Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=154218&book=5528#7f8276
معبد بن عبد الله بن عويمر
ويقال: معبد بن خالد، ويقال: معبد بن عبد الله ابن عكيم - الذي روى حديث الدباغ - الجهني هو أول من تكلم في القدر بالبصرة؛ استقدمه عبد الملك بن مروان دمشق لينفذه إلى ملك الروم، ثم جعله مع ابنه سعيد بن عبد الملك يودبه ويعلمه.
حدث معبد الجهني عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحمى حظ المؤمن من النار يوم القيامة.
وحدث معبد الجهني قال: كنت عند عثمان فدعا بوضوء، فتوضأ، فلما فرغ قال: توضأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما توضأت، ثم تبسم فقال: هل تدرون مم ضحكت؟ فقلنا: الله ورسوله أعلم. قال: إن العبد المسلم إذا توضأ فأتم وضوءه، ثم دخل في صلاته، فأتم صلاته خرج من صلاته كما يخرج من بطن أمه من الذنوب.
كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج أن ابعث إلي عالماً أبعثه إلى ملك الروم. فبعث إليه معبداً، فلما قدم معبد حدثه أن عبد الملك بن مروان قال له: ما تقول في المكاتب؟ فإن عمر كان يقول: هو عبد ما بقي عليه شيء؛ وكان معاوية بن أبي سفيان يقول: يؤدي ما بقي عليه في مكاتبته، ويكون ما بقي لولده. قلت: قضاء معاوية أحب إلي من قضاء عمر. قال: ولم؟ أليس عمر أفضل من معاوية؟ قلت: بلى، وداود أفضل من سليمان ففهمها سليمان.
قال معبد الجهني: قلت لعبد الله بن عمر: رجل لم يدع من الخير شيئاً إلا عمل به، إلا أنه كان شاكاً؟ قال: هلك للنية. قال: فقلت: رجل لم يدع من الشر شيئاً إلا عمل به، غير أنه يشهد أن لا إله إلا الله. قال: عش ولا تغتر. قال: ثم لقيت ابن عباس فقلت له مثل ذلك، فقال لي مثل ذلك.
اجتمع القراء إلى معبد الجهني - كان ممن شهد دومة الجندل موضع الحكمين - فقالوا
له: قد طال أمر هذين الرجلين فلو لقيتهما فسألتهما عن بعض أمرهما. فقال: تعرضوني لأمر أنا له كاره! والله ما رأيت كهذا الحي من قريش، كأن قلوبهم أقفلت بأقفال من حديد، وأنا صائر إلى ما سألتم. قال معبد الجهني: فخرجت فلقيت أبا موسى الأشعري فقلت له: صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكنت من صالحي أصحابه، واستعملك فكنت من صالحي عماله، وقبض وهو عنك راض، وقد وليت أمر هذه الأمة، فانظر ما أنت صانع. فقال لي: يا معبد! غداً يدعو الناس إلى رجل لا يختلف فيه اثنان. فقلت في نفسي: أما هذا فقد عزل صاحبه، فطمعت في عمرو، فخرجت فلقيته وهو راكب بغلته يريد المسجد، فأخذت عنانه، فسلمت عليه فقلت: أبا عبد الله! إنك قد صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكنت من صالحي أصحابه. قال: بحمد الله. قلت: واستعملك فكنت من صالحي عماله. فقال: بتوفيق الله. قلت: وقبض وهو عنك راض. فقال: بمن الله. ثم نظر إلي شزراً فقلت: وقد وليت هذه الأمة، فانظر ما أنت صانع. فخلع عنانه من يدي ثم قال لي: إيها تيس جهينة، ما أنت وهذا؟! لست من أهل السر ولا من أهل العلانية، والله ما ينفعك الحق، ولا يضرك الباطل، ثم مضى وتركني. فأنشأ معبد يقول: من البسيط
إني لقيت أبا موسى فأخبرني ... بما أردت وعمرو ضن بالخبر
شتان بين أبي موسى وصاحبه ... عمرو لعمرك عند الفصل والخطر
هذا له غفلة أبدت سريرته ... وذاك ذو حذر كالحية الذكر
وكان معبد رأساً في القدرن قدم المدينة فأفسد بها ناساً.
قال إبراهيم بن يعقوب السعدي: وكان قوم يتكلمون في القدر، احتمل الناس حديثهم لما عرفوا من اجتهادهم في الدين، وصدق ألسنتهم وأمانتهم في الحديث، لم يتوهم عليهم الكذب، وإن بلوا بسوء رأيهم، منهم قتادة، ومعبد الجهني هو رأسهم.
قال يحيى بن يعمر: كان رجل من جهينة فيه زهو، وكان يترقب على جيرانه، ثم إنه قرأ القرآن، وفرض الفرائض، وقص عل الناس، ثم إنه صار من أمره أنه زعم أن العمل أنف؛ من شاء عمل خيراً، ومن شاء عمل شراً.
