِيْبُ إِلَى أَنْ سكتَ رَجَاءُ عَنِ الإِلقَاءِ.
فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: ترَى بَقِيَ شَيْءٌ لَمْ نذكرْهُ، فَأَخَذَ مُحَمَّدٌ يُلْقِي، وَيَقُوْلُ رَجَاءُ: مَنْ رَوَى هَذَا؟ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ يَجِيْءُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَنْ أَلقَى قَرِيْباً مِنْ بِضْعَة عشر حَدِيْثاً.
وَتَغَيَّرَ رَجَاءُ تغيُّراً شَدِيْداً، وَحَانَتْ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ نظرَةٌ إِلَى وَجْهِهِ، فَعَرفَ التَّغَيُّرَ فِيْهِ، فَقطَعَ الحَدِيْثَ.
فَلَمَّا خَرَجَ رَجَاءُ قَالَ مُحَمَّدٌ: أَرَدْتُ أَنْ أَبلغَ بِهِ ضِعْفَ مَا أَلقَيْتُهُ، إِلاَّ أَنِّي خشيتُ أَنْ يدخُلَهُ شَيْءٌ، فَأَمسكتُ.
وَقَالَ خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ نَصْرٍ الخَفَّافَ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَعْلَمُ بِالحَدِيْثِ مِنْ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه وَأَحْمَدَ بنِ
حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمَا بِعِشْرِيْنَ دَرَجَةٍ؛ وَمَنْ قَالَ فِيْهِ شَيْئاً، فمنِّي عَلَيْهِ أَلفُ لعنَةٍ.ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التَّقيُّ النَّقيُّ العَالِمُ الَّذِي لَمْ أَرَ مِثْلَهُ.
وَرُوِيَ عَنِ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ المَعْرُوْفِ بعُبَيْدِ العِجْلِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَلَمْ يَكُنْ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ يبلغُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ.
وَرَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ وَأَبَا حَاتِمٍ يَسْتَمَعَانِ إِلَى مُحَمَّدٍ أَيَّ شَيْءٍ يَقُوْلُ، يجلسُونَ إِلَى جَنْبِهِ، فَذُكِرَ لعُبَيْدِ العِجْلِ قِصَّةُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، فَقَالَ: مَا لَهُ وَلِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ؟ كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ، وَكَانَ أَعْلَمَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بكذَا وَكَذَا، وَكَانَ دَيِّناً فَاضِلاً يُحْسِنُ كُلَّ شَيْءٍ.
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بنُ حمدُوْن القصَّارُ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ، وَجَاءَ إِلَى البُخَارِيِّ، فَقَبَّلَ بَيْنَ عينيهِ، وَقَالَ: دعنِي أُقَبِّلُ رِجْليكَ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثكَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بنُ يَزِيْدَ الحَرَّانِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنِ أَبيه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كَفَّارَةِ المَجْلِسِ، فَمَا عِلَّتُهُ؟
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ: هَذَا حَدِيْثٌ مَلِيْحٌ، وَلاَ أَعْلَمُ بِهَذَا الإِسْنَادِ فِي الدُّنْيَا حَدِيْثاً غَيْرَ هَذَا الحَدِيْثِ الوَاحِدِ فِي هَذَا البَابِ، إِلاَّ أَنَّهُ معلولٌ حَدَّثَنَا بِهِ مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ، عَنْ عَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ قَوْلَهُ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهَذَا أَوْلَى، فَإِنَّهُ لاَ يُذكَرُ لمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ سَمَاعٌ مِنْ سُهَيْلٍ.فَقَالَ لَهُ مُسْلِمٌ: لاَ يُبْغِضُكَ إِلاَّ حَاسِدٌ، وَأَشهدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِثْلُكَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ الأَخْرَمِ: سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: لَمَّا قَدِمَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ اسْتَقبَلَهُ أَرْبَعَةُ آلاَفِ رَجُلٍ رُكْبَاناً عَلَى الخيلِ، سِوَى مِنْ ركبَ بغلاً أَوْ حِمَاراً وَسوَى الرَّجَّالَةِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ: وَددْت أَنِّي شَعْرَةٌ فِي صَدْرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ وَآخَرَ يَقُوْلاَنِ: كَانَ أَهْلُ المَعْرِفَةِ بِالبَصْرَةِ يَعْدُونَ خَلْفَ البُخَارِيِّ فِي طلبِ الحَدِيْثِ، وَهُوَ شَابٌّ حَتَّى يغلِبُوهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُجْلِسُوهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيْقِ، فيجتمعُ عَلَيْهِ أَلوفٌ أَكْثَرُهُم مِمَّنْ يَكْتُبُ عَنْهُ.
قَالاَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عِنْدَ ذَلِكَ شَابّاً لَمْ يخرجْ وَجْهُهُ.
أَخبرنَي الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ المهدوِيُّ، سَمِعْتُ خَالِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ المَرْوَزِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا سهلٍ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ المَرْوَزِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا زيدٍ المَرْوَزِيَّ الفَقِيْهَ يَقُوْلُ: كُنْتُ نَائِماً بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمقَامِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لِي: يَا أَبَا زيدٍ، إِلَى مَتَى تدرسُ كِتَابَ الشَّافِعِيِّ، وَلاَ تدرُسُ كِتَابِي؟فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ وَمَا كِتَابُكَ؟
قَالَ: (جَامِعُ) مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وجدْتُ فَائِدَةً مَنْقُوْلَةً عَنْ أَبِي الخَطَّابِ بنِ دِحْيَةَ، أَنَّ الرَّمْلِيَّ الكَذَّابَةَ قَالَ: البُخَارِيُّ مَجْهُوْلٌ، لَمْ يَرْوِ عَنْهُ سِوَى الفِرَبْرِيُّ.
قَالَ أَبُو الخَطَّابِ: وَاللهِ كذبَ فِي هَذَا وَفَجَرَ، وَالتقمَ الحَجَرَ، بَلِ البُخَارِيُّ مَشْهُوْرٌ بِالعِلْمِ وَحَمْلِهِ؛ مجمعٌ عَلَى حِفْظِهِ وَنُبْلِهِ، جَابَ البِلاَدَ، وَطَلَبَ الرِّوَايَةَ وَالإِسْنَادِ.
رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ العُلَمَاءِ إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَمَّا كِتَابُهُ فَقَدْ عرضَهُ عَلَى حَافِظِ زَمَانِهِ أَبِي زُرْعَةَ، فَقَالَ: كِتَابُكَ كُلُّهُ صَحِيْحٌ إِلاَّ ثَلاَثَةُ أَحَادِيْث.
ذِكْرُ عِبَادَتِهِ وَفَضْلِهِ وَوَرَعِهِ وَصَلاَحِهِ
قَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ المُطَّوِّعِيُّ، حَدَّثَنَا مُسَبِّحُ بنُ سَعِيْدٍ
قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يختمُ فِي رَمَضَانَ فِي النَّهَارِ كُلَّ يَوْمٍ خَتْمَةً، وَيقومُ بَعْدَ التّروَايحِ كُلَّ ثَلاَثِ لَيَالٍ بخَتْمَةٍ.وَقَالَ بَكْرُ بنُ مُنِيْرٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: أَرْجُو أَنْ أَلقَى اللهَ وَلاَ يحَاسبنِي أَنِّي اغتبتُ أَحَداً.
قُلْتُ: صَدَقَ -رَحِمَهُ اللهُ- وَمَن نظَرَ فَى كَلاَمِهِ فِي الجرحِ وَالتعديلِ عَلِمَ وَرعَهُ فِي الكَلاَمِ فِي النَّاسِ، وَإِنصَافَهُ فِيْمَنْ يُضَعِّفُهُ، فَإِنَّهُ أَكْثَر مَا يَقُوْلُ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ، سَكَتُوا عَنْهُ، فِيْهِ نظرٌ، وَنَحْو هَذَا. وَقَلَّ أَنْ يَقُوْلَ: فُلاَنٌ
..................................................................................
كَذَّابٌ، أَوْ كَانَ يَضَعُ الحَدِيْثَ.حَتَّى إِنَّهُ قَالَ: إِذَا قُلْتُ: فُلاَنٌ فِي حَدِيْثِهِ نَظَرٌ، فَهُوَ مُتَّهَمٌ وَاهٍ.
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: لاَ يُحَاسبُنِي اللهُ أَنِّي اغتبْتُ أَحَداً، وَهَذَا هُوَ وَاللهِ غَايَةُ الوَرَعِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: سَمِعْتُهُ -يَعْنِي: البُخَارِيَّ- يَقُوْلُ: لاَ يَكُوْنُ لِي خصمٌ فِي الآخِرَةِ، فَقُلْتُ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَنْقِمُونَ عَلَيْكَ فِي كِتَابِ (التَّارِيْخ) وَيَقُوْلُوْنَ: فِيْهِ اغتيَابُ النَّاسِ، فَقَالَ: إِنَّمَا روينَا ذَلِكَ رِوَايَةً لَمْ نَقُلْهُ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِنَا، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بِئْسَ مَوْلَى العَشِيْرَةِ) يَعْنِي: حَدِيْث عَائِشَةَ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا اغتبْتُ أَحَداً قَطُّ مُنْذُ عَلِمتُ أَنَّ الغِيبَةَ تَضُرُّ أَهْلَهَا.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يُصَلِّي فِي وَقْتِ السَّحَرِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَكَانَ لاَ يُوقظنِي فِي كُلِّ مَا يقوم.
فَقُلْتُ: أَرَاكَ تحمِلُ عَلَى نَفْسِكَ، وَلَمْ توقظْنِي.
قَالَ: أَنْتَ شَابٌّ، وَلاَ أُحِبُّ أَنْ أُفْسِدَ عَلَيْكَ نَومَكَ.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ المُقْرِئِ، سَمِعْتُ بَكْرَ بنَ مُنِيْرٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يُصَلِّي ذَاتَ لَيْلَةٍ، فلسعَهُ الزُّنْبُورُ سَبْعَ عَشْرَةَ مَرَّةً.
فَلَمَّا قضَى الصَّلاَةَ، قَالَ: انْظُرُوا أَيش آذَانِي.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: دُعِيَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى بُسْتَانِ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا صَلَّى بِالقَوْمِ الظُّهْرَ، قَامَ يتطوَّعُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ، رفعَ ذيلَ قمِيصِهِ، فَقَالَ لبَعْضِ مَنْ مَعَهُ: انظُرْ هَلْ تَرَى تَحْتَ قمِيصِي شَيْئاً؟ فَإِذَا زنبورٌ قَدْ أَبَرَهُ فِي ستِّةِ عشرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعاً، وَقَدْ تورمَ مِنْ ذَلِكَ جَسَدُهُ.فَقَالَ لَهُ بَعْضُ القَوْمِ: كَيْفَ لَمْ تخرجْ مِنَ الصَّلاَةِ أَوَّلَ مَا أَبَرَكَ؟
قَالَ: كُنْتُ فِي سُوْرَةٍ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُتِمَّهَا !!
وَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ سَعِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ العُلَمَاءَ بِالبَصْرَةِ يَقُوْلُوْنَ: مَا فِي الدُّنْيَا مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فِي المَعْرِفَةِ وَالصَّلاَحِ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الوَرَّاقُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي شَعْرَةٌ فِي صَدْرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ الخَفَّافُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التَّقيُّ النَّقيُّ العَالِمُ الَّذِي لَمْ أَرَ مِثْلَهُ.
أَعدْتُ هَذَا لِلتَّبويبِ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَامِدٍ البَزَّازُ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ جَابِرٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ لَمَّا وَردَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ يَقُوْلُ: اذْهَبُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ، فَاسْمَعُوا مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عبدَ القُدُّوسِ بنَ عَبْدِ الجَبَّارِ السَّمَرْقَنْديَّ يَقُوْلُ: جَاءَ مُحَمَّدٌ إِلَى أَقربَائِهِ بخَرْتَنْك، فسَمِعْتُهُ يدعُو لَيْلَةً إِذْ فرغَ مِنْ وِرْدِهِ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عليَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ.فَمَا تمَّ الشَّهر حَتَّى مَاتَ.
وَقَدْ ذكرنَا أَنَّهُ لَمَّا أَلَّفَ (الصَّحِيْحَ) كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ كُلِّ تَرْجَمَةٍ.
وَرَوَى الخَطِيْبُ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الفِرَبْرِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، فَقَالَ لِي: أَيْنَ تُرِيْدُ؟
فَقُلْتُ: أُرِيْدُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ، فَقَالَ: أَقْرئْهُ مِنِّيَ السَّلاَمُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: ركبنَا يَوْماً إِلَى الرَّمْيِ، وَنَحْنُ بِفِرَبْر، فَخَرَجْنَا إِلَى الدَّربِ الَّذِي يُؤدِّي إِلَى الفُرْضَةِ.
فجعلنَا نَرمِي، وَأَصَابَ سَهْمُ أَبِي عَبْدِ اللهِ وتِدَ القنطرَةِ الَّذِي عَلَى نهرِ وَرَّادَةَ، فَانْشَقَّ الوَتِدُ.
فَلَمَّا رَآهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ نَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ، فَأَخْرَجَ السَّهمَ مِنَ الوَتِدِ، وَتركَ الرَّمْيَ.
وَقَالَ لَنَا: ارجِعُوا.
وَرجَعْنَا مَعَهُ إِلَى المَنْزِلِ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، لِي إِلَيْك حَاجَةٌ تقضيهَا؟
قلتُ: أَمْرُكَ طَاعَةٌ.
قَالَ: حَاجَةٌ مُهِمَّةٌ، وَهُوَ يتنفَّسُ الصُّعَدَاءَ.
فَقَالَ لِمَنْ مَعَنَا: اذهبُوا مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ حَتَّى تُعِينوهُ عَلَى مَا سَأَلْتُهُ.
فَقُلْتُ: أَيَّةُ حَاجَةٍ هِيَ؟
قَالَ لِي: تضمنُ قَضَاءهَا؟
قُلْتُ: نَعَمْ، عَلَى الرَّأْسِ وَالعَيْنِ.
قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تَصِيرَ إِلَى صَاحِبِ القنطرَةِ، فَتَقُوْلَ لَهُ: إِنَّا قَدْ أَخللنَا بِالوَتِدِ، فَنُحِبُّ أَنْ تَأَذَنَ لَنَا فِي إِقَامَةِ بَدَلِهِ، أَوْ تَأَخُذَ ثَمَنَهُ،
وَتجعلنَا فِي حِلٍّ مِمَّا كَانَ منَّا، وَكَانَ صَاحِبَ القنطرَةِ حُمَيْدُ بنُ الأَخضرِ الفِرَبْرِيُّ.فَقَالَ لَي: أَبلغْ أَبَا عَبْدِ اللهِ السَّلاَمَ، وَقُلْ لَهُ: أَنْتَ فِي حِلٍّ مِمَّا كَانَ مِنْكَ، وَقَالَ جَمِيْعُ مُلْكِي لَكَ الفدَاءُ، وَإِنْ قُلْتُ: نَفْسِي، أَكُوْنُ قَدْ كذبْتُ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أُحِبُّ أَنْ تحتَشِمنِي فِي وَتِدٍ أَوْ فِي مُلكِي.
فَأَبلغتُهُ رسَالَتَهُ، فَتهلَّلَ وَجْهُهُ، وَاسْتنَارَ، وَأَظْهَرَ سُرُوْراً، وَقَرَأَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ عَلَى الغُربَاءِ نَحْواً مِنْ خَمْسِ مائَةِ حَدِيْثٍ، وَتصدَّقَ بِثَلاَثِ مائَةِ دِرْهَمٍ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ لأَبِي مَعْشَرٍ الضَّرِيْرِ: اجعلنِي فِي حلٍّ يَا أَبَا مَعْشَرٍ.
فَقَالَ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ؟
قَالَ: رويتُ يَوْماً حَدِيْثاً، فَنَظَرْتُ إِلَيْكَ، وَقَدْ أُعْجِبتَ بِهِ، وَأَنْتَ تُحرِّكُ رأْسَكَ وَيَدَكَ، فَتبسَّمْتُ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ: أَنْتَ فِي حِلٍّ، رَحِمَكَ اللهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ.
قَالَ: وَرَأَيْتُهُ اسْتلقَى عَلَى قَفَاهُ يَوْماً، وَنَحْنُ بِفِرَبْر فِي تَصْنِيْفِهِ كِتَابِ (التَّفْسِيْرِ) .
وَأَتْعَبَ نَفْسَهُ ذَلِكَ اليَوْمِ فِي كَثْرَةِ إِخْرَاجِ الحَدِيْثِ.
فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَرَاكَ تَقُوْلُ: إِنِّي مَا أَثْبَتُّ شَيْئاً، بِغَيْرِ علمٍ قَطُّ مُنْذُ عَقَلْتُ، فَمَا الفَائِدَةُ فِي الاسْتلقَاءِ؟
قَالَ: أَتعبْنَا أَنفُسَنَا اليَوْمَ، وَهَذَا ثغرٌ مِنَ الثُّغُوْرِ، خَشِيْتُ أَنْ يَحْدُثَ حَدَثٌ مِنْ أَمرِ العدوِّ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَسْتريحَ، وَآخُذَ أُهبَةً، فَإِن غَافَصَنَا العَدُوُّ كَانَ بِنَا حَرَاكٌ.
قَالَ: وَكَانَ يَرْكَبُ إِلَى الرَّمْي كَثِيْراً، فَمَا أَعْلَمُنِي رَأَيْتُهُ فِي طولِ مَا صحِبْتُهُ أَخْطَأَ سهمُهُ الهَدَفَ إِلاَّ مرَّتينِ، فَكَانَ يُصِيْبُ الهدفَ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَكَانَ لاَ يُسْبَقُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا أَكلْتُ كُرَّاثاً قَطُّ، وَلاَ القَنَابَرَى.قُلْتُ: ولِمَ ذَاكَ؟
قَالَ: كرِهْتُ أَنْ أُوذِيَ مَنْ مَعِي مِنْ نَتَنِهِمَا.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ البصلُ النِّيءُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ الفِرَبْرِيُّ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ البُخَارِيِّ بِفِرَبْر فِي المَسْجَدِ، فَدَفَعْتُ مِنْ لِحْيَتِهِ قَذَاةً مِثْلَ الذَّرَّةِ أَذْكُرُهَا، فَأَردْتُ أَنْ أُلقِيهَا فِي المَسْجَدِ، فَقَالَ: أَلقِهَا خَارجاً مِنَ المَسْجَدِ.
قَالَ: وَأَملَى يَوْماً عليَّ حَدِيْثاً كَثِيْراً، فَخَافَ مَلاَلِي، فَقَالَ: طِبْ نَفْساً، فإِن أَهْلَ الملاَهِي فِي ملاَهِيهِم، وَأَهْلَ الصّنَاعَاتِ فِي صنَاعَاتِهِم، وَالتُّجَّارَ فِي تجَارَاتِهِم، وَأَنْتَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ.
فَقُلْتُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا، يرحمُكَ اللهُ إِلاَّ وَأَنَا أَرَى الحظَّ لنفسِي فِيْهِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا أَردْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ بكَلاَمٍ فِيْهِ ذكرُ الدُّنْيَا إِلاَّ بدأَتُ بحمدِ اللهِ وَالثنَاءِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: يَقُوْلُوْنَ: إِنَّكَ تَنَاولْتَ فُلاَناً.
قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، مَا ذكرْتُ أَحَداً بسوءٍ إِلاَّ أَنْ أَقُوْلَ سَاهِياً، وَمَا يَخْرُجُ اسْمُ فُلاَنٍ مِنْ صحيفَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ.
قَالَ: وضيَّفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فِي بستَانٍ لَهُ، وضيَّفَنَا مَعَهُ، فَلَمَّا جَلَسْنَا أَعجبَ صَاحِبَ البُسْتَانِ بُستَانُهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عَمِلَ مَجَالِسَ فِيْهِ، وَأَجرَى
المَاءَ فِي أَنْهَارِهِ.فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَيْفَ تَرَى؟
فَقَالَ: هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا.
قَالَ: وَكَانَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ غَرِيمٌ قَطَعَ عَلَيْهِ مَالاً كَثِيْراً، فَبلغَهُ أَنَّهُ قَدِمَ آمُل، وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِفِرَبْر، فَقُلْنَا لَهُ: يَنْبَغِي أَنْ تعبُرَ وَتَأْخُذَهُ بِمَالِكَ.
فَقَالَ: لَيْسَ لَنَا أَنْ نُرَوِّعَهُ.
ثُمَّ بَلَغَ غريْمُهُ مَكَانَهُ بِفِرَبْر، فَخَرَجَ إِلَى خُوَارزمَ، فَقُلْنَا: يَنْبَغِي أَنْ تَقُوْلَ لأَبِي سَلَمَةَ الكُشَانِيِّ عَاملِ آمُل ليكَتَبَ إِلَى خُوَارزمَ فِي أَخذِهِ، وَاسْتخرَاجِ حقِّكَ مِنْهُ.
فَقَالَ: إِنْ أَخَذْتُ مِنْهُم كِتَاباً طمِعُوا مِنِّي فِي كِتَابٍ، وَلَسْتُ أَبيعُ دينِي بدُنيَاي.
فَجَهِدْنَا، فَلَمْ يَأْخُذْ حَتَّى كلَّمْنَا السُّلْطَانُ عَنْ غَيْرِ أَمرِهِ.
فَكَتَبَ إِلَى وَالِي خُوَارزمَ.
فَلَمَّا أُبلِغَ أَبَا عَبْدِ اللهِ ذَلِكَ، وَجَدَ وَجْداً شَدِيْداً.
وَقَالَ: لاَ تكونُوا أَشفقَ عليَّ مِنْ نَفْسِي.
وَكَتَبَ كِتَاباً، وَأَرْدَفَ تِلْكَ الكُتُبَ بكُتُبٍ، وَكَتَبَ إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ بخُوَارِزْمَ أَنْ لاَ يُتَعرَّضَ لغريمِهِ إِلاَّ بِخَيْرٍ.
فَرَجَعَ غريمُهُ إِلَى آمُل، وَقصَدَ إِلَى نَاحِيَةِ مَرْو.
فَاجْتَمَعَ التُّجَّارُ، وَأُخْبِرَ السُّلْطَانُ بِأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ خَرَجَ فِي طَلَبِ غريمٍ لَهُ.
فَأَرَادَ السُّلْطَانُ التَّشديدَ عَلَى غريمِهِ، وَكَرِهَ ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَصَالَحَ غريمَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ كُلَّ سَنَةٍ عَشْرَةُ دَرَاهِم شَيْئاً يَسِيْراً.
وَكَانَ المَالُ خَمْسَةً وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً.
وَلَمْ يصِلْ مِنْ ذَلِكَ المَالِ إِلَى دِرْهَمٍ، وَلاَ إِلَى أَكْثَرِ مِنْهُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، يَقُوْلُ: مَا تولَّيْتُ شِرَاءَ شَيْءٍ وَلاَ بَيْعَهُ قَطُّ.
فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ وَقَدْ أَحلَّ اللهُ البيعَ؟
قَالَ: لِمَا فِيْهِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقصَانِ وَالتخليطِ، فَخشيتُ إِنْ تولّيتُ أَنْ أَستوِي بغَيرِي.
قُلْتُ: فَمَنْ كَانَ يَتَوَلَّى أَمرُكَ فِي أَسفَارِكَ وَمُبَايَعَتِكَ؟
قَالَ: كُنْتُ أُكْفَى ذَلِكَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ خِدَاشٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَفْصٍ، يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الحَسَنِ -يَعْنِي: إِسْمَاعِيْل- وَالِدِ أَبِي عَبْدِ اللهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ مِنْ مَالِي دِرْهَماً مِنْ حرَامٍ، وَلاَ دِرْهَماً مِنْ شُبْهَةٍ.قَالَ أَحْمَدُ: فَتصَاغَرَتْ إِلَيَّ نَفْسِي عِنْدَ ذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَصْدَقُ مَا يَكُوْنُ الرَّجُلُ عِنْدَ المَوْتِ.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ اكترَى مَنْزِلاً، فلبِثَ فِيْهِ طَوِيْلاً، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَمْ أَمسحْ ذَكَرِي بِالحَائِطِ، وَلاَ بِالأَرْضِ فِي ذَلِكَ المَنْزِلِ.
فَقِيْلَ لَهُ: لِمَ؟ قَالَ: لأَنَّ المَنْزِلَ لغَيرِي.
قَالَ: وَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ يَوْماً بِفِرَبْر: بَلَغَنِي أَنَّ نَخَّاساً قَدِمَ بجَوَارِي، فَتصيرَ مَعِي؟
قُلْتُ: نَعَمْ، فصِرنَا إِلَيْهِ فَأَخْرَجَ جَوَارِيَ حِسَاناً صِبَاحاً.
ثُمَّ خَرَجَ مِنْ خِلاَلِهنَّ جَارِيَةٌ خَزَرِيَّةٌ دمِيمَةٌ عَلَيْهَا شحمٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فمسَّ ذَقْنَهَا فَقَالَ: اشترِ هَذِهِ لَنَا مِنْهُ.
فَقُلْتُ: هَذِهِ دمِيمَةٌ قبيحَةٌ لاَ تَصْلُحُ، وَاللاَتِي نظرْنَا إِليهنَّ يُمْكِنُ شِرَاءهُنَّ بثمنِ هَذِهِ.
فَقَالَ: اشترِ هَذِهِ، فَإِنِّي قَدْ مَسِسْتُ ذَقْنَهَا، وَلاَ أُحبُّ أَنْ أَمسَّ جَارِيَةً، ثُمَّ لاَ أَشْتَرِيهَا.
فَاشْترَاهَا بغلاَءِ خَمْسِ مائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى مَا قَالَ أَهْلُ المَعْرِفَةِ.
ثُمَّ لَمْ تزلْ عِنْدَهُ حَتَّى أَخرَجَهَا مَعَهُ إِلَى نَيْسَابُوْرَ.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُقْرِئُ: سَمِعْتُ بكرَ بنَ مُنِيْرٍ - وَقَدْ ذكرَ معنَاهَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَاللَّفْظُ لبَكْرٍ - قَالَ: كَانَ حُمِلَ إِلَى البُخَارِيِّ بِضَاعَةٌ أَنفذَهَا إِلَيْهِ ابْنُهُ أَحْمَدُ، فَاجْتَمَعَ بَعْضُ التُّجَّارِ إِلَيْهِ.
فَطَلَبُوهَا بربحِ خَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ.
فَقَالَ: انْصَرَفُوا اللَّيْلَةَ.
فَجَاءهُ مِنَ الغَدِ تُجَّارٌ آخرُوْنَ، فَطَلَبُوا مِنْهُ البِضَاعَةَ بربحِ عَشْرَةِ آلاَفٍ. فَقَالَ: إِنِّي
نَوَيْتُ بيعَهَا للَّذين أَتَوا البَارِحَةَ.وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ حمدٍ المُلاَحِمِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَابرِ بنِ كَاتِبٍ، سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ حَفْصٍ الأَشْقَرُ قَالَ: كُنَّا مَعَ البُخَارِيِّ بِالبَصْرَةِ نكتبُ، فَفَقدنَاهُ أَيَّاماً، ثُمَّ وَجدنَاهُ فِي بَيْتٍ وَهُوَ عُريَانٌ، وَقَدْ نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَجَمَعنَا لَهُ الدَّرَاهِمَ، وَكسونَاهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَكُوْنَ بحَالَةٍ إِذَا دَعَا لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ.
فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةُ أَخِيْهِ بحضرتِي: فَهَلْ تبيَّنْتَ ذَلِكَ أَيُّهَا الشَّيْخُ مِنْ نَفْسِكَ؛ أَوْ جرَّبْتَ؟
قَالَ: نَعَمْ، دعوتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ مرَّتينِ، فَاسْتجَابَ لِي، فَلَنْ أُحِبَّ أَنْ أَدْعُوَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَعَلَّهُ يَنْقُصُ مِنْ حسنَاتِي، أَو يُعَجِّلَ لِي فِي الدُّنْيَا.
ثُمَّ قَالَ: مَا حَاجَةُ المُسْلِمُ إِلَى الكذِبِ وَالبُخْلِ؟!!
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: خَرَجتُ إِلَى آدَمَ بنِ أَبِي إِيَاسٍ، فَتخلَّفَتْ عَنِّي نَفَقَتِي، حَتَّى جَعَلتُ أَتنَاولُ الحشيشَ، وَلاَ أُخْبِرْ بِذَلِكَ أَحَداً.
فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّالِثُ أَتَانِي آتٍ لَمْ أَعرِفْهُ، فَنَاولَنِي صُرَّةَ دَنَانِيْر، وَقَالَ: أَنْفِقْ عَلَى نَفْسِكَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بنَ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْديَّ يَقُوْلُ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مخصوصاً بِثَلاَثِ خِصَالٍ مَعَ مَا كَانَ فِيْهِ مِنَ الخِصَالِ المحمودَةِ: كَانَ قَلِيْلَ الكَلاَمِ، وَكَانَ لاَ يطمعُ فِيْمَا عِنْدَ النَّاسِ،
وَكَانَ لاَ يشتغِلُ بِأُمُورِ النَّاسِ، كُلُّ شُغْلِهِ كَانَ فِي العِلْمِ.وَقَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ يَقُوْلُ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ يُعَلِّمُ النَّاسَ الحَدِيْثَ حِسْبَةً غَيْرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَرَأَيْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ يَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللهِ أَنْ يُحَدِّثَهُ كُلَّ يَوْمٍ بِثَلاَثَةِ أَحَادِيْثَ، وَيُبَيِّنَ لَهُ مَعَانِيهَا وَتفَاسِيرِهَا وَعِلَلِهَا.
فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ قدرَ مُقَامِهِ.
وَكَانَ أَقَامَ فِي تِلْكَ الدفعَةِ جُمْعَةً.
وَسَمِعْتُ سليماً يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ بعينِي مُنْذُ سِتِّيْنَ سَنَةً أَفْقَهَ، وَلاَ أَوْرَعَ، وَلاَ أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا، مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
قَالَ عَبْدُ المَجِيْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ يُسَوِّي بَيْنَ القَوِيِّ وَالضَّعيفِ.
ذِكْرُ كَرَمِهِ وَسَمَاحَتِهِ وَصِفَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَانَتْ لَهُ قِطْعَةُ أَرْضٍ يَكْرِيهَا كُلَّ سَنَةٍ بِسَبْعِ مائَةِ دِرْهَمٍ.
فَكَانَ ذَلِكَ المُكْتَرِي رُبَّمَا حملَ مِنْهَا إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ قِثَّاةً أَوْ قِثَّاتَينِ، لأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ كَانَ مُعْجَباً بِالقِثَّاءِ النَّضيجِ، وَكَانَ يُؤْثِرُهُ عَلَى البطيخِ أَحْيَاناً، فَكَانَ يَهَبُ لِلرَّجُلِ مائَةَ دِرْهَمٍ كُلَّ سَنَةٍ لحملِهِ القِثَّاءَ إِلَيْهِ أَحْيَاناً.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَستَغِلُّ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَ مائَةِ دِرْهَمٍ، فَأَنفقْتُ كُلَّ ذَلِكَ فِي طَلَبِ العِلْمِ.
فَقُلْتُ: كم بَيْنَ مَنْ ينفقُ عَلَى هَذَا الوَجْهِ، وَبَيْنَ مَنْ كَانَ خِلْواً مِنَ المَالِ، فَجَمَعَ وَكسبَ بِالعِلْمِ، حَتَّى اجْتَمَعَ لَهُ.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: {مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الشُّوْرَى: 36]
قَالَ: وَكُنَّا بِفِرَبْر، وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يبنِي رِباطاً مِمَّا يلِي بُخَارَى، فَاجْتَمَعَ بَشَرٌ كَثِيْرٌ يُعينونَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ ينقُلُ اللَّبِنَ، فَكُنْتُ أَقُوْلُ لَهُ: إِنَّكَ تُكْفَى يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَيَقُوْلُ: هَذَا الَّذِي يَنْفَعُنَا.ثُمَّ أَخذَ ينقلُ الزَّنْبَرَاتِ مَعَهُ، وَكَانَ ذَبَحَ لَهُم بَقَرَةً، فَلَمَّا أَدْرَكَتِ القدورُ، دَعَا النَّاسَ إِلَى الطَّعَامِ، وَكَانَ بِهَا مائَةُ نَفْسٍ أَوْ أَكْثَرُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ أَنَّهُ يجتمعُ مَا اجْتَمَعَ، وَكُنَّا أَخرجْنَا مَعَهُ مِنْ فِرَبْر خُبزاً بِثَلاَثَةِ درَاهمَ أَوْ أَقَلَّ، فَأَلقينَا بَيْنَ أَيديهِم، فَأَكَلَ جَمِيْعُ مَنْ حضَرَ، وَفضلتْ أَرغفَةٌ صَالِحَةٌ.
وَكَانَ الخبزُ إِذْ ذَاكَ خَمْسَةَ أَمْنَاءٍ بِدِرْهَمٍ.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ رُبَّمَا يَأْتِي عَلَيْهِ النَّهَارُ، فَلاَ يَأْكُلُ فِيْهِ رُقَاقَةً، إِنَّمَا كَانَ يَأْكُلُ أَحْيَاناً لوزتين أَوْ ثَلاَثاً.
وَكَانَ يجتنِبُ توَابِلَ القُدورِ مِثْلَ الحِمّصِ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ لِي يَوْماً شبهَ المُتفرِّجِ بصَاحِبِهِ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، نَحْتَاجُ فِي السَّنَةِ إِلَى شَيْءٍ كَثِيْرٍ.
قُلْتُ لَهُ: قَدْرُ كَمْ؟
قَالَ: أَحتَاجُ فِي السَّنَةِ إِلَى أَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، أَوْ خَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ.
قَالَ: وَكَانَ يتصدَّقُ بِالكَثِيْرِ، يَأْخُذُ بِيَدِهِ صَاحِبَ الحَاجَةِ مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ، فيُنَاوِلُهُ مَا بَيْنَ العِشْرِيْنَ إِلَى الثَّلاَثِيْنَ، وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ، مِنْ غَيْرِ أَن يَشْعُرَ بِذَلِكَ أَحَدٌ.
وَكَانَ لاَ يُفَارِقُهُ كِيْسُهُ.
وَرَأَيْتُهُ نَاولَ رَجُلاً مِرَاراً صُرَّةً فِيْهَا ثَلاَثُ مائَةِ دِرْهَمٍ - وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ أَخْبَرَنِي بعَدَدِ مَا كَانَ فِيْهَا مِنْ بَعْدُ - فَأَرَادَ أَنْ يدعُوَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: ارفُقْ، وَاشتغلْ بِحَدِيْثٍ آخرَ كيلاَ يعلمَ بِذَلِكَ أَحَدٌ.
قَالَ: وَكُنْتُ اشْتَرَيْتُ مَنْزِلاً بتسعِ مائَةٍ وَعِشْرِيْنَ دِرْهَماً، فَقَالَ: لِي
إِلَيْكَ حَاجَةٌ تَقْضِيهَا؟قُلْتُ: نَعَمْ، وَنُعْمَى عينٍ.
قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تصيرَ إِلَى نُوْحِ بنِ أَبِي شدَّادٍ الصَّيْرَفِيِّ، وَتَأْخُذَ مِنْهُ أَلفَ دِرْهَمٍ، وَتَحْمِلَهُ إِلَيَّ، فَفَعَلتُ.
فَقَالَ لِي: خُذْهُ إِلَيْكَ، فَاصرِفْهُ فِي ثمنِ المَنْزِلِ.
فَقُلْتُ: قَدْ قَبِلْتُهُ مِنْكَ وَشكرتُهُ.
وَأَقبلنَا عَلَى الكِتَابَةِ، وَكُنَّا فِي تَصْنِيْفِ (الجَامِعِ) .
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ سَاعَةٍ، قُلْتُ: عَرَضَتْ لِي حَاجَةٌ لاَ أَجْتَرِئُ رفعَهَا إِلَيْكَ، فَظنَّ أَنِّي طَمِعْتُ فِي الزِّيَادَةِ.
فَقَالَ: لاَ تحتشمْنِي، وَأَخْبِرْنِي بِمَا تَحْتَاجُ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُوْنَ مأَخوذاً بِسببِكَ.
قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ؟
قَالَ: لأَنْ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ.
فذكرَ حَدِيْثَ سَعْدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ.
فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ جَعَلتُكَ فِي حِلٍّ مِنْ جَمِيْعِ مَا تَقُوْلُ، وَوهبْتُ لَكَ المَالَ الَّذِي عرضتَهُ عليَّ، عَنَيْتُ المُنَاصفَةَ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: لِي جَوَارٍ وَامْرَأَةٌ، وَأَنْتَ عَزَبٌ، فَالَّذِي يَجِبُ عليَّ أَنْ أُنَاصِفَكَ لنستوِي فِي المَالِ وَغَيْرِهِ، وَأَربحُ عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ.
فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ فعلْتَ - رَحِمَكَ اللهُ - أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِذْ أَنْزَلْتَنِي مِنْ نَفْسِكَ مَا لَمْ تُنْزِلْ أَحَداً، وَحللتُ مِنْكَ محلَّ الوَلَدِ، ثُمَّ حَفِظَ عليَّ حَدِيْثِي الأَوَّل، وَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ؟
قُلْتُ: تَقْضِيهَا؟
قَالَ: نَعَمْ، وَأُسَرُّ بِذَلِكَ.
قُلْتُ: هَذِهِ الأَلفُ، تَأْمُرُ بِقَبُولِهِ، وَاصْرِفْهُ فِي بَعْضِ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَقَبِلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ضَمِنَ لِي قَضَاءَ حَاجَتِي.
ثُمَّ جلسْنَا بَعْدَ ذَلِكَ بيومِيْنِ لتَصْنِيْفِ (الجَامِعِ) ، وَكَتَبْنَا مِنْهُ ذَلِكَ اليَوْمَ شَيْئاً كَثِيْراً إِلَى الظُّهْرِ، ثُمَّ صَلَّينَا الظُّهرَ، وَأَقبلْنَا عَلَى الكِتَابَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ نكُوْنَ أَكلْنَا شَيْئاً، فرآنِي لَمَّا كَانَ قُرْبَ العصرِ شِبْهَ القَلِقِ المستوحشِ، فَتوهَّمَ فِيَّ ملاَلاً.
وَإِنَّمَا كَانَ بِيَ الحصرُ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَكنْ أَقدرُ عَلَى القِيَامِ، وَكُنْتُ أَتَلَوَّى اهتمَاماً بِالحصرِ.
فَدَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ المَنْزِلَ، وَأَخْرَجَ إِلَيَّ كَاغدَةً فِيْهَا ثَلاَثُ مائَةِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: أَمَا إِذْ لَمْ تقبلْ ثمنَ المَنْزِلِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تصرِفَ هَذَا فِي بَعْضِ حَوَائِجِكَ.
فجهَدَنِي، فَلَمْ أَقبلْ.
ثُمَّ كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ، كتبنَا إِلَى الظُّهرِ أَيْضاً، فَنَاوَلَنِي
عِشْرِيْنَ دِرْهَماً.فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تصرِفَ هَذِهِ فِي شرَاءِ الخُضرِ وَنحوِ ذَلِكَ.
فَاشْتَرَيْتُ بِهَا مَا كُنْتُ أَعلَمُ أَنَّهُ يلاَئِمُهُ، وَبعثْتُ بِهِ إِلَيْهِ، وَأَتيتُ.
فَقَالَ لِي: بَيَّضَ اللهُ وَجْهَكَ، لَيْسَ فيكَ حِيْلَةٌ، فَلاَ يَنْبَغِي لَنَا أَن نُعَنِّي أَنْفُسَنَا.
فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ قَدْ جمعتَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَأَيُّ رَجُلٍ يَبَرُّ خَادِمَهُ بِمثلِ مَا تَبَرُّنِي، إِنْ كُنْتُ لاَ أَعرِفُ هَذَا؛ فلَسْتُ أَعرِفُ أَكْثَرَ مِنْهُ.
سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدٍ الصَّارفيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ فَى مَنْزِلِهِ، فَجَاءتْهُ جَارِيَةٌ، وَأَرَادَتْ دُخُوْلَ المَنْزِلِ، فعثرَتْ عَلَى محبرَةٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: كَيْفَ تمشينَ؟
قَالَتْ: إِذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيْقٌ، كَيْفَ أَمْشِي؟
فَبسط يَدَيْهِ، وَقَالَ لَهَا: اذهبِي فَقَدْ أَعتقْتُكِ.
قَالَ: فَقِيْلَ لَهُ فِيْمَا بَعْدُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَغضبتْكَ الجَارِيَةُ؟
قَالَ: إِنْ كَانَتْ أَغضبتْنِي فَإِنِّي أَرضيْتُ نَفْسِي بِمَا فعلْتُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ الحَافِظُ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البَزَّازُ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ شَيْخاً نحيفَ الجسمِ، لَيْسَ بِالطَّوِيْلِ وَلاَ بِالقَصِيْرِ.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنٍ التَّمِيْمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى التَّمِيْمِيُّ، سَمِعْتُ جِبْرِيْلَ بنَ مِيكَائِيلَ بِمِصْرَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: لَمَّا بَلَغْتُ خُرَاسَانَ أُصِبْتُ ببَعْضِ بَصْرِي، فعَلَّمَنِي رَجُلٌ أَنْ أَحْلِقَ رَأْسِي، وَأُغَلِّفَهُ بِالخِطْمِيِّ.
فَفَعَلْتُ، فردَّ اللهُ عليَّ بَصْرِي.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ الوَرَّاقُ: دَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بِفِرَبْر الحَمَّامَ، وَكُنْتُ أَنَا فِي مَشْلَحِ الحَمَّامِ، أَتعَاهَدُ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ نَاوَلْتُهُ ثِيَابَهُ، فلبِسَهَا، ثُمَّ نَاوَلْتُهُ الخُفَّ، فَقَالَ: مَسِسْتَ شَيْئاً فِيْهِ شعرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.فَقُلْتُ: فِي أَيِّ مَوْضِعٍ هُوَ مِنَ الخُفِّ؟
فَلَمْ يُخْبِرْنِي.
فتوهَّمْتُ أَنَّهُ فِي سَاقِهِ بَيْنَ الظِّهَارَةِ وَالبِطَانَةِ.
ذِكْرُ قِصَّتِهِ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ - رحِمَهُمَا اللهُ -
قَالَ الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ حَامِدٍ البَزَّازَ قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ جَابِرٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى قَالَ لَنَا لَمَّا وَرَدَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ: اذْهَبُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ فَاسْمَعُوا مِنْهُ.
فَذَهَبَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَأَقبلُوا عَلَى السَّمَاعِ مِنْهُ، حَتَّى ظَهرَ الخَلَلُ فِي مَجْلِسِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، فَحَسَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَتَكَلَّمَ فِيْهِ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: ذَكَرَ لِي جَمَاعَةٌ مِنَ المَشَايِخِ أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ لَمَّا وَردَ نَيْسَابُوْرَ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، حَسَدَهُ بَعْضُ مَنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ مِنْ مَشَايِخِ نَيْسَابُوْرَ لَمَّا رَأَوا إِقبالَ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَاجْتِمَاعَهُم عَلَيْهِ، فَقَالَ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ: إِنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: اللَّفْظُ بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَامتحنُوهُ فِي المَجْلِسِ.
فَلَمَّا حضَرَ النَّاسُ مَجْلِسَ البُخَارِيِّ، قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا تَقُوْلُ فِي اللَّفْظِ بِالقُرْآنِ، مَخْلُوْقٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ؟
فَأَعرَضَ عَنْهُ البُخَارِيُّ وَلَمْ يُجِبْهُ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ القَوْلَ، فَأَعرضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ، فَالتفَتَ إِلَيْهِ البُخَارِيُّ، وَقَالَ:
القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَأَفْعَالُ العبَادِ مَخْلُوْقَةٌ وَالامْتِحَانُ بِدْعَةٌ.فشَغَبَ الرَّجُلُ، وَشَغَبَ النَّاسُ، وَتَفَرَّقُوا عَنْهُ.
وَقَعَدَ البُخَارِيُّ فِي مَنْزِلِهِ.
أَنْبَأَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ القَيْسِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا: أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَالِبٍ أَبُو بَكْرٍ البَرْقَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سيَّارٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ خشنَام قَالَ: سُئِلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بِنَيْسَابُوْرَ عَنِ اللَّفْظِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ -يَعْنِي: أَبَا قُدَامَةَ- عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ هُوَ القَطَّانُ قَالَ: أَعْمَالُ العبَادِ كُلُّهَا مَخْلُوْقَةٌ.
فمَرَقُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: ترجِعُ عَنْ هَذَا القَوْلِ، حَتَّى نعُودَ إِلَيْكَ؟
قَالَ: لاَ أَفعلْ إِلاَّ أَنْ تَجِيئُوا بحجَّةٍ فِيْمَا تقولُونَ أَقْوَى مِنْ حُجَّتِي.
وَأَعجبَنِي مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ ثَبَاتُهُ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الهَيْثَمِ المُطَّوِّعِيُّ بِبُخَارَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: أَمَّا أَفْعَالُ العِبَادِ فمَخْلُوْقَةٌ.
فَقَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ يَصْنَعُ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ ) .
وَبِهِ قَالَ: وَسَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ
يَقُوْلُ: مَا زِلْتُ أَسمَعُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: إِن أَفْعَالَ العِبَادِ مَخْلُوْقَةٌ.قَالَ البُخَارِيُّ: حَرَكَاتُهُم وَأَصْوَاتُهُم وَاكتِسَابُهُم وَكِتَابَتُهُم مَخْلُوْقَةٌ.
فَأَمَّا القُرْآنُ المَتْلُوُّ المُبَيَّنُ المُثْبَتُ فِي المَصَاحِفِ، المسطورُ المَكْتُوْبُ المُوعَى فِي القُلُوْبِ، فَهُوَ كَلاَمُ اللهِ لَيْسَ بِمَخْلُوْقٍ.
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُوْرِ الَّذِيْنَ أُوْتُوا العِلْمَ} [الْعَنْكَبُوت:49]
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الأَعمَشِيُّ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ فِي جنَازَةِ أَبِي عُثْمَانَ سَعِيْدِ بنِ مَرْوَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى يَسْأَلُهُ عَنِ الأَسَامِي وَالكُنَى وَعِلَلِ الحَدِيْثِ، وَيمرُّ فِيْهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مِثْلَ السَّهْمِ.
فَمَا أَتَى عَلَى هَذَا شَهْرٌ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى: أَلاَ مَنْ يَخْتلِفُ إِلَى مَجْلِسِهِ فَلاَ يَخْتَلِفْ إِلَيْنَا، فَإِنَّهُم كَتَبُوا إِلَيْنَا مِنْ بَغْدَادَ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي اللَّفْظِ، وَنهينَاهُ، فَلَمْ يَنْتَهِ، فَلاَ تقربوهُ، وَمَنْ يقربْهُ فَلاَ يقربْنَا، فَأَقَامَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ هَا هُنَا مُدَّةً، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى بُخَارَى.
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ يَقُوْلُ:
القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ مِنْ جَمِيْعِ جهَاتِهِ، وَحَيْثُ تُصُرِّفَ، فَمَنْ لزمَ هَذَا اسْتغنَى عَنِ اللَّفْظِ وَعمَّا سِوَاهُ مِنَ الكَلاَمِ فِي القُرْآنِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ فَقَدْ كَفَرَ، وَخَرَجَ عَنِ الإِيْمَانِ، وَبَانتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ، يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلاَّ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَجُعِلَ مَالُهُ فَيْئاً بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ وَلَمْ يُدْفَنْ فِي مَقَابِرِهِم، وَمَنْ وَقَفَ، فَقَالَ: لاَ أَقُوْلُ مَخْلُوْق وَلاَ غَيْر مَخْلُوْق، فَقَدْ ضَاهَى الكُفْرَ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَهَذَا مُبْتَدِعٌ، لاَ يُجَالَسْ وَلاَ يُكَلَّمْ.وَمِنْ ذهبَ بَعْدَ هَذَا إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ فَاتَّهِمُوهُ، فَإِنَّهُ لاَ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ إِلاَّ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مذهَبِهِ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الهَيْثَمِ بِبُخَارَى، أَخْبَرَنَا الفِرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا البُخَارِيُّ، قَالَ: نظرتُ فِي كَلاَمِ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى وَالمَجُوْسِ فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَضَلَّ فِي كُفْرِهِم مِنَ الجَهْمِيَّةِ، وَإِنِّي لأَستجهلُ مَنْ لاَ يُكَفِّرُهُم.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَاضِرٍ العَبْسِيُّ، حَدَّثَنَا الفِرَبْرِيُّ، سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَنْ قَالَ: مَخْلُوْقٌ فَهُوَ كَافِرٌ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ الوَرَّاقُ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ شَاذِلٍ يَقُوْلُ: لَمَّا وَقَعَ بَيْنَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى وَالبُخَارِيِّ، دَخَلْتُ عَلَى البُخَارِيِّ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَيْشٍ الحِيلَةُ لَنَا فِيْمَا بينكَ وَبَيْنَ مُحَمَّدِ بنِ
يَحْيَى، كُلُّ مَنْ يَخْتلِفُ إِلَيْكَ يُطْرَدُ؟فَقَالَ: كم يَعْتَرِي مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الحسدُ فِي العِلْمِ، وَالعِلْمُ رِزْقُ اللهِ يُعْطِيهِ مَنْ يَشَاءُ.
فَقُلْتُ: هَذِهِ المَسْأَلَةُ الَّتِي تُحْكَى عَنْكَ؟
قَالَ: يَا بنِي، هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مَشْؤُوْمَةٌ، رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَمَا نَالَهُ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ، وَجَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ لاَ أَتَكَلَّمَ فِيْهَا.
قُلْتُ: المَسْأَلَةُ هِيَ أَنَّ اللَّفْظَ مَخْلُوْقٌ، سُئِلَ عَنْهَا البُخَارِيُّ، فَوَقَفَ فِيْهَا، فَلَمَّا وَقَفَ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَفْعَالَنَا مَخْلُوْقَةٌ، وَاسْتدلَّ لِذَلِكَ، فَهِمَ مِنْهُ الذُّهْلِيُّ أَنَّهُ يُوَجِّهُ مَسْأَلَةَ اللَّفْظِ، فَتَكَلَّمَ فِيْهِ، وَأَخَذَهُ بلاَزِمِ قَوْلِهِ هُوَ وَغَيْرهُ.
وَقَدْ قَالَ البُخَارِيُّ فِي الحِكَايَةِ الَّتِي رَوَاهَا غُنْجَارٌ فِي (تَارِيْخِهِ) حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ نَصْرٍ النَّيْسَابُوْرِيَّ الخَفَّافَ بِبُخَارَى يَقُوْلُ: كُنَّا يَوْماً عِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ القَيْسِيِّ، وَمَعَنَا مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ، فجَرَى ذِكْرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ نصرٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَنْ زَعَمَ أَنِّي قُلْتُ: لَفْظِي بِالقُرْآن مَخْلُوْقٌ فَهُوَ كَذَّابٌ، فَإِنِّي لَمْ أَقُلْهُ.
فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ قَدْ خَاضَ النَّاسُ فِي هَذَا وَأَكْثَرُوا فِيْهِ.
فَقَالَ: لَيْسَ إِلاَّ مَا أَقُوْلُ.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو الخَفَّافُ: فَأَتَيْتُ البُخَارِيَّ، فَنَاظرتُهُ فِي شِيءٍ مِنَ الأَحَادِيْثِ حَتَّى طَابَتْ نَفْسُهُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَا هُنَا أَحَدٌ يحكِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ هَذِهِ المَقَالَة.
فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، احْفَظ مَا أَقُوْلُ لَكَ: مَنْ زَعَمَ مِنْ أَهْلِ
نَيْسَابُوْرَ وَقُومس وَالرَّيِّ وَهَمَذَان وَحلوَانَ وَبَغْدَادَ وَالكُوْفَةِ وَالبَصْرَةِ وَمَكَّةَ وَالمَدِيْنَةِ أَنِّي قُلْتُ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ فَهُوَ كَذَّابٌ، فَإِنِّي لَمْ أَقُلْهُ إِلاَّ أَنِّي قُلْتُ: أَفْعَالُ العِبَادِ مَخْلُوْقَةٌ.وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ حَاتِمُ بنُ أَحْمَدَ الكِنْدِيُّ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ يَقُوْلُ: لَمَّا قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ نَيْسَابُوْرَ مَا رَأَيْتُ وَالِياً وَلاَ عَالِماً فَعَلَ بِهِ أَهْلُ نَيْسَابُوْرَ مَا فعلُوا بِهِ، اسْتَقبلُوهُ مرحلَتَيْنِ وَثَلاَثَة.
فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى فِي مَجْلِسِهِ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَقبلَ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ غَداً فليستقبِلْهُ.
فَاسْتقبلَهُ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى وَعَامَّةُ العُلَمَاءِ، فَنَزَلَ دَارَ البُخَاريّينَ، فَقَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى: لاَ تسأَلُوهُ عَنْ شِيءٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَإِنَّهُ إِنْ أَجَابَ بِخِلاَفِ مَا نَحْنُ فِيْهِ، وَقَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، ثُمَّ شَمِتَ بِنَا كُلُّ حَرُورِيٍّ، وَكُلُّ رَافضيٍّ، وَكُلُّ جَهْمِيٍّ، وَكُلُّ مُرْجِئٍ بِخُرَاسَانَ.
قَالَ: فَازدحمَ النَّاسُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، حَتَّى امتلأَ السّطحُ وَالدَّارُ، فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ، قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَسَأَلَهُ عَنِ اللَّفْظِ بِالقُرْآنِ.
فَقَالَ: أَفْعَالُنَا مَخْلُوْقَةٌ، وَأَلفَاظُنَا مِنْ أَفْعَالِنَا.
فَوَقَعَ بَيْنَهُمُ اخْتِلاَفٌ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: قَالَ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَقُلْ، حَتَّى توَاثَبُوا، فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الدَّارِ وَأَخرجُوهُم.
وَقَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ الأَخْرَمِ، سَمِعْتُ ابْنَ عَلِيٍّ المَخْلَديَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ: قَدْ أَظهرَ هَذَا البُخَارِيُّ قَوْلَ اللفظيَّةِ، وَاللفظيَّةُ عِنْدِي شرُّ مِنَ الجَهْمِيَّةِ.وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَالِحِ بنِ هَانِئٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَلَمَةَ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى البُخَارِيِّ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَذَا رَجُلٌ مَقْبُوْلٌ بِخُرَاسَانَ خصوصاً فِي هَذِهِ المَدِيْنَةِ، وَقَدْ لَجَّ فِي هَذَا الحَدِيْثِ حَتَّى لاَ يَقْدِرَ أَحَدٌ منَّا أَنْ يُكَلِّمَهُ فِيْهِ، فَمَا تَرَى؟
فَقبضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: {وَأَفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيْرٌ بِالعِبَادِ} [غَافر: 44] اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أُرِدِ المقَامَ بِنَيْسَابُوْرَ أَشَراً وَلاَ بَطراً، وَلاَ طَلباً للرِّئاسَةِ، وَإِنَّمَا أَبَتْ عليَّ نَفْسِي فِي الرُّجُوعِ إِلَى وَطَنِي لِغَلَبَةِ المُخَالِفينَ، وَقَدْ قَصَدَنِي هَذَا الرَّجُلُ حَسَداً لَمَّا آتَانِي اللهُ لاَ غَيْر.
ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَحْمَدُ، إِنِّي خَارجٌ غَداً لتتخلَّصُوا مِنْ حَدِيْثِهِ لأَجلِي.
قَالَ: فَأَخبرْتُ جَمَاعَةَ أَصْحَابِنَا، فَوَاللهِ مَا شَيَّعَهُ غَيْرِي.
كُنْتُ مَعَهُ حِيْنَ خَرَجَ مِنَ البلدِ، وَأَقَامَ عَلَى بَابِ البلدِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لإِصْلاَحِ أَمرِهِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: لَمَّا اسْتوطَنَ
البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ أَكْثَرَ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ الاخْتِلاَفَ إِلَيْهِ.فَلَمَّا وَقَعَ بَيْنَ الذُّهْلِيِّ وَبَيْنَ البُخَارِيِّ مَا وَقَعَ فِي مَسْأَلَةِ اللَّفْظِ، وَنَادَى عَلَيْهِ، وَمنعَ النَّاسَ عَنْهُ، انْقَطَعَ عَنْهُ أَكْثَرُ النَّاسِ غَيْرَ مُسْلِمٍ.
فَقَالَ الذُّهْلِيُّ يَوْماً: أَلاَ مَنْ قَالَ بِاللَّفْظِ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسَنَا.
فَأَخَذَ مُسْلِمٌ رِدَاءً فَوْقَ عِمَامَتِهِ، وَقَامَ عَلَى رُؤُوْسِ النَّاسِ، وَبَعَثَ إِلَى الذُّهْلِيِّ مَا كتبَ عَنْهُ عَلَى ظَهرِ جَمَّالٍ.
وَكَانَ مُسْلِمٌ يُظْهِرُ القَوْلَ بِاللَّفْظِ وَلاَ يَكْتُمُهُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ المُؤَذِّنَ، سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ بنَ الشَّرْقِيِّ يَقُوْلُ: حضَرْتُ مَجْلِسَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ، فَقَالَ: أَلاَ مَنْ قَالَ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ فَلاَ يَحْضُرْ مَجْلِسَنَا، فَقَامَ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ مِنَ المَجْلِسِ.
رَوَاهَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيْرَازِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ، فَزَادَ: وَتَبِعَهُ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيرَازيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الأَخْرَمَ، سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: لَمَّا قَامَ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ مِنْ مَجْلِسِ الذُّهْلِيِّ، قَالَ الذُّهْلِيُّ: لاَ يُسَاكِننِي هَذَا الرَّجُلُ فِي البلدِ.
فَخَشِيَ البُخَارِيُّ وَسَافَرَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَتَى رَجُلٌ عَبْدَ اللهِ البُخَارِيَّ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنَّ فُلاَناً يُكَفِّرُكَ!
فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ
لأَخِيْهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا ) .وَكَانَ كَثِيْرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُوْلُوْنَ لَهُ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقَعُ فيكَ.
فَيَقُوْلُ: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيْفاً} [النِّسَاء 76] وَيتلو أَيْضاً: {وَلاَ يَحيقُ المَكْرُ السَّيِّءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} [فَاطِر: 43] .
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: كَيْفَ لاَ تدعُو اللهَ عَلَى هَؤُلاَءِ الَّذِيْنَ يظلِمُونَكَ وَيتنَاولونَكَ وَيَبْهَتُونَكَ؟
فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ ) ، وَقَالَ: - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ -: (مَنْ دَعَا عَلَى ظَالِمِهِ، فَقَدِ انْتَصَرَ ) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ يَتَعرَّضُ لَنَا قَطُّ أَحَدٌ مِنْ أَفنَاءِ النَّاسِ إِلاَّ رُمِيَ بِقَارعَةٍ، وَلَمْ يَسْلَمْ، وَكُلَّمَا حَدَّثَ الجُهَالُ أَنفسَهُم أَنْ يَمْكُرُوا بِنَا رَأَيْتُ مِنْ ليلتِي فِي المَنَامِ نَاراً تُوَقَدُ ثُمَّ تُطفَأُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتفَعَ بِهَا، فَأَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ تَعَالَى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ}
[المَائِدَة: 64] .وَكَانَ هِجِّيرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ إِذَا أَتيتهُ فِي آخِرِ مَقْدَمِهِ مِنَ العِرَاقِ: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُم وَإِنْ يَخْذُلْكُم فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُم مِنْ بَعْدِهِ} [آل عِمْرَان:160] الآيَة.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيْرَازِيُّ: سَمِعْتُ القَاسِمَ بنَ القَاسِمِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ وَرَّاقَ أَحْمَدَ بنِ سَيَّارٍ يَقُوْلُ لَمَّا قَدِمَ البُخَارِيُّ مَرْوَ اسْتَقبلَهُ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ فِيْمَنْ اسْتَقبَلَهُ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، نَحْنُ لاَ نُخَالِفُكَ فِيْمَا تَقُوْلُ، وَلَكِنَّ العَامَّةَ لاَ تحملُ ذَا مِنْكَ.
فَقَالَ البُخَارِيُّ: إِنِّي أَخشَى النَّارَ، أُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ أَعْلَمُهُ حقاً أَنْ أَقُوْلَ غَيْرَهُ.
فَانْصَرَفَ عَنْهُ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي (الجرحِ وَالتعديلِ ) : قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الرَّيَّ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَسَمِعَ مِنْهُ أَبِي وَأَبُو زُرْعَةَ، وَتركَا حَدِيْثَهُ عِنْدَمَا كَتَبَ إِليهِمَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى أَنَّهُ أَظهرَ عِنْدَهُم بِنَيْسَابُوْرَ أَنَّ لَفْظَهُ بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ.
قُلْتُ: إِنْ تركَا حَدِيْثَهُ، أَوْ لَمْ يَتْرُكَاهُ، البُخَارِيُّ ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ مُحتجٌّ بِهِ فِي العَالَمِ.ذِكْرُ مِحْنَتِهِ مَعَ أَمِيْرِ بُخَارَى
رَوَى أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيرَازيُّ قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُوْلُ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بُخَارَى نُصِبَ لَهُ القبَابُ عَلَى فرسخٍ مِنَ البلدِ، وَاسْتقبلَهُ عَامَّةُ أَهْلِ البلدِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَذْكُوْرٌ إِلاَّ اسْتَقبَلَهُ، وَنُثِرَ عَلَيْهِ الدَّنَانِيْرُ وَالِدَرَاهِمُ وَالسُّكَّرُ الكَثِيْرُ، فَبقيَ أَيَّاماً.
قَالَ: فَكَتَبَ بَعْدَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ إِلَى خَالِدِ بنِ أَحْمَدَ أَمِيْرِ بُخَارَى: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ أَظهرَ خِلاَفَ السُّنَّةِ.
فَقَرَأَ كِتَابَهُ عَلَى أَهْلِ بُخَارَى، فَقَالُوا: لاَ نُفَارِقُهُ، فَأَمرَهُ الأَمِيْرُ بِالخُرُوجِ مِنَ البلدِ، فَخَرَجَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ: فحَكَى لِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَعْقِلٍ النَّسفيِّ قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ فِي اليَوْمِ الَّذِي أُخرِجَ فِيْهِ مِنْ بُخَارَى، فَتقدَّمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَيْفَ تَرَى هَذَا اليَوْمَ مِنَ اليَوْمِ الَّذِي نُثِرَ عَلَيْكَ فِيْهِ مَا نُثِرَ؟
فَقَالَ: لاَ أُبَالِي إِذَا سَلِمَ دينِي.
قَالَ: فَخَرَجَ إِلَى بِيْكَنْد، فَسَارَ النَّاسُ مَعَهُ حزبينِ: حزبٌ مَعَهُ، وَحزبٌ عَلَيْهِ،
إِلَى أَنْ كتبَ إِلَيْهِ أَهْلُ سَمَرْقَنْدَ، فَسَأَلُوْهُ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِم، فَقَدِمَ إِلَى أَنْ وَصلَ بَعْضَ قُرَى سَمَرْقَنْدَ، فَوَقَعَ بَيْنَ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ فِتْنَةٌ مِنْ سَبَبِهِ، قَوْمٌ يُرِيْدُوْنَ إِدخَالَهُ البلَدَ، وَقَوْمٌ لاَ يُرِيْدُوْنَ ذَلِكَ، إِلَى أَنِ اتَّفقُوا عَلَى أَنْ يَدْخُلَ إِلَيْهِم، فَاتَّصلَ بِهِ الخَبَرُ وَمَا وَقَعَ بَيْنَهُم بِسَبِبِهِ، فَخَرَجَ يُرِيْدُ أَنْ يَرْكَبَ.فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى دَابَّتِهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ خِرْ لِي، ثَلاَثاً، فَسقَطَ مَيْتاً، فَاتَّصل بِأَهْلِ سَمَرْقَنْدَ، فَحضروهُ بِأَجمعهِم.
هَذِهِ حِكَايَةٌ شَاذَّةٌ مُنْقَطِعَةٌ، وَالصَّحِيْحُ مَا يَأْتِي خِلاَفهَا.
قَالَ غُنْجَارٌ فِي (تَارِيْخِهِ) : سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ بَكْرَ بنَ مُنِيْرِ بنِ خُليدِ بنِ عَسْكَرٍ يَقُوْلُ: بعثَ الأَمِيْرُ خَالِدُ بنُ أَحْمَدَ الذُّهْلِيُّ وَالِي بُخَارَى إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ أَنِ احملْ إِلَيَّ كِتَابَ (الجَامِعِ) وَ (التَّارِيْخِ) وَغَيْرِهِمَا لأَسْمَعَ مِنْكَ.
فَقَالَ لِرَسُوْلِهِ: أَنَا لاَ أُذِلُّ العِلْمَ، وَلاَ أَحْمِلُهُ إِلَى أَبْوَابِ النَّاسِ، فَإِنْ كَانَتْ لَكَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ حَاجَةٌ، فَاحضُرْ فِي مَسْجِدِي، أَوْ فِي دَارِي، وَإِنْ لَمْ يُعجبْكَ هَذَا فَإِنَّكَ سُلْطَانٌ، فَامنعنِي مِنَ المَجْلِسِ، ليَكُوْنَ لِي عذرٌ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، لأَنِّي لاَ أَكتُمُ العِلْمَ لقولِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ ) فَكَانَ سَبَبُ الوحشَةِ بَيْنَهُمَا هَذَا.
وَقَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ العَبَّاسِ الضَّبِّيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا
بَكْرٍ بنَ أَبِي عَمْرٍو الحَافِظَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ سَبَبُ مُنَافرَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ أَنَّ خَالِدَ بنَ أَحْمَدَ الذُّهْلِيَّ الأَمِيْرَ خَلِيْفَةَ الطَّاهريَّةِ بِبُخَارَى سَأَلَ أَنْ يَحْضُرَ مَنْزِلَهُ، فيقرأَ (الجَامِعَ) وَ (التَّارِيْخَ) عَلَى أَوْلاَدِهِ، فَامْتَنَعَ عَنِ الحُضُوْرِ عِنْدَهُ، فرَاسلَهُ بِأَنْ يعقِدَ مَجْلِساً لأَوْلاَدِهِ، لاَ يَحْضُرُهُ غَيْرهُم، فَامْتَنَعَ، وَقَالَ: لاَ أَخُصُّ أَحَداً.فَاسْتعَانَ الأَمِيْرُ بحريثِ بنِ أَبِي الوَرْقَاءِ وَغَيْرِهِ، حَتَّى تَكَلَّمُوا فِي مَذْهَبِهِ، وَنَفَاهُ عَنِ البلدِ، فَدَعَا عَلَيْهِم، فَلَمْ يَأْتِ إِلاَّ شَهْرٌ حَتَّى وَرَدَ أَمْرُ الطَّاهريَّةِ، بِأَنْ يُنَادَى عَلَى خَالِدٍ فِي البلدِ، فَنُوْدِيَ عَلَيْهِ عَلَى أَتَانٍ.
وَأَمَّا حُريثٌ، فَإِنَّهُ ابْتُلِيَ بِأَهْلِهِ، فَرَأَى فِيْهَا مَا يَجِلُّ عَنِ الوَصْفِ.
وَأَمَّا فُلاَن، فَابْتُلِيَ بِأَوْلاَدِهِ، وَأَرَاهُ اللهُ فِيْهِمُ البلاَيَا.
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا خَلَفٌ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بنُ شَاذَوْيه قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَسْكُنُ سِكَّةَ الدَّهْقَانِ، وَكَانَ جَمَاعَةٌ يَخْتَلِفونَ إِلَيْهِ، يُظْهِرُونَ شِعَارَ أَهْلِ الحَدِيْثِ مِنْ إِفرَادِ الإِقَامَةِ، وَرَفْعِ الأَيدِي فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
فَقَالَ حُريثُ بنُ أَبِي الوَرْقَاءِ وَغَيْرُهُ: هَذَا رَجُلٌ مُشغِبٌ، وَهُوَ يُفْسِدُ عَلَيْنَا هَذِهِ المَدِيْنَةَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى مِنْ نَيْسَابُوْرَ، وَهُوَ إِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ، فَاحتَّجُوا عَلَيْهِ بِابْنِ يَحْيَى، وَاسْتعَانُوا عَلَيْهِ بِالسُّلْطَانِ فِي نَفْيِهِ مِنَ البلدِ، فَأُخْرَجَ.
وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ وَرِعاً، يتجنَّبُ السُّلْطَانَ وَلاَ يَدْخُلُ عَلَيْهِم.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ وَاصلٍ البِيْكَنْدِيَّ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا بخُرُوْجِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَمقَامُهُ عِنْدنَا، حَتَّى سَمِعْنَا مِنْهُ هَذِهِ الكُتُبَ، وَإِلاَّ مَنْ كَانَ يصلُ إِلَيْهِ وَبمقَامِهِ فِي هَذِهِ النَّوَاحِي: فِرَبْر
وَبِيْكَنْد بقيَتْ هَذِهِ الآثَارُ فِيْهَا، وَتخرَّجَ النَّاسُ بِهِ.قُلْتُ: خَالِدُ بنُ أَحْمَدَ الأَمِيْرُ، قَالَ الحَاكِمُ: لَهُ بِبُخَارَى آثَارٌ محمودَةٌ كُلُّهَا، إِلاَّ مَوْجِدَتَهُ عَلَى البُخَارِيِّ، فَإِنَّهَا زَلَّةٌ، وَسببٌ لزوَالِ مُلْكِهِ.
سَمِعَ: إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ القَوَارِيْرِيَّ، وَطَائِفَةً.
حَدَّثَنَا عَنْهُ بهمذَانَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ الجَلاَّبُ، وَبمروَ: عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْرَقُ، وَكَانَ قَدْ مَالَ إِلَى يَعْقُوْبَ بنِ اللَّيْثِ، فَلَمَّا حَجَّ حبسوهُ بِبَغْدَادَ حَتَّى مَاتَ لسنتِهِ، وَهِيَ سَنَةُ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
ذِكْرُ وَفَاتِهِ:
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عَبْدَ القدُّوسِ بنَ عَبْدِ الجبَّارِ السَّمَرْقنديَّ يَقُوْلُ: جَاءَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى خَرْتَنْك - قَرْيَةٌ عَلَى فَرْسَخيْنِ مِنْ سَمَرْقَنْد - وَكَانَ لَهُ بِهَا أَقربَاء، فَنَزَلَ عِنْدَهُم، فسَمِعْتُهُ لَيْلَةً يدعُو وَقَدْ فرغَ مِنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عليَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، فَاقبضنِي إِلَيْكَ، فَمَا تمَّ الشَّهْرُ حَتَّى مَاتَ، وَقبرُهُ بِخَرْتَنْك.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، سَمِعْتُ أَبَا مَنْصُوْرٍ غَالِبَ بنَ جِبْرِيْلَ، وَهُوَ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
إِنَّهُ أَقَامَ عِنْدنَا أَيَّاماً، فمَرِضَ، وَاشتدَّ بِهِ المَرَضُ، حَتَّى وَجَّهَ رَسُوْلاً إِلَى مَدِيْنَةِ سَمَرْقَنْدَ فِي إِخْرَاجِ مُحَمَّدٍ، فَلَمَّا وَافَى
تَهَيَّأَ للرُّكُوبِ، فلبسَ خُفَّيْهِ، وَتعمَّمَ، فَلَمَّا مَشَى قدرَ عِشْرِيْنَ خطوَةً أَوْ نحوَهَا وَأَنَا آخِذٌ بَعْضُدِهِ وَرَجُلٌ أَخذَ مَعِي يقودُهُ إِلَى الدَّابَّةِ ليركبَهَا، فَقَالَ -رَحِمَهُ اللهُ-: أَرسلونِي، فَقَدْ ضَعُفْتُ، فَدَعَا بدعَوَاتٍ، ثُمَّ اضطجعَ، فَقَضَى -رَحِمَهُ اللهُ- فسَالَ مِنْهُ العرَقُ شَيْءٌ لاَ يُوْصَفُ، فَمَا سَكَنَ مِنْهُ العرَقُ إِلَى أَنْ أَدرجنَاهُ فِي ثِيَابِهِ.وَكَانَ فِيْمَا قَالَ لَنَا وَأَوْصَى إِلَيْنَا: أَنْ كَفِّنُونِي فِي ثَلاَثَةِ أَثوَابٍ بِيْضٍ، لَيْسَ فِيْهَا قَمِيْصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ، فَفَعَلْنَا ذَلِكَ.
فَلَمَّا دَفَنَّاهُ فَاحَ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ رَائِحَةٌ غَاليَةٌ أَطيبُ مِنَ المِسْكِ، فَدَام ذَلِكَ أَيَّاماً، ثُمَّ علَتْ سوَارِيُّ بِيْضٌ فِي السَّمَاءِ مستطيلَةٌ بحِذَاءِ قَبْرِهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَخْتَلِفونَ وَيتعجَّبُوْنَ، وَأَمَّا التُّرَابُ فَإِنَّهُم كَانُوا يَرْفَعُوْنَ عَنِ القَبْرِ حَتَّى ظَهرَ القَبْرُ، وَلَمْ نكنْ نقدِرُ عَلَى حفظِ القَبْرِ بِالحُرَّاسِ، وَغُلِبْنَا عَلَى أَنفُسِنَا، فنصبنَا عَلَى القَبْرِ خَشَباً مُشَبَّكاً، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ عَلَى الوُصُوْلِ إِلَى القَبْرِ، فَكَانُوا يَرْفَعُوْنَ مَا حولَ القَبْرِ مِنَ التُّرَابِ، وَلَمْ يَكُوْنُوا يخلصُوْنَ إِلَى القَبْرِ، وَأَمَّا رِيْحُ الطِّيبِ فَإِنَّهُ تدَاومَ أَيَّاماً كَثِيْرَةً حَتَّى تَحَدَّثَ أَهْلُ البَلْدَة، وَتعجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ، وَظهرَ عِنْدَ مُخَالِفِيهِ أَمرُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَخَرَجَ بَعْضُ مُخَالِفِيهِ إِلَى قَبْرِهِ، وَأَظهرُوا التَّوبَةَ وَالنَّدَامَةَ مِمَّا كَانُوا شرعُوا فِيْهِ مِنْ مذمومِ المَذْهَبِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَلَمْ يعِشْ أَبُو مَنْصُوْرٍ غَالِبُ بنُ جِبْرِيْلَ بَعْدَهُ إِلاَّ القَلِيْلَ، وَأَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ إِلَى جَنْبِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مكِّي الجُرْجَانِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَاحِدِ بنَ آدَمَ الطَّواويسِيَّ يَقُوْلُ:رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ وَاقفٌ فِي مَوْضِعٍ، فسلَّمْتُ عَلَيْهِ، فردَّ عليَّ السَّلاَمَ.
فَقُلْتُ: مَا وُقُوفُكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: أَنتَظِرُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ بَلَغَنِي مَوْتَهُ، فَنَظَرتُ، فَإِذَا قَدْ مَاتَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيْهَا.
