أسماء بن خارجة بن حصن
ابن حذيفة بن بدر بن عمر بن جؤية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان ابن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان أبو حسان، ويقال: أبو محمد الفزاري الكوفي وكان قد وفد على عبد الملك بن مروان.
عن مالك بن أسماء بن خارجة، قال: كنت مع أبي أسماء إذ جاء رجل إلى أمير من الأمراء فأثنى عليه وأطراه، ثم أتى أسماء وهو جالس في جانب الدار، فجرى حديثهما، فما برح حتى وقع فيه، فقال أسماء: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: ذو اللسانين في الدنيا له لسانان من نار يوم القيامة.
عن أبي الأحوص قال: فاخر أسماء بن خارجة رجلاً، فقال: أنا ابن الأشياخ الكرام؛ فقال عبد الله: ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله عز وجل.
عن البختري بن هلال قال: دخل أسماء بن خارجة على عبد الملك بن مروان، فقال له عبد الملك: قد بلغني عنك خصال كريمة شريفة، فأخبرني عنها؛ قال: يا أمير المؤمنين، هي من غيري أحسن؛ قال: فإني أحب أن أسمعها منك فأخبرني بها، قال: يا أمير المؤمنين، ما أتاني رجل قط في حاجة صغرت أو كبرت فقضيتها، إلا رأيت أن
قضاءها ليس يعوض من بذل وجهه إلي؛ ولا جلس إلي رجل قط إلا رأيت له الفضل علي حتى يقوم من عندي؛ ولا جلست مع قومٍ قط فبسطت رجلي إعظاماً لهم وإجلالاً حتى أقوم عنهم.
قال له عبد الملك: حق لك أن تكون شريفاً سيداً.
قال أسماء بن خارجة: ما شتمت أحداً قط، ولا رددت سائلاً قط، لأنه إنما يسألني أحد رجلين: إما كريم أصابته خصاصة وحاجة، فأنا أحق من سد خلته، وأعانه على حاجته، وإما لئيم أفدي عرضي منه. وإنما يشتمني أحد رجلين: كريم كانت منه زلة وهفوة، فأنا أحق من غفرها، وأخذ بالفضل عليه فيها؛ وإما لئيم فلم أكن لأجعل عرضي له غرضاً؛ وما مددت رجلي بين يدي جليس لي قط فيرى أن ذلك استطالة مني عليه؛ ولا قضيت لأحد حاجة إلا رأيت له الفضل علي حيث جعلني في موضع حاجته.
وأتى الأخطل عبد الملك فسأله حمالات تحملها عن قومه، فأبى وعرض عليه نصفها؛ فقدم الكوفة فأتى بشر بن مروان فسأله، فعرض عليه مثل ما عرض عليه عبد الملك، ثم أتى أسماء بن خارجة فحملها عنه كلها، فقال فيه: من الوافر
إذا ما مات خارجة بن حصن ... فلا مطرت على الأرض السماء
ولا رجع البشير بغنم جيش ... ولا حملت على الطهر النساء
فيوم منك خير من رجال ... كثير حولهم غنم وشاء
فبورك في بنيك وفي أبيهم ... وإن كثروا ونحن لك الفداء
فبلغت القصة عبد الملك، فقال عرض بنا النصراني وقال محمد بن سلام الحجمي: وقال يعني القطامي يمدح أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري:
إذا مات ابن خارجة بن حصن ... فلا مطرت على الأرض السماء
ولا رجع البريد بغنم جيش ... ولا حملت على الطهر النساء
وقال فيه أيضاً: من الكامل
فستعلمين أصادر وراده ... عنه وأي فتى فتى غطفانا
وعليك أسماء بن خارجة الذي ... علا الفعال ورفع البنيانا
قال أسماء: ما بذل إلي رجل قط وجهه فرأيت شيئاً من الدنيا وإن عظم وجسم عوضاً لبذل وجهه إلي.
وعن مروان بن معاوية الفزاري، قال: أتيت الأعمش فقال لي: ممن أنت؟ فقلت: أنا مروان بن معاوية بن الحارث بن عثمان بن أسماء بن خارجة الفزاري؛ فقال لي: لقد قسم جدك أسماء قسماً فنسي جاراً له، ثم استحيا أن يعطيه وقد بدأ بآخر قبله، فبعث إليه، وصب عليه المال صباً؟ أفتفعل أنت شيئاً من ذلك؟؟؟؟!.
