مُحَمَّد بن هَارُون بن مُحَمَّد بن بكار بن هِلَال العاملي من أهل دمشق كنيته أَبُو عمر يروي عَن أبي الْيَمَان قد سمع أَبُو الْيَمَان من جرير بن عُثْمَان وَجَرِير سمع عبد الله بن بشر روى عَنهُ أهل الشَّام
Ibn Ḥibbān (d. 965 CE) - al-Thiqāt - ابن حبان - الثقات
ا
ب
ت
ث
ج
ح
خ
د
ذ
ر
ز
س
ش
ص
ض
ط
ظ
ع
غ
ف
ق
ك
ل
م
ن
ه
و
ي
I pay $140/month to host my websites. If you wish to help, please use the following button (secure payments with Stripe).
الصفحة الرئيسية للكتاب Number of entries in this book
عدد المواضيع في هذا الكتاب 16018 13489. محمد بن نعيم3 13490. محمد بن نفيع1 13491. محمد بن نمير المدني1 13492. محمد بن نوح3 13493. محمد بن هارون بن ابراهيم ابو بسيط1 13494. محمد بن هارون بن محمد بن بكار213495. محمد بن هاشم5 13496. محمد بن هاشم بن سعيد2 13497. محمد بن هاشم بن سعيد البعلبكي1 13498. محمد بن هانئ1 13499. محمد بن هدية الصدفي1 13500. محمد بن هشام الحراني1 13501. محمد بن هشام المروزي1 13502. محمد بن هشام بن ابي خيرة السدوسي2 13503. محمد بن هشام بن عروة بن الزبير2 13504. محمد بن هشام بن ملاس ابو جعفر1 13505. محمد بن هلال4 13506. محمد بن هلال بن ابي هلال المدني1 13507. محمد بن هلال بن رداد الكناني1 13508. محمد بن هيصم ابو جميل2 13509. محمد بن وارد1 13510. محمد بن واسع الازدي1 13511. محمد بن وكيع3 13512. محمد بن وهب3 13513. محمد بن وهب ابو يوسف اليمني1 13514. محمد بن وهب بن عمر2 13515. محمد بن يحيى ابو يحيى المحاربي1 13516. محمد بن يحيى الاسكندراني1 13517. محمد بن يحيى القومسي يعرف بسياه1 13518. محمد بن يحيى بن ابي حزم القطعي1 13519. محمد بن يحيى بن ابي سمينة بغدادي1 13520. محمد بن يحيى بن ابي عمر العدني4 13521. محمد بن يحيى بن الصائغ المروزي1 13522. محمد بن يحيى بن المنذر ابو سليمان1 13523. محمد بن يحيى بن حبان بن منقذ6 13524. محمد بن يحيى بن حمزة الحضرمي1 13525. محمد بن يحيى بن سعيد القطان2 13526. محمد بن يحيى بن سهل3 13527. محمد بن يحيى بن ضريس ابو جعفر1 13528. محمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن مهران1 13529. محمد بن يحيى بن عبد الكريم الازدي1 13530. محمد بن يحيى بن عبد ربه القصري1 13531. محمد بن يحيى بن عروة بن الزبير3 13532. محمد بن يحيى بن عمار ابو مسلم1 13533. محمد بن يحيى بن فارس ابو عبد الله1 13534. محمد بن يحيى بن فياض الزماني2 13535. محمد بن يحيى بن قيس الماربي3 13536. محمد بن يحيى بن كثير الحراني1 13537. محمد بن يزيد10 13538. محمد بن يزيد الادمي1 13539. محمد بن يزيد الاسفاطي ابو عبد الله البصري...1 13540. محمد بن يزيد الانصاري1 13541. محمد بن يزيد الحارثي1 13542. محمد بن يزيد الحزامي1 13543. محمد بن يزيد الرحبي الدمشقي1 13544. محمد بن يزيد الرقي1 13545. محمد بن يزيد العطار3 13546. محمد بن يزيد الكلابي1 13547. محمد بن يزيد الكلاعي2 13548. محمد بن يزيد المستملي ابو بكر الاشلي...1 13549. محمد بن يزيد المكي1 13550. محمد بن يزيد بن ابي يزيد2 13551. محمد بن يزيد بن خنيس المخزومي1 13552. محمد بن يزيد بن رفاعة بن سماعه1 13553. محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي3 13554. محمد بن يزيد بن صيفي بن صهيب2 13555. محمد بن يزيد بن عبد الله ابو عبد الله...1 13556. محمد بن يزيد بن عفيف4 13557. محمد بن يسار5 13558. محمد بن يسار الخراساني1 13559. محمد بن يعقوب5 13560. محمد بن يعقوب الزبيري1 13561. محمد بن يعقوب الزمعي القرشي1 13562. محمد بن يعقوب اللؤلؤي1 13563. محمد بن يعقوب بن ابي عبيدة1 13564. محمد بن يعقوب بن المغيرة بن الاخنس1 13565. محمد بن يعلى الهروي1 13566. محمد بن يوسف5 13567. محمد بن يوسف الاصبهاني1 13568. محمد بن يوسف الانباري2 13569. محمد بن يوسف الدمشقي4 13570. محمد بن يوسف الغضيضي2 13571. محمد بن يوسف الفريابي ابو عبد الله2 13572. محمد بن يوسف بن ابراهيم بن محمد1 13573. محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام1 13574. محمد بن يوسف بن عبد الله بن يزيد3 13575. محمد بن يوسف بن عيسى بن الطباع1 13576. محمد بن يونس بن المنير ابو عبد الرحمن...1 13577. محمد مولى بني تميم1 13578. محمد مولى بني هاشم1 13579. محمود بن ادم المروزي2 13580. محمود بن الربيع الخزرجي3 13581. محمود بن جابر بن عبد الله بن عمرو1 13582. محمود بن خالد الدمشقي ابو علي2 13583. محمود بن خداش الطالقاني ابو محمد1 13584. محمود بن خلف بن ايوب البلخي1 13585. محمود بن شداد بن اوس1 13586. محمود بن عبد الرحمن بن سعد بن معاذ1 13587. محمود بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف...1 13588. محمود بن عمرو4 ◀ Prev. 100▶ Next 100
You are viewing hadithtransmitters.hawramani.com in filtered mode: only posts belonging to
Ibn Ḥibbān (d. 965 CE) - al-Thiqāt - ابن حبان - الثقات are being displayed.
Similar and related entries:
مواضيع متعلقة أو مشابهة بهذا الموضوع
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=66595&book=5528#ef5df6
محمّد بن سيرين، أحد الأعلام الحفّاظ، توفي سنة (101).
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=66595&book=5528#be8006
محمّد بن سيرين.
* عن ابن مسعود منقطع (السنن الكبرى: 5/ 351).
* عن ابن مسعود منقطع (السنن الكبرى: 5/ 351).
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=66595&book=5528#ab16c3
مُحَمَّد بن سِيرِين روى أَن رجلا أخبرهُ عَن بن عَبَّاس أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن أُمِّي عَجُوز كَبِيرَة الحَدِيث
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=66595&book=5528#acdd26
محمد بن سيرين، عن رجل من الصحابة
د ع: محمد بن سيرين عن رجل من الصحابة.
(2162) أخبرنا أبو الفضل بن أبي الحسن، أخبرنا أبو يعلى، أخبرنا هدبة بن خالد، أخبرنا همام، عن قتادة، عن محمد بن سيرين: أن رجلا بالكوفة شهد أن عثمان قتل شهيدا، فأخذته الزبانية فرفعوه إلى علي، وقالوا: لولا أنك نهيتنا أن لا نقتل أحد لقتلناه، هذا يزعم أنه يشهد أن عثمان قتل شهيدا! فقال الرجل لعلي: وأنت تشهد أنك تذكر أني أتيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألته فأعطاني، وأتيت أبا بكر فسألته فأعطاني، وأتيت عمر فسالته فأعطاني وأتيت عثمان فسألته فأعطاني، فأتيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يبارك لي، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كيف لا يبارك لك وأعطاك نبي، وصديق، وشهيدان ".
أخرجه ابن منده، وأبو نعيم.
وعاد أبو نعيم أخرج هذا المتن في ترجمة نعيم بن أبي هند
د ع: محمد بن سيرين عن رجل من الصحابة.
(2162) أخبرنا أبو الفضل بن أبي الحسن، أخبرنا أبو يعلى، أخبرنا هدبة بن خالد، أخبرنا همام، عن قتادة، عن محمد بن سيرين: أن رجلا بالكوفة شهد أن عثمان قتل شهيدا، فأخذته الزبانية فرفعوه إلى علي، وقالوا: لولا أنك نهيتنا أن لا نقتل أحد لقتلناه، هذا يزعم أنه يشهد أن عثمان قتل شهيدا! فقال الرجل لعلي: وأنت تشهد أنك تذكر أني أتيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألته فأعطاني، وأتيت أبا بكر فسألته فأعطاني، وأتيت عمر فسالته فأعطاني وأتيت عثمان فسألته فأعطاني، فأتيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يبارك لي، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كيف لا يبارك لك وأعطاك نبي، وصديق، وشهيدان ".
أخرجه ابن منده، وأبو نعيم.
وعاد أبو نعيم أخرج هذا المتن في ترجمة نعيم بن أبي هند
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=66595&book=5528#580cad
مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ
- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى الْبَابْسَيْرِيُّ الْوَاسِطِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نَصْرٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كُنَاسَةَ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: أُتِيَ بِرَجُلِ عَلِيٍّ، فَقِيلَ: هَذَا يَزْعُمُ أَنَّ عُثْمَانَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ عُثْمَانَ فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَنْتَ تَزْعُمُ، تَذْكُرُ أَنِّي سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِي، وَسَأَلْتُ أَبَا بَكْرٍ فَأَعْطَانِي، وَسَأَلْتُ عُمَرَ فَأَعْطَانِي، وَسَأَلْتُ عُثْمَانَ فَأَعْطَانِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يُبَارَكَ لِي فِيهِ، قَالَ: «كَيْفَ لَا يُبَارَكُ لَكَ وَإِنَّمَا أَعْطَاكَ نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَانِ» رَوَاهُ قَتَادَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، نَحْوَهُ
- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى الْبَابْسَيْرِيُّ الْوَاسِطِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نَصْرٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كُنَاسَةَ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: أُتِيَ بِرَجُلِ عَلِيٍّ، فَقِيلَ: هَذَا يَزْعُمُ أَنَّ عُثْمَانَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ عُثْمَانَ فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَنْتَ تَزْعُمُ، تَذْكُرُ أَنِّي سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِي، وَسَأَلْتُ أَبَا بَكْرٍ فَأَعْطَانِي، وَسَأَلْتُ عُمَرَ فَأَعْطَانِي، وَسَأَلْتُ عُثْمَانَ فَأَعْطَانِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يُبَارَكَ لِي فِيهِ، قَالَ: «كَيْفَ لَا يُبَارَكُ لَكَ وَإِنَّمَا أَعْطَاكَ نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَانِ» رَوَاهُ قَتَادَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، نَحْوَهُ
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=66595&book=5528#75af8a
محمد بن سيرين
أبو بكر بن أبي عمرة مولى الأنصار البصري الفقيه حدث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو آمن بي عشرة من اليهود، ما بقي على ظهرها يهودي إلا أسلم ".
وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه ".
قال أيوب: أما محمد بن سيرين، فكان يراد على القضاء، فيفر إلى الشام مرة، ويفر إلى اليمامة مرة. وكان إذا قدم البصرة كان كالمستخفي حتى يخرج.
قال عباد بن عباد: قدم ابن سيرين دمشق، فأقام أربع سنين لا يعرف بها.
وذكر أبو حسان الحسن بن عثمان الزيادي أن ابن سيرين ولد سنة إحدى وثلاثين في خلافة عثمان.
قال خليفة بن خياط: في الطبقة الثالثة من تابعي أهل البصرة محمد بن سيرين مولى أنس بن مالك. أمه امرأة من المدينة، يكنى أبا بكر، مات سنة عشر ومئة بعد الحسن - يقال - بمئة يوم. صلى عليه النضر بن عمرو المقرائي.
وقال محمد بن سعد: محمد بن سيرين يكنى أبا بكر مولى أنس بن مالك. وكان ثقة مأموناً عالياً رفيعاً فقيهاً إماماً كثير العلم ورعاً، وكان به صمم.
روى ابن سيرين عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من نسي، فأكل أو شرب، فليتم صومه ".
وعنه أيضاً عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من استقاء فعليه القضاء ".
قال أبو نصر البخاري: محمد بن أبي عمرة، واسمه سيرين، أبو بكر، قال الواقدي: وكان سيرين من سبي عين التمر، مولى أنس بن مالك، وهو الأنصاري البصري أخو أنس وخالد ويحيى ومعبد وحفصة.
قال أبو بكر الخطيب: محمد بن سيرين أبو بكر البصري، مولى أنس بن مالك.. كان أحد الفقهاء من أهل البصرة والمذكورين بالورع في وقته.
قال سعيد بن عامر: كان سيرين أبو محمد قيناً حداداً.
وروى أبو بكر بإسناده قال: كان سيرين أبو محمد بن سيرين من أهل جرجرايا، وكان يعمل قدور النحاس، فجاء إلى عين التمر يعمل بها، فسباه خالد بن الوليد.. وكان خالد بن الوليد وجد بها أربعين غلاماً مختفين فأنكرهم فقالوا: إنا كنا أهل مملكة، ففرقهم في الناس، فكان سيرين منهم، فكاتبه أنس، فعتق في الكتاب.
قال عبيد الله بن أبي بكر بن أني بن مالك: هذه مكاتبة سيرين عندنا: هذا ما كاتب عليه أنس بن مالك فتاه سيرين على كذا وكذا ألفاً، وعلى غلامين يعملان عنده.
روي عن أيوب عن ابن سيرين: أنه كتب في وصيته: هذا ما أوصى به محمد بن أبي عمرة، وأوصى أن الأنصار إخواننا في الدين وموالينا. وذلك أنه بلغه أن ناساً من أهله أرادوا أن يدعوا في العرب، فلذلك قال هذا القول.
سمع أحمد بن حنبل يقول: إنما العلم خزائن، إنما العلم خزائن، يقسم الله لمن أحب، لو كان يخص بالعلم أحداً، لكان أهل بيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولى. كان عطاء بن أبي رباح حبشياً، وكان يزيد بن أبي حبيب نوبياً أسود، وكان الحسن البصري مولى الأنصار، وكان محمد بن سيرين مولى الأنصار.
حدث بكار بن محمد عن أبيه قال: إن أم محمد بن سيرين صفية مولاة أبي بكر بن أبي قحافة، طيبها ثلاث من أزواج
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدعون لها، وحضر إملاكها ثمانية عشر بدرياً، منهم أبي بن كعب، وهم يؤمنون. وقال بكار بن محمد: ولد لمحمد بن سيرين ثلاثون ولداً من امرأة واحدة، لم يبق منهم غير عبد الله.
