أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُجَاهِدٍ، أبو بكر المقري :
كَانَ شيخ القراء فِي وقته، وَالمقدم منهم عَلَى أهل عصره، وحدث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَيُّوب المخرمي ومحمد بْن عَبْد اللَّهِ الزهيري، وزيد بن إسماعيل الصائغ، وسعدان بْن نصر، وأَحْمَد بْن منصور الرمادي، ومُحَمَّد بْن إِسْحَاق الصاغاني، وعباس الترقفِي وعباس الدوري، ومحمد بْن الجهم السمري، ومحمد بْن سعد العوفِي، وأبي يُوسُف القلوسي، وأبي رفاعة العدوي، وخلق كثير من طبقتهم وممن بعدهم. رَوَى عَنْهُ أَبُو طَاهِرِ بْن أَبِي هَاشِمٍ، وأَحْمَد بْن عِيسَى بْن جنية، وأبو بكر بْن الجعابي، وأبو القاسم ابن النخاس، وأبو الحسين بن البواب، وأبو بكر بْن شاذان، وطلحة بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر، وأبو الْحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ، وأبو حفص بْن شاهين، وعِيسَى بْن عَلِيّ، وأبو حفص الكتاني، فِي آخرين.
وكَانَ ثقة مأمونا، يسكن بالجانب الشرقي نحو مربعة الخرسي.
حدثت عَن طلحة بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر قَالَ: ولد أَبُو بَكْر بْن مجاهد فِي شهر ربيع
الآخر من سنة خمس وأربعين ومائتين، كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْن الْمُعَدَّل من الكوفة يذكر أن أبا الْحَسَن مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بْنِ سُفْيَان الحافظ حدثهم قَالَ: حَدَّثَنِي بعض البغداديين عَن أَحْمَد بن يحيى النّحويّ قَالَ: فِي سنة ست وثمانين- يَعْنِي ومائتين- ما بقي فِي عصرنا هذا أحد أعلم بكتاب اللَّه من أَبِي بكر بْن مجاهد! أَخْبَرَنِي عُبَيْد الله بْن أبي الفتح الفارسي، حدّثنا أبو الفضل الزّهريّ، حَدَّثَنَا أَبُو الفتح مُحَمَّد بْن عُمَر الرفاء قال: سمعت أبا بكر المحبري بالنهروان قَالَ: صليت خلف أَبِي بكر بْن مجاهد صلاة الغداة فاستفتح بقراءة الحمد ثم سكت، ثم استفتح ثانية ثم سكت، ثم ابتدأ بالقراءة. فقلت: أيها الشيخ رأيت اليوم منك عجبا! فَقَالَ لي:
شهدت المكَانَ؟ فقلت: نعم. فَقَالَ أشهدتك اللَّه إن حدثت بِهِ عني إِلَى أن أواري تحت أطباق الثرى. فَقَالَ لي: يا بني ما هو إلا أن كبرت تكبيرة الأحرام حتى كأني بالحجب قد انكشفت ما بيني وبين رب العزة تَعَالَى، سرا بسر، ثم استفتحت بقراءة الحمد فاستجمع كل حمد لِلَّهِ فِي كتابه ما بين عيني، فلم أدر بأي الحمد أبتدئ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيّ عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن فضالة النِّيسَابُورِيّ الحافظ- بالري- قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ المطلب الشيباني يقول: تقدمت إِلَى أَبِي بكر بْن مجاهد لأقرأ عَلَيْهِ، فتقدم إليه رَجُل وافر اللحية، كبير الهامة، فابتدأ ليقرأ فَقَالَ: ترفق يا خليلي.
سمعت مُحَمَّد بْن الجهم السمري يقول: سمعت الفراء يقول: أدب النفس، ثم أدب الدرس.
