Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=66896&book=5540#2e46c2
- وسليمان بن داود. يكنى أبا داود, صاحب الطيالسة, مولى بني أسد بن عبد العزى. مات سنة أربع ومائتين في شهر ربيع الآخر.
Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=66896&book=5540#ca3be7
سليمان بن داود
- سليمان بن داود. أبو الربيع الزهراني. تُوُفّي بالبصرة في آخر سنة أربع وثلاثين.
Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=66896&book=5540#7286e2
سليمان بن داود
قال: وسئل عن سليمان بن داود الذي يحدث عن الزهرى روى عنه يحيى بن حمزة فقال: ليس بشئ.
(هذا رأي يحيى بن معين)
Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=66896&book=5540#d5c764
سُلَيْمَان بْن دَاوُد
يَقُول إِبْرَاهِيم بْن أَحْمد: قَالَ السَّاجِي: سُلَيْمَان بْن دَاوُد الَّذِي يروي حَدِيث الصَّدقَات، قَالَ يَحْيَى بْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء.
Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=66896&book=5540#7b8fbd
سليمان بن داود
- سليمان بن داود بن علي بن عبد الله. بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ ابن عبد مناف بن قصي. ويكنى أبا أيوب. وكان ثقة. سمع من إبراهيم بن سعد وعبد الرحمن بن أبي الزناد وغيرهما. وكتب عنه البغداديون ورووا عنه. تُوُفّي ببغداد سنة تسع عشرة ومائتين.
Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=66896&book=5540#3b74e1
سليمان بن داود
ابن إيشى بن عويد بن ناعر بن سلمون بن يخشون بن عميناذب بن أرم بن خضرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم أبو الربيع نبي الله ابن نبي الله جاء في الآثار أنه دخل دمشق قال الكلبي: أول نبي بعث إدريس ثم نوح ثم إبراهيم ثم إسماعيل وإسحاق ثم يعقوب ثم يوسف ثم لوط ثم هود ثم صالح ثم شعيب ثم موسى وهارون ثم إلياس ثم اليسع ثم يونس ثم أيوب ثم داود ثم سليمان ثم زكريا بن يشوى من بني يهوذا بن يعقوب ثم يحيى بن زكريا ثم عيسى بن مريم بنت عمران بن مابان من بني يهوذا بن يعقوب ثم سيدنا محمد رسول الله بن عبد الله بن عبد المطلب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليهم أجمعين.
فارص بصاد مهملة ابن يهوذا بن يعقوب.
وعن الحسن في قوله: " غدوّها شهر ورواحها شهر " قال: كان يغدو من دمشق فيقيل باصطخر ويروح من اصطخر فيبيت بكابل، وما بين اصطخر ودمشق مسيرة شهر للمسرع، وما بين اصطخر إلى كابل مسيرة شهر للمسرع. قال: وكان يتغدى باليمن ويتعشى بالشام، ويتغدى بالشام ويتعشى باصطخر، ويغدو من اصطخر فيقيل بالعراق، ويروح منها إلى الشام.
وقال في قوله عزّ وجلّ: " وأسلنا له عين القطر " يعني النحاس، فجرى له.
مر سليمان بن داود بعصفور يدور حول عصفورة، فقال لأصحابه: أتدرون ما يقول؟ قالوا: وما يقول يا نبي الله؟ قال: يخطبها إلى نفسه، ويقول: زوجتي، أسكنك أي غرف دمشق إن شئت قال سليمان: لأن غرف دمشق مبنية بالصخر لا يقدر أن يسكنها أحد، ولكن كل خاطب كذاب.
وعن ابن مسعود في قوله عزّ وجلّ: " وداود وسليمان إذ يحكما في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم " فالكرم قد أنبتت عناقيده فأفسدته، قال: فقضى داود عليه السلام بالغنم لصاحب الكرم. فقال سليمان: غير هذا يا نبي الله، قال: وما ذاك؟ قال: تدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها حتى إذا كان الكرم كما كان دفعت الكرم إلى صاحبه ودفعت الغنم إلى صاحبها قال الله عزّ وجلّ: " ففهمناك سليمان وكلاً أتينا حُكما وعلما ".
وعن أبي هريرة قال: نزل كتاب من السماء إلى داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مختوماً فيه عشر مسائل: أنْ سل ابنك سليمان، فإن هو أخرجهن فهو الخليفة من بعدك، قال: فدعا داود سبعين قساً وسبعين حبراً، وأجلس سليمان بين أيديهم، وقال: يا بني، نزل كتاب من السماء فيه عشر مسائل، أمرت أن أسألكهن، فإن أنت أخرجتهن فأنت الخليفة من بعد، قال سليمان: ليسأل نبي الله عما بدا له، وما توفيقي إلا بالله. قال: أخبرني يا بين ما أبعد الأشياء؟ وما أقرب الأشياء؟ وما آنس الأشياء؟ وما أوحش الأشياء؟ وما القائمان؟ وما المختلفان؟ وما المتباغضان؟ وما الأمر إذا ركبه الرج حُمد آخره؟ وما الأمر إذا ركبه الرجل ذُم آخره؟ فقال سليمان: أما أقرب الأشياء فالآخرة، وأما أبعد الأشياء فما فاتك من الدنيا، وأما آنس الأشياء فجسد فيه روح، وأما أوحش الأشياء فجسد لا روح فيه، وأما القائمان فالسماء والأرض، وأما المختلفان فالليل والنهار، وأما المتباغضان فالموت والحياة كل يبغض صاحبه، وأما الأمر إذا ركبه رجل خمد آخره فالحلم على الغضب، وأما الأمر إذا ركبه الرجل ذم آخره فالحدة على الغضب، قال: ففك الخاتم فإذا هو بالمسائل سواء على ما نزل من السماء. فقال القسيسون والأحبار: لن نرضى حتى نسأله عن مسألة فإن هو أخرجها فهو الخليفة من بعدك، قال: فسلوه. قال سليمان: سلوني، وما توفيقي إلا بالله. قالوا: ما الشيء إذا صلح صلح كل شيء منه وإذا فسد فسد كل شيء منه؟ قال سليمان: هو القلب إذا صلح صلح كل شيء منه، وإذا فسد فسد كل شيء منه، فقالوا: صدقت، أنت الخليفة من بعده، فدفع إليه داود قضيب الملك، ومات من الغد.
وعن ابن عباس قال: استخلف داود سليمان " على سيدنا محمد رسول الله وعليهما الصلاة والسلام - في حياته، وكان سليمان يوم استخلف أتى عليه اثنتا عشرة سنة، وذلك أنه لما نفذ في الحكم، وأبصر داود فهمه، وكان الله عزّ وجلّ جعله فهِماً. قال: فبينا داود جالس مع أحبار بني إسرائيل، فذكروا العقل عند داود فقال له داود: يا بني، ما العقل؟ قال: يا أبه، ما ارتدى العبد برداء أجمل من فضل عقل يرتدي به عبد مؤمن، إن انكسر جبره على عقله، وإن صرع نعشه، وإن زل عمده، وإن ذل أعزه، وإن اعوج أقامه، وإن عثر رفعه، وإن افتقر أغناه، وإن جاع أشبعه، وإن ظمئ أرواه، وإن حزن فرحه، وإن جمع كبحه، وإن استوحش
آنسه وإن خاف أمنه، وإن غوى أرشده، وإن تكلم صدقه، وإن كانت سوءة زينها، وإن انكشف ستره، وإن أقام بين ظهراني قوم اغتبطوا به، وإن غاب عنهم أسفوا عليه، وإن خطب إليهم وهو صعلوك اغتفروا ذلك منه، وإن شهد شهادة وهو غريب تفرسوا فيه فأحسنوا به الظن فقبلوها، وإن نطق قالوا: بليغ، وإن سكت قالوا: لبيب، وإن بسط يده قالوا: جواد، وإن قبضها قالوا: مقتصد، وإن عنف قالوا: لم يأل، وإن رفق قالوا: شفيق، وإن أفطر قالوا: معذور، وإن صام قالوا مجتهد. فالعقل رأس الإيمان ووسط الإيمان وآخر الإيمان، فبه يصل العبد إلى الجنة وبه يتفاضل أهل الدنيا في دنياهم، وأهل الجنة في درجاتهم، لأن العاقل إذا أخطأ رجع، وإذا أساء أحسن، والعقل يرد صاحبه إلى خير العواقب، قال: فتعجب داود عليه السلام، فقال: يا بني، فأين موضع العقل؟ قال: في الدماغ، يكون صاحب العقل زريناً زميتاً، لا يكون عجولاً جهولاً، ولا يستخفه الفرح، ولا يغلبه هواه قال: فعجب داود من حكمته فاستخلفه.
وعن عبد الله بن عباس قال:
لما تزوج داود عليه السلام بتلك المرأة ولدت له سليمان بن داود بعد ما تاب الله عليه، غلاماً، طاهراً، نقياً، فهماً، عاقلاً، عالماً، وكان من أجمل الناس وأعظمه وأطوله، فبلغ مع أبيه حتى كان يشاوره في أموره، ويدخله في حكمه، فكان أول ما عرف داود من حكمته، وتفرس فيه النبوة أن امرأة كانت كسبت جمالاً، فجاءت إلى القاضي تخاصم عنده، فأعجبته فأرسل إليها يخطبها، فقالت: ما أريد النكاح فراودها على القبيح، فقالت: أنا عن القبيح أبعد، فانقلبت منه إلى صاحب الشرطة، فأصابها منه مثل الذي أصابها من القاضي، فانقلبت إلى صاحب السوق، فكان منه مثل ذلك فانقلبت منه إلى حاجب داود فأصابها منه مثلما أصابها من القوم فرفضت حقها ولزمت بيتها، فبينا القاضي وصحب الشرطة وصاحب السوق والحاجب جلوس في مجلس يتحدثون، فوقع ذكرها فتصادق القوم بينهم وشكى كل واحد منهم إلى صاحبه ما أصابه من العجب بها. قال بعضهم: ما يمنعكم وأنت ولاة الأمر أن تتلطفوا لها حتى تستريحوا منها، فاجتمع رأي القوم على أن يشهدوا لها أن لها كلباً وأنها تضطجع فترسله على نفسها حتى ينال منها ما ينال الرجل من المرأة، فدخلوا على داود عليه السلام فذكروا له أن امرأة لها كلب تسمنه وترسله على نفسها حتى يفعل بها ما يفعل الرجل بالمرأة، فكرهنا أن نرفع أمرها إليك حتى
نتحققه، فمشينا حتى دخلنا منزلاً قريباً منها في الساعة التي بلغنا أنها تفعل ذلك، فنظرنا إليها كيف حلته من رباطه ثم اضطجعت له حتى نال منها ما ينال الرجل من المرأة، ونظرنا إلى الميل يدخل في المكحلة ويخرج منها، فبعث داود فأتى بها فرجمها، فخرج سليمان وهو يومئذ غلام حين ترعرع ومعه الغلمان ومعه حضانه يلعب، فجعل منهم صبياً قاضياً وآخر على الشرطة، وآخر على السوق، وآخر حاجباً، وآخر كالمرأة، ثم جاؤوا يشهدون عن سليمان كهيئة ما شهد أولئك عن داود، يريدون رجم ذلك الصبي كما رجمت امرأة، قال سليمان عند شهادتهم: فرقوا بينهم ثم دعا بالصبي الذي جعله قاضياً، فقال: أيقنت الشهادة، قال: نعم، قال: فما كان لون الكلب؟ قال: أسود، قال: نحوه ودعا بالذي جعل على الشرطة فقال: تيقنت الشهادة؟ قال: نعم، قال فما كان لون الكلب؟ قال: أحمر، قال نحوه، ثم دعا صاحب السوق، فقال: أيقنت الشهادة؟ قال: نعم، قال: فما كان لون الكلب؟ قال: أبيض قال: نحوه، ثم دعا بالذي جعل حاجباً، فقال تيقنت الشهادة؟ قال نعم، قال: فما كان لون الكلب؟ قال: أغبش، قال: أردتم أن تغشوني حتى أرجم امرأة من المسلمين؟ فقال للصبيان: ارجموهم، وخلى سبيل الصبي الذي جعله امرأة، ورجع حضانه، فدخلوا على داود فأخبروه الخبر فقال داود: علي بالشهود الساعة واحداً واحداً، فأتي بهم. قال للقاضي: ما كان لون الكلب؟ فقال: أسود، ثم أتي بصاحب الشرطة وسأله فقال: أبيض، ثم أتي بصاحب السوق فسأله فقال: كان أحمر، ثم أتي بالحاجب فسأله فقال: كان أغبش. فأمر بهم داود فقتلوا مكان المرأة، فكان هذا أول ما استبان لداود من فهم سليمان عليه السلام.