وعن هند بنت محمد بن عتبة، عن أبيها، قال: بلغنا أن أسماء بن خارجة كان جالساً على باب داره، فمر به جوار يلتقطن البعر؛ فقال: لمن أنتن؟ فقلن: لبني سليم؛ فقال: واسوأتاه، جواري، بني سليم يلتقطن البعر على بابي! يا غلام انثر عليهن الدراهم؛ فنثر عليهن، وجعلن يلتقطن.
وعن ابن الكلبي، قال: نزل أسماء بن خارجة ظهر الكوفة في روضة معشبة أعجبته، وفيها رجل من بني عبس، فلما رأى قباب أسماء قوض بيته؛ فقال له أسماء: ما شأنك؟ قال: معي كلب هو أحب إلي من ولدي، وأخاف أن يؤذيك فيقتله بعض غلمانك.
فقال له: أقم وأنا ضامن لكلبك؛ فقال أسماء لغلمانه: إن رأيتم كلبه بلغ في قصاعي وقد رؤي فلا يهجه أحد منكم.
فأقاموا على ذلك، ثم ارتحل أسماء، ونزل الروضة رجل من بني أسد، فجاء الكلب لعادته فنحى له الأسدي بسهم فقتله؛ فقدم العبسي على أسماء، فقال له: ما فعل الكلب؟
قال: أنت قتلته؛ قال: وكيف؟ قال: عودته عادة ذهب يرومها من غيرك فقتله؛ فأمر له بمئة ناقة دية الكلب؛ قال: هل قلت في هذا شعراً؟ قال: نعم؛ فأنشده: من الطويل
عوى بعد ما شال السماك بزورة ... وطالب عهداً بعده قد تنكرا
وشبت له نار من الليل شبهت ... له نار أسماء بن حصن فكبرا
فلاقى أبا حيان عارض قومه ... على النار لما جاءها متنورا
فما رامها حتى اكتسى من روائه ... رداء كلون الأرجواني أحمرا
فقال يلوم النفس: ما خفت ما أرى ... وورد المنايا مدرك من تأخرا
وعن بشر أبي نصر، أن أسماء بن خارجة زوج ابنته، فلما أراد أن يهديها إلى زوجها أتاها، فقال: يا بنية، كان النساء أحق بتأديبك، ولا بد من تأديبك: كوني لزوجك أمة يكن لك عبداً، ولا تدني منه فتمليه، ولا تباعدي منه فتثقلي عليه ويثقل عليك، وكوني كما قلت لأمك: من الطويل
خذي العفو مني تستديمي مودتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
فإني رأيت الحب في الصدر والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب
وعن العتبي، عن أبيه، أن أسماء بن خارجة شرب شراباً يقال له: الباذق، فسكر، فلطم أمه! فلما صحا قالوا له، فاغتم وقال لأمه: من الخفيف
لعن الله شربة جعلتني ... أن أقول الخنا لكم يا صفية
لم تكوني أهلاً لذاك ولكن ... أسرع الباذق المقدي فيه
قال الرياشي: المقد: قرية من قرى حمص، وأصل الباذق: الباذاه
بالفارسية، وإنما يعرف بالمقدية، وهو حصن من أرض البلقاء.
قال عبد الملك ذات يوم لجلسائه؛ هل تعلمون بيتاً قيل لحي من العرب لا يحبون أن لهم به مثل ما ملكوا، أو قيل فيهم ودوا لو فدوه بجميع ما ملكوه؟ فقال له أسماء بن خارجة: نعم يا أمير المؤمنين، نحن، قال: وما ذاك؟ قال: قول قيس بن الخطيم الأنصاري: من الوافر
هنينا بالإقامة ثم سرنا ... كسير حذيفة الخير بن بدر
فوالله ما يسرنا أن لنا به مثل ما نملك؛ وقول الحارث بن ظالم: من الوافر
فما قومي بثعلبة بن سعد ... ولا بفزارة الشعر الرقابا
والله إني لألبس العمامة الصفيقة فيخيل إلي شعر قفاي قد خرج منها!.