روى أبو بكر الخطيب، بإسناده إلى محمد بن سيرين قال: حج بنا أبو الوليد، ونحن سبعة ولد سيرين، فمر بنا على المدينة، فلما دخلنا على زيد بن ثابت قيل له: هؤلاء بنو سيرين. قال: فقال زيد: هذان لأم، وهذان لأم، وهذان لأم، وهذا لأم. قال: فما أخطأ. وكان معبد أخا محمد لأمه.
حدث يوسف بن عطية الصفار قال: رأيت محمد بن سيرين، وكان قصيراً، عظيم البطن، له وفرة، يفرق شعره، كثير المزاح، كثير الضحك، يخضب بالحناء، وافر اللحية.
قال الفضيل بن عياض: قلت لهشام بن حسان: كم أدرك الحسن من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: عشرين ومئة. قلت: فابن سيرين؟ قال: ثلاثين.
قال أحمد بن عبد الله العجلي: ومحمد بن سيرين يكنى أبا بكر، بصري تابعي ثقة. وهو من أروى الناس عن شريح وعبيدة وإنما تأدب بالكوفيين أصحاب عبد الله. زاد آخرون: وأخوه معبد بن سيرين بصري تابعي ثقة. وأخوهم أنس بن سيرين بصري تابعي ثقة، وأختهم حفصة بنت سيرين أم الهديل بصرية تابعية ثقة، سمعت من أم عطية.
قال عاصم: أتيت ابن سيرين بكتاب فقلت: انظر فيه. فقلت: يبيت عندك؟ فأبى. كأنه كان يكره أن يكون عنده كتاب.
قال علي بن المديني: أصحاب أبي هريرة هؤلاء الستة: سعيد بن المسيب وأبو سلمة والأعرج وأبو صالح ومحمد بن سيرين وطاووس، وكان همام بن منبه يشبه حديثه بحديثهم إلا أحرفاً.
وثقه أحمد بن حنبل وابن أبي حاتم وسوار بن عبد الله ويونس وابن عون وغيرهم كثير.
قال أحمد بن حنبل: محمد بن سيرين في أبي هريرة لا يقدم عليه أحد.
وقال ابن عون: كان محمد بن سيرين إذا حدث كأنه يتقي شيئاً، كأنه يحذر شيئاً، وقال: كان محمد يحدث بالحديث على حروفه.
وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: محمد بن سيرين ويحيى بن سيرين ومعبد بن سيرين وأنس بن سيرين وحفصة بنت سيرين، هؤلاء الإخوة كلهم ثقات.
وقال مالك بن أنس: ما بالعراق أحد أقدمه على أيوب ومحمد بن سيرين في زمانهما.
وقال عمرو بن مرة: إني لأغبط أهل البصرة بذينك الشيخين: الحسن ومحمد.
وقال مورق العجلي: ما رأيت رجلاً أفقه في ورعه، ولا أورع في فقهه من ابن سيرين.
وقال البتي: ما رأيت بهذه النقرة - يعني البصرة - أحداً أعلم بقضاء من ابن سيرين.
قال عوف: كان محمد حسن العلم بالتجارة، حسن العلم بالقضاء، حسن العلم بالفرائض.
قال ابن عون: كان بصر محمد بالعلم كبصر التاجر الأريب بتجارته.
حدث سليمان بن حرب، بسنده إلى محمد بن سيرين قال: رحم الله شريحاً، كان يدني مجلسي. قال سليمان: كان أصم، يعني محمداً.
وكان عامر الشعبي يقول: عليكم بذاك الأصم، يعني محمد بن سيرين.
حدث الأشعث عن محمد قال: كان إذا سئل عن شيء من الفقه الحلال والحرام تغير لونه وتبدل، حتى كأنه ليس بالذي كان.
قال ابن شبرمة: دخلت على محمد بن سيرين بواسط، فلم أر أجبن عن فتيا على رؤيا منه.
وقال عاصم الأحول: كان محمد بن سيرين إذا سئل عن الشيء قال: ليس عندي فيه إلا رأي أتهمه. فيقال له: قل فيه على ذلك برأيك. فيقول: لو أعلم أن رأيي يثبت لقلت فيه، ولكن أخاف أن أرى اليوم رأياً، وأرى غداً غيره، فلا بد حينئذ أتبع الناس في بيوتهم.
وقال: لم يكن ابن سيرين يترك أحداً يمشي معه يسأله عن شيء.
قال أبو قلابة:
وأينا يطيق ما يطيق محمد بن سيرين؟ يركب مثل حد السنان.
روي عن بعض أهل محمد بن سيرين أنه قال: ما رابه شيء إلا تركه، منذ نشأ. يعني محمداً.
قال رجاء بن أبي سلمة: وصف يونس بن عبيد الحسن وابن سيرين، قال: أما الحسن، فلم أر رجلاً أقرب قولاً من فعل منه. وأما ابن سيرين، فإنه لم يعرض له أمران في دينه إلا أخذ بأوثقهما.
قال بكر بن عبد الله المزني: من سره أن ينظر إلى أورع من أدركنا في زماننا، فلينظر إلى ابن سيرين، فإنه كان يدع الحلال تأثماً.
حدث ميمون بن مهران قال: قدمت الكوفة، وأنا أريد أن أشتري البز، فأتيت محمد بن سيرين، وهو يومئذ بالكوفة، فساومته، فجعل إذا باعني صنفاً من أصناف البز قال: هل رضيت؟ فأقول: نعم. فيعيد ذلك علي ثلاث مرات، ثم يدعو رجلين، فيشهدهما على بيعنا، ثم يقولك انقل متاعك. وكان لا يبيع بهذه الدراهم الحجاجية، فلما رأيت ورعه، ما تركت شيئاً من حاجتي أجده عنده إلا اشتريته حتى لفائف البز.
قال هشام بن حسان: ترك محمد بن سيرين أن يفتي في شيء ما ترون به بأساً. قال: وكان يتجر، فإذا ارتاب بشيء في تجارته تركه، حتى ترك التجارة.
قال: وقال محمد بن سيرين: ما أتيت امرأة في نوم ولا يقظة إلا أم عبد الله، يعني زوجته. قال: وقال ابن سيرين: إني أرى المرأة في المنام، فأعرف أنها لا تحل لي، فأصرف بصري عنها.
حدث عبد الرحمن بن فروخ القطان قال: كان ابن سيرين يذكر أوزانه، لكي لا تنقص إذا احتكت.
قال ابن عون: كان محمد من أرجى الناس لهذه الأمة، وأشد الناس إزراء على نفسه.
حدث حسين المعلم قال: كان محمد بن سيرين يتحدث، فيضحك، فإذا جاء الحديث، خسع.
قال الأشعث: أنا أصفهما لكم - يعني الحسن وابن سيرين - كنا ندخل على الحسن، فإنما هو النار، وأمر الآخرة والموت. وكنا ندخل على ابن سيرين، فكان يمزح ويضحك ويتحدث، فإذا أردته على شيء من أمر دينه، كنت إلى أن تنال السماء أقرب منك إلى ما تريد.
حدثت أم عباد امرأة هشام بن حسان قالت: كنا نزولاً مع محمد بن سيرين في الدار. فكنا نسمع بكاءه بالليل وضحكه بالنهار.
روى ابن سعد بإسناده إلى أنس بن سيرين قال: كانت لمحمد سبعة أوراد؛ فكان إذا فاته شيء من الليل قرأه بالنهار.
وإلى خالد الحذاء قال: كان محمد بن سيرين يصوم يوماً، ويفطر يوماً، فإذا وافق صومه اليوم الذي يشك فيه أنه من شعبان أو من رمضان صامه.
وإلى قرة بن خالد قال: رأيت محمد يكنس مسجده بثوبه.
روى الخطيب بإسناده إلى الصقر بن حبيب قال: مر ابن سيرين برواس، قد أخرج رأساً من التنور، فغشي عليه! وإلى ابن عوانة قال: رأيت ابن سيرين مر في أصحاب السكر، فجعل لا يمر بقوم، إلا سبحوا، وذكروا الله عز وجل.
وإلى أبي بكر صاحب القواريري قال: جاء رجل إلى محمد بن سيرين، فادعى عليه درهمين، فأبى أن يعطيه، فقال له: تحلف؟ قال: نعم. قال: فقيل له: يا أبا بكر، تحلف على درهمين؟! قال: لا أطعمه حراماً، وأنا أعلم.
قال ابن عون: جاء قوم إلى ابن سيرين، فقالوا: إنا نلنا منك، فاجعلنا في حل. قال: لا أحل ما حرم الله! حدث طوق بن وهب قال: دخلت على محمد بن سيرين، وقد اشتكيت، فقال: كأني أراك شاكياً. قال: قلت: أجل. قال: اذهب إلى فلان الطبيب، فاستوصفه. ثم قال: اذهب إلى فلان، فإنه أطب منه. ثم قال: أستغفر الله، أراني قد اغتبته!
قال محمد بن سيرين: التقي عن الخطائين مشغول، وإن أكثر الناس خطايا أكثرهم ذكراً لخطايا الناس.
وقال أيضاً: ما حسدت أحداً قط على شيء؛ إن كان من أهل النار، فكيف أحسده على شيء من الدنيا ومصيره إلى النار؟! وإن كان من أهل الجنة، فكيف أحسد رجلاً من أهلها أوجب الله له رضوانه؟! قال ابن عون: كلموا محمد بن سيرين في رجل يحدثه فقال: لو كان رجل من الزنج وعبد الله بن محمد هذا، كانوا عندي سواء.
وقال أيضاً: كان ابن سيرين يكره إذا اشترى شيئاً أن يستوضع من ثمنه بعد البيع، ويقول: هذا من المسألة.
روى ابن سعد، بإسناده إلى حفصة بنت سيرين أنها قالت:
كانت أم محمد امرأة حجازية، وكان يعجبها الصبغ، وكان محمد إذا اشترى لها ثوباً اشترى ألين ما يجد، لا ينظر في بقائه، فإذا كان كل يوم عيد، صبغ لها ثيابها. قالت: وما رأيته رافعاً صوته عليها قط. وكان إذا كلمها كلمها كالمصغي إليها بالشيء.
وبسنده إلى ابن عون: أن محمداً كان إذا كان عند أمه، ورآه رجل لا يعرفه، ظن أن به مرضاً، من خفضه كلامه عندها.
قال ابن عون: كان محمد يكون عند المصيبة كما كان قبل ذلك؛ يتحدث، ويضحك، إلا يوم ماتت حفصة، فإنه جعل يكشر، وأنت تعرف في وجهه. وكان محمد يعزي عند المصيبة: أعظم الله أجركم، وأعقبكم من مصيبتكم عقبى نافعة لآخرتكم ودنياكم.
قال أيوب: كان ابن سيرين إذا اخبر بموت أحد من إخوانه كأنه سقط منه عضو من أعضائه وركن من أركانه، أو نحو ذلك.
وقال زهير: كان ابن سيرين، إذا ذكر عنده الموت، مات كل عضو منه على حياله، أو على حدته.
حدث عبد الله بن محمد بن سيرين قال: سألت ابن عون عن القدر فقال: سألت جدك محمداً عن القدر، فقال: " لو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم، ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ".
وحدث صالح المري قال: دخل رجل على ابن سيرين، وأنا شاهد، ففتح باباً من أبواب القدر، فتكلم فيه، فقال محمد بن سيرين: إما أن تقوم، وإما أن أقوم.
روي عن يونس بن عبيد أنه قال: تكلم الحسن احتساباً، وسكت محمد احتساباً.
حدث ضمرة عن رجاء قال: كان الحسن يجيء إلى السلطان، ويعيبهم. وكان ابن سيرين لا يجيء إلى السلطان، ولا يعيبهم.
حدث ابن عون عن محمد أنه كان إذا تلى هذه الآية " وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين " قال: اللهم محصنا، ولا تجعلنا كافرين.
قال محمد بن سيرين: إذا أراد الله بعبد خيراً، جعل له واعظاً من قلبه - وفي رواية: من نفسه - يأمره وينهاه.
وقال: كان يقال: لا تكرم صديقك فيما يشق عليه. قال: وكان يقال: أكرم ولدك، وأحسن أدبه.
حدث عمارة بن مهران قال: قال إسماعيل المعولي لمحمد بن سيرين، وأنا شاهد: تأمرنا بالصلاة في جماعة، ولا تصلي في جماعة؟! قال: فقال: ما كل أمري أحمده.
قال قرة بن خالد: سأل رجل محمد بن سيرين عن حديث، وقد أراد أن يقوم، فقال: من الرجز
إنك إن كلفتني ما لم أطق ... ساءك ما سرك مني من خلق
قال أيوب: رأيت الحسن في النوم مقيداً، ورأيت ابن سيرين مقيداً في النوم. قال أحمد بن علي: روي في الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه عبر القيد في النوم ثباتاً في الدين.
حدث عبد ربه القصاب قال: واعدت محمد بن سيرين أن أشتري له أضاحي، فنسيت موعده بشغل، ثم ذكرت بعد، فأتيته قريباً من نصف النهار، وإذا محمد ينتظرني، فسلمت عليه، فرفع رأسه، فقال: أما إنه قد نقبل أهون ديناً منك، فقلت: شغلت، وعنفني أصحابي في المجيء إليك، وقالوا: قد ذهب، ولم يقعد إلى الساعة. فقال: لو لم تجئ حتى تغرب الشمس، ما قمت من مقعدي هذا، إلا إلى صلاة أو حاجة لا بد منها.
قال عبد الله بن عون:
ما أتينا محمداً في يوم عيد قط إلا أطعمنا خبيصاً أو فالوذقاً. وكان لا يخرج يوم الفطر حتى يأمر بزكاة رمضان، فتطيب، ويرسل بها إلى المسجد الجامع، ثم يخرج إلى العيد.
حدث حبيب بن الشهيد قال: دخلت على محمد بن سيرين في يوم حار، فوجد في وجهي التعب، فقال: يا جارية، هاتي لحبيب غداء، هاتي، هاتي، هاتي حتى قال ذلك مراراً. قلت: لا أريده. قال: هاتي. فلما جاءت به، قلت: لا أريده. قال: كل لقمة، وأنت بالخيار. فلما أكلت لقمة، نشطت، فأكلت.
قال يزيد النحوي: دخلت على ابن سيرين بيته، وهو جالس في الأرض، فألقى لي وسادة، فقلت: أرضى لنفسي ما رضيت لنفسك. قال: إني لأرضى لك في بيتي ما أرضاه لنفسي، فاجلس حيث تجلس، ولا تجلس مقابل باب أو شيء يكرهون أن تستقبله.
حدث جرير بن حازم قال: قلت بيت شعر، فمررت بمسجد الجهاضم، فقالوا: ما أراك إلا قد أحدثت، فتوضأ، فذعرت من قولهم، فأتيت محمد بن سيرين، وهو قائم في مسجده في بيته، وقد رفع يديه ليكبر، فلما رآني قال: حاجتك؟ فأخبرته، فقال: أفلا رددت عليهم: أما سمعتم قول القائل: من المتقارب
ديار لرملة إذا عيشنا ... بها عيشة الأنعم الأفضل
وإذ ودها فارغ للصدي ... ق لم يتغير، ولم يشغل
وإذ هي كالغصن في حائر ... من الماء طال ولم يعضل
كأن الثلوج وماء السحاب ... والقرقفية بالفلفل
يعل به برد أنيابها ... قبيل الصباح ولم ينجل
ثم قال: الله أكبر، ودخل في الصلاة.