وعن عبد الله بن سلام قالوا: لم يبعث الله عزّ وجلّ رسولاً إلى قومه حتى وجده أرجحهم عقلاً.
قال كعب: وبعض النبيين أرجح عقلاً من بعض، وما استخلف داود سليمان واختاره على جميع ولده وبني إسرائيل حتى عرف فضل عقله في حداثة سنه، وإنما استخلاف الأنبياء قبل سيدنا محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبوة ما خلا سيدنا محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه لا نبي بعده وأعطى الله سليمان من العقل ما لو وزن عقله بعقل أهل زمانه لرجحهم.
حدث أبو بشير قال:
لما كبر داود " صلى الله على سيدنا محمد نبينا وعليه وسلم " وظن أنه الموت أرسل إلى فقهاء بني إسرائيل وخيارهم، فقال لهم: إني لا أرى إلا قد احتضرت، فابغوني رجلاً منكم ترضونه فأوليه الخلافة من بعدي. قال: فطافوا زماناً لا يذكر لهم رجل من بني إسرائيل بخير إلا أتوه به، فلا ينصرفون عنه حتى يجدوا فيه عيباً. فلما طال ذلك عليهم قال بعضهم: قد رأينا هذا الغلام قد نشأ على أحسن ما ينشأ عليه أحد، وقد عجزنا أن نجد هذا الرجل فلو أتينا سليمان. قال: فغضبت المشيخة وقالوا: ما لسليمان وهذا الأمر؟! قالوا ليس نجد هذا الرجل وما علينا أن نأتيه؟ قال: فطلبوه في أهله فلم يجدوه، فطلبوه فوجدوه في جدار وحده مسنداً ظهره إلى الجدار فسلموا وقعدوا حوله، ففزع سليمان لما رأى أحبار بني إسرائيل وفقهاءهم، فجعلوا لا يسألونه عن شيء يعلمه إلا أخبرهم به، وإن سألوه عن شيء لا علم له به رد علمه إلى الله تعالى، قال: فنظر القوم بعضهم إلى بعض، فقالوا: هذا صاحبنا. فلما فرغوا مما أرادوا أن يسألوه عنه واجتمع رأيهم على أنه صاحبهم ضحك سليمان فغضبت المشيخة، وقالوا: غلام أتيناه لأعظم أمر في الدنيا وليس أهل ذلك ضحك واستهزأ بنا؟ ثم قال بعضهم: والله لأخبرن بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فأرسل إليهم داود فقال: ألا تبغوني هذا الرجل، قالوا: ما وجدنا في بني إسرائيل رجلاً يصلح للخلافة، فأتينا سليمان قال: فغضب داود وقال: ما لسليمان وما لهذا؟ قالوا: يا رسول الله، لم نجد الرجل فأتيناه فلم نر إلا خيراً. فلما ذهبنا نقوم ضحك سليمان، قال داود: ضحك! قالوا: نعم، قال: علي بسليمان، قال: فأتي به فقال: أتاك أحبار بني إسرائيل وفقهاؤهم لأعظم أمر في الدنيا. ولست لذلك بأهل، فضحكت بهم وسخرت منهم؟ والله لأعاقبنك بعقوبة لم أعاقبها أحداً مثلك. قال سليمان: يا رسول الله، أو آتيك بعذر! قال: أو تأتيني بعذر! قال: أتاني هؤلاء القوم، فسألوني عن أشياء ما علمت منها أخبرتهم، وما لم أعلم رددت علمه إلى الله، فإنهم حولي إذ سمعت كلاماً من خلفي فالتفت إلى الحائط فإذا أنا بدودة، وإذا هي تقول: يا للعجب من قوم يسألون سليمان، وقد فرغ الله من أمره، فما ملكت نفسي أن ضحكت فرحاً لما قالت. قال: فقال داود لسليمان ولهم: اخرجوا عني، فخرجوا ونزل الوحي على داود: يا داود أعرض عن سليمان فقد ولاه الله الأمر من بعدك.
قيل: إن داود قال: إلهي، كن لسليمان كما كنت لي، فأوحى الله إليه أن قل لسليمان يكون لي كما كنت لي أكون له كما كنت لك.
ولما مات نبي الله داود أوحى الله إلى سليمان أن سلني حاجتك، قال أسألك أن تجعل قلبي يخشاك كما كان قلب أبي، وأن تجعل قلبي يحبك كما كان قلب أبي فقال الله عزّ وجلّ: أرسلت إلى عبدي أسأله حاجته فكانت حاجته أن أجعل قلبه يخشاني وأن أجعل قبله يحبني، لأهبن له ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده. قال الله عزّ وجلّ: " فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد، هذا عطاؤنا فمنن أو أمسك بغير حساب " قال: فأعطاه الله ما أعطاه، وفي الآخرة لا حساب عليه.
وعن الحسن في قوله عزّ وجلّ: " ولقد آتينا داود وسليمان علماً " يعني علم التوراة والزبور والفقه في الدين وفصل القضاء وعلم كلام الطير والدواب " وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثر من عباده المؤمنين "، يعني بالتفضيل: النبوة مع الملك.
قال وهب بن منبه: استُخلف سليمان عليه السلام وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وداود حي، وأحدث الله له النبوة بعد داود، وأعطاه الله ما لم يعد أحداً من الأنبياء، وكان الله سخر له الجن والإنس والريح والطير، وكان رجلاً وضيئاً أبيض جسيماً كبير العينين يلبس البياض.
ولما عرضت الخيل على سليمان شغله النظر إليها حتى فاتته صلاة العصر، وتوارت بالحجاب. قال: فعقر الخيل غضباً لله. قال: فأعقبها الله أسرع منها، الريح فسخرها له تجري بأمره رخاء حيث شاء.
وعن إبراهيم التيمي قال: كانت الخيل التي شغلت سليمان ألف فرس فعقرها.
وقال عكرمة: كانت عشرين ألفاً فعقرها.
وعن وهب قال:
قيل لسليمان: إن خيلاً بلقاً لها أجنحة تطير بها وإنها ترد ما كذا وكذا من جزيرة بحر كذا وكذا، فقال: كيف لي بها؟ قالت الشياطين: نحن لك بها، قال: فانطلقوا فهيئوا لي سلاسل ولجماً، ثم انطلقوا إلى العين التي تردها، فنزحوا ماءها، وسدوا عيونها، وصبوا فيها الخمر، فجاءت الخيل واردة فشمت فأصابت ريح الخمر، فتخبطتها بقوائمها، ولم تشرب، ثم صدرت، ثم عادت للغد، فشمت الخمر فخبطتها ولم تشرب، ثم صدرت عنها. فلما أجهدها العطش جاءت فاقتحمت فيها فشربت فسكرت، فذهبت لتنهض فلم تقدر عليه، فجاءت الشياطين حتى وضعت عليها اللجم والسلاسل ثم قعدت عليها. فلما أفاقت وطارت وعليها اللجم وقد استولت عليها الشياطين، فلم تزل ترفق بها الشياطين وتعالجها حتى هبطت الخيل إلى القرار، فلم يزالوا بها حتى جاؤوا بها سليمان فربطها ووكل بها من يسوسها حتى استأنست وأذعنت، فكان سليمان قد أعجب بها فعرضها ذات يوم فنظر إليها " حتى توارت بالحجاب " وغفل عن صلاة العصر، فقال: " أحببت حب الخير " يعني الخيل " عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ردوها علي " قال: فردت عليه فمسح سوقها وأعناقها بالسيف، فلم يدع لها نسلاً، فالله أعلم أي ذلك كان.
وقال الزهري: ما عقرها ولكن مسح يده عليها.
وقال الحسن: إن الله كان أعطى سليمان ما لم يعط أحداً من الملك والسلطان وكانت عجائب تكون في زمانه، وكان الله سخر له الشياطين من يغوصون له، ويعملون عملاً دون ذلك، يعني من دون الغوص بنيان المدائن. قال: " والشياطين كل بناء وغواص " قال: "
يعملون له ما يشاء من محاريب " يعني المساجد " وتماثيل " يعني ما كانوا يزخرفون له البيوت والمساجد فيمثلون بالشجر وما أشبهه ن نحو النقش في الحيطان ثم قال " وجفان كالجواب " يعني القصاع العظام يجتمع على القصعة الخمس مئة والثلاث مئة مثل الجوبة العظيمة ثم قال: " وقدور راسيات "، يعني به القدور العظام مثل الحياض لا يستقلها أحد، أثافيها منها راسية في الأرض. وقال الله تعالى لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب " يعني مطيعاً " إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد فقال إني أحببت؛ب الخير عن ذكر ربي " قال الحسن: كانت خيلاً بلقاً جياداً، وكانت أحب الخيل إليه البلق فعرضت عليه، فجعل ينظر إليها " حتى توارت بالحجاب " يعني الشمس، فغفل عن صلاة العصر.
وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: أنه سئل عن صلاة الوسطى فقال: هي التي غفل عنها نبي الله سليمان بن داود حتى توارت بالحجاب. يعني العصر.
وعن الحسن " فطفق مسحاً بالسوق والأعناق " قال: قطع سوقها وأعناقها بالسيف أسفاً على ما فاته من ذكر الله يعني من فوت صلاة العصر لوقتها.
وعن الحسن قال: ولد له ابن به عاهة، قد كسرته الرياح، ولم يقل شق إنسان. قال: فأعجب به سليمان ولم يكن له ولد ذكر، فخاف عليه الموت وآفات الأرض، فطلب له الرضاع، فجاءت الإنس، فطلبوا الرضاع فأبى، وجاءت الجن فطلبوه فأبى، وجاءت السحاب فطلبته، فقال: كيف ترضعينه؟ قالت: أحمله بين السماء والأرض وأربيه بماء المزن، قال: فدعا الريح، فقال لها: كوني مع السحاب في كفالة هذا الولد، فقالت: أفعل، قال: فمهدوا لابن سليمان على السحاب، ثم صار السحاب من فوقه كهيئة القبة، وجعل
معه وصيفة تناغيه، ثم أمر الريح أن تحمله فكانت السحاب تنحدر به كل يوم مرتين غدوة وعشية إلى أمه ترضعه وتغسله وتطيبه ثم تضعه في السحاب، فتحمله الريح بين السماء والأرض، فكانت إذا حنت إليه أأراده سليمان تكلما أو أحدهما، فتحمل الريح كلامهما إلى السحاب فينقض السحاب به إليهما حتى ينظرا إليه، ثم يأمر سليمان عليه السلام برده إلى موضعه، وإنما فعل ذلك شفقة عليه، قال: فأمر الله ملك الموت بقبض روحه، فقبضه ثم قال للسحاب: أرسليه فإنك تكفلت به وهو حي، فأرسلته، فوقع على كرسيه ميتاً، فذلك قوله عزّ وجلّ: " ولقد فتنّا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ".
قال الشعبي: قالت الجن:
لئن ولد لسليمان ذكر لنلقين منه مثل ما لقينا من أبيه، فتعالوا حتى نرصد أرحام نسائه حتى لا يولد له. قال: فولد له غلام، فلم يأمن عليه الإنس ولا الجن فاسترضعه في المزن يعني السحاب. وكان يزيد في السنة كذا وكذا، وفي الشهر كذا وكذا وفي الجمعة كذا وكذا، قال: فلم يشعر إلا وقد وضع على كرسيه، وقد مات. فذلك قوله عزّ وجلّ " وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب ".
