Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=69836&book=5528#b060af
أبو هريرة الدوسي
صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اختلف في اسمه اختلافاً كثيراً. كان اسمه في الجاهلية عبد شمس بن صخر، وكنيته أبو الأسود. فسماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله، وكناه بأبي هريرة. وقيل: سمي في الإسلام عبد الرحمن. وإنما كني بأبي هريرة لأنه كان يرعى غنماً لأبيه فوجد أولاد هرة. قال: فجعلتها في كمي، فلما أرحت عليه غنمه سمع أصوات هر في صفتي فقال: ما هذا يا عبد شمس؟ فقلت: أولاد هر وجدتها. قال: فأنت أبو هريرة. فلزمتني. وكان وسيطاً في دوس، حيث يحب أن يكون منهم. وقيل: إنه لما أسلم سمي عبد الله بن عامر بن عبد البشر، والبشر: صنم كان بأرضهم. ويقال: كان اسمه عبد نهم، وعبد غنم، ويقال: سكين ويقال: جرثوم. ويقال: عبد العزى، وقيل: سكين بن وذمة، قيل ابن مل. وقيل: ابن هانئ، وفيه اختلاف. شهد اليرموك، وقدم دمشق في خلافة معاوية، وحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، ولا اللقمة ولا اللقمتان، ولكن المسكين الذي لا يسأل الناس شيئاً، ولا يفطن بمكانه فيعطى.
وحدث أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال الله عز وجل: الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي. والصوم جنة، وللصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى الله، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. وحدث أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل. وعن أبي هريرة أنه قال في بيت أم الدرداء: ثلاث هن كفر: النياحة، وشق الجيب، والطعن في النسب. وكان أبو هريرة قاضياً بالمدينة. وقيل: كان اسمه سعد بن الحارث. وقيل: كان اسمه عبد ياليل، وقيل: برير بن عشرقة، وقيل: عبد تيم. وكان ينزل ذا الحليفة، وله دار بالمدينة تصدق بها على مواليه، فباعوها بعد ذلك من عمر بن بزيع. وكان سعد بن صفيح خال أبي هريرة من أشد أهل زمانه، فكان لا يأخذ أحداً من قريش إلا قتله بأبي أزيهر الدوسي. وكان أبو هريرة من أحفظ أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وألزمهم له. وروى عنه: ابن عباس وأنس بن مالك وابن عمر وواثلة بن الأسقع في ثمان مئة رجل أو أكثر من أهل العلم، من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. صحبه على شبع بطنه، فكان يده مع يده، يدور معه حيثما دار، إلى أن مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان من أحفظ الصحابة لأخبار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآثاره. دعا له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن يحببه إلى المؤمنين من عباده.
كان إسلامه بين الحديبية وخيبر. قدم المدينة مهاجراً وأسلم والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر، فشهد فتح خيبر ولم يسهم له، سكن الصفة، ولم يشتغل بالصفق في الأسواق، ولا بغرس الودي، وقطع الأعذاق. لزم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث سنين، مختاراً العدم، وكان يشهد إذا غابوا، ويتحفظ إذا نسوا بسط نمرته للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أفرغ فيها من حديثه فجمعها إلى صدره. فصار للعلوم واعياً، ومن الهموم خالياً. كان من الذاكرين لله كثيراً. قال محمد بن قيس: كان أبو هريرة يقول: لا تكنوني أبا هريرة، كناني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا هر. قال: ثكلتك أمك أبا هر. والذكر خير من الأنثى. قال ابن خثيم لعبد الرحمن: صف لي أبا هريرة فقال: رجل آدم، بعيد ما بين المنكبين، ذو ضفيرتين، أفرق الثنيتين. قال قرة بن خالد: قلت لمحمد بن سيرين: أكان أبو هريرة مخشوشناً؟ قال: لا، بل كان ليناً. قلت: فما كان ثوبه؟ قال: كان أبيض. قلت: هل كان يخضب؟ قال: نعم، نحو ما ترى. وأهوى محمد بيده إلى لحيته وهو حمراء. قلت: فما كان لباسه؟ قال: نحو ما ترى. قال: وعلى محمد ثوبان ممشقان من كتان. قال: وتمخط يوماً فقال: بخ بخ، أبو هريرة يتمخط في الكتان؟! وعن أبي العالية قال: لما أيلم أبو هريرة قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ممن أنت؟ قال: من دوس. فوضع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده على جبينه ثم نفضها وقال: ما كنت أرى من دوس أحداً فيه خير. وعن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستخلف سباع بن عرفطة على المدينة. قال أبو هريرة:
وقدمت المدينة مهاجراً، فصليت الصبح وراء سباع، فقرأ في السجدة الأولى سورة مريم، وفي الآخرة " ويل للمطففين " فقال أبو هريرة: فقلت: ويل لأبي فل؛ لرجل كان بأرض الأزد، وكان له مكيالان: مكيال يكتال به لنفسه، ومكيال يبخس به الناس. قال قيس: أتينا أبا هريرة نسلم عليه. فقلنا له: حدثنا ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول، قال: صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث سنين، فما كانت سنوات قط أعقل منهن ولا أحب إلي أن أعي ما يقول فيهن الحديث. وعن أبي هريرة قال: لقد رأيتني وأنا أصرع بين القبر والمنبر حتى يقول الناس: مجنون، وما بي جنون، إن هو إلا الجوع. وعن أبي هريرة قال: كنت في الصفة يعني من أصحاب الصفة فبعث إلينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتمر عجوة. فكنا نقرن التمرتين من الجوع. فكان أحدنا إذا قرن يقول لصاحبه:
إني قد قرنت فاقرنوا. وعن أبي هريرة قال: كان أهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون على أهل ولا مال، ووالله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر بي أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله، وما أسأله إلا ليستتبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر عمر، فسألته عن آية من كتاب الله، ما أسأله إلا ليستتبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر أبو القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتبسم حين رآني وقال: أبا هر! فقلت: لبيك يا رسول الله، فقال: الحق. ومضى فاتبعته، ودخل منزله، فاستأذنت فأذن لي، فوجد لبناً في قدح. فقال: من أين هذا اللبن لكم؟ فقيل: أهداه لنا فلان. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبا هر، قلت: لبيك يا رسول الله. قال: الحق إلى أهل
الصفة فادعهم لي وهم أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل ولا مال، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئاً، وإذا أتته هدية أرسل إليهم فأصاب منها وأشركهم فيها فساءني ذلك وقلت: هذا القدح بين أهل الصفة، وأنا رسوله إليهم، فسيأمرني أن لأدور به عليهم، فما عسى أن يصيبني منه، وقد كنت أرجو أن أصيب منه ما يغنيني؟! ولم يكن بد من طاعة الله وطاعة رسوله، فأتيتهم فدعوتهم، فلما دخلوا عليه، فأخذوا مجالسهم قال: أبا هر، خذ القدح فأعطهم، فأخذت القدح، فجعلت أناوله الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرده، فأناوله الآخر حتى انتهيت به إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد روي القوم كلهم فأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القدح، فوضعه على يده، ثم رفع رأسه إلي فتبسم وقال: أبا هر. فقلت: لبيك يا رسول الله. فقال: اقعد واشرب. فشربت. ثم قال: اشرب فشربت ثم قال: اشرب. فلم أزل أشرب، ويقول: اشرب، حتى قلت: والذي بعثك بالحق، ما أجد له مسلكاً. فأخذ القدح، فحمد الله وسمى وشرب. وعن أبي هريرة قال: كنت من أصحاب الصفة، فظللت صائماً، فأمسيت وأنا أشتكي بطني، فانطلقت لأقضي حاجتي، فجئت وقد أكل الطعام وكان أغنياء قريش يبعثون بالطعام إلى أهل الصفة فقلت: إلى من؟ فقلت: إلى عمر بن الخطاب، فأتيته وهو يسبح بعد الصلاة، فانتظرته، فلما انصرف دنوت منه فقلت: أقرئني وما أريد إلا الطعام قال: فأقرأني آيات من سورة آل عمران، فلما بلغ أهله دخل وتركني على الباب، فأبطأ. فقلت: ينزع ثيابه، ثم يأمر لي بطعام، فلم أر شيئاً، فلما طال علي قمت فمشيت، فاستقبلني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكلمني فقال: يا أبا هر، إن خلوف فيك شديد. فقلت: أجل يا رسول الله، لقد ظللت صائماً وما أفطرت بعد، وما أجد ما أفطر عليه. قال: فانطلق. فانطلقت معه، حتى أتى بيته، فدعا جارية له سوداء فقال: ائتنا بتلك القصعة، فأتتنا بقصعة فيها وضر من طعام أراه شعيراً قد أكل فبقي في جوانبها بعضه وهو يسير. فسميت وجعلت أتتبعه، فأكلت حتى شبعت.