وقال أسماء بن خارجة: من الطويل
إذا طارقات الهم أسهرن الفتى ... وأعمل في التفكير والليل زاخر
وباكرني إذ لم يكن ملجاً له ... سواي ولا من نكبة الدهر ناصر
فرجت له من همه في مكانه ... فزاوله الهم الدخيل المخامر
وكان له من علي بظنه ... بي خيراً إني للذي ظن شاكر
قال الرياشي: قال أسماء بن خارجة لامرأته: اخضبي لحيتي، فقالت: إلى كم نرقع منك ما قد خلق منك؟ فأنشأ يقول: من البسيط
غيرتني خلقاً أبليت جدته ... وهل رأيت جديداً لم يعد خلقاً
كما لبست جديدي فالبسي خلقي ... فلا جديد لمن لا يلبس الخلقا
ومن بارع شعر أسماء بن خارجة: من البسيط
قل للذي لست أدري من تلونه ... أنا صح أم على غش يداجيني
إني لأكثر مما سمتني عجباً ... يد تشج وأخرى منك تأسوني!
تغتابني عند أقوام وتمدحني ... في آخرين وكل منك يأتيني
هذان أمران شتى بون بينهما ... فاكفف لسانك عن ذمي وتزييني
لو كنت أعرف منك الود هان له ... علي بعض الذي أصبحت توليني
أرضى عن المرء ما أصفى مودته ... وليس شيء مع البغضاء يواسيني
ورب امرئ لي أخفى بي ملاطفة ... محض الأخوة في البلوى يواسيني
وملطف بسؤال أو مكاشرة ... مغض على وغر في الصدر مدفون
ليس الصديق بمن تخشى غوائله ... وما العدو على حال بمأمون
يلومني الناس فيما لو أخبرهم ... بالغدر فيه لما كانوا يلوموني
وعن الأصمعي، قال: بينما أسماء بن خارجة قد عراه الأرق في ذات ليلة، إذ سمع نادبة تبكي بصوت حزين وهي تقول: من المتقارب
من للمنابر والخافقا ... ت والجود بعد زمام العرب
ومن للهياج غداة الطعان ... ومن يمنع البيض عند الهرب
ومن للعفاة وحمل الديات ... ومن يفرج الكرب بعد الكرب
فقال أسماء بن خارجة: انظروا من مات في هذه الليلة من الأشراف، فاتبعوا هذا الصوت، فانظروا من أين هو؛ فنظروا ورجعوا إليه، فقالوا: هذه امرأة فلان البقال تبكي أباها مروان الحائك!.
وعن المبارك بن سعيد الثوري، قال: بينما أسماء بن خارجة الفزاري ذات ليلة جالس في منزله على سطح ومعه نساؤه إذ سمع في جوف الليل نادبة تندب، وهي تقول: من الهزج
ألا فابك على السي ... د لما تعش نيرانه
ولما يطل العهد ... ولما تبل أكفانه
عظيم القدر والجف ... نة ما تخمد نيرانه
قال: فاستوى أسماء بن خارجة جالساً، وقد اشتد جزعه، وهو يقول: " إنا لله وإنا إليه راجعون ". يا غلام يا غلام؛ فأتاه جماعة من غلمانه فوقفوا قريباً منه حيث يسمعون كلامه، فقال لأحدهم: يا فلان، إنه قد حدث الليلة في بعض أشرافنا حدث، فانطلق إلى منزل عكرمة بن ربعي التميمي، فانظر هل طرقهم شيء؟ فذهب الغلام ثم عاد فقال: ما طرقهم إلا خير؛ قال: فاذهب إلى منزل عبد الملك بن عبيد التميمي، فانظر هل طرقهم شيء؟ فذهب ثم عاد فقال: ما طرقهم إلا خير؛ ثم لم يزل يبعث إلى منازل أشراف الكوفة رجلاً رجلاً ممن يقرب جواره فيسأل عنهم، إذ قال له بعض جيرانه: أصلحك الله، ليس الأمر كما تظن؛ قال فما هذه النادبة؟ قال: هذه ابنة فلان البقال توفي أبوها فهي تندبه!.
فقال أسماء: سبحان الله، ما رأيت كالليلة قط؛ ثم أقبل على نسائه، فقال: عزمت على كل واحدة منكن إن حدث بي حدث أن تندبني نادبة بعد ليلتي هذه أبداً.
قال خليفة بن خياط: وفيها يعني سنة ست وستين مات أسماء بن خارجة، وهو ابن ثمانين سنة.