وَقَالَ خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَيَّامُ: سَمِعْتُ مَهِيبَ بنَ سُلَيْمٍ الكرْمِيْنِيَّ يَقُوْلُ:
مَاتَ عِنْدنَا البُخَارِيُّ لَيْلَةَ عيدِ الفِطرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ، وَقَدْ بَلَغَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَكَانَ فِي بَيْتٍ وَحدَهُ، فَوَجَدنَاهُ لَمَّا أَصْبَحَ وَهُوَ مَيِّتٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البَزَّازَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ:
تُوُفِّيَ البُخَارِيُّ لَيْلَةَ السَّبْتِ، لَيْلَةَ الفِطْرِ، عِنْدَ صَلاَةِ العشَاءِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الفِطْرِ بَعْدَ صَلاَةِ الظُّهْرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَعَاشَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ سَنَةً إِلاَّ ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْماً.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ حَاتِمٍ الخَلْقَانِيَّ فِي المَنَامِ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدِ بنِ حَفْصٍ، فَسَأَلْتُهُ وَأَنَا أَعْرِفُ أَنَّهُ مَيِّتٌ عَنْ شَيْخِي -رَحِمَهُ اللهُ- هَلْ رَأَيْتَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتُهُ، وَهُوَ ذَاكَ، يشيرُ إِلَى نَاحِيَةِ سطحٍ مِنْ سطوحِ المَنْزِلِ.
ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
فَقَالَ: رَأَيْتُهُ، وَأَشَارَ إِلَى السَّمَاءِ إِشَارَةً كَادَ أَنْ يَسْقُطَ مِنْهَا لعلوِّ مَا يُشيرُ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بنُ الحَسَنِ السَّكتِيُّ السَّمرقندِيُّ، قَدِمَ عَلَيْنَا بَلَنْسِيَةَ عَامَ أَرْبَعِيْنَ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، قَالَ: قَحطَ المَطَرُ عِنْدنَا بِسَمَرْقَنْدَ فِي بَعْضِ الأَعْوَامِ، فَاسْتسقَى النَّاسُ مِرَاراً، فَلَمْ يُسْقَوا، فَأَتَى رَجُلٌ صَالِحٌ مَعْرُوْفٌ بِالصَّلاَحِ إِلَى قَاضِي سَمَرْقَنْدَ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي رَأَيْتُ رأْياً أَعرضُهُ عَلَيْكَ.قَالَ: وَمَا هُوَ؟
قَالَ: أَرَى أَنْ تخرجَ وَيخرجَ النَّاسُ مَعَكَ إِلَى قَبْرِ الإِمَامِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، وَقبرُهُ بخَرْتَنْك، وَنستسقِي عِنْدَهُ، فعسَى اللهُ أَنْ يَسْقِينَا.
قَالَ: فَقَالَ القَاضِي: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ.
فَخَرَجَ القَاضِي وَالنَّاسُ مَعَهُ، وَاسْتسقَى القَاضِي بِالنَّاسِ، وَبَكَى النَّاسُ عِنْدَ القَبْرِ، وَتشفَّعُوا بصَاحِبِهِ، فَأَرسلَ اللهُ -تَعَالَى- السَّمَاءَ بِمَاءٍ عَظِيْمٍ غَزِيْرٍ أَقَامَ النَّاسُ مِنْ أَجلِهِ بِخَرْتَنْك سَبْعَةَ أَيَّامٍ أَوْ نحوَهَا، لاَ يَسْتَطيعُ أَحَدٌ الوُصُوْلَ إِلَى سَمَرْقَنْدَ مِنْ كَثْرَةِ المَطَرِ وَغزَارتِهِ، وَبَيْنَ خرتنك وَسَمَرْقَنْد نَحْوَ ثَلاَثَةَ أَمِيَالٍ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ فِي (تَارِيْخِهِ) : أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ القَاضِي الحرشِيُّ بِنَيْسَابُوْرَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَحْمَدَ الفَقِيْهَ البَلْخِيَّ (ح) ، قَالَ الخَطِيْبُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارَ البَلْخِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ المُسْتَمْلِي يَرْوِي عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: سَمِعَ كِتَابَ (الصَّحِيْحِ) لِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ تِسْعُوْنَ أَلفَ رَجُلٍ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ يَرْوِيْهِ غَيْرِي.
ذِكْرُ الصَّحَابَةِ الَّذِيْنَ أَخْرَجَ لَهُم البُخَارِيُّ وَلَمْ يروِ عَنْهُم سِوَى وَاحِدٍ:مِرْدَاسٌ الأَسْلَمِيُّ؛ عَنْهُ قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، حَزْنٌ المَخْزُوْمِيُّ؛ تَفَرَّدَ عَنْهُ ابْنُهُ أَبُو سَعِيْدٍ المُسَيَّبُ بنُ حَزْنٍ، زَاهِرُ بنُ الأَسْوَدِ؛ عَنْهُ ابْنُهُ مَجْزَأَةُ، عَبْدُ اللهِ بنُ هِشَامِ بنِ زُهْرَةَ القُرَشِيُّ؛ عَنْهُ حَفِيْدَهُ زُهْرَةُ بنُ مَعْبَدٍ، عَمْرُو بنُ تَغْلِبَ؛ عَنْهُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ، عَبْدُ اللهِ بنُ ثَعْلَبَةَ بنُ صُعَيْرٍ؛ رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ قَوْلَهُ، سُنَيْنٌ أَبُو جَمِيْلَةَ السُّلَمِيُّ؛ عَنْهُ الزُّهْرِيُّ، أَبُو سَعِيْدٍ بنُ المُعَلَّى؛ تَفَرَّدَ عَنْهُ حَفْصُ بنُ عَاصِمٍ، سُوَيْدُ بنُ النُّعْمَانِ الأَنْصَارِيُّ شَجَرِيٌّ؛ تَفَرَّدَ بِالحَدِيْثِ عَنْهُ بُشَيْرُ بنُ يَسَارٍ، خولَةُ بِنْتُ ثَامرٍ؛ عَنْهَا النُّعْمَانُ بنُ أَبِي عَيَّاشٍ، فَجملتُهُم عَشْرَةٌ.
فصل:
(تَارِيْخُ) البُخَارِيِّ، يَشْتَمِلُ عَلَى نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِيْنَ أَلفاً وَزيَادَةً، وَكِتَابُهُ فِي (الضُّعَفَاءِ) دُوْنَ السَّبْعِ مائَةِ نَفْسٍ، وَمَنْ خَرَّجَ لَهُم فِي (صَحِيْحِهِ) دُوْنَ الأَلفينِ.
قَالَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الحَازمِيُّ، فـ (صَحِيْحُهُ) مُخْتَصرٌ جِدّاً. وَقَدْ
نقل الإِسْمَاعِيْلِيُّ عَمَّنْ حَكَى عَنِ البُخَارِيِّ، قَالَ: لَمْ أَخرِّجْ فِي الكِتَابِ إِلاَّ صَحِيْحاً.قَالَ: وَمَا تركتُ مِنَ الصَّحِيْحِ أَكْثَرُ.
لِبَعْضِهِم:
(صَحِيْحُ البُخَارِيِّ) لَوْ أَنْصَفُوهُ ... لَمَا خُطَّ إِلاَّ بمَاءِ الذَّهَبْ
هُوَ الفَرْقُ بَيْنَ الهُدَى وَالعمَى ... هُوَ السَّدُّ بَيْنَ الفَتَى وَالعَطَبْ
أَسَانِيْدُ مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاءِ ... أَمَامَ مُتُوْنٍ كَمِثْلِ الشُّهُبْ
بِهِ قَامَ مِيْزَانُ دِيْنِ الرَّسُوْلِ ... وَدَانَ بِهِ العُجْمُ بَعْدَ العَرَبْ
حِجَابٌ مِنَ النَّارِ لاَ شَكَّ فِيْهِ ... تَمَيَّزَ بَيْنَ الرِّضَى وَالغَضَبْ
وَسِتْرٌ رَقِيْقٌ إِلَى المُصْطَفَى ... وَنصٌّ مُبِيْنٌ لِكَشْفِ الرِّيَبْ
فَيَا عَالِماً أَجْمَعَ العَالِمُوْنَ ... عَلَى فَضْلِ رُتْبَتِهِ فِي الرُّتَبْ
سَبَقْتَ الأَئِمَّةَ فِيْمَا جَمَعْتَ ... وَفُزْتَ عَلَى رَغْمِهِمْ بِالقَصَبْ
نَفَيْتَ الضَّعِيْفَ مِنَ النَّاقِلِيْنَ ... وَمَنْ كَانَ مُتَّهَماً بِالكَذِبْ
وَأَبْرَزْتَ فِي حُسْنِ تَرْتِيْبِهِ ... وَتَبْوِيْبِهِ عَجَباً لِلْعَجَبْ
فَأَعطَاكَ مَولاَكَ مَا تَشْتَهِيْهِ ... وَأَجْزَلَ حَظَّكَ فِيْمَا وَهَبْ
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=154907&book=5550#f53b1e
أبو ذر الغفاري
صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اختلف في اسمه اختلافاً كبيراً، والأظهر أنه جندب بن جنادة. وهو من أعيان الصحابة. قديم الإسلام. أسلم بمكة قبل الهجرة، ورجع إلى بلاد قومه، ولم يشهد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدراً.
وشهد فتح بيت المقدس، والجابية مع عمر بن الخطاب، وقدم دمشق، ورآه بها الأحنف بن قيس، وقيل: ببيت المقدس، وقيل: بحمص.
وذكر أبو بكر البلاذري قال: بنى معاوية الخضراء بدمشق، فقال له أبو ذر: إن كانت هذه من مال الله فهي الخيانة، وإن كانت من مالك فهذا الإسراف. فسكت معاوية.
قال خالد بن حيان: كان أبو ذر وأبو الدرداء في مظلتين من شعر بدمشق.
وقال الأحنف بن قيس: دخلت مسجد دمشق فإذا رجل يكثر الركوع والسجود، قلت: لا أخرج حتى أنظر أعلى شفع يدري هذا ينصرف أم على وتر، فلما فرغ قلت: يا أبا عبد الله أعلى شفع تدري انصرفت أم على وتر؟ فقال: إلا أدر فإن الله يدري؛ إني سمعت خليلي أبا القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم بكى، ثم قال: سمعت خليلي أبا القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما من عبد يسجد لله سجدةً
إلا رفعه الله بها درجةً وحظ عنه بها خطيئة، قلت: من أنت، رحمك الله؟ قال: أنا أبو ذر. قال الأحنف: فتقاصرت إلي نفسي مما وقع في نفسي عليه.
قال أبو زرعة: وممن نزل الشام من مصر أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، نزل بيت المقدس يوم ارتحله عثمان إلى المدينة.
قال ابن سعد في الطبقة الثانية:
وأبو ذر، واسمه جندب بن جنادة وساق نسبه إلى غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار.
قال: وكان خامساً في الإسلام، ولكنه رجع إلى بلاد قومه، فأقام بها حتى قدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك، وتوفي لأربع سنين بقيت من خلافة عثمان، وصلى عليه عبد الله بن مسعود بالربذة زاد غيره: سنة اثنتين وثلاثين.
ووقع في طبقات ابن سميع أنه بدري، وهو وهم؛ فإن أبا ذر لم يشهد بدراً.
وقال البخاري: هاجر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حجازي. ومات بالربذة في زمن عثمان.
قال أبو أحمد الحاكم: أبو ذر جندب بن جنادة ويقال: برير بن جندب، ويقال: برير بن جنادة، ويقال: جندب بن عبد الله، ويقال: جندب بن السكن. والمشهور: جندب بن جنادة الحجازي. له صحبة. وأمه: رملة بنت الوقيعة، من بني غفار أيضاً.
قال ابن يونس: شهد فتح مصر، واختط بها.
قال ابن منده: ويقال: إن اسم أبي ذر جنادة بن السكن.
قال أبو نعيم: اختلف في اسمه ونسبه، وكان يتعبد قبل مبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث سنين، يقوم بالليل مصلياً، حتى إذا كان آخر الليل سقط كأنه خرقة، ثم أسلم بمكة في أول الدعوة، وهو رابع الإسلام، وهو أول من حيا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتحية الإسلام، وبايع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ألا تأخذه في الله لومة لائم، ثم كان يشبه بعيسى بن مريم عبادةً ونسكاً، لم يتلوث بشيء من فضول الدنيا حتى فارقها. ثبت على العهد الذي بايع عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التخلي عن فضول الدنيا، والتبرئ منها؛ كان يرى إقبالها محنةً وهواناً، وإدبارها نعمةً وامتناناً. حافظ على وصية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له في محبة المساكين ومجالستهم، ومباينة المكثرين في مفارقتهم. كان يخدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا فرغ منه أوى إلى مسجده، واستوطنه. سيد من آثر العزلة والوحدة، وأول من تكلم في علم الفناء والبقاء. كان وعاءً ملئ علماً فربط عليه.
كان رجلاً آدم طويلاً أبيض الرأس واللحية، توفي بالربذة، فولي غسله وتكفينه والصلاة عليه عبد الله بن مسعود في نفر كان منهم حجر بن الأدبر، سنة اثنتين وثلاثين، ودفن بها. وكان يؤاخي سلمان الفارسي. لم تقل الغبراء، ولم تظل الخضراء على ذي لهجة أصدق منه.
عن رجل من بني عامر قال: كنت كافراً فهداني الله إلا الإسلام، وكنت أعزب عن الماء، ومعي أهلي، فتصيبني الجنابة، فوقع ذلك في نفسي، وقد نعت لي أبو ذر، فحججت، فدخلت مسجد منىً، فعرفته، فالتفت، فإذا شيخ معروق آدم عليه قطري.
وقال الأحنف بن قيس: قدمت المدينة، فدخلت مسجدها، فبينما أنا أصلي إذ دخل رجل آدم طوال أبيض الرأس واللحية محلوق، يشبه بعضه بعضاً. قال: فخرج، فاتبعته، فقلت: من هذا؟ قالوا: أبو ذر.
وفي صحيح مسلم: حدثنا هداب بن خالد الأزدي وقال محمد بن سعد: أخبرنا هاشم بن القاسم الكناني أبو النضر قالا: حدثنا سليمان بن المغيرة، أخبرنا حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر: خرجنا من قومنا غفار، وكانوا يحلون الشهر الحرام، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا، فنزلنا على خال لنا، فأكرمنا خالنا، وأحسن إلينا، فحسدنا قومه، فقالوا: إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس. فجاء خالنا، فنثا علينا الذي قيل له، فقلت: أما ما مضى من معروفك فقد كدرته، ولا جماع لك فيما بعد. فقربنا صرمتنا، فاحتملنا عليها، وتغطى خالنا بثوبه فجعل يبكي. فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة، فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها، فأتيا الكاهن، فخير أنيساً، فأتى أنيس بصرمتنا ومثلها معها.
قال: وقد صليت يا بن أخي قبل أن ألقى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث سنين، قلت: لمن؟ قال: لله، قلت: فأين توجه؟ قال: أتوجه حيث يوجهني ربي، أصلي عشاءً حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء حتى تعلوني الشمس. فقال أنيس: إن لي حاجةً
بمكة، فاكفني. فانطلق أنيس حتى أتى مكة، فراث علي، ثم جاء، فقلت: ما صنعت؟ قال: لقيت رجلاً بمكة على دينك، يزعم أن الله أرسله. قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر وكان أنيس أحد الشعراء قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فما يلتئم على لسان أحد يعدو أنه شعر، والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون.
قال: قلت: فاكفني حتى أذهب فأنظر زاد في رواية أخرى: قال: نعم، وكن على حذر من أهل مكة، فإنهم قد شنفوا له، وتجهموا.
قال: فأتيت مكة، فتضعفت رجلاً منهم، فقلت: أين هذا الذي تدعونه الصابئ؟ فأشار إلي، فقال: هذا الصابئ، فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشياً علي، فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر، فأتيت زمزم، فغسلت عني الدماء، وشربت من مائها، ولقد لبثت يا بن أخي ثلاثين بين ليلة ويوم، ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، وما وجدت على كبدي سخفة جوع.
قال: فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان إذ ضرب الله على أسمختهم، فما يطوف بالبيت أحد منهم غير امرأتين، فأتتا علي وهما يدعوان إسافاً ونائلة، فقلت: هن مثل الخشبة غير أني لا أكني فانطلقتا تولولان، وتقولان: لو كان ها هنا أحد من
أنفارنا! فاستقبلهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وهما هابطتان، قال: مالكما؟ قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها، قال: ما قال لكما؟ قالتا: إنه قال لنا كلمةً تملأ الفم. وجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى استلم الحجر، وطاف بالبيت هو وصاحبه، ثم صلى، فلما قضى صلاته كنت أول من حياه بتحية الإسلام، فقال: وعليك ورحمة الله، ممن أنت؟ قلت: من غفار، فأهوى بيده، فوضع أصابعه على جبهته، فقلت في نفسي: كره أن انتميت إلى غفار، فذهبت آخذ بيده، فقد عني صاحبه، وكان أعلم به مني، فرفع رأسه ثم قال: متى كنت ها هنا؟ قلت: منذ ثلاثين بين ليلة ويم، قال: فمن كان يطعمك؟ قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، فما وجدت على كبدي سخفة جوع. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنها مباركة، إنها طعام طعم. فقال أبو بكر: يا رسول الله، ائذن لي في إطعامه الليلة، فانطلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وانطلقت معهما، ففتح أبو بكر باباً، فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف، فكان ذلك أول طعام أكلته بها، ثم غبرت ما غبرت، ثم أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إنه قد وجهت لي أرض ذات نخل، لا أراها إلا يثرب، فهل أنت مبلغ عني قومك، عسى الله أن ينفعهم بك، ويأجرك فيهم.
فأتيت أنيساً، فقال: ما صنعت؟ فقلت: صنعت أني أسلمت، وصدقت، قال: ما لي رغبة عن دينك، فإني قد أسلمت وصدقت. فأتينا أمنا، فقالت: ما لي رغبة عن دينكما، فإني قد أسلمت، وصدقت. فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفاراً، فأسلم نصفهم قبل أن يقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة فقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فأسلم نصفهم الباقي. وجاءت أسلم، فقالوا: يا رسول الله، إخوتنا، نسلم على الذي أسلموا عليه، فأسلموا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله.
رواه ابن عون، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر قال: صليت قبل أن يبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين، قلت: أين كنت توجه؟ قال: حيث وجهني الله، كنت أصلي حتى إذا كان نصف الليل سقطت كأني خرقة فذكر الحديث نحو ما مضى إلى أن قال: فانطلق أخي أنيس، فأتى مكة، فلما قدم قال: أتيت رجلاً تسميه الناس الصابئ، هو أشبه الناس بك.
قال أبو ذر:
فأتيت مكة، فرأيت، رجلاً هو أضعف القوم في عيني، فقلت: أين الرجل الذي تسميه الناس الصابئ؟ فرفع صوته علي، وقال: صابئ، صابئ. فرماني الناس حتى كأني نصب أحمر، فاختبأت بين الكعبة وبين أستارها، فكنت فيها خمس عشرة من بين يوم وليلة فذكر الحديث في اجتماعه بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو ما مضى، وقال: قال صاحبه: يا رسول الله، أتحفني بضيافته الليلة.
رواه مسلم في الصحيح مختصراً، ثم قال: وحدثني إبراهيم بن محمد بن عرعرة، ومحمد بن حاتم قالا: أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا المثنى بن سعيد، عن أبي جمرة، عن ابن عباس قال: لما بلغ أبا ذر مبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله، ثم ائتني.
فانطلق الأخ حتى قدم مكة، وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلاماً ما هو بالشعر. فقال: ما شفيتني فيما أردت. فتزود وحمل شنةً له، فيها ماء حتى قدم مكة، فأتى المسجد، فالتمس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو لا يعرفه،
وكره أن يسأل عنه، حتى أدركه يعني الليل، فاضطجع، فرآه علي، فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه، فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد، فظل ذلك اليوم ولا يرى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه، فمر به علي، فقال: أما أنى للرجل أن يعلم منزله!؟ فأقامه، فذهب به معه، ولا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى إذا كان يوم الثالثة فعل مثل ذلك، فأقامه علي معه، ثم قال: ألا تحدثني ما الذي أقدمك هذا البلد؟ قال: إن أعطيتني عهداً وميثاقاً لترشدني فعلت. ففعل، فأخبره، فقال: إنه حق، وهو رسول الله، فإذا أصبحت فاتبعني، فإني إن رأيت شيئاً أخاف عليك منه قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي. ففعل. فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودخل معه، فسمع من قوله، وأسلم مكانه، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري، فقال: والذي نفسي بيده لأصرخن بها بني ظهرانيهم.
فخرج حتى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. وثار القوم فضربوه حتى أضجعوه، وأتى العباس فأكب عليه، فقال: ويلكم! ألستم تعلمون أنه من غفار، وأن طريق تجارتكم إلى الشام عليهم؟ فأنقذه منهم، ثم عاد من الغد لمثلها، وثاروا إليه فضربوه، فأكب عليه العباس فأنقذه.
وقال أبو قتيبة سلم بن قتيبة: حدثنا المثنى بن سعيد القصير، حدثني أبو جمرة قال: قال ابن عباس: ألا أخبركم بإسلام أبي ذر؟ قلنا: بلى، قال: قال: كنت رجلاً من غفار، فبلغنا أن رجلاً قد خرج بمكة يزعم أنه نبي، فقلت لأخي: أنطلق إلى هذا الرجل فكلمه، وائتني بخبره. فانطلق، فلقيه ثم رجع، فقلت: ما عندك؟ قال: والله لقد رأيته رجلاً يأمر
بالخير، وينهى عن الشر، فقلت: لم تشفني من الخبر. فأخذت جراباً وعصا ثم أقبلت إلى مكة، فجعلت لا أعرفه، وأكره أن أسأل عنه، وأشرب من ماء زمزم، وأكون في المسجد. فمر علي فقال: كأن الرجل غريب؟ قلت: نعم، قال: فانطلق إلى المنزل، فانطلقت معه، لا يسألني عن شيء، ولا أخبره. فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه، وليس أحد يخبرني عنه بشيء، فمر بي علي فقال: ما آن للرجل أن يعود؟ قلت: لا، قال: ما أمرك، وما أقدمك هذه البلدة؟ قلت: إن كتمته علي أخبرتك، قال: فإني أفعل. قلت: بلغنا أنه قد خرج رجل يزعم أنه نبي، فأرسلت أخي ليكلمه، فرجع ولم يشفني من الخبر، فأردت أن ألقاه.
قال: أما إنك قد رشدت لأمرك، هذا وجهي إليه فاتبعني، فادخل حيث أدخل، فإني إن رأيت أحداً أخافه عليك قمت إلى الحائط. وامض أنت. قال: فمضى، ومضيت معه حتى دخل، ودخلت معه على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله، اعرض علي الإسلام، فعرضه علي، فأسلمت مكاني، فقال لي: يا أبا ذر، أكتم هذا الأمر وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل. قلت: والذي بعثك بالحق لأصرخن ما بين أظهركم. فجاء إلى المسجد وقريش فيه، فقال: يا معشر قريش، إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ، فقاموا، فضربت لأموت، وأدركني العباس، فأكب علي ثم قال: ويحكم! تقتلون رجلاً من غفار، ومتجركم، وممركم على غفار؟ فأقلعوا عني، فلما أصبحت الغد رجعت، فقلت ما قلت بالأمس، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ. فضربوني، وأدركني العباس، فأكب علي.
قال: فكان هذا أول إسلام أبي ذر.
عن خفاف بن إيماء بن رحضة قال: كان أبو ذر رجلاً يصيب الطريق، وكان شجاعاً ينفرد وحده بقطع الطريق،
ويغير على الصرم في عماية الصبح على ظهر فرسه، أو على قدميه كأنه السبع، فيطرق الحي، ويأخذ ما أخذ. ثم إن الله قذف في قلبه الإسلام، وسمع بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يومئذ بمكة يدعو مختفياً، فأقبل يسأل عنه، حتى أتاه في منزله وقبل ذلك ما قد طلب من يوصله إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يجد أحداً فانتهى إلى الباب، فاستأذن، فدخل، وعنده أبو بكر، وقد أسلم قبل ذلك بيوم أو يومين، وهو يقول: يا رسول الله، والله لا نستسر بالإسلام، ولنظهرنه، فلا يرد عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً، فقلت: يا محمد، إلام تدعو؟ قال: إلى الله وحده لا شريك له، وخلع الأوثان، وتشهد أني رسول الله. قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله. ثم قال أبو ذر: يا رسول الله، إني منصرف إلى أهلي، وناظر متى يؤمر بالقتال فألحق بك، فإني أرى قومك عليك جميعاً. فقال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أصبت، فانصرف. فكان يكون بأسفل ثنية غزال، فكان يعترض لعيرات قريش، فيقتطعها، فيقول: لا أرد إليكم منها شيئاً حتى تشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإن فعلوا رد عليهم ما أخذ منهم، وإن أبوا لم يرد عليهم شيئاً. فكان على ذلك حتى هاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومضى بدر وأحد، ثم قدم، فأقام بالمدينة مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن أبي ذر قال: كنت رابع الإسلام، أسلم قبلي ثلاثة، وأنا الرابع، فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: سلام عليك يا نبي الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فرأيت الاستبشار في وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: من أنت؟ قلت: أنا جندب رجل من بني غفار، قال: فرأيتها في وجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حيث ارتدع، كأنه ود أني كنت من قبيلة أرفع من قبيلتي. قال: وكنت من قبيلة فيها رقةً، كانوا يسرقون الحاج بمحاجن لهم.
قال جبير بن نفير: كان أبو ذر، وعمرو بن عبسة، كل واحد منهم يقول: أنا ربع الإسلام. وقال: وكان أبو ذر يقول: لقد رأيتني ربع الإسلام، لم يسلم قبلي إلا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وبلال.
وعن موسى بن عقبة، عن عطاء بن أبي مروان، عن أبيه، عن أبي ذر قال: كنت في الإسلام خامساً.
قال الواقدي: قالوا: وعبأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه، وصفهم صفوفاً يعني يوم حنين ووضع الرايات والألوية في أهلها، وسمى حامليها. قال: وكان في بني غفار راية يحملها أبو ذر.
قال: وكان أبو ذر يقول: أبطأت في غزوة تبوك من أجل بعيري، كان نضواً أعجف، فقلت: أعلفه أياماً، ثم ألحق برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فعلفته أياماً، ثم خرجت، فلما كنت بذي المروة أذم بي، وتلومت عليه يوماً فلم أر به حركة. فأخذت متاعي، فحملته على ظهري، ثم خرجت أتبع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماشياً في حر شديد، وقد تقطع الناس فلا أرى أحداً يلحقه من المسلمين، وطلعت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصف النهار، وقد بلغ مني العطش، فنظر ناظر من الطريق، فقال: يا رسول الله، إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده، فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: كن أبا ذر، فلما تأملني القوم قالوا: يا رسول الله، هذا أبو ذر، فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى دنوت منه، فقال:
مرحباً بأبي ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، فقال: ما خلفك يا أبا ذر؟ فأخبره خبر بعيره، ثم قال: إن كنت لمن أعز أهلي علي تخلفاً، لقد غفر الله لك يا أبا ذر بكل خطوة ذنباً إلى أن بلغتني، ووضع متاعه عن ظهره، ثم استسقى، فأتي بإناء من ماء فشربه.
وعن غضيف بن الحارث، عن أبي الدرداء قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبتدئ أبا ذر إذا حضر، ويتفقده إذا غاب.
وعن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: قال أبو ذر: وكان أكثر أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له سؤالاً.
فذكر حديثاً.
وعن حاطب قال: قال أبو ذر: ما ترك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً مما صبه جبريل وميكائيل في صدره إلا قد صبه في صدري، ولا تركت شيئاً مما صبه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صدري إلا صببته في صدر مالك بن ضمرة.
وقال أبو ذر: لقد تركنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا وهو يذكرنا منه علماً.
وقال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كل شيء حتى عن مسح الحصا، فقال: واحدة.
قال: أوصاني حبي بخمس: أرحم المساكين وأجالسهم، وأنظر إلى من تحتي ولا
أنظر إلى من فوقي، وأن أصل الرحم وإن أدبرت، وأن أقول الحق وإن كان مراً، وأن أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
قال عمر مولى غفرة: ما أعلم بقي فينا من الخمس إلا هذه؛ قولنا: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وعن عون بن مالك، عن أبي ذر أنه جلس إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا أبا ذر هل صليت الضحى؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين، فقام فصلى، ثم جلس، فقال: يا أبا ذر، تعوذ بالله من شياطين الإنس، قلت: يا رسول الله، هل للإنس شياطين؟ قال: نعم يا أبا ذر، ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قلت: ما هو؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وعن عبيد بن عمير، عن أبي ذر قال: دخلت المسجد فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا أبا ذر ألا أوصيك بوصايا إن أنت حفظتها نفعك الله بها؟ قلت: بلى بأبي أنت وأمي، قال: جاور القبور تذكر بها وعيد الآخرة، وزرها بالنهار، ولا تزرها بالليل، واغسل الموتى؛ فإن في معالجة جسد خاو عظةً، وشيع الجنائز؛ فإن ذلك يحرك القلب ويحزنه، وأعلم أن أهل الحزن في أمن الله، وجالس أهل البلاء والمساكين، وكل معهم، ومع خادمك لعل الله يرفعك يوم القيامة، والبس الخشن الصفيق من الثياب تذللاً لله عز وجل وتواضعاً لعل الفخر والبطر لا يجدان فيك مساغاً، وتزين أحياناً في عبادة الله بزينة حسنة تعففاً وتكرماً، فإن ذلك لا يضرك إن شاء الله وعسى أن يحدث لله شكراً.
وسئل أبو ذر: هل كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: ما لقيني قط
إلا صافحني، ولقد جئت مرةً، فقيل لي: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طلبك، فجئت، فاعتنقني، فكان ذلك أجود وأجود.
وقال: أرسل إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه الذي توفي فيه، فأتيته، فوجدته نائماً، فأكببت عليه، فرفع يده فالتزمني.
سئل علي بن أبي طالب عن أبي ذر، فقال: علم العلم ثم أوكى فربط عليه ربطاً شديداً.
وقال أيضاً: أبو ذر وعاء ملئ علماً ثم أوكى عليه فلم يخرج منه شيء، حتى قبض.
وقال أيضاً: وعى علماً عجز فيه وكان شحيحاً حريصاً؛ شحيحاً على دينه، حريصاً على العلم، وكان يكثر السؤال، فيعطى ويمنع، أما إنه قد ملئ له في وعائه حتى امتلأ.
فلم يدروا ما يريد بقوله: وعى علماً عجز فيه؛ أعجز عن كشفه، أم عما عنده من العلم، أم عن طلب ما طلب من العلم إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: كان أبو ذر جالساً إلى جنب أبي بن كعب يوم الجمعة، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب، فتلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيةً لم يكن أبو ذر سمعها، فقال أبو ذر لأبي: متى أنزلت هذه الآية؟ فلم يكلمه، فلما أقيمت الصلاة قال له أبو ذر: ما منعك أن تكلمني حين سألتك؟ فقال أبي: إنه ليس لك من جمعتك إلا ما لغوت. فانطلق أبو ذر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبره، فقال: صدق أبي، فقال أبو ذر: أستغفر الله وأتوب إليه، فقال
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم اغفر لأبي ذر وتب عليه.
وعن أبي أمامة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفع إلى أبي ذر غلاماً، فقال: يا أبا ذر، أطعمه مما تأكل، واكسه مما تلبس، فلم يكن عنده غير ثوب واحد، فجعله نصفين، فراح إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما شأن ثوبك يا أبا ذر؟ فقال: إن الفتى الذي دفعته إلي أمرتني أن أطعمه مما آكل، وأكسوه مما ألبس، وإنه لم يكن معي إلا هذا الثوب فناصفته. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحسن إليه يا أبا ذر، فانطلق أبو ذر فأعتقه، فسأله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما فعل فتاك؟ قال: ليس لي فتى، قد أعتقته، قال: أجرك الله يا أبا ذر.
قال عبد الله بن مليل: سمعت علياً يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه لم يكن قبلي نبي إلا قد أعطاه الله سبعة رفقاء وزراء، وإني أعطيت أربعة عشر، فذكرهم، وفيهم أبو ذر.
وعن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أمرت بحب أربعة من أصحابي، وأخبرني الله أنه يحبهم: علي، وأبو ذر، وسلمان، والمقداد.
وعن علي، وأبي الدرداء، وعبد الله بن عمرو بن العاص قالوا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر زاد علي: طلب شيئاً من الزهد عجز عنه الناس.
وعن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، من سره
أن ينظر إلى تواضع وفي رواية: إلى زهد عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر.
وعن مالك بن مرثد، عن أبيه قال: قال أبو ذر: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما تقل الغبراء، ولا تظل الخضراء من ذي لهجة أصدق، ولا أوفى من أبي ذر، شبه عيسى بن مريم. قال: فقام عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله، أفنعرف ذلك له؟ قال: نعم فاعرفوه له.
وفي رواية أخرى عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فإذا أردتم أن تنظروا إلى أشبه الناس بعيسى بن مريم هديا وبراً ونسكا فعليكم بأبي ذر.
وعن ابن مسعود قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أبا ذر ليباري عيسى بن مريم في عبادته. من سره أن ينظر إلى شبه عيسى بن مريم خلقاً وخلقاً فلينظر إلى أبي ذر.
وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من نبي إلا له نظير في أمتي: أبو بكر نظير إبراهيم، وعمر نظير موسى، وعثمان نظير هارون، وعلي نظيري. ومن سره أن ينظر إلى عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر الغفاري.
عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أرحم أمتي أبو بكر الصديق، وأحسنهم خلقاً أبو عبيدة بن الجراح، وأصدقهم لهجةً أبو ذر، وأشدهم في الحق عمر، وأقضاهم علي.
عن أبي ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، إني رأيت أني وزنت بأربعين أنت فيهم، فوزنتهم.
عن أبي ذر قال: والله ما كذبت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أخذت إلا عنه، أو عن كتاب الله عز وجل.
وقال: والله إني لعلى العهد الذي فارقت عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما غيرت، ولا بدلت.
عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه: أن عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن مسعود، وأبي الدرداء، وأبي ذر: ما هذا الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: وأحسبه حبسهم بالمدينة حتى أصيب.
وقال أبو ذر: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
كيف أنت عند ولاة يستأثرون عليك؟ قلت: قلت: والذي بعثك بالحق، أضع سيفي على عاتقي وأضرب حتى ألحقك. قال: أفلا أدلك على ما هو خير لك من ذلك؟ اصبر حتى تلحقني وفي رواية: تنقاد لهم حيث قادوك، وتنساق لهم حيث ساقوك حتى تلقاني وأنت على ذلك، وفي رواية: إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج منها وضرب بيده نحو الشام ولا أرى أمراءك إلا يحولون بينك وبين ذلك قلت: فآخذ سيفي، وأضرب به من حال بيني وبين أمرك؟ قال: لا، ولكن تسمع وتطيع ولو لعبد حبشي. فلما بلغ البناء سلعاً خرج من المدينة حتى أتى الشام، فتكاب الناس عليه، فكتب معاوية إلى عثمان: إن كان لك بالشام حاجة فأرسل إلى أبي ذر. فكتب إليه عثمان يأمره بالقدوم عليه، فقال: سمعاً وطاعة. فلما قدم على عثمان قال له: ها هنا عندي. قال: الدنيا لا حاجة لي فيها، قال: تأتي الربذة، قال: إن أذنت لي. فلما قدم الربذة حضرت الصلاة، قيل له: تقدم يا أبا ذر، فقال: من على هذا الماء؟ قالوا: هذا، فإذا عبد حبشي. قال أبو ذر: الله أكبر، أمرت أن أسمع وأطيع ولو لعبد حبشي، فأنت عبد حبشي. فتقدم، فصلى خلفه أبو ذر.
وقال أبو ذر: كنت أخدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم آتي المسجد إذا أنا فرغت من عملي فاضطجع فيه. فأتاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا مضطج فيه، فضبني برجله، فاستويت جالساً، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كيف تصنع إذا أخرجت منها؟ قلت: ألحق بأرض الشام، قال: كيف تصنع إذا أخرجت منها؟ قلت: آخذ سيفي، فأضرب به من يخرجني، قال: فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده على منكبي ثم قال: غفراً أبا ذر، غفراً أبا ذر، بل تنقاد معهم حيث قادوك، وتنساق معهم حيث ساقوك ولو لعبد أسود. قال: فلما نفيت إلى الربذة أقمت الصلاة، فتقدمهم رجل أسود كان فيها على بعض الصدقة، فلما رآني أخذ يرجع ليقدمني، فقلت: كما أنت أنقاد لأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، أنت رجل صالح، وسيصيبك بعدي بلاء، قلت: في الله؟ قال: في الله قلت: مرحباً بأمر الله.
وقال أبو ذر: أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا نغلب على أن نأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر، ونعلم الناس السنن.
قال عبد الله بن أبي قيس: خرجنا مع غضيف بن الحارث نريد بيت المقدس، فأتينا أبا الدرداء، فسلمنا عليه، فقال أبو الدرداء: الق أبا ذر، فقل: يقول لك أبو الدرداء: اتق الله، وخف الناس، فقال أبو ذر: اللهم غفراً، إن كنا قد سمعنا فقد سمع، وإن كنا قد رأينا فقد رأى، أو ما علم أني بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ألا تأخذني في الله
لومة لائم.
عن أبي اليمان، وأبي المثنى أن أبا ذر قال: بايعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمساً، وواثقني سبعاً، وأشهد الله علي تسعاً ألا أخاف في الله لومة لائم. ثم قال أبو المثنى: قال أبو ذر: فدعاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: هل لك إلى بيعة ولك الجنة؟ قلت: نعم، وبسطت يدي، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يشترط علي: أن لا تسأل الناس شيئاً، قلت: نعم، قال: ولا سوطك إن سقط منك حتى تنزل إليه فتأخذه.
عن أبي اليمان قال: لما قفل الناس عام غزوة قبرس وعليهم معاوية، ومعه أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين كانوا بالشام، فخرج إلى الكنيسة التي إلى جانب أنطرسوس التي يقال لها كنيسة معاوية، وبمقامه عندها دعيت كنيسة معاوية، فقام في الناس قبل أن يتفرقوا إلى أجنادهم، فقال: إنا قاسموا غنائمكم على ثلاثة أسهم: سهم للسفن فإنها مراكبكم، وسهم للقبط، فإنكم لم يكن لكم حيلة إلا بهم، وسهم لكم. فقام أبو ذر، فقال: كلا والله لا نقسم سهامنا على ذلك، أتقسم للسفن وهي مما أفاء الله علينا؟ وتقسم للقبط وإنما هم خولنا؟ والله ما أبالي من قال أو ترك، لقد بايعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمساً، وأوثقني سبعاً، وأشهد الله علي سبعاً: ألا تأخذني في الله لومة لائم.
فقال معاوية: تقسم الغنائم جميعاً على المسلمين.
قال بشر بن بكر: حدثنا الأوزاعي: حدثني أبو كثير، حدثني أبي قال:
أتيت أبا ذر وهو جالس عند الجمرة الوسطى، وقد اجتمع الناس عليه يستفتونه، فأتاه رجل، فوقف عليه، فقال: ألم ينهك أمير المؤمنين عن الفتيا؟ فرفع رأسه إليه ثم قال: أرقيب أنت علي؟! لو وضعتم الصمصامة على هذه وأشار بيده إلى
قفاه ثم ظننت أن أنفذ كلمةً سمعتها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن تجيزوا علي لأنفذتها.
وفي رواية: أن رجلاً أتى أبا ذر فقال: إن المصدقين يعني جباة الصدقة إزدادوا علينا، فنغيب عنهم بقدر ما ازدادوا علينا؟ قال: لا، قف مالك عليهم فقل: ما كان لكم من حق فخذوه، وما كان باطلاً فذروه، فما تعدوا عليك جعل في ميزانك يوم القيامة.
وعلى رأسه فتىً من قريش، فقال: أما نهاك أمير المؤمنين عن الفتوى؟ فذكر ما سبق.
وعن ثعلبة بن الحكم، عن علي قال: لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر، ولا نفسي؛ ثم ضرب بيده على صدره.
عن أبي الطفيل، عن ابن أخي أبي ذر قال: أخبرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لن يسلط أحد على قتلي، ولن يفتنونني عن ديني. وأخبرني أني أسلمت فرداً، وأموت فرداً، وأبعث يوم القيامة فرداً.
قال الأحنف بن قيس: أتيت المدينة، ثم أتيت الشام، فجمعت، فإذا أنا برجل لا ينتهي إلى سارية إلا فر أهلها، يصلي ويخف صلاته. فجلست إليه، قال: قم عني لا أغرك بشر، فقلت: كيف تغرني بشر؟ قال: إن هذا يعني معاوية نادى مناديه أن لا يجالسني أحد.
وفي رواية: كنت جالساً في حلقة بمسجد المدينة، فأقبل رجل لا تراه حلقة إلا فروا حتى انتهى إلى الحلقة التي كنت فيها، ففروا، وثبت، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا أبو ذر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قلت: فما يفر الناس منك؟ قال: إني أنهاهم عن
الكنوز، قلت: فإن أعطيتنا قد بلغت وارتفعت، أفتخاف علينا منها؟ قال: أما اليوم فلا، ولكن يوشك أن يكون أثمان دينكم، فإذا كان أثمان دينكم فدعوهم وإياها.
وقال: قدمت المدينة، فبينما أنا في حلقة فيها ملأ من قريش إذ جاء رجل أخشن الثياب، أخشن الجسد، أخشن الوجه، فقام عليهم، فقال: بشر الكنازين برضف يحمى عليهم في نار جهنم، فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه يتجلجل.
قال: فوضع القوم رؤوسهم، فما رأيت أحداً منهم رجع إليه شيئاً، فأدبر، فتبعته حتى جلس إلى سارية، فقلت: ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت لهم، فقال: إن هؤلاء لا يعقلون شيئاً، إن خليلي أبا القاسم دعاني، فقال: يا أبا ذر، فأجبته، فقال: ترى أحداً، فنظرت ما علي من الشمس، وأنا أظنه يبعث بي في حاجة له، فقلت: أراه، فقال: ما يسرني أن لي مثله ذهباً أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير، ثم هؤلاء يجمعون الدنيا، لا يعقلون شيئاً! فقلت: مالك ولإخوانك قريش، لا تعتريهم، وتصيب منهم؟ قال: لا وربك ما أسألهم دنيا، ولا أستفتيهم عن دين حتى ألحق بالله ورسوله.
قال مالك بن أوس بن الحدثان: قدم أبو ذر من الشام، فدخل المسجد وأنا جالس، فسلم علينا، وأتى سارية، فصلى ركعتين تجوز فيهما، ثم قرأ: ألهاكم التكاثر حتى ختمها، واجتمع الناس عليه، فقالوا له: يا أبا ذر، حدثنا ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لهم: سمعت حبيبي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: في الإبل صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البر صدقته، من
جمع ديناراً أو درهماً، أو تبراً، أو فضة لا يعده لغريم، ولا للنفقة في سبيل الله كوي به. قلت: يا أبا ذر، انظر ما تخبر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن هذه الأموال قد فشت. فقال: من أنت يا بن أخي؟ فانتسبت له، قال: قد عرفت نسبك الأكبر، ما تقرأ " والذين يكنِزُون الذهبَ والفضةَ ولا ينفقونَها في سبيلِ الله "؟ وفي رواية: قدم أبو ذر من الشام وأنا جالس مع عثمان بن عفان في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاء أبو ذر فسلم عليه، فقال عثمان: كيف أنت يا أبا ذر؟ قال: بخير، فكيف أنت؟ ثم ولى وهو يقول: " ألهاكُمُ التكاثرُ حتى زُرْتُم المقابر "، ورفع صوته وكان صلب الصوت حتى ارتج المسجد بقراءة السورة كلها، حتى مالت القراءة إلى سارية من سواري المسجد. فصلى ركعتين فتجوز فيهما، فاحتوشه الناس وقالوا: حدثنا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجلست قبالة وجهه.
فذكر نحو ما تقدم.
قال عبيد الله بن شميط: سمعت أبي يقول: بلغنا أن أبا ذر كان يقول وهو في مجلس معاوية: لقد عرفنا خياركم من شراركم، ولنحن أعرف بكم من البياطرة بالخيل. فقال رجل: يا أبا ذر، أتعلم الغيب؟ فقال معاوية: دعوا الشيخ فالشيخ أعلم منكم، من خيارنا يا أبا ذر؟ قال: خياركم أزهدكم في الدنيا، وأرغبكم في الآخرة، وشراركم أرغبكم في الدنيا وأزهدكم في الآخرة.
حدثنا عبد الله بن الصامت قال: دخلت مع أبي ذر في رهط من غفار على عثمان من الباب الذي لا يدخل عليه منه، فتخوفنا عثمان عليه، فانتهى إليه، فسلم عليه وقال: أحسبتني منهم يا أمير المؤمنين؟ والله ما أنا منهم، ولا أدركهم، لو أمرتني أن آخذ بعرقوتي قتب لأخذت بهما حتى أموت. ثم استأذنه إلى الربذة، فقال: نعم نأذن لك.
عن عبد الله بن الصامت ابن أخي أبي ذر قال: دخلت مع أبي ذر على عثمان، فلما دخل إليه حسر عن رأسه وقال: والله ما أنا منهم يا أمير المؤمنين يريد الخوارج قال ابن شوذب: سيماهم التسبيت يعني الحلق فقال له عثمان: صدقت يا أبا ذر، إنما أرسلت إليك لتجاورنا بالمدينة، قال: لا حاجة لي في ذلك، ائذن لي إلى الربذة، قال: نعم، ونأمر لك بنعم من نعم الصدقة تغدو عليك وتروح، قال: لا حاجة لي في ذلك، تكفي أبا ذر صريمته. فلما خرج من عنده قال: دونكم معاشر قريش دنياكم فاخذموها، ودعونا وربنا.
حدثني غزوان أبو حاتم قال: بينا أبو ذر عند باب عثمان ليؤذن له إذ مر به رجل من قريش، فقال: يا أبا ذر، ما يجلسك ها هنا؟ قال: يأبى هؤلاء أن يأذنوا لنا. فدخل الرجل، فقال: يا أمير المؤمنين، ما بال أبي ذر على الباب لا يؤذن له؟ فأمر فأذن له، فجاء حتى جلس ناحية القوم وميراث عبد الرحمن يقسم، فقال عثمان لكعب: يا أبا إسحاق، أرأيت المال إذا أدي زكاته هل يخشى على صاحبه فيه تبعة؟ فقال: لا، فقام أبو ذر ومعه عصاً، فضرب بها بين أذني كعب، ثم قال: يا بن اليهودية، أنت تزعم أنه ليس عليه حق في ماله إذا أدى الزكاة، والله تعالى يقول: " ويُؤْثِرون على أنفسهم " الآية، " ويُطْعِمون الطعامَ على حُبّه "، و" في أموالِهِمْ حَقُّ معلوم للسائل والمْحُروم "، فجعل يذكر نحو هذا
من القرآن. فقال عثمان للقرشي: إنما نكره أن نأذن لأبي ذر من أجل ما ترى! عن ابن عباس قال: كان أبو ذر يختلف من الربذة إلى المدينة مخافة الأعرابية، فكان يحب الوحدة والخلوة. فدخل على عثمان وعنده كعب الأحبار، فقال عثمان: ألا ترضون من الناس بكف الأذى حتى يبذلوا المعروف، وقد ينبغي للمؤدي الزكاة ألا يقتصر عليها حتى يحسن إلى الجيران والإخوان، ويصل القرابات. فقال كعب: من أدى الفريضة فقد قضى ما عليه، فرفع أبو ذر محجنةً، فضربه، فشجه، فاستوهبه عثمان، فوهبه له، وقال: يا أبا ذر، اتق الله، واكفف يدك ولسانك. وقد كان قال له: يا بن اليهودية، ما أنت وما ها هنا؟! والله لتسمعن مني أو لا أدخل عليك، والله لا يسمع أحد من اليهود إلا فتنوه.
قال زيد بن وهب: حدثني أبو ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا بلغ البناء سلعاً فارتحل إلى الشام. فلما بلغ البناء سلعاً قدمت الشام، وكنت بها، فتلوت هذه الآية " والذين يكِنُزون الذَّهبَ والفِضّةَ "، فقال معاوية: هذه للكفار، فقلت: هي لأهل الإسلام. فكتب إلى عثمان: إن هذا يفسد، فكتب إلي عثمان، فقدمت المدينة، فأجفل الناس ينتظرونني، كأنهم لم يروني قط، فقال لي عثمان: لو ارتحلت إلى الربذة؟ قال: فارتحلنا إلى الربذة.
وفي رواية: مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذر، فقلت: ما أنزلك هذا؟ قال: كنت بالشام، فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية: " والذين يكنزون الذهبَ والفضةَ "، فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، وقلت: نزلت فينا وفيهم. فكان بيني وبينه في ذلك كلام، فكتب يشكوني إلى عثمان، فكتب إلي عثمان أن أقدم المدينة، فقدمت المدينة، فكثر الناس علي كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكر ذلك لعثمان، فقال:
إن شئت تنحيت، فكنت قريباً. قال: فذلك أنزلني هذا المنزل، ولو أمر علي حبشي لسمعت وأطعت.
قال موسى بن عبيدة: أخبرني ابن نفيع، عن ابن عباس قال:
استأذن أبو ذر على عثمان وأنا عنده، فتغافلوا عنه ساعةً، فقلت: يا أمير المؤمنين، هذا أبو ذر بالباب يستأذنك، فقال: ائذن له إن شئت، إنه يؤذينا ويبرح بنا، قال: فأذنت له، فجلس على سرير مرمول من هذه البحرية، فرجف به السرير، وكان عظيماً طويلاً، فقال له عثمان: أما إنك الزاعم أنك خير من أبي بكر وعمر؟ قال: ما قلت: قال عثمان: إني أنزع عليك بالبينة، قال: والله ما أدري ما بينتك، وما تأتي به؟ وقد علمت ما قلت، قال: فكيف قلت إذاً؟ قال: قلت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن أحبكم إلي وأقربكم مني الذي يلحق بي على العهد الذي عاهدته عليه، وكلكم قد أصاب من الدنيا، وأنا على ما عاهدني عليه، وعلى الله تمام النعمة. وسأله عن أشياء، فأخبره بالذي يعلمه، فأمره أن يرتحل إلى الشام فيلحق بمعاوية، فكان يحدث بالشام، فاستهوى قلوب الرجال، فكان معاوية ينكر بعض شأن رعيته، وكان يقول: لا يبيتن عند أحدكم دينار ولا درهم، ولا تبر، ولا فضة إلا شيء ينفقه في سبيل الله، أو يعده لغريم. وإن معاوية بعث إليه بألف دينار في جنح الليل فأنفقها، فلما صلى معاوية الصبح دعا رسوله الذي أرسله إليه فقال: اذهب إلى أبي ذر فقل: أنقذ جسدي من عذاب معاوية أنقذك الله من النار، فإني أخطأت بك. قال: يا بني، قل له: يقول لك أبو ذر: والله ما أصبح عندنا منه دينار، ولكن أنظرنا ثلاثاً حتى نجمع لك دنانيرك. فلما رأى معاوية أن قوله صدق فعله كتب إلى عثمان: أما بعد، فإن كان لك بالشام حاجة أو بأهله فابعث إلى أبي ذر، فإنه قد أوغل صدور الناس. فكتب إليه عثمان: أقدم علي. فقدم عليه المدينة.
قال شداد بن أوس: كان أبو ذر يسمع الحديث من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه الشدة، ثم يخرج إلى قومه يسلم عليهم، ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرخص فيه بعد فلم يسمعه أبو ذر، فتعلق أبو ذر بالأمر الشديد.
قال عبد بن سيدان السلمي: تناجى أبو ذر وعثمان حتى ارتفعت أصواتهما، ثم انصرف أبو ذر مبتسماً، فقال الناس: مالك ولأمير المؤمنين؟ قال: سامع مطيع، ولو أمرني أن آتي صنعاء أو عدن ثم استطعت أن أفعل لفعلت. وأمره عثمان أن يخرج إلى الربذة وفي رواية: لو أن عثمان أمرني أن أمشي على رأسي لمشيت، وفي رواية: لو أمرني ألا أجلس ما جلست ما حملتني رجلاي ولو كنت على بعير يعني موثقاً ما أطلقت نفسي حتى يكون هذا الذي يطلقني.
وفي رواية: لما قدم أبو ذر على عثمان من الشام قال: يا أمير المؤمنين، أتحسب أني من قوم والله ما أنا منهم، ولا أدركتهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، ولا يرجعون إليه حتى يرجع السهم على فوقه، سيماهم التحليق. والله لو أمرتني أن أقوم ما قعدت ما ملكتني رجلاي ولو أوثقتني بعرقوتي قتب ما حللته حتى تكون أنت الذي تحلني.
عن شيخين من بني ثعلبة: رجل وامرأته قالا: نزلنا الربذة، فمر بنا شيخ أشعث أبيض الرأس واللحية، فقالوا: هذا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستأذناه أن نغسل رأسه، فأذن لنا، واستأنس بنا، فبينا نحن كذلك
إذ أتاه نفر من أهل العراق، حسبته قال: من أهل الكوفة، فقالوا: يا أبا ذر، فعل بك هذا الرجل وفعل، فهل أنت ناصب له رايةً، فنكملك برجال ما شئت؟ فقال: يا أهل الإسلام، لا تعرضوا علي ذاكم، ولا تذلوا السلطان؛ فإنه من أذل السلطان فلا توبة له، والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة وأطول جبل لسمعت، وأطعت، وصبرت، واحتسبت، ورأيت أن ذلك خير لي، ولو سيرني ما بين الأفق إلى الأفق أو قال: ما بين الشرق والغرب لسمعت، وأطعت، وصبرت، واحتسبت، ورأيت أن ذلك خير لي، ولو ردني إلى منزلي لسمعت، وأطعت، وصبرت، واحتسبت، ورأيت أن ذلك خير لي.
عن عبد الرحمن بن غنم قال: كنت عند أبي الدرداء إذ جاءه رجل من أهل المدينة، فسأله فقال: إني تركت أبا ذر يسير إلى الربذة، فقال أبو الدرداء: إنا لله وإنا إليه راجعون! لو أن أبا ذر قطعني عضواً عضواً ما هجته مما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول فيه.
قال الحافظ أبو القاسم رحمه الله: ولم يسير عثمان أبا ذر، لكنه خرج هو إلى الربذة لما تخوف من الفتنة التي حذره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما خرج عقيب ما جرى بينه وبين أمير المؤمنين عثمان ظن أنه هو الذي أخرجه.
ثم أسند عن عبد الله بن الصامت قال: قالت أم ذر: والله ما سير عثمان أبا ذر ولكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج منها، فلما بلغ البناء سلعاً وجاوز خرج أبو ذر إلى الشام.
وذكر الحديث في رجوعه، ثم خروجه إلى الربذة، وموته بها.
قال أبو ذر: إني لأقربكم مجلساً من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم القيامة. وقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة من خرج من الدنيا بهيئة ما تركته فيها، وإنه والله ما منكم أحد إلا قد تشبث منها بشيء.
قال مالك بن دينار: قال أبو ذر للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والذي بعثك بالحق لا لقيتك إلا على الذي فارقتك عليه.
عن أبي ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يكون في جهنم عقبة كؤود لا يقطعها إلا المخفون، قلت: أمن المخفين أنا يا رسول الله؟ قال: عندك طعام يوم؟ قلت: نعم، قال: أعندك طعام غد؟ قلت: نعم، قال: أعندك طعام بعد غد؟ قلت: لا، قال: لو كان عندك طعام ثلاثة أيام لكنت من المثقلين.
وقال أبو ذر: كان قوتي على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل جمعة صاعاً فلست بزائد عليه حتى ألقاه.
قال إبراهيم التيمي: دخل شباب من قريش على أبي ذر فقالوا له: فضحتنا بالدنيا، وأغضبوه، فقال: مالي وللدنيا، وإنما يكفيني صاع من طعام في كل جمعة، وشربة من ماء في كل يوم.
قال المعرور بن سويد: نزلنا الربذة، فإذا رجل عليه برد، وعلى غلامه برد مثله، فقلنا له، لو أخذت
برد غلامك هذا فضممته إلى بردك هذا فلبسته كانا حلةً، واشتريت لغلامك برداً غيره؟ قال: إني سأحدثكم عن ذلك: كان بيني وبين صاحب لي كلام، وكانت أمه أعجميةً، فنلت منها، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعذره مني، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، ساببت فلاناً؟ فقلت: نعم، قال: فذكرت أمه؟ فقلت: من ساب الرجال ذكر أبوه وأمه، فقال لي: إنك امرؤ فيك جاهلية، قلت: على حال ساعتي من الكبر؟ قال: على حال ساعتك من الكبر؛ إنهم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه، وليلبسه من لباسه، ولا يكلفه ما يغلبه.
عن سليمان بن يسار قال: قال أبو ذر حدثان إسلامه لابن عمه: يا بن الأمة، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما ذهبت عنك أعرابيتك بعد.
عن عطاء بن أبي مروان، عن أبي ذر أنه رآه في نمرة مؤتزراً بها، قائماً يصلي، فقلت: يا أبا ذر، مالك ثوب غير هذه النمرة؟ قال: لو كان لي رأيته علي، قلت: رأيت عليك منذ أيام ثوبين، فقال: يا بن أخي، أعطيتهما من هو أحوج مني إليهما، قلت: والله إنك لمحتاج إليهما، قال: اللهم غفراً، إنك لمعظم للدنيا، ألست ترى علي هذه البردة؟ ولي أخرى للمسجد، ولي أعنز نحلبها، ولي أحمرة نحمل عليها ميرتنا، وعندنا من يخدمنا ويكفينا مهنة طعامنا، فأي نعمة أفضل مما نحن فيه؟
قال عبد الله بن خراش: رأيت أبا ذر بالربذة في ظلة له سوداء، وتحته امرأة له سحماء، وهو جالس على قطعة جوالق، فقيل له: يا أبا ذر، إنك امرؤ ما يبقى لك ولد، فقال: الحمد لله الذي يأخذهم في الفناء، ويدخرهم في دار البقاء، قالوا: يا أبا ذر، لو اتخذت امرأةً غير هذه؟ قال: لأن أتزوج امرأة تضعني أحب إلي من امرأة ترفعني، قالوا له: لو اتخذت بساطاً ألين من هذا؟ قال: اللهم غفراً، خذ مما خولت ما بدا لك.
عن رجل من بني سليم قال:
جاورت أبا ذر بالربذة وله فيها قطيع إبل، له فيها راع ضعيف، فقلت: يا أبا ذر، ألا أكون لك صاحباً أكف راعيكم، وأقتبس بعض ما لعل الله ينفعني به. فقال له أبو ذر: إن صاحبي من أطاعني، فما كنت لي مطيعاً فأنت لي صاحب، وإلا فلست لي بصاحب. قلت: وما الذي تسألني الطاعة فيه؟ قال: لا أدعوك لشيء من مالي إلا توخيت أفضله. قال: فلبثت معه ما شاء الله، فذكر له في أهل الماء حاجة، فقال: ائتني ببعير من الإبل، فتصفحت الإبل، فإذا أفضلها فحلها ذلول، فهممت بأخذه، فذكرت حاجتهم إليه، فتركته وأخذت ناقةً ليس في الإبل بعد الفحل أفضل منها، فجئت بها، فحانت منه نظرة، فرآني، فقال: يا أخا بني سليم، جنبني، يا أخا بني سليم أجتنبني، فلما فهمتها خليت الناقة ثم رجعت إلى الإبل، فأخذت الفحل، فجئت به، فقال لجلسائه: من رجلان يحتسبان عملهما؟ فقال رجلان: نحن، فقال: إما لا فأنيخاه، ثم اعقلاه، ثم انحراه، ثم عدوا بيوت الماء، فجزئوا لحمه على عددهم، واجعلوا بيت أبي ذر بيتاً مما تفعلون.
فلما فرقوا اللحم دعاني، فقال: ما أدري حفظت وصيتي فظهرت بها، أم نسيت فأعذرك؟ قلت: ما نسيت وصيتك، ولكن لما تصفحت الإبل وجدت أفضلها فحلها، فهممت بأخذه، ثم ذكرت حاجتكم إليه فتركته. قال: ما تركته إلا لحاجتي إليه؟ قلت:
ما تركته إلا لذلك. قال: أفلا أخبرك بيوم حاجتي إليه؟ يوم أوضع في حفرتي، فذلك يوم حاجتي. إن في المال ثلاثة شركاء: القدر لا يستأمرك أن يذهب بخيرها أو بشرها، والوارث، ينتظر متى يوضع رأسك فيستفيئها وأنت ذميم، وأنت الثالث، فإن استطعت ألا تكون أعجز الثلاثة فلا تكن؛ مع أن الله تعالى قال: " لَنْ تنالوا البِرَّ حتّى تُنْفِقُوا ممّا تُحِبُّون "، وإن هذا الجمل كان مما أحب من مالي فأحببت أن أقدمه لنفسي.
عن سعيد بن أبي الحسن أن أبا ذر كان عطاؤه أربعة آلاف، فكان إذا أخذ عطاءه دعا خادمه فسأله عما يكفيه للسنة فاشتراه، ثم اشترى فلوساً بما بقي، وقال: إنه ليس من وعاء ذهب ولا فضة يوكى عليه إلا هو يتلظى على صاحبه.
عن رجل من أهل الشام أنه دخل على أبي ذر وهو يوقد تحت قدر له من حطب قد أصابه مطر، ودموعه تسيل، فقالت له امرأة له: كان لك عن هذا مندوحة، فلو شئت كفيت، فقال أبو ذر: فهذا عيشي، فإن رضيت وإلا فتحت كنف الله. قال: فكأنما ألقمها حجراً؛ حتى إذا أنضج ما في القدر جاء بصحفة، فكسر فيها خبزاً له غليظاً، ثم جاء بالذي كان في القدر، فكبه عليه، ثم جاء به، وقال لي: ادن، فأكلنا جميعاً، ثم أمر جاريته أن تسقينا، فسقتنا مذقةً من لبن معزاة، فقلت: أبا ذر، لو اتخذت في بيتك عيشاً؟ فقال: أتريد لي حساباً أكثر من هذا؟ أليس هذا مثالاً نرقد عليه، وعباءة نبسطها، وكساءً
نلبسه، وبرمة نطبخ فيها، وصحفة نأكل فيها، وبطة فيها زيت، وغرارة فيها دقيق؟ قلت: فإن عطاءك أربعمائة دينار، وأنت في شرف من العطاء فأين يذهب عطاؤك؟ فقال: لي في هذه القرية وأشار إلى قرية بالشام ثلاثون فرساً، فإذا خرج عطائي اشتريت لها علفاً، وأرزاقاً لمن يقوم عليها، ونفقة لأهلي، فإن بقي منها شيء اشتريت به فلوساً، فجعلته عند نبطي ها هنا، فإن احتاج أهلي إلى لحم أخذوا منه، وإن احتاجوا إلى شيء أخذوا منه، ثم أحمل عليها في سبيل الله. وليس عند آل أبي ذر دينار، ولا درهم.
قال ميمون بن مهران: لما احتضر أبو ذر قال لامرأته: أين تلك النفقة؟ فجاءت بثلاثة عشر درهماً، فأمر بها فوضعت مواضعها، ثم قال: إن كانت محرقتي ما بين عانتي إلى ذقني.
عن محمد بن المنذر قال: بعث حبيب بن مسلمة إلى أبي ذر وهو بالشام ثلاثمائة دينار، وقال: استعن بها على حاجتك، فقال أبو ذر: ارجع بها إليه، فما أحد أغنى بالله منا، لنا ظل نتوارى به، وثلة من غنم تروح علينا، ومولاة لنا تصدقت علينا بخدمتها، ثم إني لأتخوف الفضل.
وعن ابن سيرين قال: بلغ رجلاً كان بالشام من قريش أن أبا ذر به عوز، فبعث إليه ثلاثمائة دينار فقال: ما وجد عبداً لله هو أهون عليه مني؟ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من سأل وله أربعون فقد ألحف، ولآل أبي ذر أربعون درهماً، وأربعون شاةً، وماهنان يعني خادمين.
عن أبي شعبة قال:
مر قوم بأبي ذر بالربذة، فعرضوا عليه النفقة، فقال أبو ذر: عندنا أعنز نحلبها، وأحمرة ننتقل عليها، ومحررة تخدمنا، وفضل عباءة إني لأخاف الحساب فيها.
وفي رواية: وفضل عباءة عن كسوتنا، وإني لأخاف أن أحاسب الفضل.
عن يحيى قال: كان لأبي ذر ثلاثون فرساً يحمل عليها، فكان يحمل على خمسة عشر منها يغزى عليها، ويصلح آلة بقيتها، فإذا رجعت أخذها فأصلح آلتها، وحمل على الأخرى.
عن جسر بن الحسن قال: كان عطاء أبي ذر أربعة آلاف، فكان يشتري عشرين فرساً فيرتبطها بحمص، فكان يحمل على عشر عاماً، وعشر عاماً.
قال إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى: حدثني أبي، عن جدي قال: خرج أبو الدرداء إلى السوق يشتري قميصاً، فلقي أبا ذر، فقال: أين تريد يا أبا الدرداء؟ قال: أريد أن أشتري قميصاً، قال: وبكم؟ قال: بعشرة دراهم. فوضع أبو ذر يده على رأسه ثم قال: ألا إن أبا الدرداء من المسرفين. قال: فالتمست مكاناً أتوارى فيه، فلم أقدر، فقلت: يا أبا ذر، لا تفعل، مر معي، فاكسني أنت، قال: وتفعل؟ قلت: نعم. فأتى السوق، فاشترى قميصاً بأربعة دراهم. قال: فانصرفت حتى إذا كنت بين منزلي والسوق لقيت رجلاً لا يكاد يواري سوأته، فقلت له: اتق الله ووار سوأتك! فقال: ما أجد ما أواري به سوأتي، فألقيت إليه الثوب، ثم انصرفت إلى السوق، فاشتريت قميصاً بأربعة دراهم، ثم انصرفت إلى منزلي، فإذا خادمة على الطريق تبكي، قد اندق إناؤها، فقلت: ما يبكيك؟ فقالت: اندق إنائي، وأبطأت على أهلي. فذهبت
معها إلى السوق، فاشتريت لها سمناً بدرهم، وإناء بدرهم. فقالت: يا شيخ، أما إذ فعلت ما فعلت فامش معي إلى أهلي، فإني قد أبطأت، وأنا أخاف أن يضربوني، قال: فمشيت معها إلى مواليها فدعوت، فخرج لي مولاها، فقال: ما عناك يا أبا الدرداء؟ فقلت: خادمكم أبطأت عنكم، وأشفقت أن تضربوها، فسألتني أن آتيكم لتكفوا عنها. قال: فأنا أشهدك أنها حرة لوجه الله لممشاك معها.
قال أبو الدرداء: فقلت: أبو ذر أرشد مني، كساني قميصاً، وكسا مسكيناً قميصاً، وأعتق رقبةً بعشرة دراهم.
قال ثابت البناني: بنى أبو الدرداء مسكناً تدرأ بظله، فمر عليه أبو ذر، فقال: ما هذا؟ تعمر داراً أمر الله بخرابها؟! لأن أكون رأيتك تتمرغ في عذرة أحب إلي من أن أكون رأيتك فيها! فلما فرغ أبو الدرداء من بنائه قال: إني قائل على بنائي هذا شيئاً:
بنيت داراً ولست عامرها ... لقد علمت إذ بنيت أين داري
قال ابن سعد: يسنده إلى ابن بريدة، قال: لما قدم أبو موسى الأشعري لقي أبا ذر، فجعل أبو موسى يلزمه، وكان الأشعري رجلاً خفيف اللحم، قصيراً، وكان أبو ذر اسود كث الشعر، فجعل الأشعري يلزمه ويقول أبو ذر: إليك عني، ويقول الأشعري: مرحباً بأخي، ويدفعه أبو ذر ويقول: لست بأخيك، إنما كنت أخاك قبل أن تستعمل.
قال: ثم لقي أبا هريرة، فالتزمه، وقال: مرحباً بأخي، فقال له أبو ذر: إليك عني، هل كنت عملت لهؤلاء؟ قال: نعم. قال: قد تطاولت في البناء، واتخذت زرعاً وماشيةً؟ قال: لا، قال: أنت أخي، أنت أخي.
قال سفيان الثوري: قال أبو ذر: لك في مالك شريكان أيهما جاء أخذ ولم يؤامرك: الحدثان والقدر، كلاهما يمر على الغث والسمين، والورثة ينتظرون متى تموت فيأخذون ما تحت يدك. وأنت تقدم لنفسك؛ فإن استطعت ألا تكون أخس الثلاثة نصيباً فافعل.
قال جعفر بن سليمان: دخل رجل على أبي ذر، فجعل يقلب بصره في بيته. فقال له: يا أبا ذر، أين متاعك؟ وفي رواية: ما أرى في بيتك متاعاً، ولا غير ذلك من الأثاث فقال: إن لنا بيتاً نوجه إليه صالح متاعنا. قال: إنه لا بد لك من متاع ما دمت ها هنا، فقال: إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه.
وعن ابن جدعان، عمن سمع أبا ذر في مسجد المدينة يقول لرجل: بم تخوفني؟ فوالله للفقر أحب إلي من الغنى، ولبطن الأرض أحب إلي من ظهرها.
وقال أبو ذر: أحب الإسلام وأهله، وأحب الفقراء، وأحب الغريب من كل قلبك. وادخل في هموم الدنيا واخرج منها بالصبر، ولا يأمن رجل أن يكون على خير فيرجع إلى شر، فيموت بشر، ولا ييأس رجل أن يكون على شر، فيرجع إلى خير، فيموت بخير، وليردك عن الناس ما تعرف من نفسك.
وقال: يا أيها الناس، إني بكم ناصح، إني عليكم شفيق، صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبر، وصوموا في الدنيا لحر يوم النشور، وتصدقوا مخافة يوم عسير لعظائم الأمور.
وقال: وددت أني شجرة تعضد، وددت أني لم أخلق.
قال المدائني: قال عمر بن الخطاب لأبي ذر: يا أبا ذر، من أنعم الناس بالاً؟ قال: برئ في الثواب، قد أمن من العقاب فبشر بالثواب. قال: صدقت يا أبا ذر.
وأسند ابن أبي الدنيا عن بعضهم قال: جاء غلام لأبي ذر وقد كسر رجل شاة له، فقال له أبو ذر: من كسر رجل هذه الشاة؟ قال: أنا، قال: ولم؟ قال: لأغيظك، لتضربني، فتأثم. فقال أبو ذر: لأغيظن من حرضك على غيظي! فأعتقه.
قالت أم طلق: دخلت على أبي ذر فرأيته شعثاً شاحباً بيده صوف، قد جعل عودين وهو يغزل به ذلك الصوف، فنظرت يمنةً ويسرة فلم أر في بيته شيئاً، فناولته شيئاً من دقيق وسويق، فجعله في طرف ثوبه، فقال: أما ثوابك فعلى الله.
وفي رواية: رأيته شعثاً شحباً، وفي يده صوف منفوش وعودان، قد وضع أحدهما على الآخر، وهو يغزل ذلك الصوف.
قال عيسى بن عميلة الفزاري: أخبرني من رأى أبا ذر يحلب غنيمةً له، فيبدأ بجيرانه وأضيافه قبل نفسه، ولقد رأيته ليلة حلب حتى ما بقي في ضروع غنمه شيء إلا مصره، وقرب إليهم تمراً وهو يسير، ثم تعذر إليهم، وقال: لو كان عندنا ما هو أفضل من هذا لجئنا به. قال: وما رأيته ذاق تلك الليلة شيئاً.
قال أبو ذر: أن تملي خيراً فيكتب لك خير من السكوت، والسكوت خير من أن تملي شراً، والجليس الصالح خير من الوحدة، والوحدة خير من جليس السوء.
وفي رواية رفع ذلك إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال أبو الأسود الدؤلي: قد رأيت أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فما رأيت بأبي ذر شبيهاً.
قال ابن سعد: قال محمد بن إسحاق: آخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أبي ذر وبين المنذر بن عمرو أحد بني ساعدة، وهو المعنق ليموت، وقال: لم تكن المؤاخاة إلا قبل بدر، فلما نزلت آية المواريث انقطعت المؤاخاة، وأبو ذر حين أسلم رجع إلى بلاد قومه فأقام بها حتى مضت بدر وأحد والخندق، ثم قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة بعد ذلك.
عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: كنت ردف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو على حمار وعليه بردعة أو قطيفة.
عن أبي ذر أنه قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي؛ لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم.
وفي حديث آخر أن أبا ذر سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإمرة، فقال: إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، فأدى الذي عليه فيها.
عن غالب بن عبد الرحمن قال: لقيت رجلاً قال: كنت أصلي مع أبي ذر في بيت المقدس، فكان إذا دخل خلع
خفيه، فإذا بزق، أو تنخع تنخع عليهما. قال: ولو جمع ما في بيته لكان رداء هذا الرجل أفضل من جميع ما في بيته.
عن أبي عثمان النهدي قال: رأيت أبا ذر يميد على راحلته، وهو مستقبل مطلع الشمس، فظننته نائماً، فدنوت منه، فقلت: أنائم أنت يا أبا ذر؟ فقال: لا بل كنت أصلي.
عن بريدة بن سفيان ومحمد بن كعب القرظي قالا: لما صار أبو ذر إلى الربذة وأصابه قدره لم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامه فأوصاهما أن اغسلاني، وكفناني، وضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمر بكم قولوا له: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعينونا على دفنه. فلما مات فعلا به ذلك، ثم وضعاه على قارعة الطريق، فأقبل عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق عماراً، فلم يرعهم إلا بجنازة على ظهر الطريق قد كادت الإبل أن تطأها، فقام إليهم الغلام، فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعينونا على دفنه، فاستهل عبد الله يبكي، وقال: صدق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تمشي وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك، فنزل هو وأصحابه فواروه.
عن محمد بن كعب
أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيل له عام تبوك: تخلف أبو ذر، وهو في الطريق، فطلع، فقال: يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده. قال: فلما حضرت أبا ذر الوفاة، وذلك في ذي الحجة سنة ثمان من إمارة عثمان، قال لابنته: استشرفي يا بنية هل ترين أحداً؟ قالت: لا، قال: فما جاءت ساعتي بعد، ثم أمرها،
فذبحت شاةً، ثم قصبتها. ثم قال لها: إذا جاءك الذين يدفنونني فقولي لهم: إن أبا ذر يقسم عليكم ألا تركبوا حتى تأكلوا. فلما نضجت قدرها قال لها: انظري هل ترين أحداً؟ قالت: نعم، هؤلاء ركب مقبلون، قال: استقبلي بي الكعبة، ففعلت، وقال: بسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله. ثم خرجت ابنته، فتلقتهم، وقالت: رحمكم الله، اشهدوا أبا ذر! قالوا: وأين هو؟ فأشارت لهم إليه، وقد مات، فادفنوه، فقالوا: نعم، ونعمة عين، لقد أكرمنا الله بذلك. وإذا ركب من أهل الكوفة فيهم عبد الله بن مسعود، فمالوا إليه، وابن مسعود يبكي ويقول: صدق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يموت وحده، ويبعث وحده. فغسلوه، وكفنوه، وصلوا عليه، ودفنوه. فلما أرادوا أن يرتحلوا قالت لهم ابنته: إن أبا ذر يقرؤ عليكم السلام، وأقسم ألا تركبوا حتى تأكلوا. ففعلوا. وحملوهم حتى قدموا بهم مكة، ونعوه إلى عثمان، فضم ابنته إلى عياله وقال: يرحم الله أبا ذر.