قال أبو هريرة: خرجت يوماً من بيتي إلى المسجد لم يخرجني إلا الجوع، فوجدت نفراً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يا أبا هريرة، ما أخرجك هذه الساعة؟ فقلت: ما أخرجني إلا الجوع. فقالوا: ونحن والله ما أخرجنا إلا الجوع، فقمنا فدخلنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما جاء بكم هذه الساعة؟ فقلنا: يا رسول الله، جاء بنا الجوع. قال: فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بطبق فيه تمر، فأعطى كل رجل منا تمرتين فقال: كلوا هاتين التمرتين، واشربوا عليهما من الماء، فإنهما سيجزيانكم يومكم هذا. فأكلت، وجعلت تمرة في حجري، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا هريرة، لم رفعت هذه التمرة؟ فقلت: رفعتها لأمي. فقال: كلها، فإنا سنعطيك لها تمرتين، فأكلتها، فأعطاني لها تمرتين.
قال أبو هريرة: أصابني جهد شديد، فلقيت عمر بن الخطاب، فاستقرأته آية من كتاب الله عز وجل فدخل داره وقنحها علي، قال: فمشيت غير بعيد، فخررت لوجهي من الجهد، فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائم على رأسي فقال: يا أبا هريرة. فقلت: لبيك يا رسول الله وسعديك قال: فأخذ بيدي فأقامني وعرف الذي بي، فانطلق بي إلى رحله، فأمر لي بعس من لبن، فشربت منه، ثم قال: عد يا أبا هريرة، فعدت، فشربت منه، ثم قال: عد يا أبا هريرة. فعدت فشربت حتى استوى بطني فصار كالقدح. قال: ورأيت عمر فذكرت له الذي كان من أمري. فقلت له: ولى الله من كان أحق به منك يا عمر، والله لقد استقرأتك الآيات، ولأنا أقرأ لها منك. قال عمر: والله لأن أكون قد أدخلتك أحب إلي من أن تكون لي حمر النعم.
حدث أبو هريرة أنه أتى عليه ثلاثة أيام ولياليهن صائماً لا يقدر على شيء فانصرفت وراء أبي بكر، فسألني: كيف أنت يا أبا هريرة؟ فانصرفت وعلمت أنه ليس عنده شيء. قال: ثم انصرفت وراء عمر عشاءً فسألني: كيف أنت يا أبا هريرة؟ فانصرفت وعلمت أنه
ليس عنده شيء. ثم انصرفت وراء علي عشاء بعد المغرب وقال: أدلك يا أبا هريرة. فقال: فأي فرح فرحت قال: فقال علي: يا بنت رسول الله اطوي بطنك الليلة، فإن عندنا ضيفاً. قال: فجاء بخبزتين مثل هاتين، وأشار بيده روح من أطراف الأصابع إلى نصف الكف. قال: وقام علي إلى المصباح كأنه يصلحه فأطفأه، وحركا أفواههما وليس يأكلان شيئاً. قال: فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هل من شيء؟ قال: فخرج من تحت فخذها مزوداً مثل تيه وقال بكفه هذا من أطراف أصابعه إلى أصل الكف، وفيه كف من سويق وخمس تمرات فأكلتهن ولم يقعن مني موقعاً. قال أبو كثير: حدثني أبو هريرة وقال: والله ما خلق الله مؤمناً يسمع بي ولا يراني إلا أحبني. قلت: وما أعلمك بذلك يا أبا هريرة؟ قال: إن أمي كانت امرأة مشركة، وإني كنت أدعوها إلى الإسلام، وكانت تأبى علي، فدعوتها يوماً فأسمعتني في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أكره، فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أبكي فقلت: يا رسول الله، إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فكانت تأبى علي، وإني دعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم اهد أم أبي هريرة. فخرجت أعدو لأبشرها بدعاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما أتيت الباب إذا هو مجاف وسمعت خضخضة الماء، وسمعت خشف رجل يعني وقعها فقالت: يا أبا هريرة كما أنت، ثم فتحت الباب وقد لبست درعها وعجلت عن مارها. فقالت: إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله. فرجعت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبكي من الفرح كما بكيت من الحزن. فقلت: يا رسول الله، أبشر فقد استجاب الله دعاءك فقد هدى أم أبي هريرة. فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يحببني وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم، حبب عبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحببهم
إليهما. فما خلق الله من مؤمن يسمع بي ولا يراني أو يرى أمي إلا وهو يحبني. وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إنما محمد بشر، أغضب كما يغضب البشر، وإني قد اتخذت عندك عهداً لن تخلفنيه، فأيما رجل من المسلمين آذيته أو شتمته أو جلدته، فاجعلها له قربة تقربه بها عندك يوم القيامة. قال أبو هريرة: لقد رفع علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً الدرة ليضربني بها، لأن يكون ضربني بها أحب إلي من حمر النعم، ذلك بأني أرجو أن أكون مؤمناً وأن تستجاب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعوته. حدث رجل من الطفاوة قال: نزلت على أبي هريرة قال: ولم أدرك من صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً أشد تشميراً، ولا أقوم على ضيف منه، فبينا أنا عنده وهو على سريرٍ له، وأسفل منه جارية سوداء، ومعه كيس فيه حصى أو نوى يقول: سبحان الله، سبحان الله. حتى إذا أنفد ما في الكيس ألقاه إليها فجمعته فجعلته في الكيس ثم دفعته إليه فقال لي: ألا أحدثك عني وعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلت: بلى قال: فإني بينما أنا أوعك في مسجد المدينة إذ دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد فقال: من أحس الفتى الدوسي؟ من أحس الفتى الدوسي؟ فقال: له قائل:
هو ذاك، يوعك في جانب المسجد حيث ترى يا رسول الله. فجاء، فوضع يده علي وقال لي معروفاً. فقمت، وانطلق حتى قام في مقامه الذي يصلي فيه، ومعه يومئذٍ صفان من رجال، فأقبل عليهم فقال: إن نساني الشيطان شيئاً من صلاتي، فليسبح القوم، وليصفق النساء، فصلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم ينس من صلاته شيئاً. فلما سلم أقبل عليهم بوجهه فقال: مجالسكم، هل فيكم الرجل إذا أتى أهله أغلق بابه وأرخى ستره، ثم يخرج فيحدث فيقول: فعلت بأهلي كذا، وفعلت بأهلي كذا؟ فسكتوا، فأقبل على النساء