وقال غيره: الشيطان الذي كان أخذ خاتمه.
وقال ابن عباس: قوله: " وألقينا على كرسيه " يعني الجسد: صخراً المارد حين غلب على ملكه، وجلس على كرسي سليمان أربعين يوماً، فالله أعلم أي ذلك كان.
قال ابن عباس:
وإنما ابتلي سليمان بذهاب ملكه للصنم الذي صُور في داره. قال: كان سليمان رجلاً غزّاء، يغزو البحر والبر، فسمع بملك في جزيرة من جزائر البحر يقال لها: صندور، بها ملك عظيم لم يكن للناس إليه سبيل لمكانه من البحر، وكان الله عزّ وجلّ أعطى سليمان في ملكه سلطاناً لا يمتنع منه شيء في بر ولا بحر، إنما يركب الريح فتخرج به حيث يريد
قال: فركب سليمان الريح وجنوده من الجن والإنس حتى نزل تلك الجزيرة، فقتل ملكها، وسبى من فيها، وأصاب جارية لم ير مثلها حسناً وجمالاً، وكانت ابنة ذلك الملك، فاصطفاها لنفسه، فكان يجد بها ما لا يجد بأحد، ويؤثرها على نسائه، فلما رأى ذلك إبليس قال: لأنتهزن فرصتي من سليمان بهذه المرأة، فدس إليها صخراً المارد، فأتاها في صورة حاضنها إلى الباب، ثم قال للحاجب: قل لفلانة إن حاضنك فلاناً بالباب، فأرسلت إلى سليمان، وسألته أن يأذن له عليها، فأذن له فدخل عليها، وهي لا تشك إلا أنه أخوها من الرضاعة، فبكت وبكى وقال لها: قد رضيت من سليمان بما صنع بأبيك وأهل بيتك، فصرت مملوكة بعد أن كنت ملكة بنت ملك! فقالت له: كيف لي بذلك؟ فقال لها: أما تشتاقين إلى أبيك؟ فقالت: وكيف لي وقد سلى الحزن علي جسمي؟ فقال لها: فإني سأرشدك إلى أمر يكون لك فيه فرج، وتسل عن حزنك، إذا دخل سليمان عليك فلا تكلميه إلا نزراً ولا تنظري إليه إلا شزراً، فإذا قال لك: ما لك؟ وما تريدين؟ فقولي له: إني أحب أن تأمر بعض الشياطين، فيصوروا لي أبي في داري التي أنا فيها، فأراه بكرة وعشية، فيذهب عني حزني ويسلى عني بعض ما أجد، قال: فلما دخل سليمان فعلت ما أمرها الشيطان، فقال لها: ما لك؟ قالت: إني أذكر أبي، وأذكر ملكه، وما أصابه فيحزنني ذلك، فقال لها: فقد أبدلك الله ملكاً وسلطاناً أعظم من ملكه وسلطانه، وهداك إلى دينه، فهو أعظم من ذلك كله، قال: إن ذلك كذلك ولكن إذا ذكرته أصابني ما ترى، فإن رأيت أن تأمر بعض الشياطين فيصوروا لي صورة أبي في داري التي أنا فيها، فأراه بكرة وعشية رجوت أن يذهب عني حزني ويسلى عني بعض ما أجد في نفسي، فأمر سليمان صخراً المارد فمثل لها أباها في هيئته في ناحية دارها حتى لا تنكر منه شيئاً، فمثل لها حتى نظرت إلى أبيها لا تنكر في نفسها شيئاً غلا أنه لا روح فيه، فعمدت إليه، فزينته وألبسته، حتى تركته كهيئة أبيها ولباسه، فإذا خرج سليمان من دارها تغدو عليه كل غدوة مع جواريها، فتطيبه وتسجد له وتسجد جواريها، وتروح بمثله، وسليمان لا علم له بشيء من ذلك، وأتاها الشيطان من حيث لا يعلم سليمان، حتى أتى لذلك أربعون يوماً، وبلغ ذلك الناس، وبلغ آصف بن برخيا، وكان صديقاً، فقال له الناس هل بلغك
ما بلغنا؟ قال: نعم. قالوا: كيف لنا أن نعلم سليمان؟ قال: أنا أكفيكم ذلك، فدخل عليه فقال: يا نبي الله، إني ((قد كبرت ودق عظمي، ونفد عمري، وقد أحببت أن أقوم مقاماً قبل أن أموت، أذكر فيه من مضى من أنبياء الله عزّ وجلّ، وأثني عليهم بعلمي فيهم، وأعلم الناس بعض ما يجهلون من كثير من أمرهم، قال: فافعل. قال: فجمع الناس سليمان، فقام فيهم خطيباً، فذكر من مضى من أنبياء الله عزّ وجلّ، وأثنى على كل نبي بما فيه، وذكر ما فضلهم الله به، حتى انتهى إلى سليمان، فذكر فضله وما أعطاه الله في حداثة سنه وصغره، وما كان أعطي في حياة أبيه داود من الفضل ثم سكت فامتلأ سليمان غيظاً، فلما دخل أرسل إليه فدعاه فقال: يا آصف، ذكرت من مضى من أنبياء الله فأثنيت عليهم، بما كانوا في زمانهم، فلما ذكرتني جعلت تثني علي بخير في صغري، وسكت عما سوى ذلك من أمري في كبري، فما هذا الذي أحدثت من أمري في كبري؟ قال: أحدثت أن غير الله يعبد في دارك منذ أربعين يوماً في هوى امرأة، قال: في داري؟! قال في دارك، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون عرفت، ما قلت هذا إلا عن شيء بلغك، ثم رجع إلى داره فكسر ذلك الصنم، وعاقب تلك المرأة وولائدها، ثم أمر بثياب الطهر فأتي بها، لا يغزلها إلا الأبكار، ولا ينسجها إلا الأبكار، ولم تمسها امرأة ذات الدم، فلبس ثم خرج إلى فلاة من الأرض، ففرش له الرماد ثم أقبل دائباً إلى الله عزّ وجلّ، فجلس على ذلك الرماد يتمعك في ذلك الرماد في ثيابه متذللاً متضرعاً يبكي ويستغفر مما كان في داره، يقولك يا رب، ما هذا بلاؤك عند داود أن يعبدوا غيرك، وأن
يقروا في دارهم وليهم عبادة غيرك. فلم يزل كذلك يومه حتى أمسى، ثم رجع، وكانت له جارية سماها الأمينة، فكان إذا الخلاء أو أراد إتيان امرأة وضع خاتمه عندها، وكان لا يمس خاتمه، إلا وهو طاهر، وكان الله جعل ملكه في خاتمه. قروا في دارهم وليهم عبادة غيرك. فلم يزل كذلك يومه حتى أمسى، ثم رجع، وكانت له جارية سماها الأمينة، فكان إذا الخلاء أو أراد إتيان امرأة وضع خاتمه عندها، وكان لا يمس خاتمه، إلا وهو طاهر، وكان الله جعل ملكه في خاتمه.
قال وهب بن منبه: إن خاتم سليمان عليه السلام كان أتي به من السماء له أربع نواح، في ناحية منه: لا إله غلا اله وحده لا شريك له محمد عبده ورسوله، وفي الثانية: اللهم، مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك من تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء، وفي الثالثة: كل شيء هالك إلا الله، وفي الرابعة: تباركت إلهي لا شريك لك. وكان له نور يتلألأ، إذا تختم به اجتمع إليه الجن والإنس والطير والريح والشياطين والسحاب.
قال: فجاء يوماً يريد الوضوء فدفع الخاتم إليها، صخر المارد حتى سبق سليمان فدخل المتوضأ، فقام خلف الباب فدخل سليمان لحاجته، وخرج الشيطان على صورة سليمان ينفض لحيته من الوضوء، لا تنكر من سليمان شيئاً، فقال: خاتمي يا أمينة، فناولته إياه، ولا تحسب إلا أنه سليمان، فجعله في يده، ثم خرج حتى جلس على سرير سليمان، وعكفت عليه الطير والجن والإنس، وخرج سليمان فقال للأمينة: خاتمي، قالت: ومن أنت؟ قال: أنا سليمان بن داود، وقد تغير عن حاله وذهب عنه بهاؤه، قالت: كذبت إن سليمان قد أخذ خاتمه وهو جالس على سريره في ملكه فعرف سليمان أن خطيئته قد أدركته.
وقال وهب بن منبه:
إنه كان في جزيرة من جزائر البحر ملك عظيم السلطان، فبعث إليه سليمان يدعوه إلى ما قبله، فأبى عليه لعظم سلطانه، فبعث إليه بالريح، فنسفته وملكه وجميع ما قبله حتى وضعته بين يديه، وكان لذلك الملك ابنة تدعى أبرهة، فأعجب سليمان بها فعرض عليها الإسلام فكرهته، فخوفها بالقتل، فأصرت فخوفها بقتل أبيها، فقالت: إن قتلته قتلت نفسي، فخاف سليمان أن يكرهها فتقتل نفسها وأحبها حباً شديداً، وهي يومئذ على دينها فتركها، فلما غلبته تزوجها، وكانت تعتكف على صنم من ياقوت وكان الصنم من الفيء الذي نسفته الريح، فسألته سليمان فوهبه لها، وكان لا يصبر عنها وكان يتودد لها، ويرفق بها، رجاء أن تسلم، فظل معها ذات يوم. فلما أراد الانصراف وثبت إليه فاعتنقته وقالت له: أسألك بحياتي وبحبي وبحقي إلا ما جزرت لإلهي، فقال سليمان: إن ذلك لا يحل لي وما زيارتي إياك وأنت معتكفة على الشرك إلا رجاء أن تسلمي، ثم قالت: لئن لم تجزر لصنمي لأقتلن نفسي، وكان ذلك من تعليم أبيها. فلما سمع سليمان قولها خافها على نفسها وخدعها وقال لها: إني إن جزرت لصنمك على رؤوس الناس خلعت ملكي، وانخلعت من ديني، قالت: فإني قد حلفت بإلهي لئن لم تفعل لأقتلن نفسي، فابرر يميني فدعا سليمان بجرادة وسكين فذبحها، فبساعة قطع رأسها أنكر نفسه وأنكرته هي، وانقشعت عنه هيبة الملك والسلطان، ثم خرج من عندها فوجد ماله من الشياطين عوداً على منبره، وكان قبل ذلك لا يرام، ووجد على كرسيه أشبه الناس صورة به، ويقال إن ذلك معنى
قوله: " وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب ". قال: ثم قام إليه خادم له من الجن فاستل خاتمه من أصبه فأبق به، وكانت الجن قبل ذلك لا يرومونه. فلما أخذ الجني الخاتم وكان عفريتاً مارداً ذا رأي في نفسه فقال: ما أخذت خاتم سليمان ولا وصلت إليه إلا بذنب بينه وبين الله عزّ وجلّ، وما آمن أن يرد اله ملكه فلأطرحن هذا الخاتم مطرحاً لا يقدر عليه أبدً ثم انطلق سريعاً حتى ألقاه في اللجة الخضراء. وأوحى الله إلى سليمان لمن ذبحت الجرادة التي قربتها لامرأتك؟ فإن كنت ذبحتها لي فقد صغرت أمري، وما سبقك إلى ذلك أحد، وقد علمت أنه لا يذبح لي إلا رُغاء أو خوار أو ثغاء، وإن كنت قد ذبحتها لصنم امرأتك فلأقلبك من العزة بي، أما كفاك أنك تزوجتها وهي مشركة فلم أعاتبك فيها! فلما فرغ إليه من القول شذ من أهله مرعوباً أربعين ليلة، يعير كما تعير الدابة، يبكي على نفسه، ويعدد على خطيئته، ويستغفر ربه. فلما أخبرته امرأته بالذي أصابه في سببها أحزنها ذلك وأبكاها، فأسلمت رجاء أن يرد الله إليه ملكه، فلما مضت لسليمان أربعون ليلة تاب الله عليه، وغفر له، وانصرف وقد أجهده الجوع، فمر بساحل من سواحل البحر، وإذا بحوت يضطرب فضرب بيده إلى الحوت، فأخذه ليأكله فلما فرى بطنه وجد فيه خاتمه فازداد بذلك خوفاً وعجباً ووجلاً فعاد إليه ملكه.