عن دري قال: خرجنا حجاجاً مع ابن مسعود ونحن أربعة عشر راكباً فسماهم، وفيهم: علقمة، والأسود وذلك سنة إحدى وعشرين، وفي رواية: أربعاً وعشرين حتى أتينا على الربذة، فإذا امرأة قد تلقتنا، فقالت: اشهدوا أبا ذر. فغسلناه، وكفناه؛ فإذا خباؤه منضوح بمسك، فقلنا للمرأة: ما هذا؟ قالت: كانت مسكة، فلما حضر قال: إن الميت يحضره شهود يجدون الريح، ولا يأكلون، فذوفي تلك المسكة بماء، ثم رشي بها الخباء، وأقريهم ريحها، واطبخي هذا اللحم، فإنه سيشهدني قوم صالحون يلون دفني، فاقريهم. فلما دفناه دعتنا إلى الطعام، فأكلنا، وأردنا احتمالها، فقال ابن مسعود: أمير المؤمنين منا
قريب، فنستأمره، فقدمنا مكة، وأخبرناه الخبر، فقال: رحم الله أبا ذر، وغفر له نزوله بالربذة. فلما صدر خرج، فأخذ طريق الربذة، وضم عياله إلى عياله، وتوجه نحو المدينة، وتوجهنا نحو العراق.
وعن إبراهيم بن الأشتر، عن أبيه، عن أم ذر قالت: لما حضر أبا ذر الوفاة بكيت، فقال: ما يبكيك؟ قلت: وما لي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض، ولا يدان لي بتغييبك، وليس معنا ثوب يسعك كفناً، ولا لك. فقال: لا تبك، وأبشري، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لنفر أنا منهم: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة، وإني أنا الذي أموت بالفلاة، والله ما كذبت، ولا كذبت، فأبصري الطريق. فقلت: أنى وقد ذهب الحاج، وتقطعت الطرق؟!؟ فقال: انظري. قالت: فكنت أشتد إلى الكثيب، فأقوم عليه، ثم أرجع إليه فأمرضه. فبينما أنا كذلك إذا أنا برجال على رواحلهم كأنهم الرخم، فألحت بثوبي، فأسرعوا، ووضعوا السياط في نحورها يستبقون إلي، فقالوا: مالك يا أمة الله؟ فقلت: امرؤ من المسلمين، تكفنونه، يموت، فقالوا: ومن هو؟ قلت: أبو ذر، قالوا: صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلت: نعم. ففدوه بآبائهم وأمهاتهم، وأسرعوا إليه حتى دخلوا عليه، فسلموا عليه، فرحب بهم، وقال: أبشروا، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يموت بين امرأين من المسلمين ولدان أو ثلاثة، فيصبران ويحتسبا، فيريان النار أبداً. وسمعته يقول لنفر أنا فيهم: ليموتن رجل منك بفلاة من الأرض، فتشهده عصابة من المسلمين وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد هلك في قرية وجماعة، وإني أنا الذي أموت بفلاة، والله ما كذبت ولا كذبت. وقال: أنشدكم الله، لا يكفني منكم رجل كان أميراً أو عريفاً، أو
بريداً، أو نقيباً. فكفنه أنصاري في ردائه وثوبين عنده من غزل أمه، ودفنه النفر الذين معه، منهم: حجر بن الأدبر، ومالك الأشتر، في نفر كلهم يماني.
قال المدائني: مات أبو ذر بالربذة، وصلى عليه ابن مسعود سنة اثنتين وثلاثين، وقدم ابن مسعود المدينة، فأقام عشرة أيام، ثم مات بعد عاشره.
زاد غيره فيمن مات هذه السنة: معاذ بن عمرو بن الجموح، وأبا الدرداء، وكعب الأحبار.
صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اختلف في اسمه اختلافاً كبيراً، والأظهر أنه جندب بن جنادة. وهو من أعيان الصحابة. قديم الإسلام. أسلم بمكة قبل الهجرة، ورجع إلى بلاد قومه، ولم يشهد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدراً.
وشهد فتح بيت المقدس، والجابية مع عمر بن الخطاب، وقدم دمشق، ورآه بها الأحنف بن قيس، وقيل: ببيت المقدس، وقيل: بحمص.
وذكر أبو بكر البلاذري قال: بنى معاوية الخضراء بدمشق، فقال له أبو ذر: إن كانت هذه من مال الله فهي الخيانة، وإن كانت من مالك فهذا الإسراف. فسكت معاوية.
قال خالد بن حيان: كان أبو ذر وأبو الدرداء في مظلتين من شعر بدمشق.
وقال الأحنف بن قيس: دخلت مسجد دمشق فإذا رجل يكثر الركوع والسجود، قلت: لا أخرج حتى أنظر أعلى شفع يدري هذا ينصرف أم على وتر، فلما فرغ قلت: يا أبا عبد الله أعلى شفع تدري انصرفت أم على وتر؟ فقال: إلا أدر فإن الله يدري؛ إني سمعت خليلي أبا القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم بكى، ثم قال: سمعت خليلي أبا القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما من عبد يسجد لله سجدةً
إلا رفعه الله بها درجةً وحظ عنه بها خطيئة، قلت: من أنت، رحمك الله؟ قال: أنا أبو ذر. قال الأحنف: فتقاصرت إلي نفسي مما وقع في نفسي عليه.
قال أبو زرعة: وممن نزل الشام من مصر أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، نزل بيت المقدس يوم ارتحله عثمان إلى المدينة.
قال ابن سعد في الطبقة الثانية:
وأبو ذر، واسمه جندب بن جنادة وساق نسبه إلى غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار.
قال: وكان خامساً في الإسلام، ولكنه رجع إلى بلاد قومه، فأقام بها حتى قدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك، وتوفي لأربع سنين بقيت من خلافة عثمان، وصلى عليه عبد الله بن مسعود بالربذة زاد غيره: سنة اثنتين وثلاثين.
ووقع في طبقات ابن سميع أنه بدري، وهو وهم؛ فإن أبا ذر لم يشهد بدراً.
وقال البخاري: هاجر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حجازي. ومات بالربذة في زمن عثمان.
قال أبو أحمد الحاكم: أبو ذر جندب بن جنادة ويقال: برير بن جندب، ويقال: برير بن جنادة، ويقال: جندب بن عبد الله، ويقال: جندب بن السكن. والمشهور: جندب بن جنادة الحجازي. له صحبة. وأمه: رملة بنت الوقيعة، من بني غفار أيضاً.
قال ابن يونس: شهد فتح مصر، واختط بها.
قال ابن منده: ويقال: إن اسم أبي ذر جنادة بن السكن.
قال أبو نعيم: اختلف في اسمه ونسبه، وكان يتعبد قبل مبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث سنين، يقوم بالليل مصلياً، حتى إذا كان آخر الليل سقط كأنه خرقة، ثم أسلم بمكة في أول الدعوة، وهو رابع الإسلام، وهو أول من حيا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتحية الإسلام، وبايع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ألا تأخذه في الله لومة لائم، ثم كان يشبه بعيسى بن مريم عبادةً ونسكاً، لم يتلوث بشيء من فضول الدنيا حتى فارقها. ثبت على العهد الذي بايع عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التخلي عن فضول الدنيا، والتبرئ منها؛ كان يرى إقبالها محنةً وهواناً، وإدبارها نعمةً وامتناناً. حافظ على وصية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له في محبة المساكين ومجالستهم، ومباينة المكثرين في مفارقتهم. كان يخدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا فرغ منه أوى إلى مسجده، واستوطنه. سيد من آثر العزلة والوحدة، وأول من تكلم في علم الفناء والبقاء. كان وعاءً ملئ علماً فربط عليه.
كان رجلاً آدم طويلاً أبيض الرأس واللحية، توفي بالربذة، فولي غسله وتكفينه والصلاة عليه عبد الله بن مسعود في نفر كان منهم حجر بن الأدبر، سنة اثنتين وثلاثين، ودفن بها. وكان يؤاخي سلمان الفارسي. لم تقل الغبراء، ولم تظل الخضراء على ذي لهجة أصدق منه.
عن رجل من بني عامر قال: كنت كافراً فهداني الله إلا الإسلام، وكنت أعزب عن الماء، ومعي أهلي، فتصيبني الجنابة، فوقع ذلك في نفسي، وقد نعت لي أبو ذر، فحججت، فدخلت مسجد منىً، فعرفته، فالتفت، فإذا شيخ معروق آدم عليه قطري.
وقال الأحنف بن قيس: قدمت المدينة، فدخلت مسجدها، فبينما أنا أصلي إذ دخل رجل آدم طوال أبيض الرأس واللحية محلوق، يشبه بعضه بعضاً. قال: فخرج، فاتبعته، فقلت: من هذا؟ قالوا: أبو ذر.
وفي صحيح مسلم: حدثنا هداب بن خالد الأزدي وقال محمد بن سعد: أخبرنا هاشم بن القاسم الكناني أبو النضر قالا: حدثنا سليمان بن المغيرة، أخبرنا حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر: خرجنا من قومنا غفار، وكانوا يحلون الشهر الحرام، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا، فنزلنا على خال لنا، فأكرمنا خالنا، وأحسن إلينا، فحسدنا قومه، فقالوا: إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس. فجاء خالنا، فنثا علينا الذي قيل له، فقلت: أما ما مضى من معروفك فقد كدرته، ولا جماع لك فيما بعد. فقربنا صرمتنا، فاحتملنا عليها، وتغطى خالنا بثوبه فجعل يبكي. فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة، فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها، فأتيا الكاهن، فخير أنيساً، فأتى أنيس بصرمتنا ومثلها معها.
قال: وقد صليت يا بن أخي قبل أن ألقى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث سنين، قلت: لمن؟ قال: لله، قلت: فأين توجه؟ قال: أتوجه حيث يوجهني ربي، أصلي عشاءً حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء حتى تعلوني الشمس. فقال أنيس: إن لي حاجةً
بمكة، فاكفني. فانطلق أنيس حتى أتى مكة، فراث علي، ثم جاء، فقلت: ما صنعت؟ قال: لقيت رجلاً بمكة على دينك، يزعم أن الله أرسله. قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر وكان أنيس أحد الشعراء قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فما يلتئم على لسان أحد يعدو أنه شعر، والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون.
قال: قلت: فاكفني حتى أذهب فأنظر زاد في رواية أخرى: قال: نعم، وكن على حذر من أهل مكة، فإنهم قد شنفوا له، وتجهموا.
قال: فأتيت مكة، فتضعفت رجلاً منهم، فقلت: أين هذا الذي تدعونه الصابئ؟ فأشار إلي، فقال: هذا الصابئ، فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشياً علي، فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر، فأتيت زمزم، فغسلت عني الدماء، وشربت من مائها، ولقد لبثت يا بن أخي ثلاثين بين ليلة ويوم، ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، وما وجدت على كبدي سخفة جوع.
قال: فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان إذ ضرب الله على أسمختهم، فما يطوف بالبيت أحد منهم غير امرأتين، فأتتا علي وهما يدعوان إسافاً ونائلة، فقلت: هن مثل الخشبة غير أني لا أكني فانطلقتا تولولان، وتقولان: لو كان ها هنا أحد من
أنفارنا! فاستقبلهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وهما هابطتان، قال: مالكما؟ قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها، قال: ما قال لكما؟ قالتا: إنه قال لنا كلمةً تملأ الفم. وجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى استلم الحجر، وطاف بالبيت هو وصاحبه، ثم صلى، فلما قضى صلاته كنت أول من حياه بتحية الإسلام، فقال: وعليك ورحمة الله، ممن أنت؟ قلت: من غفار، فأهوى بيده، فوضع أصابعه على جبهته، فقلت في نفسي: كره أن انتميت إلى غفار، فذهبت آخذ بيده، فقد عني صاحبه، وكان أعلم به مني، فرفع رأسه ثم قال: متى كنت ها هنا؟ قلت: منذ ثلاثين بين ليلة ويم، قال: فمن كان يطعمك؟ قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، فما وجدت على كبدي سخفة جوع. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنها مباركة، إنها طعام طعم. فقال أبو بكر: يا رسول الله، ائذن لي في إطعامه الليلة، فانطلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وانطلقت معهما، ففتح أبو بكر باباً، فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف، فكان ذلك أول طعام أكلته بها، ثم غبرت ما غبرت، ثم أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إنه قد وجهت لي أرض ذات نخل، لا أراها إلا يثرب، فهل أنت مبلغ عني قومك، عسى الله أن ينفعهم بك، ويأجرك فيهم.
فأتيت أنيساً، فقال: ما صنعت؟ فقلت: صنعت أني أسلمت، وصدقت، قال: ما لي رغبة عن دينك، فإني قد أسلمت وصدقت. فأتينا أمنا، فقالت: ما لي رغبة عن دينكما، فإني قد أسلمت، وصدقت. فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفاراً، فأسلم نصفهم قبل أن يقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة فقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فأسلم نصفهم الباقي. وجاءت أسلم، فقالوا: يا رسول الله، إخوتنا، نسلم على الذي أسلموا عليه، فأسلموا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله.
رواه ابن عون، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر قال: صليت قبل أن يبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين، قلت: أين كنت توجه؟ قال: حيث وجهني الله، كنت أصلي حتى إذا كان نصف الليل سقطت كأني خرقة فذكر الحديث نحو ما مضى إلى أن قال: فانطلق أخي أنيس، فأتى مكة، فلما قدم قال: أتيت رجلاً تسميه الناس الصابئ، هو أشبه الناس بك.
قال أبو ذر:
فأتيت مكة، فرأيت، رجلاً هو أضعف القوم في عيني، فقلت: أين الرجل الذي تسميه الناس الصابئ؟ فرفع صوته علي، وقال: صابئ، صابئ. فرماني الناس حتى كأني نصب أحمر، فاختبأت بين الكعبة وبين أستارها، فكنت فيها خمس عشرة من بين يوم وليلة فذكر الحديث في اجتماعه بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو ما مضى، وقال: قال صاحبه: يا رسول الله، أتحفني بضيافته الليلة.
رواه مسلم في الصحيح مختصراً، ثم قال: وحدثني إبراهيم بن محمد بن عرعرة، ومحمد بن حاتم قالا: أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا المثنى بن سعيد، عن أبي جمرة، عن ابن عباس قال: لما بلغ أبا ذر مبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله، ثم ائتني.
فانطلق الأخ حتى قدم مكة، وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلاماً ما هو بالشعر. فقال: ما شفيتني فيما أردت. فتزود وحمل شنةً له، فيها ماء حتى قدم مكة، فأتى المسجد، فالتمس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو لا يعرفه،
وكره أن يسأل عنه، حتى أدركه يعني الليل، فاضطجع، فرآه علي، فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه، فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد، فظل ذلك اليوم ولا يرى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه، فمر به علي، فقال: أما أنى للرجل أن يعلم منزله!؟ فأقامه، فذهب به معه، ولا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى إذا كان يوم الثالثة فعل مثل ذلك، فأقامه علي معه، ثم قال: ألا تحدثني ما الذي أقدمك هذا البلد؟ قال: إن أعطيتني عهداً وميثاقاً لترشدني فعلت. ففعل، فأخبره، فقال: إنه حق، وهو رسول الله، فإذا أصبحت فاتبعني، فإني إن رأيت شيئاً أخاف عليك منه قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي. ففعل. فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودخل معه، فسمع من قوله، وأسلم مكانه، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري، فقال: والذي نفسي بيده لأصرخن بها بني ظهرانيهم.
فخرج حتى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. وثار القوم فضربوه حتى أضجعوه، وأتى العباس فأكب عليه، فقال: ويلكم! ألستم تعلمون أنه من غفار، وأن طريق تجارتكم إلى الشام عليهم؟ فأنقذه منهم، ثم عاد من الغد لمثلها، وثاروا إليه فضربوه، فأكب عليه العباس فأنقذه.
وقال أبو قتيبة سلم بن قتيبة: حدثنا المثنى بن سعيد القصير، حدثني أبو جمرة قال: قال ابن عباس: ألا أخبركم بإسلام أبي ذر؟ قلنا: بلى، قال: قال: كنت رجلاً من غفار، فبلغنا أن رجلاً قد خرج بمكة يزعم أنه نبي، فقلت لأخي: أنطلق إلى هذا الرجل فكلمه، وائتني بخبره. فانطلق، فلقيه ثم رجع، فقلت: ما عندك؟ قال: والله لقد رأيته رجلاً يأمر
بالخير، وينهى عن الشر، فقلت: لم تشفني من الخبر. فأخذت جراباً وعصا ثم أقبلت إلى مكة، فجعلت لا أعرفه، وأكره أن أسأل عنه، وأشرب من ماء زمزم، وأكون في المسجد. فمر علي فقال: كأن الرجل غريب؟ قلت: نعم، قال: فانطلق إلى المنزل، فانطلقت معه، لا يسألني عن شيء، ولا أخبره. فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه، وليس أحد يخبرني عنه بشيء، فمر بي علي فقال: ما آن للرجل أن يعود؟ قلت: لا، قال: ما أمرك، وما أقدمك هذه البلدة؟ قلت: إن كتمته علي أخبرتك، قال: فإني أفعل. قلت: بلغنا أنه قد خرج رجل يزعم أنه نبي، فأرسلت أخي ليكلمه، فرجع ولم يشفني من الخبر، فأردت أن ألقاه.
قال: أما إنك قد رشدت لأمرك، هذا وجهي إليه فاتبعني، فادخل حيث أدخل، فإني إن رأيت أحداً أخافه عليك قمت إلى الحائط. وامض أنت. قال: فمضى، ومضيت معه حتى دخل، ودخلت معه على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله، اعرض علي الإسلام، فعرضه علي، فأسلمت مكاني، فقال لي: يا أبا ذر، أكتم هذا الأمر وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل. قلت: والذي بعثك بالحق لأصرخن ما بين أظهركم. فجاء إلى المسجد وقريش فيه، فقال: يا معشر قريش، إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ، فقاموا، فضربت لأموت، وأدركني العباس، فأكب علي ثم قال: ويحكم! تقتلون رجلاً من غفار، ومتجركم، وممركم على غفار؟ فأقلعوا عني، فلما أصبحت الغد رجعت، فقلت ما قلت بالأمس، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ. فضربوني، وأدركني العباس، فأكب علي.
قال: فكان هذا أول إسلام أبي ذر.
عن خفاف بن إيماء بن رحضة قال: كان أبو ذر رجلاً يصيب الطريق، وكان شجاعاً ينفرد وحده بقطع الطريق،
ويغير على الصرم في عماية الصبح على ظهر فرسه، أو على قدميه كأنه السبع، فيطرق الحي، ويأخذ ما أخذ. ثم إن الله قذف في قلبه الإسلام، وسمع بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يومئذ بمكة يدعو مختفياً، فأقبل يسأل عنه، حتى أتاه في منزله وقبل ذلك ما قد طلب من يوصله إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يجد أحداً فانتهى إلى الباب، فاستأذن، فدخل، وعنده أبو بكر، وقد أسلم قبل ذلك بيوم أو يومين، وهو يقول: يا رسول الله، والله لا نستسر بالإسلام، ولنظهرنه، فلا يرد عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً، فقلت: يا محمد، إلام تدعو؟ قال: إلى الله وحده لا شريك له، وخلع الأوثان، وتشهد أني رسول الله. قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله. ثم قال أبو ذر: يا رسول الله، إني منصرف إلى أهلي، وناظر متى يؤمر بالقتال فألحق بك، فإني أرى قومك عليك جميعاً. فقال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أصبت، فانصرف. فكان يكون بأسفل ثنية غزال، فكان يعترض لعيرات قريش، فيقتطعها، فيقول: لا أرد إليكم منها شيئاً حتى تشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإن فعلوا رد عليهم ما أخذ منهم، وإن أبوا لم يرد عليهم شيئاً. فكان على ذلك حتى هاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومضى بدر وأحد، ثم قدم، فأقام بالمدينة مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن أبي ذر قال: كنت رابع الإسلام، أسلم قبلي ثلاثة، وأنا الرابع، فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: سلام عليك يا نبي الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فرأيت الاستبشار في وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: من أنت؟ قلت: أنا جندب رجل من بني غفار، قال: فرأيتها في وجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حيث ارتدع، كأنه ود أني كنت من قبيلة أرفع من قبيلتي. قال: وكنت من قبيلة فيها رقةً، كانوا يسرقون الحاج بمحاجن لهم.
قال جبير بن نفير: كان أبو ذر، وعمرو بن عبسة، كل واحد منهم يقول: أنا ربع الإسلام. وقال: وكان أبو ذر يقول: لقد رأيتني ربع الإسلام، لم يسلم قبلي إلا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وبلال.
وعن موسى بن عقبة، عن عطاء بن أبي مروان، عن أبيه، عن أبي ذر قال: كنت في الإسلام خامساً.
قال الواقدي: قالوا: وعبأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه، وصفهم صفوفاً يعني يوم حنين ووضع الرايات والألوية في أهلها، وسمى حامليها. قال: وكان في بني غفار راية يحملها أبو ذر.
قال: وكان أبو ذر يقول: أبطأت في غزوة تبوك من أجل بعيري، كان نضواً أعجف، فقلت: أعلفه أياماً، ثم ألحق برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فعلفته أياماً، ثم خرجت، فلما كنت بذي المروة أذم بي، وتلومت عليه يوماً فلم أر به حركة. فأخذت متاعي، فحملته على ظهري، ثم خرجت أتبع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماشياً في حر شديد، وقد تقطع الناس فلا أرى أحداً يلحقه من المسلمين، وطلعت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصف النهار، وقد بلغ مني العطش، فنظر ناظر من الطريق، فقال: يا رسول الله، إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده، فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: كن أبا ذر، فلما تأملني القوم قالوا: يا رسول الله، هذا أبو ذر، فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى دنوت منه، فقال:
مرحباً بأبي ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، فقال: ما خلفك يا أبا ذر؟ فأخبره خبر بعيره، ثم قال: إن كنت لمن أعز أهلي علي تخلفاً، لقد غفر الله لك يا أبا ذر بكل خطوة ذنباً إلى أن بلغتني، ووضع متاعه عن ظهره، ثم استسقى، فأتي بإناء من ماء فشربه.
وعن غضيف بن الحارث، عن أبي الدرداء قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبتدئ أبا ذر إذا حضر، ويتفقده إذا غاب.
وعن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: قال أبو ذر: وكان أكثر أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له سؤالاً.
فذكر حديثاً.
وعن حاطب قال: قال أبو ذر: ما ترك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً مما صبه جبريل وميكائيل في صدره إلا قد صبه في صدري، ولا تركت شيئاً مما صبه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صدري إلا صببته في صدر مالك بن ضمرة.
وقال أبو ذر: لقد تركنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا وهو يذكرنا منه علماً.
وقال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كل شيء حتى عن مسح الحصا، فقال: واحدة.
قال: أوصاني حبي بخمس: أرحم المساكين وأجالسهم، وأنظر إلى من تحتي ولا
أنظر إلى من فوقي، وأن أصل الرحم وإن أدبرت، وأن أقول الحق وإن كان مراً، وأن أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
قال عمر مولى غفرة: ما أعلم بقي فينا من الخمس إلا هذه؛ قولنا: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وعن عون بن مالك، عن أبي ذر أنه جلس إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا أبا ذر هل صليت الضحى؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين، فقام فصلى، ثم جلس، فقال: يا أبا ذر، تعوذ بالله من شياطين الإنس، قلت: يا رسول الله، هل للإنس شياطين؟ قال: نعم يا أبا ذر، ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قلت: ما هو؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وعن عبيد بن عمير، عن أبي ذر قال: دخلت المسجد فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا أبا ذر ألا أوصيك بوصايا إن أنت حفظتها نفعك الله بها؟ قلت: بلى بأبي أنت وأمي، قال: جاور القبور تذكر بها وعيد الآخرة، وزرها بالنهار، ولا تزرها بالليل، واغسل الموتى؛ فإن في معالجة جسد خاو عظةً، وشيع الجنائز؛ فإن ذلك يحرك القلب ويحزنه، وأعلم أن أهل الحزن في أمن الله، وجالس أهل البلاء والمساكين، وكل معهم، ومع خادمك لعل الله يرفعك يوم القيامة، والبس الخشن الصفيق من الثياب تذللاً لله عز وجل وتواضعاً لعل الفخر والبطر لا يجدان فيك مساغاً، وتزين أحياناً في عبادة الله بزينة حسنة تعففاً وتكرماً، فإن ذلك لا يضرك إن شاء الله وعسى أن يحدث لله شكراً.
وسئل أبو ذر: هل كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: ما لقيني قط
إلا صافحني، ولقد جئت مرةً، فقيل لي: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طلبك، فجئت، فاعتنقني، فكان ذلك أجود وأجود.
وقال: أرسل إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه الذي توفي فيه، فأتيته، فوجدته نائماً، فأكببت عليه، فرفع يده فالتزمني.
سئل علي بن أبي طالب عن أبي ذر، فقال: علم العلم ثم أوكى فربط عليه ربطاً شديداً.
وقال أيضاً: أبو ذر وعاء ملئ علماً ثم أوكى عليه فلم يخرج منه شيء، حتى قبض.
وقال أيضاً: وعى علماً عجز فيه وكان شحيحاً حريصاً؛ شحيحاً على دينه، حريصاً على العلم، وكان يكثر السؤال، فيعطى ويمنع، أما إنه قد ملئ له في وعائه حتى امتلأ.
فلم يدروا ما يريد بقوله: وعى علماً عجز فيه؛ أعجز عن كشفه، أم عما عنده من العلم، أم عن طلب ما طلب من العلم إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: كان أبو ذر جالساً إلى جنب أبي بن كعب يوم الجمعة، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب، فتلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيةً لم يكن أبو ذر سمعها، فقال أبو ذر لأبي: متى أنزلت هذه الآية؟ فلم يكلمه، فلما أقيمت الصلاة قال له أبو ذر: ما منعك أن تكلمني حين سألتك؟ فقال أبي: إنه ليس لك من جمعتك إلا ما لغوت. فانطلق أبو ذر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبره، فقال: صدق أبي، فقال أبو ذر: أستغفر الله وأتوب إليه، فقال
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم اغفر لأبي ذر وتب عليه.
وعن أبي أمامة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفع إلى أبي ذر غلاماً، فقال: يا أبا ذر، أطعمه مما تأكل، واكسه مما تلبس، فلم يكن عنده غير ثوب واحد، فجعله نصفين، فراح إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما شأن ثوبك يا أبا ذر؟ فقال: إن الفتى الذي دفعته إلي أمرتني أن أطعمه مما آكل، وأكسوه مما ألبس، وإنه لم يكن معي إلا هذا الثوب فناصفته. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحسن إليه يا أبا ذر، فانطلق أبو ذر فأعتقه، فسأله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما فعل فتاك؟ قال: ليس لي فتى، قد أعتقته، قال: أجرك الله يا أبا ذر.
قال عبد الله بن مليل: سمعت علياً يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه لم يكن قبلي نبي إلا قد أعطاه الله سبعة رفقاء وزراء، وإني أعطيت أربعة عشر، فذكرهم، وفيهم أبو ذر.
وعن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أمرت بحب أربعة من أصحابي، وأخبرني الله أنه يحبهم: علي، وأبو ذر، وسلمان، والمقداد.
وعن علي، وأبي الدرداء، وعبد الله بن عمرو بن العاص قالوا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر زاد علي: طلب شيئاً من الزهد عجز عنه الناس.
وعن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، من سره
أن ينظر إلى تواضع وفي رواية: إلى زهد عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر.
وعن مالك بن مرثد، عن أبيه قال: قال أبو ذر: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما تقل الغبراء، ولا تظل الخضراء من ذي لهجة أصدق، ولا أوفى من أبي ذر، شبه عيسى بن مريم. قال: فقام عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله، أفنعرف ذلك له؟ قال: نعم فاعرفوه له.
وفي رواية أخرى عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فإذا أردتم أن تنظروا إلى أشبه الناس بعيسى بن مريم هديا وبراً ونسكا فعليكم بأبي ذر.
وعن ابن مسعود قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أبا ذر ليباري عيسى بن مريم في عبادته. من سره أن ينظر إلى شبه عيسى بن مريم خلقاً وخلقاً فلينظر إلى أبي ذر.
وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من نبي إلا له نظير في أمتي: أبو بكر نظير إبراهيم، وعمر نظير موسى، وعثمان نظير هارون، وعلي نظيري. ومن سره أن ينظر إلى عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر الغفاري.
عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أرحم أمتي أبو بكر الصديق، وأحسنهم خلقاً أبو عبيدة بن الجراح، وأصدقهم لهجةً أبو ذر، وأشدهم في الحق عمر، وأقضاهم علي.
عن أبي ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، إني رأيت أني وزنت بأربعين أنت فيهم، فوزنتهم.
عن أبي ذر قال: والله ما كذبت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أخذت إلا عنه، أو عن كتاب الله عز وجل.
وقال: والله إني لعلى العهد الذي فارقت عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما غيرت، ولا بدلت.
عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه: أن عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن مسعود، وأبي الدرداء، وأبي ذر: ما هذا الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: وأحسبه حبسهم بالمدينة حتى أصيب.
وقال أبو ذر: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
كيف أنت عند ولاة يستأثرون عليك؟ قلت: قلت: والذي بعثك بالحق، أضع سيفي على عاتقي وأضرب حتى ألحقك. قال: أفلا أدلك على ما هو خير لك من ذلك؟ اصبر حتى تلحقني وفي رواية: تنقاد لهم حيث قادوك، وتنساق لهم حيث ساقوك حتى تلقاني وأنت على ذلك، وفي رواية: إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج منها وضرب بيده نحو الشام ولا أرى أمراءك إلا يحولون بينك وبين ذلك قلت: فآخذ سيفي، وأضرب به من حال بيني وبين أمرك؟ قال: لا، ولكن تسمع وتطيع ولو لعبد حبشي. فلما بلغ البناء سلعاً خرج من المدينة حتى أتى الشام، فتكاب الناس عليه، فكتب معاوية إلى عثمان: إن كان لك بالشام حاجة فأرسل إلى أبي ذر. فكتب إليه عثمان يأمره بالقدوم عليه، فقال: سمعاً وطاعة. فلما قدم على عثمان قال له: ها هنا عندي. قال: الدنيا لا حاجة لي فيها، قال: تأتي الربذة، قال: إن أذنت لي. فلما قدم الربذة حضرت الصلاة، قيل له: تقدم يا أبا ذر، فقال: من على هذا الماء؟ قالوا: هذا، فإذا عبد حبشي. قال أبو ذر: الله أكبر، أمرت أن أسمع وأطيع ولو لعبد حبشي، فأنت عبد حبشي. فتقدم، فصلى خلفه أبو ذر.
وقال أبو ذر: كنت أخدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم آتي المسجد إذا أنا فرغت من عملي فاضطجع فيه. فأتاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا مضطج فيه، فضبني برجله، فاستويت جالساً، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كيف تصنع إذا أخرجت منها؟ قلت: ألحق بأرض الشام، قال: كيف تصنع إذا أخرجت منها؟ قلت: آخذ سيفي، فأضرب به من يخرجني، قال: فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده على منكبي ثم قال: غفراً أبا ذر، غفراً أبا ذر، بل تنقاد معهم حيث قادوك، وتنساق معهم حيث ساقوك ولو لعبد أسود. قال: فلما نفيت إلى الربذة أقمت الصلاة، فتقدمهم رجل أسود كان فيها على بعض الصدقة، فلما رآني أخذ يرجع ليقدمني، فقلت: كما أنت أنقاد لأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، أنت رجل صالح، وسيصيبك بعدي بلاء، قلت: في الله؟ قال: في الله قلت: مرحباً بأمر الله.
وقال أبو ذر: أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا نغلب على أن نأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر، ونعلم الناس السنن.
قال عبد الله بن أبي قيس: خرجنا مع غضيف بن الحارث نريد بيت المقدس، فأتينا أبا الدرداء، فسلمنا عليه، فقال أبو الدرداء: الق أبا ذر، فقل: يقول لك أبو الدرداء: اتق الله، وخف الناس، فقال أبو ذر: اللهم غفراً، إن كنا قد سمعنا فقد سمع، وإن كنا قد رأينا فقد رأى، أو ما علم أني بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ألا تأخذني في الله
لومة لائم.
عن أبي اليمان، وأبي المثنى أن أبا ذر قال: بايعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمساً، وواثقني سبعاً، وأشهد الله علي تسعاً ألا أخاف في الله لومة لائم. ثم قال أبو المثنى: قال أبو ذر: فدعاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: هل لك إلى بيعة ولك الجنة؟ قلت: نعم، وبسطت يدي، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يشترط علي: أن لا تسأل الناس شيئاً، قلت: نعم، قال: ولا سوطك إن سقط منك حتى تنزل إليه فتأخذه.
عن أبي اليمان قال: لما قفل الناس عام غزوة قبرس وعليهم معاوية، ومعه أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين كانوا بالشام، فخرج إلى الكنيسة التي إلى جانب أنطرسوس التي يقال لها كنيسة معاوية، وبمقامه عندها دعيت كنيسة معاوية، فقام في الناس قبل أن يتفرقوا إلى أجنادهم، فقال: إنا قاسموا غنائمكم على ثلاثة أسهم: سهم للسفن فإنها مراكبكم، وسهم للقبط، فإنكم لم يكن لكم حيلة إلا بهم، وسهم لكم. فقام أبو ذر، فقال: كلا والله لا نقسم سهامنا على ذلك، أتقسم للسفن وهي مما أفاء الله علينا؟ وتقسم للقبط وإنما هم خولنا؟ والله ما أبالي من قال أو ترك، لقد بايعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمساً، وأوثقني سبعاً، وأشهد الله علي سبعاً: ألا تأخذني في الله لومة لائم.
فقال معاوية: تقسم الغنائم جميعاً على المسلمين.
قال بشر بن بكر: حدثنا الأوزاعي: حدثني أبو كثير، حدثني أبي قال:
أتيت أبا ذر وهو جالس عند الجمرة الوسطى، وقد اجتمع الناس عليه يستفتونه، فأتاه رجل، فوقف عليه، فقال: ألم ينهك أمير المؤمنين عن الفتيا؟ فرفع رأسه إليه ثم قال: أرقيب أنت علي؟! لو وضعتم الصمصامة على هذه وأشار بيده إلى
قفاه ثم ظننت أن أنفذ كلمةً سمعتها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن تجيزوا علي لأنفذتها.
وفي رواية: أن رجلاً أتى أبا ذر فقال: إن المصدقين يعني جباة الصدقة إزدادوا علينا، فنغيب عنهم بقدر ما ازدادوا علينا؟ قال: لا، قف مالك عليهم فقل: ما كان لكم من حق فخذوه، وما كان باطلاً فذروه، فما تعدوا عليك جعل في ميزانك يوم القيامة.
وعلى رأسه فتىً من قريش، فقال: أما نهاك أمير المؤمنين عن الفتوى؟ فذكر ما سبق.
وعن ثعلبة بن الحكم، عن علي قال: لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر، ولا نفسي؛ ثم ضرب بيده على صدره.
عن أبي الطفيل، عن ابن أخي أبي ذر قال: أخبرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لن يسلط أحد على قتلي، ولن يفتنونني عن ديني. وأخبرني أني أسلمت فرداً، وأموت فرداً، وأبعث يوم القيامة فرداً.
قال الأحنف بن قيس: أتيت المدينة، ثم أتيت الشام، فجمعت، فإذا أنا برجل لا ينتهي إلى سارية إلا فر أهلها، يصلي ويخف صلاته. فجلست إليه، قال: قم عني لا أغرك بشر، فقلت: كيف تغرني بشر؟ قال: إن هذا يعني معاوية نادى مناديه أن لا يجالسني أحد.
وفي رواية: كنت جالساً في حلقة بمسجد المدينة، فأقبل رجل لا تراه حلقة إلا فروا حتى انتهى إلى الحلقة التي كنت فيها، ففروا، وثبت، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا أبو ذر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قلت: فما يفر الناس منك؟ قال: إني أنهاهم عن
الكنوز، قلت: فإن أعطيتنا قد بلغت وارتفعت، أفتخاف علينا منها؟ قال: أما اليوم فلا، ولكن يوشك أن يكون أثمان دينكم، فإذا كان أثمان دينكم فدعوهم وإياها.
وقال: قدمت المدينة، فبينما أنا في حلقة فيها ملأ من قريش إذ جاء رجل أخشن الثياب، أخشن الجسد، أخشن الوجه، فقام عليهم، فقال: بشر الكنازين برضف يحمى عليهم في نار جهنم، فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه يتجلجل.
قال: فوضع القوم رؤوسهم، فما رأيت أحداً منهم رجع إليه شيئاً، فأدبر، فتبعته حتى جلس إلى سارية، فقلت: ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت لهم، فقال: إن هؤلاء لا يعقلون شيئاً، إن خليلي أبا القاسم دعاني، فقال: يا أبا ذر، فأجبته، فقال: ترى أحداً، فنظرت ما علي من الشمس، وأنا أظنه يبعث بي في حاجة له، فقلت: أراه، فقال: ما يسرني أن لي مثله ذهباً أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير، ثم هؤلاء يجمعون الدنيا، لا يعقلون شيئاً! فقلت: مالك ولإخوانك قريش، لا تعتريهم، وتصيب منهم؟ قال: لا وربك ما أسألهم دنيا، ولا أستفتيهم عن دين حتى ألحق بالله ورسوله.
قال مالك بن أوس بن الحدثان: قدم أبو ذر من الشام، فدخل المسجد وأنا جالس، فسلم علينا، وأتى سارية، فصلى ركعتين تجوز فيهما، ثم قرأ: ألهاكم التكاثر حتى ختمها، واجتمع الناس عليه، فقالوا له: يا أبا ذر، حدثنا ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لهم: سمعت حبيبي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: في الإبل صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البر صدقته، من
جمع ديناراً أو درهماً، أو تبراً، أو فضة لا يعده لغريم، ولا للنفقة في سبيل الله كوي به. قلت: يا أبا ذر، انظر ما تخبر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن هذه الأموال قد فشت. فقال: من أنت يا بن أخي؟ فانتسبت له، قال: قد عرفت نسبك الأكبر، ما تقرأ " والذين يكنِزُون الذهبَ والفضةَ ولا ينفقونَها في سبيلِ الله "؟ وفي رواية: قدم أبو ذر من الشام وأنا جالس مع عثمان بن عفان في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاء أبو ذر فسلم عليه، فقال عثمان: كيف أنت يا أبا ذر؟ قال: بخير، فكيف أنت؟ ثم ولى وهو يقول: " ألهاكُمُ التكاثرُ حتى زُرْتُم المقابر "، ورفع صوته وكان صلب الصوت حتى ارتج المسجد بقراءة السورة كلها، حتى مالت القراءة إلى سارية من سواري المسجد. فصلى ركعتين فتجوز فيهما، فاحتوشه الناس وقالوا: حدثنا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجلست قبالة وجهه.
فذكر نحو ما تقدم.
قال عبيد الله بن شميط: سمعت أبي يقول: بلغنا أن أبا ذر كان يقول وهو في مجلس معاوية: لقد عرفنا خياركم من شراركم، ولنحن أعرف بكم من البياطرة بالخيل. فقال رجل: يا أبا ذر، أتعلم الغيب؟ فقال معاوية: دعوا الشيخ فالشيخ أعلم منكم، من خيارنا يا أبا ذر؟ قال: خياركم أزهدكم في الدنيا، وأرغبكم في الآخرة، وشراركم أرغبكم في الدنيا وأزهدكم في الآخرة.
حدثنا عبد الله بن الصامت قال: دخلت مع أبي ذر في رهط من غفار على عثمان من الباب الذي لا يدخل عليه منه، فتخوفنا عثمان عليه، فانتهى إليه، فسلم عليه وقال: أحسبتني منهم يا أمير المؤمنين؟ والله ما أنا منهم، ولا أدركهم، لو أمرتني أن آخذ بعرقوتي قتب لأخذت بهما حتى أموت. ثم استأذنه إلى الربذة، فقال: نعم نأذن لك.
عن عبد الله بن الصامت ابن أخي أبي ذر قال: دخلت مع أبي ذر على عثمان، فلما دخل إليه حسر عن رأسه وقال: والله ما أنا منهم يا أمير المؤمنين يريد الخوارج قال ابن شوذب: سيماهم التسبيت يعني الحلق فقال له عثمان: صدقت يا أبا ذر، إنما أرسلت إليك لتجاورنا بالمدينة، قال: لا حاجة لي في ذلك، ائذن لي إلى الربذة، قال: نعم، ونأمر لك بنعم من نعم الصدقة تغدو عليك وتروح، قال: لا حاجة لي في ذلك، تكفي أبا ذر صريمته. فلما خرج من عنده قال: دونكم معاشر قريش دنياكم فاخذموها، ودعونا وربنا.
حدثني غزوان أبو حاتم قال: بينا أبو ذر عند باب عثمان ليؤذن له إذ مر به رجل من قريش، فقال: يا أبا ذر، ما يجلسك ها هنا؟ قال: يأبى هؤلاء أن يأذنوا لنا. فدخل الرجل، فقال: يا أمير المؤمنين، ما بال أبي ذر على الباب لا يؤذن له؟ فأمر فأذن له، فجاء حتى جلس ناحية القوم وميراث عبد الرحمن يقسم، فقال عثمان لكعب: يا أبا إسحاق، أرأيت المال إذا أدي زكاته هل يخشى على صاحبه فيه تبعة؟ فقال: لا، فقام أبو ذر ومعه عصاً، فضرب بها بين أذني كعب، ثم قال: يا بن اليهودية، أنت تزعم أنه ليس عليه حق في ماله إذا أدى الزكاة، والله تعالى يقول: " ويُؤْثِرون على أنفسهم " الآية، " ويُطْعِمون الطعامَ على حُبّه "، و" في أموالِهِمْ حَقُّ معلوم للسائل والمْحُروم "، فجعل يذكر نحو هذا
من القرآن. فقال عثمان للقرشي: إنما نكره أن نأذن لأبي ذر من أجل ما ترى! عن ابن عباس قال: كان أبو ذر يختلف من الربذة إلى المدينة مخافة الأعرابية، فكان يحب الوحدة والخلوة. فدخل على عثمان وعنده كعب الأحبار، فقال عثمان: ألا ترضون من الناس بكف الأذى حتى يبذلوا المعروف، وقد ينبغي للمؤدي الزكاة ألا يقتصر عليها حتى يحسن إلى الجيران والإخوان، ويصل القرابات. فقال كعب: من أدى الفريضة فقد قضى ما عليه، فرفع أبو ذر محجنةً، فضربه، فشجه، فاستوهبه عثمان، فوهبه له، وقال: يا أبا ذر، اتق الله، واكفف يدك ولسانك. وقد كان قال له: يا بن اليهودية، ما أنت وما ها هنا؟! والله لتسمعن مني أو لا أدخل عليك، والله لا يسمع أحد من اليهود إلا فتنوه.
قال زيد بن وهب: حدثني أبو ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا بلغ البناء سلعاً فارتحل إلى الشام. فلما بلغ البناء سلعاً قدمت الشام، وكنت بها، فتلوت هذه الآية " والذين يكِنُزون الذَّهبَ والفِضّةَ "، فقال معاوية: هذه للكفار، فقلت: هي لأهل الإسلام. فكتب إلى عثمان: إن هذا يفسد، فكتب إلي عثمان، فقدمت المدينة، فأجفل الناس ينتظرونني، كأنهم لم يروني قط، فقال لي عثمان: لو ارتحلت إلى الربذة؟ قال: فارتحلنا إلى الربذة.
وفي رواية: مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذر، فقلت: ما أنزلك هذا؟ قال: كنت بالشام، فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية: " والذين يكنزون الذهبَ والفضةَ "، فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، وقلت: نزلت فينا وفيهم. فكان بيني وبينه في ذلك كلام، فكتب يشكوني إلى عثمان، فكتب إلي عثمان أن أقدم المدينة، فقدمت المدينة، فكثر الناس علي كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكر ذلك لعثمان، فقال:
إن شئت تنحيت، فكنت قريباً. قال: فذلك أنزلني هذا المنزل، ولو أمر علي حبشي لسمعت وأطعت.
قال موسى بن عبيدة: أخبرني ابن نفيع، عن ابن عباس قال:
استأذن أبو ذر على عثمان وأنا عنده، فتغافلوا عنه ساعةً، فقلت: يا أمير المؤمنين، هذا أبو ذر بالباب يستأذنك، فقال: ائذن له إن شئت، إنه يؤذينا ويبرح بنا، قال: فأذنت له، فجلس على سرير مرمول من هذه البحرية، فرجف به السرير، وكان عظيماً طويلاً، فقال له عثمان: أما إنك الزاعم أنك خير من أبي بكر وعمر؟ قال: ما قلت: قال عثمان: إني أنزع عليك بالبينة، قال: والله ما أدري ما بينتك، وما تأتي به؟ وقد علمت ما قلت، قال: فكيف قلت إذاً؟ قال: قلت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن أحبكم إلي وأقربكم مني الذي يلحق بي على العهد الذي عاهدته عليه، وكلكم قد أصاب من الدنيا، وأنا على ما عاهدني عليه، وعلى الله تمام النعمة. وسأله عن أشياء، فأخبره بالذي يعلمه، فأمره أن يرتحل إلى الشام فيلحق بمعاوية، فكان يحدث بالشام، فاستهوى قلوب الرجال، فكان معاوية ينكر بعض شأن رعيته، وكان يقول: لا يبيتن عند أحدكم دينار ولا درهم، ولا تبر، ولا فضة إلا شيء ينفقه في سبيل الله، أو يعده لغريم. وإن معاوية بعث إليه بألف دينار في جنح الليل فأنفقها، فلما صلى معاوية الصبح دعا رسوله الذي أرسله إليه فقال: اذهب إلى أبي ذر فقل: أنقذ جسدي من عذاب معاوية أنقذك الله من النار، فإني أخطأت بك. قال: يا بني، قل له: يقول لك أبو ذر: والله ما أصبح عندنا منه دينار، ولكن أنظرنا ثلاثاً حتى نجمع لك دنانيرك. فلما رأى معاوية أن قوله صدق فعله كتب إلى عثمان: أما بعد، فإن كان لك بالشام حاجة أو بأهله فابعث إلى أبي ذر، فإنه قد أوغل صدور الناس. فكتب إليه عثمان: أقدم علي. فقدم عليه المدينة.
قال شداد بن أوس: كان أبو ذر يسمع الحديث من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه الشدة، ثم يخرج إلى قومه يسلم عليهم، ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرخص فيه بعد فلم يسمعه أبو ذر، فتعلق أبو ذر بالأمر الشديد.
قال عبد بن سيدان السلمي: تناجى أبو ذر وعثمان حتى ارتفعت أصواتهما، ثم انصرف أبو ذر مبتسماً، فقال الناس: مالك ولأمير المؤمنين؟ قال: سامع مطيع، ولو أمرني أن آتي صنعاء أو عدن ثم استطعت أن أفعل لفعلت. وأمره عثمان أن يخرج إلى الربذة وفي رواية: لو أن عثمان أمرني أن أمشي على رأسي لمشيت، وفي رواية: لو أمرني ألا أجلس ما جلست ما حملتني رجلاي ولو كنت على بعير يعني موثقاً ما أطلقت نفسي حتى يكون هذا الذي يطلقني.
وفي رواية: لما قدم أبو ذر على عثمان من الشام قال: يا أمير المؤمنين، أتحسب أني من قوم والله ما أنا منهم، ولا أدركتهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، ولا يرجعون إليه حتى يرجع السهم على فوقه، سيماهم التحليق. والله لو أمرتني أن أقوم ما قعدت ما ملكتني رجلاي ولو أوثقتني بعرقوتي قتب ما حللته حتى تكون أنت الذي تحلني.
عن شيخين من بني ثعلبة: رجل وامرأته قالا: نزلنا الربذة، فمر بنا شيخ أشعث أبيض الرأس واللحية، فقالوا: هذا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستأذناه أن نغسل رأسه، فأذن لنا، واستأنس بنا، فبينا نحن كذلك
إذ أتاه نفر من أهل العراق، حسبته قال: من أهل الكوفة، فقالوا: يا أبا ذر، فعل بك هذا الرجل وفعل، فهل أنت ناصب له رايةً، فنكملك برجال ما شئت؟ فقال: يا أهل الإسلام، لا تعرضوا علي ذاكم، ولا تذلوا السلطان؛ فإنه من أذل السلطان فلا توبة له، والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة وأطول جبل لسمعت، وأطعت، وصبرت، واحتسبت، ورأيت أن ذلك خير لي، ولو سيرني ما بين الأفق إلى الأفق أو قال: ما بين الشرق والغرب لسمعت، وأطعت، وصبرت، واحتسبت، ورأيت أن ذلك خير لي، ولو ردني إلى منزلي لسمعت، وأطعت، وصبرت، واحتسبت، ورأيت أن ذلك خير لي.
عن عبد الرحمن بن غنم قال: كنت عند أبي الدرداء إذ جاءه رجل من أهل المدينة، فسأله فقال: إني تركت أبا ذر يسير إلى الربذة، فقال أبو الدرداء: إنا لله وإنا إليه راجعون! لو أن أبا ذر قطعني عضواً عضواً ما هجته مما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول فيه.
قال الحافظ أبو القاسم رحمه الله: ولم يسير عثمان أبا ذر، لكنه خرج هو إلى الربذة لما تخوف من الفتنة التي حذره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما خرج عقيب ما جرى بينه وبين أمير المؤمنين عثمان ظن أنه هو الذي أخرجه.
ثم أسند عن عبد الله بن الصامت قال: قالت أم ذر: والله ما سير عثمان أبا ذر ولكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج منها، فلما بلغ البناء سلعاً وجاوز خرج أبو ذر إلى الشام.
وذكر الحديث في رجوعه، ثم خروجه إلى الربذة، وموته بها.
قال أبو ذر: إني لأقربكم مجلساً من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم القيامة. وقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة من خرج من الدنيا بهيئة ما تركته فيها، وإنه والله ما منكم أحد إلا قد تشبث منها بشيء.
قال مالك بن دينار: قال أبو ذر للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والذي بعثك بالحق لا لقيتك إلا على الذي فارقتك عليه.
عن أبي ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يكون في جهنم عقبة كؤود لا يقطعها إلا المخفون، قلت: أمن المخفين أنا يا رسول الله؟ قال: عندك طعام يوم؟ قلت: نعم، قال: أعندك طعام غد؟ قلت: نعم، قال: أعندك طعام بعد غد؟ قلت: لا، قال: لو كان عندك طعام ثلاثة أيام لكنت من المثقلين.
وقال أبو ذر: كان قوتي على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل جمعة صاعاً فلست بزائد عليه حتى ألقاه.
قال إبراهيم التيمي: دخل شباب من قريش على أبي ذر فقالوا له: فضحتنا بالدنيا، وأغضبوه، فقال: مالي وللدنيا، وإنما يكفيني صاع من طعام في كل جمعة، وشربة من ماء في كل يوم.
قال المعرور بن سويد: نزلنا الربذة، فإذا رجل عليه برد، وعلى غلامه برد مثله، فقلنا له، لو أخذت
برد غلامك هذا فضممته إلى بردك هذا فلبسته كانا حلةً، واشتريت لغلامك برداً غيره؟ قال: إني سأحدثكم عن ذلك: كان بيني وبين صاحب لي كلام، وكانت أمه أعجميةً، فنلت منها، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعذره مني، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، ساببت فلاناً؟ فقلت: نعم، قال: فذكرت أمه؟ فقلت: من ساب الرجال ذكر أبوه وأمه، فقال لي: إنك امرؤ فيك جاهلية، قلت: على حال ساعتي من الكبر؟ قال: على حال ساعتك من الكبر؛ إنهم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه، وليلبسه من لباسه، ولا يكلفه ما يغلبه.
عن سليمان بن يسار قال: قال أبو ذر حدثان إسلامه لابن عمه: يا بن الأمة، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما ذهبت عنك أعرابيتك بعد.
عن عطاء بن أبي مروان، عن أبي ذر أنه رآه في نمرة مؤتزراً بها، قائماً يصلي، فقلت: يا أبا ذر، مالك ثوب غير هذه النمرة؟ قال: لو كان لي رأيته علي، قلت: رأيت عليك منذ أيام ثوبين، فقال: يا بن أخي، أعطيتهما من هو أحوج مني إليهما، قلت: والله إنك لمحتاج إليهما، قال: اللهم غفراً، إنك لمعظم للدنيا، ألست ترى علي هذه البردة؟ ولي أخرى للمسجد، ولي أعنز نحلبها، ولي أحمرة نحمل عليها ميرتنا، وعندنا من يخدمنا ويكفينا مهنة طعامنا، فأي نعمة أفضل مما نحن فيه؟
قال عبد الله بن خراش: رأيت أبا ذر بالربذة في ظلة له سوداء، وتحته امرأة له سحماء، وهو جالس على قطعة جوالق، فقيل له: يا أبا ذر، إنك امرؤ ما يبقى لك ولد، فقال: الحمد لله الذي يأخذهم في الفناء، ويدخرهم في دار البقاء، قالوا: يا أبا ذر، لو اتخذت امرأةً غير هذه؟ قال: لأن أتزوج امرأة تضعني أحب إلي من امرأة ترفعني، قالوا له: لو اتخذت بساطاً ألين من هذا؟ قال: اللهم غفراً، خذ مما خولت ما بدا لك.
عن رجل من بني سليم قال:
جاورت أبا ذر بالربذة وله فيها قطيع إبل، له فيها راع ضعيف، فقلت: يا أبا ذر، ألا أكون لك صاحباً أكف راعيكم، وأقتبس بعض ما لعل الله ينفعني به. فقال له أبو ذر: إن صاحبي من أطاعني، فما كنت لي مطيعاً فأنت لي صاحب، وإلا فلست لي بصاحب. قلت: وما الذي تسألني الطاعة فيه؟ قال: لا أدعوك لشيء من مالي إلا توخيت أفضله. قال: فلبثت معه ما شاء الله، فذكر له في أهل الماء حاجة، فقال: ائتني ببعير من الإبل، فتصفحت الإبل، فإذا أفضلها فحلها ذلول، فهممت بأخذه، فذكرت حاجتهم إليه، فتركته وأخذت ناقةً ليس في الإبل بعد الفحل أفضل منها، فجئت بها، فحانت منه نظرة، فرآني، فقال: يا أخا بني سليم، جنبني، يا أخا بني سليم أجتنبني، فلما فهمتها خليت الناقة ثم رجعت إلى الإبل، فأخذت الفحل، فجئت به، فقال لجلسائه: من رجلان يحتسبان عملهما؟ فقال رجلان: نحن، فقال: إما لا فأنيخاه، ثم اعقلاه، ثم انحراه، ثم عدوا بيوت الماء، فجزئوا لحمه على عددهم، واجعلوا بيت أبي ذر بيتاً مما تفعلون.
فلما فرقوا اللحم دعاني، فقال: ما أدري حفظت وصيتي فظهرت بها، أم نسيت فأعذرك؟ قلت: ما نسيت وصيتك، ولكن لما تصفحت الإبل وجدت أفضلها فحلها، فهممت بأخذه، ثم ذكرت حاجتكم إليه فتركته. قال: ما تركته إلا لحاجتي إليه؟ قلت:
ما تركته إلا لذلك. قال: أفلا أخبرك بيوم حاجتي إليه؟ يوم أوضع في حفرتي، فذلك يوم حاجتي. إن في المال ثلاثة شركاء: القدر لا يستأمرك أن يذهب بخيرها أو بشرها، والوارث، ينتظر متى يوضع رأسك فيستفيئها وأنت ذميم، وأنت الثالث، فإن استطعت ألا تكون أعجز الثلاثة فلا تكن؛ مع أن الله تعالى قال: " لَنْ تنالوا البِرَّ حتّى تُنْفِقُوا ممّا تُحِبُّون "، وإن هذا الجمل كان مما أحب من مالي فأحببت أن أقدمه لنفسي.
عن سعيد بن أبي الحسن أن أبا ذر كان عطاؤه أربعة آلاف، فكان إذا أخذ عطاءه دعا خادمه فسأله عما يكفيه للسنة فاشتراه، ثم اشترى فلوساً بما بقي، وقال: إنه ليس من وعاء ذهب ولا فضة يوكى عليه إلا هو يتلظى على صاحبه.
عن رجل من أهل الشام أنه دخل على أبي ذر وهو يوقد تحت قدر له من حطب قد أصابه مطر، ودموعه تسيل، فقالت له امرأة له: كان لك عن هذا مندوحة، فلو شئت كفيت، فقال أبو ذر: فهذا عيشي، فإن رضيت وإلا فتحت كنف الله. قال: فكأنما ألقمها حجراً؛ حتى إذا أنضج ما في القدر جاء بصحفة، فكسر فيها خبزاً له غليظاً، ثم جاء بالذي كان في القدر، فكبه عليه، ثم جاء به، وقال لي: ادن، فأكلنا جميعاً، ثم أمر جاريته أن تسقينا، فسقتنا مذقةً من لبن معزاة، فقلت: أبا ذر، لو اتخذت في بيتك عيشاً؟ فقال: أتريد لي حساباً أكثر من هذا؟ أليس هذا مثالاً نرقد عليه، وعباءة نبسطها، وكساءً
نلبسه، وبرمة نطبخ فيها، وصحفة نأكل فيها، وبطة فيها زيت، وغرارة فيها دقيق؟ قلت: فإن عطاءك أربعمائة دينار، وأنت في شرف من العطاء فأين يذهب عطاؤك؟ فقال: لي في هذه القرية وأشار إلى قرية بالشام ثلاثون فرساً، فإذا خرج عطائي اشتريت لها علفاً، وأرزاقاً لمن يقوم عليها، ونفقة لأهلي، فإن بقي منها شيء اشتريت به فلوساً، فجعلته عند نبطي ها هنا، فإن احتاج أهلي إلى لحم أخذوا منه، وإن احتاجوا إلى شيء أخذوا منه، ثم أحمل عليها في سبيل الله. وليس عند آل أبي ذر دينار، ولا درهم.
قال ميمون بن مهران: لما احتضر أبو ذر قال لامرأته: أين تلك النفقة؟ فجاءت بثلاثة عشر درهماً، فأمر بها فوضعت مواضعها، ثم قال: إن كانت محرقتي ما بين عانتي إلى ذقني.
عن محمد بن المنذر قال: بعث حبيب بن مسلمة إلى أبي ذر وهو بالشام ثلاثمائة دينار، وقال: استعن بها على حاجتك، فقال أبو ذر: ارجع بها إليه، فما أحد أغنى بالله منا، لنا ظل نتوارى به، وثلة من غنم تروح علينا، ومولاة لنا تصدقت علينا بخدمتها، ثم إني لأتخوف الفضل.
وعن ابن سيرين قال: بلغ رجلاً كان بالشام من قريش أن أبا ذر به عوز، فبعث إليه ثلاثمائة دينار فقال: ما وجد عبداً لله هو أهون عليه مني؟ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من سأل وله أربعون فقد ألحف، ولآل أبي ذر أربعون درهماً، وأربعون شاةً، وماهنان يعني خادمين.
عن أبي شعبة قال:
مر قوم بأبي ذر بالربذة، فعرضوا عليه النفقة، فقال أبو ذر: عندنا أعنز نحلبها، وأحمرة ننتقل عليها، ومحررة تخدمنا، وفضل عباءة إني لأخاف الحساب فيها.
وفي رواية: وفضل عباءة عن كسوتنا، وإني لأخاف أن أحاسب الفضل.
عن يحيى قال: كان لأبي ذر ثلاثون فرساً يحمل عليها، فكان يحمل على خمسة عشر منها يغزى عليها، ويصلح آلة بقيتها، فإذا رجعت أخذها فأصلح آلتها، وحمل على الأخرى.
عن جسر بن الحسن قال: كان عطاء أبي ذر أربعة آلاف، فكان يشتري عشرين فرساً فيرتبطها بحمص، فكان يحمل على عشر عاماً، وعشر عاماً.
قال إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى: حدثني أبي، عن جدي قال: خرج أبو الدرداء إلى السوق يشتري قميصاً، فلقي أبا ذر، فقال: أين تريد يا أبا الدرداء؟ قال: أريد أن أشتري قميصاً، قال: وبكم؟ قال: بعشرة دراهم. فوضع أبو ذر يده على رأسه ثم قال: ألا إن أبا الدرداء من المسرفين. قال: فالتمست مكاناً أتوارى فيه، فلم أقدر، فقلت: يا أبا ذر، لا تفعل، مر معي، فاكسني أنت، قال: وتفعل؟ قلت: نعم. فأتى السوق، فاشترى قميصاً بأربعة دراهم. قال: فانصرفت حتى إذا كنت بين منزلي والسوق لقيت رجلاً لا يكاد يواري سوأته، فقلت له: اتق الله ووار سوأتك! فقال: ما أجد ما أواري به سوأتي، فألقيت إليه الثوب، ثم انصرفت إلى السوق، فاشتريت قميصاً بأربعة دراهم، ثم انصرفت إلى منزلي، فإذا خادمة على الطريق تبكي، قد اندق إناؤها، فقلت: ما يبكيك؟ فقالت: اندق إنائي، وأبطأت على أهلي. فذهبت
معها إلى السوق، فاشتريت لها سمناً بدرهم، وإناء بدرهم. فقالت: يا شيخ، أما إذ فعلت ما فعلت فامش معي إلى أهلي، فإني قد أبطأت، وأنا أخاف أن يضربوني، قال: فمشيت معها إلى مواليها فدعوت، فخرج لي مولاها، فقال: ما عناك يا أبا الدرداء؟ فقلت: خادمكم أبطأت عنكم، وأشفقت أن تضربوها، فسألتني أن آتيكم لتكفوا عنها. قال: فأنا أشهدك أنها حرة لوجه الله لممشاك معها.
قال أبو الدرداء: فقلت: أبو ذر أرشد مني، كساني قميصاً، وكسا مسكيناً قميصاً، وأعتق رقبةً بعشرة دراهم.
قال ثابت البناني: بنى أبو الدرداء مسكناً تدرأ بظله، فمر عليه أبو ذر، فقال: ما هذا؟ تعمر داراً أمر الله بخرابها؟! لأن أكون رأيتك تتمرغ في عذرة أحب إلي من أن أكون رأيتك فيها! فلما فرغ أبو الدرداء من بنائه قال: إني قائل على بنائي هذا شيئاً:
بنيت داراً ولست عامرها ... لقد علمت إذ بنيت أين داري
قال ابن سعد: يسنده إلى ابن بريدة، قال: لما قدم أبو موسى الأشعري لقي أبا ذر، فجعل أبو موسى يلزمه، وكان الأشعري رجلاً خفيف اللحم، قصيراً، وكان أبو ذر اسود كث الشعر، فجعل الأشعري يلزمه ويقول أبو ذر: إليك عني، ويقول الأشعري: مرحباً بأخي، ويدفعه أبو ذر ويقول: لست بأخيك، إنما كنت أخاك قبل أن تستعمل.
قال: ثم لقي أبا هريرة، فالتزمه، وقال: مرحباً بأخي، فقال له أبو ذر: إليك عني، هل كنت عملت لهؤلاء؟ قال: نعم. قال: قد تطاولت في البناء، واتخذت زرعاً وماشيةً؟ قال: لا، قال: أنت أخي، أنت أخي.
قال سفيان الثوري: قال أبو ذر: لك في مالك شريكان أيهما جاء أخذ ولم يؤامرك: الحدثان والقدر، كلاهما يمر على الغث والسمين، والورثة ينتظرون متى تموت فيأخذون ما تحت يدك. وأنت تقدم لنفسك؛ فإن استطعت ألا تكون أخس الثلاثة نصيباً فافعل.
قال جعفر بن سليمان: دخل رجل على أبي ذر، فجعل يقلب بصره في بيته. فقال له: يا أبا ذر، أين متاعك؟ وفي رواية: ما أرى في بيتك متاعاً، ولا غير ذلك من الأثاث فقال: إن لنا بيتاً نوجه إليه صالح متاعنا. قال: إنه لا بد لك من متاع ما دمت ها هنا، فقال: إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه.
وعن ابن جدعان، عمن سمع أبا ذر في مسجد المدينة يقول لرجل: بم تخوفني؟ فوالله للفقر أحب إلي من الغنى، ولبطن الأرض أحب إلي من ظهرها.
وقال أبو ذر: أحب الإسلام وأهله، وأحب الفقراء، وأحب الغريب من كل قلبك. وادخل في هموم الدنيا واخرج منها بالصبر، ولا يأمن رجل أن يكون على خير فيرجع إلى شر، فيموت بشر، ولا ييأس رجل أن يكون على شر، فيرجع إلى خير، فيموت بخير، وليردك عن الناس ما تعرف من نفسك.
وقال: يا أيها الناس، إني بكم ناصح، إني عليكم شفيق، صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبر، وصوموا في الدنيا لحر يوم النشور، وتصدقوا مخافة يوم عسير لعظائم الأمور.
وقال: وددت أني شجرة تعضد، وددت أني لم أخلق.
قال المدائني: قال عمر بن الخطاب لأبي ذر: يا أبا ذر، من أنعم الناس بالاً؟ قال: برئ في الثواب، قد أمن من العقاب فبشر بالثواب. قال: صدقت يا أبا ذر.
وأسند ابن أبي الدنيا عن بعضهم قال: جاء غلام لأبي ذر وقد كسر رجل شاة له، فقال له أبو ذر: من كسر رجل هذه الشاة؟ قال: أنا، قال: ولم؟ قال: لأغيظك، لتضربني، فتأثم. فقال أبو ذر: لأغيظن من حرضك على غيظي! فأعتقه.
قالت أم طلق: دخلت على أبي ذر فرأيته شعثاً شاحباً بيده صوف، قد جعل عودين وهو يغزل به ذلك الصوف، فنظرت يمنةً ويسرة فلم أر في بيته شيئاً، فناولته شيئاً من دقيق وسويق، فجعله في طرف ثوبه، فقال: أما ثوابك فعلى الله.
وفي رواية: رأيته شعثاً شحباً، وفي يده صوف منفوش وعودان، قد وضع أحدهما على الآخر، وهو يغزل ذلك الصوف.
قال عيسى بن عميلة الفزاري: أخبرني من رأى أبا ذر يحلب غنيمةً له، فيبدأ بجيرانه وأضيافه قبل نفسه، ولقد رأيته ليلة حلب حتى ما بقي في ضروع غنمه شيء إلا مصره، وقرب إليهم تمراً وهو يسير، ثم تعذر إليهم، وقال: لو كان عندنا ما هو أفضل من هذا لجئنا به. قال: وما رأيته ذاق تلك الليلة شيئاً.
قال أبو ذر: أن تملي خيراً فيكتب لك خير من السكوت، والسكوت خير من أن تملي شراً، والجليس الصالح خير من الوحدة، والوحدة خير من جليس السوء.
وفي رواية رفع ذلك إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال أبو الأسود الدؤلي: قد رأيت أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فما رأيت بأبي ذر شبيهاً.
قال ابن سعد: قال محمد بن إسحاق: آخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أبي ذر وبين المنذر بن عمرو أحد بني ساعدة، وهو المعنق ليموت، وقال: لم تكن المؤاخاة إلا قبل بدر، فلما نزلت آية المواريث انقطعت المؤاخاة، وأبو ذر حين أسلم رجع إلى بلاد قومه فأقام بها حتى مضت بدر وأحد والخندق، ثم قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة بعد ذلك.
عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: كنت ردف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو على حمار وعليه بردعة أو قطيفة.
عن أبي ذر أنه قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي؛ لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم.
وفي حديث آخر أن أبا ذر سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإمرة، فقال: إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، فأدى الذي عليه فيها.
عن غالب بن عبد الرحمن قال: لقيت رجلاً قال: كنت أصلي مع أبي ذر في بيت المقدس، فكان إذا دخل خلع
خفيه، فإذا بزق، أو تنخع تنخع عليهما. قال: ولو جمع ما في بيته لكان رداء هذا الرجل أفضل من جميع ما في بيته.
عن أبي عثمان النهدي قال: رأيت أبا ذر يميد على راحلته، وهو مستقبل مطلع الشمس، فظننته نائماً، فدنوت منه، فقلت: أنائم أنت يا أبا ذر؟ فقال: لا بل كنت أصلي.
عن بريدة بن سفيان ومحمد بن كعب القرظي قالا: لما صار أبو ذر إلى الربذة وأصابه قدره لم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامه فأوصاهما أن اغسلاني، وكفناني، وضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمر بكم قولوا له: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعينونا على دفنه. فلما مات فعلا به ذلك، ثم وضعاه على قارعة الطريق، فأقبل عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق عماراً، فلم يرعهم إلا بجنازة على ظهر الطريق قد كادت الإبل أن تطأها، فقام إليهم الغلام، فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعينونا على دفنه، فاستهل عبد الله يبكي، وقال: صدق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تمشي وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك، فنزل هو وأصحابه فواروه.
عن محمد بن كعب
أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيل له عام تبوك: تخلف أبو ذر، وهو في الطريق، فطلع، فقال: يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده. قال: فلما حضرت أبا ذر الوفاة، وذلك في ذي الحجة سنة ثمان من إمارة عثمان، قال لابنته: استشرفي يا بنية هل ترين أحداً؟ قالت: لا، قال: فما جاءت ساعتي بعد، ثم أمرها،
فذبحت شاةً، ثم قصبتها. ثم قال لها: إذا جاءك الذين يدفنونني فقولي لهم: إن أبا ذر يقسم عليكم ألا تركبوا حتى تأكلوا. فلما نضجت قدرها قال لها: انظري هل ترين أحداً؟ قالت: نعم، هؤلاء ركب مقبلون، قال: استقبلي بي الكعبة، ففعلت، وقال: بسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله. ثم خرجت ابنته، فتلقتهم، وقالت: رحمكم الله، اشهدوا أبا ذر! قالوا: وأين هو؟ فأشارت لهم إليه، وقد مات، فادفنوه، فقالوا: نعم، ونعمة عين، لقد أكرمنا الله بذلك. وإذا ركب من أهل الكوفة فيهم عبد الله بن مسعود، فمالوا إليه، وابن مسعود يبكي ويقول: صدق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يموت وحده، ويبعث وحده. فغسلوه، وكفنوه، وصلوا عليه، ودفنوه. فلما أرادوا أن يرتحلوا قالت لهم ابنته: إن أبا ذر يقرؤ عليكم السلام، وأقسم ألا تركبوا حتى تأكلوا. ففعلوا. وحملوهم حتى قدموا بهم مكة، ونعوه إلى عثمان، فضم ابنته إلى عياله وقال: يرحم الله أبا ذر.
عن دري قال: خرجنا حجاجاً مع ابن مسعود ونحن أربعة عشر راكباً فسماهم، وفيهم: علقمة، والأسود وذلك سنة إحدى وعشرين، وفي رواية: أربعاً وعشرين حتى أتينا على الربذة، فإذا امرأة قد تلقتنا، فقالت: اشهدوا أبا ذر. فغسلناه، وكفناه؛ فإذا خباؤه منضوح بمسك، فقلنا للمرأة: ما هذا؟ قالت: كانت مسكة، فلما حضر قال: إن الميت يحضره شهود يجدون الريح، ولا يأكلون، فذوفي تلك المسكة بماء، ثم رشي بها الخباء، وأقريهم ريحها، واطبخي هذا اللحم، فإنه سيشهدني قوم صالحون يلون دفني، فاقريهم. فلما دفناه دعتنا إلى الطعام، فأكلنا، وأردنا احتمالها، فقال ابن مسعود: أمير المؤمنين منا
قريب، فنستأمره، فقدمنا مكة، وأخبرناه الخبر، فقال: رحم الله أبا ذر، وغفر له نزوله بالربذة. فلما صدر خرج، فأخذ طريق الربذة، وضم عياله إلى عياله، وتوجه نحو المدينة، وتوجهنا نحو العراق.
وعن إبراهيم بن الأشتر، عن أبيه، عن أم ذر قالت: لما حضر أبا ذر الوفاة بكيت، فقال: ما يبكيك؟ قلت: وما لي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض، ولا يدان لي بتغييبك، وليس معنا ثوب يسعك كفناً، ولا لك. فقال: لا تبك، وأبشري، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لنفر أنا منهم: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة، وإني أنا الذي أموت بالفلاة، والله ما كذبت، ولا كذبت، فأبصري الطريق. فقلت: أنى وقد ذهب الحاج، وتقطعت الطرق؟!؟ فقال: انظري. قالت: فكنت أشتد إلى الكثيب، فأقوم عليه، ثم أرجع إليه فأمرضه. فبينما أنا كذلك إذا أنا برجال على رواحلهم كأنهم الرخم، فألحت بثوبي، فأسرعوا، ووضعوا السياط في نحورها يستبقون إلي، فقالوا: مالك يا أمة الله؟ فقلت: امرؤ من المسلمين، تكفنونه، يموت، فقالوا: ومن هو؟ قلت: أبو ذر، قالوا: صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلت: نعم. ففدوه بآبائهم وأمهاتهم، وأسرعوا إليه حتى دخلوا عليه، فسلموا عليه، فرحب بهم، وقال: أبشروا، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يموت بين امرأين من المسلمين ولدان أو ثلاثة، فيصبران ويحتسبا، فيريان النار أبداً. وسمعته يقول لنفر أنا فيهم: ليموتن رجل منك بفلاة من الأرض، فتشهده عصابة من المسلمين وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد هلك في قرية وجماعة، وإني أنا الذي أموت بفلاة، والله ما كذبت ولا كذبت. وقال: أنشدكم الله، لا يكفني منكم رجل كان أميراً أو عريفاً، أو
بريداً، أو نقيباً. فكفنه أنصاري في ردائه وثوبين عنده من غزل أمه، ودفنه النفر الذين معه، منهم: حجر بن الأدبر، ومالك الأشتر، في نفر كلهم يماني.
قال المدائني: مات أبو ذر بالربذة، وصلى عليه ابن مسعود سنة اثنتين وثلاثين، وقدم ابن مسعود المدينة، فأقام عشرة أيام، ثم مات بعد عاشره.
زاد غيره فيمن مات هذه السنة: معاذ بن عمرو بن الجموح، وأبا الدرداء، وكعب الأحبار.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=154907&book=5550#4277d0
أَبُو ذَر الْغِفَارِيّ صَحَابِيّ مَشْهُور مُخْتَلف فِي اسْمه فِي التَّهْذِيب
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=155230&book=5550#cd9858
أَبُو ذَرٍّ جُنْدُبُ بنُ جُنَادَةَ الغِفَارِيُّ
وَقِيْلَ: جُنْدُبُ بنُ سَكَنٍ.
وَقِيْلَ: بُرَيْرُ بنُ جُنَادَةَ.
وَقِيْلَ: بُرَيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ.