حَدَّثَنِي الأزهري قَالَ: سمعت عِيسَى بْن عَلِيّ بْن عِيسَى الوزير يَقُولُ: أنشدني أَبُو بَكْر بن مجاهد- وقد جئته عائدا وأطال عنده قوم كَانُوا قد حضروا للعيادة- فَقَالَ لي:
يا أبا الْقَاسِم عيادة ثم ماذا؟ فصرف من حضر وهممت بالانصراف معهم، فأمرني بالرجوع إليه ثم أنشدني عَن مُحَمَّد بْن الجهم:
لا تضجرن مريضا جئت عائده ... إن العيادة يوم إثر يومين
بل سله عَن حاله وادع الإله له ... واقعد بقدر فواق بين حلبين
من زار غبا أخا دامت مودته ... وكان ذاك صلاحا للخليلين
حدّثني علي بن أبي علي البصريّ، حدثني أبو محمد عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بن إبراهيم القاضي، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْر بْن الجعابي. قَالَ: كنت يوما عند أبي بكر ابن مجاهد فِي مسجده، فأتاه بعض غلمانه فَقَالَ له: يا أستاذ. إن رأيت أن تجملني بحضورك غدا دارنا! فَقَالَ له أَبُو بَكْر: ومن معنا؟ فَقَالَ له: أصحابنا المسجدية، ومن يرى الشيخ، فَقَالَ أَبُو بَكْر: ينبغي أن تدعو أبا بكر- يَعْنِيني- فأقبل الفتى عَلِيّ يسألني، فقلت له: هوذا تطفل بي، لو أرادني الرجل لأفردني بالسؤال، فَقَالَ: دع هذا يا بغيض. فقلت له: السمع وَالطاعة. فَقَالَ لي الرجل: إن الأستاذ قد آثرك فمن تؤثر أَنْتَ أن أدعو لَكَ؟ فقلت له: الحسين بْن غريب. قَالَ: السمع وَالطاعة، ونهض الفتى، فلما كان من الغد وافى إلى مسجد أبي بكر، فسألنا النهوض معه إلى منزله، فقال أبو بكر لأصحابه: قوموا وامضوا متقطعين وخالفوا الطرق، ففعلوا، ثم أقبل على الفتى فقال له: اسبقنا، فإني أَنَا وأبو بكر نجيئك. فقلت أَنَا له: إيش عملت فِي إحضار ابْن غريب؟ فَقَالَ لي: قد أخذت الوعد عَلَيْهِ من أمس وأَنَا أنفذ إليه رسولا ثانيا. ومضى وجلس أَبُو بَكْر ففرغ من شغيلات له، ثم إنا نهضنا جميعا وعبرنا الجانب الغربي وصعدنا درب النخلة وكانت دار الفتى فِيهِ، فوجدناه مترقبا لنا.
فدخلنا فدعا بماء فغسلنا أيدينا، ثم أتى بجونة فوضعها بين أيدينا، فقلت في نفسي: ما أدري مروءة هذا الفتى؟ أيش فِي الجونة مما يعمنا! ففتحها فإذا فِيهَا بزماورد، وأوساط ولفات، وسنبوسج، فأكلنا أكلا عظيما مفرطا، وَالجونة عَلَى حالها وما فِيهَا من هذا الطعام عَلَى غاية الكثرة وَالوفور، وشلنا أيدينا فاستدعى الحلوى، فأتى بفالوذج غرف حار بماء ورد عَلَى مائدة كبيرة، فاستكثرنا منه، فعجبت من ظرف طعامه، ونظافته وطيبه، وحسنه وتمام مروءته، من غير إجحاف ولا إسراف، وغسلنا أيدينا فقلت له: أين ابْن غريب؟ فَقَالَ لي عند بعض الرؤساء وقد حال بيننا وبينه، فشق عَلِيّ وتبين أَبُو بَكْر بْن مجاهد ذلك مني، فَقَالَ لي: هاهنا من ينوب عَن ابْن غريب. فتحدّثنا ساعة. فقلت له: لا أرى للنائب عَن ابْن غريب خبرا ولا أثرا، فدافعني فصبرت ساعة، ثم كررت الخطاب عَلَيْهِ وألححت، ولست أعلم من هو النائب بالحقيقة عَن ابْن غريب. فَقَالَ للفتى: هات قضيبا، فأتاه بِهِ، فأخذه أَبُو بَكْر ووقع واندفع يغني، فغناني نيفا وأربعين صوتا فِي غاية الْحَسَن وَالطيبة وَالإطراب، فأشجاني وحيرني فقلت له: يا أستاذ متى تعلمت هذا وكيف تعلمته! فَقَالَ: يا بارد تعلمته لبغيض مثلك لا يحضر الدعوة إلا بمغن، ومضى لنا يوم طيب معه.