وقيل: إن سليمان كان عنده مجوسية امرأة، فقالت له يوماً في عيد كان لها: أعطني بقرة أذبحها لعيدنا، قال: لا، قال: فأعطني شاة، قال: لا، قالت: فأعطني دجاجة، قال: لا، قالت: فأعطني حمامة، قال: لا. فبينما هو كذلك إذ وقعت على يده جرادة، فقالت: أعطني هذه الجرادة، قال: نعم، ثم قطع رأسها بيده، فسال منها دم كثير حتى أفزع سليمان، ثم أنساه الله إياه، حتى أصابه بعدما سلب ملكه.
وقيل عن عباس أنه اختصم إلى سليمان فريقان أحدهما من أهل جرادة " امرأة كانت له يعجب بها -
وهوي أن يكون الحق لهم، ثم إن الحق كان للآخرين، فقضى لهم به، فإنما أصابه الذي أصابه لذلك الهوى الذي سبق إلى قلبه.
وقيل إنه احتجب عن الناس ثلاثة أيام، فأوحى الله إليه: يا سليمان احتجبت عن الناس ثلاثة أيام، فلم تنظر في أمور عبادي، ولم تنصف مظلوماً من ظالم. وكان ملكه في خاتمه، وكان إذا دخل الحمام وضع خاتمه تحت فراشه، فدخل ذات يوم الحمام والخاتم تحت فراشه، فجاء الشيطان فأخذه وألقاه في البحر، فأقبل الناس نحو الشيطان، فأقبل سليمان يقول: يا أنها الناس، أنا نبي الله، فدفعوه أربعين يوماً، فأتى أهل سفينة فأعطوه حوتاً فشقها فإذا هو بالخاتم فيها، فتختم به ثم جاء فأخذ بناصية الشيطان، وعند ذلك " قال: رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب " وكان أول من أنكره نساؤه فقلن بعضهن لبعض تنكرن ما ينكرن؟ فقلن: نعم، فكان يأتيهن وهن حيض.
قال علي بن زيد رضي الله عنه: فذكرت ذلك للحسن رحمه الله فقال: ما كان الله ليسلطه على نسائه.
وذكر ابن إسحاق وابن سمعان وغيرهما على فتنة سليمان عليه السلام أن الناس شكوا إلى سليمان شدة ما يلقون من شدة الطحن بأيديهم. فجمع سليمان الجن والشياطين فذكر ذلك لهم وقال لهم: هل من حيلة في هذا الطحن،، وفي أن تتخذوا لي آنية أشرب فيها أرى من حولي، فإنه قد بلغني أن بعض الجن إذا أنا شربت وسترن الإناء منهم غمز بي، قالوا: يا رسول الله، إن هذا لشيء ما نطيقه، ولكنه قد تمرد عفريت، وهو في جزيرة من جزائر البحر فإن قدرنا عليه صنع هذا كله، قال: احتالوا حيلة تأتوني به. فانطلقوا إليه وأعلموه أن سليمان قد هلك، وأن الأرض قد بقيت لهم. فلما اطمأن إليهم أخذوه فأوثقوه بالحديد، ثم جاؤوا به سليمان. فلما أدخل عليه أراه الخاتم، فأذله اله عز وجل له، فقال له سليمان: يا صخر، إني هممت بقتلك لفرارك مني، وبلغني رفقك وصنائعك، فأنا أحب أن يتخذ الناس شيئاً يستريحون به مما يلقون من الطحن بأيديهم،
وأتخذ لي آنية اشرب فيها ولا تحول بيني وبين النظر إلى الناس. قال: نعم يا رسول الله، أعنّي بطائفة من الجن فأعانه بما أراد. فلم يدع قرية إلا نصب فيها رحاً يطحن أهل البيت في اليوم والليلة ما يكفيهم سنة، ووجد الناس من ذلك راحة فسموها لمكان الراحة الرحا، وعمل لسليمان الزجاج فجاء على ما أراد، فأكرمه سليمان، وقربه حتى كان يشاوره في الأمر، وركب سليمان ذات يوم حتى أتى ساحل البحر فأدركه المساء، وغابت الشمس، وبدت النجوم، فاطلع كوكب فقال سليمان: يا صخر، ما هذا الكوكب؟ قال: هذا نجم كذا وكذا، ثم لم يزل يسأله عن النجوم. فقال سليمان: لقد أعطيت من أمر النجوم علماً، فصف لي كيف علمت ذلك، فقال: يا رسول اله، إن خاتم المملكة في يديك، وإني أفرق أن أدنو منك، ولولا ذلك لأخبرتك بأشياء تعجب، فنزع سليمان الخاتم، ثم قال: امسكه معك، وأخبرني. فلما وقع الخاتم في يده قذفه في البحر فالتقمه حوت، وتمثل صخر مكانه على تمثال سليمان، وقعد على كرسيه. فاجتمع له الجن والإنس والشياطين، وملك كل شيء كان يملكه سليمان، إلا أنه لم يسلّط على نسائه، وخرج سليمان يسأل الناس ويتضيفهم ويقول: أطعموني، فإني سليمان بن داود، فيطردونه ويقولون له: ما يكفيك ما أنت فيه من البلاء حتى تكذب على سليمان، وهذا سليمان على ملكه؟ حتى أصابه الجهد وطال عليه البلاء، فلما تم أربعون يوماً جاء إلى ساحل البحر فإذا بقوم يصيدون السمك فقال لهم: أطعموني، فأبوا فقال لهم: لو تعلمون من أنا لأطعمتموني، أنا سليمان بن داود، فخرج صاحب السفينة فطرده وضربه بمردي في يده وقال: ما يكفيك ما أنت فيه حتى تكذب على سليمان؟ إن كنت جائعاً فخذ من هذا السمك الذي أروح، فأخذ سليمان سمكتين، فدنا من ساحل البحر، فشق بطنهما فإذا في جوفها خاتمه فأخذه فلبسه، ورد الله عليه ملكه، وجاءت الوحوش والطير فقامت الوحوش حوله والطير فوق رأسه، فقال أهل السفينة: هذا والله سليمان فقفزوا بين يديه وقالوا:
يا نبي الله، إنما فعلنا ما فعلنا غضباً لك قال: أما إني لا أعاتبكم على ما صنعتم قبل، ولا أحمدكم على ما تصنعون بي لأن الأمر من السماء.
وقيل: إن صخراً أمسك الخاتم أربعين يوماً، فمن ثم دانت له الإنس والجن، وعطفت عليه الطير والوحش. فلما أنكر آصف وعظماء بني إسرائيل حكم عدو الله الشيطان في تلك الأربعين يماً قال آصف: يا معشر بني إسرائيل، هل رأيتم من خلاف حكم ابن داود ما رأيت؟ قالوا: نعم، فعند عند ذلك صخر فألقى بالخاتم في البحر فاستقبله جري فابتلع الخاتم فصار في جوفه مثل الحريق من نور الخاتم، فاستقبل جريه الماء فوقع في شبك الصيادين الذين كان سليمان معهم، فلما أمسوا قسموا السمك، فأسقطوا الجري فجعلوه لسليمان، فذهب به إلى أهله فأمرهم أن يصنعوه، فلما شقوا بطنه أضاء البيت نوراً من خاتمه، فدعت المرأة سليمان فأرته الخاتم فتختم به، وخر لله ساجداً فقال: إلهي، لك الحمد على قديم بلائك وحسن صنيعك إلى آل داود، إلهي، أنت الذي ابتدأتهم بالنعم وأورثتهم الكتاب والحكم والنبوة فلك الحمد، إلهي، تجود بالكثير وتلطف بالصغير، إلهي، فلك الحمد، نعمائك ظهرت فلا تخفى، وبطنت فلا تحصى، فلك الحمد، إلهي لم تسلمني بذنوبي، فلك الحمد، تغفر الذنوب وتستجيب الدعاء، ولك الحمد، إلهي، لم تسلمني بجريرتي، فلك الحمد، ولم تخذلني بخطيئتي، فلك الحمد، فتمم إلهي نعمتك علي، واغفر لي ما سلف " وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي " فذلك قوله: " ولق فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب ".
وقيل إن سليمان عليه السلام قال للشياطين: كيف تضلون الناس؟ فقال له شيطان: أعطني خاتمك حتى أخبرك، فأعطاه خاتمه، فذهب به حتى ألقاه في البحر وذهب ملك سليمان، فصار يطوف ويؤاجر نفسه، ويأتي المرأة من بني إسرائيل فيقول لها: أنا سليمان، أطعميني، فتبصق في وجهه، حتى وجد الخاتم في بطن حوت، فرد الله إليه ملكه وله الحمد.
وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان في نقش خاتم سليمان لا إله إلا الله محمد رسول الله ".
وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان فص خاتم سليمان بن داود سماوي، فألقي إليه فأخذه فوضعه في خاتمه، وكان نقشه: أنا الله لا إله إلا أنا محمد عبدي ورسولي ".
وعن الحسن
أن سليمان لما غلبه صخر المارد على ملكه خرج هارباً مخافة على نفسه أن يقتله، بغير حذاء ولا قلنسوة في قميص وإزار. قال: فمر بباب شارع على الطريق وقد جهده الجوع والعطش والحر، فقرع الباب، فخرجت امرأة فقالت: ما حاجتك؟ قال: ضيافة ساعة، فقد ترين ما أصابني من الحر والرمضاء، وقد احترقت رجلاي وبلغ مجهودي من الجوع والعطش. قالت المرأة: إن زوجي لغائب وليس يسعني أن أدخل رجلاً غريباً علي، وهذا أوان انصراف زوجي، فادخل البستان فإن فيه ماء وثماراً، فأصب من ثماره، وتبرد فيه، فإذا جاء وزجي استأذنته في ضيافتك،، فإن أذن لي فذاك، وإن أبى أصبت مما رزق الله ومضيت، فعلم أنها تكلمت بعقل، فدخل البستان، فاغتسل ووضع رأسه فنام، فأذاه الذباب، فجاءت حية سوداء فمرت بسليمان فعرفته، فانطلقت فأخذت ريحانة من البستان بفيها يقال لها العبهر، فجاءت إلى سليمان عند رأسه، فجعلت تذب عنه حتى جاء زوج المرأة، فقصت عليه القصة، فدخل الزوج إلى سليمان. فلما رأى الحية وصنيعها دعا امرأته، فقال لها: تعالي فانظري العجب، فنظرت ثم مشت إليه، فلما رأتها الحية تنحت عن سليمان، فأيقظاه وقالا له: يا فتى، هذا منزلنا فهو لك لا يسعنا شيء يعجزك، وهذه ابنتي وقد زوجناكها، وكانت من أجمل نساء أهل زمانها، قال: فتزوجها وأقام عندهم ثلاثة أيام، ثم قال: لا يسعني إلا طلب المعيشة لي ولأهلي، فانطلق إلى الصيادين، فقال لهم: هل لكم في رجل يعينكم وترضخون له شيئاً من صيدكم، وكل يأتيه الله برزقه، فقالوا: قد انقطع عنا الصيد، وليس عندنا فضل نعطيكه، فمضى إلى غيره، فقال لهم مثل هذه المقالة، فقالوا: نعم، وكرامة، نواسيك بما عندنا، فأقام معهم يختلف
كل ليلة إلى أهله بما أصاب من الصيد، حتى أنكر الناس قضاء سليمان وأفعاله، فقالوا لآصف: هل تنكر من سليمان الذي أنكرنا؟ قال: نعم، ولكن دعوني أعلم علم نسائه، فانطلق آصف، وكان لا يحتجب عنهن، فسألنه عن فعاله قلن: أنكرنا جميع فعاله، ولا يطلب النساء إلا عند الحيض، فقال: هل تواتينه؟ قلن: لا. قال ابن عباس رحمه الله: من زعم أنه أتى نساءه فقد كذب. كان سليمان عليه السلام أكرم على الله تعالى وتقدس من أن يسلط الشيطان على نسائه. قال فختم الله عليه، ولم يردهن. قال واحترس نساؤه، واجتمع الناس يدعون الله أن يفرّج ما بسليمان. قال: فلما رأى الخبيث أن الناس قد فطنوا له عمد فكتب كتاب السحر وختمه بخاتم سليمان ودفنه من تحت قائمة سرير سليمان وانطلق بالخاتم فألقاه في البحر.