وَنَبَّأَنِّي الدِّمْيَاطِيُّ: أَنَّهُ جُنْدُبُ بنُ جُنَادَةَ بنِ سُفْيَانَ بنِ عُبَيْدِ بنِ حَرَامِ بنِ غِفَارَ - أَخِي ثَعْلَبَةَ - ابْنَيْ مُلَيْلِ بنِ ضَمْرَةَ أَخِي لَيْثٍ وَالدِّيْلِ، أَوْلاَدِ بَكْرٍ، أَخِي مُرَّةَ، وَالِدِ مُدْلِجِ بنِ مُرَّةَ، ابْنَيْ عَبْدِ مَنَاةَ بنِ كِنَانَةَ.
قُلْتُ: أَحَدُ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، مِنْ نُجَبَاءِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قِيْلَ: كَانَ خَامِسَ خَمْسَةٍ فِي الإِسْلاَمِ.
ثُمَّ إِنَّهُ رُدَّ إِلَى بِلاَدِ قَوْمِهِ، فَأَقَامَ بِهَا بِأَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَنْ هَاجَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَاجَرَ إِلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَلاَزَمَهُ، وَجَاهَدَ مَعَهُ.
وَكَانَ يُفْتِي فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ.
رَوَى عَنْهُ: حُذَيْفَةُ بنُ أَسِيْدٍ الغِفَارِيُّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيُّ، وَزَيْدُ بنُ وَهْبٍ، وَأَبُو الأَسْوَدِ الدُّئِلِيِّ، وَرِبْعِيُّ بنُ حِرَاشٍ، وَالمَعْرُوْرُ بنُ سُوَيْدٍ، وَزِرُّ بنُ حُبَيْشٍ، وَأَبُو سَالِمٍ الجَيْشَانِيُّ سُفْيَانُ بنُ هَانِئ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَنْمٍ،
وَالأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ، وَقَيْسُ بنُ عُبَادٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الصَّامِتِ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَسُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ، وَأَبُو مُرَاوِحٍ، وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَخَرَشَةُ بنُ الحُرِّ، وَزَيْدُ بنُ ظَبْيَانَ، وَصَعْصَعَةُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَأَبُو السَّلِيْلِ ضُرَيْبُ بنُ نُفَيْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَقِيْقٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى، وَعُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ، وَغُضَيْفُ بنُ الحَارِثِ، وَعَاصِمُ بنُ سُفْيَانَ، وَعُبَيْدُ بنُ الخَشْخَاشِ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الجَذْمِيُّ، وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَمُوْسَى بنُ طَلْحَةَ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ المُحَارِبِيُّ، وَمُوَرِّقُ العِجْلِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ شَرِيْكٍ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو الأَحْوَصِ المَدَنِيُّ - شَيْخٌ لِلزُّهْرِيِّ - وَأَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ، وَأَبُو بَصْرَةَ الغِفَارِيُّ، وَأَبُو العَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ، وَابْنُ الحَوْتِكيَّةِ، وَجَسْرَةُ بِنْتُ دَجَاجَةَ.فَاتَتْهُ بَدْرٌ، قَالَهُ: أَبُو دَاوُدَ.
وَقِيْلَ: كَانَ آدَمَ، ضَخْماً، جَسِيْماً، كَثَّ اللِّحْيَةِ.
وَكَانَ رَأْساً فِي الزُّهْدِ، وَالصِّدْقِ، وَالعِلْمِ، وَالعَمَلِ، قَوَّالاً بِالحَقِّ، لاَ تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لائِمٍ، عَلَى حِدَّةٍ فِيْهِ.
وَقَدْ شَهِدَ فَتْحَ بَيْتِ المَقْدِسِ مَعَ عُمَرَ.
أَخْبَرَنَا الخَضِرُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَزْدِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا زَيْنُ الأُمَنَاءِ حَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحُسَيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ سُلْوَانَ، أَخْبَرَنَا الفَضْلُ بنُ جَعْفَرٍ التَّمِيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ الهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ،
حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِي إدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ:عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ جِبْرِيْلَ، عَنِ اللهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُم مُحَرَّماً، فَلاَ تَظَالَمُوا.
يَا عِبَادِي، إِنَّكُمُ الَّذِيْنَ تُخْطِئُوْنَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا الَّذِي أَغْفِرُ الذُّنُوبَ وَلاَ أُبَالِي، فَاسْتَغْفِرُوْنِي أَغْفِرْ لَكُم.
يَا عِبَادِي، كُلُّكُم جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُوْنِي أُطْعِمْكُم.
يَا عِبَادِي، كُلُّكُم عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُوْنِي أَكْسُكُم.
يَا عِبَادِي، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم، وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم، كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُم، لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً.
يَا عِبَادِي، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم، وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُم، لَمْ يَزِدْ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئاً.
يَا عِبَادِي، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم، وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم، كَانُوا فِي صَعِيْدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُوْنِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُم مَا سَأَلَ، لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً، إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ البَحْرَ أَنْ يُغْمَسَ المِخْيَطُ غَمْسَةً وَاحِدَةً.
يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُم أَحْفَظُهَا عَلَيْكُم، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً، فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلاَ يَلُوْمَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ) .
قَالَ سَعِيْدٌ: كَانَ أَبُو إِدْرِيْسَ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الحَدِيْثِ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
نَقَلَ الوَاقِدِيُّ، عَنْ خَالِدِ بنِ حَيَّانَ، قَالَ:كَانَ أَبُو ذَرٍّ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ فِي مِظَلَّتَيْنِ مِنْ شَعْرٍ بِدَمَشْقَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ: أَبُو ذَرٍّ اسْمُهُ: يَزِيْدُ بنُ جُنَادَةَ.
وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: اسْمُهُ بُرَيْرٌ.
قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: عَنْ رَجُلٍ عَامِرِيٍّ، قَالَ:
كُنْتُ أَعْزُبُ عَنِ المَاءِ وَمَعِي أَهْلِي، فَتُصِيْبُنِي الجَنَابَةُ، فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي نَفْسِي، فَنُعِتَ لِي أَبُو ذَرٍّ، فَحَجَجْتُ، فَدَخَلْتُ مَسْجِدَ مِنَى، فَعَرَفْتُهُ، فَإِذَا شَيْخٌ مَعْرُوْقٌ، آدَمُ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ قِطْرِيٌّ.
وَقَالَ حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: حَدَّثَنِي الأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ، قَالَ:قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ، فَدَخَلْتُ مَسْجِدَهَا، فَبَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ طُوَالٌ، آدَمُ، أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، مَحْلُوْقٌ، يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضاً.
فَاتَّبَعْتُهُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟
قَالُوا: أَبُو ذَرٍّ.
سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، وَابْنُ عَوْنٍ: عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، قَالَ:
قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارَ، وَكَانُوا يُحِلُّوْنَ الشَّهْرَ الحَرَامَ، فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَخِي أُنَيْسٌ وَأُمُّنَا، فَنَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا، فَأَكْرَمَنَا وَأَحَسَنَ.
فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ عَنْ أَهْلِكَ يُخَالِفُكَ إِلَيْهِم أُنَيْسٌ.
فَجَاءَ خَالُنَا، فَذَكَرَ لَنَا مَا قِيْلَ لَهُ، فَقُلْتُ:
أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوْفِكَ فَقَدْ كَدَّرْتَهُ، وَلاَ جِمَاعَ لَكَ فِيْمَا بَعْدُ.
فَقَدَّمْنَا صِرْمَتَنَا، فَاحْتَمَلَنَا عَلَيْهَا، وَجَعَلَ خَالُنَا يَبْكِي، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ، فَنَافَرَ أُنَيْسٌ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا، فَأَتَيَا الكَاهِنَ، فَخَيَّرَ أُنَيْساً، فَأَتَانَا أُنَيْسٌ بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا.
قَالَ: وَقَدْ صَلَّيْتُ يَا ابْنَ أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثَلاَثِ سِنِيْنَ.
قُلْتُ: لِمَنْ؟
قَالَ: للهِ.
قُلْتُ: أَيْنَ تَوَجَّهَ؟
قَالَ: حَيْثُ وَجَّهَنِي اللهُ، أُصَلِّي عِشَاءً، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أُلْقِيْتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ حَتَّى تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ.
فَقَالَ أُنَيْسٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ، فَاكْفِنِي.فَانْطَلَقَ أُنَيْسٌ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَرَاثَ عَلَيَّ، ثُمَّ جَاءَ.
فَقُلْتُ: مَا صَنَعْتَ؟
قَالَ: لَقِيْتُ رَجُلاً بِمَكَّةَ عَلَى دِيْنِكَ، يَزْعُمُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ.
قُلْتُ: فَمَا يَقُوْلُ النَّاسُ؟
قَالَ: يَقُوْلُوْنَ: شَاعِرٌ، كَاهِنٌ، سَاحِرٌ.
قَالَ: وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ.
فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الكَهَنَةِ، وَمَا هُوَ بِقَوْلِهِم، وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْوَالِ الشُّعَرَاءِ، فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ أَنَّهُ شِعْرٌ، وَاللهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ وَإِنَّهُم لَكَاذِبُوْنَ!
قُلْتُ: فَاكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ!
فَأَتَيْتُ مَكَّةَ، فَتَضَعَّفْتُ رَجُلاً مِنْهُم، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا الَّذِي تَدْعُوْنَهُ الصَّابِئَ؟
فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَقَالَ: الصَّابِئُ.
قَالَ: فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلُ الوَادِي بِكُلِّ مَدَرَةٍ، وَعَظْمٍ، حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيّاً عَلَيَّ، فَارْتَفَعْتُ حِيْنَ ارْتَفَعْتُ كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ، فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ، فَغَسَلْتُ عَنِّي الدِّمَاءَ، وَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا.
وَلَقَدْ لَبِثْتُ - يَا ابْنَ أَخِي - ثَلاَثِيْنَ، بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، مَا لِي طَعَامٌ إِلاَّ مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنِي، وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سَخْفَةَ جُوْعٍ.
فَبَيْنَا أَهْلُ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانَ، جَاءتِ امْرَأَتَانِ تَطُوْفَانِ،
وَتَدْعُوَانِ إِسَافاً وَنَائِلَةَ، فَأَتَتَا عَلَيَّ فِي طَوَافِهِمَا.فَقُلْتُ: أَنْكِحَا أَحَدَهُمَا الآخَرَ.
فَمَا تَنَاهَتَا عَنْ قَوْلِهِمَا، فَأَتَتَا عَلَيَّ، فَقُلْتُ: هَنٌ مِثْلُ الخَشَبَةِ، غَيْرَ أَنِّي لاَ أَكْنِي.
فَانْطَلَقَتَا تُوَلْوِلاَنِ، تَقُوْلاَنِ: لَو كَانَ هَا هُنَا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا؟
فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُوْلُ اللهِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا هَابِطَتَانِ، فَقَالَ: (مَا لَكُمَا؟) .
قَالَتَا: الصَّابِئُ بَيْنَ الكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا.
قَالَ: (فَمَا قَالَ لَكُمَا؟) .
قَالَتَا: إِنَّهُ قَالَ كَلِمَةً تَمْلأُ الفَمَ.
قَالَ: وَجَاءَ رَسُوْلُ اللهِ حَتَّى اسْتَلَمَ الحَجَرَ، ثُمَّ طَافَ بِالبَيْتِ هُوَ وَصَاحِبُهُ، ثُمَّ صَلَّى، وَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الإِسْلاَمِ.
قَالَ: (عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ! مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟) .
قُلْتُ: مِنْ غِفَارَ.
فَأَهْوَى بِيَدِهِ، وَوَضَعَ أَصَابِعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَرِهَ أَنِّي انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارَ.
فَذَهَبْتُ آخُذُ بِيَدِهِ، فَدَفَعَنِي صَاحِبُهُ، وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي.
قَالَ: ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: (مَتَى كُنْتَ هَا هُنَا؟) .
قُلْتُ: مُنْذُ ثَلاَثِيْنَ، مِنْ بَيْنِ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ.
قَالَ: (فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟) .
قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلاَّ مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ، وَمَا أَجِدُ عَلَى بَطْنِي سَخْفَةَ جُوْعٍ.
قَالَ: (إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ).
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! ائْذَنْ لِي فِي طَعَامِهِ اللَّيْلَةَ.فَانْطَلَقْنَا، فَفَتَحَ أَبُو بَكْرٍ بَاباً، فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ زَبِيْبِ الطَّائِفِ، فَكَانَ أَوَّلَ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا.
وَأَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (إِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِي أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ، لاَ أُرَاهَا إِلاَّ يَثْرِبَ، فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ، وَيَأْجُرَكَ فِيْهِم؟) .
قَالَ: فَانْطَلَقْتُ، فَلَقِيْتُ أُنَيْساً.
فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟
قُلْتُ: صَنَعْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ.
قَالَ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِيْنِكَ، فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ.
فَأَسْلَمَتْ أُمُّنَا، فَاحْتَمَلْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَارَ، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُم، وَكَانَ يَؤُمُّهُم إِيْمَاءُ بنُ رَحَضَةَ، وَكَانَ سَيِّدَهُم.
وَقَالَ نِصْفُهُم: إِذَا قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ المَدِيْنَةَ أَسْلَمْنَا.
فَقَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِيْنَةَ، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمُ البَاقِي.
وَجَاءتْ أَسْلَمُ، فَقَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِخْوَانُنَا، نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمُوا عَلَيْهِ.
فَأَسْلَمُوا، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (غِفَارُ، غَفَرَ اللهُ لَهَا! وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ) .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ أَبُو جَمْرَةَ: قَالَ لَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلاَ أُخْبِرُكُم بِإِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ؟
قُلْنَا: بَلَى.
قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً بِمَكَّةَ قَدْ خَرَجَ، يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَرْسَلْتُ أَخِي لِيُكَلِّمَهُ، فَقُلْتُ: انْطَلِقْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، فَكَلِّمْهُ.
فَانْطَلَقَ، فَلَقِيَهُ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقُلْتُ: مَا عِنْدَكَ؟
قَالَ: وَاللهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَأْمُرُ بِالخَيْرِ، وَيَنْهَى عَنِ الشَّرِّ.
قُلْتُ: لَمْ تَشْفِنِي؟
فَأَخَذْتُ جِرَاباً وَعَصاً، ثُمَّ
أَقْبَلْتُ إِلَى مَكَّةَ، فَجَعَلْتُ لاَ أَعْرِفُهُ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَأَكُوْنُ فِي المَسْجِدِ.فَمَرَّ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ غَرِيْبٌ؟
قُلتُ: نَعَمْ.
قَالَ: انْطَلِقْ إِلَى المَنْزِلِ.
فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، لاَ أَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ، وَلاَ يُخْبِرُنِي!
فَلَمَّا أَصْبَحَ الغَدُ، جِئْتُ إِلَى المَسْجِدِ لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُخْبِرُنِي عَنْهُ بِشَيْءٍ.
فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ، فَقَالَ: أَمَا آنَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعُوْدَ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: مَا أَمْرُكَ، وَمَا أَقْدَمَكَ؟
قُلْتُ: إِنْ كَتَمْتَ عَلَيَّ أَخْبَرْتُكَ.
قَالَ: أَفْعَلُ.
قُلْتُ: قَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ نَبِيٌّ.
قَالَ: أَمَا قَدْ رَشَدْتَ! هَذَا وَجْهِي إِلَيْهِ، فَاتَّبِعْنِي وَادْخُلْ حَيْثُ أَدْخُلُ، فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ أَحَداً أَخَافُهُ عَلَيْكَ، قُمْتُ إِلَى الحَائِطِ كَأَنِّي أُصْلِحُ نَعْلِي! وَامْضِ أَنْتَ.
فَمَضَى، وَمَضَيْتُ مَعَهُ، فَدَخَلْنَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ:
يَا رَسُوْلَ اللهِ، اعْرِضْ عَلَيَّ الإِسْلاَمَ.
فَعَرَضَ عَلَيَّ، فَأَسْلَمْتُ مَكَانِي، فَقَالَ لِي: (يَا أَبَا ذَرٍّ، اكْتُمْ هَذَا الأَمْرَ، وَارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ! فَإِذَا بَلَغَكَ ظُهُوْرُنَا، فَأَقْبِلْ) .
فَقُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، لأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ.
فَجَاءَ إِلَى المَسْجِدِ وَقُرَيْشٌ فِيْهِ، فَقَالَ:
يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ.
فَقَالُوا: قُوْمُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئ.
فَقَامُوا، فَضُرِبْتُ لأَمُوْتَ!
فَأَدْرَكَنِي العَبَّاسُ، فَأَكَبَّ عَلَيَّ، وَقَالَ:
وَيْلَكُم! تَقْتَلُوْنَ رَجُلاً مِنْ غِفَارَ، وَمَتْجَرُكُم وَمَمَرُّكُم عَلَى غِفَارَ!
فَأَطْلَقُوا عَنِّي، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، رَجَعْتُ، فَقُلْتُ مِثْلَ مَا قُلْتُ بِالأَمْسِ.
فَقَالُوا: قُوْمُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئ!
فَصُنِعَ بِي كَذَلِكَ، وَأَدْرَكَنِي العَبَّاسُ، فَأَكَبَّ عَلَيَّ.
فَهَذَا أَوَّلُ إِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ.
أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، مِنْ طَرِيْقِ المُثَنَّى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ.ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ شِبْلٍ، عَنْ خُفَافِ بنِ إِيْمَاءَ، قَالَ:
كَانَ أَبُو ذَرٍّ رَجُلاً يُصِيْبُ، وَكَانَ شُجَاعاً، يَنْفَرِدُ وَحْدَهُ، يَقْطَعُ الطَّرِيْقَ، وَيُغِيْرُ عَلَى الصِّرَمِ فِي عَمَايَةِ الصُّبْحِ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ أَوْ قَدَمَيْهِ كَأَنَّهُ السَّبُعُ، فَيَطْرُقُ الحَيَّ، وَيَأْخُذُ مَا أَخَذَ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ قَذَفَ فِي قَلْبِهِ الإِسْلاَمَ، وَسَمِعَ مَقَالَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ يَدْعُو مُخْتَفِياً، فَأَقْبَلَ يَسْأَلُ عَنْهُ.
وَعَنْ أَبِي مَعْشَرٍ السِّنْدِيِّ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَتَأَلَّهُ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَيُوَحِّدُ، وَلاَ يَعْبُدُ الأَصْنَامَ.
النَّضْرُ بنُ مُحَمَّدٍ: أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو زُمَيْلٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:
كُنْتُ رَابِعَ الإِسْلاَمِ، أَسْلَمَ قَبْلِي ثَلاَثَةٌ، فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللهِ، فَقُلْتُ:
سَلاَمٌ عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ اللهِ.
وَأَسْلَمْتُ، فَرَأَيْتُ الاسْتِبْشَارَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: (مَنْ أَنْتَ؟) .
قُلْتُ: جُنْدُبٌ، رَجُلٌ مِنْ غِفَارَ.
قَالَ: فَرَأَيْتُهَا فِي وَجْهِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَكَانَ فِيْهِم مَنْ يَسْرُقُ الحَاجَّ.
وَعَنْ مَحْفُوظِ بنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَائِذٍ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، قَالَ:كَانَ أَبُو ذَرٍّ وَعَمْرُو بنُ عَبَسَةَ، كُلٌّ مِنْهُمَا يَقُوْلُ: أَنَا رُبُعُ الإِسْلاَمِ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ حَامِلَ رَايَةِ غِفَارَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: أَبُو ذَرٍّ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: أَبْطَأْتُ فِي غَزْوَةِ تَبُوْكٍ، مِنْ عَجَفِ بَعِيْرِي.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ بنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ:
لَمَّا سَارَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى تَبُوْكٍ، جَعَلَ لاَ يَزَالُ يَتَخَلَّفُ الرَّجُلُ.
فَيَقُوْلُوْنَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ تَخَلَّفَ فُلاَنٌ.
فَيَقُوْلُ: (دَعُوْهُ، إِنْ يَكُنْ فِيْهِ خَيْرٌ فَسَيَلْحَقُكُم، وَإِنْ يَكُنْ غَيْرُ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمُ اللهُ مِنْهُ) .
حَتَّى قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، تَخَلَّفَ أَبُو ذَرٍّ، وَأَبْطَأَ بِهِ بَعِيْرُهُ.
قَالَ: وَتَلَوَّمَ بَعِيْرُ أَبِي ذَرٍّ، فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ أَخَذَ مَتَاعَهُ، فَجَعَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ، وَخَرَجَ يَتْبَعُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَنَظَرَ نَاظِرٌ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَرَجُلٌ يَمْشِي عَلَى الطَّرِيْقِ!
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كُنْ أَبَا ذَرٍّ) .
فَلَمَّا تَأَمَّلَهُ القَوْمُ، قَالُوا: هُوَ -وَاللهِ- أَبُو ذَرٍّ!
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (رَحِمَ اللهُ أَبَا ذَرٍّ، يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوْتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحَدَهُ) .
فَضَرَبَ الدَّهْرُ مِنْ ضَرْبِهِ، وَسُيِّرَ أَبُو ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ.فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ أَوْصَى امْرَأَتَهُ وَغُلاَمَهُ، فَقَالَ:
إِذَا مِتُّ فَاغْسِلاَنِي، وَكَفِّنَانِي، وَضَعَانِي عَلَى الطَّرِيْقِ، فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّوْنَ بِكُمْ فَقُوْلاَ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ.
فَلَمَّا مَاتَ فَعَلاَ بِهِ ذَلِكَ، فَاطَّلَعَ رَكْبٌ، فَمَا عَلِمُوا بِهِ حَتَّى كَادَتْ رَكَائِبُهُم تَوَطَّأُ السَّرِيْرَ.
فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ فِي رَهْطٍ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟
قِيْلَ: جِنَازَةُ أَبِي ذَرٍّ.
فَاسْتَهَلَّ ابْنُ مَسْعُوْدٍ يَبْكِي، وَقَالَ:
صَدَقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَرْحَمُ اللهُ أَبَا ذَرٍّ! يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوْتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ) .
فَنَزَلَ، فَوَلِيَهُ بِنَفْسِهِ، حَتَّى أَجَنَّهُ.
شَرِيْكٌ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ كُلَيْبِ بنِ شِهَابٍ:
سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُوْلُ: مَا تُؤْيِسُنِي رِقَّةُ عَظْمِي، وَلاَ بَيَاضُ شَعْرِي، أَنْ أَلْقَى عِيْسَى ابْنَ مَرْيَمَ.
وَعَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: سَأَلْتُ ابْنَ أُخْتٍ لأَبِي ذَرٍّ: مَا تَرَكَ أَبُو ذَرٍّ؟
قَالَ: تَرَكَ أَتَانَيْنِ، وَحِمَاراً، وَأَعْنُزاً، وَرَكَائِبَ.
يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ: أَخْبَرَنَا الحَارِثُ بنُ يَزِيْدَ الحَضْرَمِيُّ:
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَأَلَ رَسُوْلَ اللهِ الإِمْرَةَ، فَقَالَ: (إِنَّكَ ضَعِيْفٌ، وَإِنَّهَا خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلاَّ
مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيْهَا ) .أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: عَنْ حَبِيْبِ بنِ عُبَيْدٍ، عَنْ غُضَيْفِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْتَدِئُ أَبَا ذَرٍّ إِذَا حَضَرَ، وَيَتَفَقَّدُهُ إِذَا غَابَ.
فُضَيْلُ بنُ مَرْزُوقٍ: حَدَّثَتْنِي جَبَلَةُ بِنْتُ مُصَفَّحٍ، عَنْ حَاطِبٍ:
قَالَ أَبُو ذَرٍّ: مَا تَرَكَ رَسُوْلُ اللهِ شَيْئاً مِمَّا صَبَّهُ جِبْرِيْلُ وَمِيْكَائِيْلُ فِي صَدْرِهِ إِلاَّ قَدْ صَبَّهُ فِي صَدْرِي؛ وَلاَ تَرَكْتُ شَيْئاً مِمَّا صَبَّهُ فِي صَدْرِي إِلاَّ قَدْ صَبَبْتُهُ فِي صَدْرِ مَالِكِ بنِ ضَمْرَةَ.
هَذَا مُنْكَرٌ.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الرِّجَالِ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ، عَنِ ابْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَوْصَانِي بِخَمْسٍ: أَرْحَمُ المَسَاِكِيْنَ وَأُجَالِسُهُم، وَأَنْظُرُ إِلَى مَنْ تَحْتِي وَلاَ أَنْظُرُ إِلَى مَنْ فَوْقِي، وَأَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَنْ أَقُوْلَ الحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرّاً، وَأَنْ أَقُوْلَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ).
الأَعْمَشُ: عَنْ عُثْمَانَ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي حَرْبٍ بنِ أَبِي الأَسْوَدِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو:سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَا أَقَلَّتِ الغَبْرَاءُ، وَلاَ أَظَلَّتِ الخَضْرَاءُ مِنْ رَجُلٍ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ ) .
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ بِلاَلِ بنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مِثْلُهُ.
وَجَاءَ نَحْوُهُ لِجَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ.
أَبُو أُمَيَّةَ بنُ يَعْلَى - وَهُوَ وَاهٍ -: عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى تَوَاضُعِ عِيْسَى ابْنِ مَرْيَمَ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ ) .
سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَيُّكُمْ يَلْقَانِي عَلَى الحَالِ الَّذِي أُفَارِقُهُ عَلَيْهِ؟) .
فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: أَنَا.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا أَظَلَّتِ الخَضْرَاءُ، وَلاَ أَقَلَّتِ الغَبْرَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ! مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى زُهْدِ عِيْسَى فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ).
حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو حَرْبٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيْهِ.ثُمَّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَرَجُلٌ، عَنْ زَاذَانَ، قَالاَ:
سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ فَقَالَ:
وَعَى عِلْماً عَجِزَ عَنْهُ، وَكَانَ شَحِيْحاً عَلَى دِيْنِهِ، حَرِيْصاً عَلَى العِلْمِ، يُكْثِرُ السُّؤَالَ، وَعَجِزَ عَنْ كَشْفِ مَا عِنْدَهُ مِنَ العِلْمِ.
سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ: عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الصَّامِتِ، قَالَ:
دَخَلْتُ مَعَ أَبِي ذَرٍّ فِي رَهْطٍ مِنْ غِفَارَ عَلَى عُثْمَانَ مِنْ بَابٍ لاَ يُدْخَلُ عَلَيْهِ مِنْهُ - قَالَ: وَتَخَوَّفَنَا عُثْمَانُ عَلَيْهِ - فَانْتَهَى إِلَيْهِ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ مَا بَدَأَهُ بِشَيْءٍ إِلاَّ أَنْ قَالَ:
أَحَسِبْتَنِي مِنْهُم يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ؟ وَاللهِ مَا أَنَا مِنْهُم، وَلاَ أُدْرِكُهُمْ.
ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُ إِلَى الرَّبَذَةِ.
يَحْيَى بنُ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ، عَنِ المُسَيَّبِ بنِ نَجَبَةَ، عَنْ عَلِيٍّ:
أَنَّهُ قِيْلَ لَهُ: حَدِّثْنَا عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِّثْنَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ.
قَالَ: عَلِمَ العِلْمَ، ثُمَّ أَوْكَى، فَرَبَطَ عَلَيْهِ رِبَاطاً شَدِيْداً !
أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ هَانِئ بنِ هَانِئ: سَمِعَ عَلِيّاً يَقُوْلُ:
أَبُو ذَرٍّ وِعَاءٌ مُلِئَ عِلْماً، أَوْكَى عَلَيْهِ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى قُبِضَ.
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، مُرْسَلاً:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِي ذَرٍّ، وَتُبْ عَلَيْهِ) .
وَيُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلاَّ وَقَدْ أُعْطِيَ سَبْعَةَ رُفَقَاءَ
وَوُزَرَاءَ، وَإِنِّي أُعْطِيْتُ أَربَعَةَ عَشَرَ) .فَسَمَّى فِيْهِم أَبَا ذَرٍّ.
شَرِيْكٌ: عَنْ أَبِي رَبِيْعَةَ الإِيَادِيِّ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أُمِرْتُ بِحُبِّ أَرْبَعَةٍ، وَأَخْبَرَنِي اللهُ -تَعَالَى- أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ) .
قُلْتُ: مَنْ هُمْ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: (عَلِيٌّ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَسَلْمَانُ، وَالمِقْدَادُ بنُ الأَسْوَدِ).
قَالَ شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ: حَدَّثَتْنِي أَسْمَاءُ:
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا فَرَغَ مِنْ خِدْمَتِهِ، أَوَى إِلَى المَسْجِدِ، وَكَانَ هُوَ بَيْتَهُ.
فَدَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدَهُ مُنْجَدِلاً فِي المَسْجِدِ، فَنَكَتَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرِجْلِهِ حَتَّى اسْتَوَى جَالِساً.
فَقَالَ: (أَلاَ أَرَاكَ نَائِماً؟) .
قَالَ: فَأَيْنَ أَنَامُ؟ هَلْ لِي مِنْ بَيْتٍ غَيْرِهِ؟
فَجَلَسَ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوْكَ مِنْهُ؟) .
قَالَ: أَلْحَقُ بِالشَّامِ، فَإِنَّ الشَّامَ أَرْضُ الهِجْرَةِ، وَأَرْضُ المَحْشَرِ، وَأَرْضُ الأَنْبِيَاءِ، فَأَكُوْنُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِهَا.
قَالَ لَهُ: (كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوْكَ مِنَ الشَّامِ؟) .
قَالَ: أَرْجِعُ إِلَيْهِ، فَيَكُوْنُ بَيْتِي وَمَنْزِلِي.
قَالَ: (فَكَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوْكَ مِنْهُ الثَّانِيَةَ؟) .
قَالَ: آخُذُ إِذاً سَيْفِي فَأُقَاتِلُ حَتَّى أَمُوْتَ.
قَالَ: فَكَشَّرَ إِلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: (أَدُلُّكَ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟) .
قَالَ: بَلَى، بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُوْلَ اللهِ.
قَالَ: (تَنْقَادُ لَهُمْ حَيْثُ قَادُوْكَ حَتَّى تَلْقَانِي وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ) .
أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ ) .وَفِي (المُسْنَدِ) : أَخْبَرَنَا أَبُو المُغِيْرَةِ، أَخْبَرَنَا صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي اليَمَانِ، وَأَبِي المُثَنَّى:
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ: بَايَعَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمْساً، وَوَاثَقَنِي سَبْعاً، وَأَشْهَدَ اللهَ عَلَيَّ سَبْعاً: أَلاَّ أَخَافَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ.
أَبُو اليَمَانِ: هُوَ الهَوْزَنِيُّ.
الدَّغُوْلِيُّ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الصَّائِغُ بِمَكَّةَ، أَخْبَرَنَا المُقْرِي، أَخْبَرَنَا المَسْعُوْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ الشَّامِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ الخَشْخَاشِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ:
أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَسْجِدِ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: (أَصَلَّيْتَ؟) .
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: (قُمْ، فَصَلِّ) .
فَقُمْتُ، فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ.
فَقَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ! اسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ شَيَاطِيْنِ الإِنْسِ وَالجِنِّ) .
قُلْتُ: وَهَلْ لِلإِنْسِ مِنْ شَيَاطِيْنَ؟
قَالَ: (نَعَمْ) .
ثُمَّ قَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ! أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوْزِ الجَنَّةِ؟ قُلْ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ) .
قُلْتُ: فَمَا الصَّلاَةُ؟
قَالَ: (خَيْرُ مَوْضُوْعٍ، فَمَنْ شَاءَ أَكْثَرَ، وَمَنْ شَاءَ أَقَلَّ) .
قُلْتُ: فَمَا الصِّيَامُ؟
قَالَ: (فَرْضٌ مُجْزِئٌ) .
قُلْتُ: فَمَا الصَّدَقَةُ؟
قَالَ: (أَضْعَافٌ مُضَاعَفَةٌ، وَعِنْدَ اللهِ مَزِيْدٌ) .
قُلْتُ: فَأَيُّهَا أَفْضَلُ؟
قَالَ: جُهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ، أَوْ سِرٌّ إِلَى فَقِيْرٍ) .
قُلْتُ: فَأَيُّ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ أَعْظَمُ؟
قَالَ: (اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّوْمُ) .
قُلْتُ: فَأَيُّ الأَنْبِيَاءِ كَانَ أَوَّلَ؟
قَالَ: (آدَمُ) .
قُلْتُ: نَبِيّاً كَانَ؟
قَالَ: (نَعَمْ، مُكَلَّمٌ) .قُلْتُ: فَكَمِ المُرْسَلُوْنَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: (ثَلاَثُ مائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ، جَمّاً غَفِيْراً ) .
هِشَامٌ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لأَبِي ذَرٍّ: (إِذَا بَلَغَ البِنَاءُ سَلْعاً، فَاخْرُجْ مِنْهَا - وَنَحَا بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ - وَلاَ أَرَى أُمَرَاءكَ يَدَعُوْنَكَ) .
قَالَ: أَوَلاَ أُقَاتِلُ مَنْ يَحُوْلُ بَيْنِي وَبَيْنَ أَمْرِكَ؟
قَالَ: (لاَ) .
قَالَ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟
قَالَ: (اسْمَعْ وَأَطِعْ، وَلَوْ لِعَبْدٍ حَبَشِيٍّ) .
فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ، خَرَجَ إِلَى الشَّامِ، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّهُ قَدْ أَفْسَدَ الشَّامَ.
فَطَلَبَهُ عُثْمَانُ، ثُمَّ بَعَثُوا أَهْلَهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَوَجَدُوا عِنْدَهُمْ كِيْساً، أَوْ شَيْئاً، فَظَنُّوْهُ دَرَاهِمَ، فَقَالُوا: مَا شَاءَ اللهُ.
فَإِذَا هِيَ فُلُوْسٌ.
فَقَالَ عُثْمَانُ: كُنْ عِنْدِي.
قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي دُنْيَاكُمْ، ائْذَنْ لِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى الرَّبَذَةِ.
فَأَذِنَ لَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهَا، وَعَلَيْهَا عَبْدٌ حَبَشِيٌّ لِعُثْمَانَ، فَتَأَخَّرَ وَقْتَ الصَّلاَةِ - لَمَّا رَأَى أَبَا ذَرٍّ -.
فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: تَقَدَّمْ، فَصَلِّ.
سُفْيَانُ بنُ حُسَيْنٍ: عَنِ الحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:
كُنْتُ رِدْفَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حِمَارٍ وَعَلَيْهِ بَرْذَعَةٌ، أَوْ قَطِيْفَةٌ.
عَفَّانُ: أَخْبَرَنَا سَلاَمٌ أَبُو المُنْذِرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ وَاسِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، عَنِ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:أَوْصَانِي خَلِيْلِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَبْعٍ:
أَمَرَنِي بِحُبِّ المَسَاكِيْنِ، وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُوْنِي، وَأَنْ لاَ أَسْأَلَ أَحَداً شَيْئاً، وَأَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَنْ أَقُوْلَ الحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرّاً، وَأَلاَّ أَخَافَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، وَأَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ العَرْشِ.
الأَوْزَاعِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
أَتَيْتُ أَبَا ذَرٍّ وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَ الجَمْرَةِ الوُسْطَى، وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ يَسْتَفْتُوْنَهُ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَلَمْ يَنْهَكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَنِ الفُتْيَا.
فَرَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَرَقِيْبٌ أَنْتَ عَلَيَّ! لَوْ وَضَعْتُمُ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى قَفَاهُ - ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ أَنْ تُجِيْزُوا عَلَيَّ، لأَنْفَذْتُهَا.
اسْمُ أَبِي كَثِيْرٍ: مَرْثَدٌ.
وَعَنْ ثَعْلَبَةَ بنِ الحَكَمِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ:
لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ لاَ يُبَالِي فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، غَيْرَ أَبِي ذَرٍّ، وَلاَ نَفْسِي.
ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِهِ.
الجُرَيْرِيُّ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ الشِّخِّيْرِ، عَنِ الأَحْنَفِ، قَالَ: قَدِمْتُ
المَدِيْنَةَ، فَبَيْنَا أَنَا فِي حَلْقَةٍ فِيْهَا مَلأٌ مِنْ قُرَيْشٍ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ أَخْشَنُ الثِّيَابِ، أَخْشَنُ الجَسَدِ، أَخْشَنُ الوَجْهِ.فَقَامَ عَلَيْهِم، فَقَالَ: بَشِّرِ الكَنَّازِيْنَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُوْضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفِهِ، وَيُوْضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ يَتَجَلْجَلُ.
قَالَ: فَوَضَعَ القَوْمُ رُؤُوْسَهُمْ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً مِنْهُم رَجَعَ إِلَيْهِ شَيْئاً.
فَأَدْبَرَ، فَتَبِعْتُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ، فَقُلْتُ:
مَا رَأَيْتُ هَؤُلاَءِ إِلاَّ كَرِهُوا مَا قُلْتَ لَهُمْ.
قَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ لاَ يَعْقِلُوْنَ شَيْئاً، إِنَّ خَلِيْلِي أَبَا القَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَانِي، فَقَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ) .
فَأَجَبْتُهُ، فَقَالَ: (تَرَى أُحُداً؟) .
فَنَظَرْتُ مَا عَلَيَّ مِنَ الشَّمْسِ - وَأَنَا أَظُنُّهُ يَبْعَثُنِي فِي حَاجَةٍ - فَقُلْتُ: أَرَاهُ.
فَقَالَ: (مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي مِثْلَهُ ذَهَباً أُنْفِقُهُ كُلُّهُ إِلاَّ ثَلاَثَةَ دَنَانِيْرَ) ثُمَّ هَؤُلاَءِ يَجْمَعُوْنَ الدُّنْيَا لاَ يَعْقِلُوْنَ شَيْئاً!
فَقُلْتُ: مَا لَكَ وَلإِخْوَانِكَ مِنْ قُرَيْشٍ، لاَ تَعْتَرِيْهِمْ، وَلاَ تُصِيْبُ مِنْهُمْ؟
قَالَ: لاَ وَرَبِّكَ، مَا أَسْأَلُهْمُ دُنْيَا، وَلاَ أَسْتَفْتِيْهِمْ عَنْ دِيْنٍ حَتَّى أَلْحَقَ بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ.
الأَسْوَدُ بنُ شَيْبَانَ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ الشِّخِّيْرِ، عَنْ أَخِيْهِ مُطَرِّفٍ، عَنِ أَبِي ذَرٍّ، ... فَذَكَرَ بَعْضَهُ.
مُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَوْسِ بنِ الحَدَثَانِ، قَالَ:قَدِمَ أَبُو ذَرٍّ مِنَ الشَّامِ، فَدَخَلَ المَسْجِدَ وَأَنَا جَالَسٌ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، وَأَتَى سَارِيَةً، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزَ فِيْهِمَا، ثُمَّ قَرَأَ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} .
وَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقَالَ: سَمِعْتُ حَبِيْبِي رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (فِي الإِبِلِ صَدَقَتُهَا، وَفِي البَقَرِ صَدَقَتُهَا، وَفِي البُرِّ صَدَقَتُهُ، مَنْ جَمَعَ دِيْنَاراً، أَوْ تِبْراً، أَوْ فِضَّةً لاَ يُعِدُّهُ لِغَرِيْمٍ، وَلاَ يُنْفِقُهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ كُوِيَ بِهِ) .
قُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ! انْظُرْ مَا تُخْبِرُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّ هَذِهِ الأَمْوَالَ قَدْ فَشَتْ.
قَالَ: مَنْ أَنْتَ، ابْنَ أَخِي؟
فَانْتَسَبْتُ لَهُ.
فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتُ نَسَبَكَ الأَكْبَرَ، مَا تَقْرَأُ: {وَالَّذِيْنَ يَكْنِزُوْنَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُوْنَهَا فِي سَبِيْلِ اللهِ} [التَّوْبَةُ : 35] .
مُوْسَى: ضُعِّفَ، رَوَاهُ عَنْهُ: الثِّقَاتُ.
ابْنُ لَهِيْعَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو قَبِيْلٍ، سَمِعْتُ مَالِكَ بنَ عَبْدِ اللهِ الزِّيَادِيَّ يُحَدَّثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ:
أَنَّهُ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَى عُثْمَانَ، فَأَذِنَ لَهُ وَبِيَدِهِ عَصَا.
فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا كَعْبُ! إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ تُوُفِّيَ، وَتَرَكَ مَالاً، فَمَا تَرَى؟
قَالَ: إِنْ
كَانَ فَضَلَ فِيْهِ حَقُّ اللهِ فَلاَ بَأْسَ عَلَيْهِ.فَرَفَعَ أَبُو ذَرٍّ عَصَاهُ، وَضَرَبَ كَعْباً، وَقَالَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي هَذَا الجَبَلَ ذَهَباً أُنْفِقُهُ، وَيُتَقَبَّلُ مِنِّي، أَذَرُ خَلْفِي مِنْهُ سِتَّةَ أَوَاقٍ) .
أَنْشُدُكَ اللهَ يَا عُثْمَانُ، أَسَمِعْتَهُ قَالَ مِرَاراً؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: هَذَا دَالٌّ عَلَى فَضْلِ إِنْفَاقِهِ، وَكَرَاهِيَةِ جَمْعِهِ؛ لاَ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيْمٍ.
حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، قَالَ:
دَخَلْتُ مَعَ أَبِي ذَرٍّ عَلَى عُثْمَانَ، فَلَمَّا دَخَلَ حَسَرَ عَنْ رَأْسِهِ، وَقَالَ:
وَاللهِ مَا أَنَا مِنْهُمْ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! - يُرِيْدُ الخَوَارِجَ، قَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: سِيْمَاهُمُ الحَلْقُ -.
قَالَ لَهُ عُثْمَانُ: صَدَقْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْكَ لِتُجَاوِرَنَا بِالمَدِيْنَةِ.
قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، ائْذَنْ لِي إِلَى الرَّبَذَةِ.
قَالَ: نَعَمْ، وَنَأْمُرُ لَكَ بِنَعَمٍ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ، تَغْدُو عَلَيْكَ وَتَرُوْحُ.
قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، يَكْفِي أَبَا ذَرٍّ صُرَيْمَتُهُ.
فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: دُوْنَكُمْ - مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ - دُنْيَاكُمْ، فَاعْذِمُوْهَا، وَدَعُوْنَا وَرَبَّنَا.
قَالَ: وَدَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقْسِمُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعِنْدَهُ كَعْبٌ.
فَأَقْبَلَ عُثْمَانُ عَلَى كَعْبٍ، فَقَالَ:
يَا أَبَا إِسْحَاقَ! مَا تَقُوْلُ فِيْمَنْ جَمَعَ
هَذَا المَالَ، فَكَانَ يَتَصَدَّقُ مِنْهُ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ؟قَالَ كَعْبٌ: إِنِّي لأَرْجُو لَهُ.
فَغَضِبَ، وَرَفَعَ عَلَيْهِ العَصَا، وَقَالَ:
وَمَا تَدْرِيْ يَا ابْنَ اليَهُوْدِيَّةِ، لَيَوَدَّنَّ صَاحِبُ هَذَا المَالِ لَوْ كَانَ عَقَارِبَ فِي الدُّنْيَا تَلْسَعُ السُّوَيْدَاءَ مِنْ قَلْبَهِ.
السَّرِيُّ بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا غَزْوَانُ أَبُو حَاتِمٍ، قَالَ:
بَيْنَا أَبُو ذَرٍّ عِنْدَ بَابِ عُثْمَانَ لِيُؤْذَنَ لَهُ، إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ:
يَا أَبَا ذَرٍّ! مَا يُجْلِسُكَ هَا هُنَا؟
قَالَ: يَأْبَى هَؤُلاَءِ أَنْ يَأْذَنُوا لَنَا.
فَدَخَلَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! مَا بَالُ أَبِي ذَرٍّ عَلَى البَابِ؟
فَأَذِنَ لَهُ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ نَاحِيَةً، وَمِيْرَاثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُقْسَمُ.
فَقَالَ عُثْمَانُ لِكَعْبٍ: أَرَأَيْتَ المَالَ إِذَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ هَلْ يُخْشَى عَلَى صَاحِبِهِ فِيْهِ تَبِعَةً؟
قَالَ: لاَ.
فَقَامَ أَبُو ذَرٍّ، فَضَرَبَهُ بِعَصَا بَيْنَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:
يَا ابْنَ اليَهُوْدِيّةِ! تَزْعُمُ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ حَقٌّ فِي مَالِهِ إِذَا آتَى زَكَاتَهُ، وَاللهُ يَقُوْلُ: {وَيُؤْثِرُوْنَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الْحَشْر: 9] .. الآيَةَ، وَيَقُوْلُ: {وَيُطْعِمُوْنَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} [الدَّهْر: 8] ، فَجَعَلَ يَذْكُرُ نَحْوَ هَذَا مِنَ القُرْآنِ.
فَقَالَ عُثْمَانُ لِلقُرَشِيِّ: إِنَّمَا نَكْرَهُ أَنْ نَأْذَنَ لأَبِي ذَرٍّ مِنْ أَجْلِ مَا تَرَى.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَخْتَلِفُ مِنَ الرَّبَذَةِ إِلَى المَدِيْنَةِ مَخَافَةَ الأَعْرَابِيَّةِ ؛ فَكَانَ يُحِبُّ الوَحْدَةَ، فَدَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ وَعِنْدَهُ كَعْبٌ ... ، الحَدِيْثَ.
وَفِيْهِ: فَشَجَّ كَعْباً، فَاسْتَوْهَبَهُ عُثْمَانُ، فَوَهَبَهُ لَهُ، وَقَالَ:يَا أَبَا ذَرٍّ! اتَّقِ اللهَ، وَاكْفُفْ يَدَكَ وَلِسَانَكَ.
مُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ نُفَيْعٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
اسْتَأْذَنَ أَبُو ذَرٍّ عَلَى عُثْمَانَ، فَتَغَافَلُوا عَنْهُ سَاعَةً، فَقُلْتُ:
يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! هَذَا أَبُو ذَرٍّ بِالبَابِ.
قَالَ: ائْذَنْ لَهُ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤْذِيَنَا وَتُبَرِّحَ بِنَا.
فَأَذِنْتُ لَهُ، فَجَلَسَ عَلَى سَرِيْرٍ مَرْمُوْلٍ، فَرَجَفَ بِهِ السَّرِيْرُ - وَكَانَ عَظِيْماً طَوِيْلاً -.
فَقَالَ عُثْمَانُ: أَمَا إِنَّكَ الزَّاعِمُ أَنَّكَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ!
قَالَ: مَا قُلْتُ.
قَالَ: إِنِّي أَنْزِعُ عَلَيْكَ بِالبَيِّنَةِ.
قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِيْ مَا بَيِّنَتُكَ، وَمَا تَأْتِي بِهِ؟! وَقَدْ عَلِمْتُ مَا قُلْتُ.
قَالَ: فَكَيْفَ إِذاً قُلْتَ؟
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ، وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي الَّذِيْ يَلْحَقُ بِي عَلَى العَهْدِ الَّذِي عَاهَدْتُهُ عَلَيْهِ) وَكُلُّكُمْ قَدْ أَصَابَ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَنَا عَلَى مَا عَاهَدْتُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى اللهِ تَمَامُ النِّعْمَةِ.
وَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ، فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي يَعْلَمُهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْتَحِلَ إِلَى الشَّامِ، فَيَلْحَقَ بِمُعَاوِيَةَ، فَكَانَ يُحَدِّثُ بِالشَّامِ، فَاسْتَهْوَى قُلُوْبَ الرِّجَالِ، فَكَانَ مُعَاوِيَةُ يُنْكِرُ بَعْضَ شَأْنِ رَعِيَّتِهِ، وَكَانَ يَقُوْلُ:
لاَ يَبِيْتَنَّ عِنْدَ أَحَدِكُمْ دِيْنَارٌ، وَلاَ دِرْهَمٌ، وَلاَ تِبْرٌ، وَلاَ فِضَّةٌ، إِلاَّ شَيْءٌ يُنْفِقُهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ، أَوْ يُعِدُّهُ لِغَرِيْمٍ.
وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بَعَثَ إِلَيْهِ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ فِي جُنْحِ اللِّيْلِ، فَأَنْفَقَهَا.
فَلَمَّا صَلَّى مُعَاوِيَةُ الصُّبْحَ، دَعَا رَسُوْلَهُ، فَقَالَ:اذْهَبْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ، فَقُلْ: أَنْقِذْ جَسَدِي مِنْ عَذَابِ مُعَاوِيَةَ، فَإِنِّي أَخْطَأْتُ.
قَالَ: يَا بُنَيَّ! قُلْ لَهُ:
يَقُوْلُ لَكَ أَبُو ذَرٍّ: وَاللهِ مَا أَصْبَحَ عِنْدَنَا مِنْهُ دِيْنَارٌ، وَلَكِنْ أَنْظِرْنَا ثَلاَثاً حَتَّى نَجْمَعَ لَكَ دَنَاِنْيَرَكَ.
فَلَمَّا رَأَى مُعَاوِيَةُ أَنَّ قَوْلَهُ صَدَّقَ فِعْلَهُ، كَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ:
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنْ كَانَ لَكَ بِالشَّامِ حَاجَةٌ أَوْ بِأَهْلِهِ، فَابْعَثْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ، فَإِنَّهُ قَدْ وَغَّلَ صُدُوْرَ النَّاسِ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ: اقْدَمْ عَلَيَّ، فَقَدِمَ.
ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ المُغِيْرَةِ، عَنْ يَعْلَى بنِ شَدَّادٍ، قَالَ:
قَالَ شَدَّادُ بنُ أَوْسٍ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَسْمَعُ الحَدِيْثَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ فِيْهِ الشِّدَّةُ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى قَوْمِهِ، فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِم، ثُمَّ إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ يُرَخِّصُ فِيْهِ بَعْدُ، فَلَمْ يَسْمَعْهُ أَبُو ذَرٍّ، فَتَعَلَّقَ أَبُو ذَرٍّ بِالأَمْرِ الشَّدِيْدِ.
عَاصِمُ بنُ كُلَيْبٍ: عَنْ أَبِي الجُوَيْرِيَةِ، عَنْ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ، إِذْ جَاءَ أَبُو ذَرٍّ، فَلَمَّا رَآهُ عُثْمَانُ، قَالَ:
مَرْحَباً وَأَهْلاً بِأَخِي.
فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: مَرْحَباً وَأَهْلاً بِأَخِي، لَقَدْ أَغْلَظْتَ عَلَيْنَا فِي العَزِيْمَةِ، وَاللهِ لَوْ عَزَمْتَ عَلَيَّ أَنْ أَحْبُوَ لَحَبَوْتُ مَا اسْتَطَعْتُ، إِنِّي خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَ حَائِطِ بَنِي فُلاَنٍ، فَقَالَ لِي: (وَيْحَكَ بَعْدِي) .
فَبَكَيْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَإِنِّي لَبَاقٍ بَعْدَكَ؟
قَالَ: (نَعَمْ، فَإِذَا رَأَيْتَ البِنَاءَ عَلَى سَلْعٍ، فَالْحَقْ بِالمَغْرِبِ، أَرْضِ قُضَاعَةَ) .
قَالَ عُثْمَانُ: أَحْبَبْتُ أَنْ أَجْعَلَكَ مَع أَصْحَابِكَ، وَخِفْتُ عَلَيْكَ جُهَّالَ النَّاسِ.وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ:
قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اسْمَعْ وَأَطِعْ لِمَنْ كَانَ عَلَيْكَ) .
جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ: عَنْ ثَابِتِ بنِ الحَجَّاجِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سِيْدَانَ السُّلَمَيِّ، قَالَ:
تَنَاجَى أَبُو ذَرٍّ وَعُثْمَانُ حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، ثُمَّ انْصَرَفَ أَبُو ذَرٍّ مُتَبَسِّماً.
فَقَالُوا: مَا لَكَ وَلأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ؟
قَالَ: سَامِعٌ مُطِيْعٌ، وَلَو أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ صَنْعَاءَ أَوْ عَدَنٍ، ثُمَّ اسْتَطَعْتُ أَنْ أَفْعَلَ، لَفَعَلْتُ.
وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الرَّبَذَةِ.
مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سِيدَانَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:
لَوْ أَمَرَنِي عُثْمَانُ أَنْ أَمْشِيَ عَلَى رَأْسِي لَمَشَيْتُ.
وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، قَالَ:
قَالَ أَبُو ذَرٍّ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! افْتَحِ البَابَ، لاَ تَحْسَبُنِي مِنْ قَوْمٍ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّيْنِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ.
يَزِيْدُ: أَخْبَرَنَا العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، عَنْ شَيْخَيْنِ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ، قَالاَ:
نَزَلْنَا الرَّبَذَةَ، فَمَرَّ بِنَا شَيْخٌ أَشْعَثُ، أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، فَقَالُوا: هَذَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَاسْتَأْذَنَّاهُ بِأَنْ نَغْسِلَ رَأْسَهُ، فَأَذِنَ لَنَا، وَاسْتَأْنَسَ بِنَا، فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ، إِذْ أَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ - حَسِبْتُهُ
قَالَ: مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ - فَقَالُوا:يَا أَبَا ذَرٍّ، فَعَلَ بِكَ هَذَا الرَّجُلُ وَفَعَلَ! فَهَلْ أَنْتَ نَاصِبٌ لَكَ رَايَةً فَنُكَمِّلَكَ بِرِجَاَلٍ مَا شِئْتَ؟
فَقَالَ: يَا أَهْلَ الإِسْلاَمِ، لاَ تَعْرِضُوا عَلَيَّ ذَاكُم، وَلاَ تُذِلُّوا السُّلْطَانَ؛ فَإِنَّهُ مَنْ أَذَلَّ السُّلْطَانَ فَلاَ تَوْبَةَ لَهُ، وَاللهِ لَو صَلَبَنِي عَلَى أَطْوَلِ خَشَبَةٍ أَوْ حَبْلٍ لَسَمِعْتُ وَصَبَرْتُ، وَرَأَيْتُ أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لِي.
حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ:
قَالَتْ أُمُّ ذَرٍّ: وَاللهِ مَا سَيَّرَ عُثْمَانُ أَبَا ذَرٍّ - تَعْنِي إِلَى الرَّبَذَةِ - وَلَكِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا بَلَغَ البِنَاءُ سَلْعاً، فَاخْرُجْ مِنْهَا) .
قَالَ غَالِبٌ القَطَّانُ لِلحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ، أَكَانَ عُثْمَانُ أَخْرَجَ أَبَا ذَرٍّ؟
قَالَ: مَعَاذَ اللهِ.
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: عَنْ عِرَاكِ بنِ مَالِكٍ:
قَالَ أَبُو ذَرٍّ: إِنِّي لأَقْرَبُكُم مَجْلِساً مِنْ رَسُوْلِ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (إِنَّ أَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِساً: مَنْ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا كَهَيئَتِهِ بِمَا تَرَكْتُهُ عَلَيْهِ) ، وَإِنَّهُ -وَاللهِ- مَا مِنْكُم إِلاَّ مَنْ تَشَبَّثَ مِنْهَا بِشَيْءٍ.
قَالَ المَعْرُوْرُ بنُ سُوَيْدٍ: نَزَلْنَا الرَّبَذَةَ، فَإِذَا بِرَجُلٍ عَلَيْهِ بُرْدٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ مِثْلُهُ، فَقُلْنَا:
لَو عَمِلْتَهُمَا حُلَّةً لَكَ، وَاشْتَرَيْتَ لِغُلاَمِكَ غَيْرَهُ!
فَقَالَ: سَأُحَدِّثُكُم: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَاحِبٍ لِي كَلاَمٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً، فَنِلْتُ
مِنْهَا، فَقَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سَابَبْتَ فُلاَناً؟) .قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: (ذَكَرْتَ أُمَّهُ؟) .
قُلْتُ: مَنْ سَابَّ الرِّجَالَ ذُكِرَ أَبُوْهُ وَأُمُّهُ.
فَقَالَ: (إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيْهِ جَاهِلِيَّةٌ) ... ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ.
إِلَى أَنْ قَالَ: (إِخْوَانُكُم، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيْكُم، فَمَنْ كَانَ أَخُوْهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِنْ طِعَامِهِ، وَلْيُلْبِسْهُ مِنْ لِبَاسِهِ، وَلاَ يُكَلِّفْهُ مَا يَغْلِبُهُ ) .
قَتَادَةُ: عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ:
أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعِنْدَهُ امْرَأَةٌ لَهُ سُوَدَاءُ مُشَعَّثَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهَا أَثَرُ المَجَاسِدِ وَالخَلُوْقِ.
فَقَالَ: أَلاَ تَنْظُرُوْنَ مَا تَأْمُرُنِي بِهِ؟ تَأْمُرُنِي أَنْ آتِيَ العِرَاقَ، فَإِذَا أَتَيْتُهَا مَالُوا عَلَيَّ بِدُنْيَاهُمْ، وَإِنَّ خَلِيْلِي عَهِدَ إِلَيَّ: (إِنَّ دُوْنَ جِسْرِ جَهَنَّمَ طَرِيْقاً ذَا دَحْضٍ وَمَزَلَّةٍ) ، وَإِنَّا أَنْ نَأْتِيَ عَلَيْهِ وَفِي أَحْمَالِنَا اقْتِدَارٌ أَحْرَى أَنْ نَنْجُوَ، [مِنْ أَنْ نَأْتِيَ عَلَيْهِ وَنَحْنُ مَوَاقِيْرُ].
أَبُو هِلاَلٍ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي الحَسَنِ:
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ عَطَاؤُهُ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، فَكَانَ إِذَا أَخَذَ عَطَاءهُ، دَعَا خَادِمَهُ، فَسَأَلَهُ عَمَّا يَكْفِيْهِ لِلسَّنَةِ، فَاشْتَرَاهُ، ثُمَّ اشْتَرَى فُلُوْساً بِمَا بَقِيَ.
وَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ وِعَاءٍ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ يُوْكَى عَلَيْهِ، إِلاَّ وَهُوَ يَتَلَظَّى عَلَى صَاحِبِهِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ: كَانَ لأَبِي ذَرٍّ ثَلاَثُوْنَ فَرَساً يَحْمِلُ عَلَيْهَا، فَكَانَ يَحْمِلُ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْهَا يَغْزُو عَلَيْهَا، وَيُصْلِحُ آلَةَ بَقِيَّتِهَا، فَإِذَا رَجَعَتْ أَخَذَهَا، فَأَصْلَحَ آلَتَهَا، وَحَمَلَ عَلَى الأُخْرَى.قَالَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: بَنَى أَبُو الدَّرْدَاءِ مَسْكَناً، فَمَرَّ عَلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ، فَقَالَ:
مَا هَذَا! تُعَمِّرُ دَاراً أَذِنَ اللهُ بِخَرَابِهَا، لأَنْ تَكُوْنَ رَأَيْتُكَ تَتَمَرَّغُ فِي عَذِرَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُوْنَ رَأَيْتُكَ فِيْمَا رَأَيْتُكَ فِيْهِ.
حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ: عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ أَبُو مُوْسَى، لَقِيَ أَبَا ذَرٍّ، فَجَعَلَ أَبُو مُوْسَى يُكْرِمُهُ - وَكَانَ أَبُو مُوْسَى قَصِيْراً، خَفِيْفَ اللَّحْمِ، وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ رَجُلاً أَسْوَدَ كَثَّ الشَّعْرِ - فَيَقُوْلُ أَبُو ذَرٍّ: إِلَيْكَ عَنِّي!
وَيَقُوْلُ أَبُو مُوْسَى: مَرْحَباً بِأَخِي!
فَيَقُوْلُ: لَسْتُ بِأَخِيْكَ! إِنَّمَا كُنْتُ أَخَاكَ قَبْلَ أَنْ تَلِيَ.
وَعَنْ أُمِّ طَلْقٍ، قَالَتْ:
دَخَلْتُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ، فَرَأَيْتُهُ شَعِثاً شَاحِباً، بِيَدِهِ صُوْفٌ، قَدْ جَعَلَ عُوْدَيْنِ، وَهُوَ يَغْزِلُ بِهِمَا، فَلَمْ أَرَ فِي بَيْتِهِ شَيْئاً، فَنَاوَلْتُهُ شَيْئاً مِنْ دَقِيْقٍ وَسَوِيْقٍ، فَقَالَ لِي: أَمَّا ثَوَابُكَ، فَعَلَى اللهِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا ذَرٍّ خَلَّفَ بِنْتاً لَهُ، فَضَمَّهَا عُثْمَانُ إِلَى عِيَالِهِ.
قَالَ الفَلاَّسُ، وَالهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَغَيْرُهُمَا: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ.
وَيُقَالُ: مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ.
وَيُقَالُ: إِنَّ ابْنَ مَسْعُوْدٍ الَّذِي دَفَنَهُ عَاشَ بَعْدَهُ نَحْواً مِنْ عَشْرَةِ أَيَّامٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي ذَرٍّ، مَعَ قُوَّةِ أَبِي ذَرٍّ فِي بَدَنِهِ وَشَجَاعَتِهِ: (يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيْفاً، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لاَ تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلاَ تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيْمٍ ) .فَهَذَا مَحْمُوْلٌ عَلَى ضَعْفِ الرَّأْيِ؛ فَإِنَّهُ لَو وَلِيَ مَالَ يَتِيْمٍ لأَنْفَقَهُ كُلَّهُ فِي سَبِيْلِ الخَيْرِ، وَلَتَرَكَ اليَتِيْمَ فَقِيْراً.
فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَانَ لاَ يَسْتَجِيْزُ ادِّخَارَ النَّقْدَيْنِ.
وَالَّذِي يَتَأَمَّرُ عَلَى النَّاسِ، يُرِيْدُ أَنْ يَكُوْنَ فِيْهِ حِلْمٌ وَمُدَارَاةٌ، وَأَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَانَتْ فِيْهِ حِدَّةٌ - كَمَا ذَكَرْنَاهُ - فَنَصَحَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَلَهُ مائَتَا حَدِيْثٍ وَأَحَدٌ وَثَمَانُوْنَ حَدِيْثاً، اتَّفَقَا مِنْهَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ حَدِيْثاً، وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِحَدِيْثَيْنِ، وَمُسْلِمٌ بِتِسْعَةَ عَشَرَ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، أَخْبَرَنَا وُهَيْبٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ
خُثَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الأَشْتَرِ:أَنَّ أَبَا ذَرٍّ حَضَرَهُ المَوْتُ بِالرَّبَذَةِ، فَبَكَتِ امْرَأَتُهُ، فَقَالَ: وَمَا يُبْكِيْكِ؟
قَالَتْ: أَبْكِي أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ تَغْيِيْبِكَ، وَلَيْسَ عِنْدِي ثَوْبٌ يَسَعُكَ كَفَناً.
قَالَ: لاَ تَبْكِي، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ وَأَنَا عِنْدَهُ فِي نَفَرٍ يَقُوْلُ: (لَيَمُوْتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلاَةٍ تَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ) .
فَكُلُّهُمْ مَاتَ فِي جَمَاعِةٍ وَقَرْيَةٍ، فَلَمْ يَبْقَ غَيْرِي، وَقَدْ أَصْبَحْتُ بِالفَلاَةِ أَمُوْتُ، فَرَاقِبِي الطَّرِيْقَ، فَإِنَّكِ سَوْفَ تَرَيْنَ مَا أَقُوْلُ، مَا كَذَبْتُ، وَلاَ كُذِبْتُ.
قَالَتْ: وَأَنَّى ذَلِكَ، وَقَدِ انْقَطَعَ الحَاجُّ؟!
قَالَ: رَاقِبِي الطَّرِيْقَ.
فَبَيْنَا هِيَ كَذَلِكَ، إِذْ هِيَ بِالقَوْمِ تَخُبُّ بِهِمْ رَوَاحِلُهُمْ كَأَنَّهُمُ الرَّخَمُ، فَأَقْبَلُوا حَتَّى وَقَفُوا عَلَيْهَا.
قَالُوا: مَا لَكِ؟
قَالَتْ: رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ تُكَفِّنُوْنَهُ، وَتُؤْجَرُوْنَ فِيْهِ.
قَالُوا: وَمَنْ هُوَ؟
قَالَتْ: أَبُو ذَرٍّ.
فَفَدَوْهُ بِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، وَوَضَعُوا سِيَاطَهُمْ فِي نُحُوْرِهَا يَبْتَدِرُوْنَهُ.
فَقَالَ: أَبْشِرُوا، أَنْتُمُ النَّفَرُ الَّذِيْنَ قَالَ فِيْكُمْ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا قَالَ.
سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (مَا مِنِ امْرَأَيْنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ هَلَكَ بَيْنَهُمَا وَلَدَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ، فَاحْتَسَبَا وَصَبَرَا، فَيَرَيَانِ النَّارَ أَبَداً) .
ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ أَصْبَحْتُ اليَوْمَ حَيْثُ تَرَوْنَ، وَلَو أَنَّ ثَوْباً مِنْ ثِيَابِي يَسَعُنِي لَمْ أُكَفَّنْ إِلاَّ فِيْهِ، أَنْشُدُكُمُ اللهَ أَنْ لاَ يُكَفِّنَنِي رَجُلٌ مِنْكُم كَانَ أَمِيْراً أَوْ عَرِيْفاً أَوْ بَرِيْداً،
فَكُلُّ القَوْمِ كَانَ نَالَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً، إِلاَّ فَتَىً مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ:أَنَا صَاحِبُكَ، ثَوْبَانِ فِي عَيْبَتِي مِنْ غَزْلِ أُمِّي، وَأَحَدُ ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَيَّ.
قَالَ: أَنْتَ صَاحِبِي، فَكَفِّنِّي.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الأَشْتَرِ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَ أَبَا ذَرٍّ المَوْتُ، بَكَتِ امْرَأَتُهُ ... ، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ:
فَكَفَّنَهُ الأَنْصَارِيُّ فِي النَّفَرِ الَّذِيْنَ شَهِدُوْهُ، مِنْهُم: حُجْرُ بنُ الأَدْبَرِ، وَمَالِكُ بنُ الأَشْتَرِ.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا بُرَيْدَةُ بنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ:
لَمَّا نَفَى عُثْمَانُ أَبَا ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ، وَأَصَابَهُ بِهَا قَدَرُهُ، لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلاَّ امْرَأَتُهُ وَغُلاَمُهُ، فَأَوْصَاهُمَا أَنِ اغْسِلاَنِي، وَكَفِّنَانِي، وَضَعَانِي عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيْقِ، فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّ بِكُمْ قُوْلُوا: هَذَا أَبُو ذَرٍّ، فَأَعِيْنُوْنَا عَلَيْهِ.
فَوَضَعَاهُ، وَأَقْبَلَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ فِي رَهْطٍ مِنَ العِرَاقِ عُمَّاراً، فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلاَّ بِهِ، قَدْ كَادَتِ الإِبِلُ أَنْ تَطَأَهُ.
فَقَامَ الغُلاَمُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَاسْتَهَلَّ عَبْدُ اللهِ يَبْكِي، وَيَقُوْلُ:
صَدَقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تَمْشِي
وَحْدَكَ، وَتَمُوْتُ وَحْدَكَ، وَتُبْعَثُ وَحْدَكَ) .ثُمَّ نَزَلُوا، فَوَارَوْهُ، ثُمَّ حَدَّثَهُمْ عَبْدُ اللهِ حَدِيْثَهُ، وَمَا قَالَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَسِيْرِهِ وَحْدَهُ إِلَى تَبُوْكٍ.
وَعَنْ عِيْسَى بنِ عُمَيْلَةَ : أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى أَبَا ذَرٍّ يَحْلُبُ غُنَيْمَةً لَهُ، فَيَبْدَأُ بِجِيْرَانِهِ وَأَضْيَافِهِ قَبْلَ نَفْسِهِ.
عَاصِمٌ الأَحْوَلُ: عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ:
رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ يَمِيْدُ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ مَطْلِعَ الشَّمْسِ، فَظَنَنْتُهُ نَائِماً، فَدَنَوْتُ، وَقُلْتُ: أَنَائِمٌ أَنْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ؟
قَالَ: لاَ، بَلْ كُنْتُ أُصَلِّي.
وَقِيْلَ: جُنْدُبُ بنُ سَكَنٍ.
وَقِيْلَ: بُرَيْرُ بنُ جُنَادَةَ.
وَقِيْلَ: بُرَيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ.
وَنَبَّأَنِّي الدِّمْيَاطِيُّ: أَنَّهُ جُنْدُبُ بنُ جُنَادَةَ بنِ سُفْيَانَ بنِ عُبَيْدِ بنِ حَرَامِ بنِ غِفَارَ - أَخِي ثَعْلَبَةَ - ابْنَيْ مُلَيْلِ بنِ ضَمْرَةَ أَخِي لَيْثٍ وَالدِّيْلِ، أَوْلاَدِ بَكْرٍ، أَخِي مُرَّةَ، وَالِدِ مُدْلِجِ بنِ مُرَّةَ، ابْنَيْ عَبْدِ مَنَاةَ بنِ كِنَانَةَ.
قُلْتُ: أَحَدُ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، مِنْ نُجَبَاءِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قِيْلَ: كَانَ خَامِسَ خَمْسَةٍ فِي الإِسْلاَمِ.
ثُمَّ إِنَّهُ رُدَّ إِلَى بِلاَدِ قَوْمِهِ، فَأَقَامَ بِهَا بِأَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَنْ هَاجَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَاجَرَ إِلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَلاَزَمَهُ، وَجَاهَدَ مَعَهُ.
وَكَانَ يُفْتِي فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ.
رَوَى عَنْهُ: حُذَيْفَةُ بنُ أَسِيْدٍ الغِفَارِيُّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيُّ، وَزَيْدُ بنُ وَهْبٍ، وَأَبُو الأَسْوَدِ الدُّئِلِيِّ، وَرِبْعِيُّ بنُ حِرَاشٍ، وَالمَعْرُوْرُ بنُ سُوَيْدٍ، وَزِرُّ بنُ حُبَيْشٍ، وَأَبُو سَالِمٍ الجَيْشَانِيُّ سُفْيَانُ بنُ هَانِئ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَنْمٍ،
وَالأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ، وَقَيْسُ بنُ عُبَادٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الصَّامِتِ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَسُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ، وَأَبُو مُرَاوِحٍ، وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَخَرَشَةُ بنُ الحُرِّ، وَزَيْدُ بنُ ظَبْيَانَ، وَصَعْصَعَةُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَأَبُو السَّلِيْلِ ضُرَيْبُ بنُ نُفَيْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَقِيْقٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى، وَعُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ، وَغُضَيْفُ بنُ الحَارِثِ، وَعَاصِمُ بنُ سُفْيَانَ، وَعُبَيْدُ بنُ الخَشْخَاشِ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الجَذْمِيُّ، وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَمُوْسَى بنُ طَلْحَةَ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ المُحَارِبِيُّ، وَمُوَرِّقُ العِجْلِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ شَرِيْكٍ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو الأَحْوَصِ المَدَنِيُّ - شَيْخٌ لِلزُّهْرِيِّ - وَأَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ، وَأَبُو بَصْرَةَ الغِفَارِيُّ، وَأَبُو العَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ، وَابْنُ الحَوْتِكيَّةِ، وَجَسْرَةُ بِنْتُ دَجَاجَةَ.فَاتَتْهُ بَدْرٌ، قَالَهُ: أَبُو دَاوُدَ.
وَقِيْلَ: كَانَ آدَمَ، ضَخْماً، جَسِيْماً، كَثَّ اللِّحْيَةِ.
وَكَانَ رَأْساً فِي الزُّهْدِ، وَالصِّدْقِ، وَالعِلْمِ، وَالعَمَلِ، قَوَّالاً بِالحَقِّ، لاَ تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لائِمٍ، عَلَى حِدَّةٍ فِيْهِ.
وَقَدْ شَهِدَ فَتْحَ بَيْتِ المَقْدِسِ مَعَ عُمَرَ.
أَخْبَرَنَا الخَضِرُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَزْدِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا زَيْنُ الأُمَنَاءِ حَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحُسَيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ سُلْوَانَ، أَخْبَرَنَا الفَضْلُ بنُ جَعْفَرٍ التَّمِيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ الهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ،
حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِي إدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ:عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ جِبْرِيْلَ، عَنِ اللهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُم مُحَرَّماً، فَلاَ تَظَالَمُوا.
يَا عِبَادِي، إِنَّكُمُ الَّذِيْنَ تُخْطِئُوْنَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا الَّذِي أَغْفِرُ الذُّنُوبَ وَلاَ أُبَالِي، فَاسْتَغْفِرُوْنِي أَغْفِرْ لَكُم.
يَا عِبَادِي، كُلُّكُم جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُوْنِي أُطْعِمْكُم.
يَا عِبَادِي، كُلُّكُم عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُوْنِي أَكْسُكُم.
يَا عِبَادِي، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم، وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم، كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُم، لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً.
يَا عِبَادِي، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم، وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُم، لَمْ يَزِدْ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئاً.
يَا عِبَادِي، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم، وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم، كَانُوا فِي صَعِيْدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُوْنِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُم مَا سَأَلَ، لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً، إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ البَحْرَ أَنْ يُغْمَسَ المِخْيَطُ غَمْسَةً وَاحِدَةً.
يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُم أَحْفَظُهَا عَلَيْكُم، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً، فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلاَ يَلُوْمَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ) .
قَالَ سَعِيْدٌ: كَانَ أَبُو إِدْرِيْسَ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الحَدِيْثِ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
نَقَلَ الوَاقِدِيُّ، عَنْ خَالِدِ بنِ حَيَّانَ، قَالَ:كَانَ أَبُو ذَرٍّ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ فِي مِظَلَّتَيْنِ مِنْ شَعْرٍ بِدَمَشْقَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ: أَبُو ذَرٍّ اسْمُهُ: يَزِيْدُ بنُ جُنَادَةَ.
وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: اسْمُهُ بُرَيْرٌ.
قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: عَنْ رَجُلٍ عَامِرِيٍّ، قَالَ:
كُنْتُ أَعْزُبُ عَنِ المَاءِ وَمَعِي أَهْلِي، فَتُصِيْبُنِي الجَنَابَةُ، فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي نَفْسِي، فَنُعِتَ لِي أَبُو ذَرٍّ، فَحَجَجْتُ، فَدَخَلْتُ مَسْجِدَ مِنَى، فَعَرَفْتُهُ، فَإِذَا شَيْخٌ مَعْرُوْقٌ، آدَمُ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ قِطْرِيٌّ.
وَقَالَ حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: حَدَّثَنِي الأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ، قَالَ:قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ، فَدَخَلْتُ مَسْجِدَهَا، فَبَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ طُوَالٌ، آدَمُ، أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، مَحْلُوْقٌ، يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضاً.
فَاتَّبَعْتُهُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟
قَالُوا: أَبُو ذَرٍّ.
سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، وَابْنُ عَوْنٍ: عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، قَالَ:
قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارَ، وَكَانُوا يُحِلُّوْنَ الشَّهْرَ الحَرَامَ، فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَخِي أُنَيْسٌ وَأُمُّنَا، فَنَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا، فَأَكْرَمَنَا وَأَحَسَنَ.
فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ عَنْ أَهْلِكَ يُخَالِفُكَ إِلَيْهِم أُنَيْسٌ.