حدث أحمد بن أبي الحواري، عن عبد الله بن السري قال: قال محمد بن سيرين: إني لأعرف الذي حمل علي الدين ما هو؛ قلت لرجل منذ أربعين سنة: يا مفلس! فحدثت به أبا سليمان، فقال لي: يا أحمد، قلت ذنوبهم، فعرفوا من أين يؤتون، وكثرت ذنوبي وذنوبك، فليس ندري من أين نؤتى.
حدث المدائني قال: كان سبب حبس ابن سيرين في الدين أنه اشترى زيتاً بأربعين ألف درهم، فوجد في زق منه فأرة، فقال: الفأرة كانت في المعصرة، فصب الزيت كله. وكان يقول: عيرت رجلاً بشيء من ثلاثين سنة، أحسبني عوقبت به. وكانوا يرون أنه عير رجلاً بالفقر، فابتلي به.
حدث ابن سعد قال: سألت محمد بن عبد الله الأنصاري عن سبب الدين الذي ركب محمد بن سيرين حين حبس له، فقال: كان اشترى طعاماً بربعين ألف درهم، فأخبر عن أصل الطعام بشيء كرهه، فتركه أو تصدق به، وبقي المال عليه، فحبس به، حبسته امرأة. وكان الذي حبسه مالك بن المنذر.
وقال ابن سعد: أخبرنا بكار بن محمد، قال: حدثني أبي أن محمد بن سيرين كان باع من أم محمد بنت عبد الله بن عثمان بن أبي العاص الثقفي جارية، فرجعت إلى محمد، فشكت أنها تعذبها،
فأخذها محمد، وكان قد أنفق ثمنها. فهي التي حبسته. وهي التي تزوجها سلم بن زياد، وأخرجها إلى خراسان، وكان أبوها يلقب كركرة.
حدث عبد الحميد بن عبد الله بن مسلم بن يسار قال: لما حبس ابن سيرين في السجن، قال له السجان: إذا كان الليل، فاذهب إلى أهلك، فإذا أصبحت فتعال. فقال ابن سيرين: لا والله، لا أعينك على خيانة السلطان.
قال هشام بن حسان: ترك محمد بن سيرين أربعين ألف درهم في شيء ما ترون به اليوم بأساً.
حدث ابن عون قال: لما توجه محمد بن سيرين إلى ابن هبيرة، دعا بوصيته، فنظر فيها، فلما أتى على ذكر دينع بكى! حدث ضمرة عن ابن شوذب قال: جاء رجل يسأل الحسن عن رؤيا، فقال: أخطأ قريباً، ذاك ابن سيرين الذي يعر الرؤيا كأنه من آل يعقوب.
حدث معمر قال: جاء رجل إلى ابن سيرين، فقال: رأيت كأن حمامة التقمت لؤلؤة، فخرجت منها مثل الذي دخلت، ثم جاءت حمامة أخرى، فالتقمت لؤلؤة، فخرجت منها أحسن مما دخلت، ثم جاء حمامة أخرى، فالتقمت لؤلؤة، فخرجت أنقص مما دخلت. فقال ابن سيرين: أما التي خرجت مثل الذي دخلت فهو قتادة، وأما التي خرجت أحسن مما دخلت. فهو الحسن بن أبي الحسن، بسمع الحديث فيزينه بمنطقه، وأما التي خرجت أنقص مما دخلت، فهو ابن سيرين يزيد وينقص!
حدث عبد الله بن المبارك عن عبد الله بن سلم، وهو رجل من أهل مرو قال: كنت أجالس ابن سيرين، فتركت مجالسته، وجالست قوماً من الإباضية، فرأيت فيما يرى النائم كأني مع قوم يحملون جنازة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتيت ابن سيرين، فذكرت له ذلك، فقال: ما لك جالست أقواماً يريدون أن يدفنوا ما جاء به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قال هشام بن حسان: قص رجل على ابن سيرين قال: رأيت كأن بيدي قدحاً من زجاج فيه ماء، فانكسر القدح وبقي الماء. فقال له: اتق الله، فإنك لم تر شيئاً. فقال له الرجل: سبحان الله، أقص عليك الرؤيا، وتقول: لم تر شيئاً؟! فقال له ابن سيرين: إنه من كذب، فليس علي من كذبه شيء. إن كنت رأيت هذا، فستلد امرأتك، وتموت، ويبقى ولدها. فلما خرج قال الرجل: والله ما رأيت هذه الرؤيا. قال: وقد عبرها. قال هشام: فما لبث الرجل غير قليل حتى ولدت امرأته غلاماً، وماتت، وبقي الغلام.
قال: وجاء رجل إلى ابن سيرين، فقال: إني رأيت كأني، وجارية لي سوداء، نأكل في قصعة من صدر سمكة. قال: فقال له ابن سيرين: يخف عليك أن تهيئ لي طعاماً وتدعوني إلى منزلك؟ قال: نعم. قال: فهيأ له طعاماً، ودعاه، فلما وضعت المائدة، إذا جارية له سوداء ممتشطة. قال: فقال له ابن سيرين: هل أصبت من جاريتك هذه شيئاً؟ قال: لا. قال: فإذا وضعت القصعة، فخذ بيدها، فأدخلها المخدع. فأخذ بيدها، فأدخلها المخدع، فصاح: يا أبا بكر، رجل والله! قال ابن سيرين: هذا الذي كان يشاركك في أهلك.
قال مغيرة بن حفص:
سئل ابن سيرين، فقال: رأيت كأن الجوزاء تقدمت الثريا. فقال: هذا لحسن يموت، فبكى، ثم أتبعه، وهو أرفع مني.
قال ابن عون: كان محمد بن سيرين إذا اشتكى، لم يكد يشكو ذلك إلى أحد. قال: وربما اطلع على الشيء.
أخبر ابن عون عن محمد بن سيرين: أنه أوصى: ذكر ما أوصى به، أو هذا ما أوصى به محمد بن أبي عمرة بنيه وأهل بيته أن " اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين " وأوصاهم بما أوصى به " إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون " وأوصاهم ألا يرغبوا أن يكونوا موالي الأنصار وإخوانهم في الدين، وأن العفة والصدق خير وأتقى من الزناء والكذب، وإن حدث به حدث في مرضي هذا قبل أن أغير وصيتي هذه ... ثم ذكر حاجته.
روي عن ابن شوذب وعن هشام ومنصور وغيرهم أن محمد بن سيرين مات بعد الحسن بمئة يوم.
قال هشام بن حسان: ومات محمد لثمان ليال خلون من شوال، سحراً، سنة عشر ومئة، ليلة الجمعة.
روى محمد بن سعد عن بكار بن محمد قال: توفي محمد بن سيرين وقد بلغ نيفاً وثمانين سنة.
حدث الحجاج بن دينار عن الحكم بن حجل، وكان صديقاً لمحمد بن سيرين، فلما مات محمد بن سيرين حزن عليه حتى جعل يعاد كما يعاد المريض، قال: فحدث بعد قال: رأيت أخي محمد بن سيرين في المنام في حال كذا وكذا، فقلت: أي أخي قد أراك في حال تسرني، فما صنع الحسن؟ قال: رفع فوقي بسبعين درجة. قلت: ولم ذاك، وقد كنا نرى أنك أفضل منه؟ قال: ذاك بطول حزنه.
حدثت حفصة بنة راشد قالت: كان مران المخملي لي جاراً، وكان ناصباً مجتهداً، قالت: فمات، فوجدت عليه وجداً شديداً، فرأيته فيما يرى النائم، فقلت: أبا عبد الله، ما صنع الله بك؟ قال: أدخلني الجنة. قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم رفعت إلى أصحاب اليمين. قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم رفعت إلى المقربين. قلت: فمن رأيت ثم من إخوانك؟ قال: رأيت ثم الحسن ومحمد بن سيرين وميمون بن سياه.
وقال حماد، وكان من خيار الناس، وكان مؤذن سكة الموالي، قال: اشتكيت شكاة، فأغمي علي، فأريت كأني أدخلت الجنة، فسألت عن الحسن بن أبي الحسن، فقيل لي: هيهات، ذلك يسجد على شجر الجنة. قال: وسألت عن ابن سيرين، فقيل لي فيه قولاً حسناً مما قيل في الحسن.
أبو بكر بن أبي عمرة مولى الأنصار البصري الفقيه حدث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو آمن بي عشرة من اليهود، ما بقي على ظهرها يهودي إلا أسلم ".
وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه ".
قال أيوب: أما محمد بن سيرين، فكان يراد على القضاء، فيفر إلى الشام مرة، ويفر إلى اليمامة مرة. وكان إذا قدم البصرة كان كالمستخفي حتى يخرج.
قال عباد بن عباد: قدم ابن سيرين دمشق، فأقام أربع سنين لا يعرف بها.
وذكر أبو حسان الحسن بن عثمان الزيادي أن ابن سيرين ولد سنة إحدى وثلاثين في خلافة عثمان.
قال خليفة بن خياط: في الطبقة الثالثة من تابعي أهل البصرة محمد بن سيرين مولى أنس بن مالك. أمه امرأة من المدينة، يكنى أبا بكر، مات سنة عشر ومئة بعد الحسن - يقال - بمئة يوم. صلى عليه النضر بن عمرو المقرائي.
وقال محمد بن سعد: محمد بن سيرين يكنى أبا بكر مولى أنس بن مالك. وكان ثقة مأموناً عالياً رفيعاً فقيهاً إماماً كثير العلم ورعاً، وكان به صمم.
روى ابن سيرين عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من نسي، فأكل أو شرب، فليتم صومه ".
وعنه أيضاً عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من استقاء فعليه القضاء ".
قال أبو نصر البخاري: محمد بن أبي عمرة، واسمه سيرين، أبو بكر، قال الواقدي: وكان سيرين من سبي عين التمر، مولى أنس بن مالك، وهو الأنصاري البصري أخو أنس وخالد ويحيى ومعبد وحفصة.
قال أبو بكر الخطيب: محمد بن سيرين أبو بكر البصري، مولى أنس بن مالك.. كان أحد الفقهاء من أهل البصرة والمذكورين بالورع في وقته.
قال سعيد بن عامر: كان سيرين أبو محمد قيناً حداداً.
وروى أبو بكر بإسناده قال: كان سيرين أبو محمد بن سيرين من أهل جرجرايا، وكان يعمل قدور النحاس، فجاء إلى عين التمر يعمل بها، فسباه خالد بن الوليد.. وكان خالد بن الوليد وجد بها أربعين غلاماً مختفين فأنكرهم فقالوا: إنا كنا أهل مملكة، ففرقهم في الناس، فكان سيرين منهم، فكاتبه أنس، فعتق في الكتاب.
قال عبيد الله بن أبي بكر بن أني بن مالك: هذه مكاتبة سيرين عندنا: هذا ما كاتب عليه أنس بن مالك فتاه سيرين على كذا وكذا ألفاً، وعلى غلامين يعملان عنده.
روي عن أيوب عن ابن سيرين: أنه كتب في وصيته: هذا ما أوصى به محمد بن أبي عمرة، وأوصى أن الأنصار إخواننا في الدين وموالينا. وذلك أنه بلغه أن ناساً من أهله أرادوا أن يدعوا في العرب، فلذلك قال هذا القول.
سمع أحمد بن حنبل يقول: إنما العلم خزائن، إنما العلم خزائن، يقسم الله لمن أحب، لو كان يخص بالعلم أحداً، لكان أهل بيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولى. كان عطاء بن أبي رباح حبشياً، وكان يزيد بن أبي حبيب نوبياً أسود، وكان الحسن البصري مولى الأنصار، وكان محمد بن سيرين مولى الأنصار.
حدث بكار بن محمد عن أبيه قال: إن أم محمد بن سيرين صفية مولاة أبي بكر بن أبي قحافة، طيبها ثلاث من أزواج
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدعون لها، وحضر إملاكها ثمانية عشر بدرياً، منهم أبي بن كعب، وهم يؤمنون. وقال بكار بن محمد: ولد لمحمد بن سيرين ثلاثون ولداً من امرأة واحدة، لم يبق منهم غير عبد الله.
روى أبو بكر الخطيب، بإسناده إلى محمد بن سيرين قال: حج بنا أبو الوليد، ونحن سبعة ولد سيرين، فمر بنا على المدينة، فلما دخلنا على زيد بن ثابت قيل له: هؤلاء بنو سيرين. قال: فقال زيد: هذان لأم، وهذان لأم، وهذان لأم، وهذا لأم. قال: فما أخطأ. وكان معبد أخا محمد لأمه.
حدث يوسف بن عطية الصفار قال: رأيت محمد بن سيرين، وكان قصيراً، عظيم البطن، له وفرة، يفرق شعره، كثير المزاح، كثير الضحك، يخضب بالحناء، وافر اللحية.
قال الفضيل بن عياض: قلت لهشام بن حسان: كم أدرك الحسن من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: عشرين ومئة. قلت: فابن سيرين؟ قال: ثلاثين.
قال أحمد بن عبد الله العجلي: ومحمد بن سيرين يكنى أبا بكر، بصري تابعي ثقة. وهو من أروى الناس عن شريح وعبيدة وإنما تأدب بالكوفيين أصحاب عبد الله. زاد آخرون: وأخوه معبد بن سيرين بصري تابعي ثقة. وأخوهم أنس بن سيرين بصري تابعي ثقة، وأختهم حفصة بنت سيرين أم الهديل بصرية تابعية ثقة، سمعت من أم عطية.
قال عاصم: أتيت ابن سيرين بكتاب فقلت: انظر فيه. فقلت: يبيت عندك؟ فأبى. كأنه كان يكره أن يكون عنده كتاب.
قال علي بن المديني: أصحاب أبي هريرة هؤلاء الستة: سعيد بن المسيب وأبو سلمة والأعرج وأبو صالح ومحمد بن سيرين وطاووس، وكان همام بن منبه يشبه حديثه بحديثهم إلا أحرفاً.
وثقه أحمد بن حنبل وابن أبي حاتم وسوار بن عبد الله ويونس وابن عون وغيرهم كثير.
قال أحمد بن حنبل: محمد بن سيرين في أبي هريرة لا يقدم عليه أحد.
وقال ابن عون: كان محمد بن سيرين إذا حدث كأنه يتقي شيئاً، كأنه يحذر شيئاً، وقال: كان محمد يحدث بالحديث على حروفه.
وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: محمد بن سيرين ويحيى بن سيرين ومعبد بن سيرين وأنس بن سيرين وحفصة بنت سيرين، هؤلاء الإخوة كلهم ثقات.