فقال: هل منكن من تحدث؟ فجثت فتاة كعاب على إحدى ركبتيها، وتطاولت ليراها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويسمع كلامها، فقالت: إي والله، إنهم ليتحدثون، وإنهن ليتحدثن. قال: فهل تدرون ما مثل من فعل ذلك؟ إن مثل من فعل ذلك مثل شيطان وشيطانة لقي أحدهما صاحبه بالسكة، فقضى حاجته منها والناس ينظرون إليه. ثم قال: ألا لا يفضين رجل إلى رجل، ولا امرأة إلى امرأة، إلا إلى ولد أو والد. قال: وذكر ثالثة فنسيتها. ألا إن طيب الرجال ما وجد ريحه ولم يظهر لونه، ألا إن طيب النساء ما ظهر لونه ولم يوجد ريحه. وعن أبي هريرة قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع العلاء بن الحضرمي، فأوصاه بي خيراً، فلما فصلنا قال لي: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أوصاني بك خيراً، فانظر ماذا تحب؟ قال: قلت: تجعلني أؤذن لك، ولا تسبقني بآمين. قال: فأعطاه ذلك. وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تسألني من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك؟ فقلت: أسألك أن تعلمني مما علمك الله. قال: فنزع نمرة على ظهري فبسطها بيني وبينه حتى كأني أنظر إلى القمل يدب عليها فحدثني، حتى إذا استوعبت حديثه قال: اجمعها، فصرها إليك. فأصبحت لا أسقط حرفاً مما حدثني. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من رجل تعلم كلمة أو كلمتين أو ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً مما فرض الله ورسوله، فيتعلمهن ويعلمهن إلا دخل الجنة. قال أبو هريرة: فما نسيت حديثاً بعد إذ سمعتهن من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي حديث بمعناه: وبسطت ثوبي، وجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدث حتى انقضى حديثه، فضممت ثوبي إلى صدري. قال: فإني لأرجو أن أكون لم أنس حديثاً سمعته منه.
وعن أبي هريرة قال: إنكم تقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتقولون: ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل حديث أبي هريرة؟! وإن إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وكان يشغل إخواني من الأنصار عمل أموالهم، وكنت امرأ مسكيناً من مساكين الصفة، ألزم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ما في بطني، فأحضر حين يغيبون، وأعي حين ينسون. وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث يحدثه يوماً: إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي جميع مقالتي، ثم يجمع إليه ثوبه إلى وعى ما أقول. فبسطت نمرة علي حتى إذا قضى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقالته جمعتها إلى صدري، فما نسيت من مقالة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك من شيء.
وعن أبي هريرة قال: قلت: يا رسول الله، إني أسمع منك أحاديث كثيرة فأنساها. قال: ابسط رداءك. فبسطته فغرف يديه فيه، فما نسيت بعد. وفي حديث بمعناه: وإنه حدثنا يوماً فقال: من يبسط ثوبه حتى أقضي مقالتي ثم قبضه إليه، لم ينس شيئاً مما سمعه مني أبداً. ففعلت، فوالذي بعثه بالحق ما نسيت شيئاً سمعته منه. وعن عطاء أنه سمع أبا هريرة، والناس يسألونه يقول: لولا آية أنزلت في سورة البقرة ما أخبرت من شيء، لولا آية قال: " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ". جاء رجل زيد بن ثابت فسأله عن شيء فقال: عليك بأبي هريرة. قال:
بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحن ندعو الله ونذكر ربنا فجلس إلينا فسكتنا فقال: عودوا للذي كنتم فيه. قال: فدعوت أنا وصاحبي قبل أبي هريرة، فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤمن على دعائنا، ثم دعا أبو هريرة فقال: اللهم إني أسألك
ما سأل صاحباي هذان، وأسألك علماً لا ينسى، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آمين. فقلنا: يا رسول الله، ونحن نسأل الله علماً لا ينسى. فقال: سبقكما الغلام الدوسي. وعن أبي هريرة أنه قال: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: لقد ظننت يا أبا هريرة، لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، إن أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قبل نفسه. قال أبي بن كعب: كان أبو هريرة جريئاً على أن يسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أشياء لا يسأله عنها غيره. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا هريرة، كن ورعاً تكن من أعبد الناس، وكن قنعاً تكن من أغنى الناس، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلماً، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمناً، وإياك وكثرة الضحك فإن ذلك يقسي القلب يا أبا هريرة. جاء أبو هريرة فسلم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعوده في شكواه، فأذن له، فدخل عليه فسلم وهو قائم، فوجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متسانداً إلى صدر علي، وقد مال علي بيده على صدره، ضامه إليه، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باسط رجليه فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادن يا أبا هريرة. فدنا، ثم قال: ادن. فدنا حتى مس أطراف أصابع أبي هريرة أطراف أصابع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم قال له: اجلس يا أبا هريرة، فجلس. فقال له: ادن مني طرف ثوبك. فمد أبو هريرة ثوبه. فأمسكه بيده ففتحه وأدناه من وجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أوصيك يا أبا هريرة، خصال لا تدعهن ما بقيت قال: نعم، أوصني بما شئت. قال له: عليك بالغسل يوم الجمعة، والبكور إليها، ولا تلغ ولا تله. أوصيك بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، فإنه صيام الدهر، وأوصيك بركعتي الفجر، لا تدعهما وإن صليت الليل كله، فإن فيهما الرغائب قالها ثلاثاً ضم إليك ثوبك. فضم ثوبه إلى صدره.
فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي أسر هذا أم أعلنه؟ قال: بل أعلنه يا أبا هريرة. قال ثلاثاً. وعن أبي هريرة أنه قال: حفظت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعاءين، فأما أحدهما فبثثته في الناس، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم. وفي حديث آخر: ثلاث جرب حديث، أخرجت منها رابين، ولو أخرجت الثالث خرجتم علي بالحجارة. قال أبو هريرة: لو حدثت الناس بما أعلم لرموني بالخزق: وقالوا: مجنون. الخزق: بالزاي والقاف. وعن محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم أنه قعد في مجلس فيه أبو هريرة، وفيه مشيخة من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثير: بضعة عشر رجلاً، فجعل أبو هريرة يحدثهم عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحديث فلا يعرفه بعضهم ثم يتراجعون فيه، فيعرفه بعضهم. ثم يحدثهم الحديث فلا يعرفه بعضهم ثم يعرفه، حتى فعل ذلك مراراً. قال: فعرفت يومئذٍ أن أبا هريرة أحفظ الناس عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن أبي صالح قال: أبو هريرة لم يكن بأفضلهم، ولكنه كان رجلاً حافظاً.