فَجَاءَ خَالُنَا، فَذَكَرَ لَنَا مَا قِيْلَ لَهُ، فَقُلْتُ:
أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوْفِكَ فَقَدْ كَدَّرْتَهُ، وَلاَ جِمَاعَ لَكَ فِيْمَا بَعْدُ.
فَقَدَّمْنَا صِرْمَتَنَا، فَاحْتَمَلَنَا عَلَيْهَا، وَجَعَلَ خَالُنَا يَبْكِي، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ، فَنَافَرَ أُنَيْسٌ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا، فَأَتَيَا الكَاهِنَ، فَخَيَّرَ أُنَيْساً، فَأَتَانَا أُنَيْسٌ بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا.
قَالَ: وَقَدْ صَلَّيْتُ يَا ابْنَ أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثَلاَثِ سِنِيْنَ.
قُلْتُ: لِمَنْ؟
قَالَ: للهِ.
قُلْتُ: أَيْنَ تَوَجَّهَ؟
قَالَ: حَيْثُ وَجَّهَنِي اللهُ، أُصَلِّي عِشَاءً، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أُلْقِيْتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ حَتَّى تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ.
فَقَالَ أُنَيْسٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ، فَاكْفِنِي.فَانْطَلَقَ أُنَيْسٌ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَرَاثَ عَلَيَّ، ثُمَّ جَاءَ.
فَقُلْتُ: مَا صَنَعْتَ؟
قَالَ: لَقِيْتُ رَجُلاً بِمَكَّةَ عَلَى دِيْنِكَ، يَزْعُمُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ.
قُلْتُ: فَمَا يَقُوْلُ النَّاسُ؟
قَالَ: يَقُوْلُوْنَ: شَاعِرٌ، كَاهِنٌ، سَاحِرٌ.
قَالَ: وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ.
فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الكَهَنَةِ، وَمَا هُوَ بِقَوْلِهِم، وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْوَالِ الشُّعَرَاءِ، فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ أَنَّهُ شِعْرٌ، وَاللهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ وَإِنَّهُم لَكَاذِبُوْنَ!
قُلْتُ: فَاكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ!
فَأَتَيْتُ مَكَّةَ، فَتَضَعَّفْتُ رَجُلاً مِنْهُم، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا الَّذِي تَدْعُوْنَهُ الصَّابِئَ؟
فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَقَالَ: الصَّابِئُ.
قَالَ: فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلُ الوَادِي بِكُلِّ مَدَرَةٍ، وَعَظْمٍ، حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيّاً عَلَيَّ، فَارْتَفَعْتُ حِيْنَ ارْتَفَعْتُ كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ، فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ، فَغَسَلْتُ عَنِّي الدِّمَاءَ، وَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا.
وَلَقَدْ لَبِثْتُ - يَا ابْنَ أَخِي - ثَلاَثِيْنَ، بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، مَا لِي طَعَامٌ إِلاَّ مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنِي، وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سَخْفَةَ جُوْعٍ.
فَبَيْنَا أَهْلُ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانَ، جَاءتِ امْرَأَتَانِ تَطُوْفَانِ،
وَتَدْعُوَانِ إِسَافاً وَنَائِلَةَ، فَأَتَتَا عَلَيَّ فِي طَوَافِهِمَا.فَقُلْتُ: أَنْكِحَا أَحَدَهُمَا الآخَرَ.
فَمَا تَنَاهَتَا عَنْ قَوْلِهِمَا، فَأَتَتَا عَلَيَّ، فَقُلْتُ: هَنٌ مِثْلُ الخَشَبَةِ، غَيْرَ أَنِّي لاَ أَكْنِي.
فَانْطَلَقَتَا تُوَلْوِلاَنِ، تَقُوْلاَنِ: لَو كَانَ هَا هُنَا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا؟
فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُوْلُ اللهِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا هَابِطَتَانِ، فَقَالَ: (مَا لَكُمَا؟) .
قَالَتَا: الصَّابِئُ بَيْنَ الكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا.
قَالَ: (فَمَا قَالَ لَكُمَا؟) .
قَالَتَا: إِنَّهُ قَالَ كَلِمَةً تَمْلأُ الفَمَ.
قَالَ: وَجَاءَ رَسُوْلُ اللهِ حَتَّى اسْتَلَمَ الحَجَرَ، ثُمَّ طَافَ بِالبَيْتِ هُوَ وَصَاحِبُهُ، ثُمَّ صَلَّى، وَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الإِسْلاَمِ.
قَالَ: (عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ! مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟) .
قُلْتُ: مِنْ غِفَارَ.
فَأَهْوَى بِيَدِهِ، وَوَضَعَ أَصَابِعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَرِهَ أَنِّي انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارَ.
فَذَهَبْتُ آخُذُ بِيَدِهِ، فَدَفَعَنِي صَاحِبُهُ، وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي.
قَالَ: ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: (مَتَى كُنْتَ هَا هُنَا؟) .
قُلْتُ: مُنْذُ ثَلاَثِيْنَ، مِنْ بَيْنِ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ.
قَالَ: (فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟) .
قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلاَّ مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ، وَمَا أَجِدُ عَلَى بَطْنِي سَخْفَةَ جُوْعٍ.
قَالَ: (إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ).
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! ائْذَنْ لِي فِي طَعَامِهِ اللَّيْلَةَ.فَانْطَلَقْنَا، فَفَتَحَ أَبُو بَكْرٍ بَاباً، فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ زَبِيْبِ الطَّائِفِ، فَكَانَ أَوَّلَ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا.
وَأَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (إِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِي أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ، لاَ أُرَاهَا إِلاَّ يَثْرِبَ، فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ، وَيَأْجُرَكَ فِيْهِم؟) .
قَالَ: فَانْطَلَقْتُ، فَلَقِيْتُ أُنَيْساً.
فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟
قُلْتُ: صَنَعْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ.
قَالَ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِيْنِكَ، فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ.
فَأَسْلَمَتْ أُمُّنَا، فَاحْتَمَلْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَارَ، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُم، وَكَانَ يَؤُمُّهُم إِيْمَاءُ بنُ رَحَضَةَ، وَكَانَ سَيِّدَهُم.
وَقَالَ نِصْفُهُم: إِذَا قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ المَدِيْنَةَ أَسْلَمْنَا.
فَقَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِيْنَةَ، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمُ البَاقِي.
وَجَاءتْ أَسْلَمُ، فَقَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِخْوَانُنَا، نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمُوا عَلَيْهِ.
فَأَسْلَمُوا، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (غِفَارُ، غَفَرَ اللهُ لَهَا! وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ) .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ أَبُو جَمْرَةَ: قَالَ لَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلاَ أُخْبِرُكُم بِإِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ؟
قُلْنَا: بَلَى.
قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً بِمَكَّةَ قَدْ خَرَجَ، يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَرْسَلْتُ أَخِي لِيُكَلِّمَهُ، فَقُلْتُ: انْطَلِقْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، فَكَلِّمْهُ.
فَانْطَلَقَ، فَلَقِيَهُ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقُلْتُ: مَا عِنْدَكَ؟
قَالَ: وَاللهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَأْمُرُ بِالخَيْرِ، وَيَنْهَى عَنِ الشَّرِّ.
قُلْتُ: لَمْ تَشْفِنِي؟
فَأَخَذْتُ جِرَاباً وَعَصاً، ثُمَّ
أَقْبَلْتُ إِلَى مَكَّةَ، فَجَعَلْتُ لاَ أَعْرِفُهُ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَأَكُوْنُ فِي المَسْجِدِ.فَمَرَّ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ غَرِيْبٌ؟
قُلتُ: نَعَمْ.
قَالَ: انْطَلِقْ إِلَى المَنْزِلِ.
فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، لاَ أَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ، وَلاَ يُخْبِرُنِي!
فَلَمَّا أَصْبَحَ الغَدُ، جِئْتُ إِلَى المَسْجِدِ لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُخْبِرُنِي عَنْهُ بِشَيْءٍ.
فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ، فَقَالَ: أَمَا آنَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعُوْدَ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: مَا أَمْرُكَ، وَمَا أَقْدَمَكَ؟
قُلْتُ: إِنْ كَتَمْتَ عَلَيَّ أَخْبَرْتُكَ.
قَالَ: أَفْعَلُ.
قُلْتُ: قَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ نَبِيٌّ.
قَالَ: أَمَا قَدْ رَشَدْتَ! هَذَا وَجْهِي إِلَيْهِ، فَاتَّبِعْنِي وَادْخُلْ حَيْثُ أَدْخُلُ، فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ أَحَداً أَخَافُهُ عَلَيْكَ، قُمْتُ إِلَى الحَائِطِ كَأَنِّي أُصْلِحُ نَعْلِي! وَامْضِ أَنْتَ.
فَمَضَى، وَمَضَيْتُ مَعَهُ، فَدَخَلْنَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ:
يَا رَسُوْلَ اللهِ، اعْرِضْ عَلَيَّ الإِسْلاَمَ.
فَعَرَضَ عَلَيَّ، فَأَسْلَمْتُ مَكَانِي، فَقَالَ لِي: (يَا أَبَا ذَرٍّ، اكْتُمْ هَذَا الأَمْرَ، وَارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ! فَإِذَا بَلَغَكَ ظُهُوْرُنَا، فَأَقْبِلْ) .
فَقُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، لأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ.
فَجَاءَ إِلَى المَسْجِدِ وَقُرَيْشٌ فِيْهِ، فَقَالَ:
يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ.
فَقَالُوا: قُوْمُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئ.
فَقَامُوا، فَضُرِبْتُ لأَمُوْتَ!
فَأَدْرَكَنِي العَبَّاسُ، فَأَكَبَّ عَلَيَّ، وَقَالَ:
وَيْلَكُم! تَقْتَلُوْنَ رَجُلاً مِنْ غِفَارَ، وَمَتْجَرُكُم وَمَمَرُّكُم عَلَى غِفَارَ!
فَأَطْلَقُوا عَنِّي، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، رَجَعْتُ، فَقُلْتُ مِثْلَ مَا قُلْتُ بِالأَمْسِ.
فَقَالُوا: قُوْمُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئ!
فَصُنِعَ بِي كَذَلِكَ، وَأَدْرَكَنِي العَبَّاسُ، فَأَكَبَّ عَلَيَّ.
فَهَذَا أَوَّلُ إِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ.
أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، مِنْ طَرِيْقِ المُثَنَّى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ.ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ شِبْلٍ، عَنْ خُفَافِ بنِ إِيْمَاءَ، قَالَ:
كَانَ أَبُو ذَرٍّ رَجُلاً يُصِيْبُ، وَكَانَ شُجَاعاً، يَنْفَرِدُ وَحْدَهُ، يَقْطَعُ الطَّرِيْقَ، وَيُغِيْرُ عَلَى الصِّرَمِ فِي عَمَايَةِ الصُّبْحِ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ أَوْ قَدَمَيْهِ كَأَنَّهُ السَّبُعُ، فَيَطْرُقُ الحَيَّ، وَيَأْخُذُ مَا أَخَذَ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ قَذَفَ فِي قَلْبِهِ الإِسْلاَمَ، وَسَمِعَ مَقَالَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ يَدْعُو مُخْتَفِياً، فَأَقْبَلَ يَسْأَلُ عَنْهُ.
وَعَنْ أَبِي مَعْشَرٍ السِّنْدِيِّ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَتَأَلَّهُ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَيُوَحِّدُ، وَلاَ يَعْبُدُ الأَصْنَامَ.
النَّضْرُ بنُ مُحَمَّدٍ: أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو زُمَيْلٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:
كُنْتُ رَابِعَ الإِسْلاَمِ، أَسْلَمَ قَبْلِي ثَلاَثَةٌ، فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللهِ، فَقُلْتُ:
سَلاَمٌ عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ اللهِ.
وَأَسْلَمْتُ، فَرَأَيْتُ الاسْتِبْشَارَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: (مَنْ أَنْتَ؟) .
قُلْتُ: جُنْدُبٌ، رَجُلٌ مِنْ غِفَارَ.
قَالَ: فَرَأَيْتُهَا فِي وَجْهِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَكَانَ فِيْهِم مَنْ يَسْرُقُ الحَاجَّ.
وَعَنْ مَحْفُوظِ بنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَائِذٍ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، قَالَ:كَانَ أَبُو ذَرٍّ وَعَمْرُو بنُ عَبَسَةَ، كُلٌّ مِنْهُمَا يَقُوْلُ: أَنَا رُبُعُ الإِسْلاَمِ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ حَامِلَ رَايَةِ غِفَارَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: أَبُو ذَرٍّ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: أَبْطَأْتُ فِي غَزْوَةِ تَبُوْكٍ، مِنْ عَجَفِ بَعِيْرِي.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ بنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ:
لَمَّا سَارَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى تَبُوْكٍ، جَعَلَ لاَ يَزَالُ يَتَخَلَّفُ الرَّجُلُ.
فَيَقُوْلُوْنَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ تَخَلَّفَ فُلاَنٌ.
فَيَقُوْلُ: (دَعُوْهُ، إِنْ يَكُنْ فِيْهِ خَيْرٌ فَسَيَلْحَقُكُم، وَإِنْ يَكُنْ غَيْرُ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمُ اللهُ مِنْهُ) .
حَتَّى قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، تَخَلَّفَ أَبُو ذَرٍّ، وَأَبْطَأَ بِهِ بَعِيْرُهُ.
قَالَ: وَتَلَوَّمَ بَعِيْرُ أَبِي ذَرٍّ، فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ أَخَذَ مَتَاعَهُ، فَجَعَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ، وَخَرَجَ يَتْبَعُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَنَظَرَ نَاظِرٌ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَرَجُلٌ يَمْشِي عَلَى الطَّرِيْقِ!
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كُنْ أَبَا ذَرٍّ) .
فَلَمَّا تَأَمَّلَهُ القَوْمُ، قَالُوا: هُوَ -وَاللهِ- أَبُو ذَرٍّ!
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (رَحِمَ اللهُ أَبَا ذَرٍّ، يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوْتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحَدَهُ) .
فَضَرَبَ الدَّهْرُ مِنْ ضَرْبِهِ، وَسُيِّرَ أَبُو ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ.فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ أَوْصَى امْرَأَتَهُ وَغُلاَمَهُ، فَقَالَ:
إِذَا مِتُّ فَاغْسِلاَنِي، وَكَفِّنَانِي، وَضَعَانِي عَلَى الطَّرِيْقِ، فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّوْنَ بِكُمْ فَقُوْلاَ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ.
فَلَمَّا مَاتَ فَعَلاَ بِهِ ذَلِكَ، فَاطَّلَعَ رَكْبٌ، فَمَا عَلِمُوا بِهِ حَتَّى كَادَتْ رَكَائِبُهُم تَوَطَّأُ السَّرِيْرَ.
فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ فِي رَهْطٍ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟
قِيْلَ: جِنَازَةُ أَبِي ذَرٍّ.
فَاسْتَهَلَّ ابْنُ مَسْعُوْدٍ يَبْكِي، وَقَالَ:
صَدَقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَرْحَمُ اللهُ أَبَا ذَرٍّ! يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوْتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ) .
فَنَزَلَ، فَوَلِيَهُ بِنَفْسِهِ، حَتَّى أَجَنَّهُ.
شَرِيْكٌ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ كُلَيْبِ بنِ شِهَابٍ:
سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُوْلُ: مَا تُؤْيِسُنِي رِقَّةُ عَظْمِي، وَلاَ بَيَاضُ شَعْرِي، أَنْ أَلْقَى عِيْسَى ابْنَ مَرْيَمَ.
وَعَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: سَأَلْتُ ابْنَ أُخْتٍ لأَبِي ذَرٍّ: مَا تَرَكَ أَبُو ذَرٍّ؟
قَالَ: تَرَكَ أَتَانَيْنِ، وَحِمَاراً، وَأَعْنُزاً، وَرَكَائِبَ.
يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ: أَخْبَرَنَا الحَارِثُ بنُ يَزِيْدَ الحَضْرَمِيُّ:
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَأَلَ رَسُوْلَ اللهِ الإِمْرَةَ، فَقَالَ: (إِنَّكَ ضَعِيْفٌ، وَإِنَّهَا خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلاَّ
مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيْهَا ) .أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: عَنْ حَبِيْبِ بنِ عُبَيْدٍ، عَنْ غُضَيْفِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْتَدِئُ أَبَا ذَرٍّ إِذَا حَضَرَ، وَيَتَفَقَّدُهُ إِذَا غَابَ.
فُضَيْلُ بنُ مَرْزُوقٍ: حَدَّثَتْنِي جَبَلَةُ بِنْتُ مُصَفَّحٍ، عَنْ حَاطِبٍ:
قَالَ أَبُو ذَرٍّ: مَا تَرَكَ رَسُوْلُ اللهِ شَيْئاً مِمَّا صَبَّهُ جِبْرِيْلُ وَمِيْكَائِيْلُ فِي صَدْرِهِ إِلاَّ قَدْ صَبَّهُ فِي صَدْرِي؛ وَلاَ تَرَكْتُ شَيْئاً مِمَّا صَبَّهُ فِي صَدْرِي إِلاَّ قَدْ صَبَبْتُهُ فِي صَدْرِ مَالِكِ بنِ ضَمْرَةَ.
هَذَا مُنْكَرٌ.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الرِّجَالِ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ، عَنِ ابْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَوْصَانِي بِخَمْسٍ: أَرْحَمُ المَسَاِكِيْنَ وَأُجَالِسُهُم، وَأَنْظُرُ إِلَى مَنْ تَحْتِي وَلاَ أَنْظُرُ إِلَى مَنْ فَوْقِي، وَأَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَنْ أَقُوْلَ الحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرّاً، وَأَنْ أَقُوْلَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ).
الأَعْمَشُ: عَنْ عُثْمَانَ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي حَرْبٍ بنِ أَبِي الأَسْوَدِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو:سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَا أَقَلَّتِ الغَبْرَاءُ، وَلاَ أَظَلَّتِ الخَضْرَاءُ مِنْ رَجُلٍ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ ) .
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ بِلاَلِ بنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مِثْلُهُ.
وَجَاءَ نَحْوُهُ لِجَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ.
أَبُو أُمَيَّةَ بنُ يَعْلَى - وَهُوَ وَاهٍ -: عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى تَوَاضُعِ عِيْسَى ابْنِ مَرْيَمَ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ ) .
سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَيُّكُمْ يَلْقَانِي عَلَى الحَالِ الَّذِي أُفَارِقُهُ عَلَيْهِ؟) .
فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: أَنَا.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا أَظَلَّتِ الخَضْرَاءُ، وَلاَ أَقَلَّتِ الغَبْرَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ! مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى زُهْدِ عِيْسَى فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ).
حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو حَرْبٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيْهِ.ثُمَّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَرَجُلٌ، عَنْ زَاذَانَ، قَالاَ:
سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ فَقَالَ:
وَعَى عِلْماً عَجِزَ عَنْهُ، وَكَانَ شَحِيْحاً عَلَى دِيْنِهِ، حَرِيْصاً عَلَى العِلْمِ، يُكْثِرُ السُّؤَالَ، وَعَجِزَ عَنْ كَشْفِ مَا عِنْدَهُ مِنَ العِلْمِ.
سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ: عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الصَّامِتِ، قَالَ:
دَخَلْتُ مَعَ أَبِي ذَرٍّ فِي رَهْطٍ مِنْ غِفَارَ عَلَى عُثْمَانَ مِنْ بَابٍ لاَ يُدْخَلُ عَلَيْهِ مِنْهُ - قَالَ: وَتَخَوَّفَنَا عُثْمَانُ عَلَيْهِ - فَانْتَهَى إِلَيْهِ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ مَا بَدَأَهُ بِشَيْءٍ إِلاَّ أَنْ قَالَ:
أَحَسِبْتَنِي مِنْهُم يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ؟ وَاللهِ مَا أَنَا مِنْهُم، وَلاَ أُدْرِكُهُمْ.
ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُ إِلَى الرَّبَذَةِ.
يَحْيَى بنُ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ، عَنِ المُسَيَّبِ بنِ نَجَبَةَ، عَنْ عَلِيٍّ:
أَنَّهُ قِيْلَ لَهُ: حَدِّثْنَا عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِّثْنَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ.
قَالَ: عَلِمَ العِلْمَ، ثُمَّ أَوْكَى، فَرَبَطَ عَلَيْهِ رِبَاطاً شَدِيْداً !
أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ هَانِئ بنِ هَانِئ: سَمِعَ عَلِيّاً يَقُوْلُ:
أَبُو ذَرٍّ وِعَاءٌ مُلِئَ عِلْماً، أَوْكَى عَلَيْهِ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى قُبِضَ.
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، مُرْسَلاً:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِي ذَرٍّ، وَتُبْ عَلَيْهِ) .
وَيُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلاَّ وَقَدْ أُعْطِيَ سَبْعَةَ رُفَقَاءَ
وَوُزَرَاءَ، وَإِنِّي أُعْطِيْتُ أَربَعَةَ عَشَرَ) .فَسَمَّى فِيْهِم أَبَا ذَرٍّ.
شَرِيْكٌ: عَنْ أَبِي رَبِيْعَةَ الإِيَادِيِّ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أُمِرْتُ بِحُبِّ أَرْبَعَةٍ، وَأَخْبَرَنِي اللهُ -تَعَالَى- أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ) .
قُلْتُ: مَنْ هُمْ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: (عَلِيٌّ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَسَلْمَانُ، وَالمِقْدَادُ بنُ الأَسْوَدِ).
قَالَ شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ: حَدَّثَتْنِي أَسْمَاءُ:
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا فَرَغَ مِنْ خِدْمَتِهِ، أَوَى إِلَى المَسْجِدِ، وَكَانَ هُوَ بَيْتَهُ.
فَدَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدَهُ مُنْجَدِلاً فِي المَسْجِدِ، فَنَكَتَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرِجْلِهِ حَتَّى اسْتَوَى جَالِساً.
فَقَالَ: (أَلاَ أَرَاكَ نَائِماً؟) .
قَالَ: فَأَيْنَ أَنَامُ؟ هَلْ لِي مِنْ بَيْتٍ غَيْرِهِ؟
فَجَلَسَ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوْكَ مِنْهُ؟) .
قَالَ: أَلْحَقُ بِالشَّامِ، فَإِنَّ الشَّامَ أَرْضُ الهِجْرَةِ، وَأَرْضُ المَحْشَرِ، وَأَرْضُ الأَنْبِيَاءِ، فَأَكُوْنُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِهَا.
قَالَ لَهُ: (كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوْكَ مِنَ الشَّامِ؟) .
قَالَ: أَرْجِعُ إِلَيْهِ، فَيَكُوْنُ بَيْتِي وَمَنْزِلِي.
قَالَ: (فَكَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوْكَ مِنْهُ الثَّانِيَةَ؟) .
قَالَ: آخُذُ إِذاً سَيْفِي فَأُقَاتِلُ حَتَّى أَمُوْتَ.
قَالَ: فَكَشَّرَ إِلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: (أَدُلُّكَ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟) .
قَالَ: بَلَى، بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُوْلَ اللهِ.
قَالَ: (تَنْقَادُ لَهُمْ حَيْثُ قَادُوْكَ حَتَّى تَلْقَانِي وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ) .
أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ ) .وَفِي (المُسْنَدِ) : أَخْبَرَنَا أَبُو المُغِيْرَةِ، أَخْبَرَنَا صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي اليَمَانِ، وَأَبِي المُثَنَّى:
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ: بَايَعَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمْساً، وَوَاثَقَنِي سَبْعاً، وَأَشْهَدَ اللهَ عَلَيَّ سَبْعاً: أَلاَّ أَخَافَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ.
أَبُو اليَمَانِ: هُوَ الهَوْزَنِيُّ.
الدَّغُوْلِيُّ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الصَّائِغُ بِمَكَّةَ، أَخْبَرَنَا المُقْرِي، أَخْبَرَنَا المَسْعُوْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ الشَّامِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ الخَشْخَاشِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ:
أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَسْجِدِ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: (أَصَلَّيْتَ؟) .
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: (قُمْ، فَصَلِّ) .
فَقُمْتُ، فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ.
فَقَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ! اسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ شَيَاطِيْنِ الإِنْسِ وَالجِنِّ) .
قُلْتُ: وَهَلْ لِلإِنْسِ مِنْ شَيَاطِيْنَ؟
قَالَ: (نَعَمْ) .
ثُمَّ قَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ! أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوْزِ الجَنَّةِ؟ قُلْ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ) .
قُلْتُ: فَمَا الصَّلاَةُ؟
قَالَ: (خَيْرُ مَوْضُوْعٍ، فَمَنْ شَاءَ أَكْثَرَ، وَمَنْ شَاءَ أَقَلَّ) .
قُلْتُ: فَمَا الصِّيَامُ؟
قَالَ: (فَرْضٌ مُجْزِئٌ) .
قُلْتُ: فَمَا الصَّدَقَةُ؟
قَالَ: (أَضْعَافٌ مُضَاعَفَةٌ، وَعِنْدَ اللهِ مَزِيْدٌ) .
قُلْتُ: فَأَيُّهَا أَفْضَلُ؟
قَالَ: جُهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ، أَوْ سِرٌّ إِلَى فَقِيْرٍ) .
قُلْتُ: فَأَيُّ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ أَعْظَمُ؟
قَالَ: (اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّوْمُ) .
قُلْتُ: فَأَيُّ الأَنْبِيَاءِ كَانَ أَوَّلَ؟
قَالَ: (آدَمُ) .
قُلْتُ: نَبِيّاً كَانَ؟
قَالَ: (نَعَمْ، مُكَلَّمٌ) .قُلْتُ: فَكَمِ المُرْسَلُوْنَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: (ثَلاَثُ مائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ، جَمّاً غَفِيْراً ) .
هِشَامٌ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لأَبِي ذَرٍّ: (إِذَا بَلَغَ البِنَاءُ سَلْعاً، فَاخْرُجْ مِنْهَا - وَنَحَا بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ - وَلاَ أَرَى أُمَرَاءكَ يَدَعُوْنَكَ) .
قَالَ: أَوَلاَ أُقَاتِلُ مَنْ يَحُوْلُ بَيْنِي وَبَيْنَ أَمْرِكَ؟
قَالَ: (لاَ) .
قَالَ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟
قَالَ: (اسْمَعْ وَأَطِعْ، وَلَوْ لِعَبْدٍ حَبَشِيٍّ) .
فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ، خَرَجَ إِلَى الشَّامِ، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّهُ قَدْ أَفْسَدَ الشَّامَ.
فَطَلَبَهُ عُثْمَانُ، ثُمَّ بَعَثُوا أَهْلَهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَوَجَدُوا عِنْدَهُمْ كِيْساً، أَوْ شَيْئاً، فَظَنُّوْهُ دَرَاهِمَ، فَقَالُوا: مَا شَاءَ اللهُ.
فَإِذَا هِيَ فُلُوْسٌ.
فَقَالَ عُثْمَانُ: كُنْ عِنْدِي.
قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي دُنْيَاكُمْ، ائْذَنْ لِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى الرَّبَذَةِ.
فَأَذِنَ لَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهَا، وَعَلَيْهَا عَبْدٌ حَبَشِيٌّ لِعُثْمَانَ، فَتَأَخَّرَ وَقْتَ الصَّلاَةِ - لَمَّا رَأَى أَبَا ذَرٍّ -.
فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: تَقَدَّمْ، فَصَلِّ.
سُفْيَانُ بنُ حُسَيْنٍ: عَنِ الحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:
كُنْتُ رِدْفَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حِمَارٍ وَعَلَيْهِ بَرْذَعَةٌ، أَوْ قَطِيْفَةٌ.
عَفَّانُ: أَخْبَرَنَا سَلاَمٌ أَبُو المُنْذِرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ وَاسِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، عَنِ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:أَوْصَانِي خَلِيْلِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَبْعٍ:
أَمَرَنِي بِحُبِّ المَسَاكِيْنِ، وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُوْنِي، وَأَنْ لاَ أَسْأَلَ أَحَداً شَيْئاً، وَأَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَنْ أَقُوْلَ الحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرّاً، وَأَلاَّ أَخَافَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، وَأَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ العَرْشِ.
الأَوْزَاعِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
أَتَيْتُ أَبَا ذَرٍّ وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَ الجَمْرَةِ الوُسْطَى، وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ يَسْتَفْتُوْنَهُ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَلَمْ يَنْهَكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَنِ الفُتْيَا.
فَرَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَرَقِيْبٌ أَنْتَ عَلَيَّ! لَوْ وَضَعْتُمُ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى قَفَاهُ - ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ أَنْ تُجِيْزُوا عَلَيَّ، لأَنْفَذْتُهَا.
اسْمُ أَبِي كَثِيْرٍ: مَرْثَدٌ.
وَعَنْ ثَعْلَبَةَ بنِ الحَكَمِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ:
لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ لاَ يُبَالِي فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، غَيْرَ أَبِي ذَرٍّ، وَلاَ نَفْسِي.
ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِهِ.
الجُرَيْرِيُّ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ الشِّخِّيْرِ، عَنِ الأَحْنَفِ، قَالَ: قَدِمْتُ
المَدِيْنَةَ، فَبَيْنَا أَنَا فِي حَلْقَةٍ فِيْهَا مَلأٌ مِنْ قُرَيْشٍ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ أَخْشَنُ الثِّيَابِ، أَخْشَنُ الجَسَدِ، أَخْشَنُ الوَجْهِ.فَقَامَ عَلَيْهِم، فَقَالَ: بَشِّرِ الكَنَّازِيْنَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُوْضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفِهِ، وَيُوْضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ يَتَجَلْجَلُ.
قَالَ: فَوَضَعَ القَوْمُ رُؤُوْسَهُمْ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً مِنْهُم رَجَعَ إِلَيْهِ شَيْئاً.
فَأَدْبَرَ، فَتَبِعْتُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ، فَقُلْتُ:
مَا رَأَيْتُ هَؤُلاَءِ إِلاَّ كَرِهُوا مَا قُلْتَ لَهُمْ.
قَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ لاَ يَعْقِلُوْنَ شَيْئاً، إِنَّ خَلِيْلِي أَبَا القَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَانِي، فَقَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ) .
فَأَجَبْتُهُ، فَقَالَ: (تَرَى أُحُداً؟) .
فَنَظَرْتُ مَا عَلَيَّ مِنَ الشَّمْسِ - وَأَنَا أَظُنُّهُ يَبْعَثُنِي فِي حَاجَةٍ - فَقُلْتُ: أَرَاهُ.
فَقَالَ: (مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي مِثْلَهُ ذَهَباً أُنْفِقُهُ كُلُّهُ إِلاَّ ثَلاَثَةَ دَنَانِيْرَ) ثُمَّ هَؤُلاَءِ يَجْمَعُوْنَ الدُّنْيَا لاَ يَعْقِلُوْنَ شَيْئاً!
فَقُلْتُ: مَا لَكَ وَلإِخْوَانِكَ مِنْ قُرَيْشٍ، لاَ تَعْتَرِيْهِمْ، وَلاَ تُصِيْبُ مِنْهُمْ؟
قَالَ: لاَ وَرَبِّكَ، مَا أَسْأَلُهْمُ دُنْيَا، وَلاَ أَسْتَفْتِيْهِمْ عَنْ دِيْنٍ حَتَّى أَلْحَقَ بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ.
الأَسْوَدُ بنُ شَيْبَانَ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ الشِّخِّيْرِ، عَنْ أَخِيْهِ مُطَرِّفٍ، عَنِ أَبِي ذَرٍّ، ... فَذَكَرَ بَعْضَهُ.
مُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَوْسِ بنِ الحَدَثَانِ، قَالَ:قَدِمَ أَبُو ذَرٍّ مِنَ الشَّامِ، فَدَخَلَ المَسْجِدَ وَأَنَا جَالَسٌ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، وَأَتَى سَارِيَةً، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزَ فِيْهِمَا، ثُمَّ قَرَأَ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} .
وَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقَالَ: سَمِعْتُ حَبِيْبِي رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (فِي الإِبِلِ صَدَقَتُهَا، وَفِي البَقَرِ صَدَقَتُهَا، وَفِي البُرِّ صَدَقَتُهُ، مَنْ جَمَعَ دِيْنَاراً، أَوْ تِبْراً، أَوْ فِضَّةً لاَ يُعِدُّهُ لِغَرِيْمٍ، وَلاَ يُنْفِقُهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ كُوِيَ بِهِ) .
قُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ! انْظُرْ مَا تُخْبِرُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّ هَذِهِ الأَمْوَالَ قَدْ فَشَتْ.
قَالَ: مَنْ أَنْتَ، ابْنَ أَخِي؟
فَانْتَسَبْتُ لَهُ.
فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتُ نَسَبَكَ الأَكْبَرَ، مَا تَقْرَأُ: {وَالَّذِيْنَ يَكْنِزُوْنَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُوْنَهَا فِي سَبِيْلِ اللهِ} [التَّوْبَةُ : 35] .
مُوْسَى: ضُعِّفَ، رَوَاهُ عَنْهُ: الثِّقَاتُ.
ابْنُ لَهِيْعَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو قَبِيْلٍ، سَمِعْتُ مَالِكَ بنَ عَبْدِ اللهِ الزِّيَادِيَّ يُحَدَّثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ:
أَنَّهُ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَى عُثْمَانَ، فَأَذِنَ لَهُ وَبِيَدِهِ عَصَا.
فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا كَعْبُ! إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ تُوُفِّيَ، وَتَرَكَ مَالاً، فَمَا تَرَى؟
قَالَ: إِنْ
كَانَ فَضَلَ فِيْهِ حَقُّ اللهِ فَلاَ بَأْسَ عَلَيْهِ.فَرَفَعَ أَبُو ذَرٍّ عَصَاهُ، وَضَرَبَ كَعْباً، وَقَالَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي هَذَا الجَبَلَ ذَهَباً أُنْفِقُهُ، وَيُتَقَبَّلُ مِنِّي، أَذَرُ خَلْفِي مِنْهُ سِتَّةَ أَوَاقٍ) .
أَنْشُدُكَ اللهَ يَا عُثْمَانُ، أَسَمِعْتَهُ قَالَ مِرَاراً؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: هَذَا دَالٌّ عَلَى فَضْلِ إِنْفَاقِهِ، وَكَرَاهِيَةِ جَمْعِهِ؛ لاَ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيْمٍ.
حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، قَالَ:
دَخَلْتُ مَعَ أَبِي ذَرٍّ عَلَى عُثْمَانَ، فَلَمَّا دَخَلَ حَسَرَ عَنْ رَأْسِهِ، وَقَالَ:
وَاللهِ مَا أَنَا مِنْهُمْ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! - يُرِيْدُ الخَوَارِجَ، قَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: سِيْمَاهُمُ الحَلْقُ -.
قَالَ لَهُ عُثْمَانُ: صَدَقْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْكَ لِتُجَاوِرَنَا بِالمَدِيْنَةِ.
قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، ائْذَنْ لِي إِلَى الرَّبَذَةِ.
قَالَ: نَعَمْ، وَنَأْمُرُ لَكَ بِنَعَمٍ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ، تَغْدُو عَلَيْكَ وَتَرُوْحُ.
قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، يَكْفِي أَبَا ذَرٍّ صُرَيْمَتُهُ.
فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: دُوْنَكُمْ - مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ - دُنْيَاكُمْ، فَاعْذِمُوْهَا، وَدَعُوْنَا وَرَبَّنَا.
قَالَ: وَدَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقْسِمُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعِنْدَهُ كَعْبٌ.
فَأَقْبَلَ عُثْمَانُ عَلَى كَعْبٍ، فَقَالَ:
يَا أَبَا إِسْحَاقَ! مَا تَقُوْلُ فِيْمَنْ جَمَعَ
هَذَا المَالَ، فَكَانَ يَتَصَدَّقُ مِنْهُ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ؟قَالَ كَعْبٌ: إِنِّي لأَرْجُو لَهُ.
فَغَضِبَ، وَرَفَعَ عَلَيْهِ العَصَا، وَقَالَ:
وَمَا تَدْرِيْ يَا ابْنَ اليَهُوْدِيَّةِ، لَيَوَدَّنَّ صَاحِبُ هَذَا المَالِ لَوْ كَانَ عَقَارِبَ فِي الدُّنْيَا تَلْسَعُ السُّوَيْدَاءَ مِنْ قَلْبَهِ.
السَّرِيُّ بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا غَزْوَانُ أَبُو حَاتِمٍ، قَالَ:
بَيْنَا أَبُو ذَرٍّ عِنْدَ بَابِ عُثْمَانَ لِيُؤْذَنَ لَهُ، إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ:
يَا أَبَا ذَرٍّ! مَا يُجْلِسُكَ هَا هُنَا؟
قَالَ: يَأْبَى هَؤُلاَءِ أَنْ يَأْذَنُوا لَنَا.
فَدَخَلَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! مَا بَالُ أَبِي ذَرٍّ عَلَى البَابِ؟
فَأَذِنَ لَهُ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ نَاحِيَةً، وَمِيْرَاثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُقْسَمُ.
فَقَالَ عُثْمَانُ لِكَعْبٍ: أَرَأَيْتَ المَالَ إِذَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ هَلْ يُخْشَى عَلَى صَاحِبِهِ فِيْهِ تَبِعَةً؟
قَالَ: لاَ.
فَقَامَ أَبُو ذَرٍّ، فَضَرَبَهُ بِعَصَا بَيْنَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:
يَا ابْنَ اليَهُوْدِيّةِ! تَزْعُمُ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ حَقٌّ فِي مَالِهِ إِذَا آتَى زَكَاتَهُ، وَاللهُ يَقُوْلُ: {وَيُؤْثِرُوْنَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الْحَشْر: 9] .. الآيَةَ، وَيَقُوْلُ: {وَيُطْعِمُوْنَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} [الدَّهْر: 8] ، فَجَعَلَ يَذْكُرُ نَحْوَ هَذَا مِنَ القُرْآنِ.
فَقَالَ عُثْمَانُ لِلقُرَشِيِّ: إِنَّمَا نَكْرَهُ أَنْ نَأْذَنَ لأَبِي ذَرٍّ مِنْ أَجْلِ مَا تَرَى.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَخْتَلِفُ مِنَ الرَّبَذَةِ إِلَى المَدِيْنَةِ مَخَافَةَ الأَعْرَابِيَّةِ ؛ فَكَانَ يُحِبُّ الوَحْدَةَ، فَدَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ وَعِنْدَهُ كَعْبٌ ... ، الحَدِيْثَ.
وَفِيْهِ: فَشَجَّ كَعْباً، فَاسْتَوْهَبَهُ عُثْمَانُ، فَوَهَبَهُ لَهُ، وَقَالَ:يَا أَبَا ذَرٍّ! اتَّقِ اللهَ، وَاكْفُفْ يَدَكَ وَلِسَانَكَ.
مُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ نُفَيْعٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
اسْتَأْذَنَ أَبُو ذَرٍّ عَلَى عُثْمَانَ، فَتَغَافَلُوا عَنْهُ سَاعَةً، فَقُلْتُ:
يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! هَذَا أَبُو ذَرٍّ بِالبَابِ.
قَالَ: ائْذَنْ لَهُ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤْذِيَنَا وَتُبَرِّحَ بِنَا.
فَأَذِنْتُ لَهُ، فَجَلَسَ عَلَى سَرِيْرٍ مَرْمُوْلٍ، فَرَجَفَ بِهِ السَّرِيْرُ - وَكَانَ عَظِيْماً طَوِيْلاً -.
فَقَالَ عُثْمَانُ: أَمَا إِنَّكَ الزَّاعِمُ أَنَّكَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ!
قَالَ: مَا قُلْتُ.
قَالَ: إِنِّي أَنْزِعُ عَلَيْكَ بِالبَيِّنَةِ.
قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِيْ مَا بَيِّنَتُكَ، وَمَا تَأْتِي بِهِ؟! وَقَدْ عَلِمْتُ مَا قُلْتُ.
قَالَ: فَكَيْفَ إِذاً قُلْتَ؟
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ، وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي الَّذِيْ يَلْحَقُ بِي عَلَى العَهْدِ الَّذِي عَاهَدْتُهُ عَلَيْهِ) وَكُلُّكُمْ قَدْ أَصَابَ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَنَا عَلَى مَا عَاهَدْتُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى اللهِ تَمَامُ النِّعْمَةِ.
وَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ، فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي يَعْلَمُهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْتَحِلَ إِلَى الشَّامِ، فَيَلْحَقَ بِمُعَاوِيَةَ، فَكَانَ يُحَدِّثُ بِالشَّامِ، فَاسْتَهْوَى قُلُوْبَ الرِّجَالِ، فَكَانَ مُعَاوِيَةُ يُنْكِرُ بَعْضَ شَأْنِ رَعِيَّتِهِ، وَكَانَ يَقُوْلُ:
لاَ يَبِيْتَنَّ عِنْدَ أَحَدِكُمْ دِيْنَارٌ، وَلاَ دِرْهَمٌ، وَلاَ تِبْرٌ، وَلاَ فِضَّةٌ، إِلاَّ شَيْءٌ يُنْفِقُهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ، أَوْ يُعِدُّهُ لِغَرِيْمٍ.
وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بَعَثَ إِلَيْهِ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ فِي جُنْحِ اللِّيْلِ، فَأَنْفَقَهَا.
فَلَمَّا صَلَّى مُعَاوِيَةُ الصُّبْحَ، دَعَا رَسُوْلَهُ، فَقَالَ:اذْهَبْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ، فَقُلْ: أَنْقِذْ جَسَدِي مِنْ عَذَابِ مُعَاوِيَةَ، فَإِنِّي أَخْطَأْتُ.
قَالَ: يَا بُنَيَّ! قُلْ لَهُ:
يَقُوْلُ لَكَ أَبُو ذَرٍّ: وَاللهِ مَا أَصْبَحَ عِنْدَنَا مِنْهُ دِيْنَارٌ، وَلَكِنْ أَنْظِرْنَا ثَلاَثاً حَتَّى نَجْمَعَ لَكَ دَنَاِنْيَرَكَ.
فَلَمَّا رَأَى مُعَاوِيَةُ أَنَّ قَوْلَهُ صَدَّقَ فِعْلَهُ، كَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ:
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنْ كَانَ لَكَ بِالشَّامِ حَاجَةٌ أَوْ بِأَهْلِهِ، فَابْعَثْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ، فَإِنَّهُ قَدْ وَغَّلَ صُدُوْرَ النَّاسِ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ: اقْدَمْ عَلَيَّ، فَقَدِمَ.
ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ المُغِيْرَةِ، عَنْ يَعْلَى بنِ شَدَّادٍ، قَالَ:
قَالَ شَدَّادُ بنُ أَوْسٍ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَسْمَعُ الحَدِيْثَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ فِيْهِ الشِّدَّةُ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى قَوْمِهِ، فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِم، ثُمَّ إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ يُرَخِّصُ فِيْهِ بَعْدُ، فَلَمْ يَسْمَعْهُ أَبُو ذَرٍّ، فَتَعَلَّقَ أَبُو ذَرٍّ بِالأَمْرِ الشَّدِيْدِ.
عَاصِمُ بنُ كُلَيْبٍ: عَنْ أَبِي الجُوَيْرِيَةِ، عَنْ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ، إِذْ جَاءَ أَبُو ذَرٍّ، فَلَمَّا رَآهُ عُثْمَانُ، قَالَ:
مَرْحَباً وَأَهْلاً بِأَخِي.
فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: مَرْحَباً وَأَهْلاً بِأَخِي، لَقَدْ أَغْلَظْتَ عَلَيْنَا فِي العَزِيْمَةِ، وَاللهِ لَوْ عَزَمْتَ عَلَيَّ أَنْ أَحْبُوَ لَحَبَوْتُ مَا اسْتَطَعْتُ، إِنِّي خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَ حَائِطِ بَنِي فُلاَنٍ، فَقَالَ لِي: (وَيْحَكَ بَعْدِي) .
فَبَكَيْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَإِنِّي لَبَاقٍ بَعْدَكَ؟
قَالَ: (نَعَمْ، فَإِذَا رَأَيْتَ البِنَاءَ عَلَى سَلْعٍ، فَالْحَقْ بِالمَغْرِبِ، أَرْضِ قُضَاعَةَ) .
قَالَ عُثْمَانُ: أَحْبَبْتُ أَنْ أَجْعَلَكَ مَع أَصْحَابِكَ، وَخِفْتُ عَلَيْكَ جُهَّالَ النَّاسِ.وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ:
قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اسْمَعْ وَأَطِعْ لِمَنْ كَانَ عَلَيْكَ) .
جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ: عَنْ ثَابِتِ بنِ الحَجَّاجِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سِيْدَانَ السُّلَمَيِّ، قَالَ:
تَنَاجَى أَبُو ذَرٍّ وَعُثْمَانُ حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، ثُمَّ انْصَرَفَ أَبُو ذَرٍّ مُتَبَسِّماً.
فَقَالُوا: مَا لَكَ وَلأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ؟
قَالَ: سَامِعٌ مُطِيْعٌ، وَلَو أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ صَنْعَاءَ أَوْ عَدَنٍ، ثُمَّ اسْتَطَعْتُ أَنْ أَفْعَلَ، لَفَعَلْتُ.
وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الرَّبَذَةِ.
مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سِيدَانَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:
لَوْ أَمَرَنِي عُثْمَانُ أَنْ أَمْشِيَ عَلَى رَأْسِي لَمَشَيْتُ.
وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، قَالَ:
قَالَ أَبُو ذَرٍّ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! افْتَحِ البَابَ، لاَ تَحْسَبُنِي مِنْ قَوْمٍ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّيْنِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ.
يَزِيْدُ: أَخْبَرَنَا العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، عَنْ شَيْخَيْنِ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ، قَالاَ:
نَزَلْنَا الرَّبَذَةَ، فَمَرَّ بِنَا شَيْخٌ أَشْعَثُ، أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، فَقَالُوا: هَذَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَاسْتَأْذَنَّاهُ بِأَنْ نَغْسِلَ رَأْسَهُ، فَأَذِنَ لَنَا، وَاسْتَأْنَسَ بِنَا، فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ، إِذْ أَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ - حَسِبْتُهُ
قَالَ: مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ - فَقَالُوا:يَا أَبَا ذَرٍّ، فَعَلَ بِكَ هَذَا الرَّجُلُ وَفَعَلَ! فَهَلْ أَنْتَ نَاصِبٌ لَكَ رَايَةً فَنُكَمِّلَكَ بِرِجَاَلٍ مَا شِئْتَ؟
فَقَالَ: يَا أَهْلَ الإِسْلاَمِ، لاَ تَعْرِضُوا عَلَيَّ ذَاكُم، وَلاَ تُذِلُّوا السُّلْطَانَ؛ فَإِنَّهُ مَنْ أَذَلَّ السُّلْطَانَ فَلاَ تَوْبَةَ لَهُ، وَاللهِ لَو صَلَبَنِي عَلَى أَطْوَلِ خَشَبَةٍ أَوْ حَبْلٍ لَسَمِعْتُ وَصَبَرْتُ، وَرَأَيْتُ أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لِي.
حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ:
قَالَتْ أُمُّ ذَرٍّ: وَاللهِ مَا سَيَّرَ عُثْمَانُ أَبَا ذَرٍّ - تَعْنِي إِلَى الرَّبَذَةِ - وَلَكِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا بَلَغَ البِنَاءُ سَلْعاً، فَاخْرُجْ مِنْهَا) .
قَالَ غَالِبٌ القَطَّانُ لِلحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ، أَكَانَ عُثْمَانُ أَخْرَجَ أَبَا ذَرٍّ؟
قَالَ: مَعَاذَ اللهِ.
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: عَنْ عِرَاكِ بنِ مَالِكٍ:
قَالَ أَبُو ذَرٍّ: إِنِّي لأَقْرَبُكُم مَجْلِساً مِنْ رَسُوْلِ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (إِنَّ أَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِساً: مَنْ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا كَهَيئَتِهِ بِمَا تَرَكْتُهُ عَلَيْهِ) ، وَإِنَّهُ -وَاللهِ- مَا مِنْكُم إِلاَّ مَنْ تَشَبَّثَ مِنْهَا بِشَيْءٍ.
قَالَ المَعْرُوْرُ بنُ سُوَيْدٍ: نَزَلْنَا الرَّبَذَةَ، فَإِذَا بِرَجُلٍ عَلَيْهِ بُرْدٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ مِثْلُهُ، فَقُلْنَا:
لَو عَمِلْتَهُمَا حُلَّةً لَكَ، وَاشْتَرَيْتَ لِغُلاَمِكَ غَيْرَهُ!
فَقَالَ: سَأُحَدِّثُكُم: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَاحِبٍ لِي كَلاَمٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً، فَنِلْتُ
مِنْهَا، فَقَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سَابَبْتَ فُلاَناً؟) .قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: (ذَكَرْتَ أُمَّهُ؟) .
قُلْتُ: مَنْ سَابَّ الرِّجَالَ ذُكِرَ أَبُوْهُ وَأُمُّهُ.
فَقَالَ: (إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيْهِ جَاهِلِيَّةٌ) ... ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ.
إِلَى أَنْ قَالَ: (إِخْوَانُكُم، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيْكُم، فَمَنْ كَانَ أَخُوْهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِنْ طِعَامِهِ، وَلْيُلْبِسْهُ مِنْ لِبَاسِهِ، وَلاَ يُكَلِّفْهُ مَا يَغْلِبُهُ ) .
قَتَادَةُ: عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ:
أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعِنْدَهُ امْرَأَةٌ لَهُ سُوَدَاءُ مُشَعَّثَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهَا أَثَرُ المَجَاسِدِ وَالخَلُوْقِ.
فَقَالَ: أَلاَ تَنْظُرُوْنَ مَا تَأْمُرُنِي بِهِ؟ تَأْمُرُنِي أَنْ آتِيَ العِرَاقَ، فَإِذَا أَتَيْتُهَا مَالُوا عَلَيَّ بِدُنْيَاهُمْ، وَإِنَّ خَلِيْلِي عَهِدَ إِلَيَّ: (إِنَّ دُوْنَ جِسْرِ جَهَنَّمَ طَرِيْقاً ذَا دَحْضٍ وَمَزَلَّةٍ) ، وَإِنَّا أَنْ نَأْتِيَ عَلَيْهِ وَفِي أَحْمَالِنَا اقْتِدَارٌ أَحْرَى أَنْ نَنْجُوَ، [مِنْ أَنْ نَأْتِيَ عَلَيْهِ وَنَحْنُ مَوَاقِيْرُ].
أَبُو هِلاَلٍ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي الحَسَنِ:
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ عَطَاؤُهُ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، فَكَانَ إِذَا أَخَذَ عَطَاءهُ، دَعَا خَادِمَهُ، فَسَأَلَهُ عَمَّا يَكْفِيْهِ لِلسَّنَةِ، فَاشْتَرَاهُ، ثُمَّ اشْتَرَى فُلُوْساً بِمَا بَقِيَ.
وَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ وِعَاءٍ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ يُوْكَى عَلَيْهِ، إِلاَّ وَهُوَ يَتَلَظَّى عَلَى صَاحِبِهِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ: كَانَ لأَبِي ذَرٍّ ثَلاَثُوْنَ فَرَساً يَحْمِلُ عَلَيْهَا، فَكَانَ يَحْمِلُ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْهَا يَغْزُو عَلَيْهَا، وَيُصْلِحُ آلَةَ بَقِيَّتِهَا، فَإِذَا رَجَعَتْ أَخَذَهَا، فَأَصْلَحَ آلَتَهَا، وَحَمَلَ عَلَى الأُخْرَى.قَالَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: بَنَى أَبُو الدَّرْدَاءِ مَسْكَناً، فَمَرَّ عَلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ، فَقَالَ:
مَا هَذَا! تُعَمِّرُ دَاراً أَذِنَ اللهُ بِخَرَابِهَا، لأَنْ تَكُوْنَ رَأَيْتُكَ تَتَمَرَّغُ فِي عَذِرَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُوْنَ رَأَيْتُكَ فِيْمَا رَأَيْتُكَ فِيْهِ.
حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ: عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ أَبُو مُوْسَى، لَقِيَ أَبَا ذَرٍّ، فَجَعَلَ أَبُو مُوْسَى يُكْرِمُهُ - وَكَانَ أَبُو مُوْسَى قَصِيْراً، خَفِيْفَ اللَّحْمِ، وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ رَجُلاً أَسْوَدَ كَثَّ الشَّعْرِ - فَيَقُوْلُ أَبُو ذَرٍّ: إِلَيْكَ عَنِّي!
وَيَقُوْلُ أَبُو مُوْسَى: مَرْحَباً بِأَخِي!
فَيَقُوْلُ: لَسْتُ بِأَخِيْكَ! إِنَّمَا كُنْتُ أَخَاكَ قَبْلَ أَنْ تَلِيَ.
وَعَنْ أُمِّ طَلْقٍ، قَالَتْ:
دَخَلْتُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ، فَرَأَيْتُهُ شَعِثاً شَاحِباً، بِيَدِهِ صُوْفٌ، قَدْ جَعَلَ عُوْدَيْنِ، وَهُوَ يَغْزِلُ بِهِمَا، فَلَمْ أَرَ فِي بَيْتِهِ شَيْئاً، فَنَاوَلْتُهُ شَيْئاً مِنْ دَقِيْقٍ وَسَوِيْقٍ، فَقَالَ لِي: أَمَّا ثَوَابُكَ، فَعَلَى اللهِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا ذَرٍّ خَلَّفَ بِنْتاً لَهُ، فَضَمَّهَا عُثْمَانُ إِلَى عِيَالِهِ.
قَالَ الفَلاَّسُ، وَالهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَغَيْرُهُمَا: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ.
وَيُقَالُ: مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ.
وَيُقَالُ: إِنَّ ابْنَ مَسْعُوْدٍ الَّذِي دَفَنَهُ عَاشَ بَعْدَهُ نَحْواً مِنْ عَشْرَةِ أَيَّامٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي ذَرٍّ، مَعَ قُوَّةِ أَبِي ذَرٍّ فِي بَدَنِهِ وَشَجَاعَتِهِ: (يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيْفاً، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لاَ تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلاَ تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيْمٍ ) .فَهَذَا مَحْمُوْلٌ عَلَى ضَعْفِ الرَّأْيِ؛ فَإِنَّهُ لَو وَلِيَ مَالَ يَتِيْمٍ لأَنْفَقَهُ كُلَّهُ فِي سَبِيْلِ الخَيْرِ، وَلَتَرَكَ اليَتِيْمَ فَقِيْراً.
فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَانَ لاَ يَسْتَجِيْزُ ادِّخَارَ النَّقْدَيْنِ.
وَالَّذِي يَتَأَمَّرُ عَلَى النَّاسِ، يُرِيْدُ أَنْ يَكُوْنَ فِيْهِ حِلْمٌ وَمُدَارَاةٌ، وَأَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَانَتْ فِيْهِ حِدَّةٌ - كَمَا ذَكَرْنَاهُ - فَنَصَحَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَلَهُ مائَتَا حَدِيْثٍ وَأَحَدٌ وَثَمَانُوْنَ حَدِيْثاً، اتَّفَقَا مِنْهَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ حَدِيْثاً، وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِحَدِيْثَيْنِ، وَمُسْلِمٌ بِتِسْعَةَ عَشَرَ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، أَخْبَرَنَا وُهَيْبٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ
خُثَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الأَشْتَرِ:أَنَّ أَبَا ذَرٍّ حَضَرَهُ المَوْتُ بِالرَّبَذَةِ، فَبَكَتِ امْرَأَتُهُ، فَقَالَ: وَمَا يُبْكِيْكِ؟
قَالَتْ: أَبْكِي أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ تَغْيِيْبِكَ، وَلَيْسَ عِنْدِي ثَوْبٌ يَسَعُكَ كَفَناً.
قَالَ: لاَ تَبْكِي، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ وَأَنَا عِنْدَهُ فِي نَفَرٍ يَقُوْلُ: (لَيَمُوْتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلاَةٍ تَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ) .
فَكُلُّهُمْ مَاتَ فِي جَمَاعِةٍ وَقَرْيَةٍ، فَلَمْ يَبْقَ غَيْرِي، وَقَدْ أَصْبَحْتُ بِالفَلاَةِ أَمُوْتُ، فَرَاقِبِي الطَّرِيْقَ، فَإِنَّكِ سَوْفَ تَرَيْنَ مَا أَقُوْلُ، مَا كَذَبْتُ، وَلاَ كُذِبْتُ.
قَالَتْ: وَأَنَّى ذَلِكَ، وَقَدِ انْقَطَعَ الحَاجُّ؟!
قَالَ: رَاقِبِي الطَّرِيْقَ.
فَبَيْنَا هِيَ كَذَلِكَ، إِذْ هِيَ بِالقَوْمِ تَخُبُّ بِهِمْ رَوَاحِلُهُمْ كَأَنَّهُمُ الرَّخَمُ، فَأَقْبَلُوا حَتَّى وَقَفُوا عَلَيْهَا.
قَالُوا: مَا لَكِ؟
قَالَتْ: رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ تُكَفِّنُوْنَهُ، وَتُؤْجَرُوْنَ فِيْهِ.
قَالُوا: وَمَنْ هُوَ؟
قَالَتْ: أَبُو ذَرٍّ.
فَفَدَوْهُ بِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، وَوَضَعُوا سِيَاطَهُمْ فِي نُحُوْرِهَا يَبْتَدِرُوْنَهُ.
فَقَالَ: أَبْشِرُوا، أَنْتُمُ النَّفَرُ الَّذِيْنَ قَالَ فِيْكُمْ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا قَالَ.
سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (مَا مِنِ امْرَأَيْنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ هَلَكَ بَيْنَهُمَا وَلَدَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ، فَاحْتَسَبَا وَصَبَرَا، فَيَرَيَانِ النَّارَ أَبَداً) .
ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ أَصْبَحْتُ اليَوْمَ حَيْثُ تَرَوْنَ، وَلَو أَنَّ ثَوْباً مِنْ ثِيَابِي يَسَعُنِي لَمْ أُكَفَّنْ إِلاَّ فِيْهِ، أَنْشُدُكُمُ اللهَ أَنْ لاَ يُكَفِّنَنِي رَجُلٌ مِنْكُم كَانَ أَمِيْراً أَوْ عَرِيْفاً أَوْ بَرِيْداً،
فَكُلُّ القَوْمِ كَانَ نَالَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً، إِلاَّ فَتَىً مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ:أَنَا صَاحِبُكَ، ثَوْبَانِ فِي عَيْبَتِي مِنْ غَزْلِ أُمِّي، وَأَحَدُ ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَيَّ.
قَالَ: أَنْتَ صَاحِبِي، فَكَفِّنِّي.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الأَشْتَرِ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَ أَبَا ذَرٍّ المَوْتُ، بَكَتِ امْرَأَتُهُ ... ، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ:
فَكَفَّنَهُ الأَنْصَارِيُّ فِي النَّفَرِ الَّذِيْنَ شَهِدُوْهُ، مِنْهُم: حُجْرُ بنُ الأَدْبَرِ، وَمَالِكُ بنُ الأَشْتَرِ.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا بُرَيْدَةُ بنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ:
لَمَّا نَفَى عُثْمَانُ أَبَا ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ، وَأَصَابَهُ بِهَا قَدَرُهُ، لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلاَّ امْرَأَتُهُ وَغُلاَمُهُ، فَأَوْصَاهُمَا أَنِ اغْسِلاَنِي، وَكَفِّنَانِي، وَضَعَانِي عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيْقِ، فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّ بِكُمْ قُوْلُوا: هَذَا أَبُو ذَرٍّ، فَأَعِيْنُوْنَا عَلَيْهِ.
فَوَضَعَاهُ، وَأَقْبَلَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ فِي رَهْطٍ مِنَ العِرَاقِ عُمَّاراً، فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلاَّ بِهِ، قَدْ كَادَتِ الإِبِلُ أَنْ تَطَأَهُ.
فَقَامَ الغُلاَمُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَاسْتَهَلَّ عَبْدُ اللهِ يَبْكِي، وَيَقُوْلُ:
صَدَقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تَمْشِي
وَحْدَكَ، وَتَمُوْتُ وَحْدَكَ، وَتُبْعَثُ وَحْدَكَ) .ثُمَّ نَزَلُوا، فَوَارَوْهُ، ثُمَّ حَدَّثَهُمْ عَبْدُ اللهِ حَدِيْثَهُ، وَمَا قَالَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَسِيْرِهِ وَحْدَهُ إِلَى تَبُوْكٍ.
وَعَنْ عِيْسَى بنِ عُمَيْلَةَ : أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى أَبَا ذَرٍّ يَحْلُبُ غُنَيْمَةً لَهُ، فَيَبْدَأُ بِجِيْرَانِهِ وَأَضْيَافِهِ قَبْلَ نَفْسِهِ.
عَاصِمٌ الأَحْوَلُ: عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ:
رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ يَمِيْدُ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ مَطْلِعَ الشَّمْسِ، فَظَنَنْتُهُ نَائِماً، فَدَنَوْتُ، وَقُلْتُ: أَنَائِمٌ أَنْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ؟
قَالَ: لاَ، بَلْ كُنْتُ أُصَلِّي.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=155332&book=5550#fb1150
أَبُو هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ صَخْرٍ
الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، المُجْتَهِدُ، الحَافِظُ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبُو هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيُّ، اليَمَانِيُّ، سَيِّدُ الحُفَّاظِ الأَثْبَاتِ.
اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ عَلَى أَقْوَالٍ جَمَّةٍ، أَرْجَحُهَا: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ صَخْرٍ.
وَقِيْلَ: ابْنُ غَنْمٍ.
وَقِيْلَ: كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ شَمْسٍ، وَعَبْدَ اللهِ.
وَقِيْلَ: سَكِيْنٌ.
وَقِيْلَ: عَامِرٌ.
وَقِيْلَ: بَرِيْرٌ.
وَقِيْلَ: عَبْدُ بنُ غَنْمٍ.
وَقِيْلَ: عَمْرٌو.
وَقِيْلَ: سَعِيْدٌ.
وَكَذَا فِي اسْمِ أَبِيْهِ أَقْوَالٌ.
قَالَ هِشَامُ بنُ الكَلْبِيِّ: هُوَ عُمَيْرُ بنُ عَامِرِ بنِ ذِي الشَّرَى بنِ طَرِيْفِ بنِ عَيَّانَ بنِ أَبِي صَعْبٍ بنِ هُنَيَّةَ بنِ سَعْدِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ سُلَيْمِ بنِ فَهْمِ بنِ غَنْمِ بنِ دَوْسِ بنِ عُدْثَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ زَهْرَانَ بنِ كَعْبِ بنِ الحَارِثِ بنِ كَعْبِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَالِكِ بنِ نَصْرِ بنِ الأَزْدِ.
وَهَذَا بِعَيْنِهِ قَالَهُ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ فِي نَسَبِهِ، لَكِنَّهُ قَالَ: عَتَّابٌ فِي عَيَّانَ، وَقَالَ: مُنَبِّهٌ فِي هُنَيَّةَ.
وَيُقَالُ: كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ اسْمُهُ عَبْدُ شَمْسٍ، أَبُو الأَسْوَدِ، فَسَمَّاهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَبْدَ اللهِ، وَكَنَّاهُ أَبَا هُرَيْرَةَ.وَالمَشْهُوْرُ عَنْهُ: أَنَّهُ كُنِيَ بِأَوْلاَدِ هِرَّةٍ بَرِّيَّةٍ.
قَالَ: وَجَدْتُهَا، فَأَخَذْتُهَا فِي كُمِّي، فَكُنِيْتُ بَذَلِكَ.
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: وَأُمُّهُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - هِيَ: مَيْمُوْنَةُ بِنْتُ صَبِيْحٍ.
حَمَلَ عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِلْماً كَثِيْراً، طَيِّباً، مُبَارَكاً فِيْهِ، لَمْ يُلْحَقْ فِي كَثْرَتِهِ، وَعَنْ: أُبَيٍّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأُسَامَةَ، وَعَائِشَةَ، وَالفَضْلِ، وَبَصْرَةَ بنِ أَبِي بَصْرَةَ، وَكَعْبٍ الحَبْرِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: خَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ.
فَقِيْلَ: بَلَغَ عَدَدُ أَصْحَابِهِ ثَمَانِ مائَةٍ، فَاقْتَصَرَ صَاحِبُ (التَّهْذِيْبِ) ، فَذَكَرَ مَنْ لَهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ فِي كُتُبِ الأَئِمَّةِ السِّتَّةِ، وَهُمْ:
إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حُنَيْنٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قَارِظٍ الزُّهْرِيُّ - وَيُقَالُ: عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ - وَإِسْحَاقُ مَوْلَى زَائِدَةَ، وَأَسْوَدُ بنُ هِلاَلٍ، وَأَغَرُّ بنُ سُلَيْكٍ، وَالأَغَرُّ أَبُو مُسْلِمٍ، وَأَنَسُ بنُ حَكِيْمٍ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَأَوْسُ بنُ خَالِدٍ.
وَبُسْرُ بنُ سَعِيْدٍ، وَبَشِيْرُ بنُ نَهِيْكٍ، وَبَشِيْرُ بنُ كَعْبٍ، وَبَعْجَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ الجُهَنِيُّ، وَبُكَيْرُ بنُ فَيْرُوْزٍ.
وَثَابِتُ بنُ عِيَاضٍ، وَثَابِتُ بنُ قَيْسٍ الزُّرَقِيُّ، وَثَوْرُ بنُ عُفَيْرٍ.
وَجَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَجَبْرُ بنُ عُبَيْدَةَ، وَجَعْفَرُ بنُ عِيَاضٍ، وَجُمْهَانُ
الأَسْلَمِيُّ، وَالجُلاَسُ.وَالحَارِثُ بنُ مُخَلَّدٍ، وَحُرَيْثُ بنُ قَبِيْصَةَ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَحُصَيْنُ بنُ اللَّجْلاَجِ - وَيُقَالُ: خَالِدٌ، وَيُقَالُ: قَعْقَاعٌ - وَحُصَيْنُ بنُ مُصْعَبٍ، وَحَفْصُ بنُ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ، وَحَفْصُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَنَسٍ، وَالحَكَمُ بنُ مِيْنَاءَ، وَحُكَيْمُ بنُ سَعْدٍ، وَحُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، وَحُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَحُمَيْدُ بنُ مَالِكٍ، وَحَنْظَلَةُ بنُ عَلِيٍّ، وَحَيَّانُ بنُ بِسْطَامَ وَالِدُ سُلَيْمٍ.
وَخَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَخَالِدُ بنُ غِلاَقٍ، وَخَبَّابٌ صَاحِبُ (المَقْصُوْرَةِ) ، وَخِلاَسٌ، وَخَيْثَمَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَذُهَيْلُ بنُ عَوْفٍ.
وَرَبِيْعَةُ الجُرَشِيُّ، وَرُمَيْحٌ الجُذَامِيُّ.
وَزُرَارَةُ بنُ أَوْفَى، وَزُفَرُ بنُ صَعْصَعَةَ - بِخُلْفٍ - وَزِيَادُ بنُ ثُوَيْبٍ، وَزِيَادُ بنُ رِيَاحٍ، وَزِيَادُ بنُ قَيْسٍ، وَزِيَادٌ الطَّائِيُّ، وَزَيْدُ بنُ أَسْلَمَ مُرْسَلٌ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي عَتَّابٍ.
وَسَالِمٌ العُمَرِيُّ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ، وَسَالِمٌ أَبُو الغَيْثِ، وَسَالِمٌ مَوْلَى النَّصْرِيِّيْنَ، وَسُحَيْمٌ الزُّهْرِيُّ، وَسَعْدُ بنُ هِشَامٍ، وَسَعِيْدُ بنُ الحَارِثِ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي الحَسَنِ، وَسَعِيْدُ بنُ حَيَّانَ، وَسَعِيْدٌ المَقْبُرِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ سَمْعَانَ، وَسَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو الأَشْدَقُ، وَسَعِيْدُ بنُ مَرْجَانَةَ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، وَسَعِيْدُ بنُ يَسَارٍ، وَسَلْمَانُ
الأَغَرُّ، وَسَلَمَةُ بنُ الأَزْرَقِ، وَسَلَمَةُ اللَّيْثِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ حَبِيْبٍ المُحَارِبِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ سِنَانٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، وَسِنَانُ بنُ أَبِي سِنَانٍ.وَشُتَيْرٌ - وَقِيْلَ: سُمَيْرُ - بنُ نَهَارٍ، وَشَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ، وَشُرَيْحُ بنُ هَانِئ، وَشُفَيُّ بنُ مَاتِعٍ، وَشَقِيْقُ بنُ سَلَمَةَ، وَشَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ.
وَصَالِحُ بنُ دِرْهَمٍ، وَصَالِحُ بنُ أَبِي صَالِحٍ، وَصَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، وَصَعْصَعَةُ بنُ مَالِكٍ، وَصُهَيْبٌ العُتْوَارِيُّ.
وَالضَّحَّاكُ بنُ شُرَحْبِيْلَ، وَالضَّحَّاكُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَرْزَمٍ، وَضَمْضَمُ بنُ جَوْسٍ.
وَطَارِقُ بنُ مَحَاسِنَ، وَطَاوُوْسٌ اليَمَانِيُّ.
وَعَامِرُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَامِرُ بنُ سَعْدٍ البَجَلِيُّ، وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ.
وَعَبَّادٌ أَخُوْ سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَعَبَّاسٌ الجُشَمِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ ثَعْلَبَةَ بنِ صُعَيْرٍ، وَأَبُو الوَلِيْدِ عَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، وَأَبُو سَلَمَةَ عَبْدُ اللهِ بنُ رَافِعٍ الحَضْرَمِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَبَاحٍ الأَنْصَارِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعْدٍ مَوْلَى عَائِشَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَقِيْقٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ ضَمْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ ابْنِ عُمَرَ عُبَيْدُ اللهِ - وَقِيْلَ: عَبْدُ اللهِ - وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّوْسِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُتْبَةَ
الهُذَلِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ عَبْدٍ القَارِّيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ فَرُّوْخٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يَامِيْنَ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ سَالِمٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ آدَمَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أُذَيْنَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حُجَيْرَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَدْرَدَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خَالِدِ بنِ مَيْسَرَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَعْدٍ مَوْلَى الأَسْوَدِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَعْدٍ المُقْعَدُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الصَّامِتِ، وَابْنُ الهَضْهَاضِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ كَعْبٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي عَمْرَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَنْمٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي كَرِيْمَةَ وَالِدُ السُّدِّيِّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مِهْرَانَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي نُعْمٍ البَجَلِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ هُرْمُزَ الأَعْرَجُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَعْقُوْبَ الحُرَقِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مَرْوَانَ،وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - بِخُلْفٍ - وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ يَسَارٍ.
وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي رَافِعٍ النَّبَوِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَوْهَبٍ، وَعُبَيْدُ بنُ حُنَيْنٍ، وَعُبَيْدُ بنُ سَلْمَانَ، وَعُبَيْدُ بنُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَعُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ، وَعَبِيْدَةُ بنُ سُفْيَانَ.
وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي سَوْدَةَ، وَعُثْمَانُ بنُ شَمَّاسٍ - بِخُلْفٍ - وَعُثْمَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَوْهَبٍ.
وَعَجْلاَنُ وَالِدُ مُحَمَّدٍ، وَعَجْلاَنُ مَوْلَى المُشْمَعِلِّ.
وَعِرَاكُ بنُ مَالِكٍ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَعُرْوَةُ بنُ تَمِيْمٍ.
وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي عَلْقَمَةَ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي مُسْلِمٍ الخُرَاسَانِيُّ - وَلَمْ يُدْرِكْهُ - وَعَطَاءُ بنُ مِيْنَا، وَعَطَاءُ بنُ يَزِيْدَ، وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَعَطَاءٌ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ، وَعَطَاءٌ مَوْلَى أُمِّ صُبَيَّةَ، وَعَطَاءٌ الزَّيَّاتُ - إِنْ صَحَّ -.
وَعِكْرِمَةُ بنُ خَالِدٍ - وَمَا أَظُنُّهُ لَحِقَهُ - وَعِكْرِمَةُ العَبَّاسِيُّ، وَعَلْقَمَةُ بنُ بَجَالَةَ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَعُلَيُّ بنُ رَبَاحٍ، وَعَلِيُّ بنُ شَمَّاخٍ - إِنْ صَحَّ -.
وَعَمَّارُ بنُ أَبِي عَمَّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَعُمَارَةُ - وَقِيْلَ: عَمْرُو - بنُ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيُّ، وَعُمَرُ بنُ الحَكَمِ بنِ ثَوْبَانَ، وَعُمَرُ بنُ الحَكَمِ بنِ رَافِعٍ،
وَعُمَرُ بنُ خَلْدَةَ قَاضِي المَدِيْنَةِ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَعَمْرُو بنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَعَمْرُو بنُ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيُّ، وَعَمْرُو بنُ عَاصِمِ بنِ سُفْيَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيُّ، وَعَمْرُو بنُ عُمَيْرٍ، وَعَمْرُو بنُ قُهَيْدٍ، وَعَمْرُو بنُ مَيْمُوْنٍ الأَوْدِيُّ، وَعُمَيْرُ بنُ الأَسْوَدِ العَنْسِيُّ، وَعُمَيْرُ بنُ هَانِئ العَنْسِيُّ، وَعَنْبَسَةُ بنُ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ.وَعَوْفُ بنُ الحَارِثِ رَضِيْعُ عَائِشَةَ، وَالعَلاَءُ بنُ زِيَادٍ العَدَوِيُّ، وَعِيْسَى بنُ طَلْحَةَ.
وَالقَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَقَبِيْصَةُ بنُ ذُؤَيْبٍ، وَقَسَامَةُ بنُ زُهَيْرٍ، وَالقَعْقَاعُ بنُ حَكِيْمٍ - وَلَمْ يَلْقَهُ - وَقَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ.
وَكَثِيْرُ بنُ مُرَّةَ، وَكَعْبٌ المَدَنِيُّ، وَكُلَيْبُ بنُ شِهَابٍ، وَكُمَيْلُ بنُ زِيَادٍ، وَكِنَانَةُ مَوْلَى صَفِيَّةَ.
وَمَالِكُ بنُ أَبِي عَامِرٍ الأَصْبَحِيُّ، وَمُجَاهِدٌ.
وَالمُحَرَّرُ بنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِيَاسَ بنِ البُكَيْرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ ثَابِتٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ شُرَحْبِيْلَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَائِشَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبَّادِ بنِ جَعْفَرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ ثَوْبَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي ذُبَابٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمَّارٍ القَرَظُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَطَاءٍ - بِخُلْفٍ - وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ - وَلَمْ يَلْحَقْهُ - وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ.
وَمَرْوَانُ بنُ الحَكَمِ، وَمُضَارِبُ بنُ حَزْنٍ، وَالمُطَّلِبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَنْطَبٍ، وَالمُطَوِّسُ - وَيُقَالُ: أَبُو المُطَوِّسِ - وَمَعْبَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ هِشَامٍ وَالِدُ زُهْرَةَ، وَالمُغِيْرَةُ بنُ أَبِي بُرْدَةَ، وَمَكْحُوْلٌ - وَلَمْ يَرَهُ - وَالمُنْذِرُ أَبُو نَضْرَةَ العَبْدِيُّ، وَمُوْسَى بنُ طَلْحَةَ، وَمُوْسَى بنُ وَرْدَانَ، وَمُوْسَى بنُ يَسَارٍ، وَمَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ، وَمِيْنَا مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ.