حَدَّثَنِي أَبُو الفضل مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز المهدي الخطيب قَالَ: سمعت الحسين بْن مُحَمَّد بْن خلف المقرئ- جارنا- يقول: سمعت أبا الفضل الزهري يقول: انتبه أَبِي فِي الليلة التي مات فِيهَا أَبُو بَكْر بْن مجاهد المقرئ فَقَالَ: يا بني ترى من مات الليلة؟
فإني قد رأيت فِي منامي كَانَ قائلا يقول: قد مات الليلة مقوم وحي اللَّه منذ خمسين سنة، فلما أصبحنا إذا ابْن مجاهد قد مات.
قرأت عَلى الْحَسَن بن أبي بكر عن أَحْمَد بن كامل الْقَاضِي. قَالَ: توفي أَبُو بكر ابن مجاهد المقرئ يوم الأربعاء ودفن فِي يوم الخميس لعشر بقين من شعبان سنة أربع وعشرين وثلاثمائة.
حدّثني الأزهري، حدثنا محمد بن العباس الخزاز قال: مات أَبُو بَكْر بْن مجاهد المقرئ يوم الأربعاء وقت العصر، وأخرج يوم الخميس ضحوة. وصلى عَلَيْهِ الْحَسَن بْن عَبْد العزيز الهاشمي الإمام عند باب البستان فِي الجانب الشرقي، ودفن فِي مقبرة له بباب البستان، وذلك لتسع بقين من شعبان سنة أربع وعشرين وثلاثمائة.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن عَلانَ الشُّرُوطِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ عِيسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَد الطوماري- قراءة عَلَيْهِ- قَالَ: رأيت أبا بكر بْن مجاهد فِي النوم كأنه يقرأ فكأني أقول له: يا سيدي أَنْتَ ميت وتقرأ؟ فكأنه يقول لي: كنت أدعو فِي دبر كل صلاة وعند ختم القرآن أن يجعلني ممن يقرأ فِي قبره، فأَنَا ممن يقرأ فِي قبره.
كَانَ شيخ القراء فِي وقته، وَالمقدم منهم عَلَى أهل عصره، وحدث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَيُّوب المخرمي ومحمد بْن عَبْد اللَّهِ الزهيري، وزيد بن إسماعيل الصائغ، وسعدان بْن نصر، وأَحْمَد بْن منصور الرمادي، ومُحَمَّد بْن إِسْحَاق الصاغاني، وعباس الترقفِي وعباس الدوري، ومحمد بْن الجهم السمري، ومحمد بْن سعد العوفِي، وأبي يُوسُف القلوسي، وأبي رفاعة العدوي، وخلق كثير من طبقتهم وممن بعدهم. رَوَى عَنْهُ أَبُو طَاهِرِ بْن أَبِي هَاشِمٍ، وأَحْمَد بْن عِيسَى بْن جنية، وأبو بكر بْن الجعابي، وأبو القاسم ابن النخاس، وأبو الحسين بن البواب، وأبو بكر بْن شاذان، وطلحة بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر، وأبو الْحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ، وأبو حفص بْن شاهين، وعِيسَى بْن عَلِيّ، وأبو حفص الكتاني، فِي آخرين.
وكَانَ ثقة مأمونا، يسكن بالجانب الشرقي نحو مربعة الخرسي.