كان أبو هريرة يقول: رب كيسٍ عند أبي هريرة لم يفتحه. يعني من العلم. وعن سعيد بن أبي الحسن قال: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر حديثاً من أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن مروان زمن هو على المدينة أراد أن يكتب حديثه كله، فأبى وقال: ارو كما روينا، فلما أبى عليه تغفله وأقعد له كاتباً لقناً ثقفاً، ودعاه، فجعل أبو هريرة يحدثه، ويكتب الكاتب حتى استفرغ حديثه أجمع، ثم قال مروان: تعلم أنا قد كتبنا
حديثك أجمع؟ قال: وقد فعلت!! قال: نعم. قال: فاقرؤوه علي. فقرؤوه، فقال أبو هريرة:
أما إنكم قد حفظتم، وإن تطعني تمحه. قال: فمحاه. قال أبو الزعيزعة؛ كاتب مروان بن الحكم: إن مروان دعا أبا هريرة فأقعده خلف السرير، فجعل يسأله وجعلت أكتب، حتى إذا كان عند رأس الحول دعا به فأقعده من وراء حجاب، فجعل يسأله عن ذلك الكتاب، فما زاد ولا نقص ولا قدم ولا أخر. وفي آخر بمعناه: فما غير حرفاً عن حرف. قال الشافعي رحمه الله: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره. وعن مكحول قال: تواعد الناس ليلة من الليالي قبة من قباب معاوية، فاجتمعوا فيها، فقام فيهم أبو هريرة يحدثهم عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أصبح. جاء أبو هريرة إلى كعب يسأل عنه وكعب في القوم فقال كعب: ما تريد منه؟ فقال: أما وإني لا أعرف أحداً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكون أحفظ لحديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مني. فقال كعب: أما إنك لم تجد طالب شيء إلا سيشبع منه يوماً من الدهر إلا طالب علم أو طالب دنيا. فقال: أنت كعب؟ فقال: نعم. فقال: لمثل هذا جئتك. وعن أبي هريرة قال: ما من أحد من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر حديثاً عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو؛ فإنه كان يكتب وكنت لا أكتب. وقال أبو هريرة: إن أبا هريرة لا يكتم ولا يكتب. حدث عبيد الله بن أبي جعفر عن زوج أمه أنه قال لأبي هريرة: كيف حديث كنت حدثتنيه في كذا وكذا؟ قال أبو هريرة: ما أذكر أني حدثتك هذا، فانطلق إلى البيت، فإني لا أحدث حديثاً إلا هو عندي مكتوب. فانطلقت معه، فأخرج صحيفة صغيرة فيها ذلك الحديث وحده.
قال: وجه الجمع بين هذه الحكاية والتي قبلها، أن أبا هريرة كان لا يكتب في حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويتكل على حفظه، لما خصه به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بسط ردائه كما تقدم. ثم كتب بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما كان حفظه عنه، ولولا أنه كان مكتوباً عنده لم يمكنه تقديره بوعاءين وثلاث جرب كما تقدم. أتى أبو هريرة كعباً، فجعل يحدثه ويسائله. فقال كعب: ما رأيت أحداً لم يقرأ التوراة أعلم بما في التوراة من أبي هريرة. وعن عمر بن الخطاب أنه قال لأبي هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو لألحقنك بأرض دوس! وقال لكعب: لتتركن الحديث أو لألحقنك بأرض القردة. وكان أبو هريرة يقول: إني لأحدث أحاديث لو تكلمت بها في زمان عمر أو عند عمر لشج رأسي. وقال أبو هريرة: ما كنا نستطيع أن نقول قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قبض عمر. قال أبو سلمة: فسألته بم؟ قال: كنا نخاف السياط. وأومأ بيده إلى ظهره. وعن أبي هريرة قال: اتهمني عمر بن الخطاب قال: إنك تحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لم تسمع منه. هل كنت معنا يوم كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دار فلان؟ قال أبو هريرة: نعم، قد علمت لأي شيء تسألني، لأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يومئذٍ: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. فقال عمر: حدث الآن عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما شئت. وعن سعيد المقبري قال: يقول الناس أكثر أبو هريرة، فلقيت رجلاً فقلت له: بأي سورة قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البارحة في العتمة؟ فقال: لا أدري. فقلت: ألم تشهدها؟ قال: بلى. قلت: ولكني أدري. قال أبو هريرة: قرأ بسورة كذا وكذا.
كان أبو هريرة إذا مر بالسوق قال: أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبو هريرة. أيها الناس، إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. فدعوا أبا هريرة يتبوأ مقعده من النار إن هو كذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الشعبي: حدث أبو هريرة، فرد عليه سعد، فتواثبا حتى قامت الحجزة، وأرتجت الأبواب بينهما. وعن نافع قال: قيل لابن عمر: إن أبا هريرة يقول: من تبع جنازة فله قيراط من الأجر. فقال ابن عمر: لقد فرطنا في قراريط كثيرة.
وعن ابن عمر أنه مر بأبي هريرة وهو يحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:
من تبع جنازة فصلى عليها فله قيراط، فإن شهد دفنها فله قيراطان، القيراط أعظم من أحد. فقال له ابن عمر: أبا هر، انظر ما تحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فقام إليه أبو هريرة حتى انطلق به إلى عائشة فقال لها: يا أم المؤمنين، أنشدك الله، أسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من تبع جنازة فصلى عليها فله قيراط، فإن شهد دفنها فله قيراطان؟ فقالت: اللهم نعم. فقال أبو هريرة: إنه لم يكن يشغلني عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غرس الودي، ولا صفق بالأسواق، إني إنما كنت أطلب من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلمة يعلمنيها أو أكلة يطعمنيها. فقال له ابن عمر: أنت يا أبا هر كنت ألزمنا لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأعلمنا بحديثه. وعن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من امسك كلباً إلا كلباً ضارباً أو كلب ماشية فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراط. فقيل له: إن أبا هريرة يقول: أو كلب زرع، قال: إن أبا هريرة رجل زراع.
قول ابن عمر هذا لم يرد به التهمة لأبي هريرة، وإنما أراد أن أبا هريرة حفظ ذلك لأنه كان صاحب زرع، وصاحب الحاجة أحفظ لها من غيره، ولم يخرج ابن عمر هذا مخرج الطعن على أبي هريرة، ولا ظن به التزيد في الرواية لحاجته كانت إلى حراسة الزرع، ولم يذكره إلا تصديقاً لقول أبي هريرة وتحقيقاً له. والدليل على صحة ذلك فتيا ابن عمر بإباحة اقتناء كلب الزرع بعد ما بلغه خبر أبي هريرة. وأتى ابن عمر فرأى كلباً فقال: لمن هذا الكلب؟ فقيل: لامرأتين. قال: لضرع أو لزرع؟ قال: ليس لشيء منهما. قال: مرهما فليقتلاه.