وَنَافِعُ بنُ جُبَيْرٍ، وَنَافِعُ بنُ عَبَّاسٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ، وَنَافِعُ بنُ أَبِي نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي أَحْمَدَ، وَنَافِعٌ العُمَرِيُّ، وَالنَّضْرُ بنُ سُفْيَانَ، وَنُعَيْمٌ المُجَمِّرُ، وَهَمَّامُ بنُ مُنَبِّهٍ، وَهِلاَلُ بنُ أَبِي هِلاَلٍ، وَالهَيْثَمُ بنُ أَبِي سِنَانٍ.وَوَاثِلَةُ بنُ الأَسْقَعِ، وَالوَلِيْدُ بنُ رَبَاحٍ.
وَيَحْيَى بنُ جَعْدَةَ، وَيزَيْدُ بنُ الأَصَمِّ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي صَالِحٍ، وَيَحْيَى بنُ النَّضْرِ الأَنْصَارِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يَعْمُرَ، وَيَزِيْدُ بنُ رُوْمَانَ - وَلَمْ يَلْحَقْهُ - وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيْرِ، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُسَيْطٍ، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَوْدِيُّ وَالِدُ إِدْرِيْسَ، وَيَزِيْدُ بنُ هُرْمُزَ، وَيَزِيْدُ مَوْلَى المُنْبَعِثِ، وَيَعْلَى بنُ عُقْبَةَ، وَيَعْلَى بنُ مُرَّةَ، وَيُوْسُفُ بنُ مَاهَكَ.
وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَأَبُو أُمَامَةَ بنُ سَهْلٍ، وَأَبُو أَيُّوْبَ المَرَاغِيُّ.
وَأَبُو بَكْرٍ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو تَمِيْمَةَ الهُجَيْمِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ الأَزْدِيُّ.
وَأَبُو جَعْفَرٍ المَدَنِيُّ - فَإِنْ كَانَ البَاقِرَ فَمُرْسَلٌ - وَأَبُو الجَوْزَاءِ الرَّبَعِيُّ، وَأَبُو حَازِمٍ الأَشْجَعِيُّ، وَأَبُو الحَكَمِ البَجَلِيُّ، وَأَبُو الحَكَمِ مَوْلَى بَنِي لَيْثٍ، وَأَبُو حُمَيْدٍ - فَيُقَالُ: هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَعْدٍ المُقْعَدُ - وَأَبُو حَيٍّ المُؤَذِّنُ، وَأَبُو خَالِدٍ البَجَلِيُّ وَالِدُ إِسْمَاعِيْلَ، وَأَبُو خَالِدٍ الوَالِبِيُّ، وَأَبُو خَالِدٍ مَوْلَى آلِ جَعْدَةَ.
وَأَبُو رَافِعٍ الصَّائِغُ، وَأَبُو الرَّبِيْعِ المَدَنِيُّ، وَأَبُو رَزِيْنٍ الأَسَدِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ البَجَلِيُّ، وَأَبُو زَيْدٍ.
وَأَبُو السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بنِ زُهْرَةَ، وَأَبُو سَعْدٍ الخَيْرُ - حِمْصِيٌّ، وَيُقَالُ: أَبُو سَعِيْدٍ - وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ أَبِي المُعَلَّى، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَزْدِيُّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ المَقْبُرِيُّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ مَوْلَى ابْنِ عَامِرٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ
مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو السَّلِيْلِ القَيْسِيُّ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ المُحَارِبِيُّ.وَأَبُو صَالِحٍ الأَشْعَرِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ الحَنَفِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ الخُوْزِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَأَبُو صَالِحٍ مَوْلَى ضُبَاعَةَ، وَأَبُو الصَّلْتِ، وَأَبُو الضَّحَّاكِ.
وَأَبُو العَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الدَّوْسِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ القَرَّاظُ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مَوْلَى الجُنْدَعِيِّيْنَ، وَأَبُو عَبْدِ العَزِيْزِ، وَأَبُو عَبْدِ المَلِكِ مَوْلَى أُمِّ مِسْكِيْنٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ، وَأَبُو عُثْمَانَ التَّبَّانُ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَأَبُو عُثْمَانَ الطُّنْبُذِيُّ، وَأَبُو عُثْمَانَ آخَرُ، وَأَبُو عَلْقَمَةَ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَأَبُو عُمَرَ الغُدَانِيُّ، وَأَبُو غَطَفَانَ المُرِّيُّ.
وَأَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ - مُرْسَلٌ - وَأَبُو كِبَاشٍ العَيْشِيُّ، وَأَبُو كَثِيْرٍ السُّحَيْمِيُّ.
وَأَبُو المُتَوَكِّلِ النَّاجِي، وَأَبُو مُدِلَّةَ مَوْلَى عَائِشَةَ، وَأَبُو مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيْلٍ، وَأَبُو مَرْيَمَ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو مُزَاحِمٍ - مَدَنِيٌّ - وَأَبُو مُزَرِّدٍ، وَأَبُو المُهَزِّمِ البَصْرِيُّ، وَأَبُو مَيْمُوْنَةَ - مَدَنِيٌّ -.
وَأَبُو هَاشِمٍ الدَّوْسِيُّ، وَأَبُو الوَلِيْدِ مَوْلَى عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ، وَأَبُو يَحْيَى مَوْلَى آلِ جَعْدَةَ، وَأَبُو يَحْيَى الأَسْلَمِيُّ، هُوَ وَأَبُو يُوْنُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَابْنُ حَسَنَةَ الجُهَنِيُّ، وَابْنُ سِيْلاَنَ، وَابْنُ مُكَرِّزٍ - شَامِيٌّ - وَابْنُ وَثِيْمَةَ النَّصْرِيُّ.
وَكَرِيْمَةُ بِنْتُ الحَسْحَاسِ، وَأُمُّ الدَّرْدَاءِ الصُّغْرَى.
قَالَ البُخَارِيُّ: رَوَى عَنْهُ ثَمَانُ مائَةٍ أَوْ أَكْثَرُ.وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ مَقْدَمُهُ وَإِسْلاَمُهُ فِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ، عَامَ خَيْبَرَ.
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ يَنْزِلُ ذَا الحُلَيْفَةِ، وَلَهُ بِهَا دَارٌ، فَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى مَوَالِيْهِ، فَبَاعُوْهَا مِنْ عَمْرِو بنِ مِرْبَعٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ لُبَيْنَةَ : رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَجُلاً آدَمَ، بَعِيْدَ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ، أَفْرَقَ الثَّنِيَّتَيْنِ، ذَا ضَفِيْرَتَيْنِ.
وَقَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَبْيَضَ، لَيِّناً، لِحْيَتُهُ حَمْرَاءُ.
وَقَدْ حَدَّثَ بِدِمَشْقَ.
فَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ كَرِيْمَةَ بِنْتِ الحَسْحَاسِ، قَالَتْ:
سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ فِي بَيْتِ أُمِّ الدَّرْدَاءِ يَقُوْلُ: (ثَلاَثٌ هُنَّ كُفْرٌ: النِّيَاحَةُ، وَشَقُّ الجَيْبِ، وَالطَّعْنُ فِي النَّسَبِ).
وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَبْدِ شَمْسٍ - قَوَّاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ - وَقَالَ: هَذِهِ دِلاَلَةٌ أَنَّ اسْمَهُ كَانَ عَبْدَ شَمْسٍ.وَهُوَ أَحْسَنُ إِسْنَاداً مِنْ حَدِيْثِ سُفْيَانَ بنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ اسْمَانِ قَبْلُ.
عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ المُحَرَّرِ، قَالَ:
كَانَ اسْمُ أَبِي: عَبْدَ عَمْرٍو بنَ عَبْدِ غَنْمٍ.
وَقَالَ الذُّهْلِيُّ: هَذَا أَوْقَعُ الرِّوَايَاتِ عِنْدِي عَلَى القَلْبِ، وَاعْتَمَدَهُ النَّسَائِيُّ.
أَبُو إِسْمَاعِيْلَ المُؤَدِّبُ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاسْمُهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ صَخْرٍ.
أَبُو مَعْشَرٍ نَجِيْحٌ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ قَيْسٍ، قَالَ:
كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ: لاَ تُكْنُوْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ، كَنَّانِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا هِرٍّ، فَقَالَ: (ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ أَبَا هِرٍّ) ، وَالذَّكَرُ خَيْرٌ مِنَ الأُنْثَى.
وَعَنْ كَثِيْرِ بنِ زَيْدٍ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ رَبَاحٍ:
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُوْلُ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُوْنِي: أَبَا هِرٍّ.
رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ: حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ رَافِعٍ: قُلْتُ لأَبِي
هُرَيْرَةَ: لِمَ كَنَّوْكَ أَبَا هُرَيْرَةَ؟قَالَ: أَمَا تَفْرَقُ مِنِّي؟
قُلْتُ: بَلَى، إِنِّي لأَهَابُكَ.
قَالَ: كُنْتُ أَرْعَى غَنَماً لأَهْلِي، فَكَانَتْ لِي هُرَيْرَةٌ أَلْعَبُ بِهَا، فَكَنَّوْنِي بِهَا.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ لُبَيْنَةَ الطَّائِفِيِّ:
أَنَّهُ وَصَفَ لِي أَبَا هُرَيْرَةُ، فَقَالَ: كَانَ رَجُلاً آدَمَ، بَعِيْدَ المَنْكِبَيْنِ، أَفْرَقَ الثَّنِيَّتَيْنِ، ذَا ضَفِيْرَتَيْنِ.
وَقَالَ قُرَّةُ بنُ خَالِدٍ: قُلْتُ لابْنِ سِيْرِيْنَ: أَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مُخْشَوْشِناً؟
قَالَ: بَلْ كَانَ لَيِّناً، وَكَانَ أَبْيَضَ، لِحْيَتُهُ حَمْرَاءُ، يَخْضِبُ.
وَرَوَى: أَبُو العَالِيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مِمَّنْ أَنْتَ؟) .
قُلْتُ: مِنْ دَوْسٍ.
قَالَ: (مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ فِي دَوْسٍ أَحَداً فِيْهِ خَيْرٌ ) .
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: شَهِدْتُ خَيْبَرَ.
هَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ المُسَيِّبِ.
وَرَوَى عَنْهُ قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ: جِئْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ بَعْدَ مَا فَرَغُوْا مِنَ القِتَالِ.
الدَّرَاوَرْدِيُّ: حَدَّثَنَا خُثَيْمُ بنُ عِرَاكٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى خَيْبَرَ، وَقَدِمْتُ المَدِيْنَةَ مُهَاجِراً، فَصَلَّيْتُ الصُّبْحَ خَلْفَ سِبَاعِ بنِ عُرْفُطَةَ، كَانَ اسْتَخْلَفَهُ، فَقَرَأَ فِي السَّجْدَةِ الأُوْلَى: بِسُوْرَةِ مَرْيَمَ، وَفِي الآخِرَةِ: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِيْنَ .
فَقُلْتُ: وَيْلٌ لأَبِي، قَلَّ رَجُلٌ كَانَ بِأَرْضِ الأَزْدِ إِلاَّ وَكَانَ لَهُ مِكْيَالاَنِ، مِكْيَالٌ لِنَفْسِهِ، وَآخَرُ يَبْخَسُ بِهِ النَّاسَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ، قَالَ لَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ: صَحِبْتُ رَسُوْلَ اللهِ ثَلاَثَ سِنِيْنَ.
وَأَمَّا حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِمْيَرِيُّ، فَقَالَ: صَحِبَ أَرْبَعَ سِنِيْنَ.
وَهَذَا أَصَحُّ، فَمِنْ فُتُوْحِ خَيْبَرَ إِلَى الوَفَاةِ أَرْبَعَةُ أَعْوَامٍ وَلَيَالٍ.وَقَدْ جَاعَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَاحْتَاجَ، وَلَزِمَ المَسْجِدَ.
وَلَمَّا هَاجَرَ كَانَ مَعَهُ مَمْلُوكٌ لَهُ، فَهَرَبَ مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي أُصْرَعُ بَيْنَ القَبْرِ وَالمِنْبَرِ مِنَ الجُوْعِ، حَتَّى يَقُوْلُوا: مَجْنُوْنٌ.
هِشَامٌ: عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَتَمَخَّطَ، فَمَسَحَ بِرِدَائِهِ، وَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي تَمَخَّطَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي الكَتَّانِ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لأَخِرُّ فِيْمَا بَيْنَ مَنْزِلِ عَائِشَةَ وَالمِنْبَرِ مَغْشِيّاً عَلَيَّ مِنَ الجُوْعِ، فَيَمُرُّ الرَّجُلُ، فَيَجْلِسُ عَلَى صَدْرِي، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُوْلُ: لَيْسَ الَّذِي تَرَى، إِنَّمَا هُوَ الجُوْعُ.
قُلْتُ: كَانَ يَظُنُّهُ مَنْ يَرَاهُ مَصْرُوْعاً، فَيْجْلِسُ فَوْقَهُ لِيَرْقِيْهِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ: عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
كُنْتُ فِي الصُّفَّةِ، فَبَعَثَ إِلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ بِتَمْرٍ عَجْوَةٍ، فَكُنَّا نَقْرِنُ التَّمْرَتَيْنِ مِنَ الجُوْعِ، وَكَانَ أَحَدُنَا إِذَا قَرَنَ، يَقُوْلُ لِصَاحِبِهِ: قَدْ قَرَنْتُ، فَاقْرِنُوا.
عُمَرُ بنُ ذَرٍّ: حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
وَاللهِ إِنْ كُنْتُ لأَعْتَمِدُ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الجُوْعِ، وَإِنْ كُنْتُ لأَشُدُّ الحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنَ الجُوْعِ، وَلَقَدْ قَعَدْتُ عَلَى طَرِيْقِهِمْ، فَمَرَّ بِي أَبُو بَكْرٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللهِ، مَا أَسْأَلُهُ إِلاَّ لِيَسْتَتْبِعَنِي، فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ، فَمَرَّ عُمَرُ، فَكَذَلِكَ، حَتَّى مَرَّ بِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَرَفَ مَا فِي وَجْهِي مِنَ الجُوْعِ، فَقَالَ: (أَبُو هُرَيْرَةَ) .
قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ.
فَدَخَلْتُ مَعَهُ البَيْتَ، فَوَجَدَ لَبَناً فِي قَدَحٍ، فَقَالَ: (مِنْ أَيْنَ لَكُم هَذَا؟) .
قِيْلَ: أَرْسَلَ بِهِ إِلَيْكَ فُلاَنٌ.
فَقَالَ: (يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، انْطَلِقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ، فَادْعُهُمْ) .
وَكَانَ أَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافَ الإِسْلاَمِ، لاَ أَهْلَ وَلاَ مَالَ، إِذَا أَتَتْ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَدَقَةٌ، أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يُصِبْ مِنْهَا شَيْئاً، وَإِذَا جَاءتْهُ هَدِيَّةٌ أَصَابَ مِنْهَا، وَأَشْرَكَهُمْ فِيْهَا،
فَسَاءنِي إِرْسَالُهُ إِيَّايَ، فَقُلْتُ:كُنْتُ أَرْجُو أَنْ أُصِيْبَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ شُرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا، وَمَا هَذَا اللَّبَنُ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللهِ وَطَاعَةِ رَسُوْلِهِ بُدٌّ، فَأَتَيْتُهُمْ، فَأَقْبَلُوا مُجِيْبِيْنَ.
فَلَمَّا جَلَسُوا، قَالَ: (خُذْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، فَأَعْطِهِمْ) .
فَجَعَلْتُ أُعْطِي الرَّجُلَ، فَيَشْرَبُ حَتَّى يُرْوَى، حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى جَمِيْعِهِمْ، وَنَاوَلْتُهُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ مُتَبَسِّماً، وَقَالَ: (بَقِيْتُ أَنَا وَأَنْتَ) .
قُلْتُ: صَدَقْتَ يَا رَسُوْلَ اللهِ.
قَالَ: (فَاشْرَبْ) .
فَشَرِبْتُ، فَقَالَ: (اشْرَبْ) .
فَشَرِبْتُ، فَمَا زَالَ يَقُوْلُ: (اشْرَبْ) ، فَأَشْرَبُ، حَتَّى قُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، مَا أَجِدُ لَهُ مَسَاغاً.
فَأَخَذَ، فَشَرِبَ مِنَ الفَضْلَةِ.
القَعْنَبِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ هِلاَلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
خَرَجْتُ يَوْماً مِنْ بَيْتِي إِلَى المَسْجِدِ، فَوَجَدْتُ نَفَراً، فَقَالُوا: مَا أَخْرَجَكَ؟
قُلْتُ: الجُوْعُ.
فَقَالُوا: وَنَحْنُ -وَاللهِ- مَا أَخْرَجَنَا إِلاَّ الجُوْعُ.
فَقُمْنَا، فَدَخَلْنَا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ، فَقَالَ: (مَا جَاءَ بِكُمْ هَذِهِ السَّاعَةَ) .
فَأَخْبَرْنَاهُ، فَدَعَا بِطَبَقٍ فِيْهِ تَمْرٌ، فَأَعْطَى كُلَّ رَجُلٍ مِنَّا تَمْرَتَيْنِ، فَقَالَ: (كُلُوا هَاتَيْنِ التَّمْرَتَيْنِ، وَاشْرَبُوا عَلَيْهِمَا مِنَ المَاءِ، فَإِنَّهُمَا سَتَجْزِيَانِكُمْ يَوْمَكُمْ هَذَا) .
فَأَكَلْتُ تَمَرَّةً، وَخَبَّأْتُ الأُخْرَى، فَقَالَ: (يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، لِمَ رَفَعْتَهَا؟) .
قُلْتُ: لأُمِّي.قَالَ: (كُلْهَا، فَسَنُعْطِيْكَ لَهَا تَمْرَتَيْنِ ) .
عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كَثِيْرٍ السُّحَيْمِيُّ - وَاسْمُهُ: يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ:
وَاللهِ مَا خَلَقَ اللهُ مُؤْمِناً يَسْمَعُ بِي إِلاَّ أَحَبَّنِي.
قُلْتُ: وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ؟
قَالَ: إِنَّ أُمِّي كَانَتْ مُشْرِكَةً، وَكُنْتُ أَدْعُوْهَا إِلَى الإِسْلاَمِ، وَكَانَتْ تَأْبَى عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا يَوْماً، فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَكْرَهُ، فَأَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ وَأَنَا أَبْكِي، فَأَخْبَرْتُهُ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهَا.
فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ) .
فَخَرَجْتُ أَعْدُوا، أُبَشِّرُهَا، فَأَتَيْتُ، فَإِذَا البَابُ مُجَافٍ، وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ المَاءِ، وَسَمِعَتْ حِسِّي، فَقَالَتْ:
كَمَا أَنْتَ، ثُمَّ فَتَحَتْ، وَقَدْ لَبِسَتْ دِرْعَهَا، وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا، فَقَالَتْ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ.
وَقَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ أَبْكِي مِنَ الفَرَحِ، كَمَا بَكَيْتُ مِنَ الحُزْنِ، فَأَخْبَرْتُهُ، وَقُلْتُ: ادْعُ اللهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِيْنَ.
فَقَالَ: (اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ المُؤْمِنِيْنَ، وَحَبِّبْهُمْ إِلَيْهِمَا ) .
إِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
الجُرَيْرِيُّ: عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنِ الطُّفَاوِيِّ، قَالَ:
نَزَلْتُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ بِالمَدِيْنَةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمْ أَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً أَشَدَّ تَشْمِيْراً، وَلاَ
أَقْوَمَ عَلَى ضَيْفٍ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ عَلَى سَرِيْرِهِ، وَمَعَهُ كِيْسٌ فِيْهِ نَوَىً - أَوْ حَصَىً - أَسْفَلُ مِنْهُ سَوْدَاءُ، فَيُسَبِّحُ، وَيُلْقِي إِلَيْهَا، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا، أَلْقَى إِلَيْهَا الكِيْسَ، فَأَوْعَتْهُ فِيْهِ، ثُمَّ نَاوَلَتْهُ، فَيُعِيْدُ ذَلِكَ.
وَقِيْلَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَّرَ العَلاَءَ بنَ الحَضْرَمِيِّ، وَبَعَثَ مَعَهُ أَبَا هُرَيْرَةَ مُؤَذِّناً.
وَكَانَ حِفْظُ أَبِي هُرَيْرَةَ الخَارِقُ مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى الزَّمِنُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي يَحْيَى، سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَلاَ تَسْأَلُنِي مِنْ هَذِهِ الغَنَائِمِ الَّتِي يَسْأَلُنِي أَصْحَابُكَ؟) .
قُلْتُ: أَسْأَلُكَ أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللهُ.
فَنَزَعَ نَمِرَةً كَانَتْ عَلَى ظَهْرِي، فَبَسَطَهَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّمْلِ يَدُبُّ عَلَيْهَا، فَحَدَّثَنِي حَتَّى إِذَا اسْتَوْعَبْتُ حَدِيْثَهُ، قَالَ: (اجْمَعْهَا، فَصُرَّهَا إِلَيْكَ) .
فَأَصْبَحْتُ لاَ أُسْقِطُ حَرْفاً مِمَّا حَدَّثَنِي.
ابْنُ شِهَابٍ: عَنْ سَعِيْدٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ:
إِنَّكُمْ تَقُوْلُوْنَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الحَدِيْثَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَقُوْلُوْنَ: مَا
لِلْمُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ لاَ يُحَدِّثُوْنَ مِثْلَهُ؟ وَإِنَّ إِخْوَانِي المُهَاجِرِيْنَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَكَانَ إِخْوَانِي مِنَ الأَنْصَارِ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ، وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِيْناً مِنْ مَسَاكِيْنِ الصُّفَّةِ، أَلْزَمُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَحْضُرُ حِيْنَ يَغِيْبُوْنَ، وَأَعِي حِيْنَ يَنْسَوْنَ، وَقَدْ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَدِيْثٍ يُحَدِّثُهُ يَوْماً: (إِنَّهُ لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِي جَمِيْعَ مَقَالَتِي، ثُمَّ يَجْمَعُ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ، إِلاَّ وَعَى مَا أَقُوْلُ) .فَبَسَطْتُ نَمِرَةً عَلَيَّ، حَتَّى إِذَا قَضَى مَقَالَتَهُ، جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَمَا نَسِيْتُ مِنْ مَقَالَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تِلْكَ مِنْ شَيْءٍ.
الزُّهْرِيُّ أَيْضاً: عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
تَزْعُمُوْنَ أَنِّي أُكْثِرُ الرِّوَايَةَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاللهُ المَوْعِدُ - إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مِسْكِيْناً، أَصْحَبُ رَسُوْلَ اللهِ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، وَإِنَّهُ حَدَّثَنَا يَوْماً، وَقَالَ: (مَنْ يَبْسُطُ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي، ثُمَّ قَبَضَهُ إِلَيْهِ، لَمْ يَنْسَ شَيْئاً سَمِعَ مِنِّي أَبَداً) .
فَفَعَلْتُ، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالحَقِّ، مَا نَسِيْتُ شَيْئاً سَمِعْتُهُ مِنْهُ.
وَالحَدِيْثَانِ: صَحِيْحَانِ، مَحْفُوْظَانِ.
قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ عَسَاكِرَ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُضَرَ مُحَلَّمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، أَخْبَرَنَا الخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ؟
قَالَ: (لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ لاَ يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الحَدِيْثِ أَحَدٌ أَوَّلَ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيْثِ، إِنَّ أَسْعَدَ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، خَالِصاً مِنْ نَفْسِهِ ) .
أَبُو الأَحْوَصِ: عَنْ زَيْدٍ العَمِّيِّ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيْقِ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَبُو هُرَيْرَةَ وِعَاءٌ مِنَ العِلْمِ ) .
ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
حَفِظْتُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وِعَاءيْنِ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ فِي النَّاسِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ، لَقُطِعَ هَذَا البُلْعُوْمُ.
الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ:كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ أَحْفَظِ الصَّحَابَةِ.
مُحَمَّدُ بنُ رَاشِدٍ: عَنْ مَكْحُوْلٍ، قَالَ:
كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ: رُبَّ كِيْسٍ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمْ يَفْتَحْهُ -يَعْنِي: مِنَ العِلْمِ-.
قُلْتُ: هَذَا دَالٌّ عَلَى جَوَازِ كِتْمَانِ بَعْضِ الأَحَادِيْثِ الَّتِي تُحَرِّكُ فِتْنَةً فِي الأُصُوْلِ أَوِ الفُرُوْعِ، أَوِ المَدْحِ وَالذَّمِّ، أَمَا حَدِيْثٌ يَتَعَلَّقُ بِحِلٍّ أَوْ حَرَامٍ فَلاَ يَحِلُّ كِتْمَانُهُ بِوَجْهٍ، فَإِنَّهُ مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى.
وَفِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) : قَوْلُ الإِمَامِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-:
حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُوْنَ، وَدَعُوا مَا يُنْكِرُوْنَ، أَتُحِبُّوْنَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُوْلُهُ.
وَكَذَا لَوْ بَثَّ أَبُو هُرَيْرَةَ
ذَلِكَ الوِعَاءَ، لأُوْذِيَ، بَلْ لَقُتِلَ، وَلَكِنَّ العَالِمَ قَدْ يُؤَدِّيْهِ اجْتِهَادُهُ إِلَى أَنْ يَنْشُرَ الحَدِيْثَ الفُلاَنِيَّ إِحْيَاءً لِلسُّنَّةِ، فَلَهُ مَا نَوَى، وَلَهُ أَجْرٌ، وَإِنْ غَلِطَ فِي اجْتِهَادِهِ.رَوَى: عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي الحَسَنِ، قَالَ:
لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَكْثَرَ حَدِيْثاً مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنَّ مَرْوَانَ زَمَنَ هُوَ عَلَى المَدِيْنَةِ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ حَدِيْثَهُ كُلَّهُ، فَأَبَى، وَقَالَ: ارْوِ كَمَا رَوَيْنَا.
فَلَمَّا أَبَى عَلَيْهِ، تَغَفَّلَهُ مَرْوَانُ، وَأَقْعَدَ لَهُ كَاتِباً ثَقِفاً، وَدَعَاهُ، فَجَعَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُهُ، وَيَكْتُبُ ذَاكَ الكَاتِبُ حَتَّى اسْتَفْرَغَ حَدِيْثَهُ أَجْمَعَ.
ثُمَّ قَالَ مَرْوَانُ: تَعْلَمُ أَنَّا قَدْ كَتَبْنَا حَدِيْثَكَ أَجْمَعَ.
قَالَ: وَقدْ فَعَلْتَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَاقْرَؤُوْهُ عَلَيَّ.
فَقَرَؤُوْهُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَا إِنَّكُمْ قَدْ حَفِظْتُمْ، وَإِنْ تُطِعْنِي تَمْحُهُ.
قَالَ: فَمَحَاهُ.
سَمِعَهُ: هَوْذَةُ بنُ خَلِيْفَةَ، مِنْهُ.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ عُبَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو الزُّعَيْزِعَةِ كَاتِبُ مَرْوَانَ:
أَنَّ مَرْوَانَ أَرْسَلَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ، وَأَجْلَسَنِي خَلْفَ السَّرِيْرِ، وَأَنَا أَكْتُبُ، حَتَّى إِذَا كَانَ رَأْسُ الحَوْلِ، دَعَا بِهِ، فَأَقْعَدَهُ مِنْ وَرَاءِ الحِجَابِ، فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ الكِتَابِ، فَمَا زَادَ وَلاَ نَقَصَ، وَلاَ قَدَّمَ وَلاَ أَخَّرَ.
قُلْتُ: هَكَذَا فَلْيَكُنِ الحِفْظُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَبُو هُرَيْرَةَ أَحْفَظُ مَنْ رَوَى الحَدِيْثَ فِي دَهْرِهِ.الوَلِيْدُ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ مَكْحُوْلٍ، قَالَ:
تَوَاعَدَ النَّاسُ لَيْلَةً إِلَى قُبَّةٍ مِنْ قِبَابِ مُعَاوِيَةَ، فَاجْتَمَعُوا فِيْهَا، فَقَامَ فِيْهِم أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُهُمْ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَصْبَحَ.
كَهْمَسُ بنُ الحَسَنِ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ شَقِيْقٍ، قَالَ:
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لاَ أَعْرِفُ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْفَظَ لِحَدِيْثِهِ مِنِّي.
سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عَمْرٍو، عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَخِيْهِ هَمَّامٍ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ:
مَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ أَكْثَرَ حَدِيْثاً مِنِّي عَنْهُ، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ، وَكُنْتُ لاَ أَكْتُبُ.
الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ القَطَّانُ، عَنْ بَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ لَقِيَ كَعْباً، فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ، وَيَسْأَلُهُ.فَقَالَ كَعْبٌ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً لَمْ يَقْرَأِ التَّوْرَاةَ أَعْلَمَ بِمَا فِيْهَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
حَمَّادُ بنُ شُعَيْبٍ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ:
أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ.
فَقَالَ: عَلَيْكَ بِأَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنَّهُ بَيْنَا أَنَا وَهُوَ وَفُلاَنٌ فِي المَسْجِدِ نَدْعُو، خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَلَسَ، وَقَالَ: (عُوْدُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ) .
قَالَ زَيْدٌ: فَدَعَوْتُ أَنَا وَصَاحِبِي، وَرَسُوْلُ اللهِ يُؤَمِّنُ، ثُمَّ دَعَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِثْلَ مَا سَأَلاَكَ، وَأَسْأَلُكَ عِلْماً لاَ يُنْسَى.
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (آمِيْنَ) .
فَقُلْنَا: وَنَحْنُ نَسْأَلُ اللهَ عِلْماً لاَ يُنْسَى.
فَقَالَ: (سَبَقَكُمَا بِهَا الدَّوْسِيُّ) .
أَخْرَجَهُ: الحَاكِمُ فِي (مُسْتَدْرَكِهِ ) .
لَكِنْ حَمَّادٌ ضَعِيْفٌ.
سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ السَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ، سَمِعَ عُمَرَ يَقُوْلُ لأَبِي هُرَيْرَةَ:
لَتَتْرُكَنَّ الحَدِيْثَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَوْ لأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ دَوْسٍ.وَقَالَ لِكَعْبٍ: لَتَتْرُكَنَّ الحَدِيْثَ، أَوْ لأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ القِرَدَةِ.
يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ: عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ:
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُوْلُ: إِنِّي لأُحَدِّثُ أَحَادِيْثَ، لَوْ تَكَلَّمْتُ بِهَا فِي زَمَنِ عُمَرَ، لَشَجَّ رَأْسِي.
قُلْتُ: هَكَذَا هُوَ كَانَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُوْلُ: أَقِلُّوا الحَدِيْثَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَزَجَرَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنْ بَثِّ الحَدِيْثِ، وَهَذَا مَذْهَبٌ لِعُمَرَ وَلِغَيْرِهِ
، فَبِاللهِ عَلَيْكَ إِذَا كَانَ الإِكْثَارُ مِنَ الحَدِيْثِ فِي دَوْلَةِ عُمَرَ كَانُوا يُمْنَعُوْنَ مِنْهُ مَعَ صِدْقِهِمْ، وَعَدَالَتِهِمْ، وَعَدَمِ الأَسَانِيْدِ، بَلْ هُوَ غَضٌّ لَمْ يُشَبْ، فَمَا
ظَنُّكَ بِالإِكْثَارِ مِنْ رِوَايَةِ الغَرَائِبِ وَالمَنَاكِيْرِ فِي زَمَانِنَا، مَعَ طُوْلِ الأَسَانِيْدِ، وَكَثْرَةِ الوَهْمِ وَالغَلَطِ، فَبِالحَرِيِّ أَنْ نَزْجُرَ القَوْمَ عَنْهُ، فَيَا لَيْتَهُمْ يَقْتَصِرُوْنَ عَلَى رِوَايَةِ الغَرِيْبِ وَالضَعِيْفِ، بَلْ يَرْوُوْنَ -وَاللهِ- المَوْضُوْعَاتِ، وَالأَبَاطِيْلَ، وَالمُسْتَحِيْلَ فِي الأُصُوْلِ وَالفُرُوْعِ وَالمَلاَحِمِ وَالزُّهْدِ - نَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ -.فَمَنْ رَوَى ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِبُطْلاَنِهِ، وَغَرَّ المُؤْمِنِيْنَ، فَهَذَا ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، جَانٍ عَلَى السُّنَنِ وَالآثَارِ، يُسْتَتَابُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَنَابَ وَأَقْصَرَ، وَإِلاَّ فَهُوَ فَاسِقٌ، كَفَى بِهِ إِثْماً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ، وَإِنْ هُوَ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَتَوَرَّعْ، وَلْيَسْتَعِنْ بِمَنْ يُعِيْنُهُ عَلَى تَنْقِيَةِ مَرْوِيَّاتِهِ - نَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ - فَلَقَدْ عَمَّ البَلاَءُ، وَشَمَلَتِ الغَفْلَةُ، وَدَخَلَ الدَّاخِلُ عَلَى المُحَدِّثِيْنَ الَّذِيْنَ يَرْكَنُ إِلَيْهِمُ المُسْلِمُوْنَ، فَلاَ عُتْبَى عَلَى الفُقَهَاءِ، وَأَهْلِ الكَلاَمِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا يَزِيْدُ بنُ يُوْسُفَ، عَنْ صَالِحِ بنِ أَبِي الأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
مَا كُنَّا نَسْتَطِيْعُ أَنْ نَقُوْلَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى قُبِضَ عُمَرُ -
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كُنَّا نَخَافُ السِّيَاطَ.خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
بَلَغَ عُمَرَ حَدِيْثِي، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ، فَقَالَ: كُنْتَ مَعَنَا يَوْمَ كُنَّا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِ فُلاَنٍ؟
قُلْتُ: نَعَمْ، وَقَدْ عَلِمْتُ لأَيِّ شَيْءٍ سَأَلْتَنِي.
قَالَ: وَلِمَ سَأَلْتُكَ؟
قُلْتُ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ يَوْمَئِذٍ: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) .
قَالَ: أَمَا لاَ، فَاذْهَبْ فَحَدِّثْ.
يَحْيَى: ضَعِيْفٌ.
عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ، وَغَيْرُهُ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بنُ كُلَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - وَكَانَ يَبْتَدِئُ حَدِيْثَهُ بِأَنْ يَقُوْلَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ) .
مُغِيْرَةُ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: حَدَّثَ أَبُو هُرَيْرَةَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ سَعْدٌ حَدِيْثاً، فَوَقَعَ بَيْنَهُمَا كَلاَمٌ حَتَّى أُرْتِجَتِ الأَبْوَابُ بَيْنَهُمَا.
هُشَيْمٌ: عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّهُ قَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَعْلَمَنَا
بِحَدِيْثِهِ.وَعَنْ نَافِعٍ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِي جِنَازَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَبَقِيَ يُكْثِرُ التَّرَحُّمَ عَلَيْهِ، وَيَقُوْلُ: كَانَ مِمَّنْ يَحْفَظُ حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ عَلَى المُسْلِمِيْنَ.
فِي إِسْنَادِهَا الوَاقِدِيُّ.
مُحَمَّدُ بنُ كُنَاسَةَ الأَسَدِيُّ: عَنْ إِسْحَاقَ بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
دَخَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ لَهُ: أَكْثَرْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ.
قَالَ: إِيْ -وَاللهِ- يَا أُمَّاهُ، مَا كَانَتْ تَشْغَلُنِي عَنْهُ المِرْآةُ وَلاَ المُكْحُلَةُ وَلاَ الدُّهْنُ.
قَالَتْ: لَعَلَّهُ.
وَرَوَاهُ: بِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ، عَنْ إِسْحَاقَ، وَفِيْهِ:
وَلَكِنِّي أَرَى ذَلِكَ شَغَلَكِ
عَمَّا اسْتَكْثَرْتِ مِنْ حَدِيْثِي.قَالَتْ: لَعَلَّهُ.
وَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَدْفِنُوا الحَسَنَ فِي الحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَقَعَ خِصَامٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا كَثِيْرُ بنُ زَيْدٍ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ رَبَاحٍ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ لِمَرْوَانَ:
وَاللهِ مَا أَنْتَ وَالٍ، وَإِنَّ الوَالِي لَغَيْرُكَ، فَدَعْهُ - يَعْنِي حِيْنَ أَرَادُوا دَفْنَ الحَسَنَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَكِنَّكَ تَدْخُلُ فِيْمَا لاَ يَعْنِيْكَ، إِنَّمَا تُرِيْدُ بِهَا إِرْضَاءَ مَنْ هُوَ غَائِبٌ عَنْكَ -يَعْنِي: مُعَاوِيَةَ-.
فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ مَرْوَانُ مُغْضَباً، وَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنَّ النَّاسَ قَدْ قَالُوا: أَكْثَرَ الحَدِيْثَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ، وَإِنَّمَا قَدِمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِيَسِيْرٍ.
فَقَالَ: قَدِمْتُ -وَاللهِ- وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخَيْبَرَ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ زِدْتُ عَلَى الثَّلاَثِيْنَ سَنَةً سَنَوَاتٍ، وَأَقَمْتُ مَعَهُ حَتَّى تُوُفِّيَ، أَدُوْرُ مَعَهُ فِي بُيُوْتِ نِسَائِهِ، وَأَخْدُمُهُ، وَأغْزُو، وَأَحُجُّ مَعَهُ، وَأُصَلِّي خَلْفَهُ، فَكُنْتُ -وَاللهِ- أَعْلَمَ النَّاسِ بِحَدِيْثِهِ.
ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ أَبِي أَنَسٍ مَالِكِ بنِ أَبِي عَامِرٍ، قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، فَقَالَ:
يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَرَأَيْتَ هَذَا اليَمَانِيَّ -يَعْنِي: أَبَا هُرَيْرَةَ- أَهُوَ أَعْلَمُ بِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْكُمْ، نَسْمَعُ مِنْهُ أَشْيَاءَ لاَ نَسْمَعُهَا مِنْكُم، أَمْ هُوَ يَقُوْلُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ مَا لَمْ يَقُلْ؟
قَالَ: أَمَّا أَنْ يَكُوْنَ سَمِعَ مَا لَمْ نَسْمَعْ، فَلاَ أَشُكُّ، سَأُحَدِّثُكَ عَنْ ذَلِكَ، إِنَّا كُنَّا أَهْلَ بُيُوْتَاتٍ وَغَنَمٍ وَعَمَلٍ، كُنَّا نَأْتِي رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَرَفَي النَّهَارِ، وَكَانَ مِسْكِيْناً ضَيْفاً عَلَى بَابِ رَسُوْلِ اللهِ، يَدُهُ مَعَ يَدِهِ، فَلاَ نَشُكُّ أَنَّهُ سَمِعَ مَا لَمْ نَسْمَعْ، وَلاَ تَجِدُ أَحَداً فِيْهِ خَيْرٌ يَقُوْلُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ مَا لَمْ يَقُلْ.شُعْبَةُ: عَنْ أَشْعَثَ بنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
أَتَيْتُ المَدِيْنَةَ، فَإِذَا أَبُو أَيُّوْبَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقُلْتُ: وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ؟
قَالَ: إِنَّهُ قَدْ سَمِعَ، وَأَنْ أُحَدِّثَ عَنْهُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُحَدِّثَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
بُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ:
اتَّقُوا اللهَ، وَتَحَفَّظُوا مِنَ الحَدِيْثِ، فَوَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا نُجَالِسُ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَيُحَدِّثُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيُحَدِّثُنَا عَنْ كَعْبٍ، ثُمَّ يَقُوْمُ، فَأَسْمَعُ بَعْضَ مَنْ كَانَ مَعَنَا يَجْعَلُ حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ عَنْ كَعْبٍ، وَيَجْعَلُ حَدِيْثَ كَعْبٍ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ زِيَادِ بنِ مِيْنَا، قَالَ:
كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو سَعِيْدٍ،
وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٌ مَعَ أَشْبَاهٍ لَهُم، يُفْتُوْنَ بِالمَدِيْنَةِ، وَيُحَدِّثُوْنَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ لَدُنْ تُوُفِّيَ عُثْمَانُ إِلَى أَنْ تُوُفُّوا.قَالَ: وَهَؤُلاَءِ الخَمْسَةُ إِلَيْهِمْ صَارَتِ الفَتْوَى.
الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ بُكَيْرِ بنِ الأَشَجِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي عَيَّاشٍ الأَنْصَارِيِّ:
أَنَّهُ كَانَ جَالِساً مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَجَاءَ مُحَمَّدُ بنُ إِيَاسَ بنِ البُكَيْرِ، فَسَأَلَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ ثَلاَثاً قَبْلَ الدُّخُوْلِ، فَبَعَثَهُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَا عِنْدَ عَائِشَةَ، فَذَهَبَ، فَسَأَلَهُمَا.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لأَبِي هُرَيْرَةَ: أَفْتِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَدْ جَاءتْكَ مُعْضِلَةٌ.
فَقَالَ: الوَاحِدَةُ تُبِيْنُهَا، وَالثَّلاَثُ تُحَرِّمُهَا.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ.
وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَجْلِسُ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَيُحَدِّثُ، ثُمَّ يَقُوْلُ: يَا صَاحِبَةَ الحُجْرَةِ، أَتُنْكِرِيْنَ مِمَّا أَقُوْلُ شَيْئاً؟
فَلَمَّا قَضَتَ صَلاَتَهَا، لَمْ تُنْكِرْ مَا رَوَاهُ، لَكِنْ قَالَتْ:
لَمْ يَكُنْ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْرُدُ الحَدِيْثَ سَرْدَكُمْ.
وَكَذَلِكَ قِيْلَ لابْنِ عُمَرَ: هَلْ تُنْكِرُ مِمَّا يُحَدِّثُ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ شَيْئاً؟فَقَالَ: لاَ، وَلَكِنَّهُ اجْترَأَ، وَجَبُنَّا.
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمَا ذَنْبِي إِنْ كُنْتُ حَفِظْتُ، وَنَسُوْا.
قَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُدَلِّسُ.
قُلْتُ: تَدْلِيْسُ الصَّحَابَةِ كَثِيْرٌ، وَلاَ عَيْبَ فِيْهِ، فَإِنَّ تَدْلِيْسَهُمْ عَنْ صَاحِبٍ أَكْبَرَ مِنْهُمْ، وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُوْلٌ.
شَرِيْكٌ: عَنْ مُغِيْرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُنَا يَدَعُوْنَ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَرَوَى: حُسَيْنُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، نَحْوَهُ.
الثَّوْرِيُّ: عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ:مَا كَانُوا يَأْخُذُوْنَ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلاَّ مَا كَانَ حَدِيْثَ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ.
قُلْتُ: هَذَا لاَ شَيْءَ، بَلْ احْتَجَّ المُسْلِمُوْنَ قَدِيْماً وَحَدِيْثاً بِحَدِيْثِهِ، لِحِفْظِهِ، وَجَلاَلَتِهِ، وَإِتْقَانِهِ، وَفِقْهِهِ، وَنَاهِيْكَ أَنَّ مِثْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ يَتَأَدَّبُ مَعَهُ، وَيَقُوْلُ: أَفْتِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ.
وَأَصَحُّ الأَحَادِيْثِ مَا جَاءَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَمَا جَاءَ عَنْ: أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَمَا جَاءَ عَنِ: ابْنِ عَوْنٍ، وَأَيُّوْبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَأَيْنَ مِثْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حِفْظِهِ، وَسَعَةِ عِلْمِهِ.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ عَبَّاسٍ الجُرَيْرِيِّ، سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ، قَالَ:
تَضَيَّفْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ سَبْعاً، فَكَانَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَخَادِمُهُ يَعْتَقِبُوْنَ اللَّيْلَ أَثْلاَثاً، يُصَلِّي هَذَا، ثُمَّ يُوْقِظُ هَذَا، وَيُصَلِّي هَذَا، ثُمَّ يُوْقِظُ هَذَا.
قُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، كَيْفَ تَصُوْمُ؟
قَالَ: أَصُوْمُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ ثَلاَثاً.
ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ
بنِ سَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ شُرَحْبِيْلَ:أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَصُوْمُ الاثْنَيْنَ وَالخَمِيْسَ.
عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ المُخْتَارِ: عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ:
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُسَبِّحُ كُلَّ يَوْمٍ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ تَسْبِيْحَةٍ، يَقُوْلُ: أُسَبِّحُ بِقَدَرِ دِيَتِي.
وَرَوَاهُ: عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ خَالِدٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنِ المُؤَيَّدِ الطُّوْسِيِّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ السِّنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ مَالِكِ بنِ خُثَيْمٍ، قَالَ:
كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَرْضِهِ بِالعَقِيْقِ، فَأَتَاهُ قَوْمٌ، فَنَزَلُوا عِنْدَهُ.
قَالَ حُمَيْدٌ: فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى أُمِّي، فَقُلْ: إِنَّ ابْنَكِ يُقْرِئَكِ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ: أَطْعِمِيْنَا شَيْئاً.
قَالَ: فَوَضَعَتْ ثَلاَثَةَ أَقْرَاصٍ فِي الصَّحْفَةِ، وَشَيْئاً مِنْ زِيْتٍ وَمِلْحٍ، وَوَضَعَتْهَا عَلَى رَأْسِي، فَحَمَلْتُهَا إِلَيْهِمْ.
فَلَمَّا وَضَعْتُهُ بَيْنَ أَيْدِيْهِمْ، كَبَّرَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَشْبَعَنَا مِنَ الخُبْزِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ طَعَامُنَا إِلاَّ الأَسْوَدَيْنِ: التَّمْرَ وَالمَاءَ.
فَلَمْ يُصِبِ القَوْمُ مِنَ الطَّعَامِ شَيْئاً.
فَلَمَّا انْصَرَفُوا، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، أَحْسِنْ إِلَى غَنَمِكَ، وَامْسَحْ عَنْهَا الرُّعَامُ، وَأَطِبْ مُرَاحَهَا، وَصَلِّ فِي نَاحِيَتِهَا، فَإِنَّهَا مِنْ دَوَابِّ الجَنَّةِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، يُوْشِكُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى
النَّاسِ زَمَانٌ تَكُوْنُ الثُّلَّةُ مِنَ الغَنَمِ أَحَبُّ إِلَى صَاحِبِهَا مِنْ دَارِ مَرْوَانَ.أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ فِي كِتَابِ (الأَدَبِ) : عَنِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ مَالِكٍ.
وَوَثَّقَ النَّسَائِيُّ حُمَيْداً.
هُشَيْمٌ: عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مَيْسَرَةَ، قَالَ:
كَانَتْ لأَبِي هُرَيْرَةَ صَيْحَتَانِ فِي كُلِّ يَوْمٍ: أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ، يَقُوْلُ: ذَهَبَ اللَّيْلُ وَجَاءَ النَّهَارُ، وَعُرِضَ آلُ فِرْعَوْنَ عَلَى النَّارِ، فَلاَ يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلاَّ اسْتَعَاذَ بِاللهِ مِنَ النَّارِ.
جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ زَوْرَانَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الوَهَّابِ المَدَنِيُّ، قَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: مَرَرْتُ بِالمَدِيْنَةِ، فَإِذَا أَبُو هُرَيْرَةَ جَالِسٌ فِي المَسْجِدِ، حَوْلَهُ حَلقَةٌ يُحَدِّثُهُمْ، فَقَالَ:
حَدَّثَنِي خَلِيْلِي أَبُو القَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ اسْتَعْبَرَ، فَبَكَى، ثُمَّ عَادَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي خَلِيْلِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَبِيُّ اللهِ أَبُو القَاسِمِ، ثُمَّ اسْتَعْبَرَ، فَبَكَى، ثُمَّ قَامَ.
ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ أَبِي يُوْنُسَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّاسِ يَوْماً، فَلَمَّا سَلَّمَ رَفَعَ صَوْتَهَ، فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ الدِّيْنَ قِوَاماً، وَجَعَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ إِمَاماً، بَعْدَ أَنْ كَانَ أَجِيْراً لابْنَةِ غَزْوَانَ عَلَى شِبَعِ بَطْنِهِ، وَحَمُوْلَةِ رِجْلِهِ.
ابْنُ عُلَيَّةَ: عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ مُضَارِبِ بنِ حَزْنٍ، قَالَ:بَيْنَا أَنَا أَسِيْرُ تَحْتَ اللَّيْلِ، إِذَا رَجُلٌ يُكَبِّرُ، فَأُلْحِقُهُ بَعِيْرِي، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟
قَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ.
قُلْتُ: مَا هَذَا التَّكْبِيْرُ؟
قَالَ: شُكْرٌ.
قُلْتُ: عَلَى مَهْ؟
قَالَ: كُنْتُ أَجِيْراً لِبُسْرَةَ بِنْتِ غَزْوَانَ بِعُقْبَةِ رِجْلِي، وَطَعَامِ بَطْنِي، وَكَانُوا إِذَا رَكِبُوا سُقْتُ بِهِمْ، وَإِذَا نَزَلُوا خَدَمْتُهُمْ، فَزَوَّجَنِيْهَا اللهُ، فَهِيَ امْرَأتِي.
مَعْمَرٌ: عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ:
أَنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى البَحْرَيْنِ، فَقَدِمَ بِعَشْرَةِ آلاَفٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اسْتَأْثَرْتَ بِهَذِهِ الأَمْوَالِ يَا عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّ كِتَابِهِ.
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: لَسْتُ بَعَدُوِّ اللهِ وَعَدُوِّ كِتَابِهِ، وَلَكِنِّي عَدُوُّ مَنْ عَادَاهُمَا.
قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ هِيَ لَكَ؟
قُلْتُ: خَيْلٌ نُتِجَتْ، وَغَلَّةُ رَقِيْقٍ لِي، وَأُعْطِيَةٌ تَتَابَعَتْ.
فَنَظَرُوا، فَوَجَدُوْهُ كَمَا قَالَ.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، دَعَاهُ عُمَرُ لِيُوَلِّيَهُ، فَأَبَى.
فَقَالَ: تَكْرَهُ العَمَلَ، وَقَدْ طَلَبَ العَمَلَ مَنْ كَانَ خَيْراً مِنْكَ يُوْسُفُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-.
فَقَالَ: يُوْسُفُ نَبِيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ ابْنِ نَبِيٍّ، وَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ بنُ أَمَيْمَةَ، وَأَخْشَى ثَلاَثاً وَاثْنَتَيْنِ.
قَالَ: فَهَلاَّ قُلْتَ خَمْساً؟
قَالَ: أَخْشَى أَنْ أَقُوْلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَأَقْضِيَ بِغَيْرِ حِلْمٍ، وَأَنْ يُضْرَبَ ظَهْرِي، وَيُنْتَزَعَ مَالِي، وَيُشْتَمَ عِرْضِي.
رَوَاهُ: سَعْدُ بنُ الصَّلْتِ، عَنْ يَحْيَى بنِ العَلاَءِ، عَنْ أَيُّوْبَ، مُتَّصِلاً بِأَبِي هُرَيْرَةَ.أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ رَوَاحَةَ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ يَبْعَثُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى المَدِيْنَةِ، فَإِذَا غَضِبَ عَلَيْهِ بَعَثَ مَرْوَانَ، وَعَزَلَهُ.
قَالَ: فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ نَزَعَ مَرْوَانَ، وَبَعَثَ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَالَ لِغُلاَمٍ أَسْوَدَ:
قِفْ عَلَى البَابِ، فَلاَ تَمْنَعْ إِلاَّ مَرْوَانَ.
فَفَعَلَ الغُلاَمُ، وَدَخَلَ النَّاسُ، وَمُنِعَ مَرْوَانُ، ثُمَّ جَاءَ نَوْبَةً، فَدَخَلَ، وَقَالَ: حُجِبْنَا عَنْكَ.
فَقَالَ: إِنَّ أَحَقَّ مَنْ لاَ أَنْكَرَ هَذَا لأَنْتَ.
رَوَاهُ: الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ فِي (تَارِيْخِهِ) ، عَنِ السِّلَفِيِّ - إِجَازَةً -.قُلْتُ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ طَيِّبَ الأَخْلاَقِ، رُبَّمَا نَابَ فِي المَدِيْنَةِ عَنْ مَرْوَانَ أَيْضاً.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ:
كَانَ مَرْوَانُ رُبَّمَا اسْتَخْلَفَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى المَدِيْنَةِ، فَيَرْكَبُ حِمَاراً بِبَرْذَعَةٍ، وَفِي رَأْسِهِ خُلْبَةٌ مِنْ لِيْفٍ، فَيَسِيْرُ، فَيَلْقَى الرَّجُلَ، فَيَقُوْلُ: الطَّرِيْقَ! قَدْ جَاءَ الأَمِيْرُ.
وَرُبَّمَا أَتَى الصِّبْيَانَ وَهُمْ يَلْعَبُوْنَ بِاللَّيْلِ لُعْبَةَ الأَعْرَابِ، فَلاَ يَشْعُرُوْنَ حَتَّى يُلْقِيَ نَفْسَهُ بَيْنَهُمْ، وَيَضْرِبَ بِرِجْلَيْهِ، فَيَفْزَعُ الصِّبْيَانُ، فَيَفِرُّوْنَ، وَرُبَّمَا دَعَانِي إِلَى عَشَائِهِ، فَيَقُوْلُ: دَعِ العُرَاقَ لِلأَمِيْرِ.
فَأَنْظُرُ، فَإِذَا هُوَ ثَرِيْدَةٌ بِزَيْتٍ.
عَمْرُو بنُ الحَارِثِ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ زِيَادٍ القُرَظِيِّ، حَدَّثَنِي ثَعْلَبَةُ بنُ أَبِي مَالِكٍ القُرَظِيُّ، قَالَ:
أَقْبَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي السُّوْقِ يَحْمِلُ حُزْمَةَ حَطَبٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيْفَةٌ لِمَرْوَانَ، فَقَالَ: أَوْسِعِ الطَّرِيْقَ لِلأَمِيْرِ.
يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، قَالَ:كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِذَا أَعْطَاهُ مُعَاوِيَةُ سَكَتَ، فَإِذَا أَمْسَكَ عَنْهُ تَكَلَّمَ.
هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
دِرْهَمٌ يَكُوْنُ مِنْ هَذَا - وَكَأَنَّهُ يَمْسَحُ العَرَقَ عَنْ جَبِيْنِهِ - أَتَصَدَّقُ بِهِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مائَةِ أَلْفٍ، وَمائَةِ أَلْفٍ، وَمائَةِ أَلْفٍ، مِنْ مَالِ فُلاَنٍ.
وَقَالَ حَزْمٌ القُطَعِيُّ: سَمِعْتُ الحَسَنَ يَقُوْلُ:
كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِذَا مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ، قَالَ: اغْدُوا، فَإِنَّا رَائِحُوْنَ، وَرُوْحُوا فَإِنَّا غَادُوْنَ.
يُوْنُسُ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثَ بَسْطِ ثَوْبِهِ.
قَالَ: فَمَا نَسِيْتُ بَعْدَ ذَلِكَ اليَوْمِ شَيْئاً حُدِّثْتُ بِهِ.
أَبُو هِلاَلٍ: عَنِ الحَسَنِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:
لَوْ حَدَّثْتُكُمْ بِكُلِّ مَا فِي كِيْسِي، لَرَمَيْتُمُوْنِي بِالبَعْرِ.
ثُمَّ قَالَ الحَسَنُ: صَدَقَ -وَاللهِ- لَوْ حَدَّثَهُمْ أَنَّ
بَيْتَ اللهِ يُهْدَمُ أَوْ يُحْرَقُ مَا صَدَّقُوْهُ.الفَضْلُ بنُ العَلاَءِ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أُمَيَّةَ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ:
أَنَّ رَجُلاً أَتَى زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: عَلَيْكَ بِأَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنِّي بَيْنَمَا أَنَا وَهُوَ وَفُلاَنٌ فِي المَسْجِدِ، خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ نَدْعُوْ، وَنَذْكُرُ رَبَّنَا، فَجَلَسَ إِلَيْنَا، فَسَكَتْنَا.
فَقَالَ: (عُوْدُوا لِلَّذِي كُنْتُمْ فِيْهِ) .
فَدَعَوْتُ أَنَا وَصَاحِبِي قَبْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَجَعَلَ رَسُوْلُ اللهِ يُؤَمِّنُ، ثُمَّ دَعَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مَا سَأَلَكَ صَاحِبَايَ هَذَانِ، وَأَسَأَلُكَ عِلْماً لاَ يُنْسَى.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (آمِيْنَ) .
فَقُلْنَا: يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَنَحْنُ نَسْأَلُ اللهَ عِلْماً لاَ يُنْسَى.
قَالَ: سَبَقَكُمَا الغُلاَمُ الدَّوْسِيُّ.
تَفَرَّدَ بِهِ: الفَضْلُ بنُ العَلاَءِ، وَهُوَ صَدُوْقٌ.
هُشَيْمٌ: عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّهُ مَرَّ بِأَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ يُحَدِّثُ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً، فَلَهُ قِيْرَاطٌ) .
فَقَالَ: انْظُرْ مَا تُحَدِّثُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ.
فَقَامَ أَبُو هُرَيْرَةَ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَ لَهَا: أَنْشُدُكِ بِاللهِ هَلْ سَمِعْتِ رَسُوْلَ اللهِ يَقُوْلُ: (مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً ... ) ، الحَدِيْثَ.
فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ يَكُنْ يَشْغَلُنِي عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَرْسُ الوَدِيِّ، وَلاَ صَفْقٌ فِي الأَسْوَاقِ، وَإِنَّمَا كُنْتُ أَطْلُبُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ كَلِمَةً يُعَلِّمُنِيْهَا، أَوْ أَكْلَةً يُطْعِمُنِيْهَا.فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَعْلَمَنَا بِحَدِيْثِهِ.
رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عُمَارَةَ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ:
أَنَّهُ قَعَدَ فِي مَجْلِسٍ فِيْهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَفِيْهِ مَشْيَخَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً، فَجَعَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُهُمْ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالحَدِيْثِ، فَلاَ يَعْرِفُهُ بَعْضُهُمْ، ثُمَّ يَتَرَاجَعُوْنَ فِيْهِ، فَيَعْرِفُهُ بَعْضُهُمْ، ثُمَّ يُحَدِّثُهُمْ بِالحَدِيْثِ، فَلاَ يَعْرِفُهُ بَعْضُهُمْ، ثُمَّ يَعْرِفُهُ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ مِرَاراً.
قَالَ: فَعَرَفْتُ يَوْمَئِذٍ أَنَّهُ أَحْفَظُ النَّاسِ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
رَوَاهُ: البُخَارِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ ) .
هَمَّامُ بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ:
أَنَّ عُمَرَ قَالَ لأَبِي هُرَيْرَةَ: كَيْفَ وَجَدْتَ الإِمَارَةَ؟
قَالَ: بَعَثْتَنِي وَأَنَا كَارِهٌ، وَنَزَعْتَنِي وَقدْ
أَحْبَبْتُهَا.وَأَتَاهُ بِأَرْبَعِ مائَةِ أَلْفٍ مِنَ البَحْرَيْنِ، فَقَالَ: مَا جِئْتَ بِهِ لِنَفْسِكَ؟
قَالَ: عِشْرِيْنَ أَلفاً.
قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَصَبْتَهَا؟
قَالَ: كُنْتُ أَتَّجِرُ.
قَالَ: انْظُرْ رَأْسَ مَالِكَ وَرِزْقِكَ فَخُذْهُ، وَاجْعَلِ الآخَرَ فِي بَيْتِ المَالِ.
وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَجْهَرُ فِي صَلاَتِهِ بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا المَعْمَرِ المُبَارَكَ بنَ أَحْمَدَ، سَمِعْتُ أَبَا القَاسِمِ يُوْسُفَ بنَ عَلِيٍّ الزَّنْجَانِيَّ الفَقِيْهَ، سَمِعْتُ الفَقِيْهَ أَبَا إِسْحَاقَ الفَيْرُوْزَابَادِيَّ، سَمِعْتُ القَاضِي أَبَا الطَّيِّبِ يَقُوْلُ:
كُنَّا فِي مَجْلِسِ النَّظَرِ بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ، فَجَاءَ شَابٌّ خُرَاسَانِيٌّ، فَسَأَلَ عَنْ مَسْأَلَةِ المُصَرَّاةِ، فَطَالَبَ بِالدَّلِيْلِ، حَتَّى اسْتَدَلَّ بِحَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الوَارِدِ فِيْهَا،
فَقَالَ - وَكَانَ حَنَفِيّاً -: أَبُو هُرَيْرَةَ غَيْرُ مَقْبُوْلِ الحَدِيْثِ.فَمَا اسْتَتَمَّ كَلاَمَهُ حَتَّى سَقَطَ عَلَيْهِ حَيَّةٌ عَظِيْمَةٌ مِنْ سَقْفِ الجَامِعِ، فَوَثَبَ النَّاسُ مِنْ أَجْلِهَا، وَهَرَبَ الشَّابُّ مِنْهَا وَهِيَ تَتْبَعُهُ.
فَقِيْلَ لَهُ: تُبْ تُبْ.
فَقَالَ: تُبْتُ.
فَغَابَتِ الحَيَّةُ، فَلَمْ يُرَ لَهَا أَثَرٌ.
إِسْنَادُهَا أَئِمَّةٌ.
وَأَبُو هُرَيْرَةَ: إِلَيْهِ المُنْتَهَى فِي حَفِظِ مَا سَمِعَهُ مِنَ الرَّسُوْلِ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- وَأَدَائِهِ بِحُرُوْفِهِ، وَقَدْ أَدَّى حَدِيْثَ المُصَرَّاةِ بِأَلْفَاظِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْنَا العَمَلُ بِهِ، وَهُوَ أَصْلٌ بِرَأْسِهِ.
وَقَدْ وَلِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ البَحْرَيْنِ لِعُمَرَ، وَأَفتَى بِهَا فِي مَسْأَلَةِ المُطَلَّقَةِ طَلْقَةً ثُمَّ
يَتَزَوَّجُ بِهَا آخَرُ، ثُمَّ بَعْدَ الدُّخُوْلِ فَارَقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا الأَوَّلُ، هَلْ تَبْقَى عِنْدَهُ عَلَى طَلْقَتَيْنِ كَمَا هُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ فِي المَشْهُوْرِ عَنْهُ، أَوْ تُلْغَى تِلْكَ التَّطْلِيْقَةُ، وَتَكُوْنُ عِنْدَهُ عَلَى الثَّلاَثِ.كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَرِوَايَةٌ عَنْ عُمَرَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ إِصَابَةَ الزَّوْجِ تَهْدِمُ مَا دُوْنَ الثَّلاَثِ، كَمَا هَدَمَتْ إِصَابَتُهُ لَهَا الثَّلاَثَ.
فَالأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ إِصَابَةَ الزَّوْجِ الثَّانِي، إِنَّمَا هِيَ غَايَةُ التَّحْرِيْمِ الثَّابِتِ بِالطَّلاَقِ الثَّلاَثِ، فَهُوَ الَّذِي يَرْتَفِعُ، وَالمُطَلَّقَةُ دُوْنَ الثَّلاَثِ لَمْ تَحْرُمْ، فَلاَ تَرْفَعُ الإِصَابَةُ مِنْهَا شَيْئاً، وَبِهَذَا أَفتَى أَبُو هُرَيْرَةَ.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَوْ أَفْتَيْتَ بِغَيْرِهِ، لأَوْجَعْتُكَ ضَرْباً.
وَكَذَلِكَ أَفْتَى أَبُو هُرَيْرَةَ فِي دِقَاقِ المَسَائِلِ مَعَ مِثْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ عَمِلَ الصَّحَابَةُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ بِحَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مَسَائِلَ كَثِيْرَةٍ، تُخَالِفُ القِيَاسَ، كَمَا عَمِلُوا كُلُّهُمْ بِحَدِيْثِهِ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (لَا تُنْكَحُ المَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلاَ خَالَتِهَا).
وَعَمِلَ أَبُو حَنِيْفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَغَيْرُهُمَا بِحَدِيْثِهِ: (أَنَّ مَنْ أَكَلَ نَاسِياً، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ ) ، مَعَ أَنَّ القِيَاسَ عِنْدَ أَبِي حَنِيْفَةَ أَنَّهُ يُفْطِرُ، فَتَرَكَ القِيَاسَ لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَهَذَا مَالِكٌ عَمِلَ بِحَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي غَسْلِ الإِنَاءِ سَبْعاً مِنْ وُلُوْغِ الكَلْبِ، مَعَ أَنَّ القِيَاسَ عِنْدَهُ أَنَّهُ لاَ يُغْسَلُ؛ لِطَهَارَتِهِ عِنْدَهُ.بَلْ قَدْ تَرَكَ أَبُو حَنِيْفَةَ القِيَاسَ لِمَا هُوَ دُوْنَ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فِي مَسْأَلَةِ القَهْقَهَةِ، لِذَاكَ الخَبَرِ المُرْسَلِ.
وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَثِيْقَ الحِفْظِ، مَا عَلِمْنَا أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي حَدِيْثٍ.
بَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ المُنْكَدِرِ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ جَالِساً فِي الشَّمْسِ، فَقَلُصَتْ عَنْهُ، فَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ مَجْلِسِهِ.
بَقِيٌّ: حَدَّثَنَا طَالُوْتُ بنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هِلاَلٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَوْ آمَنَ بِي عَشْرَةٌ مِنْ أَحْبَارِ يَهُوْدٍ، لآمَنَ بِي كُلُّ يَهُوْدِيٍّ عَلَى الأَرْضِ ) .
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ فِي الطَّرِيْقِ:
يَا لَيْلَةً مِنْ طُوْلِهَا وَعَنَائِهَا ... عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الكُفْرِ نَجَّتِ
قَالَ: وَأَبَقَ لِي غُلاَمٌ، فَلَمَّا قَدِمْتُ وَبَايَعْتُ، إِذْ طَلَعَ الغُلاَمُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هَذَا غُلاَمُكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟) .
قُلْتُ: هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، فَأَعْتَقْتُهُ.
وَرَوَى: أَيُّوْبُ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ:
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لِبِنْتِهِ: لاَ تَلْبَسِي الذَّهَبَ، فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكِ اللَّهَبَ.
الزُّهْرِيُّ: عَنْ سَالِمٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ:سَأَلَنِي قَوْمٌ مُحْرِمُوْنَ عَنْ مُحِلِّيْنَ أَهْدَوْا لَهُمْ صَيْداً، فَأَمَرْتُهُمْ بِأَكْلِهِ، ثُمَّ لَقِيْتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: لَوْ أَفْتَيْتَهُمْ بِغَيْرِ هَذَا، لأَوْجَعْتُكَ.
زَيْدُ بنُ الحُبَابِ: عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ مُوْسَى، أَخْبَرَنَا نُعَيْمُ بنُ المُحَرَّرِ بنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ جَدِّهِ:
أَنَّهُ كَانَ لَهُ خَيْطٌ، فِيْهِ أَلْفَا عُقْدَةٍ، لاَ يَنَامُ حَتَّى يُسَبِّحَ بِهِ.
شَبَابَةُ بنُ سَوَّارٍ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ:
رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَخْرُجُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَيَقْبِضُ عَلَى رُمَّانَتَيِ المِنْبَرِ قَائِماً، وَيَقُوْلُ:
حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّادِقُ المَصْدُوْقُ، فَلاَ يَزَالُ يُحَدِّثُ حَتَّى يَسْمَعَ فَتْحَ بَابِ المَقْصُوْرَةِ لِخُرُوْجِ الإِمَامَةِ، فَيَجْلِسُ.
أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ بنُ المُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ أَبِي يُوْنُسَ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-:أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيْهَا مُؤْمِناً، وَيُمْسِيْ كَافِراً، يَبِيْعُ دِيْنَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا قَلِيْلٍ، المُتَمَسِّكُ مِنْهُم عَلَى دِيْنِهِ، كَالقَابِضِ عَلَى خَبَطِ الشَّوْكِ، أَوْ جَمْرِ الغَضَى ) .
أَبُو يُوْنُسَ هَذَا: اسْمُهُ سُلَيْمُ بن جُبَيْرٍ، مِنْ مَوَالِي أَبِي هُرَيْرَةَ، صَدُوْقٌ، وَهَذَا أَعْلَى شَيْءٍ يَقَعُ لَنَا مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمٍ، وَالخَضِرُ بنُ حَمَّوَيْه - إِجَازَةً - عَنْ أَبِي الفَرَجِ بنِ كُلَيْبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ بَيَانٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا عَمَّارُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الصَّلْتِ بنِ قُوَيْدٍ الحَنَفِيِّ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ:
قَالَ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ تَقُوْمُ السَّاعَةُ حَتَّى لاَ تَنْطِحُ ذَاتُ قَرْنٍ جَمَّاءَ ) .
الصَّلْتُ هَذَا: كَنَّاهُ النَّسَائِيُّ أَبَا الأَحْمَرِ، وَقَالَ: لاَ أَدْرِيْ كَيْفَ هُوَ؟
ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ هَذَا الحَدِيْثَ، وَقَالَ: قَالَهُ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ - يَعْنِي المَرْوَزِيَّ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَوْنٍ الخَرَّازُ، عَنْ عَمَّارٍ.
قُلْتُ: وَيَرْوِي عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ ثَابِتٍ الجَزَرِيُّ.وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الصَّلْتُ، عَنْ أَبِي الأَحْمَرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: الصَّلْتُ بنُ قُوَيْدٍ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، حَدَّثَنِي عَنْهُ عَمَّارُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعَلِيُّ بنُ ثَابِتٍ الجَزَرِيُّ.
ابْنُ المُبَارَكِ: عَنْ وُهَيْبِ بنِ الوَرْدِ، عَنْ سَلْمِ بنِ بَشِيْرٍ:
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ بَكَى فِي مَرَضِهِ، فَقِيْلَ: مَا يُبْكِيْكَ؟
قَالَ: مَا أَبْكِي عَلَى دُنْيَاكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ عَلَى بُعْدِ سَفَرِي، وَقِلَّةِ زَادِي، وَأَنِّي أَمْسَيْتُ فِي صُعُوْدٍ، وَمَهْبَطُهُ عَلَى جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ، فَلاَ أَدْرِي أَيُّهُمَا يُؤْخَذُ بِي ؟
مَالِكٌ: عَنِ المَقْبُرِيِّ، قَالَ:
دَخَلَ مَرْوَانُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فِي شَكْوَاهُ، فَقَالَ: شَفَاكَ اللهُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ.
فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّ لِقَاءكَ، فَأَحِبَّ لِقَائِي.
قَالَ: فَمَا بَلَغَ مَرْوَانُ أَصْحَابَ القَطَا حَتَّى مَاتَ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ثَابِتُ بنُ قَيْسٍ، عَنْ ثَابِتِ بنِ مِسْحَلٍ، قَالَ: كَتَبَ
الوَلِيْدُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِمَوْتِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ:انْظُرْ مَنْ تَرَكَ، فَأَعْطِهِمْ عَشْرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَأَحْسِنْ جِوَارَهُمْ، فَإِنَّهُ كَانَ مِمَّنْ نَصْرَ عُثْمَانَ، وَكَانَ مَعَهُ فِي الدَّارِ.
قَالَ عُمَيْرُ بنُ هَانِئ العَنْسِيُّ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اللَّهُمَّ لاَ تُدْرِكْنِي سَنَةُ سِتِّيْنَ.
فَتُوُفِّيَ فِيْهَا، أَوْ قَبْلَهَا بِسَنَةٍ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ يَنْزِلُ ذَا الحُلَيْفَةِ، وَلَهُ بِالمَدِيْنَةِ دَارٌ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى مَوَالِيْهِ، وَمَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ، وَلَهُ ثَمَانٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً، وَهُوَ صَلَّى عَلَى عَائِشَةَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ.
قَالَ: وَهُوَ صَلَّى عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ.
قُلْتُ: الصَّحِيْحُ خِلاَفُ هَذَا.
وَرَوَى: سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ:
أَنَّ عَائِشَةَ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ مَاتَا سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ، قَبْلَ مُعَاوِيَةَ بِسَنَتَيْنِ.
تَابَعَهُ: يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَخَلِيْفَةُ، وَالمَدَائِنِيُّ، وَالفَلاَّسُ.
وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ، وَضَمْرَةُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَغْرَاءَ، وَالهَيْثَمُ، وَغَيْرُهُمْ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ.وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَأَبُو عُمَرَ الضَّرِيْرُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: سَنَةَ تِسْعٍ، كَالوَاقِدِيِّ.
وَقِيْلَ: صَلَّى عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ الأَمِيْرُ الوَلِيْدُ بنُ عُتْبَةَ، بَعْدَ العَصْرِ، وَشَيَّعَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو سَعِيْدٍ، وَدُفِنَ بِالبَقِيْعِ.
وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي (طَبَقَاتِ القُرَّاءِ) ، وَأَنَّهُ قَرَأَ عَلَى أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ.
أَخَذَ عَنْهُ: الأَعْرَجُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَطَائِفَةٌ.
وَذَكَرْتُهُ فِي (تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ) ، فَهُوَ رَأْسٌ فِي القُرْآنِ، وَفِي السُّنَّةِ، وَفِي الفِقْهِ.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ النَّحَّاسُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنِ أَبِي دَاوُدَ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ - وَأَنَا بِسِجِسْتَانَ أُصَنِّفُ حَدِيْثَ أَبِي هُرَيْرَةَ - أَبَا هُرَيْرَةَ كَثَّ اللِّحْيَةِ، أَسْمَرَ، عَلَيْهِ ثِيَابٌ غِلاَظٌ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أُحِبُّكَ.
فَقَالَ: أَنَا أَوَّلُ صَاحِبِ حَدِيْثٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا.
فِي (الكُنَى) لأَبِي أَحْمَدَ : أَبُو بُكَيْرٍ إِبْرَاهِيْمُ، عَنْ رَجُلٍ:
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَانَ إِذَا اسْتَثْقَلَ رَجُلاً، قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَأَرِحْنَا
مِنْهُ.حَدَّثَ بِهَذَا: بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، عَنْ مُحَمَّدٍ صَاحِبِ السَّاجِ، عَنْ أَبِي بُكَيْرٍ، قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ:
تَمَخَّطَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَلَيْهِ ثَوْبُ كَتَّانٍ، فَقَالَ: بَخٍ بَخٍ، أَبُو هُرَيْرَةَ يَتَمَخَّطُ فِي الكَتَّانِ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَخِرُّ فِيْمَا بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحُجْرَةِ عَائِشَةَ، يَجِيْءُ الرَّجُلُ يَظُنُّ بِي جُنُوْناً.
شُعْبَةُ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ: رَأَيْتُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ كِسَاءَ خَزٍّ.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَشَأْتُ يَتِيْماً، وَهَاجَرْتُ مِسْكِيْناً.
قَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ: عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ خَبَّابِ بنِ عُرْوَةَ، رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ.
وَفِي (سُنَنِ النَّسَائِيِّ) : أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ دَعَا لِنَفْسِهِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْماً لاَ يُنْسَى.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (آمِيْنَ).