حدثت عَن طلحة بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر قَالَ: ولد أَبُو بَكْر بْن مجاهد فِي شهر ربيع
الآخر من سنة خمس وأربعين ومائتين، كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْن الْمُعَدَّل من الكوفة يذكر أن أبا الْحَسَن مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بْنِ سُفْيَان الحافظ حدثهم قَالَ: حَدَّثَنِي بعض البغداديين عَن أَحْمَد بن يحيى النّحويّ قَالَ: فِي سنة ست وثمانين- يَعْنِي ومائتين- ما بقي فِي عصرنا هذا أحد أعلم بكتاب اللَّه من أَبِي بكر بْن مجاهد! أَخْبَرَنِي عُبَيْد الله بْن أبي الفتح الفارسي، حدّثنا أبو الفضل الزّهريّ، حَدَّثَنَا أَبُو الفتح مُحَمَّد بْن عُمَر الرفاء قال: سمعت أبا بكر المحبري بالنهروان قَالَ: صليت خلف أَبِي بكر بْن مجاهد صلاة الغداة فاستفتح بقراءة الحمد ثم سكت، ثم استفتح ثانية ثم سكت، ثم ابتدأ بالقراءة. فقلت: أيها الشيخ رأيت اليوم منك عجبا! فَقَالَ لي:
شهدت المكَانَ؟ فقلت: نعم. فَقَالَ أشهدتك اللَّه إن حدثت بِهِ عني إِلَى أن أواري تحت أطباق الثرى. فَقَالَ لي: يا بني ما هو إلا أن كبرت تكبيرة الأحرام حتى كأني بالحجب قد انكشفت ما بيني وبين رب العزة تَعَالَى، سرا بسر، ثم استفتحت بقراءة الحمد فاستجمع كل حمد لِلَّهِ فِي كتابه ما بين عيني، فلم أدر بأي الحمد أبتدئ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيّ عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن فضالة النِّيسَابُورِيّ الحافظ- بالري- قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ المطلب الشيباني يقول: تقدمت إِلَى أَبِي بكر بْن مجاهد لأقرأ عَلَيْهِ، فتقدم إليه رَجُل وافر اللحية، كبير الهامة، فابتدأ ليقرأ فَقَالَ: ترفق يا خليلي.
سمعت مُحَمَّد بْن الجهم السمري يقول: سمعت الفراء يقول: أدب النفس، ثم أدب الدرس.
حَدَّثَنِي الأزهري قَالَ: سمعت عِيسَى بْن عَلِيّ بْن عِيسَى الوزير يَقُولُ: أنشدني أَبُو بَكْر بن مجاهد- وقد جئته عائدا وأطال عنده قوم كَانُوا قد حضروا للعيادة- فَقَالَ لي:
يا أبا الْقَاسِم عيادة ثم ماذا؟ فصرف من حضر وهممت بالانصراف معهم، فأمرني بالرجوع إليه ثم أنشدني عَن مُحَمَّد بْن الجهم:
لا تضجرن مريضا جئت عائده ... إن العيادة يوم إثر يومين
بل سله عَن حاله وادع الإله له ... واقعد بقدر فواق بين حلبين
من زار غبا أخا دامت مودته ... وكان ذاك صلاحا للخليلين
حدّثني علي بن أبي علي البصريّ، حدثني أبو محمد عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بن إبراهيم القاضي، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْر بْن الجعابي. قَالَ: كنت يوما عند أبي بكر ابن مجاهد فِي مسجده، فأتاه بعض غلمانه فَقَالَ له: يا أستاذ. إن رأيت أن تجملني بحضورك غدا دارنا! فَقَالَ له أَبُو بَكْر: ومن معنا؟ فَقَالَ له: أصحابنا المسجدية، ومن يرى الشيخ، فَقَالَ أَبُو بَكْر: ينبغي أن تدعو أبا بكر- يَعْنِيني- فأقبل الفتى عَلِيّ يسألني، فقلت له: هوذا تطفل بي، لو أرادني الرجل لأفردني بالسؤال، فَقَالَ: دع هذا يا بغيض. فقلت له: السمع وَالطاعة. فَقَالَ لي الرجل: إن الأستاذ قد آثرك فمن تؤثر أَنْتَ أن أدعو لَكَ؟ فقلت له: الحسين بْن غريب. قَالَ: السمع وَالطاعة، ونهض الفتى، فلما كان من الغد وافى إلى مسجد أبي بكر، فسألنا النهوض معه إلى منزله، فقال أبو بكر لأصحابه: قوموا وامضوا متقطعين وخالفوا الطرق، ففعلوا، ثم أقبل على الفتى فقال له: اسبقنا، فإني أَنَا وأبو بكر نجيئك. فقلت أَنَا له: إيش عملت فِي إحضار ابْن غريب؟ فَقَالَ لي: قد أخذت الوعد عَلَيْهِ من أمس وأَنَا أنفذ إليه رسولا ثانيا. ومضى وجلس أَبُو بَكْر ففرغ من شغيلات له، ثم إنا نهضنا جميعا وعبرنا الجانب الغربي وصعدنا درب النخلة وكانت دار الفتى فِيهِ، فوجدناه مترقبا لنا.