وقد روى عبد الله بن معقل، وسفيان بن أبي زهير عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إباحة اقتناء كلب الزرع كما رواه أبو هريرة. كان ابن عمر إذا سمع أبا هريرة يتكلم قال: إنا نعرف ما يقول أبو هريرة، ولكننا نجبن ويجترئ. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع عن يمينه. فقال له مروان بن الحكم: أما يكفي أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع؟! قال: لا، فبلغ ذلك ابن عمر فقال: أكثر أبو هريرة. فقيل لابن عمر: هل تنكر مما يقول شيئاً؟ قال: لا، ولكنه اجترأ وجبنا. فبلغ ذلك أبا هريرة فقال: ما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا. وعن علقمة قال: كنا عند عائشة فدخل أبو هريرة فقالت: أنت الذي يحدث أن امرأة عذبت في هرة، ربطتها فلم تطعمها ولم تسقها؟ فقال: سمعته منه يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقالت: هل تدري ما كانت المرأة؟ إن المرأة مع ذلك كانت كافرة، وإن المؤمن أكرم على الله من أن يعذبه في هرة، فإذا حدثت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فانظر كيف تحدث. وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً ودماً خير له من أن يمتلئ شعراً.
قالت عائشة: لم يحفظ الحديث، إنما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً ودماً خير من أن يمتلئ شعراً هجيت به. قال نافع: كنت مع ابن عمر في جنازة أبي هريرة وهو يمشي أمامها، ويكثر الترحم عليه، ويقول: كان ممن يحفظ حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المسلمين. وعن عمرو قال: قال لي طاوس: امش حتى نجالس الناس. قال: فنجلس إلى رجل يقال له بشير بن كعب العدوي فقال طاوس: رأيت هذا يجلس إلى ابن عباس فيحدث، فقال ابن عباس: كأني أسمع حديث أبي هريرة. قال: لعل ابن عباس إنما شبه حديث بشير بحديث أبي هريرة في الإكثار. وقد روى ابن عباس وطاوس عن أبي هريرة، ولو كان عندهما متهماً لم يرويا عنه. وعن عروة بن الزبير أن عائشة قالت: ألا يعجبك أبو هريرة؟ جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يسمعني ذلك، وكنت أسبح فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يسرد الحديث كسردكم. وعن أبي حسان أن رجلين من بني عامر دخلا على عائشة فقالا لها: إن أبا هريرة يقول: إن الطيرة في الدار والمرأة والفرس. فغضبت من ذلك غضباً شديداً، وطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض فقالت:
كذب والذي أنزل الفرقان على أبي القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قاله. إنما قال: كان أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك. قال الإمام أبو بكر: يشبه أن تكون أم المؤمنين رضي الله عنها إنما أرادت بقولها كذب؛ إن كان
قال ما حكيتما عنه. وقد قال العامريان على أبي هريرة الباطل، لم يقل أبو هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الطيرة فيما ذكرا، بل الأخبار متواترة عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا عدوى ولا طيرة. والعامريان لا ندري من هما، ومن المحال أن يحتج برواية رجلين مجهولين، فنرد أخبار قوم ثقات حفاظ إلا أن يكون العامريان حكيا عن أبي هريرة أنه قال: الطيرة في المرأة والفرس والدار على ما تأولت الخبر في إيقاع اسم الطير على الفأل، كخبر سعد بن أبي وقاص، فلم يفهم العامريان عنه ما أراد بذكر الطيرة، ولم يعلما أنه أراد بالطير الفأل، فحكيا عنه لفظة أو همت الخطأ على من سمع اللفظة، ولم يعلم معناها. أو تكون حكاية العامريين عن أبي هريرة رويت عل ما ذكرت في كتاب النكاح إخباراً عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن الشؤم في ثلاث، على إضمار شيء وحذف كلمة، لا على إثبات الشؤم في هذه الثلاث. وعن عائشة أنها قالت لأبي هريرة: إنك تحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشياء ما سمعتها منه. فقال لها مجيباً: إنه كان يشغلك عن تلك الأحاديث المرآة والمكحلة. دخل أبو هريرة على عائشة فقالت له: أكثرت الحديث يا أبا هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: والله يا أمتاه ما كانت تشغلني عنه المكحلة ولا المرآة ولا الدهن وفي رواية والخضاب. فقالت: لعله.
أتى رجل من قريش أبا هريرة في حلة يتبختر فيها فقال: يا أبا هريرة، إنك تكثر الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهل سمعته يقول في حلتي هذه شيئاً؟ قال: والله إنكم لتؤذوننا، ولولا ما أخذ الله على أهل الكتاب " ليبيننه للناس ولا يكتمونه " ما حدثتكم بشيء. سمعنا أبا القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن رجلاً ممن كان قبلكم بينا هو يتبختر في حلة إذ خسف به الأرض، فهو يتجلجل فيها حتى تقوم الساعة. فوالله ما أدري لعله كان من قومك أو من رهطك. قال أبو يعلى: أنا أشك.
قال أبو الوليد بن رباح: سمعت أبا هريرة يقول لمروان: والله ما أنت والٍ، وإن الوالي لغيرك فدعه يعني: حين أرادوا أن يدفن الحسن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكنك تدخل فيما لا يعنيك، إنما تريد بهذه إرضاء من هو غائب عنك يعني معاوية. قال: فأقبل عليه مروان مغضباً فقال له: يا أبا هريرة، إن الناس قد قالوا: أكثر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديث، وإنما قدم قبل وفاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيسير. فقال أبو هريرة: قدمت ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر سنة سبع، وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين سنة سنوات، وأقمت معه حتى توفي، أدور معه في بيوت نسائه وأخدمه، وأنا يومئذ مقل، وأصلي خلفه، وأغزو وأحج معه؛ فكنت أعلم الناس بحديثه، قد والله سبقني قوم بصحبته والهجرة من قريش والأنصار، فكانوا يعرفون لزومي له فيسألوني عن حديثه، منهم: عمر بن الخطاب وهدي عمر هدي عمر ومنهم عثمان وعلي والزبير وطلحة، ولا والله ما يخفي علي كل حديث كان بالمدينة، وكل من أحب الله ورسوله، وكل من كانت له عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منزلة، وكل صاحب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان أبو بكر صاحبه في الغار، وغيره قد أخرجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة أن يساكنه، فليسألني أبو عبد الملك عن هذا وأشباهه فإنه يجد عندي منه علماً كثيراً جماً. قال: فوالله إن زال مروان يقصر عنه عن هذا الوجه بعد ذلك ويتقيه ويخاف جوابه، ويحب على ذلك أن ينال من أبي هريرة ولا يكون منه بسبب، يفرق من أن يبلغ أبا هريرة وأن مروان كان من هذا بسبب فيعود له بمثل هذا، فكف عنه. قال عروة بن الزبير: قال لي أبي الزبير بن العوام: أدنني من هذا اليماني، يعني أبا هريرة، فإنه يكثر الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأدنيته منه، فجعل أبو هريرة يحدث، فجعل الزبير يقول: صدق كذب، صدق كذب. قال: قلت: يا أبه، ما قولك صدق كذب؟ قال: يا بني، إما أن يكون سمع هذه الأحاديث من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا أشك ولكن منها ما وضعه على مواضعه، ومنها ما لم يضعه على مواضعه.