ابن حذيفة بن بدر بن عمر بن جؤية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان ابن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان أبو حسان، ويقال: أبو محمد الفزاري الكوفي وكان قد وفد على عبد الملك بن مروان.
عن مالك بن أسماء بن خارجة، قال: كنت مع أبي أسماء إذ جاء رجل إلى أمير من الأمراء فأثنى عليه وأطراه، ثم أتى أسماء وهو جالس في جانب الدار، فجرى حديثهما، فما برح حتى وقع فيه، فقال أسماء: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: ذو اللسانين في الدنيا له لسانان من نار يوم القيامة.
عن أبي الأحوص قال: فاخر أسماء بن خارجة رجلاً، فقال: أنا ابن الأشياخ الكرام؛ فقال عبد الله: ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله عز وجل.
عن البختري بن هلال قال: دخل أسماء بن خارجة على عبد الملك بن مروان، فقال له عبد الملك: قد بلغني عنك خصال كريمة شريفة، فأخبرني عنها؛ قال: يا أمير المؤمنين، هي من غيري أحسن؛ قال: فإني أحب أن أسمعها منك فأخبرني بها، قال: يا أمير المؤمنين، ما أتاني رجل قط في حاجة صغرت أو كبرت فقضيتها، إلا رأيت أن
قضاءها ليس يعوض من بذل وجهه إلي؛ ولا جلس إلي رجل قط إلا رأيت له الفضل علي حتى يقوم من عندي؛ ولا جلست مع قومٍ قط فبسطت رجلي إعظاماً لهم وإجلالاً حتى أقوم عنهم.
قال له عبد الملك: حق لك أن تكون شريفاً سيداً.
قال أسماء بن خارجة: ما شتمت أحداً قط، ولا رددت سائلاً قط، لأنه إنما يسألني أحد رجلين: إما كريم أصابته خصاصة وحاجة، فأنا أحق من سد خلته، وأعانه على حاجته، وإما لئيم أفدي عرضي منه. وإنما يشتمني أحد رجلين: كريم كانت منه زلة وهفوة، فأنا أحق من غفرها، وأخذ بالفضل عليه فيها؛ وإما لئيم فلم أكن لأجعل عرضي له غرضاً؛ وما مددت رجلي بين يدي جليس لي قط فيرى أن ذلك استطالة مني عليه؛ ولا قضيت لأحد حاجة إلا رأيت له الفضل علي حيث جعلني في موضع حاجته.
وأتى الأخطل عبد الملك فسأله حمالات تحملها عن قومه، فأبى وعرض عليه نصفها؛ فقدم الكوفة فأتى بشر بن مروان فسأله، فعرض عليه مثل ما عرض عليه عبد الملك، ثم أتى أسماء بن خارجة فحملها عنه كلها، فقال فيه: من الوافر
إذا ما مات خارجة بن حصن ... فلا مطرت على الأرض السماء
ولا رجع البشير بغنم جيش ... ولا حملت على الطهر النساء
فيوم منك خير من رجال ... كثير حولهم غنم وشاء
فبورك في بنيك وفي أبيهم ... وإن كثروا ونحن لك الفداء
فبلغت القصة عبد الملك، فقال عرض بنا النصراني وقال محمد بن سلام الحجمي: وقال يعني القطامي يمدح أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري:
إذا مات ابن خارجة بن حصن ... فلا مطرت على الأرض السماء
ولا رجع البريد بغنم جيش ... ولا حملت على الطهر النساء
وقال فيه أيضاً: من الكامل
فستعلمين أصادر وراده ... عنه وأي فتى فتى غطفانا
وعليك أسماء بن خارجة الذي ... علا الفعال ورفع البنيانا
قال أسماء: ما بذل إلي رجل قط وجهه فرأيت شيئاً من الدنيا وإن عظم وجسم عوضاً لبذل وجهه إلي.
وعن مروان بن معاوية الفزاري، قال: أتيت الأعمش فقال لي: ممن أنت؟ فقلت: أنا مروان بن معاوية بن الحارث بن عثمان بن أسماء بن خارجة الفزاري؛ فقال لي: لقد قسم جدك أسماء قسماً فنسي جاراً له، ثم استحيا أن يعطيه وقد بدأ بآخر قبله، فبعث إليه، وصب عليه المال صباً؟ أفتفعل أنت شيئاً من ذلك؟؟؟؟!.