وعن قتادة قال: كتبت الشياطين كتباً فيها سحر وشرك، ثم دفنت تلك الكتب تحت كرسي سليمان، فلما مات سليمان استخرج الناس تلك الكتب، فقالوا: هذا علم كتمناه سليمان فقال الله تعالى: " واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل وهاروت وماروت ".
وعن عمران بن الحارث قال: بينا نحن عند ابن عباس إذ دخل عليه رجل، فقال له ابن عباس: من أين جئت؟ قال: من العراق، قال: من أين؟ قال من الكوفة، قال: فما الخبر؟ قال: تركتهم يتحدثون أن علياً خرج إليهم. قال: ففزع ثم قال: ما يقولون لا أبا لك؟! لو شعرنا ما نكحنا نساؤه ولا قسمنا ميراثه سأحدثكم عن ذلك: كانت لشياطين يسترقون السمع من السماء فيجيء أحدهم بكلمة حق قد سمعها، فإذا جربت صدق، وكذب معها سبعين كذبة، فتشربتها قلوب الناس، فأطلع الله عليها سليمان عليه السلام، فأخذها فدفنها تحت كرسيه، فلما توفي سليمان قام شيطان بالطريق فقال: ألا أدلكم على كنزه الممتنع الذي لا كنز له مثله؟ تحت الكرسي. فأخرجوه فقالوا: هذا سحر، فتناسختها الأمم حتى
بقاياها ما يحدث به أهل العراق فأنزل الله في عذر سليمان عليه السلام " واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولك الشياطين كفروا " إلى آخر الآية.
وعن الحسن
أن صخراً المارد حين كان غلب على ملك سليمان. فلما فطن له الناس كتب كتاب السحر، ودعا الشياطين، فأخبرهم أنه قد غلب سليمان على ملكه، وأنه ألقى خاتمه في البحر، فلا يقدر عليه ويستريحوا منه، وأن هذا كتاب كتبته فيه أصناف السحر، وختمته بخاتم سليمان، وإني أدفنه تحت كرسيه، وكتب في عنوانه: هذا ما كتب آصف بن برخيا الصديق للملك سليمان بن داود من العلم. فلما مات سليمان جاءت الشياطين في صورة الإنس فقالوا لبني إسرائيل: إن لسليمان كنزاً من دفاتر من كنوز العلم، وكان يعمل به هذه العجائب فهل لكم فيه؟ قالوا: نعم، فحفروا ذلك الموضع واستخرجوا ذلك الكتاب. فلما نظروا فيه أنكر الأحبار ذلك، وقالوا: ما هذا من أمر سليمان. وأخذه قوم وقالوا: والله ما كان سليمان يعمل إلا بهذا، ففشا فيهم السحر، فليس هو في أحد أكثر منه في اليهود. فلما ذكر الله لرسوله أمر سليمان وأنزل عليه في سليمان وفي المرسلين وعده فيهم، قال من كان بالمدينة من اليهود: ألا تعجبون من محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يزعم أن سليمان كان نبياً. والله ما كان إلا ساحراً فأنزل الله عزّ وجلّ فيما قالوا: " واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان " يقول: ما كتبت الشياطين يعني أيام غلب صخر سليمان على ملكه " ولكن الشياطين كفروا " هم كتبوا السحر، وما عمل سليمان بالسحر " وما أنزل " السحر " على الملكين ببابل هاروت وماروت " حين فرغ من قصتهما.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال سليمان: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلها تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه إن شاء الله فلم يقل، فطاف عليهن جميعاً فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة، جاءت بشق رجل، وايم الذي نفسي بيده إنه لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون.
وفي رواية: لأطوفن الليلة على مئة امرأة.
وفي حديث عن أبي هريرة أيضاً أن سليمان كان له أربع مئة امرأة وست مئة سرية. فقال يوماً: لأطوفن الليلة على ألف امرأة، فتحمل كل واحدة منهن بفارس يجاهد في سبيل الله، ولم يستثن، فطاف عليهن، فلم تحم واحدة منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق إنسان، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي نفسي بيده لو استثنى فقال: إن شاء الله لولد له ما قال، فرسان ولجاهدوا في سبيل الله ".
وعن ابن عباس قال: كان لداود تسع وأربعون امرأة وكان لسليمان مئتا امراة.
وعن أبي هريرة قال: كان اليوم الذي رد الله تعالى إلى سليمان بن داود خاتمه يوم النيروز، فجاءت الشياطين بالتحف، وكانت تحفة الخطاطيف أن جاءت بالماء في مناقيرها فرشته بين يدي سليمان فاتخذ البعض رش الماء من ذلك اليوم.
وقال سفيان الثوري: بلغني أن سليمان يوم رد الله عليه ملكه، أمر الريح أن تحمله، فحملته فانتهى إلى مفرق الطريقين، استقبله خطاف فقال: أيها املك، إن لي عشاً فيه بيضات قد حضنتهن، وأنا أرجو إفراخي أيامي، فاعدل رحمك الله، فإنك إن مررت بالعش حطمت بيضات، فشفقه وترك ذلك الطريق، فانطلق الخطاف إلى البحر حين نزل سليمان فحمل ماء في منقاره، فنضح بين يديه، فسأله أصحابه عن ذلك فقال: إنه سألني أن أعدل عن الطريق الذي فيه عشه، فهو يحمل الماء من البحر بمنقاره ينضحه بين يدي شكراً لي.
وفي حديث آخر: أتاه برجل جرادة فوضعه بين يدي سليمان، فقال له سليمان: ما هذا؟ قال: هدية لك فقال سليمان: لقد شكر هذا، ومن لا يشكر المخلوق لا يشكر الخالق.
وعن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه صلى صلاة فقال: " إن الشيطان عرض ليفسد علي ليقطع الصلاة علي فأمكنني الله
منه فذعته، ولقد هممت أن أوثقه في سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه فذكرت قول سليمان: رب هب لي ملكا لا يبغي لأحد، فرده الله خائباً ".
قال الضحاك:
لما رد الله ملك سليمان بعث سليمان إلى صخر، فأتي به، فلما أدخل عليه أمر بوثاقه، فأوثقوه حديداً، ثم سأل الجن: أي قتلة أشد حتى أقتله؟ قالوا: نأتيك بصخرة ثم نجوفها ثم نوثقه فنضعه فيها ونسدها عليه ونطبقها بالحديد ثم نلقيه في البحر، ففعلوا ذلك به، فألقوه في أعمق مكان في البحر، فهو فيه إلى يوم القيامة فذلك قول الله عزّ وجلّ " وآخرين مقرنين في الأصفاد هذا عطاؤنا فامنن " يعني سليمان على من شئت من الشياطين " أو أمسك يعني أقره في الوثاق في البحر " بغير حساب " يعني لا تبعة عليك فيه إلى يوم القيامة.
قال عبد الله بن عبيد بن عمير: بعث سليمان إلى مارد من مردة الجن كان في البحر، فأتي به. فلما كان على باب داره أخذ عوداً فذرعه بذراعه، ثم ألقاه من وراء الحائط فوقع بين يدي سليمان فقال سليمان: ما هذا؟ فأخبر بالذي صنع المارد، فقال: تدرون ما أراد؟ قالوا: لا، قال: فإنه يقول اصنع ما شئت فإنما تصير إلى مثل هذا من الأرض.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: أعطي سليمان بن داود ملك مشارق الأرض ومغاربها، فملك سبع مئة سنة وستة أشهر، ملك أهل الدنيا كلهم من الجن والأنس والشياطين والدواب والطير والسباع، وأعطي علم كل شيء ومنطق كل شيء، وفي زمانه صنعت الصنائع المعجبة التي سمع بها الناس وذلك قوله: " علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء ".
قالوا: وكان سليمان غزاء، يغزو البر والبحر ولا يسمع بملك في ناحية من الأرض إلا أتاه حتى يذله، وكان إذا أراد الغزو أمر بعسكره فضرب، وكان اتخذ ألواحاً من خشب وضم بعضها إلى بعض وعمل لها عمداً من تحتها وسددها بالمسامير الحديد على قدر عسكره، فربما كان عسكره فرسخاً في فرسخ أو أقل أو اكثر، ثم تجيء الشياطين فتدخل تحت الخشب، فتحمل تلك العمد، ثم يأمر الريح وعسكره مسيرة شهر، وكانت الريح تغدو به شهراً، وتروح به شهراً وبعسكره، فذلك قول الله عزّ وجلّ: " رخاء حيث أصاب " مطيعة حيث أراد، وكان الرخاء ريحاً تحمل عسكره إلى حيث أراد سليمان، وإنه ليمر بالزراعة فما تحركها الريح.
وقيل: كانت الشياطين عملوا لسليمان مدينة من قوارير، إذا خرج في المغازي كان يحمل تلك المدينة معه وحشمه وأهل بيته، وكانت ألف ذراع في عشرة آلاف ذراع، فيها ألف سقف كل سقف ألف ذراع، بين كل سقفين عشرة أذرع على كل سقف ما يحتاج إليه من المساكن والقباب والمرافق، فجعل الأعلى قبة فيها مجلسه، على قبتها علم أخمر يضيء منه بالليل للعسكر، وترى بالليل من الأرض البعيدة كما ترى النار، ولتلك المدينة ألف ركن على مناكب الشياطين، تحت كل ركن عشرة من الشياطين.
قال كعب:
وكان سليمان إذا ركب حمل أهله وسار بجيشه وخدمه وكتائبه، وتلك السقوف بعضها فوق بعض على قدر درجاتهم، وقد اتخذ مطابخ ومخابز، يحمل فيها تنانير الحديد وقدوراً عظاماً، يسع كل قدر عشر جرائر وقد اتخذ فيه ميادين للدواب أمامه فيطبخ الطباخون، وخبز الخبازون، وتجري الدواب بين يديه بين السماء والأرض ولريح تهوي بهم، فسار من إصطخر إلى اليمن فسلك المدينة مدينة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال سليمان: هذه دار هجرة نبي في آخر الزمان، طوبى لمن آمن به، وطوبى لمن اتبعه، وطوبى لمن اقتدى به. ثم مضى حتى مر بمكة فقال: هذا مولد نبي في آخر الزمان، طوبى لمن آمن به، وطوبى لمن اتبعه، وطوبى لمن اقتدى به، ورأى حول البيت أصناماً تعبد من دون الله. فلما جاوز
سليمان البيت بكى البيت، فأوحى الله إلى البيت فقال: ما يبكيك؟ قال: يا رب، أبكاني هذا نبي من أنبيائك وقوم من أوليائك مروا علي، فلم يهبطوا في، ولم يصلوا عندي، ولم يذكروك بحضرتي، والأصنام تعبد حولي من دونك فأوحى الله إليه أن لا بتك، فإني سوف أملؤك وجوهاً سجوداً، وأنزل فيك قرآناً جديداً، وأبعث منك نبياً في آخر الزمان، أحب أنبيائي إلي، وأجعل فيك عمارً من خلقي يعبدوني، وأفرض على عبادي فريضة يدفون إليك دفوف النسور إلى وكورها، ويحنون إليك حنين الناقة إلى ولدها والحمامة إلى بيضها، وأطهرك من الأوثان وعبدة الشياطين. ثم مضى سليمان حتى مر بوادي النسرين من الطائف فأتى على وادي النمل فقالت نملة تسمى جيرين من قبيلة تسمى الشيصبان وكانت عرجاء تتكاوس، وكانت مثل الذئب العظيم فنادت النمل " يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحكمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون " يعني أن سليمان يفهم مقالها، وكان لا يتكلم خلق إلا حملت الريح ذلك، فألقته في مسامع سليمان قال: " فتبسم سليمان ضاحكاً من قولها وقال: رب أوزعني " يعني ألهمني " أن أشكر نعمتك " يعني: أن أؤدي شكر ما أنعمت " علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين " يعني مع الصالحين.