وقال مالك بن أنس: ما بالعراق أحد أقدمه على أيوب ومحمد بن سيرين في زمانهما.
وقال عمرو بن مرة: إني لأغبط أهل البصرة بذينك الشيخين: الحسن ومحمد.
وقال مورق العجلي: ما رأيت رجلاً أفقه في ورعه، ولا أورع في فقهه من ابن سيرين.
وقال البتي: ما رأيت بهذه النقرة - يعني البصرة - أحداً أعلم بقضاء من ابن سيرين.
قال عوف: كان محمد حسن العلم بالتجارة، حسن العلم بالقضاء، حسن العلم بالفرائض.
قال ابن عون: كان بصر محمد بالعلم كبصر التاجر الأريب بتجارته.
حدث سليمان بن حرب، بسنده إلى محمد بن سيرين قال: رحم الله شريحاً، كان يدني مجلسي. قال سليمان: كان أصم، يعني محمداً.
وكان عامر الشعبي يقول: عليكم بذاك الأصم، يعني محمد بن سيرين.
حدث الأشعث عن محمد قال: كان إذا سئل عن شيء من الفقه الحلال والحرام تغير لونه وتبدل، حتى كأنه ليس بالذي كان.
قال ابن شبرمة: دخلت على محمد بن سيرين بواسط، فلم أر أجبن عن فتيا على رؤيا منه.
وقال عاصم الأحول: كان محمد بن سيرين إذا سئل عن الشيء قال: ليس عندي فيه إلا رأي أتهمه. فيقال له: قل فيه على ذلك برأيك. فيقول: لو أعلم أن رأيي يثبت لقلت فيه، ولكن أخاف أن أرى اليوم رأياً، وأرى غداً غيره، فلا بد حينئذ أتبع الناس في بيوتهم.
وقال: لم يكن ابن سيرين يترك أحداً يمشي معه يسأله عن شيء.
قال أبو قلابة:
وأينا يطيق ما يطيق محمد بن سيرين؟ يركب مثل حد السنان.
روي عن بعض أهل محمد بن سيرين أنه قال: ما رابه شيء إلا تركه، منذ نشأ. يعني محمداً.
قال رجاء بن أبي سلمة: وصف يونس بن عبيد الحسن وابن سيرين، قال: أما الحسن، فلم أر رجلاً أقرب قولاً من فعل منه. وأما ابن سيرين، فإنه لم يعرض له أمران في دينه إلا أخذ بأوثقهما.
قال بكر بن عبد الله المزني: من سره أن ينظر إلى أورع من أدركنا في زماننا، فلينظر إلى ابن سيرين، فإنه كان يدع الحلال تأثماً.
حدث ميمون بن مهران قال: قدمت الكوفة، وأنا أريد أن أشتري البز، فأتيت محمد بن سيرين، وهو يومئذ بالكوفة، فساومته، فجعل إذا باعني صنفاً من أصناف البز قال: هل رضيت؟ فأقول: نعم. فيعيد ذلك علي ثلاث مرات، ثم يدعو رجلين، فيشهدهما على بيعنا، ثم يقولك انقل متاعك. وكان لا يبيع بهذه الدراهم الحجاجية، فلما رأيت ورعه، ما تركت شيئاً من حاجتي أجده عنده إلا اشتريته حتى لفائف البز.
قال هشام بن حسان: ترك محمد بن سيرين أن يفتي في شيء ما ترون به بأساً. قال: وكان يتجر، فإذا ارتاب بشيء في تجارته تركه، حتى ترك التجارة.
قال: وقال محمد بن سيرين: ما أتيت امرأة في نوم ولا يقظة إلا أم عبد الله، يعني زوجته. قال: وقال ابن سيرين: إني أرى المرأة في المنام، فأعرف أنها لا تحل لي، فأصرف بصري عنها.
حدث عبد الرحمن بن فروخ القطان قال: كان ابن سيرين يذكر أوزانه، لكي لا تنقص إذا احتكت.
قال ابن عون: كان محمد من أرجى الناس لهذه الأمة، وأشد الناس إزراء على نفسه.
حدث حسين المعلم قال: كان محمد بن سيرين يتحدث، فيضحك، فإذا جاء الحديث، خسع.
قال الأشعث: أنا أصفهما لكم - يعني الحسن وابن سيرين - كنا ندخل على الحسن، فإنما هو النار، وأمر الآخرة والموت. وكنا ندخل على ابن سيرين، فكان يمزح ويضحك ويتحدث، فإذا أردته على شيء من أمر دينه، كنت إلى أن تنال السماء أقرب منك إلى ما تريد.
حدثت أم عباد امرأة هشام بن حسان قالت: كنا نزولاً مع محمد بن سيرين في الدار. فكنا نسمع بكاءه بالليل وضحكه بالنهار.
روى ابن سعد بإسناده إلى أنس بن سيرين قال: كانت لمحمد سبعة أوراد؛ فكان إذا فاته شيء من الليل قرأه بالنهار.
وإلى خالد الحذاء قال: كان محمد بن سيرين يصوم يوماً، ويفطر يوماً، فإذا وافق صومه اليوم الذي يشك فيه أنه من شعبان أو من رمضان صامه.
وإلى قرة بن خالد قال: رأيت محمد يكنس مسجده بثوبه.
روى الخطيب بإسناده إلى الصقر بن حبيب قال: مر ابن سيرين برواس، قد أخرج رأساً من التنور، فغشي عليه! وإلى ابن عوانة قال: رأيت ابن سيرين مر في أصحاب السكر، فجعل لا يمر بقوم، إلا سبحوا، وذكروا الله عز وجل.
وإلى أبي بكر صاحب القواريري قال: جاء رجل إلى محمد بن سيرين، فادعى عليه درهمين، فأبى أن يعطيه، فقال له: تحلف؟ قال: نعم. قال: فقيل له: يا أبا بكر، تحلف على درهمين؟! قال: لا أطعمه حراماً، وأنا أعلم.
قال ابن عون: جاء قوم إلى ابن سيرين، فقالوا: إنا نلنا منك، فاجعلنا في حل. قال: لا أحل ما حرم الله! حدث طوق بن وهب قال: دخلت على محمد بن سيرين، وقد اشتكيت، فقال: كأني أراك شاكياً. قال: قلت: أجل. قال: اذهب إلى فلان الطبيب، فاستوصفه. ثم قال: اذهب إلى فلان، فإنه أطب منه. ثم قال: أستغفر الله، أراني قد اغتبته!
قال محمد بن سيرين: التقي عن الخطائين مشغول، وإن أكثر الناس خطايا أكثرهم ذكراً لخطايا الناس.
وقال أيضاً: ما حسدت أحداً قط على شيء؛ إن كان من أهل النار، فكيف أحسده على شيء من الدنيا ومصيره إلى النار؟! وإن كان من أهل الجنة، فكيف أحسد رجلاً من أهلها أوجب الله له رضوانه؟! قال ابن عون: كلموا محمد بن سيرين في رجل يحدثه فقال: لو كان رجل من الزنج وعبد الله بن محمد هذا، كانوا عندي سواء.
وقال أيضاً: كان ابن سيرين يكره إذا اشترى شيئاً أن يستوضع من ثمنه بعد البيع، ويقول: هذا من المسألة.
روى ابن سعد، بإسناده إلى حفصة بنت سيرين أنها قالت:
كانت أم محمد امرأة حجازية، وكان يعجبها الصبغ، وكان محمد إذا اشترى لها ثوباً اشترى ألين ما يجد، لا ينظر في بقائه، فإذا كان كل يوم عيد، صبغ لها ثيابها. قالت: وما رأيته رافعاً صوته عليها قط. وكان إذا كلمها كلمها كالمصغي إليها بالشيء.
وبسنده إلى ابن عون: أن محمداً كان إذا كان عند أمه، ورآه رجل لا يعرفه، ظن أن به مرضاً، من خفضه كلامه عندها.
قال ابن عون: كان محمد يكون عند المصيبة كما كان قبل ذلك؛ يتحدث، ويضحك، إلا يوم ماتت حفصة، فإنه جعل يكشر، وأنت تعرف في وجهه. وكان محمد يعزي عند المصيبة: أعظم الله أجركم، وأعقبكم من مصيبتكم عقبى نافعة لآخرتكم ودنياكم.
قال أيوب: كان ابن سيرين إذا اخبر بموت أحد من إخوانه كأنه سقط منه عضو من أعضائه وركن من أركانه، أو نحو ذلك.
وقال زهير: كان ابن سيرين، إذا ذكر عنده الموت، مات كل عضو منه على حياله، أو على حدته.
حدث عبد الله بن محمد بن سيرين قال: سألت ابن عون عن القدر فقال: سألت جدك محمداً عن القدر، فقال: " لو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم، ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ".
وحدث صالح المري قال: دخل رجل على ابن سيرين، وأنا شاهد، ففتح باباً من أبواب القدر، فتكلم فيه، فقال محمد بن سيرين: إما أن تقوم، وإما أن أقوم.
روي عن يونس بن عبيد أنه قال: تكلم الحسن احتساباً، وسكت محمد احتساباً.
حدث ضمرة عن رجاء قال: كان الحسن يجيء إلى السلطان، ويعيبهم. وكان ابن سيرين لا يجيء إلى السلطان، ولا يعيبهم.
حدث ابن عون عن محمد أنه كان إذا تلى هذه الآية " وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين " قال: اللهم محصنا، ولا تجعلنا كافرين.
قال محمد بن سيرين: إذا أراد الله بعبد خيراً، جعل له واعظاً من قلبه - وفي رواية: من نفسه - يأمره وينهاه.
وقال: كان يقال: لا تكرم صديقك فيما يشق عليه. قال: وكان يقال: أكرم ولدك، وأحسن أدبه.
حدث عمارة بن مهران قال: قال إسماعيل المعولي لمحمد بن سيرين، وأنا شاهد: تأمرنا بالصلاة في جماعة، ولا تصلي في جماعة؟! قال: فقال: ما كل أمري أحمده.
قال قرة بن خالد: سأل رجل محمد بن سيرين عن حديث، وقد أراد أن يقوم، فقال: من الرجز
إنك إن كلفتني ما لم أطق ... ساءك ما سرك مني من خلق
قال أيوب: رأيت الحسن في النوم مقيداً، ورأيت ابن سيرين مقيداً في النوم. قال أحمد بن علي: روي في الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه عبر القيد في النوم ثباتاً في الدين.
حدث عبد ربه القصاب قال: واعدت محمد بن سيرين أن أشتري له أضاحي، فنسيت موعده بشغل، ثم ذكرت بعد، فأتيته قريباً من نصف النهار، وإذا محمد ينتظرني، فسلمت عليه، فرفع رأسه، فقال: أما إنه قد نقبل أهون ديناً منك، فقلت: شغلت، وعنفني أصحابي في المجيء إليك، وقالوا: قد ذهب، ولم يقعد إلى الساعة. فقال: لو لم تجئ حتى تغرب الشمس، ما قمت من مقعدي هذا، إلا إلى صلاة أو حاجة لا بد منها.
قال عبد الله بن عون:
ما أتينا محمداً في يوم عيد قط إلا أطعمنا خبيصاً أو فالوذقاً. وكان لا يخرج يوم الفطر حتى يأمر بزكاة رمضان، فتطيب، ويرسل بها إلى المسجد الجامع، ثم يخرج إلى العيد.
حدث حبيب بن الشهيد قال: دخلت على محمد بن سيرين في يوم حار، فوجد في وجهي التعب، فقال: يا جارية، هاتي لحبيب غداء، هاتي، هاتي، هاتي حتى قال ذلك مراراً. قلت: لا أريده. قال: هاتي. فلما جاءت به، قلت: لا أريده. قال: كل لقمة، وأنت بالخيار. فلما أكلت لقمة، نشطت، فأكلت.
قال يزيد النحوي: دخلت على ابن سيرين بيته، وهو جالس في الأرض، فألقى لي وسادة، فقلت: أرضى لنفسي ما رضيت لنفسك. قال: إني لأرضى لك في بيتي ما أرضاه لنفسي، فاجلس حيث تجلس، ولا تجلس مقابل باب أو شيء يكرهون أن تستقبله.
حدث جرير بن حازم قال: قلت بيت شعر، فمررت بمسجد الجهاضم، فقالوا: ما أراك إلا قد أحدثت، فتوضأ، فذعرت من قولهم، فأتيت محمد بن سيرين، وهو قائم في مسجده في بيته، وقد رفع يديه ليكبر، فلما رآني قال: حاجتك؟ فأخبرته، فقال: أفلا رددت عليهم: أما سمعتم قول القائل: من المتقارب
ديار لرملة إذا عيشنا ... بها عيشة الأنعم الأفضل
وإذ ودها فارغ للصدي ... ق لم يتغير، ولم يشغل
وإذ هي كالغصن في حائر ... من الماء طال ولم يعضل
كأن الثلوج وماء السحاب ... والقرقفية بالفلفل
يعل به برد أنيابها ... قبيل الصباح ولم ينجل
ثم قال: الله أكبر، ودخل في الصلاة.
حدث أحمد بن أبي الحواري، عن عبد الله بن السري قال: قال محمد بن سيرين: إني لأعرف الذي حمل علي الدين ما هو؛ قلت لرجل منذ أربعين سنة: يا مفلس! فحدثت به أبا سليمان، فقال لي: يا أحمد، قلت ذنوبهم، فعرفوا من أين يؤتون، وكثرت ذنوبي وذنوبك، فليس ندري من أين نؤتى.
حدث المدائني قال: كان سبب حبس ابن سيرين في الدين أنه اشترى زيتاً بأربعين ألف درهم، فوجد في زق منه فأرة، فقال: الفأرة كانت في المعصرة، فصب الزيت كله. وكان يقول: عيرت رجلاً بشيء من ثلاثين سنة، أحسبني عوقبت به. وكانوا يرون أنه عير رجلاً بالفقر، فابتلي به.
حدث ابن سعد قال: سألت محمد بن عبد الله الأنصاري عن سبب الدين الذي ركب محمد بن سيرين حين حبس له، فقال: كان اشترى طعاماً بربعين ألف درهم، فأخبر عن أصل الطعام بشيء كرهه، فتركه أو تصدق به، وبقي المال عليه، فحبس به، حبسته امرأة. وكان الذي حبسه مالك بن المنذر.
وقال ابن سعد: أخبرنا بكار بن محمد، قال: حدثني أبي أن محمد بن سيرين كان باع من أم محمد بنت عبد الله بن عثمان بن أبي العاص الثقفي جارية، فرجعت إلى محمد، فشكت أنها تعذبها،
فأخذها محمد، وكان قد أنفق ثمنها. فهي التي حبسته. وهي التي تزوجها سلم بن زياد، وأخرجها إلى خراسان، وكان أبوها يلقب كركرة.
حدث عبد الحميد بن عبد الله بن مسلم بن يسار قال: لما حبس ابن سيرين في السجن، قال له السجان: إذا كان الليل، فاذهب إلى أهلك، فإذا أصبحت فتعال. فقال ابن سيرين: لا والله، لا أعينك على خيانة السلطان.