وعن هند بنت محمد بن عتبة، عن أبيها، قال: بلغنا أن أسماء بن خارجة كان جالساً على باب داره، فمر به جوار يلتقطن البعر؛ فقال: لمن أنتن؟ فقلن: لبني سليم؛ فقال: واسوأتاه، جواري، بني سليم يلتقطن البعر على بابي! يا غلام انثر عليهن الدراهم؛ فنثر عليهن، وجعلن يلتقطن.
وعن ابن الكلبي، قال: نزل أسماء بن خارجة ظهر الكوفة في روضة معشبة أعجبته، وفيها رجل من بني عبس، فلما رأى قباب أسماء قوض بيته؛ فقال له أسماء: ما شأنك؟ قال: معي كلب هو أحب إلي من ولدي، وأخاف أن يؤذيك فيقتله بعض غلمانك.
فقال له: أقم وأنا ضامن لكلبك؛ فقال أسماء لغلمانه: إن رأيتم كلبه بلغ في قصاعي وقد رؤي فلا يهجه أحد منكم.
فأقاموا على ذلك، ثم ارتحل أسماء، ونزل الروضة رجل من بني أسد، فجاء الكلب لعادته فنحى له الأسدي بسهم فقتله؛ فقدم العبسي على أسماء، فقال له: ما فعل الكلب؟
قال: أنت قتلته؛ قال: وكيف؟ قال: عودته عادة ذهب يرومها من غيرك فقتله؛ فأمر له بمئة ناقة دية الكلب؛ قال: هل قلت في هذا شعراً؟ قال: نعم؛ فأنشده: من الطويل
عوى بعد ما شال السماك بزورة ... وطالب عهداً بعده قد تنكرا
وشبت له نار من الليل شبهت ... له نار أسماء بن حصن فكبرا
فلاقى أبا حيان عارض قومه ... على النار لما جاءها متنورا
فما رامها حتى اكتسى من روائه ... رداء كلون الأرجواني أحمرا
فقال يلوم النفس: ما خفت ما أرى ... وورد المنايا مدرك من تأخرا
وعن بشر أبي نصر، أن أسماء بن خارجة زوج ابنته، فلما أراد أن يهديها إلى زوجها أتاها، فقال: يا بنية، كان النساء أحق بتأديبك، ولا بد من تأديبك: كوني لزوجك أمة يكن لك عبداً، ولا تدني منه فتمليه، ولا تباعدي منه فتثقلي عليه ويثقل عليك، وكوني كما قلت لأمك: من الطويل
خذي العفو مني تستديمي مودتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
فإني رأيت الحب في الصدر والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب
وعن العتبي، عن أبيه، أن أسماء بن خارجة شرب شراباً يقال له: الباذق، فسكر، فلطم أمه! فلما صحا قالوا له، فاغتم وقال لأمه: من الخفيف
لعن الله شربة جعلتني ... أن أقول الخنا لكم يا صفية
لم تكوني أهلاً لذاك ولكن ... أسرع الباذق المقدي فيه
قال الرياشي: المقد: قرية من قرى حمص، وأصل الباذق: الباذاه
بالفارسية، وإنما يعرف بالمقدية، وهو حصن من أرض البلقاء.
قال عبد الملك ذات يوم لجلسائه؛ هل تعلمون بيتاً قيل لحي من العرب لا يحبون أن لهم به مثل ما ملكوا، أو قيل فيهم ودوا لو فدوه بجميع ما ملكوه؟ فقال له أسماء بن خارجة: نعم يا أمير المؤمنين، نحن، قال: وما ذاك؟ قال: قول قيس بن الخطيم الأنصاري: من الوافر
هنينا بالإقامة ثم سرنا ... كسير حذيفة الخير بن بدر
فوالله ما يسرنا أن لنا به مثل ما نملك؛ وقول الحارث بن ظالم: من الوافر
فما قومي بثعلبة بن سعد ... ولا بفزارة الشعر الرقابا
والله إني لألبس العمامة الصفيقة فيخيل إلي شعر قفاي قد خرج منها!.