قال ابن عون: أمران أدركتهما وليس بهذا المصر منهما شيء، وأنا بين أظهركم كما ترون: الكلام في القدر، إن أول من تكلم فيه رجل من الأساورة يقال له سستوه كان لحيقا. قال: ما سمعته قال لأحد لحيقا غيره. قال: فإذا ليس له تبع عليه إلا الملاحين. ثم تكلم فيه بعده - يعني رجلاً قد كانت له مجالسة، يقال له معبد الجهني، فإذا له عليه تبع. قال: وهؤلاء الذين يدعون المعتزلة. وسستويه بالتاء.
قال أبو عون: أدركت الناس وما يتكلمون إلا في علي وعثمان، حتى نشأ ها هنا حقير يقال له سستويه البقال. وكان أول من تكلم في القدر، فقال حماد: فما ظنكم برجل يقول له ابن عون هنا حقير؟! قال يونس بن عبيد: أدركت البصرة وما بها قدري إلا سستويه ومعبد الجهني، وآخر ملعون في بني عوانة.
قال الأوزاعي: أول من نطق في القدر رجل من أهل العراق يقال له سوسن، كان نصرانياً فأسلم، ثم تنصر، فأخذ عنه معبد الجهني، وأخذ غيلان عن معبد.
قال أنس بن مالك:
إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج من باب البيت وهو يريد باب الحجرة سمع قوماً يتراجعون بينهم في القرآن - زاد في آخر: في القدر - ألم يقل الله عز وجل في آية كذا وكذا؟ ألم يقل الله في آية كذا وكذا؟ ففتح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باب الحجرة وكأنما فقئ على وجهه حب الرمان فقال: أبهذا أمرتم؟! أو بهذا عنيتم؟ إنما هلك الذين من قبلكم بأشباه هذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، أمركم الله بأمر فاتبعوه، ونهاكم عن شيء فانتهوا. قال: فلم يسمع الناس بعد ذلك أحداً تكلم في القدر، حتى كان ليالي الحجاج بن يوسف، فأول من تكلم فيه معبد الجهني، فأخذه الحجاج بن يوسف فقتله.
قال محمد بن زيد الألهاني: كنا في المسجد إذ مر بمعبد الجهني إلى عبد الملك بن مروان، فقال الناس: إن هذا لهو البلاء. قال: فسمعت خالد بن معدان يقول: إن البلاء كل البلاء إذا كانت الأئمة منهم.
قال الحسن: إياكم ومعبد الجهني فإنه ضال مضل.
قال يونس بن عبيد: أدركت الحسن وهو يعيب قول معبد يقول: هو ضال مضل. قال: ثم تلطف له معبد فألقى في نفسه ما ألقى.
كان مسلم بن يسار وأصحابه يقولون: إن معبداً الجهني يقول بقول النصارى.
قال ابن عون: كنا جلوساً في مسجد بني عدي، وفينا أبو السوار، فدخل معبد الجهني من بعض أبواب المسجد فقال أبو السوار: ما أدخل هذا مسجدنا؟ لا تدعوه يجلس إلينا.
بينا طاوس يطوف بالبيت لقيه معبد الجهني، فقال له طاوس: أنت معبد؟ قال: نعم. فالتفت إليهم طاوس فقال: هذا معبد، فأهينوه.
وقال طاوس: احذروا معبد الجهني فإنه كان قدرياً.
قال أبو الزبير المكي: مررت أنا وطاوس فإذا معبد الجهني جالس في جانب المسجد، قلت لطاوس: هذا الذي يقول في القدر ما يقول. فعدل إليه طاوس حتى وقف عليه وقال: أنت المفتري على الله القائل ما لا تعلم؟ قال معبد: يكذب علي.
قال أبو الزبير: عدلنا إلى ابن عباس فذكرنا شأن من يقول في القدر، فقال ابن عباس: ويحكم! أروني بعضهم. قلنا: ما أنت صانع به؟ قال: والذي نفسي بيده، لئن أريتموني منهم أحداً لأجعلن يدي في رأسه ثم لأدقن عنقه.
قال مالك بن دينار: لقيت معبد الجهني بمكة بعد ابن الأشعث وهو جريح، وقد قاتل الحجاج في المواطن كلها فقال: لقيت الفقهاء والناس، لم أر مثل الحسن: ياليتنا أطعناه. كأنه نادم على قتال الحجاج.
كان الحجاج يعذب معبداً الجهني بأصناف العذاب، ولا يجزع ولا يستعتب، فكان إذا ترك من العذاب يرى الذباب مقبلة تقع عليه فيصيح ويضج، قال: فيقال له، قال: أما إن هذا من عذاب بني آدم فأنا أصبر عليه، وأما الذباب من عذاب الله فلست أصبر عليه. فقتله.
وقيل: إن عبد الملك قتل معبداً وصلبه بدمشق في سنة ثمانين أو بعد الثمانين.