قال هشام بن حسان: ترك محمد بن سيرين أربعين ألف درهم في شيء ما ترون به اليوم بأساً.
حدث ابن عون قال: لما توجه محمد بن سيرين إلى ابن هبيرة، دعا بوصيته، فنظر فيها، فلما أتى على ذكر دينع بكى! حدث ضمرة عن ابن شوذب قال: جاء رجل يسأل الحسن عن رؤيا، فقال: أخطأ قريباً، ذاك ابن سيرين الذي يعر الرؤيا كأنه من آل يعقوب.
حدث معمر قال: جاء رجل إلى ابن سيرين، فقال: رأيت كأن حمامة التقمت لؤلؤة، فخرجت منها مثل الذي دخلت، ثم جاءت حمامة أخرى، فالتقمت لؤلؤة، فخرجت منها أحسن مما دخلت، ثم جاء حمامة أخرى، فالتقمت لؤلؤة، فخرجت أنقص مما دخلت. فقال ابن سيرين: أما التي خرجت مثل الذي دخلت فهو قتادة، وأما التي خرجت أحسن مما دخلت. فهو الحسن بن أبي الحسن، بسمع الحديث فيزينه بمنطقه، وأما التي خرجت أنقص مما دخلت، فهو ابن سيرين يزيد وينقص!
حدث عبد الله بن المبارك عن عبد الله بن سلم، وهو رجل من أهل مرو قال: كنت أجالس ابن سيرين، فتركت مجالسته، وجالست قوماً من الإباضية، فرأيت فيما يرى النائم كأني مع قوم يحملون جنازة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتيت ابن سيرين، فذكرت له ذلك، فقال: ما لك جالست أقواماً يريدون أن يدفنوا ما جاء به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قال هشام بن حسان: قص رجل على ابن سيرين قال: رأيت كأن بيدي قدحاً من زجاج فيه ماء، فانكسر القدح وبقي الماء. فقال له: اتق الله، فإنك لم تر شيئاً. فقال له الرجل: سبحان الله، أقص عليك الرؤيا، وتقول: لم تر شيئاً؟! فقال له ابن سيرين: إنه من كذب، فليس علي من كذبه شيء. إن كنت رأيت هذا، فستلد امرأتك، وتموت، ويبقى ولدها. فلما خرج قال الرجل: والله ما رأيت هذه الرؤيا. قال: وقد عبرها. قال هشام: فما لبث الرجل غير قليل حتى ولدت امرأته غلاماً، وماتت، وبقي الغلام.
قال: وجاء رجل إلى ابن سيرين، فقال: إني رأيت كأني، وجارية لي سوداء، نأكل في قصعة من صدر سمكة. قال: فقال له ابن سيرين: يخف عليك أن تهيئ لي طعاماً وتدعوني إلى منزلك؟ قال: نعم. قال: فهيأ له طعاماً، ودعاه، فلما وضعت المائدة، إذا جارية له سوداء ممتشطة. قال: فقال له ابن سيرين: هل أصبت من جاريتك هذه شيئاً؟ قال: لا. قال: فإذا وضعت القصعة، فخذ بيدها، فأدخلها المخدع. فأخذ بيدها، فأدخلها المخدع، فصاح: يا أبا بكر، رجل والله! قال ابن سيرين: هذا الذي كان يشاركك في أهلك.
قال مغيرة بن حفص:
سئل ابن سيرين، فقال: رأيت كأن الجوزاء تقدمت الثريا. فقال: هذا لحسن يموت، فبكى، ثم أتبعه، وهو أرفع مني.
قال ابن عون: كان محمد بن سيرين إذا اشتكى، لم يكد يشكو ذلك إلى أحد. قال: وربما اطلع على الشيء.
أخبر ابن عون عن محمد بن سيرين: أنه أوصى: ذكر ما أوصى به، أو هذا ما أوصى به محمد بن أبي عمرة بنيه وأهل بيته أن " اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين " وأوصاهم بما أوصى به " إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون " وأوصاهم ألا يرغبوا أن يكونوا موالي الأنصار وإخوانهم في الدين، وأن العفة والصدق خير وأتقى من الزناء والكذب، وإن حدث به حدث في مرضي هذا قبل أن أغير وصيتي هذه ... ثم ذكر حاجته.
روي عن ابن شوذب وعن هشام ومنصور وغيرهم أن محمد بن سيرين مات بعد الحسن بمئة يوم.
قال هشام بن حسان: ومات محمد لثمان ليال خلون من شوال، سحراً، سنة عشر ومئة، ليلة الجمعة.
روى محمد بن سعد عن بكار بن محمد قال: توفي محمد بن سيرين وقد بلغ نيفاً وثمانين سنة.
حدث الحجاج بن دينار عن الحكم بن حجل، وكان صديقاً لمحمد بن سيرين، فلما مات محمد بن سيرين حزن عليه حتى جعل يعاد كما يعاد المريض، قال: فحدث بعد قال: رأيت أخي محمد بن سيرين في المنام في حال كذا وكذا، فقلت: أي أخي قد أراك في حال تسرني، فما صنع الحسن؟ قال: رفع فوقي بسبعين درجة. قلت: ولم ذاك، وقد كنا نرى أنك أفضل منه؟ قال: ذاك بطول حزنه.
حدثت حفصة بنة راشد قالت: كان مران المخملي لي جاراً، وكان ناصباً مجتهداً، قالت: فمات، فوجدت عليه وجداً شديداً، فرأيته فيما يرى النائم، فقلت: أبا عبد الله، ما صنع الله بك؟ قال: أدخلني الجنة. قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم رفعت إلى أصحاب اليمين. قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم رفعت إلى المقربين. قلت: فمن رأيت ثم من إخوانك؟ قال: رأيت ثم الحسن ومحمد بن سيرين وميمون بن سياه.
وقال حماد، وكان من خيار الناس، وكان مؤذن سكة الموالي، قال: اشتكيت شكاة، فأغمي علي، فأريت كأني أدخلت الجنة، فسألت عن الحسن بن أبي الحسن، فقيل لي: هيهات، ذلك يسجد على شجر الجنة. قال: وسألت عن ابن سيرين، فقيل لي فيه قولاً حسناً مما قيل في الحسن.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=66595&book=5528#bb4bf4
مُحَمَّد بن سِيرِين
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=66595&book=5528#7fc38f
محمد بن سيرين: "بصري"، تابعي، ثقة، يكنى أبا بكر، وهو من أروى الناس عن شريح وعبيدة، وإنما تأدب بالكوفيين من أصحاب عبد الله.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=66595&book=5528#e85011
- ومحمد بن سيرين. مولى أنس بن مالك, أمه امرأة من أهل المدينة, يكنى أبا بكر. مات سنة عشر ومائة بعد الحسن بمائة يوم, وصلى عليه النضر بن عمرو المقبري.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=66595&book=5528#8ee6b6
محمد بن سيرين
قال ابن المدينى: كان ابن سيرين يقبل أحد الأذنين، فكانوا يرون أنه ربما سمع الشئ على غير حقيقة.
قال: وقيل لمنصور بن معتمر أو غيره: إن محمدًا روى كذا وكذا، فقال: بأى أذنيه سمعها، بأذنه الصماء أو الصحيحة؟ .
قال: وروى أحاديث منكرة تفرد بها، يرون أنه غلط من صم إحدى أذنيه، من ذلك ما رواه هشيم، عن منصور بن زاذان ، عن محمد بن العلاء بن الحضرمى: كتب إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فبدأ بنفسه .
ومن ذلك ما روى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أعز الاسلام بعمر بن الخطاب أو بعامر ابن الطفيل" . والناس جميعًا يروون: "أو بأ جهل".
قال: حدثنا سليم بن أحصر، حدثنا ابن عون، عن محمد.
قال: ومن ذلك ما حدثنا أبو عاصم، عن ابن عون، عن ابن سيرين، أن سعد بن عبادة بال قائمًا، فرمته الجن فقتلته .
ومن ذلك ما حدثنا به عبد الأعلى، عن هشام، عن محمد، عن عبيدة قال: حفظت عن عمر بن الخطاب رحمه الله فى الحد مائة قضية يخالف بعضها بعضًا . قال: وكان مع هذا يستدين ويعتق عن ولده الجزور وينشد الشعر وقد قام للصلاة.
قال ابن عون: أتاه رجل فقال: ما تقول فى إنشاد الشعر؟ وقد قام للصلاة فقال:
طرقتنى عند العشاء الهموم
حتى أنشد خمسة أبيات، وقد استقبل القبلة ثم قال: الله أكبر .
قال: وكان يتورع عن تفسير القرآن وتفسير الرؤيا، ويقال: إن الرؤيا من أجزاء النبوة، وهى غيب .
قال: فحدثنا أبو عاصم النبيل عن أبى جناب قال: شهدت عمرو بن عبيد أتى محمد بن سيرين فقال: يا أبا بكر، ألم تقل عمران بن حصين قدم البصرة فصلى بهم فلان، فجعل يكبر كلما خفض ورفع، لقد ذكرنى هذا صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[/ب] قال: بلى، قال: فما بدا لك تحذف بتكبيرتين، قال: إن مروان وأهل المدينة لا يكبرون، قال: فقال عمرو: سبحان الله يا أبا بكر سبحان الله.
يقول عمران بن الحصين: ذكرنى صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتقول أنت: مروان وأهل المدينة لا يكبرون. قال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: ]. قال: فقال عمرو: فمروان ممن أمر الله أن يقتدى به، لا والله لا أجالسك يا أبا بكر أبدًا. قال: وقال له رجل: إنى جئتك أسألك عن شئ، قال: على الخبير سقطت، قال: ما تقول فى كذا وكذا؟ قال: ما عندى منه علم.
قال الكرابيسى: روى ابن سيرين، عن عمران بن حطان ، وعمران أباضى مشهور. رأس فى أصحابه، داعية إلى مذهبه، وهو الذى يقول فى ابن ملجم لعبد الله وفى قتله أمير المؤمنين على بن أبى طالب، رضى الله عنه:
يا ضربة من لقى ما أراد بها
... إلا ليبلغ من ذى العرش رضوانا
إنى لأذكره حينًا فأحسبه
... أو فى البرية عند الله ميزانًا
قال ابن المدينى: روى ابن سيرين عن شريح قال: الشعر وزن يوزن، ولم يرو هذا أحد من أهل الكوفة وهو منكر عندهم. قال: وذلك فى رجل قلع من شعر رجل. فقال: تقلع من شعر رأسه مثله، فإن لم يف فمن لحيته بزنته .
قال: وحدث إسماعيل بن علية عن غالب القطان قال: رأيت ابن سيرين يضحك حتى سال لعابه .
قال: وحدث هشيم، عن منصور بن زاذان قال: كان ابن سيرين صاحب ضحك ومزاح .
ضمرة ، عن ابن شوذب ، والسرى بن يحيى ، قال: كان ابن سيرين يضحك حتى يستلقى وكان يقول لأصحابه، مرحبًا بالمدرقشين، أراد أنهم يحملون الجنائز .
محمد بن نصر قال: حدثنا أحمد، حدثنا سريج بن يونس، حدثنا هشيم، عن منصور قال: كان الحسن يحدثنا فيبكى حتى نرق له، وكان ابن سيرين يضحك حتى تدمع عيناه.
أحمد، حدثنا إسحاق، حدثنى سفيان، عن عبد الملك، حدثنا عبد الله بن المبارك، حدثنى معتمر بن سليمان قال: سمعنى أبى أنشد الشعر فى المسجد فنهانى، فقلت: أو ليس الحسن وابن سيرين [/أ] ينشدان.
قال: يا بنى إن اقتديت بالحسن وابن سيرين فى الشر، كان شر كبير .
قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا الحارث (*) بن سعيد، قال: رأيت محمد بن سيرين آخذًا بلحية أيوب السختيانى فقال: لو نتفت لحيتك هذه أعطيت من لحيتى وزنها بقضاء شريح. وكان أيوب كوسجى .
* * *
قال ابن المدينى: كان ابن سيرين يقبل أحد الأذنين، فكانوا يرون أنه ربما سمع الشئ على غير حقيقة.
قال: وقيل لمنصور بن معتمر أو غيره: إن محمدًا روى كذا وكذا، فقال: بأى أذنيه سمعها، بأذنه الصماء أو الصحيحة؟ .
قال: وروى أحاديث منكرة تفرد بها، يرون أنه غلط من صم إحدى أذنيه، من ذلك ما رواه هشيم، عن منصور بن زاذان ، عن محمد بن العلاء بن الحضرمى: كتب إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فبدأ بنفسه .
ومن ذلك ما روى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أعز الاسلام بعمر بن الخطاب أو بعامر ابن الطفيل" . والناس جميعًا يروون: "أو بأ جهل".
قال: حدثنا سليم بن أحصر، حدثنا ابن عون، عن محمد.
قال: ومن ذلك ما حدثنا أبو عاصم، عن ابن عون، عن ابن سيرين، أن سعد بن عبادة بال قائمًا، فرمته الجن فقتلته .
ومن ذلك ما حدثنا به عبد الأعلى، عن هشام، عن محمد، عن عبيدة قال: حفظت عن عمر بن الخطاب رحمه الله فى الحد مائة قضية يخالف بعضها بعضًا . قال: وكان مع هذا يستدين ويعتق عن ولده الجزور وينشد الشعر وقد قام للصلاة.
قال ابن عون: أتاه رجل فقال: ما تقول فى إنشاد الشعر؟ وقد قام للصلاة فقال:
طرقتنى عند العشاء الهموم
حتى أنشد خمسة أبيات، وقد استقبل القبلة ثم قال: الله أكبر .
قال: وكان يتورع عن تفسير القرآن وتفسير الرؤيا، ويقال: إن الرؤيا من أجزاء النبوة، وهى غيب .
قال: فحدثنا أبو عاصم النبيل عن أبى جناب قال: شهدت عمرو بن عبيد أتى محمد بن سيرين فقال: يا أبا بكر، ألم تقل عمران بن حصين قدم البصرة فصلى بهم فلان، فجعل يكبر كلما خفض ورفع، لقد ذكرنى هذا صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[/ب] قال: بلى، قال: فما بدا لك تحذف بتكبيرتين، قال: إن مروان وأهل المدينة لا يكبرون، قال: فقال عمرو: سبحان الله يا أبا بكر سبحان الله.
يقول عمران بن الحصين: ذكرنى صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتقول أنت: مروان وأهل المدينة لا يكبرون. قال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: ]. قال: فقال عمرو: فمروان ممن أمر الله أن يقتدى به، لا والله لا أجالسك يا أبا بكر أبدًا. قال: وقال له رجل: إنى جئتك أسألك عن شئ، قال: على الخبير سقطت، قال: ما تقول فى كذا وكذا؟ قال: ما عندى منه علم.