قال أبو الشعثاء: قدمت المدينة فإذا أبو أيوب يحدث عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فقلت له: تحدث عن أبي هريرة وقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قال: إنه قد سمع، وأحدث عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحب إلي. قال بسر بن سعيد: كان يقوم فينا أبو هريرة فيقول: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول كذا وكذا، سمعت كعباً يقول كذا. فعمد الناس إلى ما روى عن كعب فجعلوه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبعض ما روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعلوه عن كعب فمن ثم أنفي حديث أبي هريرة. قال ابن لهيعة: هو من الناس ليس من أبي هريرة. قال إبراهيم النخعي: ما كانوا يأخذون من حديث أبي هريرة إلا ما كان من حديث جنة أو نار. وقال إبراهيم: ما كانوا يأخذون بكل حديث أبي هريرة. وقال شعبة: كان أبو هريرة يدلس. قالوا: وقول إبراهيم النخعي هذا غير مقبول منه.
قال عمر بن حبيب: حضرت مجلس هارون الرشيد، فجرت مسألة، فتنازعها الحضور وعلت أصواتهم، فاحتج بعضهم بحديث يرويه أبو هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدفع بعضهم الحديث، وزادت المدافعة والخصام حتى قال قائل منهم: لا يصح هذا الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن أبا هريرة متهم فيما يرويه وصرحوا بتكذيبه، ورأيت الرشيد قد نحا نحوهم ونصر قولهم، فقلت أنا: الحديث صحيح عن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنظر إلي الرشيد نظر مغضب، فقمت من المجلس فانصرفت إلى منزلي، فلم ألبث حتى قيل لي: صاحب البريد بالباب، فدخل
فقال: أجب أمير المؤمنين إجابة مقتول، وتحنط وتكفن. فقلت: اللهم، إنك تعلم إني دفعت عن صاحب نبيك، وأجللت نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يطغى على أصحابه، فسلمني منه. فأدخلت على الرشيد وهو جالس على كرسي من ذهب حاسر عن ذراعيه، بيده السيف وبين يديه النطع. فلما بصر بي قال: يا عمر، ما تلقاني أحد من الرد والدفع لقولي بمثل ما تلقيتني به. فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الذي قلته وجادلت عليه، فيه إزراء على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى ما جاء به، إذا كان أصحابه كذابين فالشريعة باطلة والفرائض والأحكام في الصيام والصلاة والطلاق والنكاح والحدود، كله مردود وغير مقبول. فرجع إلى نفسه ثم قال: أحييتني يا عمر بن حبيب أحياك الله. وأمر له بعشرة آلاف درهم. قال أبو هريرة: إني لأجزئ الليل ثلاثة أجزاء: جزءاً للقرآن، وجزءاً أنام، وجزءاً أتذكر فيه حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان أبو هريرة يصلي ثلث الليل وامرأته ثلثاً وابنته ثلثاً. قال أبو عثمان النهدي: تضيفت أبا هريرة سبعاً. فكان هو وامرأته وخادمه يتعقبون الليل أثلاثاً، يصلي هذا ثم يوقظ هذا، ويصلي هذا ثم يوقظ هذا. قال: قلت: يا أبا هريرة، كيف تصوم؟ قال: أما أنا فأصوم من أول الشهر ثلاثاً، فإن حدث بي حدث كان لي أجر شهري. وكان أبو هريرة يصوم الاثنين والخميس، وقال: إنهما يومان ترفع فيهما الأعمال. وكان أبو هريرة يسبح كل يوم باثنتي عشرة ألف تسبيحة. يقول: أسبح بقدر ديتي. وكان لأبي هريرة صيحتان في كل يوم، أول النهار فيقول: ذهب الليل وجاء النهار وعرض آل فرعون على النار. فإذا كان العشي قال: ذهب النهار وجاء الليل وعرض آل فرعون على النار. فلا يسمع أحد صوته إلا استعاذ بالله من النار.
وعن أبي هريرة قال: لا تغبطن فاجراً بنعمته، فإن من ورائه طالباً حثيثاً طلبه " جهنم كلما خبت زدناها سعيرا ".
قال أبو يزيد المدني: قام أبو هريرة على منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقاماً دون مقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعتبة ثم قال: الحمد لله الذي هدى أبا هريرة للإسلام، الحمد لله الذي علم أبا هريرة القرآن، الحمد لله الذي من على أبي هريرة بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الحمد لله الذي أطعمني الخمير وألبسني الحبير الحمد لله الذي زوجني ابنة غزوان بعدما كنت أجيراً لها بطعام بطني وعقبة رجلي، أرحلتني فأرحلتها كما أرحلتني.
وعن أبي هريرة أنه صلى بالناس يوماً، فلما سلم رفع صوته فقال: الحمد لله الذي جعل الدين قواماً، وجعل أبا هريرة إماماً بعد أن كان أجيراً لابنة غزوان على شبع بطنه وحمولة رجله.
وعن أبي هريرة أنه كان يقول: نشأت يتيماً وهاجرت مسكيناً، وكنت أجيراً لابن عفان وابنة غزوان وهي بسرة بنت غزوان على طعام بطني وعقبة رجلي، أحطب لهم إذا نزلوا، وأحدو بهم إذا ساروا. فالحمد لله الذي جعل الدين قواماً وأبا هريرة إماماً. وعن مضارب بن حزن قال: بينما أنا أسير تحت الليل إذا رجل يكبر، فألحقته بعيراً، فقلت: من هذا؟ قال:
أبو هريرة. قلت: ما هذا التكبير؟ قال: شكر. قلت: على ماذا؟ قال: إني كنت أجيراً لبسرة بنت غزوان، فكنت إذا ركب القوم سقت بهم وإذا نزلوا خدمتهم، وإذا أتيت على مكان سهل نزلت، ثم قالت: والله لا أبرح هذا المكان حتى تجعل لي عصيدة. قال: فزوجنيها الله بعد، فأنا أركب إذا ركب القوم، وأخدم إذا نزلوا، وإذا أتيت على نحو من مكانها نزلت فقلت: لا أبرح هذا المكان حتى يعصد لي عصيدة.
زاد في آخر عن أبي مصعب الجهني: قلت: يا أبا هريرة، هل سمعت من خليلك أبي القاسم شيئاً؟ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا عدوى ولا هامة، وخير الطير الفأل، والعين. قال إمام مسجد سعد: قدم أبو هريرة الكوفة، فصلى الظهر والعصر واجتمع عليه الناس. فذكر قرباً منه. يعني أنه كان قريباً منه، فسكت ولم يتكلم، ثم قال: إن الله وملائكته يصلون على أبي هريرة الدوسي. فتغامز القوم فقالوا: إن هذا ليزكي نفسه. ثم قال: وعلى كل مسلم ما دام في مصلاه ما لم يحدث حدثاً بلسانه أو بطنه.