ذكر وهب بن منبه سليمان وتعظيم ملكه: أنه كان في رباطه اثنا عشر ألف حصان، وكان يذبح لغذائه كل يوم سبعين ثوراً معلوفاً وستين كراً من الطعام سوى الكباش والصيد والطير، فقيل لوهب: يا أبا عبد الله، أكان يسع هذا ماله؟ قال: كان إذا ملك الملك على بني إسرائيل اشترط عليهم أنهم رقيقه وأن أموالهم له، ما شاء أخذ منها، وما شاء ترك.
قال ابن عباس: كان سليمان بن داود يوضع له ست مئة ألف كرسي، ثم يجيء بأشراف الإنس فيجلسون مما يليه، ثم يجيء بأشراف الجن حتى يجلسوا مما يلي الإنس، ثم يدعو الطير فتظلهم ثم يدعو
الريح، فتحملهم فيسيرون. وقيل: يسير في الغداة الواحدة مسيرة شهر. فبينا هو ذات يوم يسير إذ احتاج إلى الماء، وهو في فلاة من الأرض، فدعا الهدهد فنقر الأرض، فأصاب موضع الماء، فجاءت الشياطين إلى المكان فيسلخونه كما يسلخ الإهاب حتى استخرجوا الماء: فكيف يعرف هذا ولا يعف الفخ حتى يقع في عنقه؟ فقال ابن عباس: ويحك إن القدر حال دون البصر.
حدث إدريس بن سنان أبو إلياس قال:
بلغنا " والله أعلم " عن صفة كرسي سليمان بن داود بحكمته أنه صنع دفوف الكرسي من عظام الفيلة، وفصصها بالدر وبالياقوت والزبرجد واللؤلؤ، صنعت صنعة لم يصنع مثلها من مضى، ولا صنعها من بقي بعده، ثم جعل له ست درجات بعضها فوق بعض، وجعل بين كل درجتين شبراً، وجعل كل درجة منها مفصصة بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ، وحفف الكرسي من جانبيه كليهما بنخل من ذهب، وعناقيدها ياقوت وزبرجد ولؤلؤ، وجعل رؤوس النخل من أحد جانبي الكرسي طواويس من ذهب، وجعل من جانبه الآخر سوراً من ذهب مقابلة للطواويس، وجعل عن يمين الدرجة الأولى شجرة صنوبر من ذهب، وعن يسارها أسداً من ذهب، وعلى رؤوس الأسدين عموداً من زبرجد، ومن جانبي الأسدين شجرتين كلتاهما كرم من ذهب معرشتين، فأظلتا الكرسي كله بتعريشها وورقها، وفوق أعلى درج الكرسي أسدين عظيمين من ذهب مجوفين محشوين مسكاً وعنبراًً، فإذا أراد سليمان بن داود الملك أن يصعد على كرسيه استدار الأسدان كما يستدير المنجنون فينفخان ما في أجوافهما من الطيب، ومن جانبي الكرسي منبران من ذهب أحدهما مجلس خليفة سليمان، والآخر مجلس الأحبار والقضاة، وسبعين منبراً من ذهب لسبعين قاضياً من أحبار بني إسرائيل وعلمائهم وكهولهم، من كل جانب من الكرسي خمسة وثلاثون منبراً، فإذا أراد الملك أن يصعد إلى كرسيه وضع قدميه على الدرجة الأولى من الكرسي استدار الكرسي كما يستدير المنجنون، فيبسط الأسد يده اليمنى والنسر جناحه الأيسر، فيتكئ سليمان عليها إلى الدرجة التي تليها وكذلك تصنع الأسد والنسور من كل درجة إلى درجة
حتى يستوي إلى أعلى الكرسي، فإذا استوى سليمان على كرسيه جالساً أخذ التنين العظيم تاج الملك فوضعه على راس سليمان، وكان الذي يستدير بالكرسي وما فيه من العجائب تنين عظيم حتى تمر الأسود والنسور والطواويس التي على الدرجة السفلى إلى أعلى الكرسي فيظلون من فوق رأس سليمان، وهو جالس على الكرسي، فينضحون ما في أجوافها من الطيب على رأس سليمان، وكانت حمامة على عمود جوهر تأخذ التوراة، حتى تجعلها في يد سليمان فيقرأها على الناس فإذا جلس سليمان على كرسيه للقضاء، وجلس قضاة بني إسرائيل على كراسيها عن يمينه وشماله جانبي الكرسي فدخلت الشهود للشهادات استدار منجنون الكرسي، فيزأر الأسد، وتخفق النسور بأجنحتها، وترجع الطواويس لترعب قلوب الشهود أن لا يشهدوا بالزور، ويقول الشهود عندما يرون من العجائب وما دخلهم من الرعب: لا نشهد إلا بالحق، فإنا إن نشهد بالزور يهلك العالم، فلم يكن مثل كرسي سليمان في الأولين ولا يكون مثله في الآخرين.
فلما قبض الله سليمان وجاء بخت نصر، فأخذ ذلك الكرسي فحمله معه إلى أنطاكية، فأراد أن يصعد فيه ليقعد عليه، ولم يكن له علم كيف يصعد فيه، فلما وضع قدمه على الدرجة الأولى ولم تصب موضعها رفع الأسد يده اليمنى فكسر ساق بخت نصر الأيسر فعرج فلم يزل بخت نصر يعرج منها حتى مات، ثم بعث الله ملكاً من ملوك فارس يقال له: كارس بن سورس ويقال الفرريا بن يساريا فحمل الكرسي من بابل حتى رده إلى بيت المقدس، فوضعوه تحت الصخرة فلم يقعد أحد على كرسي سليمان من بعده، ولم يقدر عليه منذ وضع تحت الصخرة.
فذلك ما يذكر من حديث الكرسي وما فيه من العجائب.
قال إسحاق بن بشر: وكان سليمان إذا ركب يسمع حفيف قبته من اثني عشر ميلاً، فلا يبقى غلام ولا جارية ولا رجل ولا امرأة إلا وهم متشوفون ينظرون إلى مركب سليمان ويتعجبون. فبينا سليمان في مسيره بهذه الحال، وقد اشرفوا عليه من كل جانب، غذ مر
على رجل من بين إسرائيل يعمل بالمسحاة في حرث له يقال له: مرعبدا، فقال مرعبدا ولم يرفع طرفه إليه: لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً، ثم أقبل على مسحاته، فلم يلتفت له، ولم ينظر إليه، والناس متشوفون من كل جانب، فلما رأى سليمان ذلك رفع رأسه فنظر إلى الطير فوقفن، فإذا وقفت الطير تركت الشياطين الأركان، وتجيء الريح فتحمل له البيت بقدرة الله. فلما نظر سليمان إلى العابد وهو مرعبدا قطع به فقال: والله ما هذا إلا رجل في قلبه إيمان ومعرفة ليس في قلب أحد.
قال عبد الله بن عمر: قال لنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله لينظر إلى الكافر ولا ينظر إلى المزهي، ولقد حملت سليمان بن داود الريح وهو متكئ، فأعجب واختال بنفسه فطرح على الأرض.
وعن الفضيل بن عياض قال: كان سليمان بن داود إذا أراد أن يركب وُضع له ست مئة ألف كرسي، تحتمله الريح، وتظله الطير والغمام فوق ذلك، فبينا هو يسير إذ مر بحرّاث يعمل في زرعه، فاستوقفه فوقف غير مستكبر، فإما أتاه أو ساءله فقال له: يا نبي الله، حك في نفسي شيء، لم أجد له موضعاً غيرك، قال: وما هو؟ قال: أرأيت ما مضى من ملكك هذا هل تجد لشيء منه لذة؟ قال: لا. قال: فما بقي؟ قال: ولا. قال: ما أراك سبقتني من الدنيا إلا باليسير، قيل: فقال له سليمان: هل لك أن تصحبني؟ قال: فما تصنع بي؟ قال: أصنع بك خيراً، قال: هل تزيد في رزقي؟ قال: لا، قال: فهل تزيد في عمري؟ قال: لا، قال: فما أصنع بصحبتك!! وعن ابن كعب القرظي في قوله عزّ وجلّ " ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلا من قبل " الآية قال: يعني يتزوج ما يشاء من النساء، هذا فريضة، وكان من الأنبياء هذا سننهم، وقد كان لسليمان بن داود ألف امرأة، سبع مئة مهيرة
وثلاث مئة سرية، وكان لداود مئة امرأة فيهن أم لسيمان امرأة أورياء تزوجها داود بعد الفتنة. فهذا أكثر مما كان لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال وهب بن منبه: أمر الله الريح فقال: لا يتكلم أحد من الخلائق بشيء في الأرض بينهم إلا حملته فوضعته في أذن سليمان، فلذلك سمع كلام النملة.
قيل: إن سليمان النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم، كان جالساً، فرأى عصفوراً، يدير زوجته على السفاد وهي تمتنع منه، فضرب بمنقاره في الأرض ثم رفعه إلى السماء، فقال سليمان: هل تدرون ما قال لها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال لها: ورب السماء والأرض ما أريد السفاد لك، ولكن أردت أن يكون من نسلي ونسلك من يسبح الله في الأرض.
قال مالك بن دينار: صنع سليمان بن داود قبة من ذهب أربعين ذراعاً في أربعين ذراعاً، وركب فيها من صنوف الجوهر، فبينا سليمان جالس فيها غذ سقط فيها خطافان، فراود الذكر الأنثى فامتنعت عليه فقال لها: لم تمنعين نفسك؟ فوالله لو كلفتني حمل هذه القبة لحملتها، فسمع سليمان قوله فأمر فأتي بهما فقال: من القائل كذا وكذا؟ قال الذكر: أنا يا نبي الله، قال فما حملك على ذلك؟ قال: يا نبي الله، أنا محب والمحب لا يلام.
وعن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أرأيتم ما أعطي سليمان من ملكه، فإن ذلك لم يزده إلا تخشعاً، وما كان يرفع طرفه إلى السماء تخشعاً من ربه عزّ وجلّ.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُير سليمان بين المال والملك والعلم فاختار العلم، فأعطي الملك والمال لاختيار العلم.
حدث أبو عمران الجوني قال: مر سليمان بن داود في موكبه والطير تظله والجن والإنس عن يمينه وعن
شماله، فمر بعابد من عباد بني إسرائيل. قال: فقال: لقد آتاك الله يا بن داود ملكاً عظيماً فسمع كلامه فقال: تسبيحة في صحيفة مؤمن أفضل مما أوتي آل داود، وما أوتي ابن داود يذهب وتسبيحته تبقى.
قال الفضيل بن عياض: كان عسكر سليمان مئة فرسخ، وكان يذبح في كل يوم ألف شاة وثلاثين ألف بقرة سوى ما يلقى الطير من نواهضها، ويطعم الناس الحوارى، ويطعم أهله الخشكار، ويأكل هو الشعير قال: " وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ".
وعن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قالت أم سليمان لسليمان: يا بني، لا تكثر النوم بالليل، فإن من كثر نومه بالليل يلقى الله يوم القيامة فقيراً ".
وعن أبي موسى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن أول من صنعت له النورة ودخل الحمام سليمان بن داود، فلما دخله وجد حره وغمه، قال: أوه من عذاب بالله أوه قبل أن لا يكون أوه.
وفي رواية: أول من صنع له الحمام سليمان بن داود.
وعن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: بينما امرأتان ومعهما أبناهما إذ جاء الذئب فذهب بأحدهما، فقالت هذه لصاحبتها إنما ذهب بابنكن، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فاختصمتا إلى داود فقضى به للكبرى، فمرتا على سليمان، فأخبرتاه فقال ائتوني بسكين أشقه بينكما، فقالت الصغرى: لا ويرحمك الله هو ابنها فقضى به للصغرى.