وقال أسماء بن خارجة: من الطويل
إذا طارقات الهم أسهرن الفتى ... وأعمل في التفكير والليل زاخر
وباكرني إذ لم يكن ملجاً له ... سواي ولا من نكبة الدهر ناصر
فرجت له من همه في مكانه ... فزاوله الهم الدخيل المخامر
وكان له من علي بظنه ... بي خيراً إني للذي ظن شاكر
قال الرياشي: قال أسماء بن خارجة لامرأته: اخضبي لحيتي، فقالت: إلى كم نرقع منك ما قد خلق منك؟ فأنشأ يقول: من البسيط
غيرتني خلقاً أبليت جدته ... وهل رأيت جديداً لم يعد خلقاً
كما لبست جديدي فالبسي خلقي ... فلا جديد لمن لا يلبس الخلقا
ومن بارع شعر أسماء بن خارجة: من البسيط
قل للذي لست أدري من تلونه ... أنا صح أم على غش يداجيني
إني لأكثر مما سمتني عجباً ... يد تشج وأخرى منك تأسوني!
تغتابني عند أقوام وتمدحني ... في آخرين وكل منك يأتيني
هذان أمران شتى بون بينهما ... فاكفف لسانك عن ذمي وتزييني
لو كنت أعرف منك الود هان له ... علي بعض الذي أصبحت توليني
أرضى عن المرء ما أصفى مودته ... وليس شيء مع البغضاء يواسيني
ورب امرئ لي أخفى بي ملاطفة ... محض الأخوة في البلوى يواسيني
وملطف بسؤال أو مكاشرة ... مغض على وغر في الصدر مدفون
ليس الصديق بمن تخشى غوائله ... وما العدو على حال بمأمون
يلومني الناس فيما لو أخبرهم ... بالغدر فيه لما كانوا يلوموني
وعن الأصمعي، قال: بينما أسماء بن خارجة قد عراه الأرق في ذات ليلة، إذ سمع نادبة تبكي بصوت حزين وهي تقول: من المتقارب
من للمنابر والخافقا ... ت والجود بعد زمام العرب
ومن للهياج غداة الطعان ... ومن يمنع البيض عند الهرب
ومن للعفاة وحمل الديات ... ومن يفرج الكرب بعد الكرب
فقال أسماء بن خارجة: انظروا من مات في هذه الليلة من الأشراف، فاتبعوا هذا الصوت، فانظروا من أين هو؛ فنظروا ورجعوا إليه، فقالوا: هذه امرأة فلان البقال تبكي أباها مروان الحائك!.
وعن المبارك بن سعيد الثوري، قال: بينما أسماء بن خارجة الفزاري ذات ليلة جالس في منزله على سطح ومعه نساؤه إذ سمع في جوف الليل نادبة تندب، وهي تقول: من الهزج
ألا فابك على السي ... د لما تعش نيرانه
ولما يطل العهد ... ولما تبل أكفانه
عظيم القدر والجف ... نة ما تخمد نيرانه
قال: فاستوى أسماء بن خارجة جالساً، وقد اشتد جزعه، وهو يقول: " إنا لله وإنا إليه راجعون ". يا غلام يا غلام؛ فأتاه جماعة من غلمانه فوقفوا قريباً منه حيث يسمعون كلامه، فقال لأحدهم: يا فلان، إنه قد حدث الليلة في بعض أشرافنا حدث، فانطلق إلى منزل عكرمة بن ربعي التميمي، فانظر هل طرقهم شيء؟ فذهب الغلام ثم عاد فقال: ما طرقهم إلا خير؛ قال: فاذهب إلى منزل عبد الملك بن عبيد التميمي، فانظر هل طرقهم شيء؟ فذهب ثم عاد فقال: ما طرقهم إلا خير؛ ثم لم يزل يبعث إلى منازل أشراف الكوفة رجلاً رجلاً ممن يقرب جواره فيسأل عنهم، إذ قال له بعض جيرانه: أصلحك الله، ليس الأمر كما تظن؛ قال فما هذه النادبة؟ قال: هذه ابنة فلان البقال توفي أبوها فهي تندبه!.
فقال أسماء: سبحان الله، ما رأيت كالليلة قط؛ ثم أقبل على نسائه، فقال: عزمت على كل واحدة منكن إن حدث بي حدث أن تندبني نادبة بعد ليلتي هذه أبداً.
قال خليفة بن خياط: وفيها يعني سنة ست وستين مات أسماء بن خارجة، وهو ابن ثمانين سنة.