وعن أبي سلمة قال: قال أبو هريرة وأبو ذر: باب من العلم نتعلمه أحب إلينا من ألف ركعة تطوعاً، وباب نعلمه عملنا به أو لم نعمل به أحب إلينا من مئة ركعة تطوعاً. وقالا: سمعنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا جاء طالب العلم الموت وهو على هذه الحال مات وهو شهيد. جاء رجل إلى أبي ذر فقال: يا أبا ذر، إني أريد أن أتعلم العلم، وأخاف أن أضيعه. فقال له: تعلم العلم، فإنك إن مت عالماً خير لك من أن تموت جاهلاً. ثم جاء إلى أبي الدرداء فقال له: يا أبا الدرداء، إني أريد أن أتعلم العلم وأخاف أن أضيعه. فقال له: تعلم العلم، فإنك إن توسد العلم خير من أن توسد الجهل. ثم جاء إلى أبي هريرة فقال: يا أبا هريرة، إني أريد أن أتعلم العلم وأخاف أن أضيعه، فقال له أبو هريرة: تعلم العلم، فإنك لن تجد له إضاعة أشد من تركه. زاد عن آخر مثله عن أبي الدرداء: إن الناس يبعثون من قبورهم على ما ماتوا عليه، فيبعث العالم عالماً، والجاهل جاهلاً.
قال الحسن: كان أبو هريرة من أحسن القوم كلاماً. حدث رجل قال: أتيت على أبي هريرة وهو ساجد يقول: اللهم لا أزنين، اللهم لا أسرقن، اللهم لا أنافقن، اللهم لا أرتدن، فسكت عنه حتى فرغ وقلت: يا أبا هريرة، أوتخاف هذا وأنت من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: أمنت محرف القلوب؟! وما أدرى الرجل إذا أصبح على ما يمسي عليه، وإن أمسى على ما يصبح عليه؟! ثم قال: أمنت محرف القلوب؟! كان أبو هريرة يقول في آخر عمره: اللهم، إني أعوذ بك أن أزني أو أعمل بكبيرة في الإسلام. يقول بعض أصحابه: يا أبا هريرة، ومثلك يقول هذا وتخافه، وقد بلغت من السن ما بلغت وانقطعت عنك الشهوات، وقد شافهت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبايعته وأخذت عنه؟! قال: ويحكم، وما يؤمنني وإبليس حي؟! كان أبو هريرة إذا غدا من منزله لبس ثيابه ثم وقف على أمه فقال: السلام عليك يا أمتاه ورحمة الله وبركاته، وجزاك الله عني خيراً كما ربيتني صغيراً. فترد عليه: وأنت، فجزاك الله عني خيراً كما بررتني كبيرة. ثم يخرج، فإذا رجع قال مثل ذلك. ولم يحج أبو هريرة حتى ماتت أمه. لقيت أبا هريرة ابنة له فقالت: إن الجواري يعيرنني يقلن: إن أباك لا يحليك بالذهب. فقال: قولي لهن: إن أبي لا يحليني الذهب، يخشى علي حر اللهب. قال أبو هريرة: لما قدمت من البحرين قال عمر: يا عدو الله وعدو الإسلام، خنت مال الله. قال: لست بعدو الله ولا عدو الإسلام، ولكني عدو من عاداهما، ولم أخن مال الله، ولكنها أثمان خيل لي تناتجت عندي، وسهمان لي اجتمعت. قال: فكرر ذلك علي ثلاث مرات. فكل ذلك أرد عليه.
زاد في رواية: فنظروا فوجدوه كما قال، فأغرمني اثني عشر ألف درهم قال: فقمت في صلاة الغداة فقلت: اللهم اغفر لأمير المؤمنين. فأرادني بعد ذلك على العمل فقلت: لا أعمل لك. قال:
أوليس يوسف كان خيراً منك وقد سأل العمل؟ قلت: إن يوسف نبي وابن نبي وأنا ابن أميمة وإني أخاف ثلاثاً واثنتين. قال: ألا تقول خمساً؟ قلت: لا، أخاف أن أقول بغير حكم، وأقضي بغير علم، وأن يضرب ظهري، ويشتم عرضي، ويؤخذ مالي. كان مروان ربما استخلف أبا هريرة على المدينة. فيركب حماراً قد شد عليه برذعة. وفي رأسه خلبة من ليف فيسير فيلقى الرجل فيقول: الطريق! قد جاء الأمير. وربما أتى الصبيان وهم يلعبون بالليل لعبة الأعراب فلا يشعرون بشيء حتى يلقي نفسه بينهم، ويضرب برجليه، فيفزع الصبيان، فيفرون. قال أبو رافع: وربما دعاني إلى عشائه بالليل فيقول: دع العراق للأمير. فأنظر فإذا هو ثريدة بزيت.
قال ثعلبة بن أبي مالك: أقبل أبو هريرة في السوق يحمل حزمة حطب وهو يومئذ خليفة لمروان فقال: أوسع الطريق للأمير يا بن أبي مالك. فقلت: أصلحك الله، يكفي هذا! فقال: أوسع الطريق للأمير والحزمة عليه. دث أبو الزعيزعة، كاتب مروان، قال: بعث مروان إلى أبي هريرة بمئة دينار. فلما كان الغد أرسل إليه فقال: إنه ليس إليك بعثت، وإنما غلطت. فقال: ما عندي منها شيء، وإذا خرج عطائي فاقبضوها. قال: وإنما أراد مروان أن يعلم أينفقها أم يحبسها. كان أبو هريرة يسب مروان، فإذا أعطاه سكت. قال أبو هريرة: ما من أحد من الناس يهدي إلي بهدية إلا قبلتها، فأما المسألة فإني لم أكن أسأل.
قال أبو هريرة: درهم يكون من هذا وكأنه يمسح العرق عن جبينه أتصدق به، أحب إلي من مئة ألف ومئة ألف ومئة ألف من مال فلان. قال أبو الأسود: بنى رجل داراً بالمدينة فلما فرغ منها مر أبو هريرة عليها وهو واقف على باب داره فقال: قف يا أبا هريرة، ما أكتب على باب داري؟ قال وأعرابي قائم قال أبو هريرة: اكتب عليها: ابن للخراب، ولد للثكل، واجمع للوارث. فقال الأعرابي: بئس ما قلت يا شيخ. فقال صاحب الدار: ويحك، هذا أبو هريرة صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. لما بنى مروان بن الحكم داره قال للبناء: انظر ما يملي عليك أبو هريرة، فاكتبه في وجه الدار. فجاء أبو هريرة فقال: اكتب: تبنون شديداً، وتأملون بعيداً، والأجل قريب. فقال البناء: والله لا أكتب هذا. فقال أبو هريرة، والله لا أزيدك ولا مروان على هذا. وقيل: إنه قال: اكتب، تبنون ما لا تسكنون، وتجمعون ما لا تأكلون، وتأملون ما لا تبلغون. والله لا أزيدك.