قَالَ الدَّانِيُّ: عَرَضَ أَبُو هُرَيْرَةَ القُرْآنَ عَلَى أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ.
قَرَأَ عَلَيْهِ: الأَعْرَجُ.
قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ مُسْلِمِ بنِ جَمَّازٍ، سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ يَحْكِي لَنَا قِرَاءةَ
أَبِي هُرَيْرَةَ فِي: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} يُحَزِّنُهَا شِبْهَ الرِّثَاءِ.مَعْمَرٌ: عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ:
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لابْنَتِهِ: لاَ تَلْبَسِي الذَّهَبَ، فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكِ اللَّهَبَ.
هَذَا صَحِيْحٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَأَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى تَحْرِيْمِ الذَّهَبِ عَلَى النِّسَاءِ أَيْضاً، أَوْ أَنَّ المَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ تَخْتَالُ فِي لُبْسِ الذَّهَبِ وَتَفْخَرُ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، كَمَا فِيْمَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ.
معَاذُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُعَاذِ بنِ أُبَيٍّ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، قَالَ:
كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ جَرِيْئاً عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ لاَ نسَأَلُهُ عَنْهَا.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَعْلَمَنَا بِحَدِيْثِهِ.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ (الإِحْكَامِ، فِي أُصُوْلِ الأَحْكَامِ) : المُتَوَسِّطُوْنَ فِيْمَا رُوِيَ عَنْهُم مِنَ الفَتَاوَى:
عُثْمَانُ، أَبُو هُرَيْرَةَ، عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ العَاصِ، أُمُّ سَلَمَةَ، أَنَسٌ، أَبُو سَعِيْدٍ، أَبُو مُوْسَى، عَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ، سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ، سَلْمَانُ، جَابِرٌ، مُعَاذٌ، أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ.
فَهُمْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ فَقَط، يُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ مِنْ فُتْيَا كُلِّ امْرِئٍ مِنْهُم جُزْءٌ صَغِيْرٌ.
وَيُضَافُ إِلَيْهِمْ: الزُّبَيْرُ، طَلْحَةُ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عِمْرَانُ بنُ حُصَيْنٍ، أَبُو بَكْرٍ الثَّقَفِيُّ، عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ، مُعَاوِيَةُ.ثُمَّ بَاقِي الصَّحَابَةِ مُقِلُّوْنَ فِي الفُتْيَا، لاَ يُرْوَى عَنِ الوَاحِدِ إِلاَّ المَسْأَلَةُ وَالمَسْأَلَتَانِ.
ثُمَّ سَرَدَ ابْنُ حَزْمٍ عِدَّةً مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُم: أَبُو عُبَيْدَةَ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَجَرِيْرٌ، وَحَسَّانٌ.
مِزْوَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ:
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنَا المُهَاجِرُ مَوْلَى آلِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتَمَرَاتٍ، فَقُلْتُ: ادْعُ لِي فِيْهِنَّ يَا رَسُوْلَ اللهِ بِالبَرَكَةِ.
فَقَبَضَهُنَّ، ثُمَّ دَعَا فِيْهِنَّ بِالبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ: (خُذْهُنَّ، فَاجْعَلْهُنَّ فِي مِزْوَدٍ، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُنَّ، فَأَدْخِلْ يَدَكَ، فَخُذْ، وَلاَ تَنْثُرْهُنَّ نَثْراً) .
فَقَالَ: فَحَمَلْتُ مِنْ ذَلِكَ التَّمْرِ كَذَا وَكَذَا وَسْقاً فِي سَبِيْلِ اللهِ، وَكُنَّا نَأْكُلُ وَنُطْعِمُ، وَكَانَ المِزْوَدُ مُعَلَّقاً بَحَقْوِي، لاَ يُفَارِقُ حَقْوِي، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ انْقَطَعَ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ، غَرِيْبٌ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الطُّوْسِيُّ، وَشُهْدَةُ، وَتَجْنِي الوَهْبَانِيَّةُ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا طِرَادٌ
الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا هِلاَلٌ الحَفَّارُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا سَهْلُ بنُ زِيَادٍ أَبُو زِيَادٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ السَّخْتِيَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزَاةٍ، فَأَصَابَهُمْ عَوَزٌ مِنَ الطَّعَامٍ، فَقَالَ: (يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، عِنْدَكَ شَيْءٌ؟) .
قُلْتُ: شَيْءٌ مِنْ تَمْرٍ فِي مِزْوَدٍ لِي.
قَالَ: (جِئْ بِهِ) .
فَجِئْتُ بِالمِزْوَدِ، فَقَالَ: (هَاتِ نِطْعاً) .
فَجِئْتُ بِالنِّطْعِ، فَبَسَطَهُ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ، فَقَبَضَ عَلَى التَّمْرِ، فَإِذَا هُوَ إِحْدَى وَعِشْرُوْنَ تَمْرَةً.
قَالَ: ثُمَّ قَالَ: (بِسْمِ اللهِ) .
فَجَعَلَ يَضَعُ كُلَّ تَمْرَةٍ وَيُسَمِّي، حَتَّى أَتَى عَلَى التَّمْرِ، فَقَالَ بِهِ هَكَذَا، فَجَمَعَهُ، فَقَالَ: (ادْعُوا فُلاَناً، وَأَصْحَابَهُ) .
فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، وَخَرَجُوا.
ثُمَّ قَالَ: (ادْعُوا فُلاَناً، وَأَصْحَابَهُ) .
فَأَكَلُوا، وَشَبِعُوا، وَخَرَجُوا.
ثُمَّ قَالَ: (ادْعُوا فُلاَناً، وَأَصْحَابَهُ) .
فَأَكَلُوا، وَشَبِعُوا، وَخَرَجُوا، وَفَضَلَ تَمْرٌ.
فَقَالَ لِي: (اقْعُدْ) .
فَقَعَدْتُ، فَأَكَلْتُ، وَفَضَلَ تَمْرٌ، فَأَخَذَهُ، فَأَدْخَلَهُ فِي المِزْوَدِ، فَقَالَ: (يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِذَا أَرَدْتَ شَيْئاً، فَأَدْخِلْ يَدَكَ، فَخُذْ، وَلاَ تَكْفَأْ، فَيُكْفَأَ عَلَيْكَ ) .
قَالَ: فَمَا كُنْتُ أُرِيْدُ تَمْراً إِلاَّ أَدْخَلْتُ يَدِي، فَأَخَذْتُ مِنْهُ خَمْسِيْنَ وَسْقاً فِي سَبِيْلِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فَكَانَ مُعَلَّقاً خَلْفَ رَحْلِي، فَوَقَعَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ، فَذَهَبَ.
هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ.تَفَرَّدَ بِهِ: سَهْلٌ، وَهُوَ صَالِحٌ - إِنْ شَاءَ اللهُ - وَهُوَ فِي (أَمَالِي ابْنِ شَمْعُوْنَ) ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سَلْمٍ، عَنْ حَفْصٍ الرَّبَالِيِّ.
مُسْنَدُهُ: خَمْسَةُ آلاَفٍ وَثَلاَثُ مائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَسَبْعُوْنَ حَدِيْثاً.
المُتَّفَقُ فِي البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْهَا: ثَلاَثُ مائَةٍ وَسِتَّةٌ وَعِشْرُوْنَ.
وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ: بِثَلاَثَةٍ وَتِسْعِيْنَ حَدِيْثاً، وَمُسْلِمٌ: بِثَمَانِيَةٍ وَتِسْعِيْنَ حَدِيْثاً.
جَاءَ فِي آخِرِ المُجَلَّدِ الثَّالِثِ مِنَ الأَصْلِ الَّذِي اعْتَمَدْنَاهُ مَا نَصُّهُ:تَمَّ الجُزْءُ الثَّالِثُ مِنْ كِتَابِ (سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ) ، لِلشَّيْخِ، الإِمَامِ، النَّاقِدِ، البَارِعِ، شَيْخِ المُحَدِّثِيْنَ، شَمْسِ الدِّيْنِ، أَبِي عَبْدِ اللهِ، مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ الذَّهَبِيِّ - أَمْتَعَ اللهُ بِحَيَاتِهِ، وَنَفَعَ المُسْلِمِيْنَ بِبَرَكَتِهِ -.
وَيَتْلُوْهُ فِي الجُزْءِ الرَّابِعِ: تَرْجَمَةُ أَبِي بَكْرَةَ الثَّقَفِيِّ؛ مَوْلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَكَانَ الفَرَاغُ مِنْ نَسْخِهِ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، مُسْتَهَلَّ شَهْرِ شَعْبَانَ المُبَارَكِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسَبْعِ مائَةٍ.
وَالحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَصَلَوَاتُهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيْماً.
سَيَبْقَى الخَطُّ بَعْدِي فِي الكِتَابِ ... وَتَبْلَى اليَدُ مِنِّي فِي التُّرَابِ
فَيَا لَيْتَ الَّذِي يَقْرَا كِتَابِي ... دَعَا لِي بِالخَلاَصِ مِنَ الحِسَابِ
كَتَبْتُ هَذِهِ النُّسْخَةَ المُبَارَكَةَ مِنْ نُسْخَةٍ بِخَطِّ: المُصَنِّفِ، الشَّيْخِ، الإِمَامِ الأَوْحَدِ، الحُجَّةِ، إِمَامِ المُحَدِّثِيْنَ، مُؤَرِّخِ الإِسْلاَمِ، شَمْسِ الدِّيْنِ، أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ الذَّهَبِيِّ - فَسَحَ اللهُ فِي مُدَّتِهِ، وَنَفَعَ المُسْلِمِيْنَ بِبَرَكَتِهِ، بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَعِتْرَتِهِ -.
الْجُزْءُ الْثَّالِثُبَقِيَّةُ كُبَرَاءِ الصَّحَابَةِ
الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، المُجْتَهِدُ، الحَافِظُ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبُو هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيُّ، اليَمَانِيُّ، سَيِّدُ الحُفَّاظِ الأَثْبَاتِ.
اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ عَلَى أَقْوَالٍ جَمَّةٍ، أَرْجَحُهَا: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ صَخْرٍ.
وَقِيْلَ: ابْنُ غَنْمٍ.
وَقِيْلَ: كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ شَمْسٍ، وَعَبْدَ اللهِ.
وَقِيْلَ: سَكِيْنٌ.
وَقِيْلَ: عَامِرٌ.
وَقِيْلَ: بَرِيْرٌ.
وَقِيْلَ: عَبْدُ بنُ غَنْمٍ.
وَقِيْلَ: عَمْرٌو.
وَقِيْلَ: سَعِيْدٌ.
وَكَذَا فِي اسْمِ أَبِيْهِ أَقْوَالٌ.
قَالَ هِشَامُ بنُ الكَلْبِيِّ: هُوَ عُمَيْرُ بنُ عَامِرِ بنِ ذِي الشَّرَى بنِ طَرِيْفِ بنِ عَيَّانَ بنِ أَبِي صَعْبٍ بنِ هُنَيَّةَ بنِ سَعْدِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ سُلَيْمِ بنِ فَهْمِ بنِ غَنْمِ بنِ دَوْسِ بنِ عُدْثَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ زَهْرَانَ بنِ كَعْبِ بنِ الحَارِثِ بنِ كَعْبِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَالِكِ بنِ نَصْرِ بنِ الأَزْدِ.
وَهَذَا بِعَيْنِهِ قَالَهُ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ فِي نَسَبِهِ، لَكِنَّهُ قَالَ: عَتَّابٌ فِي عَيَّانَ، وَقَالَ: مُنَبِّهٌ فِي هُنَيَّةَ.
وَيُقَالُ: كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ اسْمُهُ عَبْدُ شَمْسٍ، أَبُو الأَسْوَدِ، فَسَمَّاهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَبْدَ اللهِ، وَكَنَّاهُ أَبَا هُرَيْرَةَ.وَالمَشْهُوْرُ عَنْهُ: أَنَّهُ كُنِيَ بِأَوْلاَدِ هِرَّةٍ بَرِّيَّةٍ.
قَالَ: وَجَدْتُهَا، فَأَخَذْتُهَا فِي كُمِّي، فَكُنِيْتُ بَذَلِكَ.
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: وَأُمُّهُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - هِيَ: مَيْمُوْنَةُ بِنْتُ صَبِيْحٍ.
حَمَلَ عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِلْماً كَثِيْراً، طَيِّباً، مُبَارَكاً فِيْهِ، لَمْ يُلْحَقْ فِي كَثْرَتِهِ، وَعَنْ: أُبَيٍّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأُسَامَةَ، وَعَائِشَةَ، وَالفَضْلِ، وَبَصْرَةَ بنِ أَبِي بَصْرَةَ، وَكَعْبٍ الحَبْرِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: خَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ.
فَقِيْلَ: بَلَغَ عَدَدُ أَصْحَابِهِ ثَمَانِ مائَةٍ، فَاقْتَصَرَ صَاحِبُ (التَّهْذِيْبِ) ، فَذَكَرَ مَنْ لَهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ فِي كُتُبِ الأَئِمَّةِ السِّتَّةِ، وَهُمْ:
إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حُنَيْنٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قَارِظٍ الزُّهْرِيُّ - وَيُقَالُ: عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ - وَإِسْحَاقُ مَوْلَى زَائِدَةَ، وَأَسْوَدُ بنُ هِلاَلٍ، وَأَغَرُّ بنُ سُلَيْكٍ، وَالأَغَرُّ أَبُو مُسْلِمٍ، وَأَنَسُ بنُ حَكِيْمٍ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَأَوْسُ بنُ خَالِدٍ.
وَبُسْرُ بنُ سَعِيْدٍ، وَبَشِيْرُ بنُ نَهِيْكٍ، وَبَشِيْرُ بنُ كَعْبٍ، وَبَعْجَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ الجُهَنِيُّ، وَبُكَيْرُ بنُ فَيْرُوْزٍ.
وَثَابِتُ بنُ عِيَاضٍ، وَثَابِتُ بنُ قَيْسٍ الزُّرَقِيُّ، وَثَوْرُ بنُ عُفَيْرٍ.
وَجَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَجَبْرُ بنُ عُبَيْدَةَ، وَجَعْفَرُ بنُ عِيَاضٍ، وَجُمْهَانُ
الأَسْلَمِيُّ، وَالجُلاَسُ.وَالحَارِثُ بنُ مُخَلَّدٍ، وَحُرَيْثُ بنُ قَبِيْصَةَ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَحُصَيْنُ بنُ اللَّجْلاَجِ - وَيُقَالُ: خَالِدٌ، وَيُقَالُ: قَعْقَاعٌ - وَحُصَيْنُ بنُ مُصْعَبٍ، وَحَفْصُ بنُ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ، وَحَفْصُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَنَسٍ، وَالحَكَمُ بنُ مِيْنَاءَ، وَحُكَيْمُ بنُ سَعْدٍ، وَحُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، وَحُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَحُمَيْدُ بنُ مَالِكٍ، وَحَنْظَلَةُ بنُ عَلِيٍّ، وَحَيَّانُ بنُ بِسْطَامَ وَالِدُ سُلَيْمٍ.
وَخَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَخَالِدُ بنُ غِلاَقٍ، وَخَبَّابٌ صَاحِبُ (المَقْصُوْرَةِ) ، وَخِلاَسٌ، وَخَيْثَمَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَذُهَيْلُ بنُ عَوْفٍ.
وَرَبِيْعَةُ الجُرَشِيُّ، وَرُمَيْحٌ الجُذَامِيُّ.
وَزُرَارَةُ بنُ أَوْفَى، وَزُفَرُ بنُ صَعْصَعَةَ - بِخُلْفٍ - وَزِيَادُ بنُ ثُوَيْبٍ، وَزِيَادُ بنُ رِيَاحٍ، وَزِيَادُ بنُ قَيْسٍ، وَزِيَادٌ الطَّائِيُّ، وَزَيْدُ بنُ أَسْلَمَ مُرْسَلٌ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي عَتَّابٍ.
وَسَالِمٌ العُمَرِيُّ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ، وَسَالِمٌ أَبُو الغَيْثِ، وَسَالِمٌ مَوْلَى النَّصْرِيِّيْنَ، وَسُحَيْمٌ الزُّهْرِيُّ، وَسَعْدُ بنُ هِشَامٍ، وَسَعِيْدُ بنُ الحَارِثِ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي الحَسَنِ، وَسَعِيْدُ بنُ حَيَّانَ، وَسَعِيْدٌ المَقْبُرِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ سَمْعَانَ، وَسَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو الأَشْدَقُ، وَسَعِيْدُ بنُ مَرْجَانَةَ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، وَسَعِيْدُ بنُ يَسَارٍ، وَسَلْمَانُ
الأَغَرُّ، وَسَلَمَةُ بنُ الأَزْرَقِ، وَسَلَمَةُ اللَّيْثِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ حَبِيْبٍ المُحَارِبِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ سِنَانٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، وَسِنَانُ بنُ أَبِي سِنَانٍ.وَشُتَيْرٌ - وَقِيْلَ: سُمَيْرُ - بنُ نَهَارٍ، وَشَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ، وَشُرَيْحُ بنُ هَانِئ، وَشُفَيُّ بنُ مَاتِعٍ، وَشَقِيْقُ بنُ سَلَمَةَ، وَشَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ.
وَصَالِحُ بنُ دِرْهَمٍ، وَصَالِحُ بنُ أَبِي صَالِحٍ، وَصَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، وَصَعْصَعَةُ بنُ مَالِكٍ، وَصُهَيْبٌ العُتْوَارِيُّ.
وَالضَّحَّاكُ بنُ شُرَحْبِيْلَ، وَالضَّحَّاكُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَرْزَمٍ، وَضَمْضَمُ بنُ جَوْسٍ.
وَطَارِقُ بنُ مَحَاسِنَ، وَطَاوُوْسٌ اليَمَانِيُّ.
وَعَامِرُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَامِرُ بنُ سَعْدٍ البَجَلِيُّ، وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ.
وَعَبَّادٌ أَخُوْ سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَعَبَّاسٌ الجُشَمِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ ثَعْلَبَةَ بنِ صُعَيْرٍ، وَأَبُو الوَلِيْدِ عَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، وَأَبُو سَلَمَةَ عَبْدُ اللهِ بنُ رَافِعٍ الحَضْرَمِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَبَاحٍ الأَنْصَارِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعْدٍ مَوْلَى عَائِشَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَقِيْقٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ ضَمْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ ابْنِ عُمَرَ عُبَيْدُ اللهِ - وَقِيْلَ: عَبْدُ اللهِ - وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّوْسِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُتْبَةَ
الهُذَلِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ عَبْدٍ القَارِّيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ فَرُّوْخٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يَامِيْنَ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ سَالِمٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ آدَمَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أُذَيْنَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حُجَيْرَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَدْرَدَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خَالِدِ بنِ مَيْسَرَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَعْدٍ مَوْلَى الأَسْوَدِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَعْدٍ المُقْعَدُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الصَّامِتِ، وَابْنُ الهَضْهَاضِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ كَعْبٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي عَمْرَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَنْمٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي كَرِيْمَةَ وَالِدُ السُّدِّيِّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مِهْرَانَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي نُعْمٍ البَجَلِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ هُرْمُزَ الأَعْرَجُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَعْقُوْبَ الحُرَقِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مَرْوَانَ،وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - بِخُلْفٍ - وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ يَسَارٍ.
وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي رَافِعٍ النَّبَوِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَوْهَبٍ، وَعُبَيْدُ بنُ حُنَيْنٍ، وَعُبَيْدُ بنُ سَلْمَانَ، وَعُبَيْدُ بنُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَعُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ، وَعَبِيْدَةُ بنُ سُفْيَانَ.
وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي سَوْدَةَ، وَعُثْمَانُ بنُ شَمَّاسٍ - بِخُلْفٍ - وَعُثْمَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَوْهَبٍ.
وَعَجْلاَنُ وَالِدُ مُحَمَّدٍ، وَعَجْلاَنُ مَوْلَى المُشْمَعِلِّ.
وَعِرَاكُ بنُ مَالِكٍ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَعُرْوَةُ بنُ تَمِيْمٍ.
وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي عَلْقَمَةَ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي مُسْلِمٍ الخُرَاسَانِيُّ - وَلَمْ يُدْرِكْهُ - وَعَطَاءُ بنُ مِيْنَا، وَعَطَاءُ بنُ يَزِيْدَ، وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَعَطَاءٌ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ، وَعَطَاءٌ مَوْلَى أُمِّ صُبَيَّةَ، وَعَطَاءٌ الزَّيَّاتُ - إِنْ صَحَّ -.
وَعِكْرِمَةُ بنُ خَالِدٍ - وَمَا أَظُنُّهُ لَحِقَهُ - وَعِكْرِمَةُ العَبَّاسِيُّ، وَعَلْقَمَةُ بنُ بَجَالَةَ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَعُلَيُّ بنُ رَبَاحٍ، وَعَلِيُّ بنُ شَمَّاخٍ - إِنْ صَحَّ -.
وَعَمَّارُ بنُ أَبِي عَمَّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَعُمَارَةُ - وَقِيْلَ: عَمْرُو - بنُ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيُّ، وَعُمَرُ بنُ الحَكَمِ بنِ ثَوْبَانَ، وَعُمَرُ بنُ الحَكَمِ بنِ رَافِعٍ،
وَعُمَرُ بنُ خَلْدَةَ قَاضِي المَدِيْنَةِ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَعَمْرُو بنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَعَمْرُو بنُ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيُّ، وَعَمْرُو بنُ عَاصِمِ بنِ سُفْيَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيُّ، وَعَمْرُو بنُ عُمَيْرٍ، وَعَمْرُو بنُ قُهَيْدٍ، وَعَمْرُو بنُ مَيْمُوْنٍ الأَوْدِيُّ، وَعُمَيْرُ بنُ الأَسْوَدِ العَنْسِيُّ، وَعُمَيْرُ بنُ هَانِئ العَنْسِيُّ، وَعَنْبَسَةُ بنُ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ.وَعَوْفُ بنُ الحَارِثِ رَضِيْعُ عَائِشَةَ، وَالعَلاَءُ بنُ زِيَادٍ العَدَوِيُّ، وَعِيْسَى بنُ طَلْحَةَ.
وَالقَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَقَبِيْصَةُ بنُ ذُؤَيْبٍ، وَقَسَامَةُ بنُ زُهَيْرٍ، وَالقَعْقَاعُ بنُ حَكِيْمٍ - وَلَمْ يَلْقَهُ - وَقَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ.
وَكَثِيْرُ بنُ مُرَّةَ، وَكَعْبٌ المَدَنِيُّ، وَكُلَيْبُ بنُ شِهَابٍ، وَكُمَيْلُ بنُ زِيَادٍ، وَكِنَانَةُ مَوْلَى صَفِيَّةَ.
وَمَالِكُ بنُ أَبِي عَامِرٍ الأَصْبَحِيُّ، وَمُجَاهِدٌ.
وَالمُحَرَّرُ بنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِيَاسَ بنِ البُكَيْرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ ثَابِتٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ شُرَحْبِيْلَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَائِشَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبَّادِ بنِ جَعْفَرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ ثَوْبَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي ذُبَابٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمَّارٍ القَرَظُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَطَاءٍ - بِخُلْفٍ - وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ - وَلَمْ يَلْحَقْهُ - وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ.
وَمَرْوَانُ بنُ الحَكَمِ، وَمُضَارِبُ بنُ حَزْنٍ، وَالمُطَّلِبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَنْطَبٍ، وَالمُطَوِّسُ - وَيُقَالُ: أَبُو المُطَوِّسِ - وَمَعْبَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ هِشَامٍ وَالِدُ زُهْرَةَ، وَالمُغِيْرَةُ بنُ أَبِي بُرْدَةَ، وَمَكْحُوْلٌ - وَلَمْ يَرَهُ - وَالمُنْذِرُ أَبُو نَضْرَةَ العَبْدِيُّ، وَمُوْسَى بنُ طَلْحَةَ، وَمُوْسَى بنُ وَرْدَانَ، وَمُوْسَى بنُ يَسَارٍ، وَمَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ، وَمِيْنَا مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ.
وَنَافِعُ بنُ جُبَيْرٍ، وَنَافِعُ بنُ عَبَّاسٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ، وَنَافِعُ بنُ أَبِي نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي أَحْمَدَ، وَنَافِعٌ العُمَرِيُّ، وَالنَّضْرُ بنُ سُفْيَانَ، وَنُعَيْمٌ المُجَمِّرُ، وَهَمَّامُ بنُ مُنَبِّهٍ، وَهِلاَلُ بنُ أَبِي هِلاَلٍ، وَالهَيْثَمُ بنُ أَبِي سِنَانٍ.وَوَاثِلَةُ بنُ الأَسْقَعِ، وَالوَلِيْدُ بنُ رَبَاحٍ.
وَيَحْيَى بنُ جَعْدَةَ، وَيزَيْدُ بنُ الأَصَمِّ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي صَالِحٍ، وَيَحْيَى بنُ النَّضْرِ الأَنْصَارِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يَعْمُرَ، وَيَزِيْدُ بنُ رُوْمَانَ - وَلَمْ يَلْحَقْهُ - وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيْرِ، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُسَيْطٍ، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَوْدِيُّ وَالِدُ إِدْرِيْسَ، وَيَزِيْدُ بنُ هُرْمُزَ، وَيَزِيْدُ مَوْلَى المُنْبَعِثِ، وَيَعْلَى بنُ عُقْبَةَ، وَيَعْلَى بنُ مُرَّةَ، وَيُوْسُفُ بنُ مَاهَكَ.
وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَأَبُو أُمَامَةَ بنُ سَهْلٍ، وَأَبُو أَيُّوْبَ المَرَاغِيُّ.
وَأَبُو بَكْرٍ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو تَمِيْمَةَ الهُجَيْمِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ الأَزْدِيُّ.
وَأَبُو جَعْفَرٍ المَدَنِيُّ - فَإِنْ كَانَ البَاقِرَ فَمُرْسَلٌ - وَأَبُو الجَوْزَاءِ الرَّبَعِيُّ، وَأَبُو حَازِمٍ الأَشْجَعِيُّ، وَأَبُو الحَكَمِ البَجَلِيُّ، وَأَبُو الحَكَمِ مَوْلَى بَنِي لَيْثٍ، وَأَبُو حُمَيْدٍ - فَيُقَالُ: هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَعْدٍ المُقْعَدُ - وَأَبُو حَيٍّ المُؤَذِّنُ، وَأَبُو خَالِدٍ البَجَلِيُّ وَالِدُ إِسْمَاعِيْلَ، وَأَبُو خَالِدٍ الوَالِبِيُّ، وَأَبُو خَالِدٍ مَوْلَى آلِ جَعْدَةَ.
وَأَبُو رَافِعٍ الصَّائِغُ، وَأَبُو الرَّبِيْعِ المَدَنِيُّ، وَأَبُو رَزِيْنٍ الأَسَدِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ البَجَلِيُّ، وَأَبُو زَيْدٍ.
وَأَبُو السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بنِ زُهْرَةَ، وَأَبُو سَعْدٍ الخَيْرُ - حِمْصِيٌّ، وَيُقَالُ: أَبُو سَعِيْدٍ - وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ أَبِي المُعَلَّى، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَزْدِيُّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ المَقْبُرِيُّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ مَوْلَى ابْنِ عَامِرٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ
مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو السَّلِيْلِ القَيْسِيُّ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ المُحَارِبِيُّ.وَأَبُو صَالِحٍ الأَشْعَرِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ الحَنَفِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ الخُوْزِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَأَبُو صَالِحٍ مَوْلَى ضُبَاعَةَ، وَأَبُو الصَّلْتِ، وَأَبُو الضَّحَّاكِ.
وَأَبُو العَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الدَّوْسِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ القَرَّاظُ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مَوْلَى الجُنْدَعِيِّيْنَ، وَأَبُو عَبْدِ العَزِيْزِ، وَأَبُو عَبْدِ المَلِكِ مَوْلَى أُمِّ مِسْكِيْنٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ، وَأَبُو عُثْمَانَ التَّبَّانُ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَأَبُو عُثْمَانَ الطُّنْبُذِيُّ، وَأَبُو عُثْمَانَ آخَرُ، وَأَبُو عَلْقَمَةَ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَأَبُو عُمَرَ الغُدَانِيُّ، وَأَبُو غَطَفَانَ المُرِّيُّ.
وَأَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ - مُرْسَلٌ - وَأَبُو كِبَاشٍ العَيْشِيُّ، وَأَبُو كَثِيْرٍ السُّحَيْمِيُّ.
وَأَبُو المُتَوَكِّلِ النَّاجِي، وَأَبُو مُدِلَّةَ مَوْلَى عَائِشَةَ، وَأَبُو مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيْلٍ، وَأَبُو مَرْيَمَ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو مُزَاحِمٍ - مَدَنِيٌّ - وَأَبُو مُزَرِّدٍ، وَأَبُو المُهَزِّمِ البَصْرِيُّ، وَأَبُو مَيْمُوْنَةَ - مَدَنِيٌّ -.
وَأَبُو هَاشِمٍ الدَّوْسِيُّ، وَأَبُو الوَلِيْدِ مَوْلَى عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ، وَأَبُو يَحْيَى مَوْلَى آلِ جَعْدَةَ، وَأَبُو يَحْيَى الأَسْلَمِيُّ، هُوَ وَأَبُو يُوْنُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَابْنُ حَسَنَةَ الجُهَنِيُّ، وَابْنُ سِيْلاَنَ، وَابْنُ مُكَرِّزٍ - شَامِيٌّ - وَابْنُ وَثِيْمَةَ النَّصْرِيُّ.
وَكَرِيْمَةُ بِنْتُ الحَسْحَاسِ، وَأُمُّ الدَّرْدَاءِ الصُّغْرَى.
قَالَ البُخَارِيُّ: رَوَى عَنْهُ ثَمَانُ مائَةٍ أَوْ أَكْثَرُ.وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ مَقْدَمُهُ وَإِسْلاَمُهُ فِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ، عَامَ خَيْبَرَ.
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ يَنْزِلُ ذَا الحُلَيْفَةِ، وَلَهُ بِهَا دَارٌ، فَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى مَوَالِيْهِ، فَبَاعُوْهَا مِنْ عَمْرِو بنِ مِرْبَعٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ لُبَيْنَةَ : رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَجُلاً آدَمَ، بَعِيْدَ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ، أَفْرَقَ الثَّنِيَّتَيْنِ، ذَا ضَفِيْرَتَيْنِ.
وَقَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَبْيَضَ، لَيِّناً، لِحْيَتُهُ حَمْرَاءُ.
وَقَدْ حَدَّثَ بِدِمَشْقَ.
فَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ كَرِيْمَةَ بِنْتِ الحَسْحَاسِ، قَالَتْ:
سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ فِي بَيْتِ أُمِّ الدَّرْدَاءِ يَقُوْلُ: (ثَلاَثٌ هُنَّ كُفْرٌ: النِّيَاحَةُ، وَشَقُّ الجَيْبِ، وَالطَّعْنُ فِي النَّسَبِ).
وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَبْدِ شَمْسٍ - قَوَّاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ - وَقَالَ: هَذِهِ دِلاَلَةٌ أَنَّ اسْمَهُ كَانَ عَبْدَ شَمْسٍ.وَهُوَ أَحْسَنُ إِسْنَاداً مِنْ حَدِيْثِ سُفْيَانَ بنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ اسْمَانِ قَبْلُ.
عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ المُحَرَّرِ، قَالَ:
كَانَ اسْمُ أَبِي: عَبْدَ عَمْرٍو بنَ عَبْدِ غَنْمٍ.
وَقَالَ الذُّهْلِيُّ: هَذَا أَوْقَعُ الرِّوَايَاتِ عِنْدِي عَلَى القَلْبِ، وَاعْتَمَدَهُ النَّسَائِيُّ.
أَبُو إِسْمَاعِيْلَ المُؤَدِّبُ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاسْمُهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ صَخْرٍ.
أَبُو مَعْشَرٍ نَجِيْحٌ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ قَيْسٍ، قَالَ:
كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ: لاَ تُكْنُوْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ، كَنَّانِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا هِرٍّ، فَقَالَ: (ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ أَبَا هِرٍّ) ، وَالذَّكَرُ خَيْرٌ مِنَ الأُنْثَى.
وَعَنْ كَثِيْرِ بنِ زَيْدٍ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ رَبَاحٍ:
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُوْلُ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُوْنِي: أَبَا هِرٍّ.
رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ: حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ رَافِعٍ: قُلْتُ لأَبِي
هُرَيْرَةَ: لِمَ كَنَّوْكَ أَبَا هُرَيْرَةَ؟قَالَ: أَمَا تَفْرَقُ مِنِّي؟
قُلْتُ: بَلَى، إِنِّي لأَهَابُكَ.
قَالَ: كُنْتُ أَرْعَى غَنَماً لأَهْلِي، فَكَانَتْ لِي هُرَيْرَةٌ أَلْعَبُ بِهَا، فَكَنَّوْنِي بِهَا.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ لُبَيْنَةَ الطَّائِفِيِّ:
أَنَّهُ وَصَفَ لِي أَبَا هُرَيْرَةُ، فَقَالَ: كَانَ رَجُلاً آدَمَ، بَعِيْدَ المَنْكِبَيْنِ، أَفْرَقَ الثَّنِيَّتَيْنِ، ذَا ضَفِيْرَتَيْنِ.
وَقَالَ قُرَّةُ بنُ خَالِدٍ: قُلْتُ لابْنِ سِيْرِيْنَ: أَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مُخْشَوْشِناً؟
قَالَ: بَلْ كَانَ لَيِّناً، وَكَانَ أَبْيَضَ، لِحْيَتُهُ حَمْرَاءُ، يَخْضِبُ.
وَرَوَى: أَبُو العَالِيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مِمَّنْ أَنْتَ؟) .
قُلْتُ: مِنْ دَوْسٍ.
قَالَ: (مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ فِي دَوْسٍ أَحَداً فِيْهِ خَيْرٌ ) .
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: شَهِدْتُ خَيْبَرَ.
هَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ المُسَيِّبِ.
وَرَوَى عَنْهُ قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ: جِئْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ بَعْدَ مَا فَرَغُوْا مِنَ القِتَالِ.
الدَّرَاوَرْدِيُّ: حَدَّثَنَا خُثَيْمُ بنُ عِرَاكٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى خَيْبَرَ، وَقَدِمْتُ المَدِيْنَةَ مُهَاجِراً، فَصَلَّيْتُ الصُّبْحَ خَلْفَ سِبَاعِ بنِ عُرْفُطَةَ، كَانَ اسْتَخْلَفَهُ، فَقَرَأَ فِي السَّجْدَةِ الأُوْلَى: بِسُوْرَةِ مَرْيَمَ، وَفِي الآخِرَةِ: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِيْنَ .
فَقُلْتُ: وَيْلٌ لأَبِي، قَلَّ رَجُلٌ كَانَ بِأَرْضِ الأَزْدِ إِلاَّ وَكَانَ لَهُ مِكْيَالاَنِ، مِكْيَالٌ لِنَفْسِهِ، وَآخَرُ يَبْخَسُ بِهِ النَّاسَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ، قَالَ لَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ: صَحِبْتُ رَسُوْلَ اللهِ ثَلاَثَ سِنِيْنَ.
وَأَمَّا حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِمْيَرِيُّ، فَقَالَ: صَحِبَ أَرْبَعَ سِنِيْنَ.
وَهَذَا أَصَحُّ، فَمِنْ فُتُوْحِ خَيْبَرَ إِلَى الوَفَاةِ أَرْبَعَةُ أَعْوَامٍ وَلَيَالٍ.وَقَدْ جَاعَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَاحْتَاجَ، وَلَزِمَ المَسْجِدَ.
وَلَمَّا هَاجَرَ كَانَ مَعَهُ مَمْلُوكٌ لَهُ، فَهَرَبَ مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي أُصْرَعُ بَيْنَ القَبْرِ وَالمِنْبَرِ مِنَ الجُوْعِ، حَتَّى يَقُوْلُوا: مَجْنُوْنٌ.
هِشَامٌ: عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَتَمَخَّطَ، فَمَسَحَ بِرِدَائِهِ، وَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي تَمَخَّطَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي الكَتَّانِ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لأَخِرُّ فِيْمَا بَيْنَ مَنْزِلِ عَائِشَةَ وَالمِنْبَرِ مَغْشِيّاً عَلَيَّ مِنَ الجُوْعِ، فَيَمُرُّ الرَّجُلُ، فَيَجْلِسُ عَلَى صَدْرِي، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُوْلُ: لَيْسَ الَّذِي تَرَى، إِنَّمَا هُوَ الجُوْعُ.
قُلْتُ: كَانَ يَظُنُّهُ مَنْ يَرَاهُ مَصْرُوْعاً، فَيْجْلِسُ فَوْقَهُ لِيَرْقِيْهِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ: عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
كُنْتُ فِي الصُّفَّةِ، فَبَعَثَ إِلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ بِتَمْرٍ عَجْوَةٍ، فَكُنَّا نَقْرِنُ التَّمْرَتَيْنِ مِنَ الجُوْعِ، وَكَانَ أَحَدُنَا إِذَا قَرَنَ، يَقُوْلُ لِصَاحِبِهِ: قَدْ قَرَنْتُ، فَاقْرِنُوا.
عُمَرُ بنُ ذَرٍّ: حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
وَاللهِ إِنْ كُنْتُ لأَعْتَمِدُ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الجُوْعِ، وَإِنْ كُنْتُ لأَشُدُّ الحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنَ الجُوْعِ، وَلَقَدْ قَعَدْتُ عَلَى طَرِيْقِهِمْ، فَمَرَّ بِي أَبُو بَكْرٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللهِ، مَا أَسْأَلُهُ إِلاَّ لِيَسْتَتْبِعَنِي، فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ، فَمَرَّ عُمَرُ، فَكَذَلِكَ، حَتَّى مَرَّ بِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَرَفَ مَا فِي وَجْهِي مِنَ الجُوْعِ، فَقَالَ: (أَبُو هُرَيْرَةَ) .
قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ.
فَدَخَلْتُ مَعَهُ البَيْتَ، فَوَجَدَ لَبَناً فِي قَدَحٍ، فَقَالَ: (مِنْ أَيْنَ لَكُم هَذَا؟) .
قِيْلَ: أَرْسَلَ بِهِ إِلَيْكَ فُلاَنٌ.
فَقَالَ: (يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، انْطَلِقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ، فَادْعُهُمْ) .
وَكَانَ أَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافَ الإِسْلاَمِ، لاَ أَهْلَ وَلاَ مَالَ، إِذَا أَتَتْ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَدَقَةٌ، أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يُصِبْ مِنْهَا شَيْئاً، وَإِذَا جَاءتْهُ هَدِيَّةٌ أَصَابَ مِنْهَا، وَأَشْرَكَهُمْ فِيْهَا،
فَسَاءنِي إِرْسَالُهُ إِيَّايَ، فَقُلْتُ:كُنْتُ أَرْجُو أَنْ أُصِيْبَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ شُرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا، وَمَا هَذَا اللَّبَنُ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللهِ وَطَاعَةِ رَسُوْلِهِ بُدٌّ، فَأَتَيْتُهُمْ، فَأَقْبَلُوا مُجِيْبِيْنَ.
فَلَمَّا جَلَسُوا، قَالَ: (خُذْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، فَأَعْطِهِمْ) .
فَجَعَلْتُ أُعْطِي الرَّجُلَ، فَيَشْرَبُ حَتَّى يُرْوَى، حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى جَمِيْعِهِمْ، وَنَاوَلْتُهُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ مُتَبَسِّماً، وَقَالَ: (بَقِيْتُ أَنَا وَأَنْتَ) .
قُلْتُ: صَدَقْتَ يَا رَسُوْلَ اللهِ.
قَالَ: (فَاشْرَبْ) .
فَشَرِبْتُ، فَقَالَ: (اشْرَبْ) .
فَشَرِبْتُ، فَمَا زَالَ يَقُوْلُ: (اشْرَبْ) ، فَأَشْرَبُ، حَتَّى قُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، مَا أَجِدُ لَهُ مَسَاغاً.
فَأَخَذَ، فَشَرِبَ مِنَ الفَضْلَةِ.
القَعْنَبِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ هِلاَلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
خَرَجْتُ يَوْماً مِنْ بَيْتِي إِلَى المَسْجِدِ، فَوَجَدْتُ نَفَراً، فَقَالُوا: مَا أَخْرَجَكَ؟
قُلْتُ: الجُوْعُ.
فَقَالُوا: وَنَحْنُ -وَاللهِ- مَا أَخْرَجَنَا إِلاَّ الجُوْعُ.
فَقُمْنَا، فَدَخَلْنَا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ، فَقَالَ: (مَا جَاءَ بِكُمْ هَذِهِ السَّاعَةَ) .
فَأَخْبَرْنَاهُ، فَدَعَا بِطَبَقٍ فِيْهِ تَمْرٌ، فَأَعْطَى كُلَّ رَجُلٍ مِنَّا تَمْرَتَيْنِ، فَقَالَ: (كُلُوا هَاتَيْنِ التَّمْرَتَيْنِ، وَاشْرَبُوا عَلَيْهِمَا مِنَ المَاءِ، فَإِنَّهُمَا سَتَجْزِيَانِكُمْ يَوْمَكُمْ هَذَا) .
فَأَكَلْتُ تَمَرَّةً، وَخَبَّأْتُ الأُخْرَى، فَقَالَ: (يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، لِمَ رَفَعْتَهَا؟) .
قُلْتُ: لأُمِّي.قَالَ: (كُلْهَا، فَسَنُعْطِيْكَ لَهَا تَمْرَتَيْنِ ) .
عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كَثِيْرٍ السُّحَيْمِيُّ - وَاسْمُهُ: يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ:
وَاللهِ مَا خَلَقَ اللهُ مُؤْمِناً يَسْمَعُ بِي إِلاَّ أَحَبَّنِي.
قُلْتُ: وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ؟
قَالَ: إِنَّ أُمِّي كَانَتْ مُشْرِكَةً، وَكُنْتُ أَدْعُوْهَا إِلَى الإِسْلاَمِ، وَكَانَتْ تَأْبَى عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا يَوْماً، فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَكْرَهُ، فَأَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ وَأَنَا أَبْكِي، فَأَخْبَرْتُهُ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهَا.
فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ) .
فَخَرَجْتُ أَعْدُوا، أُبَشِّرُهَا، فَأَتَيْتُ، فَإِذَا البَابُ مُجَافٍ، وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ المَاءِ، وَسَمِعَتْ حِسِّي، فَقَالَتْ:
كَمَا أَنْتَ، ثُمَّ فَتَحَتْ، وَقَدْ لَبِسَتْ دِرْعَهَا، وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا، فَقَالَتْ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ.
وَقَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ أَبْكِي مِنَ الفَرَحِ، كَمَا بَكَيْتُ مِنَ الحُزْنِ، فَأَخْبَرْتُهُ، وَقُلْتُ: ادْعُ اللهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِيْنَ.
فَقَالَ: (اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ المُؤْمِنِيْنَ، وَحَبِّبْهُمْ إِلَيْهِمَا ) .
إِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
الجُرَيْرِيُّ: عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنِ الطُّفَاوِيِّ، قَالَ:
نَزَلْتُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ بِالمَدِيْنَةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمْ أَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً أَشَدَّ تَشْمِيْراً، وَلاَ
أَقْوَمَ عَلَى ضَيْفٍ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ عَلَى سَرِيْرِهِ، وَمَعَهُ كِيْسٌ فِيْهِ نَوَىً - أَوْ حَصَىً - أَسْفَلُ مِنْهُ سَوْدَاءُ، فَيُسَبِّحُ، وَيُلْقِي إِلَيْهَا، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا، أَلْقَى إِلَيْهَا الكِيْسَ، فَأَوْعَتْهُ فِيْهِ، ثُمَّ نَاوَلَتْهُ، فَيُعِيْدُ ذَلِكَ.
وَقِيْلَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَّرَ العَلاَءَ بنَ الحَضْرَمِيِّ، وَبَعَثَ مَعَهُ أَبَا هُرَيْرَةَ مُؤَذِّناً.
وَكَانَ حِفْظُ أَبِي هُرَيْرَةَ الخَارِقُ مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى الزَّمِنُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي يَحْيَى، سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَلاَ تَسْأَلُنِي مِنْ هَذِهِ الغَنَائِمِ الَّتِي يَسْأَلُنِي أَصْحَابُكَ؟) .
قُلْتُ: أَسْأَلُكَ أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللهُ.
فَنَزَعَ نَمِرَةً كَانَتْ عَلَى ظَهْرِي، فَبَسَطَهَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّمْلِ يَدُبُّ عَلَيْهَا، فَحَدَّثَنِي حَتَّى إِذَا اسْتَوْعَبْتُ حَدِيْثَهُ، قَالَ: (اجْمَعْهَا، فَصُرَّهَا إِلَيْكَ) .
فَأَصْبَحْتُ لاَ أُسْقِطُ حَرْفاً مِمَّا حَدَّثَنِي.
ابْنُ شِهَابٍ: عَنْ سَعِيْدٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ:
إِنَّكُمْ تَقُوْلُوْنَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الحَدِيْثَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَقُوْلُوْنَ: مَا
لِلْمُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ لاَ يُحَدِّثُوْنَ مِثْلَهُ؟ وَإِنَّ إِخْوَانِي المُهَاجِرِيْنَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَكَانَ إِخْوَانِي مِنَ الأَنْصَارِ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ، وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِيْناً مِنْ مَسَاكِيْنِ الصُّفَّةِ، أَلْزَمُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَحْضُرُ حِيْنَ يَغِيْبُوْنَ، وَأَعِي حِيْنَ يَنْسَوْنَ، وَقَدْ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَدِيْثٍ يُحَدِّثُهُ يَوْماً: (إِنَّهُ لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِي جَمِيْعَ مَقَالَتِي، ثُمَّ يَجْمَعُ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ، إِلاَّ وَعَى مَا أَقُوْلُ) .فَبَسَطْتُ نَمِرَةً عَلَيَّ، حَتَّى إِذَا قَضَى مَقَالَتَهُ، جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَمَا نَسِيْتُ مِنْ مَقَالَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تِلْكَ مِنْ شَيْءٍ.
الزُّهْرِيُّ أَيْضاً: عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
تَزْعُمُوْنَ أَنِّي أُكْثِرُ الرِّوَايَةَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاللهُ المَوْعِدُ - إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مِسْكِيْناً، أَصْحَبُ رَسُوْلَ اللهِ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، وَإِنَّهُ حَدَّثَنَا يَوْماً، وَقَالَ: (مَنْ يَبْسُطُ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي، ثُمَّ قَبَضَهُ إِلَيْهِ، لَمْ يَنْسَ شَيْئاً سَمِعَ مِنِّي أَبَداً) .
فَفَعَلْتُ، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالحَقِّ، مَا نَسِيْتُ شَيْئاً سَمِعْتُهُ مِنْهُ.
وَالحَدِيْثَانِ: صَحِيْحَانِ، مَحْفُوْظَانِ.
قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ عَسَاكِرَ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُضَرَ مُحَلَّمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، أَخْبَرَنَا الخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ؟
قَالَ: (لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ لاَ يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الحَدِيْثِ أَحَدٌ أَوَّلَ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيْثِ، إِنَّ أَسْعَدَ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، خَالِصاً مِنْ نَفْسِهِ ) .
أَبُو الأَحْوَصِ: عَنْ زَيْدٍ العَمِّيِّ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيْقِ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَبُو هُرَيْرَةَ وِعَاءٌ مِنَ العِلْمِ ) .
ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
حَفِظْتُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وِعَاءيْنِ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ فِي النَّاسِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ، لَقُطِعَ هَذَا البُلْعُوْمُ.
الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ:كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ أَحْفَظِ الصَّحَابَةِ.
مُحَمَّدُ بنُ رَاشِدٍ: عَنْ مَكْحُوْلٍ، قَالَ:
كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ: رُبَّ كِيْسٍ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمْ يَفْتَحْهُ -يَعْنِي: مِنَ العِلْمِ-.
قُلْتُ: هَذَا دَالٌّ عَلَى جَوَازِ كِتْمَانِ بَعْضِ الأَحَادِيْثِ الَّتِي تُحَرِّكُ فِتْنَةً فِي الأُصُوْلِ أَوِ الفُرُوْعِ، أَوِ المَدْحِ وَالذَّمِّ، أَمَا حَدِيْثٌ يَتَعَلَّقُ بِحِلٍّ أَوْ حَرَامٍ فَلاَ يَحِلُّ كِتْمَانُهُ بِوَجْهٍ، فَإِنَّهُ مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى.
وَفِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) : قَوْلُ الإِمَامِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-:
حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُوْنَ، وَدَعُوا مَا يُنْكِرُوْنَ، أَتُحِبُّوْنَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُوْلُهُ.
وَكَذَا لَوْ بَثَّ أَبُو هُرَيْرَةَ
ذَلِكَ الوِعَاءَ، لأُوْذِيَ، بَلْ لَقُتِلَ، وَلَكِنَّ العَالِمَ قَدْ يُؤَدِّيْهِ اجْتِهَادُهُ إِلَى أَنْ يَنْشُرَ الحَدِيْثَ الفُلاَنِيَّ إِحْيَاءً لِلسُّنَّةِ، فَلَهُ مَا نَوَى، وَلَهُ أَجْرٌ، وَإِنْ غَلِطَ فِي اجْتِهَادِهِ.رَوَى: عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي الحَسَنِ، قَالَ:
لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَكْثَرَ حَدِيْثاً مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنَّ مَرْوَانَ زَمَنَ هُوَ عَلَى المَدِيْنَةِ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ حَدِيْثَهُ كُلَّهُ، فَأَبَى، وَقَالَ: ارْوِ كَمَا رَوَيْنَا.
فَلَمَّا أَبَى عَلَيْهِ، تَغَفَّلَهُ مَرْوَانُ، وَأَقْعَدَ لَهُ كَاتِباً ثَقِفاً، وَدَعَاهُ، فَجَعَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُهُ، وَيَكْتُبُ ذَاكَ الكَاتِبُ حَتَّى اسْتَفْرَغَ حَدِيْثَهُ أَجْمَعَ.
ثُمَّ قَالَ مَرْوَانُ: تَعْلَمُ أَنَّا قَدْ كَتَبْنَا حَدِيْثَكَ أَجْمَعَ.
قَالَ: وَقدْ فَعَلْتَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَاقْرَؤُوْهُ عَلَيَّ.
فَقَرَؤُوْهُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَا إِنَّكُمْ قَدْ حَفِظْتُمْ، وَإِنْ تُطِعْنِي تَمْحُهُ.
قَالَ: فَمَحَاهُ.
سَمِعَهُ: هَوْذَةُ بنُ خَلِيْفَةَ، مِنْهُ.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ عُبَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو الزُّعَيْزِعَةِ كَاتِبُ مَرْوَانَ:
أَنَّ مَرْوَانَ أَرْسَلَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ، وَأَجْلَسَنِي خَلْفَ السَّرِيْرِ، وَأَنَا أَكْتُبُ، حَتَّى إِذَا كَانَ رَأْسُ الحَوْلِ، دَعَا بِهِ، فَأَقْعَدَهُ مِنْ وَرَاءِ الحِجَابِ، فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ الكِتَابِ، فَمَا زَادَ وَلاَ نَقَصَ، وَلاَ قَدَّمَ وَلاَ أَخَّرَ.
قُلْتُ: هَكَذَا فَلْيَكُنِ الحِفْظُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَبُو هُرَيْرَةَ أَحْفَظُ مَنْ رَوَى الحَدِيْثَ فِي دَهْرِهِ.الوَلِيْدُ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ مَكْحُوْلٍ، قَالَ:
تَوَاعَدَ النَّاسُ لَيْلَةً إِلَى قُبَّةٍ مِنْ قِبَابِ مُعَاوِيَةَ، فَاجْتَمَعُوا فِيْهَا، فَقَامَ فِيْهِم أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُهُمْ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَصْبَحَ.
كَهْمَسُ بنُ الحَسَنِ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ شَقِيْقٍ، قَالَ:
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لاَ أَعْرِفُ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْفَظَ لِحَدِيْثِهِ مِنِّي.
سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عَمْرٍو، عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَخِيْهِ هَمَّامٍ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ:
مَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ أَكْثَرَ حَدِيْثاً مِنِّي عَنْهُ، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ، وَكُنْتُ لاَ أَكْتُبُ.
الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ القَطَّانُ، عَنْ بَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ لَقِيَ كَعْباً، فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ، وَيَسْأَلُهُ.فَقَالَ كَعْبٌ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً لَمْ يَقْرَأِ التَّوْرَاةَ أَعْلَمَ بِمَا فِيْهَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
حَمَّادُ بنُ شُعَيْبٍ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ:
أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ.
فَقَالَ: عَلَيْكَ بِأَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنَّهُ بَيْنَا أَنَا وَهُوَ وَفُلاَنٌ فِي المَسْجِدِ نَدْعُو، خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَلَسَ، وَقَالَ: (عُوْدُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ) .
قَالَ زَيْدٌ: فَدَعَوْتُ أَنَا وَصَاحِبِي، وَرَسُوْلُ اللهِ يُؤَمِّنُ، ثُمَّ دَعَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِثْلَ مَا سَأَلاَكَ، وَأَسْأَلُكَ عِلْماً لاَ يُنْسَى.
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (آمِيْنَ) .
فَقُلْنَا: وَنَحْنُ نَسْأَلُ اللهَ عِلْماً لاَ يُنْسَى.
فَقَالَ: (سَبَقَكُمَا بِهَا الدَّوْسِيُّ) .
أَخْرَجَهُ: الحَاكِمُ فِي (مُسْتَدْرَكِهِ ) .
لَكِنْ حَمَّادٌ ضَعِيْفٌ.
سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ السَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ، سَمِعَ عُمَرَ يَقُوْلُ لأَبِي هُرَيْرَةَ:
لَتَتْرُكَنَّ الحَدِيْثَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَوْ لأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ دَوْسٍ.وَقَالَ لِكَعْبٍ: لَتَتْرُكَنَّ الحَدِيْثَ، أَوْ لأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ القِرَدَةِ.
يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ: عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ:
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُوْلُ: إِنِّي لأُحَدِّثُ أَحَادِيْثَ، لَوْ تَكَلَّمْتُ بِهَا فِي زَمَنِ عُمَرَ، لَشَجَّ رَأْسِي.
قُلْتُ: هَكَذَا هُوَ كَانَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُوْلُ: أَقِلُّوا الحَدِيْثَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَزَجَرَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنْ بَثِّ الحَدِيْثِ، وَهَذَا مَذْهَبٌ لِعُمَرَ وَلِغَيْرِهِ
، فَبِاللهِ عَلَيْكَ إِذَا كَانَ الإِكْثَارُ مِنَ الحَدِيْثِ فِي دَوْلَةِ عُمَرَ كَانُوا يُمْنَعُوْنَ مِنْهُ مَعَ صِدْقِهِمْ، وَعَدَالَتِهِمْ، وَعَدَمِ الأَسَانِيْدِ، بَلْ هُوَ غَضٌّ لَمْ يُشَبْ، فَمَا
ظَنُّكَ بِالإِكْثَارِ مِنْ رِوَايَةِ الغَرَائِبِ وَالمَنَاكِيْرِ فِي زَمَانِنَا، مَعَ طُوْلِ الأَسَانِيْدِ، وَكَثْرَةِ الوَهْمِ وَالغَلَطِ، فَبِالحَرِيِّ أَنْ نَزْجُرَ القَوْمَ عَنْهُ، فَيَا لَيْتَهُمْ يَقْتَصِرُوْنَ عَلَى رِوَايَةِ الغَرِيْبِ وَالضَعِيْفِ، بَلْ يَرْوُوْنَ -وَاللهِ- المَوْضُوْعَاتِ، وَالأَبَاطِيْلَ، وَالمُسْتَحِيْلَ فِي الأُصُوْلِ وَالفُرُوْعِ وَالمَلاَحِمِ وَالزُّهْدِ - نَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ -.فَمَنْ رَوَى ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِبُطْلاَنِهِ، وَغَرَّ المُؤْمِنِيْنَ، فَهَذَا ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، جَانٍ عَلَى السُّنَنِ وَالآثَارِ، يُسْتَتَابُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَنَابَ وَأَقْصَرَ، وَإِلاَّ فَهُوَ فَاسِقٌ، كَفَى بِهِ إِثْماً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ، وَإِنْ هُوَ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَتَوَرَّعْ، وَلْيَسْتَعِنْ بِمَنْ يُعِيْنُهُ عَلَى تَنْقِيَةِ مَرْوِيَّاتِهِ - نَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ - فَلَقَدْ عَمَّ البَلاَءُ، وَشَمَلَتِ الغَفْلَةُ، وَدَخَلَ الدَّاخِلُ عَلَى المُحَدِّثِيْنَ الَّذِيْنَ يَرْكَنُ إِلَيْهِمُ المُسْلِمُوْنَ، فَلاَ عُتْبَى عَلَى الفُقَهَاءِ، وَأَهْلِ الكَلاَمِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا يَزِيْدُ بنُ يُوْسُفَ، عَنْ صَالِحِ بنِ أَبِي الأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
مَا كُنَّا نَسْتَطِيْعُ أَنْ نَقُوْلَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى قُبِضَ عُمَرُ -
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كُنَّا نَخَافُ السِّيَاطَ.خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
بَلَغَ عُمَرَ حَدِيْثِي، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ، فَقَالَ: كُنْتَ مَعَنَا يَوْمَ كُنَّا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِ فُلاَنٍ؟
قُلْتُ: نَعَمْ، وَقَدْ عَلِمْتُ لأَيِّ شَيْءٍ سَأَلْتَنِي.
قَالَ: وَلِمَ سَأَلْتُكَ؟
قُلْتُ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ يَوْمَئِذٍ: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) .
قَالَ: أَمَا لاَ، فَاذْهَبْ فَحَدِّثْ.
يَحْيَى: ضَعِيْفٌ.
عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ، وَغَيْرُهُ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بنُ كُلَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - وَكَانَ يَبْتَدِئُ حَدِيْثَهُ بِأَنْ يَقُوْلَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ) .
مُغِيْرَةُ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: حَدَّثَ أَبُو هُرَيْرَةَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ سَعْدٌ حَدِيْثاً، فَوَقَعَ بَيْنَهُمَا كَلاَمٌ حَتَّى أُرْتِجَتِ الأَبْوَابُ بَيْنَهُمَا.
هُشَيْمٌ: عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّهُ قَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَعْلَمَنَا
بِحَدِيْثِهِ.وَعَنْ نَافِعٍ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِي جِنَازَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَبَقِيَ يُكْثِرُ التَّرَحُّمَ عَلَيْهِ، وَيَقُوْلُ: كَانَ مِمَّنْ يَحْفَظُ حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ عَلَى المُسْلِمِيْنَ.
فِي إِسْنَادِهَا الوَاقِدِيُّ.
مُحَمَّدُ بنُ كُنَاسَةَ الأَسَدِيُّ: عَنْ إِسْحَاقَ بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
دَخَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ لَهُ: أَكْثَرْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ.
قَالَ: إِيْ -وَاللهِ- يَا أُمَّاهُ، مَا كَانَتْ تَشْغَلُنِي عَنْهُ المِرْآةُ وَلاَ المُكْحُلَةُ وَلاَ الدُّهْنُ.
قَالَتْ: لَعَلَّهُ.
وَرَوَاهُ: بِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ، عَنْ إِسْحَاقَ، وَفِيْهِ:
وَلَكِنِّي أَرَى ذَلِكَ شَغَلَكِ
عَمَّا اسْتَكْثَرْتِ مِنْ حَدِيْثِي.قَالَتْ: لَعَلَّهُ.
وَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَدْفِنُوا الحَسَنَ فِي الحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَقَعَ خِصَامٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا كَثِيْرُ بنُ زَيْدٍ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ رَبَاحٍ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ لِمَرْوَانَ:
وَاللهِ مَا أَنْتَ وَالٍ، وَإِنَّ الوَالِي لَغَيْرُكَ، فَدَعْهُ - يَعْنِي حِيْنَ أَرَادُوا دَفْنَ الحَسَنَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَكِنَّكَ تَدْخُلُ فِيْمَا لاَ يَعْنِيْكَ، إِنَّمَا تُرِيْدُ بِهَا إِرْضَاءَ مَنْ هُوَ غَائِبٌ عَنْكَ -يَعْنِي: مُعَاوِيَةَ-.
فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ مَرْوَانُ مُغْضَباً، وَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنَّ النَّاسَ قَدْ قَالُوا: أَكْثَرَ الحَدِيْثَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ، وَإِنَّمَا قَدِمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِيَسِيْرٍ.
فَقَالَ: قَدِمْتُ -وَاللهِ- وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخَيْبَرَ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ زِدْتُ عَلَى الثَّلاَثِيْنَ سَنَةً سَنَوَاتٍ، وَأَقَمْتُ مَعَهُ حَتَّى تُوُفِّيَ، أَدُوْرُ مَعَهُ فِي بُيُوْتِ نِسَائِهِ، وَأَخْدُمُهُ، وَأغْزُو، وَأَحُجُّ مَعَهُ، وَأُصَلِّي خَلْفَهُ، فَكُنْتُ -وَاللهِ- أَعْلَمَ النَّاسِ بِحَدِيْثِهِ.
ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ أَبِي أَنَسٍ مَالِكِ بنِ أَبِي عَامِرٍ، قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، فَقَالَ:
يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَرَأَيْتَ هَذَا اليَمَانِيَّ -يَعْنِي: أَبَا هُرَيْرَةَ- أَهُوَ أَعْلَمُ بِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْكُمْ، نَسْمَعُ مِنْهُ أَشْيَاءَ لاَ نَسْمَعُهَا مِنْكُم، أَمْ هُوَ يَقُوْلُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ مَا لَمْ يَقُلْ؟
قَالَ: أَمَّا أَنْ يَكُوْنَ سَمِعَ مَا لَمْ نَسْمَعْ، فَلاَ أَشُكُّ، سَأُحَدِّثُكَ عَنْ ذَلِكَ، إِنَّا كُنَّا أَهْلَ بُيُوْتَاتٍ وَغَنَمٍ وَعَمَلٍ، كُنَّا نَأْتِي رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَرَفَي النَّهَارِ، وَكَانَ مِسْكِيْناً ضَيْفاً عَلَى بَابِ رَسُوْلِ اللهِ، يَدُهُ مَعَ يَدِهِ، فَلاَ نَشُكُّ أَنَّهُ سَمِعَ مَا لَمْ نَسْمَعْ، وَلاَ تَجِدُ أَحَداً فِيْهِ خَيْرٌ يَقُوْلُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ مَا لَمْ يَقُلْ.شُعْبَةُ: عَنْ أَشْعَثَ بنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
أَتَيْتُ المَدِيْنَةَ، فَإِذَا أَبُو أَيُّوْبَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقُلْتُ: وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ؟
قَالَ: إِنَّهُ قَدْ سَمِعَ، وَأَنْ أُحَدِّثَ عَنْهُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُحَدِّثَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
بُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ:
اتَّقُوا اللهَ، وَتَحَفَّظُوا مِنَ الحَدِيْثِ، فَوَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا نُجَالِسُ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَيُحَدِّثُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيُحَدِّثُنَا عَنْ كَعْبٍ، ثُمَّ يَقُوْمُ، فَأَسْمَعُ بَعْضَ مَنْ كَانَ مَعَنَا يَجْعَلُ حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ عَنْ كَعْبٍ، وَيَجْعَلُ حَدِيْثَ كَعْبٍ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ زِيَادِ بنِ مِيْنَا، قَالَ:
كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو سَعِيْدٍ،
وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٌ مَعَ أَشْبَاهٍ لَهُم، يُفْتُوْنَ بِالمَدِيْنَةِ، وَيُحَدِّثُوْنَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ لَدُنْ تُوُفِّيَ عُثْمَانُ إِلَى أَنْ تُوُفُّوا.قَالَ: وَهَؤُلاَءِ الخَمْسَةُ إِلَيْهِمْ صَارَتِ الفَتْوَى.
الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ بُكَيْرِ بنِ الأَشَجِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي عَيَّاشٍ الأَنْصَارِيِّ:
أَنَّهُ كَانَ جَالِساً مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَجَاءَ مُحَمَّدُ بنُ إِيَاسَ بنِ البُكَيْرِ، فَسَأَلَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ ثَلاَثاً قَبْلَ الدُّخُوْلِ، فَبَعَثَهُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَا عِنْدَ عَائِشَةَ، فَذَهَبَ، فَسَأَلَهُمَا.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لأَبِي هُرَيْرَةَ: أَفْتِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَدْ جَاءتْكَ مُعْضِلَةٌ.
فَقَالَ: الوَاحِدَةُ تُبِيْنُهَا، وَالثَّلاَثُ تُحَرِّمُهَا.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ.
وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَجْلِسُ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَيُحَدِّثُ، ثُمَّ يَقُوْلُ: يَا صَاحِبَةَ الحُجْرَةِ، أَتُنْكِرِيْنَ مِمَّا أَقُوْلُ شَيْئاً؟
فَلَمَّا قَضَتَ صَلاَتَهَا، لَمْ تُنْكِرْ مَا رَوَاهُ، لَكِنْ قَالَتْ:
لَمْ يَكُنْ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْرُدُ الحَدِيْثَ سَرْدَكُمْ.
وَكَذَلِكَ قِيْلَ لابْنِ عُمَرَ: هَلْ تُنْكِرُ مِمَّا يُحَدِّثُ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ شَيْئاً؟فَقَالَ: لاَ، وَلَكِنَّهُ اجْترَأَ، وَجَبُنَّا.
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمَا ذَنْبِي إِنْ كُنْتُ حَفِظْتُ، وَنَسُوْا.
قَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُدَلِّسُ.
قُلْتُ: تَدْلِيْسُ الصَّحَابَةِ كَثِيْرٌ، وَلاَ عَيْبَ فِيْهِ، فَإِنَّ تَدْلِيْسَهُمْ عَنْ صَاحِبٍ أَكْبَرَ مِنْهُمْ، وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُوْلٌ.
شَرِيْكٌ: عَنْ مُغِيْرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُنَا يَدَعُوْنَ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَرَوَى: حُسَيْنُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، نَحْوَهُ.
الثَّوْرِيُّ: عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ:مَا كَانُوا يَأْخُذُوْنَ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلاَّ مَا كَانَ حَدِيْثَ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ.
قُلْتُ: هَذَا لاَ شَيْءَ، بَلْ احْتَجَّ المُسْلِمُوْنَ قَدِيْماً وَحَدِيْثاً بِحَدِيْثِهِ، لِحِفْظِهِ، وَجَلاَلَتِهِ، وَإِتْقَانِهِ، وَفِقْهِهِ، وَنَاهِيْكَ أَنَّ مِثْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ يَتَأَدَّبُ مَعَهُ، وَيَقُوْلُ: أَفْتِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ.
وَأَصَحُّ الأَحَادِيْثِ مَا جَاءَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَمَا جَاءَ عَنْ: أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَمَا جَاءَ عَنِ: ابْنِ عَوْنٍ، وَأَيُّوْبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَأَيْنَ مِثْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حِفْظِهِ، وَسَعَةِ عِلْمِهِ.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ عَبَّاسٍ الجُرَيْرِيِّ، سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ، قَالَ:
تَضَيَّفْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ سَبْعاً، فَكَانَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَخَادِمُهُ يَعْتَقِبُوْنَ اللَّيْلَ أَثْلاَثاً، يُصَلِّي هَذَا، ثُمَّ يُوْقِظُ هَذَا، وَيُصَلِّي هَذَا، ثُمَّ يُوْقِظُ هَذَا.
قُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، كَيْفَ تَصُوْمُ؟
قَالَ: أَصُوْمُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ ثَلاَثاً.
ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ
بنِ سَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ شُرَحْبِيْلَ:أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَصُوْمُ الاثْنَيْنَ وَالخَمِيْسَ.
عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ المُخْتَارِ: عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ:
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُسَبِّحُ كُلَّ يَوْمٍ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ تَسْبِيْحَةٍ، يَقُوْلُ: أُسَبِّحُ بِقَدَرِ دِيَتِي.
وَرَوَاهُ: عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ خَالِدٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنِ المُؤَيَّدِ الطُّوْسِيِّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ السِّنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ مَالِكِ بنِ خُثَيْمٍ، قَالَ:
كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَرْضِهِ بِالعَقِيْقِ، فَأَتَاهُ قَوْمٌ، فَنَزَلُوا عِنْدَهُ.
قَالَ حُمَيْدٌ: فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى أُمِّي، فَقُلْ: إِنَّ ابْنَكِ يُقْرِئَكِ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ: أَطْعِمِيْنَا شَيْئاً.
قَالَ: فَوَضَعَتْ ثَلاَثَةَ أَقْرَاصٍ فِي الصَّحْفَةِ، وَشَيْئاً مِنْ زِيْتٍ وَمِلْحٍ، وَوَضَعَتْهَا عَلَى رَأْسِي، فَحَمَلْتُهَا إِلَيْهِمْ.
فَلَمَّا وَضَعْتُهُ بَيْنَ أَيْدِيْهِمْ، كَبَّرَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَشْبَعَنَا مِنَ الخُبْزِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ طَعَامُنَا إِلاَّ الأَسْوَدَيْنِ: التَّمْرَ وَالمَاءَ.
فَلَمْ يُصِبِ القَوْمُ مِنَ الطَّعَامِ شَيْئاً.
فَلَمَّا انْصَرَفُوا، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، أَحْسِنْ إِلَى غَنَمِكَ، وَامْسَحْ عَنْهَا الرُّعَامُ، وَأَطِبْ مُرَاحَهَا، وَصَلِّ فِي نَاحِيَتِهَا، فَإِنَّهَا مِنْ دَوَابِّ الجَنَّةِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، يُوْشِكُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى
النَّاسِ زَمَانٌ تَكُوْنُ الثُّلَّةُ مِنَ الغَنَمِ أَحَبُّ إِلَى صَاحِبِهَا مِنْ دَارِ مَرْوَانَ.أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ فِي كِتَابِ (الأَدَبِ) : عَنِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ مَالِكٍ.
وَوَثَّقَ النَّسَائِيُّ حُمَيْداً.
هُشَيْمٌ: عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مَيْسَرَةَ، قَالَ:
كَانَتْ لأَبِي هُرَيْرَةَ صَيْحَتَانِ فِي كُلِّ يَوْمٍ: أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ، يَقُوْلُ: ذَهَبَ اللَّيْلُ وَجَاءَ النَّهَارُ، وَعُرِضَ آلُ فِرْعَوْنَ عَلَى النَّارِ، فَلاَ يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلاَّ اسْتَعَاذَ بِاللهِ مِنَ النَّارِ.
جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ زَوْرَانَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الوَهَّابِ المَدَنِيُّ، قَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: مَرَرْتُ بِالمَدِيْنَةِ، فَإِذَا أَبُو هُرَيْرَةَ جَالِسٌ فِي المَسْجِدِ، حَوْلَهُ حَلقَةٌ يُحَدِّثُهُمْ، فَقَالَ:
حَدَّثَنِي خَلِيْلِي أَبُو القَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ اسْتَعْبَرَ، فَبَكَى، ثُمَّ عَادَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي خَلِيْلِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَبِيُّ اللهِ أَبُو القَاسِمِ، ثُمَّ اسْتَعْبَرَ، فَبَكَى، ثُمَّ قَامَ.
ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ أَبِي يُوْنُسَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّاسِ يَوْماً، فَلَمَّا سَلَّمَ رَفَعَ صَوْتَهَ، فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ الدِّيْنَ قِوَاماً، وَجَعَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ إِمَاماً، بَعْدَ أَنْ كَانَ أَجِيْراً لابْنَةِ غَزْوَانَ عَلَى شِبَعِ بَطْنِهِ، وَحَمُوْلَةِ رِجْلِهِ.
ابْنُ عُلَيَّةَ: عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ مُضَارِبِ بنِ حَزْنٍ، قَالَ:بَيْنَا أَنَا أَسِيْرُ تَحْتَ اللَّيْلِ، إِذَا رَجُلٌ يُكَبِّرُ، فَأُلْحِقُهُ بَعِيْرِي، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟
قَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ.
قُلْتُ: مَا هَذَا التَّكْبِيْرُ؟
قَالَ: شُكْرٌ.
قُلْتُ: عَلَى مَهْ؟
قَالَ: كُنْتُ أَجِيْراً لِبُسْرَةَ بِنْتِ غَزْوَانَ بِعُقْبَةِ رِجْلِي، وَطَعَامِ بَطْنِي، وَكَانُوا إِذَا رَكِبُوا سُقْتُ بِهِمْ، وَإِذَا نَزَلُوا خَدَمْتُهُمْ، فَزَوَّجَنِيْهَا اللهُ، فَهِيَ امْرَأتِي.
مَعْمَرٌ: عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ:
أَنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى البَحْرَيْنِ، فَقَدِمَ بِعَشْرَةِ آلاَفٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اسْتَأْثَرْتَ بِهَذِهِ الأَمْوَالِ يَا عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّ كِتَابِهِ.
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: لَسْتُ بَعَدُوِّ اللهِ وَعَدُوِّ كِتَابِهِ، وَلَكِنِّي عَدُوُّ مَنْ عَادَاهُمَا.
قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ هِيَ لَكَ؟
قُلْتُ: خَيْلٌ نُتِجَتْ، وَغَلَّةُ رَقِيْقٍ لِي، وَأُعْطِيَةٌ تَتَابَعَتْ.
فَنَظَرُوا، فَوَجَدُوْهُ كَمَا قَالَ.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، دَعَاهُ عُمَرُ لِيُوَلِّيَهُ، فَأَبَى.
فَقَالَ: تَكْرَهُ العَمَلَ، وَقَدْ طَلَبَ العَمَلَ مَنْ كَانَ خَيْراً مِنْكَ يُوْسُفُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-.
فَقَالَ: يُوْسُفُ نَبِيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ ابْنِ نَبِيٍّ، وَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ بنُ أَمَيْمَةَ، وَأَخْشَى ثَلاَثاً وَاثْنَتَيْنِ.
قَالَ: فَهَلاَّ قُلْتَ خَمْساً؟
قَالَ: أَخْشَى أَنْ أَقُوْلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَأَقْضِيَ بِغَيْرِ حِلْمٍ، وَأَنْ يُضْرَبَ ظَهْرِي، وَيُنْتَزَعَ مَالِي، وَيُشْتَمَ عِرْضِي.
رَوَاهُ: سَعْدُ بنُ الصَّلْتِ، عَنْ يَحْيَى بنِ العَلاَءِ، عَنْ أَيُّوْبَ، مُتَّصِلاً بِأَبِي هُرَيْرَةَ.أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ رَوَاحَةَ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ يَبْعَثُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى المَدِيْنَةِ، فَإِذَا غَضِبَ عَلَيْهِ بَعَثَ مَرْوَانَ، وَعَزَلَهُ.
قَالَ: فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ نَزَعَ مَرْوَانَ، وَبَعَثَ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَالَ لِغُلاَمٍ أَسْوَدَ:
قِفْ عَلَى البَابِ، فَلاَ تَمْنَعْ إِلاَّ مَرْوَانَ.