قال أبو هريرة: فوالله إن سمعت بالسكين قبل ذلك اليوم، ما كنت أقول إلا المدية.
وعن محمد بن كغب القرظي قال:
جاء رجل إلى سليمان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا نبي الله، إن لي جيراناً سرقوني إوزاً، فنادى: الصلاة جامعة ثم خطبهم فقال في خطبته: واحد كم يسرق إوزة جاره، ثم يدخل المسجد والريش على رأسه، فمسح رجل رأسه، فقال سليمان: خذوه فإنه صاحبكم.
وعن الحسن قال: بلغني أن داود قال لابنه: يا بني، أي شيء أبرد؟ قال: عفو الله عن العباد وعفو العباد بعضهم عن بعضهم. قال: فأي شيء أحلى؟ قال: روح الله بين عباده.
وعن داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال لسليمان حين استخلفه: يا بني، أي شيء أحسن؟ قال: روح الله بين عباده، وصورة حسنة في عمل صالح وخلق حسن.
وعن ابن أبي نجيح قال: قال سليمان: أوتينا مما أوتي الناس ومما لم يؤتوا، وعُلمنا ما علم الناس وما لم يعلموا، فلم نجد شيئاً أفضل من خشية الله في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى.
وعن قتادة قال: ذُكر لنا أن سليمان بن داود كان يقول: اذكر الجائع إذا شبعت، واذكر الفقير إذا استغنيت.
وعن يحيى بن كثير أن سليمان بن داود قال: يا بني إسرائيل، من خشي الله في السر والعلانية، وقصد في الغنى والفقر، وعدل في الغضب والرضا، وذكر الله على كل حال فقد أعطي مثل ما أعطيت أو أفضل منه.
وعن سعيد بن عبد العزيز قال سليمان بن داود: نظرت في الحكمة فكثر همي، ونظرت في العلم فكثر شيبي، فذهبت أنظر في الأمر
فإذا مع الشباب كبر، وإذا مع الغنى فقر، وإذا مع الصحة سقم، وإذا مع الحياة موت، وإذا تربتي وتربة السفيه الأحمق يصيران إلى أن يكونا سواء، إلا أن أفضله يوم القيامة بعمل صالح، فكيف يهنأني مع هذا طعام أو شراب؟ وعن خيثمة قال: قال سليمان بن داود النبي صلى الله على نبينا وعليهما وسلم: كل العيش قد جربناه، ليّنه وشديده فوجدناه يكفي منه أدناه.
وعن الحسن قال: بلغني أن سليمان بن داود قال: العقل نجاة العاقل بطاعته ربه، وحجته على معصية الله، وإن العمل القليل من العاقل أرجح من الكثير من الجاهل، ومجامعة العاقل على البرادع خير للمؤمن من مجامعة الجاهل على حشايا السندس والاستبرق، ومجامعة المرء العاقل على المزابل خير من مجامعة الجاهل على الزرابي.
قال سليمان بن داود: يا معشر الجبابرة، كيف تصنعون إذا وضع المنبر للقضاء؟ يا معشر الجبابرة، كيف تصنعون إذا لقيتم ربكم الجبار فرادى؟ وقال سليمان بن داود: يا بني، إياك وكثرة الغضب، فإن كثرة الغضب تستخف فؤاد الرجل الحليم.
وعن الأوزاعي قال: قال سليمان: إن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب.
وعن يحيى بن أبي كثير قال: قال سليمان بن داود لابنه: يا بني، عليك بخشية الله فإنها غاية كل شيء، يا بني، لا تقطع أمراً حتى تشاور فيه مرشداً، يا بني، عليك بالحبيب الأول فإن الأخير لا يعدله.
وعنه قال: قال سليمان لابنه: يا بني، لا تقطعن أمراً حتى تؤامر مرشداً، فإنك إذا فعلت ذلك لم تحزن عليه يا بني، إياك وكثرة الغيرة من غير سوء تراه على أهلك فترمى بالسوء من أجلك.
قال سليمان: من أراد أن يغيظ عدوه فلا يرفع العصا على ولده.
وعن يحيى بن أبي كثير قال: قال سليمان بن داود لابنه: يا بني، لا تكثر الغيرة على أهلك، فترمى بالشر من أجلك، وإن كانت بريئة، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تستخف فؤاد الرجل الحليم، قال: وعليك بخشية الله فإنها غلبت كل شيء.
وعنه أن سليمان قال لابنه: يا بني، إياك والمراء، فإن نفعه قليل وهو يهيج العداوة بين الإخوان.
وعن مالك بن دينار قال: خرج سليمان في موكبه فمر ببلبل على غصن شوك يصفر ويضرب بذنبه فقال: أتدرون ما يقول هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه يقول: قد أصبت اليوم نصف تمرة فعلى الدنيا السلام.
وعن كعب الأحبار قال: خرج سليمان بن داود نبي الله عليه الصلاة والسلام يستقي لقومه فإذا نملة قائمة على رجليها رافعة يديها تقول: اللهم، إنا خلق من خلقك ولا غنى لنا عن رزقك، فأنزل علينا غيثك، ولا تؤاخذنا بذنوب عبادك، فقال سليمان عليه السلام: أرجعوا، فقد استجاب الله لكم بدعاء غيركم فرجعوا يخوضون الماء إلى الركب.
وفي حديث آخر: فلا تهلكنا بذنوب بني آدم.
وقيل: إن داود كان له صديق من بني إسرائيل يُدني مجلسه ويشاوره، فمات داود وولي سليمان. قال: فنظر من أحق الناس أن يشاوره ويُدني مجلسه منه؟ قال: ما أعلم أحداً أحق من الشيخ الذي مات نبي الله وهو عنه راض، فأرسل إليه فأدنى مجلسه، وكان الله وكل بسليمان ملك الموت أن يدخل إليه كل يوم دخلة، فيسأله كيف هو، ويقول له: هل لك من حاجة أقضيها لك؟ فإن قال: نعم لم يبرح ملك الموت حتى يقضيها، ثم
لا يعود إليه من الغد، فدخل عليه يوماً والشيخ مسند ظهره إلى سرير سليمان فقال له: كيف كنت الليلة؟ قال: بخير، قال: ألك حاجة؟ قال: لا، فانصرف ملك الموت والناس يحسبون أنه رجل من الناس، فلما خرج أقبل الشيخ على رجل سليمان، فجعل يقبلها، ويقول: يا نبي الله، كيف رضي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عني؟ قال: حسن، قال: وكيف رضاك عني منذ صحبتك؟ قال: حسن إني أسألك بحق الله إلا ما أمرت الريح أن تحملني فتلقيني بأقصى مدرة من أرض الهند، قال: فأخذه أفكل شديد، قال سليمان: ولم؟ قال: هو ما أقول لك، قال: فاخبرني فإني فاعل، قال أم تر إلي الرجل الذي دخل عليك، فإنه لحظ إلي لحظة، فما أتمالك رعدة، فقال سليمان: سبحان الله، وهل إلا رجل نظر إليك؟ قال: هو ما أقول لك، قال: وأراده سليمان على ألا يفعل فأبى، قال: فدعا الريح، فقال: احمليه فألقيه بأقصى مدرة بالند، وظل سليمان لا ينتفع بشيء حزناً على الشيخ، قال: فقعد على سريره قبل ساعته التي كان يقعد فيها حزناً على الشيخ، ودخل عليه ملك الموت ثم قال: ألك حاجة؟ قال: الحاجة غدت بي إلى هذا المكان، قال: مه. فذكر الشيخ ومنزلته، وذكر ما سأله. وذكر ما سأله. قال له ملك الموت: يا رسول الله، منذ جئتك ما ينقضي عجبي منه، إنه سقط إلي أمس كتاب أن أقبض روحه مع طلوع الفجر بأقصى مدرة بأرض الهند، فهبطت وما أحسبه إلا هناك، فدخلت عليه فإذا هو قاعد، وقد أمرت أن أقبض روحه مع طلوع الفجر بأقصى مدرة بأرض الهند، فجعلت أتعجب، فوا للذي بعثك بالحق إني هبطت عليه مع طلوع الفجر، فوجدته بأقصى مدرة من أرض الهند فقبضت روحه، وتركت جسده هنالك.
قال كعب: أمر داود ببناء بيت المقدس، فبنى فيه قدر قعدة، ثم أحدث شيئاً، فقيل له: إنك لست بصاحبه. قال: رب، فمن ذريتي؟ قال: نعم، فبناه سليمان حتى فرغ من بناه جعل عليه مأدبة، ذبح أربعة آلاف بقرة وسبعة آلاف شاة، ودعا بني إسرائيل فأكلوا حتى قام فدخله فقال: اللهم، أما عبد لك دخل بيتك هذا مستجيراً فأجره،
فأوحى الله إليه أن قد استجبت لك. فلما أوحى إليه أن قد استجبت لك، أن خلص الدعوة لآل داود عليه السلام.
قال قرة: أمر سليمان ببناء بيت المقدس فقالوا لسليمان: إن زوبعة الشيطان له عين في الجزيرة، يردها كل سبعة أيام، فأتوها فنزحوها فصبوا فيها خمراً، فجاء لورده، فلما أبصر الخمر قال كلاماً له: أما علمت أنك إذا شربك صاحبك ظهر عليه عدوه " في أساجيع " ألا لا وردتك اليوم، فذهب ثم رجع لظمأ آخر. فلما رآها قال كما قال أول مرة، ثم ذهب ولم يشرب، ثم جاء لورده لإحدى وعشرين ليلة، وقال: ما علمتك إنك لتذهبن الهم " في أساجيع له " فشرب فسكر فجاؤوا إليه، فأروه خاتم السحر فانطلق معهم إلى سليمان، فأمره ببناء بيت المقدس، فقال دلوني على بيض الهدهد فدل على عشه فأكب عليه بحمحمة، فانطلق الهدهد فجاء بالماس الذي يثقب به اللؤلؤ والياقوت فغط الزجاجة، فذهب ليأخذه فأزعجوه عنه فجاء بالماس إلى سليمان، فجعلوا يستعرضون له الجبال كأنما يخطون في الطين.
وحدث كعب:
أن الله أوحى إلى سليمان أن ابن بيت المقدس، فجمع حكماء الإنس وعفاريت الجن وعظما الشياطين، ثم فرق الشياطين فجعل منهم فريقاً يبنون، وفريقاً يقطعون الصخر والعمد من معادن الرخام، وفريقاً يغوصون في البحر فيخرجون منه الدر والمرجان، الدرة منها مثل بيضة النعام، ومثل بيض الدجاج، وأخذ في بناء المسجد، فلم يثبت البناء، وكان عليه حين بناه داود، فأمر بهدمه، ثم حفر الأرض حتى بلغ الماء، فقال: أسسوا على الماء فألقوا فيه الحجارة، فكان الماء يلف، فدعا سليمان الحكماء والأحبار، ورأسهم آصف فقال: أشيروا علي، فقال آصف ومن قال منهم: إنا نرى أن نتخذ قلالاً من نحاس، ثم نملأها حجارة، ثم نكت عليها هذا الكتاب الذي في خاتمك لا إله إلا الله وحده لا شريك له ومحمد عبده ورسوله، ثم نلقي تلك القلال عليه في الماء، فيكون أساس البناء عليه ففعل
فثبتت القلال، وألقوا الصخر والحجارة عليها، وبنى حتى ارتفع البناء وفرق الشياطين في أنواع العمل، فكانت الشياطين دأبوا في عمله وجعل فرقة منهم يقطعون معادن الياقوت والزمرد وألوان الجوهر، فجعل الشياطين صفاً مرصوصاً ما بين معدن الرخام إلى حائط المسجد، فإذا قطعوا من المعدن حجراً أو اسطوانة يلقاه الأول منهم الذي يلي المعدن ثم الذي يليه، فيلقى بعضهم بعضاَ حتى ينتهي إلى المسجد، وجعل يقطع الرخام الأبيض منه مثل بياض اللبن من معدن يقال له السامور ليس بهذا السامور الذي في أيدي الناس، ولكن هذا به سمي، وإنما دل على معدن السامور عفريت من الشياطين كان في جزيرة من جزائر البحر، فدلوا سليمان عليه، فأرسل إليه بطابع من حديد، وكان خاتمه يرسخ في الحديد والنحاس فيطبع إلى الجن بالنحاس، ويطبع على الشياطين بالحديد فلا يجيبه أقاصيهم إلا بذلك، وكان خاتمه أنزل عليه من السماء، حلقته بيضاء، وطابعه كالبرق لا يستطيع أحد يملأ منه بصره.