سئل أبو هريرة عن المروءة فقال: ثبوته في مجلسه، والغداء والعشاء بأفنية البيوت، واستصلاح المال، ومعونة الإخوان، والذب عنهم. كان أبو هريرة من حسن خلقه يؤاكل الصبيان. قال عمر بن أبي الصهباء: مررت بأبي هريرة وهو مستلقٍ واضع ثوبه تحت رأسه، وإحدى رجليه على الأخرى، وهو يتغنى غناء الرهبان: من مجزوء الكامل
لما رأيتك لي محباً ... وإلي حين أغيب صبا
أعرضت لا لملالةٍ ... حدثت ولا استحدثت ذنبا
إلا لقول نبينا ... زوروا عن الأيام غبا
ولقوله من زار غب ... اً منكم يزداد حبا
جاء رجل إلى أبي هريرة فقال: إني أصبحت صائماً فأكلت. قال: ذلك طعام أطعمكه الله. قال: وقال: واقعت أهلي. قال: ابن أخي، أنت لم تعود الصيام. وفي حديث آخر مثله: إلا أنه تردد في عدة بيوت. فقال له في آخرها: إنك لم تعود الصيام. كانت لأبي هريرة امرأة، فبقيت زماناً لا تشتكي، فأراد أبو هريرة أن يطلقها، ثم أنها اشتكت. فقال أبو هريرة: منعتنا هذه طلاقها بشكواها. كان رجل يؤذي أبا هريرة بلسانه، فقيل له: مات فلان. فقال: ليس في الموت شماتة، لو أخبرتموني أنه أمر على إمارة، أصاب مالاً، ولد له ولد. وعن أبي هريرة أنه كان إذا سمع أحداً يسأل: من هذه الجنازة؟ قال: هذا عبد الله دعاه فأجابه، أو أمته دعاها فأجابته، والله يعرفه، وأهله يفقدونه، والناس ينكرونه. أغدوا فإنا رائحون، أو روحوا فإنا غادون. زاد في آخر بمعناه: موعظة بليغة، وغفلة سريعة، تذهب الأول وتبقي الآخر لا عقل له. قال عبيد بن باب: كنت أصب على أبي هريرة من إداوة وهو يتوضأ، فمر به رجل فقال:
أين تريد؟ قال: السوق. فقال: إن استطعت أن تشتري الموت من قبل أن ترجع فافعل. ثم قال أبو هريرة: لقد خفت الله مما أستعجل القدر. قال أبو هريرة: إذا رأيتم ستاً فإن كانت نفس أحدكم في يده فليرسلها، فلذلك أتمنى الموت، أخاف أن تدركني إذاً؛ إمرة السفهاء، وبيع الحكم، وتهون بالدم، وقطعت الأرحام، وكثرت الجلاوزة، ونشأ نشو يتخذون القرآن مزامير.
قال أبو سلمة: دخلت على أبي هريرة وهو وجع شديد الوجع، فاحتضنته فقلت: اللهم، اشف أبا هريرة. فقال: اللهم، لا ترجعها قالها مرتين ثم قال: إن استطعت أن تموت فمت، والله الذي نفس أبي هريرة بيده، ليأتين على الناس زمان يكون الموت أحب إلى أحدكم من الذهبة الحمراء، وليأتين على الناس زمان يمر الرجل على قبر أخيه المسلم فيتمنى أنه صاحبه.
وكان أبو هريرة يقول: تشبثوا بصدغي معاوية، اللهم، لا تدركني سنة ستين، وتوفي فيها أو قبلها. وعن أبي هريرة أنه قال حين حضره الموت: لا تضربوا علي فسطاطاً ولا تجعلوا معي مجمراً، وأسرعوا بي، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال: أسرعوا بي، أسرعوا بي مرتين وإذا وضع الرجل السوء على سريره قال: يا ويله، أين تذهبون بي؟ قال محمد بن عمرو: سمعت أبا هريرة وجئته في مرضه أعوده وهو يقول: قد قلت لأهلي إذا أنا مت فلا تعمموني ولا تقمصوني، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعمم ولم يقمص. وفي حديث: إذا مت فلا تنوحوا علي، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينح عليه الحديث.
بكى أبو هريرة في مرضه، فقيل: ما يبكيك؟ قال: ما أبكي على دنياكم هذه، ولكني أبكي على بعد سفري وقلة زادي، وإني أمسيت في صعود مهبطه على جنة ونار، فلا أدري أيتهما يؤخذ بي. دخل مروان على أبي هريرة في شكواه الذي مات فيه، فقال: شفاك الله يا أبا هريرة. فقال أبو هريرة: اللهم، إني أحب لقاءك فأحب لقائي، فما بلغ مروان أصحاب القطا حتى مات.
وفي حديث آخر قال: اللهم اشفه، اللهم عافه، اللهم ارفعه. قال: فأفاق ورفع
يديه حتى رئي بياض إبطيه، شاهراً بيديه إلى الله، ثم قال: اللهم، اشدد وأجد على نفس أبي هريرة قال: فخرجنا من عنده فما فاتنا الصوت حتى سمعنا الصائحة عليه.
توفي أبو هريرة سنة تسع وخمسين في آخر خلافة معاوية، وله ثمانٍ وسبعون سنة.
وقيل: توفي سنة سبع وخمسين في، وفيها ماتت عائشة قبل معاوية بسنتين. وقيل: توفي أبو هريرة وعائشة سنة ثمانٍ وخمسين. وصلى عليه الوليد بن عتبة. كتب الوليد بن عتبة إلى معاوية يخبره بموت أبي هريرة. فكتب إليه: انظر من ترك، فادفع إلى ورثته عشرة آلاف درهم وأحسن جوارهم، وأولهم معروفاً، فإنه كان ممن نصر عثمان وكان معه في الدار، فرحمة الله عليه.
Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=69836&book=5528#4faaaa
أبو هريرة الدوسي
قال صالح: قال أبي: وأبو هريرة يقال: عبد شمس، وعبد نهم بن عامر، ويقال: عبد غنم، ويقال: سكين.
"الأسامي والكنى" (23)
قال صالح: حدثني أبي، ثنا أبو عبيدة الحداد عبد الواحد بن واصل البصري قال: واسم أبي هريرة، عبد اللَّه.
"الأسامي والكنى" (193)
قال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح قال: كان أبو هريرة من أحفظ أصحاب محمد، ولم يكن من أفضلهم.
"العلل" رواية عبد اللَّه (4088)
قال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: سمعت سفيان يقول: الأوفاض من أهل الصفة، وكان أبو هريرة فيهم.
"العلل" رواية عبد اللَّه (5962)
قال محمد بن يحيى: وسمعت أحمد بن حنبل يقول: ثنا أبو عبيدة الحداد قال: اسم أبي هريرة عبد اللَّه.
"المستدرك" للحاكم 3/ 507
فصل النساء
Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=69836&book=5528#d27690
أَبُو هُرَيْرَة الدوسي الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور اخْتلف فِي اسْمه وَاسم أَبِيه اخْتِلَافا كثيرا مَذْكُور فِي التَّهْذِيب