فَفَعَلَ الغُلاَمُ، وَدَخَلَ النَّاسُ، وَمُنِعَ مَرْوَانُ، ثُمَّ جَاءَ نَوْبَةً، فَدَخَلَ، وَقَالَ: حُجِبْنَا عَنْكَ.
فَقَالَ: إِنَّ أَحَقَّ مَنْ لاَ أَنْكَرَ هَذَا لأَنْتَ.
رَوَاهُ: الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ فِي (تَارِيْخِهِ) ، عَنِ السِّلَفِيِّ - إِجَازَةً -.قُلْتُ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ طَيِّبَ الأَخْلاَقِ، رُبَّمَا نَابَ فِي المَدِيْنَةِ عَنْ مَرْوَانَ أَيْضاً.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ:
كَانَ مَرْوَانُ رُبَّمَا اسْتَخْلَفَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى المَدِيْنَةِ، فَيَرْكَبُ حِمَاراً بِبَرْذَعَةٍ، وَفِي رَأْسِهِ خُلْبَةٌ مِنْ لِيْفٍ، فَيَسِيْرُ، فَيَلْقَى الرَّجُلَ، فَيَقُوْلُ: الطَّرِيْقَ! قَدْ جَاءَ الأَمِيْرُ.
وَرُبَّمَا أَتَى الصِّبْيَانَ وَهُمْ يَلْعَبُوْنَ بِاللَّيْلِ لُعْبَةَ الأَعْرَابِ، فَلاَ يَشْعُرُوْنَ حَتَّى يُلْقِيَ نَفْسَهُ بَيْنَهُمْ، وَيَضْرِبَ بِرِجْلَيْهِ، فَيَفْزَعُ الصِّبْيَانُ، فَيَفِرُّوْنَ، وَرُبَّمَا دَعَانِي إِلَى عَشَائِهِ، فَيَقُوْلُ: دَعِ العُرَاقَ لِلأَمِيْرِ.
فَأَنْظُرُ، فَإِذَا هُوَ ثَرِيْدَةٌ بِزَيْتٍ.
عَمْرُو بنُ الحَارِثِ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ زِيَادٍ القُرَظِيِّ، حَدَّثَنِي ثَعْلَبَةُ بنُ أَبِي مَالِكٍ القُرَظِيُّ، قَالَ:
أَقْبَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي السُّوْقِ يَحْمِلُ حُزْمَةَ حَطَبٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيْفَةٌ لِمَرْوَانَ، فَقَالَ: أَوْسِعِ الطَّرِيْقَ لِلأَمِيْرِ.
يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، قَالَ:كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِذَا أَعْطَاهُ مُعَاوِيَةُ سَكَتَ، فَإِذَا أَمْسَكَ عَنْهُ تَكَلَّمَ.
هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
دِرْهَمٌ يَكُوْنُ مِنْ هَذَا - وَكَأَنَّهُ يَمْسَحُ العَرَقَ عَنْ جَبِيْنِهِ - أَتَصَدَّقُ بِهِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مائَةِ أَلْفٍ، وَمائَةِ أَلْفٍ، وَمائَةِ أَلْفٍ، مِنْ مَالِ فُلاَنٍ.
وَقَالَ حَزْمٌ القُطَعِيُّ: سَمِعْتُ الحَسَنَ يَقُوْلُ:
كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِذَا مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ، قَالَ: اغْدُوا، فَإِنَّا رَائِحُوْنَ، وَرُوْحُوا فَإِنَّا غَادُوْنَ.
يُوْنُسُ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثَ بَسْطِ ثَوْبِهِ.
قَالَ: فَمَا نَسِيْتُ بَعْدَ ذَلِكَ اليَوْمِ شَيْئاً حُدِّثْتُ بِهِ.
أَبُو هِلاَلٍ: عَنِ الحَسَنِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:
لَوْ حَدَّثْتُكُمْ بِكُلِّ مَا فِي كِيْسِي، لَرَمَيْتُمُوْنِي بِالبَعْرِ.
ثُمَّ قَالَ الحَسَنُ: صَدَقَ -وَاللهِ- لَوْ حَدَّثَهُمْ أَنَّ
بَيْتَ اللهِ يُهْدَمُ أَوْ يُحْرَقُ مَا صَدَّقُوْهُ.الفَضْلُ بنُ العَلاَءِ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أُمَيَّةَ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ:
أَنَّ رَجُلاً أَتَى زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: عَلَيْكَ بِأَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنِّي بَيْنَمَا أَنَا وَهُوَ وَفُلاَنٌ فِي المَسْجِدِ، خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ نَدْعُوْ، وَنَذْكُرُ رَبَّنَا، فَجَلَسَ إِلَيْنَا، فَسَكَتْنَا.
فَقَالَ: (عُوْدُوا لِلَّذِي كُنْتُمْ فِيْهِ) .
فَدَعَوْتُ أَنَا وَصَاحِبِي قَبْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَجَعَلَ رَسُوْلُ اللهِ يُؤَمِّنُ، ثُمَّ دَعَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مَا سَأَلَكَ صَاحِبَايَ هَذَانِ، وَأَسَأَلُكَ عِلْماً لاَ يُنْسَى.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (آمِيْنَ) .
فَقُلْنَا: يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَنَحْنُ نَسْأَلُ اللهَ عِلْماً لاَ يُنْسَى.
قَالَ: سَبَقَكُمَا الغُلاَمُ الدَّوْسِيُّ.
تَفَرَّدَ بِهِ: الفَضْلُ بنُ العَلاَءِ، وَهُوَ صَدُوْقٌ.
هُشَيْمٌ: عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّهُ مَرَّ بِأَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ يُحَدِّثُ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً، فَلَهُ قِيْرَاطٌ) .
فَقَالَ: انْظُرْ مَا تُحَدِّثُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ.
فَقَامَ أَبُو هُرَيْرَةَ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَ لَهَا: أَنْشُدُكِ بِاللهِ هَلْ سَمِعْتِ رَسُوْلَ اللهِ يَقُوْلُ: (مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً ... ) ، الحَدِيْثَ.
فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ يَكُنْ يَشْغَلُنِي عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَرْسُ الوَدِيِّ، وَلاَ صَفْقٌ فِي الأَسْوَاقِ، وَإِنَّمَا كُنْتُ أَطْلُبُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ كَلِمَةً يُعَلِّمُنِيْهَا، أَوْ أَكْلَةً يُطْعِمُنِيْهَا.فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَعْلَمَنَا بِحَدِيْثِهِ.
رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عُمَارَةَ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ:
أَنَّهُ قَعَدَ فِي مَجْلِسٍ فِيْهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَفِيْهِ مَشْيَخَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً، فَجَعَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُهُمْ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالحَدِيْثِ، فَلاَ يَعْرِفُهُ بَعْضُهُمْ، ثُمَّ يَتَرَاجَعُوْنَ فِيْهِ، فَيَعْرِفُهُ بَعْضُهُمْ، ثُمَّ يُحَدِّثُهُمْ بِالحَدِيْثِ، فَلاَ يَعْرِفُهُ بَعْضُهُمْ، ثُمَّ يَعْرِفُهُ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ مِرَاراً.
قَالَ: فَعَرَفْتُ يَوْمَئِذٍ أَنَّهُ أَحْفَظُ النَّاسِ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
رَوَاهُ: البُخَارِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ ) .
هَمَّامُ بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ:
أَنَّ عُمَرَ قَالَ لأَبِي هُرَيْرَةَ: كَيْفَ وَجَدْتَ الإِمَارَةَ؟
قَالَ: بَعَثْتَنِي وَأَنَا كَارِهٌ، وَنَزَعْتَنِي وَقدْ
أَحْبَبْتُهَا.وَأَتَاهُ بِأَرْبَعِ مائَةِ أَلْفٍ مِنَ البَحْرَيْنِ، فَقَالَ: مَا جِئْتَ بِهِ لِنَفْسِكَ؟
قَالَ: عِشْرِيْنَ أَلفاً.
قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَصَبْتَهَا؟
قَالَ: كُنْتُ أَتَّجِرُ.
قَالَ: انْظُرْ رَأْسَ مَالِكَ وَرِزْقِكَ فَخُذْهُ، وَاجْعَلِ الآخَرَ فِي بَيْتِ المَالِ.
وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَجْهَرُ فِي صَلاَتِهِ بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا المَعْمَرِ المُبَارَكَ بنَ أَحْمَدَ، سَمِعْتُ أَبَا القَاسِمِ يُوْسُفَ بنَ عَلِيٍّ الزَّنْجَانِيَّ الفَقِيْهَ، سَمِعْتُ الفَقِيْهَ أَبَا إِسْحَاقَ الفَيْرُوْزَابَادِيَّ، سَمِعْتُ القَاضِي أَبَا الطَّيِّبِ يَقُوْلُ:
كُنَّا فِي مَجْلِسِ النَّظَرِ بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ، فَجَاءَ شَابٌّ خُرَاسَانِيٌّ، فَسَأَلَ عَنْ مَسْأَلَةِ المُصَرَّاةِ، فَطَالَبَ بِالدَّلِيْلِ، حَتَّى اسْتَدَلَّ بِحَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الوَارِدِ فِيْهَا،
فَقَالَ - وَكَانَ حَنَفِيّاً -: أَبُو هُرَيْرَةَ غَيْرُ مَقْبُوْلِ الحَدِيْثِ.فَمَا اسْتَتَمَّ كَلاَمَهُ حَتَّى سَقَطَ عَلَيْهِ حَيَّةٌ عَظِيْمَةٌ مِنْ سَقْفِ الجَامِعِ، فَوَثَبَ النَّاسُ مِنْ أَجْلِهَا، وَهَرَبَ الشَّابُّ مِنْهَا وَهِيَ تَتْبَعُهُ.
فَقِيْلَ لَهُ: تُبْ تُبْ.
فَقَالَ: تُبْتُ.
فَغَابَتِ الحَيَّةُ، فَلَمْ يُرَ لَهَا أَثَرٌ.
إِسْنَادُهَا أَئِمَّةٌ.
وَأَبُو هُرَيْرَةَ: إِلَيْهِ المُنْتَهَى فِي حَفِظِ مَا سَمِعَهُ مِنَ الرَّسُوْلِ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- وَأَدَائِهِ بِحُرُوْفِهِ، وَقَدْ أَدَّى حَدِيْثَ المُصَرَّاةِ بِأَلْفَاظِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْنَا العَمَلُ بِهِ، وَهُوَ أَصْلٌ بِرَأْسِهِ.
وَقَدْ وَلِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ البَحْرَيْنِ لِعُمَرَ، وَأَفتَى بِهَا فِي مَسْأَلَةِ المُطَلَّقَةِ طَلْقَةً ثُمَّ
يَتَزَوَّجُ بِهَا آخَرُ، ثُمَّ بَعْدَ الدُّخُوْلِ فَارَقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا الأَوَّلُ، هَلْ تَبْقَى عِنْدَهُ عَلَى طَلْقَتَيْنِ كَمَا هُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ فِي المَشْهُوْرِ عَنْهُ، أَوْ تُلْغَى تِلْكَ التَّطْلِيْقَةُ، وَتَكُوْنُ عِنْدَهُ عَلَى الثَّلاَثِ.كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَرِوَايَةٌ عَنْ عُمَرَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ إِصَابَةَ الزَّوْجِ تَهْدِمُ مَا دُوْنَ الثَّلاَثِ، كَمَا هَدَمَتْ إِصَابَتُهُ لَهَا الثَّلاَثَ.
فَالأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ إِصَابَةَ الزَّوْجِ الثَّانِي، إِنَّمَا هِيَ غَايَةُ التَّحْرِيْمِ الثَّابِتِ بِالطَّلاَقِ الثَّلاَثِ، فَهُوَ الَّذِي يَرْتَفِعُ، وَالمُطَلَّقَةُ دُوْنَ الثَّلاَثِ لَمْ تَحْرُمْ، فَلاَ تَرْفَعُ الإِصَابَةُ مِنْهَا شَيْئاً، وَبِهَذَا أَفتَى أَبُو هُرَيْرَةَ.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَوْ أَفْتَيْتَ بِغَيْرِهِ، لأَوْجَعْتُكَ ضَرْباً.
وَكَذَلِكَ أَفْتَى أَبُو هُرَيْرَةَ فِي دِقَاقِ المَسَائِلِ مَعَ مِثْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ عَمِلَ الصَّحَابَةُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ بِحَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مَسَائِلَ كَثِيْرَةٍ، تُخَالِفُ القِيَاسَ، كَمَا عَمِلُوا كُلُّهُمْ بِحَدِيْثِهِ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (لَا تُنْكَحُ المَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلاَ خَالَتِهَا).
وَعَمِلَ أَبُو حَنِيْفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَغَيْرُهُمَا بِحَدِيْثِهِ: (أَنَّ مَنْ أَكَلَ نَاسِياً، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ ) ، مَعَ أَنَّ القِيَاسَ عِنْدَ أَبِي حَنِيْفَةَ أَنَّهُ يُفْطِرُ، فَتَرَكَ القِيَاسَ لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَهَذَا مَالِكٌ عَمِلَ بِحَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي غَسْلِ الإِنَاءِ سَبْعاً مِنْ وُلُوْغِ الكَلْبِ، مَعَ أَنَّ القِيَاسَ عِنْدَهُ أَنَّهُ لاَ يُغْسَلُ؛ لِطَهَارَتِهِ عِنْدَهُ.بَلْ قَدْ تَرَكَ أَبُو حَنِيْفَةَ القِيَاسَ لِمَا هُوَ دُوْنَ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فِي مَسْأَلَةِ القَهْقَهَةِ، لِذَاكَ الخَبَرِ المُرْسَلِ.
وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَثِيْقَ الحِفْظِ، مَا عَلِمْنَا أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي حَدِيْثٍ.
بَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ المُنْكَدِرِ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ جَالِساً فِي الشَّمْسِ، فَقَلُصَتْ عَنْهُ، فَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ مَجْلِسِهِ.
بَقِيٌّ: حَدَّثَنَا طَالُوْتُ بنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هِلاَلٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَوْ آمَنَ بِي عَشْرَةٌ مِنْ أَحْبَارِ يَهُوْدٍ، لآمَنَ بِي كُلُّ يَهُوْدِيٍّ عَلَى الأَرْضِ ) .
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ فِي الطَّرِيْقِ:
يَا لَيْلَةً مِنْ طُوْلِهَا وَعَنَائِهَا ... عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الكُفْرِ نَجَّتِ
قَالَ: وَأَبَقَ لِي غُلاَمٌ، فَلَمَّا قَدِمْتُ وَبَايَعْتُ، إِذْ طَلَعَ الغُلاَمُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هَذَا غُلاَمُكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟) .
قُلْتُ: هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، فَأَعْتَقْتُهُ.
وَرَوَى: أَيُّوْبُ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ:
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لِبِنْتِهِ: لاَ تَلْبَسِي الذَّهَبَ، فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكِ اللَّهَبَ.
الزُّهْرِيُّ: عَنْ سَالِمٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ:سَأَلَنِي قَوْمٌ مُحْرِمُوْنَ عَنْ مُحِلِّيْنَ أَهْدَوْا لَهُمْ صَيْداً، فَأَمَرْتُهُمْ بِأَكْلِهِ، ثُمَّ لَقِيْتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: لَوْ أَفْتَيْتَهُمْ بِغَيْرِ هَذَا، لأَوْجَعْتُكَ.
زَيْدُ بنُ الحُبَابِ: عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ مُوْسَى، أَخْبَرَنَا نُعَيْمُ بنُ المُحَرَّرِ بنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ جَدِّهِ:
أَنَّهُ كَانَ لَهُ خَيْطٌ، فِيْهِ أَلْفَا عُقْدَةٍ، لاَ يَنَامُ حَتَّى يُسَبِّحَ بِهِ.
شَبَابَةُ بنُ سَوَّارٍ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ:
رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَخْرُجُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَيَقْبِضُ عَلَى رُمَّانَتَيِ المِنْبَرِ قَائِماً، وَيَقُوْلُ:
حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّادِقُ المَصْدُوْقُ، فَلاَ يَزَالُ يُحَدِّثُ حَتَّى يَسْمَعَ فَتْحَ بَابِ المَقْصُوْرَةِ لِخُرُوْجِ الإِمَامَةِ، فَيَجْلِسُ.
أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ بنُ المُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ أَبِي يُوْنُسَ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-:أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيْهَا مُؤْمِناً، وَيُمْسِيْ كَافِراً، يَبِيْعُ دِيْنَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا قَلِيْلٍ، المُتَمَسِّكُ مِنْهُم عَلَى دِيْنِهِ، كَالقَابِضِ عَلَى خَبَطِ الشَّوْكِ، أَوْ جَمْرِ الغَضَى ) .
أَبُو يُوْنُسَ هَذَا: اسْمُهُ سُلَيْمُ بن جُبَيْرٍ، مِنْ مَوَالِي أَبِي هُرَيْرَةَ، صَدُوْقٌ، وَهَذَا أَعْلَى شَيْءٍ يَقَعُ لَنَا مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمٍ، وَالخَضِرُ بنُ حَمَّوَيْه - إِجَازَةً - عَنْ أَبِي الفَرَجِ بنِ كُلَيْبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ بَيَانٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا عَمَّارُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الصَّلْتِ بنِ قُوَيْدٍ الحَنَفِيِّ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ:
قَالَ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ تَقُوْمُ السَّاعَةُ حَتَّى لاَ تَنْطِحُ ذَاتُ قَرْنٍ جَمَّاءَ ) .
الصَّلْتُ هَذَا: كَنَّاهُ النَّسَائِيُّ أَبَا الأَحْمَرِ، وَقَالَ: لاَ أَدْرِيْ كَيْفَ هُوَ؟
ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ هَذَا الحَدِيْثَ، وَقَالَ: قَالَهُ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ - يَعْنِي المَرْوَزِيَّ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَوْنٍ الخَرَّازُ، عَنْ عَمَّارٍ.
قُلْتُ: وَيَرْوِي عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ ثَابِتٍ الجَزَرِيُّ.وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الصَّلْتُ، عَنْ أَبِي الأَحْمَرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: الصَّلْتُ بنُ قُوَيْدٍ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، حَدَّثَنِي عَنْهُ عَمَّارُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعَلِيُّ بنُ ثَابِتٍ الجَزَرِيُّ.
ابْنُ المُبَارَكِ: عَنْ وُهَيْبِ بنِ الوَرْدِ، عَنْ سَلْمِ بنِ بَشِيْرٍ:
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ بَكَى فِي مَرَضِهِ، فَقِيْلَ: مَا يُبْكِيْكَ؟
قَالَ: مَا أَبْكِي عَلَى دُنْيَاكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ عَلَى بُعْدِ سَفَرِي، وَقِلَّةِ زَادِي، وَأَنِّي أَمْسَيْتُ فِي صُعُوْدٍ، وَمَهْبَطُهُ عَلَى جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ، فَلاَ أَدْرِي أَيُّهُمَا يُؤْخَذُ بِي ؟
مَالِكٌ: عَنِ المَقْبُرِيِّ، قَالَ:
دَخَلَ مَرْوَانُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فِي شَكْوَاهُ، فَقَالَ: شَفَاكَ اللهُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ.
فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّ لِقَاءكَ، فَأَحِبَّ لِقَائِي.
قَالَ: فَمَا بَلَغَ مَرْوَانُ أَصْحَابَ القَطَا حَتَّى مَاتَ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ثَابِتُ بنُ قَيْسٍ، عَنْ ثَابِتِ بنِ مِسْحَلٍ، قَالَ: كَتَبَ
الوَلِيْدُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِمَوْتِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ:انْظُرْ مَنْ تَرَكَ، فَأَعْطِهِمْ عَشْرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَأَحْسِنْ جِوَارَهُمْ، فَإِنَّهُ كَانَ مِمَّنْ نَصْرَ عُثْمَانَ، وَكَانَ مَعَهُ فِي الدَّارِ.
قَالَ عُمَيْرُ بنُ هَانِئ العَنْسِيُّ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اللَّهُمَّ لاَ تُدْرِكْنِي سَنَةُ سِتِّيْنَ.
فَتُوُفِّيَ فِيْهَا، أَوْ قَبْلَهَا بِسَنَةٍ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ يَنْزِلُ ذَا الحُلَيْفَةِ، وَلَهُ بِالمَدِيْنَةِ دَارٌ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى مَوَالِيْهِ، وَمَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ، وَلَهُ ثَمَانٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً، وَهُوَ صَلَّى عَلَى عَائِشَةَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ.
قَالَ: وَهُوَ صَلَّى عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ.
قُلْتُ: الصَّحِيْحُ خِلاَفُ هَذَا.
وَرَوَى: سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ:
أَنَّ عَائِشَةَ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ مَاتَا سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ، قَبْلَ مُعَاوِيَةَ بِسَنَتَيْنِ.
تَابَعَهُ: يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَخَلِيْفَةُ، وَالمَدَائِنِيُّ، وَالفَلاَّسُ.
وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ، وَضَمْرَةُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَغْرَاءَ، وَالهَيْثَمُ، وَغَيْرُهُمْ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ.وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَأَبُو عُمَرَ الضَّرِيْرُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: سَنَةَ تِسْعٍ، كَالوَاقِدِيِّ.
وَقِيْلَ: صَلَّى عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ الأَمِيْرُ الوَلِيْدُ بنُ عُتْبَةَ، بَعْدَ العَصْرِ، وَشَيَّعَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو سَعِيْدٍ، وَدُفِنَ بِالبَقِيْعِ.
وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي (طَبَقَاتِ القُرَّاءِ) ، وَأَنَّهُ قَرَأَ عَلَى أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ.
أَخَذَ عَنْهُ: الأَعْرَجُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَطَائِفَةٌ.
وَذَكَرْتُهُ فِي (تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ) ، فَهُوَ رَأْسٌ فِي القُرْآنِ، وَفِي السُّنَّةِ، وَفِي الفِقْهِ.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ النَّحَّاسُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنِ أَبِي دَاوُدَ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ - وَأَنَا بِسِجِسْتَانَ أُصَنِّفُ حَدِيْثَ أَبِي هُرَيْرَةَ - أَبَا هُرَيْرَةَ كَثَّ اللِّحْيَةِ، أَسْمَرَ، عَلَيْهِ ثِيَابٌ غِلاَظٌ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أُحِبُّكَ.
فَقَالَ: أَنَا أَوَّلُ صَاحِبِ حَدِيْثٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا.
فِي (الكُنَى) لأَبِي أَحْمَدَ : أَبُو بُكَيْرٍ إِبْرَاهِيْمُ، عَنْ رَجُلٍ:
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَانَ إِذَا اسْتَثْقَلَ رَجُلاً، قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَأَرِحْنَا
مِنْهُ.حَدَّثَ بِهَذَا: بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، عَنْ مُحَمَّدٍ صَاحِبِ السَّاجِ، عَنْ أَبِي بُكَيْرٍ، قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ:
تَمَخَّطَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَلَيْهِ ثَوْبُ كَتَّانٍ، فَقَالَ: بَخٍ بَخٍ، أَبُو هُرَيْرَةَ يَتَمَخَّطُ فِي الكَتَّانِ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَخِرُّ فِيْمَا بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحُجْرَةِ عَائِشَةَ، يَجِيْءُ الرَّجُلُ يَظُنُّ بِي جُنُوْناً.
شُعْبَةُ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ: رَأَيْتُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ كِسَاءَ خَزٍّ.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَشَأْتُ يَتِيْماً، وَهَاجَرْتُ مِسْكِيْناً.
قَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ: عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ خَبَّابِ بنِ عُرْوَةَ، رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ.
وَفِي (سُنَنِ النَّسَائِيِّ) : أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ دَعَا لِنَفْسِهِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْماً لاَ يُنْسَى.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (آمِيْنَ).
قَالَ الدَّانِيُّ: عَرَضَ أَبُو هُرَيْرَةَ القُرْآنَ عَلَى أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ.
قَرَأَ عَلَيْهِ: الأَعْرَجُ.
قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ مُسْلِمِ بنِ جَمَّازٍ، سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ يَحْكِي لَنَا قِرَاءةَ
أَبِي هُرَيْرَةَ فِي: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} يُحَزِّنُهَا شِبْهَ الرِّثَاءِ.مَعْمَرٌ: عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ:
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لابْنَتِهِ: لاَ تَلْبَسِي الذَّهَبَ، فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكِ اللَّهَبَ.
هَذَا صَحِيْحٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَأَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى تَحْرِيْمِ الذَّهَبِ عَلَى النِّسَاءِ أَيْضاً، أَوْ أَنَّ المَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ تَخْتَالُ فِي لُبْسِ الذَّهَبِ وَتَفْخَرُ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، كَمَا فِيْمَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ.
معَاذُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُعَاذِ بنِ أُبَيٍّ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، قَالَ:
كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ جَرِيْئاً عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ لاَ نسَأَلُهُ عَنْهَا.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَعْلَمَنَا بِحَدِيْثِهِ.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ (الإِحْكَامِ، فِي أُصُوْلِ الأَحْكَامِ) : المُتَوَسِّطُوْنَ فِيْمَا رُوِيَ عَنْهُم مِنَ الفَتَاوَى:
عُثْمَانُ، أَبُو هُرَيْرَةَ، عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ العَاصِ، أُمُّ سَلَمَةَ، أَنَسٌ، أَبُو سَعِيْدٍ، أَبُو مُوْسَى، عَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ، سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ، سَلْمَانُ، جَابِرٌ، مُعَاذٌ، أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ.
فَهُمْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ فَقَط، يُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ مِنْ فُتْيَا كُلِّ امْرِئٍ مِنْهُم جُزْءٌ صَغِيْرٌ.
وَيُضَافُ إِلَيْهِمْ: الزُّبَيْرُ، طَلْحَةُ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عِمْرَانُ بنُ حُصَيْنٍ، أَبُو بَكْرٍ الثَّقَفِيُّ، عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ، مُعَاوِيَةُ.ثُمَّ بَاقِي الصَّحَابَةِ مُقِلُّوْنَ فِي الفُتْيَا، لاَ يُرْوَى عَنِ الوَاحِدِ إِلاَّ المَسْأَلَةُ وَالمَسْأَلَتَانِ.
ثُمَّ سَرَدَ ابْنُ حَزْمٍ عِدَّةً مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُم: أَبُو عُبَيْدَةَ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَجَرِيْرٌ، وَحَسَّانٌ.
مِزْوَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ:
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنَا المُهَاجِرُ مَوْلَى آلِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتَمَرَاتٍ، فَقُلْتُ: ادْعُ لِي فِيْهِنَّ يَا رَسُوْلَ اللهِ بِالبَرَكَةِ.
فَقَبَضَهُنَّ، ثُمَّ دَعَا فِيْهِنَّ بِالبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ: (خُذْهُنَّ، فَاجْعَلْهُنَّ فِي مِزْوَدٍ، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُنَّ، فَأَدْخِلْ يَدَكَ، فَخُذْ، وَلاَ تَنْثُرْهُنَّ نَثْراً) .
فَقَالَ: فَحَمَلْتُ مِنْ ذَلِكَ التَّمْرِ كَذَا وَكَذَا وَسْقاً فِي سَبِيْلِ اللهِ، وَكُنَّا نَأْكُلُ وَنُطْعِمُ، وَكَانَ المِزْوَدُ مُعَلَّقاً بَحَقْوِي، لاَ يُفَارِقُ حَقْوِي، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ انْقَطَعَ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ، غَرِيْبٌ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الطُّوْسِيُّ، وَشُهْدَةُ، وَتَجْنِي الوَهْبَانِيَّةُ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا طِرَادٌ
الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا هِلاَلٌ الحَفَّارُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا سَهْلُ بنُ زِيَادٍ أَبُو زِيَادٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ السَّخْتِيَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزَاةٍ، فَأَصَابَهُمْ عَوَزٌ مِنَ الطَّعَامٍ، فَقَالَ: (يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، عِنْدَكَ شَيْءٌ؟) .
قُلْتُ: شَيْءٌ مِنْ تَمْرٍ فِي مِزْوَدٍ لِي.
قَالَ: (جِئْ بِهِ) .
فَجِئْتُ بِالمِزْوَدِ، فَقَالَ: (هَاتِ نِطْعاً) .
فَجِئْتُ بِالنِّطْعِ، فَبَسَطَهُ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ، فَقَبَضَ عَلَى التَّمْرِ، فَإِذَا هُوَ إِحْدَى وَعِشْرُوْنَ تَمْرَةً.
قَالَ: ثُمَّ قَالَ: (بِسْمِ اللهِ) .
فَجَعَلَ يَضَعُ كُلَّ تَمْرَةٍ وَيُسَمِّي، حَتَّى أَتَى عَلَى التَّمْرِ، فَقَالَ بِهِ هَكَذَا، فَجَمَعَهُ، فَقَالَ: (ادْعُوا فُلاَناً، وَأَصْحَابَهُ) .
فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، وَخَرَجُوا.
ثُمَّ قَالَ: (ادْعُوا فُلاَناً، وَأَصْحَابَهُ) .
فَأَكَلُوا، وَشَبِعُوا، وَخَرَجُوا.
ثُمَّ قَالَ: (ادْعُوا فُلاَناً، وَأَصْحَابَهُ) .
فَأَكَلُوا، وَشَبِعُوا، وَخَرَجُوا، وَفَضَلَ تَمْرٌ.
فَقَالَ لِي: (اقْعُدْ) .
فَقَعَدْتُ، فَأَكَلْتُ، وَفَضَلَ تَمْرٌ، فَأَخَذَهُ، فَأَدْخَلَهُ فِي المِزْوَدِ، فَقَالَ: (يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِذَا أَرَدْتَ شَيْئاً، فَأَدْخِلْ يَدَكَ، فَخُذْ، وَلاَ تَكْفَأْ، فَيُكْفَأَ عَلَيْكَ ) .
قَالَ: فَمَا كُنْتُ أُرِيْدُ تَمْراً إِلاَّ أَدْخَلْتُ يَدِي، فَأَخَذْتُ مِنْهُ خَمْسِيْنَ وَسْقاً فِي سَبِيْلِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فَكَانَ مُعَلَّقاً خَلْفَ رَحْلِي، فَوَقَعَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ، فَذَهَبَ.
هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ.تَفَرَّدَ بِهِ: سَهْلٌ، وَهُوَ صَالِحٌ - إِنْ شَاءَ اللهُ - وَهُوَ فِي (أَمَالِي ابْنِ شَمْعُوْنَ) ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سَلْمٍ، عَنْ حَفْصٍ الرَّبَالِيِّ.
مُسْنَدُهُ: خَمْسَةُ آلاَفٍ وَثَلاَثُ مائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَسَبْعُوْنَ حَدِيْثاً.
المُتَّفَقُ فِي البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْهَا: ثَلاَثُ مائَةٍ وَسِتَّةٌ وَعِشْرُوْنَ.
وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ: بِثَلاَثَةٍ وَتِسْعِيْنَ حَدِيْثاً، وَمُسْلِمٌ: بِثَمَانِيَةٍ وَتِسْعِيْنَ حَدِيْثاً.
جَاءَ فِي آخِرِ المُجَلَّدِ الثَّالِثِ مِنَ الأَصْلِ الَّذِي اعْتَمَدْنَاهُ مَا نَصُّهُ:تَمَّ الجُزْءُ الثَّالِثُ مِنْ كِتَابِ (سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ) ، لِلشَّيْخِ، الإِمَامِ، النَّاقِدِ، البَارِعِ، شَيْخِ المُحَدِّثِيْنَ، شَمْسِ الدِّيْنِ، أَبِي عَبْدِ اللهِ، مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ الذَّهَبِيِّ - أَمْتَعَ اللهُ بِحَيَاتِهِ، وَنَفَعَ المُسْلِمِيْنَ بِبَرَكَتِهِ -.
وَيَتْلُوْهُ فِي الجُزْءِ الرَّابِعِ: تَرْجَمَةُ أَبِي بَكْرَةَ الثَّقَفِيِّ؛ مَوْلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَكَانَ الفَرَاغُ مِنْ نَسْخِهِ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، مُسْتَهَلَّ شَهْرِ شَعْبَانَ المُبَارَكِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسَبْعِ مائَةٍ.
وَالحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَصَلَوَاتُهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيْماً.
سَيَبْقَى الخَطُّ بَعْدِي فِي الكِتَابِ ... وَتَبْلَى اليَدُ مِنِّي فِي التُّرَابِ
فَيَا لَيْتَ الَّذِي يَقْرَا كِتَابِي ... دَعَا لِي بِالخَلاَصِ مِنَ الحِسَابِ
كَتَبْتُ هَذِهِ النُّسْخَةَ المُبَارَكَةَ مِنْ نُسْخَةٍ بِخَطِّ: المُصَنِّفِ، الشَّيْخِ، الإِمَامِ الأَوْحَدِ، الحُجَّةِ، إِمَامِ المُحَدِّثِيْنَ، مُؤَرِّخِ الإِسْلاَمِ، شَمْسِ الدِّيْنِ، أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ الذَّهَبِيِّ - فَسَحَ اللهُ فِي مُدَّتِهِ، وَنَفَعَ المُسْلِمِيْنَ بِبَرَكَتِهِ، بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَعِتْرَتِهِ -.
الْجُزْءُ الْثَّالِثُبَقِيَّةُ كُبَرَاءِ الصَّحَابَةِ
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=154971&book=5550#7cd282
أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى
ابن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي، ختن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ابنته زينب قيل: اسمه لقيط. وقيل: القاسم. وقيل: مهشم. وقيل: ياسر. أمه هالة بنت خويلد، أخت خديجة، زوج سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. زوجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زينب، ابنته، وهي أكبر بنات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فولدت له علياً وأمامة. فتوفي علي بن أبي العاص وهو غلام. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أردفه ناقته عام الفتح. وقالت فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي حين حضرتها الوفاة: تزوج بنت أختي أمامة بنت أبي العاص. فتزوجها علي بن أبي طالب. فمكثت عنده ثلاثين سنة، ولم تلد له شيئاً وكانت عقيماً ثم تزوجها بعد علي المغيرة بن نوفل بن الحارث. وأبو العاص الذي بدأ فيه الجوار في ركب من قريش الذين أخذهم أبو جندل بن سهيل، وأبو بصير، وهو عتبة بن أسيد وأصحابه، فأتى بهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسرى وبأموالهم، فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن زينب بنت رسول الله قد أجارت زوجها أبا العاص بن الربيع في ماله ومتاعه. فأدى إليهم كل شيء كان لهم. حتى إن الرجل ليأتي بالعقال من متاعهم.
وكانت زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استأذنت أبا العاص وهو بمكة أن تخرج إلى المدينة. فأذن لها، ثم خرج إلى الشام، فخرجت بعده إلى المدينة، فأنفر بها هبار بن الأسود فكسر ضلعاً من أضلاعها، وأدركها أبو سفيان وأصحابه فردوها إلى بيتها، فلقيتها هند بنت عتبة فقالت لها:
عمل أبي خير من عملك وعمل زوجك. ثم بعث لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسامة بن زيد، ورجلين من المهاجرين فواعدوها، وخرجت إليهم تحت الليل، فأقدموها على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعها ابنها علي وابنتها أمامة. ثم قدم أبو العاص مكة من سفره، فأراد أن يخرج إلى امرأته وولده، فأخذته قريش وقالوا: هلم بنا ننكحك بنت سعيد بن العاص. فتزوجها أبو العاص فولدت له امرأة يقال لها أمية، فتزوجت محمد بن عبد الرحمن بن عوف، فهي أم القاسم بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف. فما مكث أبو العاص بن الربيع مع بنت سعيد بن العاص حتى لحق بزينب بنت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبولده بالمدينة قبيل الفتح بيسير. فلما قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان خرج مع علي بن أبي طالب إلى اليمن، فاستخلفه علي على اليمن عام حجة الوداع. فحج عامه. وكان أبو العاص مع علي في البيت يوم بويع أبو بكر. وتوفيت زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي عند أبي العاص. وكان أبو العاص بن الربيع أخاً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مصافياً له. وكان يقال لأبي العاص: الأمين، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكثر غشيان أبي العاص في منزل أمه هالة بنت خويلد. وأسلم أبو العاص قبل فتح مكة. وكان يسمى جرو البطحاء يعني أنه متلد بها. أسلم
قبل الحديبية بخمسة أشهر، ثم رجع إلى مكة، ولم يشهد مع سيدنا محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً. وقيل: جيء به مربوطاً بقيد، فسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه أن يطلقوه. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما ذممنا صهر أبي العاص. ويقال: قدم مهاجراً إلى المدينة بعدما أسلم بمكة، فرجع إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنته زينب بالنكاح الأول. ويقال: ردها عليه بمهر جديد، ونكاح جديد.
وأثنى عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: إنه حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي.
وأردف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنها علياً يوم فتح مكة، وحمل أمامة في صلاته.
وخرج أبو العاص في بعض أسفاره إلى الشام فقال: من البسيط
ذكرت زينب لما وردت أرما ... فقلت سقيا لشخص يسكن الحرما
بنت الأمين جزاها الله صالحةً ... وكل بعل سيثني بالذي علما
إرم: هي دمشق. وعن الزهري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " استوصوا بالأسرى خيراً ". فقال أبو العاص بن الربيع: كنت مع رهط من الأنصار جزاهم الله خيراً كنا إذا تعشينا أو تغدينا، آثروني بالخبز، وأكلوا التمر، والخبز معهم قليل، والتمر زادهم. حتى إن الرجل لتقع في يده الكسرة فيدفعها إلي. وكان الوليد بن الوليد بن المغيرة يقول مثل ذلك، ويزيد: وكانوا يحملوننا ويمشون. ولما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فداء أبي العاص بن الربيع بمال، وبعثت فيه بقلادة من جزع ظفار كانت لخديجة، وأدخلتها بها
على أبي العاص حين بنى عليها. فلما رآها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرفها ورق لها، وذكر خديجة، ورحم عليها وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا إليها متاعها، فعلتم. فقالوا: نعم يا رسول الله. فأطلقوا أبا العاص، وردوا إلى زينب متاعها. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أخذ عليه أو وعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يخلي زينب إليه. قال ابن إسحاق: وكان فيما شرط عليه في إطلاقه إياه، ولم يظهر ذلك منه، ولا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيعلم ما هو، إلى أن خرج أبو العاص إلى مكة، وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيد بن حارثة، ورجلاً من الأنصار. فقال: كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتياني بها. وذلك بعد بدر بشهر. وكان أبو العاص من رجال مكة المعدودين مالاً وأمانة وتجارةً. وكانت خديجة خالته، فقالت خديجة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زوجه. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يخالفها، وذلك قبل أن ينزل عليه الوحي، فزوجه. فلما أكرم الله رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنبوته، آمنت به خديجة وبناته. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد زوج عتبة بن أبي لهب رقية أو أم كلثوم، فلما بادى قريشاً بأمر الله قالوا: إنكم قد فرغتم محمداً من بناته، فردوهن عليه، فاشغلوه بهن. فمشوا إلى أبي العاص فقالوا: فارق صاحبتك ونحن نزوجك أي امرأة شئت من قريش. فقال: لا، ها الله، لا أفارق صاحبتي، وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش. ثم مشوا إلى الفاسق عتبة بن أبي لهب فقالوا: طلق ابنة محمد، ونحن نزوجك أي امرأة شئت من قريش. فقال: إن زوجتموني بنت أبان بن سعيد بن العاص، أو بنت سعيد بن العاص، فارقتها. فزوجوه بنت سعيد بن العاص، ففارقها ولم يكن دخل بها، وأخرجها الله من يديه كرامة لها، وهواناً عليه، وخلف عليها عثمان بن عفان. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يحل بمكة ولا يحرم مغلوباً وكان الإسلام قد فرق بين زينب وبين أبي العاص حين أسلمت، إلا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يقدر على أن يفرق بينهما.
قالوا: وكان الذي قدم في فداء أبي العاص أخوه عمرو بن الربيع، وكان الذي أسره عبد الله بن جبير بن النعمان، أخو خوات بن جبير الأنصاري. خرج أبو العاص بن الربيع تاجراً إلى الشام وكان رجلاً مأموناً وكانت معه بضائع لقريش، فأقبل قافلاً، فلقيته سرية لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستاقوا عيره وأفلت، وقدموا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما أصابوا، فقسمه بينهم، وأتى أبو العاص فدخل على زينب فاستجار بها، فسألها أن تطلب له من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رد ماله عليه، وما كان معه من أموال الناس. فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السرية فقال لهم: إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالاً ولغيره مما كان معه، وهو فيء الله الذي أفاء عليكم، فإن رأيتم أن تردوا عليه فافعلوا، وإن كرهتم فأنتم وحقكم. فقالوا: بل نرد عليه يا رسول الله. فردوا عليه ما أصابوا، حتى إن الرجل ليأتي بالشنة، والرجل بالإداوة، والرجل بالحبل، فما تركوا قليلاً أصابوه ولا كثيراً إلا ردوه عليه. ثم قدم مكة، فأدى إلى الناس ما كان معهم من بضائعهم، حتى إذا فرغ قال: يا معشر قريش، هل بقي لأحد منكم معي مال لم أرده عليه؟ قالوا: لا، فجزاك الله خيراً، قد وجدناك وفياً كريماً. فقال: أما والله ما منعني أن أسلم قبل أن أقدم عليكم إلا تخوف أن تظنوا بي أني إنما أسلمت لأذهب بأموالكم، فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله. قالوا في حديث: وأتي بأبي العاص من طريق الشام مربوطاً في قد، فقامت إليه
زينب، فحلته، وكانت معه بضائع للناس، فقيل له: أسلم يكن لك ما معك، وتأخذ هذه الأموال، فإنها أموال المشركين. فقال: لبئس ما أبدأ به إسلامي أن أخون أمانتي. فكفلت عنه امرأته أن يرجع فيؤدي إلى كل ذي حق حقه، ويرجع فيسلم. ففعل، وما فرق بينهما. وقيل: إن أبا العاص لما قدم من الشام، ومعه أموال وتجارات قال أصحاب
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو استقبلنا هذا الكافر فقتلناه، وأخذنا ماله. فبلغ ذلك زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهي امرأته، فأمنته، فاستقبله أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عزلاً. فقالوا: يا أبا العاص، هل لك أن تسلم على ما في يديك من هذه الأموال، فتسود قريشاً، وتكون أكثرهم مالاً؟ قال: ما كنت لأستقبل الإسلام بغدرة، فأتى مكة فدفع إلى كل ذي حق حقه، وأسلم، وهاجر إلى المدينة، فأقاما على نكاحهما. وقيل: إن أبا العاص لما استجار بزينب، خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الصبح، فلما كبر في الصلاة صرخت زينب: أيها الناس، إني قد أجرت أبا العاص. فلما سلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من صلاته قال: أيها الناس، هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا نعم؛ قال: أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء مما كان حتى سمعت منه ما سمعتم، إنه يجير على الناس أدناهم. ثم دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على زينب فقال: أي بنية، أكرمي مثواه، ولا يقربنك فإنك لا تحلين له ولا يحل لك. وقيل: إن زينب قالت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أبا العاص إن قرب فابن عم، وإن بعد فأبو ولد، وإني قد أجرته. فأجاره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن عباس: رد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زينب ابنته على أبي العاص على النكاح الأول بعد ست سنين. وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سألت ربي عز وجل أن لا أتزوج إلى أحد من أمتي، ولا يتزوج إلي أحد من أمتي، إلا كان معي في الجنة، فأعطاني ذلك. وعن أبي أوفى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زينب، فحلته، وكانت معه بضائع للناس، فقيل له: أسلم يكن لك ما معك، وتأخذ هذه الأموال، فإنها أموال المشركين. فقال: لبئس ما أبدأ به إسلامي أن أخون أمانتي. فكفلت عنه امرأته أن يرجع فيؤدي إلى كل ذي حق حقه، ويرجع فيسلم. ففعل، وما فرق بينهما. وقيل: إن أبا العاص لما قدم من الشام، ومعه أموال وتجارات قال أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو استقبلنا هذا الكافر فقتلناه، وأخذنا ماله. فبلغ ذلك زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهي امرأته، فأمنته، فاستقبله أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عزلاً. فقالوا: يا أبا العاص، هل لك أن تسلم على ما في يديك من هذه الأموال، فتسود قريشاً، وتكون أكثرهم مالاً؟ قال: ما كنت لأستقبل الإسلام بغدرة، فأتى مكة فدفع إلى كل ذي حق حقه، وأسلم، وهاجر إلى المدينة، فأقاما على نكاحهما. وقيل: إن أبا العاص لما استجار بزينب، خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الصبح، فلما كبر في الصلاة صرخت زينب: أيها الناس، إني قد أجرت أبا العاص. فلما سلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من صلاته قال: أيها الناس، هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا نعم؛ قال: أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء مما كان حتى سمعت منه ما سمعتم، إنه يجير على الناس أدناهم. ثم دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على زينب فقال: أي بنية، أكرمي مثواه، ولا يقربنك فإنك لا تحلين له ولا يحل لك. وقيل: إن زينب قالت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أبا العاص إن قرب فابن عم، وإن بعد فأبو ولد، وإني قد أجرته. فأجاره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن عباس: رد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زينب ابنته على أبي العاص على النكاح الأول بعد ست سنين. وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سألت ربي عز وجل أن لا أتزوج إلى أحد من أمتي، ولا يتزوج إلي أحد من أمتي، إلا كان معي في الجنة، فأعطاني ذلك. وعن أبي أوفى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من تزوجت إليه أو تزوج إلي فحرمه على النار أو قال أدخله الجنة. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري.
توفي أبو العاص في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة في خلافة أبي بكر الصديق، وأوصى إلى الزبير بن العوام. وقيل: توفي سنة ثلاث عشرة.
ابن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي، ختن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ابنته زينب قيل: اسمه لقيط. وقيل: القاسم. وقيل: مهشم. وقيل: ياسر. أمه هالة بنت خويلد، أخت خديجة، زوج سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. زوجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زينب، ابنته، وهي أكبر بنات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فولدت له علياً وأمامة. فتوفي علي بن أبي العاص وهو غلام. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أردفه ناقته عام الفتح. وقالت فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي حين حضرتها الوفاة: تزوج بنت أختي أمامة بنت أبي العاص. فتزوجها علي بن أبي طالب. فمكثت عنده ثلاثين سنة، ولم تلد له شيئاً وكانت عقيماً ثم تزوجها بعد علي المغيرة بن نوفل بن الحارث. وأبو العاص الذي بدأ فيه الجوار في ركب من قريش الذين أخذهم أبو جندل بن سهيل، وأبو بصير، وهو عتبة بن أسيد وأصحابه، فأتى بهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسرى وبأموالهم، فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن زينب بنت رسول الله قد أجارت زوجها أبا العاص بن الربيع في ماله ومتاعه. فأدى إليهم كل شيء كان لهم. حتى إن الرجل ليأتي بالعقال من متاعهم.
وكانت زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استأذنت أبا العاص وهو بمكة أن تخرج إلى المدينة. فأذن لها، ثم خرج إلى الشام، فخرجت بعده إلى المدينة، فأنفر بها هبار بن الأسود فكسر ضلعاً من أضلاعها، وأدركها أبو سفيان وأصحابه فردوها إلى بيتها، فلقيتها هند بنت عتبة فقالت لها:
عمل أبي خير من عملك وعمل زوجك. ثم بعث لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسامة بن زيد، ورجلين من المهاجرين فواعدوها، وخرجت إليهم تحت الليل، فأقدموها على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعها ابنها علي وابنتها أمامة. ثم قدم أبو العاص مكة من سفره، فأراد أن يخرج إلى امرأته وولده، فأخذته قريش وقالوا: هلم بنا ننكحك بنت سعيد بن العاص. فتزوجها أبو العاص فولدت له امرأة يقال لها أمية، فتزوجت محمد بن عبد الرحمن بن عوف، فهي أم القاسم بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف. فما مكث أبو العاص بن الربيع مع بنت سعيد بن العاص حتى لحق بزينب بنت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبولده بالمدينة قبيل الفتح بيسير. فلما قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان خرج مع علي بن أبي طالب إلى اليمن، فاستخلفه علي على اليمن عام حجة الوداع. فحج عامه. وكان أبو العاص مع علي في البيت يوم بويع أبو بكر. وتوفيت زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي عند أبي العاص. وكان أبو العاص بن الربيع أخاً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مصافياً له. وكان يقال لأبي العاص: الأمين، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكثر غشيان أبي العاص في منزل أمه هالة بنت خويلد. وأسلم أبو العاص قبل فتح مكة. وكان يسمى جرو البطحاء يعني أنه متلد بها. أسلم
قبل الحديبية بخمسة أشهر، ثم رجع إلى مكة، ولم يشهد مع سيدنا محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً. وقيل: جيء به مربوطاً بقيد، فسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه أن يطلقوه. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما ذممنا صهر أبي العاص. ويقال: قدم مهاجراً إلى المدينة بعدما أسلم بمكة، فرجع إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنته زينب بالنكاح الأول. ويقال: ردها عليه بمهر جديد، ونكاح جديد.
وأثنى عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: إنه حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي.
وأردف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنها علياً يوم فتح مكة، وحمل أمامة في صلاته.
وخرج أبو العاص في بعض أسفاره إلى الشام فقال: من البسيط
ذكرت زينب لما وردت أرما ... فقلت سقيا لشخص يسكن الحرما
بنت الأمين جزاها الله صالحةً ... وكل بعل سيثني بالذي علما
إرم: هي دمشق. وعن الزهري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " استوصوا بالأسرى خيراً ". فقال أبو العاص بن الربيع: كنت مع رهط من الأنصار جزاهم الله خيراً كنا إذا تعشينا أو تغدينا، آثروني بالخبز، وأكلوا التمر، والخبز معهم قليل، والتمر زادهم. حتى إن الرجل لتقع في يده الكسرة فيدفعها إلي. وكان الوليد بن الوليد بن المغيرة يقول مثل ذلك، ويزيد: وكانوا يحملوننا ويمشون. ولما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فداء أبي العاص بن الربيع بمال، وبعثت فيه بقلادة من جزع ظفار كانت لخديجة، وأدخلتها بها
على أبي العاص حين بنى عليها. فلما رآها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرفها ورق لها، وذكر خديجة، ورحم عليها وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا إليها متاعها، فعلتم. فقالوا: نعم يا رسول الله. فأطلقوا أبا العاص، وردوا إلى زينب متاعها. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أخذ عليه أو وعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يخلي زينب إليه. قال ابن إسحاق: وكان فيما شرط عليه في إطلاقه إياه، ولم يظهر ذلك منه، ولا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيعلم ما هو، إلى أن خرج أبو العاص إلى مكة، وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيد بن حارثة، ورجلاً من الأنصار. فقال: كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتياني بها. وذلك بعد بدر بشهر. وكان أبو العاص من رجال مكة المعدودين مالاً وأمانة وتجارةً. وكانت خديجة خالته، فقالت خديجة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زوجه. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يخالفها، وذلك قبل أن ينزل عليه الوحي، فزوجه. فلما أكرم الله رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنبوته، آمنت به خديجة وبناته. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد زوج عتبة بن أبي لهب رقية أو أم كلثوم، فلما بادى قريشاً بأمر الله قالوا: إنكم قد فرغتم محمداً من بناته، فردوهن عليه، فاشغلوه بهن. فمشوا إلى أبي العاص فقالوا: فارق صاحبتك ونحن نزوجك أي امرأة شئت من قريش. فقال: لا، ها الله، لا أفارق صاحبتي، وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش. ثم مشوا إلى الفاسق عتبة بن أبي لهب فقالوا: طلق ابنة محمد، ونحن نزوجك أي امرأة شئت من قريش. فقال: إن زوجتموني بنت أبان بن سعيد بن العاص، أو بنت سعيد بن العاص، فارقتها. فزوجوه بنت سعيد بن العاص، ففارقها ولم يكن دخل بها، وأخرجها الله من يديه كرامة لها، وهواناً عليه، وخلف عليها عثمان بن عفان. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يحل بمكة ولا يحرم مغلوباً وكان الإسلام قد فرق بين زينب وبين أبي العاص حين أسلمت، إلا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يقدر على أن يفرق بينهما.
قالوا: وكان الذي قدم في فداء أبي العاص أخوه عمرو بن الربيع، وكان الذي أسره عبد الله بن جبير بن النعمان، أخو خوات بن جبير الأنصاري. خرج أبو العاص بن الربيع تاجراً إلى الشام وكان رجلاً مأموناً وكانت معه بضائع لقريش، فأقبل قافلاً، فلقيته سرية لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستاقوا عيره وأفلت، وقدموا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما أصابوا، فقسمه بينهم، وأتى أبو العاص فدخل على زينب فاستجار بها، فسألها أن تطلب له من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رد ماله عليه، وما كان معه من أموال الناس. فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السرية فقال لهم: إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالاً ولغيره مما كان معه، وهو فيء الله الذي أفاء عليكم، فإن رأيتم أن تردوا عليه فافعلوا، وإن كرهتم فأنتم وحقكم. فقالوا: بل نرد عليه يا رسول الله. فردوا عليه ما أصابوا، حتى إن الرجل ليأتي بالشنة، والرجل بالإداوة، والرجل بالحبل، فما تركوا قليلاً أصابوه ولا كثيراً إلا ردوه عليه. ثم قدم مكة، فأدى إلى الناس ما كان معهم من بضائعهم، حتى إذا فرغ قال: يا معشر قريش، هل بقي لأحد منكم معي مال لم أرده عليه؟ قالوا: لا، فجزاك الله خيراً، قد وجدناك وفياً كريماً. فقال: أما والله ما منعني أن أسلم قبل أن أقدم عليكم إلا تخوف أن تظنوا بي أني إنما أسلمت لأذهب بأموالكم، فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله. قالوا في حديث: وأتي بأبي العاص من طريق الشام مربوطاً في قد، فقامت إليه
زينب، فحلته، وكانت معه بضائع للناس، فقيل له: أسلم يكن لك ما معك، وتأخذ هذه الأموال، فإنها أموال المشركين. فقال: لبئس ما أبدأ به إسلامي أن أخون أمانتي. فكفلت عنه امرأته أن يرجع فيؤدي إلى كل ذي حق حقه، ويرجع فيسلم. ففعل، وما فرق بينهما. وقيل: إن أبا العاص لما قدم من الشام، ومعه أموال وتجارات قال أصحاب
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو استقبلنا هذا الكافر فقتلناه، وأخذنا ماله. فبلغ ذلك زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهي امرأته، فأمنته، فاستقبله أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عزلاً. فقالوا: يا أبا العاص، هل لك أن تسلم على ما في يديك من هذه الأموال، فتسود قريشاً، وتكون أكثرهم مالاً؟ قال: ما كنت لأستقبل الإسلام بغدرة، فأتى مكة فدفع إلى كل ذي حق حقه، وأسلم، وهاجر إلى المدينة، فأقاما على نكاحهما. وقيل: إن أبا العاص لما استجار بزينب، خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الصبح، فلما كبر في الصلاة صرخت زينب: أيها الناس، إني قد أجرت أبا العاص. فلما سلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من صلاته قال: أيها الناس، هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا نعم؛ قال: أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء مما كان حتى سمعت منه ما سمعتم، إنه يجير على الناس أدناهم. ثم دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على زينب فقال: أي بنية، أكرمي مثواه، ولا يقربنك فإنك لا تحلين له ولا يحل لك. وقيل: إن زينب قالت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أبا العاص إن قرب فابن عم، وإن بعد فأبو ولد، وإني قد أجرته. فأجاره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن عباس: رد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زينب ابنته على أبي العاص على النكاح الأول بعد ست سنين. وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سألت ربي عز وجل أن لا أتزوج إلى أحد من أمتي، ولا يتزوج إلي أحد من أمتي، إلا كان معي في الجنة، فأعطاني ذلك. وعن أبي أوفى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زينب، فحلته، وكانت معه بضائع للناس، فقيل له: أسلم يكن لك ما معك، وتأخذ هذه الأموال، فإنها أموال المشركين. فقال: لبئس ما أبدأ به إسلامي أن أخون أمانتي. فكفلت عنه امرأته أن يرجع فيؤدي إلى كل ذي حق حقه، ويرجع فيسلم. ففعل، وما فرق بينهما. وقيل: إن أبا العاص لما قدم من الشام، ومعه أموال وتجارات قال أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو استقبلنا هذا الكافر فقتلناه، وأخذنا ماله. فبلغ ذلك زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهي امرأته، فأمنته، فاستقبله أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عزلاً. فقالوا: يا أبا العاص، هل لك أن تسلم على ما في يديك من هذه الأموال، فتسود قريشاً، وتكون أكثرهم مالاً؟ قال: ما كنت لأستقبل الإسلام بغدرة، فأتى مكة فدفع إلى كل ذي حق حقه، وأسلم، وهاجر إلى المدينة، فأقاما على نكاحهما. وقيل: إن أبا العاص لما استجار بزينب، خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الصبح، فلما كبر في الصلاة صرخت زينب: أيها الناس، إني قد أجرت أبا العاص. فلما سلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من صلاته قال: أيها الناس، هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا نعم؛ قال: أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء مما كان حتى سمعت منه ما سمعتم، إنه يجير على الناس أدناهم. ثم دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على زينب فقال: أي بنية، أكرمي مثواه، ولا يقربنك فإنك لا تحلين له ولا يحل لك. وقيل: إن زينب قالت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أبا العاص إن قرب فابن عم، وإن بعد فأبو ولد، وإني قد أجرته. فأجاره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن عباس: رد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زينب ابنته على أبي العاص على النكاح الأول بعد ست سنين. وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سألت ربي عز وجل أن لا أتزوج إلى أحد من أمتي، ولا يتزوج إلي أحد من أمتي، إلا كان معي في الجنة، فأعطاني ذلك. وعن أبي أوفى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من تزوجت إليه أو تزوج إلي فحرمه على النار أو قال أدخله الجنة. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري.
توفي أبو العاص في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة في خلافة أبي بكر الصديق، وأوصى إلى الزبير بن العوام. وقيل: توفي سنة ثلاث عشرة.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=156694&book=5550#41b945
أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ بنِ كُرَيْبٍ الهَمْدَانِيُّ
الحَافِظُ، الثِّقَةُ، الإِمَامُ، شَيْخُ المُحَدِّثِيْنَ، أَبُو كُرَيْبٍ الهَمْدَانِيُّ، الكُوْفِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَهُشَيْمٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَعَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَعُمَرَ بنِ عُبَيْدٍ، وَأَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَابْنِ إِدْرِيْسَ، وَعَبْدَةَ بنِ سُلَيْمَانَ، وَعُبَيْدِ اللهِ الأَشْجَعِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ الأَجْلَحِ، وَحَكَّامِ بنِ سَلْمٍ، وَشُعَيْبِ بنِ إِسْحَاقَ، وَزَيْدِ بنِ الحُبَابِ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ مَعْنٍ، وَيَحْيَى بنِ يَمَانٍ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَيَنزِلُ إِلَى: طَلْقِ بنِ غَنَّامٍ، وَخَالِدِ بنِ مَخْلَدٍ القَطَوَانِيِّ.
وَصَنَّفَ، وَجَمَعَ، وَارْتَحَلَ.
وَعَنْهُ: الجَمَاعَةُ السِّتَّةُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَعُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ، وَمُوْسَى بنُ إِسْحَاقَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ، وَزَكَرِيَّا خَيَّاطُ السُّنَّةِ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ أَيْضاً عَنْ هَذَيْنِ عَنْهُ، وَمُطَيَّنٌ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مَعْقِلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ بُهْلُوْلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى التُّسْتَرِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُشْتِيُّ، وَبَدْرُ بنُ
الهَيْثَمِ، وَجَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ سِنَانٍ، وَحَمْدَانُ بنُ غَارِمٍ البُخَارِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ زَيْدَانَ البَجَلِيُّ، وَابْنُ نَاجِيَةَ، وَالقَاسِمُ المُطَرِّزُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالسَّرَّاجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الرُّوْيَانِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ الحِمْيَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ زَكَرِيَّا المُحَارِبِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم.قَالَ حَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
لَوْ حَدَّثتُ عَمَّنْ أَجَابَ فِي المِحْنَةِ، لَحَدَّثتُ عَنِ اثْنَيْنِ: أَبُو مَعْمَرٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، أَمَّا أَبُو مَعْمَرٍ، فَلَمْ يَزَلْ بَعْدَ مَا أَجَابَ يَذُمُّ نَفْسَه عَلَى إِجَابَتِه وَامْتِحَانِه، وَيُحَسِّنُ أَمْرَ مَنْ لَمْ يُجِبْ.
وَأَمَّا أَبُو كُرَيْبٍ، فَأُجْرِيَ عَلَيْهِ دِيْنَارَانِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ، فَتَرَكَهُمَا لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ أُجْرِيَ عَلَيْهِ لِذَلِكَ.
قَالَ الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ:
مَا بِالعِرَاقِ أَكْثَرُ حَدِيْثاً مِنْ أَبِي كُرَيْبٍ، وَلاَ أَعْرَفُ بِحَدِيْثِ بَلَدِنَا مِنْهُ.
وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ الخَفَّافُ: مَا رَأَيْتُ مِنَ المَشَايِخِ بَعْدَ إِسْحَاقَ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي كُرَيْبٍ.
وَقَالَ مُوْسَى بنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ مِنْ أَبِي كُرَيْبٍ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: مَنْ أَحْفَظُ مَنْ رَأَيْتَ بِالعِرَاقِ؟
قُلْتُ: لَمْ أَرَ بَعْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي كُرَيْبٍ.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُقْدَةَ يُقَدِّمُ أَبَا كُرَيْبٍ
فِي الحِفْظِ وَالكَثْرَةِ عَلَى جَمِيْعِ مَشَايِخِهِم، وَيَقُوْلُ:ظَهَرَ لأَبِي كُرَيْبٍ بِالْكُوْفَةِ ثَلاَثُ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ حَامِدِ بنِ إِدْرِيْسَ البُخَارِيُّ: عَنْ صَالِحِ بنِ مُحَمَّدٍ جَزَرَةَ:
غَلَبَتِ اليُبُوسَةُ مَرَّةً عَلَى رَأْسِ أَبِي كُرَيْبٍ، فَجِيْءَ بِالطَّبِيْبِ، فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُغَلَّفَ رَأْسُهُ بِالفَالُوْذَجِ.
قَالَ: فَفَعَلُوا.
قَالَ: فَتَنَاوَلَه مِنْ رَأْسِهِ، وَوَضَعَه فِي فِيْهِ، وَقَالَ: بَطنِي أَحوَجُ إِلَيْهِ مِنْ رَأْسِي.
قُلْتُ: بَلَغَ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى دِمَشْقَ، فَعَنْهُ قَالَ: أَتَيتُ يَحْيَى بنَ حَمْزَةَ، فَوَجَدْتُ عَلَيْهِ سوَادَ القَضَاءِ، فَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ، وَكُنْتُ سَافَرْتُ أُرِيْدُ أفْرِيْقِيَةَ.
قَالَ مُطَيَّنٌ: أَوْصَى أَبُو كُرَيْبٍ بِكُتُبِهِ أَنْ تُدفَنَ، فَدُفِنَتْ.
قُلْتُ: فَعَلَ هَذَا بِكُتُبِه مِنَ الدَّفْنِ وَالغَسلِ وَالإِحرَاقِ عِدَّةٌ مِنَ الحُفَّاظِ خَوْفاً مِنْ أَنْ يَظْفَرَ بِهَا مُحَدِّثٌ قَلِيْلُ الدِّيْنِ، فَيُغَيِّرَ فِيْهَا، وَيَزِيْدَ فِيْهَا، فَيُنْسَبَ ذَلِكَ إِلَى الحَافِظِ، أَوْ أَنَّ أُصُوْلَه كَانَ فِيْهَا مَقَاطِيعُ وَوَاهِيَاتٌ مَا حَدَّثَ بِهَا أَبَداً، وَإِنَّمَا انْتَخَبَ مِنْ أُصُوْلِه مَا رَوَاهُ وَمَا بَقِيَ، فَرَغِبَ عَنْهُ، وَمَا وَجَدُوا لِذَلِكَ سِوَى الإِعدَامِ.
فَلِهَذَا وَنَحْوِهِ دَفَنَ -رَحِمَهُ اللهُ- كُتُبَهُ.
قَالَ البُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ أَبُو كُرَيْبٍ فِي يَوْمِ الثُّلاَثَاءِ، لأَرْبَعٍ بَقِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ مُطَيَّنٌ: مَاتَ لِثَلاَثٍ بَقِيْنَ مِنْ جُمَادَى الأُوْلَى.
وَمَنْ قَالَ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ، فَقَدْ أَخْطَأَ.
وَعَاشَ: سَبْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ
اللهِ بنُ أَبِي شَرِيْكٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ، قَالَ:قُرِئَ عَلَى القَاضِي أَبِي القَاسِمِ بَدْرِ بنِ الهَيْثَمِ - وَأَنَا أَسْمَعُ - قِيْلَ لَهُ:
حَدَّثَكُم مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ بنِ كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ فِي الجَنَّةِ سُوْقاً مَا فِيْهَا بَيْعٌ وَلاَ شِرَاءٌ، إِلاَّ الصُّوَرُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَإِذَا اشْتَهَى رَجُلٌ صُوْرَةً، دَخَلَ فِيْهَا، وَإِنَّ فِيْهَا لَمَجْمَعَ الحُوْرِ العِيْنِ، يَرْفَعْنَ أَصْوَاتاً لَمْ تَسْمَعِ الخَلاَئِقُ مِثْلَهَا: نَحْنُ الخَالِدَاتُ فَلاَ نَبِيْدُ، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلاَ نَسْخَطُ، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلاَ نَبْؤُسْ؛ فَطُوْبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا وَكُنَّا لَهُ ) .
قَالَ لَنَا القَاضِي أَبُو القَاسِمِ: هَذَا الحَدِيْثُ رَفَعَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَقَّفَهُ ابْنُ فُضَيْلٍ.
حَدَّثَنَا القَاضِي أَبُو القَاسِمِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْل، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنِ النُّعْمَانِ بن سَعْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ:
(إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَسُوْقاً مَا فِيْهَا بَيْعٌ وَلاَ شِرَاءٌ إِلاَّ الصُّوَرُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، مَنِ اشْتَهَى صُوْرَةً، دَخَلَ فِيْهَا).
أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ وَحْدَه، عَنِ الثِّقَةِ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، جَعَلَهُ حَدِيْثَيْنِ.قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمٌ الجُرْجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوْسَى، قَالَ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا بَعَثَ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ، قَالَ: (بَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَيَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا) .
أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، فَوَافَقْنَاهُ.
الحَافِظُ، الثِّقَةُ، الإِمَامُ، شَيْخُ المُحَدِّثِيْنَ، أَبُو كُرَيْبٍ الهَمْدَانِيُّ، الكُوْفِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَهُشَيْمٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَعَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَعُمَرَ بنِ عُبَيْدٍ، وَأَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَابْنِ إِدْرِيْسَ، وَعَبْدَةَ بنِ سُلَيْمَانَ، وَعُبَيْدِ اللهِ الأَشْجَعِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ الأَجْلَحِ، وَحَكَّامِ بنِ سَلْمٍ، وَشُعَيْبِ بنِ إِسْحَاقَ، وَزَيْدِ بنِ الحُبَابِ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ مَعْنٍ، وَيَحْيَى بنِ يَمَانٍ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَيَنزِلُ إِلَى: طَلْقِ بنِ غَنَّامٍ، وَخَالِدِ بنِ مَخْلَدٍ القَطَوَانِيِّ.
وَصَنَّفَ، وَجَمَعَ، وَارْتَحَلَ.
وَعَنْهُ: الجَمَاعَةُ السِّتَّةُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَعُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ، وَمُوْسَى بنُ إِسْحَاقَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ، وَزَكَرِيَّا خَيَّاطُ السُّنَّةِ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ أَيْضاً عَنْ هَذَيْنِ عَنْهُ، وَمُطَيَّنٌ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مَعْقِلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ بُهْلُوْلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى التُّسْتَرِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُشْتِيُّ، وَبَدْرُ بنُ
الهَيْثَمِ، وَجَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ سِنَانٍ، وَحَمْدَانُ بنُ غَارِمٍ البُخَارِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ زَيْدَانَ البَجَلِيُّ، وَابْنُ نَاجِيَةَ، وَالقَاسِمُ المُطَرِّزُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالسَّرَّاجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الرُّوْيَانِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ الحِمْيَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ زَكَرِيَّا المُحَارِبِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم.قَالَ حَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
لَوْ حَدَّثتُ عَمَّنْ أَجَابَ فِي المِحْنَةِ، لَحَدَّثتُ عَنِ اثْنَيْنِ: أَبُو مَعْمَرٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، أَمَّا أَبُو مَعْمَرٍ، فَلَمْ يَزَلْ بَعْدَ مَا أَجَابَ يَذُمُّ نَفْسَه عَلَى إِجَابَتِه وَامْتِحَانِه، وَيُحَسِّنُ أَمْرَ مَنْ لَمْ يُجِبْ.
وَأَمَّا أَبُو كُرَيْبٍ، فَأُجْرِيَ عَلَيْهِ دِيْنَارَانِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ، فَتَرَكَهُمَا لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ أُجْرِيَ عَلَيْهِ لِذَلِكَ.
قَالَ الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ:
مَا بِالعِرَاقِ أَكْثَرُ حَدِيْثاً مِنْ أَبِي كُرَيْبٍ، وَلاَ أَعْرَفُ بِحَدِيْثِ بَلَدِنَا مِنْهُ.
وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ الخَفَّافُ: مَا رَأَيْتُ مِنَ المَشَايِخِ بَعْدَ إِسْحَاقَ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي كُرَيْبٍ.
وَقَالَ مُوْسَى بنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ مِنْ أَبِي كُرَيْبٍ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: مَنْ أَحْفَظُ مَنْ رَأَيْتَ بِالعِرَاقِ؟
قُلْتُ: لَمْ أَرَ بَعْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي كُرَيْبٍ.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُقْدَةَ يُقَدِّمُ أَبَا كُرَيْبٍ
فِي الحِفْظِ وَالكَثْرَةِ عَلَى جَمِيْعِ مَشَايِخِهِم، وَيَقُوْلُ:ظَهَرَ لأَبِي كُرَيْبٍ بِالْكُوْفَةِ ثَلاَثُ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ حَامِدِ بنِ إِدْرِيْسَ البُخَارِيُّ: عَنْ صَالِحِ بنِ مُحَمَّدٍ جَزَرَةَ:
غَلَبَتِ اليُبُوسَةُ مَرَّةً عَلَى رَأْسِ أَبِي كُرَيْبٍ، فَجِيْءَ بِالطَّبِيْبِ، فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُغَلَّفَ رَأْسُهُ بِالفَالُوْذَجِ.
قَالَ: فَفَعَلُوا.
قَالَ: فَتَنَاوَلَه مِنْ رَأْسِهِ، وَوَضَعَه فِي فِيْهِ، وَقَالَ: بَطنِي أَحوَجُ إِلَيْهِ مِنْ رَأْسِي.
قُلْتُ: بَلَغَ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى دِمَشْقَ، فَعَنْهُ قَالَ: أَتَيتُ يَحْيَى بنَ حَمْزَةَ، فَوَجَدْتُ عَلَيْهِ سوَادَ القَضَاءِ، فَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ، وَكُنْتُ سَافَرْتُ أُرِيْدُ أفْرِيْقِيَةَ.
قَالَ مُطَيَّنٌ: أَوْصَى أَبُو كُرَيْبٍ بِكُتُبِهِ أَنْ تُدفَنَ، فَدُفِنَتْ.
قُلْتُ: فَعَلَ هَذَا بِكُتُبِه مِنَ الدَّفْنِ وَالغَسلِ وَالإِحرَاقِ عِدَّةٌ مِنَ الحُفَّاظِ خَوْفاً مِنْ أَنْ يَظْفَرَ بِهَا مُحَدِّثٌ قَلِيْلُ الدِّيْنِ، فَيُغَيِّرَ فِيْهَا، وَيَزِيْدَ فِيْهَا، فَيُنْسَبَ ذَلِكَ إِلَى الحَافِظِ، أَوْ أَنَّ أُصُوْلَه كَانَ فِيْهَا مَقَاطِيعُ وَوَاهِيَاتٌ مَا حَدَّثَ بِهَا أَبَداً، وَإِنَّمَا انْتَخَبَ مِنْ أُصُوْلِه مَا رَوَاهُ وَمَا بَقِيَ، فَرَغِبَ عَنْهُ، وَمَا وَجَدُوا لِذَلِكَ سِوَى الإِعدَامِ.
فَلِهَذَا وَنَحْوِهِ دَفَنَ -رَحِمَهُ اللهُ- كُتُبَهُ.
قَالَ البُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ أَبُو كُرَيْبٍ فِي يَوْمِ الثُّلاَثَاءِ، لأَرْبَعٍ بَقِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ مُطَيَّنٌ: مَاتَ لِثَلاَثٍ بَقِيْنَ مِنْ جُمَادَى الأُوْلَى.
وَمَنْ قَالَ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ، فَقَدْ أَخْطَأَ.
وَعَاشَ: سَبْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ
اللهِ بنُ أَبِي شَرِيْكٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ، قَالَ:قُرِئَ عَلَى القَاضِي أَبِي القَاسِمِ بَدْرِ بنِ الهَيْثَمِ - وَأَنَا أَسْمَعُ - قِيْلَ لَهُ:
حَدَّثَكُم مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ بنِ كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ فِي الجَنَّةِ سُوْقاً مَا فِيْهَا بَيْعٌ وَلاَ شِرَاءٌ، إِلاَّ الصُّوَرُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَإِذَا اشْتَهَى رَجُلٌ صُوْرَةً، دَخَلَ فِيْهَا، وَإِنَّ فِيْهَا لَمَجْمَعَ الحُوْرِ العِيْنِ، يَرْفَعْنَ أَصْوَاتاً لَمْ تَسْمَعِ الخَلاَئِقُ مِثْلَهَا: نَحْنُ الخَالِدَاتُ فَلاَ نَبِيْدُ، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلاَ نَسْخَطُ، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلاَ نَبْؤُسْ؛ فَطُوْبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا وَكُنَّا لَهُ ) .
قَالَ لَنَا القَاضِي أَبُو القَاسِمِ: هَذَا الحَدِيْثُ رَفَعَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَقَّفَهُ ابْنُ فُضَيْلٍ.
حَدَّثَنَا القَاضِي أَبُو القَاسِمِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْل، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنِ النُّعْمَانِ بن سَعْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ:
(إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَسُوْقاً مَا فِيْهَا بَيْعٌ وَلاَ شِرَاءٌ إِلاَّ الصُّوَرُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، مَنِ اشْتَهَى صُوْرَةً، دَخَلَ فِيْهَا).
أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ وَحْدَه، عَنِ الثِّقَةِ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، جَعَلَهُ حَدِيْثَيْنِ.قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمٌ الجُرْجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوْسَى، قَالَ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا بَعَثَ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ، قَالَ: (بَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَيَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا) .
أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، فَوَافَقْنَاهُ.