فلما بعث إلى العفريت وجاءه قال له: هل عندك من حيلة أقطع بها الصخر فإني أكره صوت الحديد في مسجدنا هذا وصريره للذي أمرنا به من الوقار والسكينة، فقال له العفريت: ابغني وكر عقاب، فإني لا أعلم في الطير أشد من العقاب فنفحه برجله ليقطعه فلم يقدر عليه، فحلق في السماء متلطفاً، فلبث يومه وليلته، ثم أقبل ومعه خصين من السامور معترض، فتفرقت الشياطين حتى أخذوه منه، وأتوا به على سليمان فكان به يقطع الصخر، وعمل سليمان بيت المقدس عملاً لا يوصف ولا يبلغ كنهه أحد، وزينه بالذهب والفضة والدر والياقوت والمرجان وألوان الجوهر في سمائه وأرضه وأبوابه وجدره وأركانه شيئاً لم ير مثله، ولم يعلم يومئذ كان على ظهر الأرض موضع كان أعظم منه، ولا عرض من عرض الدنيا أكبر منه، فتسامعت به الخلائق، وشهدته ملوك الأرض، وكان نصب أعينهم، ولكنهم لم يكونوا يرومونه مع سليمان.
فلما فرغ سليمان منه جمع الناس، وأخبرهم أنه مسجد لله تعالى هو أمر ببنائه، وأن كل شيء فيه لله عزّ وجلّ، وأن من انتقصه شيئاً قد خان الله، وأن داود كان الله عزّ وجلّ عهد إليه بذلك من قبل، وأوصى سليمان بذلك من بعده، فلما انتهى عمله اتخذ طعاماً وجمع سليمان الناس فلم يُر قط جمع في موضع أكبر منه يومئذ ولا طعام اتخذ أكثر منه ثم أمر بالقربان فقرب لله عزّ وجلّ قبل أن يطعم الناس، فوضع القران في رحبة المسجد وبين ثورين، فأوقفهما قريباً من الصخرة، ثم قام على الصخرة فقال: اللهم، أنت وهبت لي هذا الملك مَناً منك علي وطولاً علي وعلى والدي من قبلي، وأنت الذي ابتدأتني وإياه بالنعمة والكرامة، وجعلته حكماً بين عبادك وخليفة في أرضك، وجعلتني وارثه من بعده وخليفته في قومه، وأنت الذي خصصتني بولاية مسجدك هذا قبل، وأكرمتني به قبل أن تخلقني، فلك الحمد على ذلك والمن والطول، اللهم، وأسألك لمن دخل هذا المسجد خمس خصال: لا يدخل إليه مذنب لم يتعمده إلا طلب التوبة أن تتقبل منه وتتوب عليه وتغفر له، ولا يدخل إليه خائف لم يتعمده إلا طلب الأمن أن تؤمنه من خوفه وتغفر له ذنبه، ولا يدخل إليه مقحط لم يتعمده إلا طلب الاستسقاء أن تسقي بلاده، ولا يدخل إليه سقيم لم يتعمده إلا طلب الشفاء أن تشفيه من سقمه وتغفر ذنبه، وأن لا تصرف بصرك عمن دخله حتى يخرج منه، اللهم إن أجبت دعوتي وأعطيتني مسألتي فاجعل علامة ذلك أن تتقبل قرباني. قال: فنزلت نار من السماء فأخذت ما بين الأفقين ثم امتد منها عنق فاحتمل القربان ثم صعد به إلى السماء.
وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لما بنى سليمان البيت سأل ربه ثلاثاً فأعطاه اثنتين، وأنا أرجو أن يكون قد أعطاه الثالثة، سأله ملكاً لا يبغي لأحد من بعده فأعطاه ذلك، وسأله حكماً أو علماً لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه ذلك، وسأله أن لا يأتي أحد هذا البيت فيصلي فيه إلا رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وأنا أرجو أن قد أعطاه ذلك.
وعن جابر بن عبد الله قال:
وجد في حكمة سليمان أن الله عزّ وجلّ كان مثّل لسليمان بناء ثلاثين ميلاً
في مثل حائط البيت، أرق من قشر البيض، وليس للبيت سقف، وله سبعون باباً على كل باب حاجب قائم، وكان الله عزّ وجلّ علم سليمان منطق الطير، وكان لا يقدر أحد من ولد آدم أو من بني الجان أو من دواب الأرض أو من هوام الأرض يدخ على سليمان حتى يستأذن سبعين حاجباً، وفي صدر البيت سرير من ذهب مكلل بالجوهر واللؤلؤ والمرجان، ووجه السرير مكلل باللؤلؤ والجوهر، وقوائمه مثل ذلك، والسرير سبعة أميال، وهو في السماء سبعة أميال، وعلى السرير سبعون فراشاً من ألوان السندس والإستبرق والديباج، وفي كل زاوية من زوايا السرير سبعون مرفقة على لون صاحبتها، وكل واحدة من ألوان شتى، وعن يمين السرير أسد من ذهب طوله سبعة أميال، وعن يسار السرير أسد من ذهب طوله سبعة أميال، وصدر الأسدين وقوائمهما مكلل باللؤلؤ والجوهر من ألوان شتى، وفي عين كل أسد ياقوتتان حمراوان يضيء البيت منهما، وخلف السرير صقر من ذهب إذا بسط جناحيه غطى السرير والأسدين، وإذا ضمهما كان قائماً جناحه مكلل بألوان الجوهر والدر، وعن يسار السرير عشرة آلاف كرسي من ذهب مكلل بألوان الدر والجواهر، وعلى الكراسي أحبار بني إسرائيل وعلماؤهم وألو الألباب من أهل الفهم والبصر والمعرفة بالله عزّ وجلّ، وخلف السرير ألف مسجد، في كل مسجد رجل قائم يضج إلى الله عزّ وجلّ ويضرع بالبكاء عليه المسوح لا يفترون، وبين يدي السرير سلم عارضته من ذهب وقوائمه من فضة، وكان سليمان إذا جلس على هذا المجلس يضطجع الناس سبعة أميال، فيكون خطما الأسدين مقابل خديه ومنقار الصقر مقابل أنفه. فإذا نشر جناحيه يضيء البيت طرائق من نور بين أحمر وأخضر وأصفر وألوان شتى، وكان الريح يدخل في الصقر فينشر جناحيه، فإذا أراد أن يضمهما خرجت الريح عنه، وكان سليمان إذا نظر بين يديه نظر للأسدين إلى جانبيه ونظر إلى منقار الصقر مقابل أنفه ونظر إلى بني إسرائيل وهم جلوس على الكراسي، فازداد لله رغبة وشوقاً، وإذا نظر إلى خلفه نظر إلى أولئك العباد وبكائهم، فازداد من الله رهبة وله خشية، فكان يسمي مجلسه ذلك مجلس رغبة ورهبة، وكان للبيت ألف ركن، يحمل كل ركن مئة ألف شيطان، وهم يعملون أعمالاً شتى. وكان سبعون ألف طير يظلون سقف ذلك البيت.
وعن خيثمة قال: قال سليمان بن داود لملك الموت: إذا أردت أن تقبض روحي فأعلمني، قال: ما أنا بأعلم بذلك منك، إنما هي كتب تلقى إلي فيها تسمية من يموت.
وعن الحسن أن سليمان لما فرغ من بناء بيت المقدس وأراد الله تعالى قبضه دخل المسجد فإذا أمامه في القبلة شجرة خضراء بين عينيه. فلما فرغ من صلاته تكلمت الشجرة فقالت: ألا تسألني ما أنا؟ فقال سليمان: ما أنت؟ قالت: أنا شجرة كذا وكذا دواء كذا من داء كذا، فأمر سليمان بقطعها. فلما كان من الغد فإذا بمثلها قد نبتت، فسألها سليمان فقال: ما أنت؟ قالت أنا شجرة كذا وكذا دواء كذا من داء كذا، فأمر بقطعها. فكان كل يوم إذا دخل المسجد يرى شجرة قد نبتت، فيسألها فتخبره، فوضع عند ذلك كتاب الطب حتى وضعوا الطب وكتبوا الأدوية وأسماء الشجر التي نبتت في المسجد، فلما فرغ من ذلك نبتت شجرة فدخل المسجد. فلما صلى قال لها: ما أنت؟ قالت: أنا الخرنوب قال: وما الخرنوب؟ قالت: لا أنبت في بيت غلا كان سريعاً خرابه، فقال سليمان: الآن قد علمت، إن الله قد أذن في خراب هذا المسجد وذهاب هذا الملك، فقطع سليمان تلك الشجرة فاتخذ منها عصاً يتوكأ عليها، فكانت تلك منسأته.
وكان سليمان يتعبد في كل سنة أربعين يوماً لا يخرج من محرابه إلى الناس عدة الأيام التي كلم الله تعالى موسى وعدة أيام توبة داود النبي صلى الله على نبينا وعليهم وسلم، فكان يلبس الصوف ويصوم ويقوم في محرابه، فيصف بين رجليه، وربما اتكأ على عصاه يواصل فيها الصوم، ثم يخرج بعد الأربعين. فلما افتنن وغفر الله له، ورد عليه ملكه اجتهد في العبادة، فكان يتعبد كل سنة ثمانين يوماً، فلما أراد الله قبضه دخل محرابه فقام يصلي واتكأ على عصاه، فبعث الله ملك الموت، فقبض روحه، فبقي سنة على عصاه، فانتظره الناس ثمانين يوماً فلم يخرج فقالوا: قد اجتهد في العبادة، إنه كان مدتهاً أربعين يوماً، ثم زاد حتى بلغ ثمانين يوماً فلم يخرج، وإنه قد اجتهد أيضاً فكانوا لا يعلمون بموته، لا الجن ولا الإنس، وكانت الجن والشياطين متفرقين في أصناف الأعمال وليس أحد يعلم بموته حتى سلط الله الأرَضَة على عصاه التي كان يتوكأ عليها فأكلتها فوقع سليمان والعصا فذلك قول الله عزّ
وجلّ: " فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته " يعني عصاه " فلما خرّ تبينت الجن " أنه ميت " أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ".
وفي رواية أخرى أن سليمان قال: اللهم، عمّ على الجن موتي حتى يعلم الإنس أن الجن كانوا لا يعلمون الغيب. فلما أكلتها الأرضة وتبينوا موته شكرت الجن ذلك للأرضة، فأينما كانوا يأتونها بالماء حيث تبني شكراً لما صنعت بعصا سليمان.
وفي رواية: وقدروا مقدار أكلها للعصا فكان سنة.
وقوله تعالى: " وإن عندنا لزلفى وحسن مآب " قال: يُسقي شربة يوم القيامة في الموقف على رؤوس الخلائق.
وقيل: لا يزال يدنيه ويدنيه حتى يمس بعضه.
وعن عبيد بن عمير: " وإن له عندنا لزلفى ". قال: ذكر الدنو منه يوم القيامة حتى ذكر أنه يمس بعضه. هذا في حق داود عليه السلام لأنه يوافي القيامة خائفاً من ذنبه، فيؤمنه الله بإكرامه بقربه. وقد روي أنه يدنيه حتى يلصق بقائمة من قوائم عرشه فحينئذ يأمن من أليم بطشه.
وعن الزهري وغيره: أن سليمان عاش اثنتين وخمسين سنة، وكان ملكه أربعين سنة.
وعن ابن عباس: أن ملكه عاش عشرين سنة. والله أعلم.