فدخلنا فدعا بماء فغسلنا أيدينا، ثم أتى بجونة فوضعها بين أيدينا، فقلت في نفسي: ما أدري مروءة هذا الفتى؟ أيش فِي الجونة مما يعمنا! ففتحها فإذا فِيهَا بزماورد، وأوساط ولفات، وسنبوسج، فأكلنا أكلا عظيما مفرطا، وَالجونة عَلَى حالها وما فِيهَا من هذا الطعام عَلَى غاية الكثرة وَالوفور، وشلنا أيدينا فاستدعى الحلوى، فأتى بفالوذج غرف حار بماء ورد عَلَى مائدة كبيرة، فاستكثرنا منه، فعجبت من ظرف طعامه، ونظافته وطيبه، وحسنه وتمام مروءته، من غير إجحاف ولا إسراف، وغسلنا أيدينا فقلت له: أين ابْن غريب؟ فَقَالَ لي عند بعض الرؤساء وقد حال بيننا وبينه، فشق عَلِيّ وتبين أَبُو بَكْر بْن مجاهد ذلك مني، فَقَالَ لي: هاهنا من ينوب عَن ابْن غريب. فتحدّثنا ساعة. فقلت له: لا أرى للنائب عَن ابْن غريب خبرا ولا أثرا، فدافعني فصبرت ساعة، ثم كررت الخطاب عَلَيْهِ وألححت، ولست أعلم من هو النائب بالحقيقة عَن ابْن غريب. فَقَالَ للفتى: هات قضيبا، فأتاه بِهِ، فأخذه أَبُو بَكْر ووقع واندفع يغني، فغناني نيفا وأربعين صوتا فِي غاية الْحَسَن وَالطيبة وَالإطراب، فأشجاني وحيرني فقلت له: يا أستاذ متى تعلمت هذا وكيف تعلمته! فَقَالَ: يا بارد تعلمته لبغيض مثلك لا يحضر الدعوة إلا بمغن، ومضى لنا يوم طيب معه.
حَدَّثَنِي أَبُو الفضل مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز المهدي الخطيب قَالَ: سمعت الحسين بْن مُحَمَّد بْن خلف المقرئ- جارنا- يقول: سمعت أبا الفضل الزهري يقول: انتبه أَبِي فِي الليلة التي مات فِيهَا أَبُو بَكْر بْن مجاهد المقرئ فَقَالَ: يا بني ترى من مات الليلة؟
فإني قد رأيت فِي منامي كَانَ قائلا يقول: قد مات الليلة مقوم وحي اللَّه منذ خمسين سنة، فلما أصبحنا إذا ابْن مجاهد قد مات.
قرأت عَلى الْحَسَن بن أبي بكر عن أَحْمَد بن كامل الْقَاضِي. قَالَ: توفي أَبُو بكر ابن مجاهد المقرئ يوم الأربعاء ودفن فِي يوم الخميس لعشر بقين من شعبان سنة أربع وعشرين وثلاثمائة.
حدّثني الأزهري، حدثنا محمد بن العباس الخزاز قال: مات أَبُو بَكْر بْن مجاهد المقرئ يوم الأربعاء وقت العصر، وأخرج يوم الخميس ضحوة. وصلى عَلَيْهِ الْحَسَن بْن عَبْد العزيز الهاشمي الإمام عند باب البستان فِي الجانب الشرقي، ودفن فِي مقبرة له بباب البستان، وذلك لتسع بقين من شعبان سنة أربع وعشرين وثلاثمائة.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن عَلانَ الشُّرُوطِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ عِيسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَد الطوماري- قراءة عَلَيْهِ- قَالَ: رأيت أبا بكر بْن مجاهد فِي النوم كأنه يقرأ فكأني أقول له: يا سيدي أَنْتَ ميت وتقرأ؟ فكأنه يقول لي: كنت أدعو فِي دبر كل صلاة وعند ختم القرآن أن يجعلني ممن يقرأ فِي قبره، فأَنَا ممن يقرأ فِي قبره.