قال الكرابيسى: روى ابن سيرين، عن عمران بن حطان ، وعمران أباضى مشهور. رأس فى أصحابه، داعية إلى مذهبه، وهو الذى يقول فى ابن ملجم لعبد الله وفى قتله أمير المؤمنين على بن أبى طالب، رضى الله عنه:
يا ضربة من لقى ما أراد بها
... إلا ليبلغ من ذى العرش رضوانا
إنى لأذكره حينًا فأحسبه
... أو فى البرية عند الله ميزانًا
قال ابن المدينى: روى ابن سيرين عن شريح قال: الشعر وزن يوزن، ولم يرو هذا أحد من أهل الكوفة وهو منكر عندهم. قال: وذلك فى رجل قلع من شعر رجل. فقال: تقلع من شعر رأسه مثله، فإن لم يف فمن لحيته بزنته .
قال: وحدث إسماعيل بن علية عن غالب القطان قال: رأيت ابن سيرين يضحك حتى سال لعابه .
قال: وحدث هشيم، عن منصور بن زاذان قال: كان ابن سيرين صاحب ضحك ومزاح .
ضمرة ، عن ابن شوذب ، والسرى بن يحيى ، قال: كان ابن سيرين يضحك حتى يستلقى وكان يقول لأصحابه، مرحبًا بالمدرقشين، أراد أنهم يحملون الجنائز .
محمد بن نصر قال: حدثنا أحمد، حدثنا سريج بن يونس، حدثنا هشيم، عن منصور قال: كان الحسن يحدثنا فيبكى حتى نرق له، وكان ابن سيرين يضحك حتى تدمع عيناه.
أحمد، حدثنا إسحاق، حدثنى سفيان، عن عبد الملك، حدثنا عبد الله بن المبارك، حدثنى معتمر بن سليمان قال: سمعنى أبى أنشد الشعر فى المسجد فنهانى، فقلت: أو ليس الحسن وابن سيرين [/أ] ينشدان.
قال: يا بنى إن اقتديت بالحسن وابن سيرين فى الشر، كان شر كبير .
قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا الحارث (*) بن سعيد، قال: رأيت محمد بن سيرين آخذًا بلحية أيوب السختيانى فقال: لو نتفت لحيتك هذه أعطيت من لحيتى وزنها بقضاء شريح. وكان أيوب كوسجى .
* * *
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=66595&book=5528#f0fe2c
مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ
- مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ. ويكنى أبا بكر مولى أنس بن مالك. وكان ثقة مأمونًا عاليًا رفيعًا فقيهًا إمامًا كثير العلم ورعًا. وكان به صمم. قال: سألت محمد بن عبد الله الأنصاري: من أين كان أصل محمد بن سيرين؟ فقال: من سبي عين التمر. وكان مولى أنس بن مالك. قال: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: وُلِدَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلافَةِ عُثْمَانَ وَوُلِدْتُ أَنَا لِسَنَةٍ بَقِيَتْ مِنْ خِلافَتِهِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أبي أَنَّ أُمَّ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ صَفِيَّةَ مَوْلاةَ أبي بَكْرِ بْنِ أبي قُحَافَةَ طَيَّبَهَا ثَلاثَةٌ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَوْا لَهَا وَحَضَرَ إِمْلاكَهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَدْرِيًّا فِيهِمْ أبي بْنُ كَعْبٍ يَدْعُو وهم يؤمنون. قال: وَقَالَ بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ: وُلِدَ لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ثَلاثُونَ وَلَدًا مِنَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يبق منهم غير عبد الله ابن مُحَمَّدٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أنس ابن سِيرِينَ قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَنَحْنُ سِتَّةُ إِخْوَةٍ فِيهِمْ مُحَمَّدٌ قَالَ: إِنْ شِئْتُمْ أَخْبَرْتُكُمْ مَنْ أَخُو كُلِّ وَاحِدٍ لأُمِّهِ. هَذَا وَهَذَا لأُمٍّ. وَهَذَا وَهَذَا لأُمٍّ. وَهَذَا وَهَذَا لأُمٍّ. فَمَا أَخْطَأَ شَيْئًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: قَالَتْ أُمِّي لِهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ: عَنْ مَنْ يحدث محمد من أصحاب النبي. ص؟ قَالَ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَتْ: وَسَمِعَ مِنْهُمَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: قَالَتْ أُمِّي لِهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ: عَنْ مَنْ يُحَدِّثُ مُحَمَّدٌ مِنْ أصحاب النبي. ص؟ قَالَ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَتْ: وَسَمِعَ مِنْهُمَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ أَخْضَرَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: لَمْ يَكُنْ مُحَمَّدٌ يَرْفَعُ مِنْ حَدِيثِ أبي هُرَيْرَةَ إِلا ثَلاثَةَ أَحَادِيثَ لا يَجِيءُ إِلا بِالرَّفْعِ. أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى إِحْدَى صَلاتَيِ الْعِشَاءِ. وَقَوْلُهُ: جَاءَ أهل الْيَمَنِ. وَحَدِيثٌ ثَالِثٌ نَسِيَهُ سُلَيْمَانُ. قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كُنْتُ أَسْمَعُ الْحَدِيثَ مِنْ عَشَرَةٍ الْمَعْنَى وَاحِدٌ وَاللَّفْظُ مُخْتَلِفٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدٌ يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ عَلَى حُرُوفِهِ. قَالَ: وأُخْبِرْتُ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ: كُلُّ شَيْءٍ قَالَ مُحَمَّدٌ: نُبِّئْتُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ عِكْرِمَةَ لَقِيَهُ أَيَّامَ الْمُخْتَارِ بِالْكُوفَةِ. قَالُوا: وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَيَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ وَشُرَيْحٍ وَغَيْرِهِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ سِيرِينَ يَقُولُ: يَرْحَمُ اللَّهُ شُرَيْحًا إِنْ كَانَ لَيُدْنِي مَجْلِسِي. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَنْ مَنْ تَأْخُذُونَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ إِذَا حَدَّثَ كَأَنَّهُ يَتَّقِي شَيْئًا كَأَنَّهُ يَحْذَرُ شَيْئًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: إِيَّاكُمْ وَالْكُتُبَ فَإِنَّمَا تَاهَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. أَوْ قَالَ: ضَلَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْكُتُبِ. قَالَ بَكَّارٌ: وَلَمْ يَكُنْ لِجَدِّي وَلا لأَبِي وَلا لابْنِ عَوْنٍ كِتَابٌ فِيهِ تَمَامُ حَدِيثٍ وَاحِدٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ أَخْضَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا كِتَابًا لاتَّخَذْتُ رَسَائِلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيد عن يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ كَانَ لا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَكْتُبَ الْحَدِيثَ فَإِذَا حَفِظَهُ مَحَاهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حماد بن زيد عن شُعَيْبٍ قَالَ: قَالَ لَنَا الشَّعْبِيُّ: عَلَيْكُمْ بِذَاكَ الأَصَمِّ. يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ غَالِبٍ الْقَطَّانِ قَالَ: خُذُوا بِحِلْمِ مُحَمَّدٍ وَلا تَأْخُذُوا بِغَضَبِ الْحَسَنِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو أَبُو سَهْلٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَكْرَهُ أَنْ يَكْتُبَ الْبَاءَ ثُمَّ يَمُدَّهَا إِلَى الْمِيمِ حَتَّى يَكْتُبَ السِّينَ. قَالَ: وَيَقُولُ: انْظُرْ مَا كَتَبْتُ: بِسْمِ اللَّهِ. ثُمَّ يَقُولُ فِيهِ قَوْلا شَدِيدًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قال: سمعت محمد ابن سِيرِينَ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِفُلانٍ وَيَقُولُ: اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ فُلانٍ إِلَى فُلانٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ قَالَ: رَأَى مُحَمَّدٌ رَجُلا يَكْتُبُ بِرِيقِهِ فِي نَعْلَيْهِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَسُرُّكَ أَنْ تَلْحَسَ نَعْلَكَ؟ فَأَلْقَاهَا مِنْ يَدِهِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ احْتِسَابًا وَسَكَتَ مُحَمَّدٌ احْتِسَابًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَشْعَثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كُنَّا إِذَا جَلَسْنَا إِلَيْهِ حَدَّثَنَا وَتَحَدَّثْنَا وَضَحِكَ وَسَأَلَ عَنِ الأَخْبَارِ. فَإِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْفِقْهِ وَالْحَلالِ وَالْحَرَامِ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَتَبَدَّلَ حَتَّى كَأَنَّهُ لَيْسَ بِالَّذِي كَانَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا مهدي بن ميمون قال: سمعت محمدا وما رآه رَجُلٌ فِي شَيْءٍ فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ: إِنِّي قَدْ أَعْلَمُ مَا تُرِيدُ وَأَنَا أَعْلَمُ بِالْمِرَاءِ مِنْكَ وَلَكِنْ لا أُرِيدُ أَنْ أُمَارِيَكَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ قَالَ: سَمِعْتُ مُوَرِّقًا الْعِجْلِيَّ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ رَجُلا أَفْقَهَ فِي وَرَعِهِ وَلا أَوْرَعَ فِي فِقْهِهِ مِنْ مُحَمَّدٍ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو قِلابَةَ: اصْرِفُوهُ حَيْثُ شِئْتُمْ فَلَتَجِدُنَّهُ أَشَدَّكُمْ وَرَعًا وَأَمْلَكَكُمْ لِنَفْسِهِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يُحَدِّثُ رَجُلا فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ الرَّجُلَ الأَسْوَدَ. ثُمَّ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مَا أُرَانِي إِلا قَدِ اغْتَبْتُ الرَّجُلَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا طَلْقُ بْنُ وَهْبٍ الطَّاحِيُّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَقَدْ كُنْتُ اشْتَكَيْتُ فَقَالَ: ائْتِ فُلانًا فَاسْتَوْصِفْهُ فَإِنَّهُ حَسَنُ الْعِلْمِ بِالطِّبِّ. ثُمَّ قَالَ: وَلَكِنِ ائْتِ فُلانًا فَإِنَّهُ أَعْلَمُ مِنْهُ. ثُمَّ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مَا أُرَانِي إِلا قَدِ اغْتَبْتُهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: مَا حَسَدْتُ أَحَدًا شَيْئًا قَطُّ بَرًّا وَلا فَاجِرًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أَزِنَ مَا آكُلُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ: إِنِّي لأَزِنُ طَعَامِي وَزْنًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بِهَذِهِ النُّقْرَةِ أَعْلَمَ بِالْقَضَاءِ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ فِي شَيْءٍ رَاجَعْتُهُ فِيهِ: إِنِّي لَمْ أَقُلْ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ إِنَّمَا قُلْتُ لا أَعْلَمُ بِهِ بَأْسًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ أَثِقُ بِهِ وَأُصَدِّقُهُ عَنْ سَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدٌ وَالْحَسَنُ سَيِّدَيْ أهل هَذَا الْمِصْرِ عَرَبِيِّهَا وَمَوْلاهَا. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ يَعْلَمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ أَنَّ كَلامَهُ يُكْتَبُ عَلَيْهِ لَقَلَّ كَلامُهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ وَعَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ سِيرِينَ مُقَيَّدًا فِي الْمَنَامِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ وَعَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ قَالَ: مَا رَابَهُ شَيْءٌ إِلا تَرَكَهُ مُنْذُ نَشَأَ. يَعْنِي مُحَمَّدًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا دَخَلَ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ فَجَعَلَ يُجِيبُهُ وَثَمَّ سلم ابن قُتَيْبَةَ فَقَالَ رَجُلٌ: سَلْهُ مَا يَقُولُ فِي الْقَدَرِ. فَقَالَ: يَا أبا بَكْرٍ مَا تَقُولُ فِي الْقَدَرِ؟ قَالَ: أَيُّ الْقَوْمِ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً. ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدٌ: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيْسَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ سُلْطَانٌ. وَلَكِنْ مَنْ أَطَاعَهُ أَهْلَكَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ. وَأَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالا: قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى مُحَمَّدٍ فَذَكَرَ لَهُ شَيْئًا مِنَ الْقَدَرِ. فَقَالَ مُحَمَّدٌ: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» النحل: . قَالَ: وَوَضَعَ إِصْبَعَيْ يَدَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَقَالَ: إِمَّا أَنْ تَخْرُجَ عَنِّي وَإِمَّا أَنْ أَخْرُجَ عَنْكَ! قَالَ: فَخَرَجَ الرَّجُلُ. قَالَ: فَقَالَ مُحَمَّدٌ: إِنَّ قَلْبِي لَيْسَ بِيَدِي وَإِنِّي خِفْتُ أَنْ يَنْفُثَ فِي قَلْبِي شَيْئًا فَلا أَقْدِرُ عَلَى أَنْ أُخْرِجَهُ مِنْهُ فَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ لا أَسْمَعَ كَلامَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ وَهِشَامٍ قَالا: مَا رَأَيْنَا أَحَدًا أَعْظَمَ رَجَاءً لأَهْلِ الْقِبْلَةِ مِنِ ابْنِ سِيرِينَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قال: لم يبلغ محمدا حديثان قط أَحَدُهُمَا أَشَدُّ مِنَ الآخَرِ إِلا أَخَذَ بِأَشَدِّهِمَا. قَالَ: وَكَانَ لا يَرَى بِالآخَرِ بَأْسًا وَكَانَ قَدْ طُوِّقَ لِذَلِكَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ وَعَفَّانُ قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ: قَالَ أَبُو قِلابَةَ: وَأَيُّنَا يُطِيقُ مَا يُطِيقُ مُحَمَّدٌ؟ مُحَمَّدٌ يَرْكَبُ مِثْلَ حد السنان. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدٌ يَرْكَبُ مِثْلَ حَدِّ السَّيْفِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أبي أَنَّ ابْنَ سِيرِينَ اشْتَرَى هَذِهِ الأَرْضَ الَّتِي بِرُسْتَاقِ جَرْجَرَايَا وَصَارَتْ فِي يَدَيْ مُحَمَّدٍ وَفِي يَدَيْ أَخِيهِ يَحْيَى فَأَخَذَ بِخَرَاجِهَا. وَكَانَ فِيهَا كَرْمٌ فَأَرَادُوا يَعْصِرُونَهُ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: لا تَعْصِرُوهُ بِيعُوهُ رَطْبًا. قَالُوا: لا يُنْفِقُ عَنَّا. قَالَ: فَاجْعَلُوهُ زَبِيبًا. قَالُوا: لا يَجِيءُ مِنْهُ الزَّبِيبُ. فَضَرَبَ الْكَرْمَ وَأَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ وَانْحَدَرَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِينَ قَالَتْ: كَانَتْ أُمُّ مُحَمَّدٍ امْرَأَةً حِجَازِيَّةً. وَكَانَ يُعْجِبُهَا الصِّبْغُ. وَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا اشْتَرَى لَهَا ثَوْبًا اشْتَرَى أَلْيَنَ مَا يَجِدُ لا يَنْظُرُ فِي بَقَائِهِ فَإِذَا كَانَ كُلَّ يَوْمِ عِيدٍ صَبَغَ لَهَا ثِيَابَهَا. قَالَتْ: وَمَا رَأَيْتُهُ رَافِعًا صَوْتَهُ عَلَيْهَا قَطُّ وَكَانَ إِذَا كَلَّمَهَا كَلَّمَهَا كَالْمُصْغِي إِلَيْهَا بِالشَّيْءِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ أَنَّ مُحَمَّدًا كَانَ إِذَا كَانَ عِنْدَ أُمِّهِ لَوْ رَآهُ رَجُلٌ لا يَعْرِفُهُ ظَنَّ أَنَّ بِهِ مَرَضًا مِنْ خَفْضِهِ كلامه عندها. قال: سألت محمد ابن عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ عَنْ سَبَبِ الدَّيْنِ الَّذِي رَكِبَ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ حِينَ حُبِسَ لَهُ قَالَ: كَانَ اشْتَرَى طَعَامًا بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأُخْبِرَ عَنْ أَصْلِ الطَّعَامِ بِشَيْءٍ كَرِهَهُ فَتَرَكَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ وَبَقِيَ الْمَالُ عَلَيْهِ. فَحُبِسَ بِهِ حَبَسَتْهُ امْرَأَةٌ. وَكَانَ الَّذِي حَبَسَهُ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أبي أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ كَانَ بَاعَ مِنْ أُمِّ مُحَمَّدٍ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أبي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ جَارِيَةً فَرَجَعَتْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَشَكَتْ أَنَّهَا تُعَذِّبُهَا فَأَخَذَهَا مُحَمَّدٌ وَكَانَ قَدْ أَنْفَقَ ثَمَنَهَا فَهِيَ الَّتِي حَبَسَتْهُ وَهِيَ الَّتِي تَزَوَّجَهَا سَلْمُ بْنُ زِيَادٍ وَأَخْرَجَهَا إِلَى خُرَاسَانَ وَكَانَ أَبُوهَا يُلَقَّبُ كِرْكِرَةَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ السِّجْنَ وَهُوَ يُكْتِبُ رَجُلا سِعْرًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ محمد ابن سِيرِينَ قَالَ: لَعَمْرِي لَقَدْ شُهِرْتُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا حماد بن سلمة عن ثابت البناني قال: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: يَا أبا مُحَمَّدٍ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُنِي مِنْ مُجَالَسَتِكُمْ إِلا مَخَافَةُ الشُّهْرَةِ. فَلَمْ يَزَلْ بِي الْبَلاءُ حَتَّى أُخِذَ بِلِحْيَتِي فَأُقِمْتُ عَلَى الْمَصْطَبَةِ فَقِيلَ: هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَكَلَ أَمْوَالَ النَّاسِ. وَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ هِشَامٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ اشْتَرَى طَعَامًا بَيْعًا مَنُونِيًّا فَأَشْرَفَ فِيهِ عَلَى رِبْحِ ثَمَانِينَ أَلْفًا فَعَرَضَ فِي قَلْبِهِ مِنْهُ شَيْءٌ فَتَرَكَهُ. قَالَ هِشَامٌ: وَاللَّهِ مَا هُوَ بِرِبًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ خُلَيْفِ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: قَالَ لِي أبي خُلَيْفُ بْنُ عُقْبَةَ كَانَ ابْنُ سِيرِينَ يُسَبِّحُ وَحْدَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي الْقَدَرِ؟ فَقُلْتُ: مِنْهُمْ مَنْ يُثْبِتُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَدْ بَلَغَكَ. فَقَالَ: لِمَ تَرُدُّ الْقَدَرَ عَلَيَّ؟ إِنَّهُ مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُوَفِّقْهُ لِطَاعَتِهِ وَمَحَابِّهِ مِنَ الأَعْمَالِ. وَمَنْ يُرِدْ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ يُعَذِّبْهُ غَيْرَ ظَالِمٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا. فَإِذَا وَافَقَ صَوْمُهُ الْيَوْمَ الَّذِي يُفْطِرُ يَشُكُّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ مِنْ رَمَضَانَ صَامَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ وَهِشَامٍ أَنَّ ابْنَ سِيرِينَ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ: كَانَتْ لِمُحَمَّدٍ سَبْعَةُ أَوْرَادٍ فَكَانَ إِذَا فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ اللَّيْلِ قَرَأَهُ بِالنَّهَارِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ أَنَّ مُحَمَّدًا كَانَ يَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ: نَفْسِي تُكَلِّفُنِي أَشْيَاءَ وَدِدْتُ أَنَّهَا لا تُكَلِّفُنِي. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ محمد قال: أنا في بلاء شديد أَشْتَهِي أَنْ أَشْبَعَ فَلا أَشْبَعَ وَأَشْتَهِي أَنْ أُرْوَى فَلا أُرْوَى. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَلا هَذِهِ الآيَةَ: «وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ» آل عمران: . قَالَ: اللَّهُمَّ مَحِّصْنَا وَلا تَجْعَلْنَا كَافِرِينَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ السَّمَّانُ عَنِ ابن عون قال: كانا إِذَا ذَكَرُوا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَجُلا بِسَيِّئَةٍ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ بِأَحْسَنَ مَا يَعْلَمُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَزْهَرُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقَالُوا: إِنَّا قَدْ نِلْنَا مِنْكَ فَاجْعَلْنَا فِي حِلٍّ. فَقَالَ: لا أُحِلُّ لَكُمْ شَيْئًا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَزْهَرُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا نَامَ وَجَّهَ نَفْسَهُ. قَالَ: وَرُبَّمَا اسْتَلْقَى عَلَى ظَهْرِهِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَزْهَرُ السَّمَّانُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: مَا أَخْطَأَنِي يَوْمُ عِيدٍ إِلا أَتَيْتُ مُحَمَّدًا فِيهِ فَلا يُعْدِمُنِي أَنْ أُصِيبَ فِيهِ خَبِيصًا أَوْ فَالُوذَقًا. قَالَ: وَكَانَ يُدَارِئُ بِهِ الْبَوْلَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: مَا أَتَيْنَا مُحَمَّدًا فِي يَوْمِ عِيدٍ قَطُّ أَلا أَطْعَمَنَا فِيهِ خَبِيصًا أَوْ فَالُوذَقًا. وَكَانَ لا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْمُرَ بِزَكَاةِ رَمَضَانَ فَتُطَيَّبُ وَيُرْسَلُ بِهَا إِلَى الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ. ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الْعِيدِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدٌ يَكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ إِلا كَمَا أُنْزِلَ. يَكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَهُ ثُمَّ يَتَكَلَّمَ ثُمَّ يَعُودَ فَيَقْرَأَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانَ إِذَا وَدَّعَ رَجُلا قَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَاطْلَبْ مَا قُدِّرَ لَكَ مِنْ حَلالٍ فَإِنَّكَ إِنْ أَخَذْتَهُ مِنْ حَرَامٍ لَمْ تُصِبْ أَكْثَرَ مِمَّا قُدِّرَ لَكَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ الْمُسْلِمُ الْمُسْلِمُ عِنْدَ الدَّرَاهِمِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَأْتِينِي إِلَى الْحَانُوتِ وَيَجِيئُنِي الرِّجَالُ فَأَعْرِضُ عَلَيْهِمُ الْمَتَاعَ فَيَقُولُ لَهُمْ مُحَمَّدٌ: إِنْ شِئْتُمْ أُخْرِجُهُ لَكُمْ إِلَى الدَّارِ. قَالَ: فَأَخْرَجَهُ لَهُمْ إِلَى الدَّارِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ كَانَ إِذَا اسْتَسْلَفَ مَالا وَزَنَهُ بِشَيْءٍ وَخَتَمَهُ. فَإِذَا قَضَاهُ وَزَنَهُ بِذَلِكَ الْوَزْنِ ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَيْهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْوَزْنُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُدَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ قَالَ: كَانَ ابْنَ سِيرِينَ إِذَا وَقَعَ عِنْدَهُ دِرْهَمٌ زَائِفٌ أَوْ سَتُّوقٍ لَمْ يَشْتَرِ بِهِ. فَمَاتَ يَوْمَ مَاتَ وَعِنْدَهُ خَمْسُ مِائَةِ سَتُّوقَةٍ وَزُيُوفٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ: قَدِمْتُ الْكُوفَةَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ الْبَزَّ. فَأَتَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِالْكُوفَةِ فَسَاوَمْتُهُ. فَجَعَلَ إِذَا بَاعَنِي صِنْفًا مِنْ أَصْنَافِ الْبَزِّ قَالَ: هَلْ رَضِيتَ؟ فَأَقُولُ: نَعَمْ. فَيُعِيدُ ذَلِكَ عَلَيَّ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ يَدْعُو رَجُلَيْنِ فَيُشْهِدُهُمَا عَلَى بَيْعِنَا ثُمَّ يَقُولُ: انْقُلْ مَتَاعَكَ. وَكَانَ لا يَشْتَرِي وَلا يَبِيعُ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ الْحَجَّاجِيَّةِ. فَلَمَّا رَأَيْتُ وَرَعَهُ مَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ حَاجَتِي أَجِدُهُ عِنْدَهُ إِلا اشْتَرَيْتُهُ حَتَّى لَفَائِفَ الْبَزِّ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِلالٍ قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَخْرُجُ وَهُوَ مُتَوَشِّحٌ عَاقِدٌ ثَوْبَهُ عَلَى عَاتِقِهِ فَيَقْعُدُ فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ خَائِفًا إِنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَ. ثُمَّ أَتَى مَكَّةَ يُفْتِي النَّاسَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُشَارِطَ الْقَسَّامَ. قَالَ: وَكَانَ يَكْرَهُ الرِّشْوَةَ فِي الْحُكْمِ. وَقَالَ: حُكْمٌ يَأْخُذُونَ عَلَيْهِ أَجْرًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا معاذ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعَثَ إِلَى الْحَسَنِ فَقَبِلَ وَبَعَثَ إِلَى ابْنِ سِيرِينَ فَلَمْ يَقْبَلْ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: خَتَنَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ بَنِيهِ فَدَعَا حَيَارَى آلِ الْمُهَلَّبِ. قَالَ: فَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ: أَلا تَرَى مَا صَنَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: لا تَنْجُلُوا أبا عَبْدِ اللَّهِ لا تَنْجُلُوا أبا عَبْدِ اللَّهَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ غَالِبٍ قَالَ: أَتَيْتُ مُحَمَّدًا وَذَكَرَ مِزَاجَهُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ هِشَامٍ فَقَالَ: تُوُفِّيَ الْبَارِحَةَ أَمَا شَعَرْتَ؟ فَقُلْتُ: «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ» البقرة: ! فضحك. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدًا إِذَا تَوَضَّأَ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ بَلَغَ الْوُضُوءُ عَضَلَةَ سَاقَيْهِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدًا يَكْنُسُ مَسْجِدَهُ بِثَوْبِهِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ وَمُسْلِمٌ قَالا: حَدَّثَنَا قُرَّةُ قَالَ: كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ كُنْيَتَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَنَّ نَقْشَ خَاتَمِ مُحَمَّدٍ كُنْيَتُهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حماد بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ أَنَّ نَقْشَ خَاتَمِ مُحَمَّدٍ مِثْلَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ حَلْقَةً مِنْ فِضَّةٍ وَيَتَخَتَّمُ فِي الشِّمَالِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ لَمَّا خَرَجَ إِلَى ابْنِ هُبَيْرَةَ. فَلَمَّا حَضَرَتِ الصَّلاةُ قَالَ لِي: تَقَدَّمْ فَصَلِّ بنا. فَصَلَّيْتُ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: أَلَيْسَ كُنْتَ تَقُولُ لا يَتَقَدَّمُ إِلا مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ فَكَيْفَ قَدَّمْتَنِي؟ قَالَ: وَقُلْتُ صَنَعْتُ شَيْئًا كَرِهَهُ مُحَمَّدٌ لِنَفْسِهِ. قَالَ: فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَتَقَدَّمَ فَيَقُولَ النَّاسُ هَذَا مُحَمَّدٌ يَؤُمُّ النَّاسِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ تَخَطِّيَ رِقَابِ النَّاسِ فِي الْجُمُعَةِ. قَالَ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ ابْنَ سِيرِينَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ. قَالَ: وَأَنَا لا أَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ وَلَكِنِّي أَجِيءُ فَيَعْرِفُنِي الرَّجُلُ فَيُوَسِّعُ لِي فَأَمْضِي. ثُمْ يَعْرِفُنِي الآخَرُ فَيُوَسِّعُ لِي فَأَمْضِي. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَدْرَكْتُ مَسْجِدَ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَمَسْجِدَ أَنَسٍ وَمَسْجِدَ حَفْصَةَ بِالْعَرَانِيسِ الْمُعَرَّاةِ فِي دَارِ سِيرِينَ لا يَدْخُلُهَا صَبِيُّ وَلا أَحَدٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: مَاتَتِ ابْنَةٌ لِلْحَسَنِ وَهُوَ مُتَوَارٍ فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ: افْعَلُوا كَذَا. وَافْعَلُوا كَذَا. وَرَجَوْتُ أَنْ يَأْمُرَنِي أَنْ أُصَلِّيَ عَلَيْهَا فَقَالَ: إِذَا أَخْرَجْتُمُوهَا فَمُرُوا مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يُصَلِّ عَلَيْهَا. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ محمد ابن سِيرِينَ يَقُولُ: عَفَفْتُ عَنْ نَفْسِي بَعْدَ أَنْ كُنْتُ رَجُلا بِبُخْتِيَّةٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ سِيرِينَ يَلْبَسُ طَيْلَسَانًا. وَكَانَ يَلْبَسُ كِسَاءً أَبْيَضَ فِي الشِّتَاءِ وَعِمَامَةً بَيْضَاءَ وَفَرْوَةً. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ المغيرة قال: رأيت محمد ابن سِيرِينَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْيُمْنَةَ وَالطَّيَالِسَةَ وَالْعَمَائِمَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ خُلَيْفٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَتَعَمَّمُ بِعِمَامَةٍ بَيْضَاءَ لاطِيَّةٍ قَدْ أَرْخَى ذُؤَابَتَهَا مِنْ خَلْفِهِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ ثِيَابَ كَتَّانٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ يَذْكُرُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ خِضَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يكن بلغ ذلك ولكن أبو بَكْرٍ خَضَبَ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: فَخَضَبْتُ يَوْمَئِذٍ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ خُلَيْفِ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ سِيرِينَ يَخْضِبُ بِالصُّفْرَةِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كَعْبٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَقُولُ لِلْخَرَّازِ إِذَا خَرَزَ لَهُ خُفًّا: لا تَبُلَّ الْخُيُوطَ بِرِيقِكَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ سِيرِينَ لا يُحْفِي شَارِبَهُ كَمَا يُحْفِي بَعْضُ النَّاسَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ أَمَرَ سُوَيْدًا أبا مَحْفُوظٍ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ حُلَّةً حِبَرَةً يُكَفَّنُ فِيهَا. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: كَانَتْ وَصِيَّةُ ابْنِ سِيرِينَ ذِكْرُ مَا أَوْصَى بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ أبي عَمْرَةَ بَنِيهِ وَأَهْلَهُ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ وَيُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ وَأَنْ يُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ. وَأَوْصَاهُمْ بِمَا أَوْصَى بِهِ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ: «يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ» البقرة: . وَأَوْصَاهُمْ أَنْ لا يَدَّعُوا أَنْ يَكُونُوا إِخْوَانَ الأَنْصَارِ وَمَوَالِيَهُمْ فِي الدِّينِ فَإِنَّ الْعَفَافَ وَالصِّدْقَ خَيْرٌ وَأَبْقَى وَأَكْرَمُ مِنَ الزِّنَا وَالْكَذِبِ. وَأَوْصَى فِيمَا تَرَكَ: إِنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ قَبْلَ أَنْ أُغَيِّرَ وَصِيَّتِي. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أبي عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَمَّا ضَمِنْتُ عَنْ أبي دَيْنَهُ قَالَ لِي: بِالْوَفَاءِ؟ قُلْتُ: بِالْوَفَاءِ. فَدَعَا لِي بِخَيْرٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أبي قَالَ: قَضَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِيهِ ثَلاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَمَا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَتَّى قَوَّمْنَا مَالَهُ ثَلاثَ مِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ نَحْوًا مِنْ ثَلاثِ مِائَةِ أَلْفٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ أَنْ يُجْعَلَ لِقَمِيصِ الْمَيِّتِ أَزْرَارٌ وَيُكَفُّ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: تُجْعَلُ لَهُ أَزْرَارٌ وَلا تُزَرُّ عَلَيْهِ. قَالَ أَيُّوبُ: أَنَا زَرَرْتُ عَلَى مُحَمَّدٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حماد بْنُ زَيْدٍ قَالَ: مَاتَ مُحَمَّدٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَغَسَّلَهُ أَيُّوبُ وَابْنُ عَوْنٍ. وَلا أَدْرِي مَنْ حَضَرَ مَعَهُمْ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن عمر وقال مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأُخْبِرْتُ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ مَنْصُورٍ قَالا: هَلَكَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ بَعْدَ الْحَسَنِ بِمِائَةِ يَوْمٍ وَذَلِك سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ. وَأَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: تُوُفِّيَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَقَدْ بَلَغَ نَيِّفًا وَثَمَانِينَ سَنَةً.
- مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ. ويكنى أبا بكر مولى أنس بن مالك. وكان ثقة مأمونًا عاليًا رفيعًا فقيهًا إمامًا كثير العلم ورعًا. وكان به صمم. قال: سألت محمد بن عبد الله الأنصاري: من أين كان أصل محمد بن سيرين؟ فقال: من سبي عين التمر. وكان مولى أنس بن مالك. قال: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: وُلِدَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلافَةِ عُثْمَانَ وَوُلِدْتُ أَنَا لِسَنَةٍ بَقِيَتْ مِنْ خِلافَتِهِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أبي أَنَّ أُمَّ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ صَفِيَّةَ مَوْلاةَ أبي بَكْرِ بْنِ أبي قُحَافَةَ طَيَّبَهَا ثَلاثَةٌ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَوْا لَهَا وَحَضَرَ إِمْلاكَهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَدْرِيًّا فِيهِمْ أبي بْنُ كَعْبٍ يَدْعُو وهم يؤمنون. قال: وَقَالَ بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ: وُلِدَ لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ثَلاثُونَ وَلَدًا مِنَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يبق منهم غير عبد الله ابن مُحَمَّدٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أنس ابن سِيرِينَ قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَنَحْنُ سِتَّةُ إِخْوَةٍ فِيهِمْ مُحَمَّدٌ قَالَ: إِنْ شِئْتُمْ أَخْبَرْتُكُمْ مَنْ أَخُو كُلِّ وَاحِدٍ لأُمِّهِ. هَذَا وَهَذَا لأُمٍّ. وَهَذَا وَهَذَا لأُمٍّ. وَهَذَا وَهَذَا لأُمٍّ. فَمَا أَخْطَأَ شَيْئًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: قَالَتْ أُمِّي لِهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ: عَنْ مَنْ يحدث محمد من أصحاب النبي. ص؟ قَالَ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَتْ: وَسَمِعَ مِنْهُمَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: قَالَتْ أُمِّي لِهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ: عَنْ مَنْ يُحَدِّثُ مُحَمَّدٌ مِنْ أصحاب النبي. ص؟ قَالَ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَتْ: وَسَمِعَ مِنْهُمَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ أَخْضَرَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: لَمْ يَكُنْ مُحَمَّدٌ يَرْفَعُ مِنْ حَدِيثِ أبي هُرَيْرَةَ إِلا ثَلاثَةَ أَحَادِيثَ لا يَجِيءُ إِلا بِالرَّفْعِ. أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى إِحْدَى صَلاتَيِ الْعِشَاءِ. وَقَوْلُهُ: جَاءَ أهل الْيَمَنِ. وَحَدِيثٌ ثَالِثٌ نَسِيَهُ سُلَيْمَانُ. قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كُنْتُ أَسْمَعُ الْحَدِيثَ مِنْ عَشَرَةٍ الْمَعْنَى وَاحِدٌ وَاللَّفْظُ مُخْتَلِفٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدٌ يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ عَلَى حُرُوفِهِ. قَالَ: وأُخْبِرْتُ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ: كُلُّ شَيْءٍ قَالَ مُحَمَّدٌ: نُبِّئْتُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ عِكْرِمَةَ لَقِيَهُ أَيَّامَ الْمُخْتَارِ بِالْكُوفَةِ. قَالُوا: وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَيَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ وَشُرَيْحٍ وَغَيْرِهِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ سِيرِينَ يَقُولُ: يَرْحَمُ اللَّهُ شُرَيْحًا إِنْ كَانَ لَيُدْنِي مَجْلِسِي. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَنْ مَنْ تَأْخُذُونَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ إِذَا حَدَّثَ كَأَنَّهُ يَتَّقِي شَيْئًا كَأَنَّهُ يَحْذَرُ شَيْئًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: إِيَّاكُمْ وَالْكُتُبَ فَإِنَّمَا تَاهَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. أَوْ قَالَ: ضَلَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْكُتُبِ. قَالَ بَكَّارٌ: وَلَمْ يَكُنْ لِجَدِّي وَلا لأَبِي وَلا لابْنِ عَوْنٍ كِتَابٌ فِيهِ تَمَامُ حَدِيثٍ وَاحِدٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ أَخْضَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا كِتَابًا لاتَّخَذْتُ رَسَائِلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيد عن يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ كَانَ لا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَكْتُبَ الْحَدِيثَ فَإِذَا حَفِظَهُ مَحَاهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حماد بن زيد عن شُعَيْبٍ قَالَ: قَالَ لَنَا الشَّعْبِيُّ: عَلَيْكُمْ بِذَاكَ الأَصَمِّ. يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ غَالِبٍ الْقَطَّانِ قَالَ: خُذُوا بِحِلْمِ مُحَمَّدٍ وَلا تَأْخُذُوا بِغَضَبِ الْحَسَنِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو أَبُو سَهْلٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَكْرَهُ أَنْ يَكْتُبَ الْبَاءَ ثُمَّ يَمُدَّهَا إِلَى الْمِيمِ حَتَّى يَكْتُبَ السِّينَ. قَالَ: وَيَقُولُ: انْظُرْ مَا كَتَبْتُ: بِسْمِ اللَّهِ. ثُمَّ يَقُولُ فِيهِ قَوْلا شَدِيدًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قال: سمعت محمد ابن سِيرِينَ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِفُلانٍ وَيَقُولُ: اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ فُلانٍ إِلَى فُلانٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ قَالَ: رَأَى مُحَمَّدٌ رَجُلا يَكْتُبُ بِرِيقِهِ فِي نَعْلَيْهِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَسُرُّكَ أَنْ تَلْحَسَ نَعْلَكَ؟ فَأَلْقَاهَا مِنْ يَدِهِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ احْتِسَابًا وَسَكَتَ مُحَمَّدٌ احْتِسَابًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَشْعَثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كُنَّا إِذَا جَلَسْنَا إِلَيْهِ حَدَّثَنَا وَتَحَدَّثْنَا وَضَحِكَ وَسَأَلَ عَنِ الأَخْبَارِ. فَإِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْفِقْهِ وَالْحَلالِ وَالْحَرَامِ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَتَبَدَّلَ حَتَّى كَأَنَّهُ لَيْسَ بِالَّذِي كَانَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا مهدي بن ميمون قال: سمعت محمدا وما رآه رَجُلٌ فِي شَيْءٍ فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ: إِنِّي قَدْ أَعْلَمُ مَا تُرِيدُ وَأَنَا أَعْلَمُ بِالْمِرَاءِ مِنْكَ وَلَكِنْ لا أُرِيدُ أَنْ أُمَارِيَكَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ قَالَ: سَمِعْتُ مُوَرِّقًا الْعِجْلِيَّ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ رَجُلا أَفْقَهَ فِي وَرَعِهِ وَلا أَوْرَعَ فِي فِقْهِهِ مِنْ مُحَمَّدٍ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو قِلابَةَ: اصْرِفُوهُ حَيْثُ شِئْتُمْ فَلَتَجِدُنَّهُ أَشَدَّكُمْ وَرَعًا وَأَمْلَكَكُمْ لِنَفْسِهِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يُحَدِّثُ رَجُلا فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ الرَّجُلَ الأَسْوَدَ. ثُمَّ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مَا أُرَانِي إِلا قَدِ اغْتَبْتُ الرَّجُلَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا طَلْقُ بْنُ وَهْبٍ الطَّاحِيُّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَقَدْ كُنْتُ اشْتَكَيْتُ فَقَالَ: ائْتِ فُلانًا فَاسْتَوْصِفْهُ فَإِنَّهُ حَسَنُ الْعِلْمِ بِالطِّبِّ. ثُمَّ قَالَ: وَلَكِنِ ائْتِ فُلانًا فَإِنَّهُ أَعْلَمُ مِنْهُ. ثُمَّ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مَا أُرَانِي إِلا قَدِ اغْتَبْتُهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: مَا حَسَدْتُ أَحَدًا شَيْئًا قَطُّ بَرًّا وَلا فَاجِرًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أَزِنَ مَا آكُلُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ: إِنِّي لأَزِنُ طَعَامِي وَزْنًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بِهَذِهِ النُّقْرَةِ أَعْلَمَ بِالْقَضَاءِ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ فِي شَيْءٍ رَاجَعْتُهُ فِيهِ: إِنِّي لَمْ أَقُلْ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ إِنَّمَا قُلْتُ لا أَعْلَمُ بِهِ بَأْسًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ أَثِقُ بِهِ وَأُصَدِّقُهُ عَنْ سَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدٌ وَالْحَسَنُ سَيِّدَيْ أهل هَذَا الْمِصْرِ عَرَبِيِّهَا وَمَوْلاهَا. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ يَعْلَمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ أَنَّ كَلامَهُ يُكْتَبُ عَلَيْهِ لَقَلَّ كَلامُهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ وَعَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ سِيرِينَ مُقَيَّدًا فِي الْمَنَامِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ وَعَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ قَالَ: مَا رَابَهُ شَيْءٌ إِلا تَرَكَهُ مُنْذُ نَشَأَ. يَعْنِي مُحَمَّدًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا دَخَلَ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ فَجَعَلَ يُجِيبُهُ وَثَمَّ سلم ابن قُتَيْبَةَ فَقَالَ رَجُلٌ: سَلْهُ مَا يَقُولُ فِي الْقَدَرِ. فَقَالَ: يَا أبا بَكْرٍ مَا تَقُولُ فِي الْقَدَرِ؟ قَالَ: أَيُّ الْقَوْمِ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً. ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدٌ: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيْسَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ سُلْطَانٌ. وَلَكِنْ مَنْ أَطَاعَهُ أَهْلَكَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ. وَأَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالا: قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى مُحَمَّدٍ فَذَكَرَ لَهُ شَيْئًا مِنَ الْقَدَرِ. فَقَالَ مُحَمَّدٌ: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» النحل: . قَالَ: وَوَضَعَ إِصْبَعَيْ يَدَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَقَالَ: إِمَّا أَنْ تَخْرُجَ عَنِّي وَإِمَّا أَنْ أَخْرُجَ عَنْكَ! قَالَ: فَخَرَجَ الرَّجُلُ. قَالَ: فَقَالَ مُحَمَّدٌ: إِنَّ قَلْبِي لَيْسَ بِيَدِي وَإِنِّي خِفْتُ أَنْ يَنْفُثَ فِي قَلْبِي شَيْئًا فَلا أَقْدِرُ عَلَى أَنْ أُخْرِجَهُ مِنْهُ فَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ لا أَسْمَعَ كَلامَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ وَهِشَامٍ قَالا: مَا رَأَيْنَا أَحَدًا أَعْظَمَ رَجَاءً لأَهْلِ الْقِبْلَةِ مِنِ ابْنِ سِيرِينَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قال: لم يبلغ محمدا حديثان قط أَحَدُهُمَا أَشَدُّ مِنَ الآخَرِ إِلا أَخَذَ بِأَشَدِّهِمَا. قَالَ: وَكَانَ لا يَرَى بِالآخَرِ بَأْسًا وَكَانَ قَدْ طُوِّقَ لِذَلِكَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ وَعَفَّانُ قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ: قَالَ أَبُو قِلابَةَ: وَأَيُّنَا يُطِيقُ مَا يُطِيقُ مُحَمَّدٌ؟ مُحَمَّدٌ يَرْكَبُ مِثْلَ حد السنان. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدٌ يَرْكَبُ مِثْلَ حَدِّ السَّيْفِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أبي أَنَّ ابْنَ سِيرِينَ اشْتَرَى هَذِهِ الأَرْضَ الَّتِي بِرُسْتَاقِ جَرْجَرَايَا وَصَارَتْ فِي يَدَيْ مُحَمَّدٍ وَفِي يَدَيْ أَخِيهِ يَحْيَى فَأَخَذَ بِخَرَاجِهَا. وَكَانَ فِيهَا كَرْمٌ فَأَرَادُوا يَعْصِرُونَهُ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: لا تَعْصِرُوهُ بِيعُوهُ رَطْبًا. قَالُوا: لا يُنْفِقُ عَنَّا. قَالَ: فَاجْعَلُوهُ زَبِيبًا. قَالُوا: لا يَجِيءُ مِنْهُ الزَّبِيبُ. فَضَرَبَ الْكَرْمَ وَأَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ وَانْحَدَرَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِينَ قَالَتْ: كَانَتْ أُمُّ مُحَمَّدٍ امْرَأَةً حِجَازِيَّةً. وَكَانَ يُعْجِبُهَا الصِّبْغُ. وَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا اشْتَرَى لَهَا ثَوْبًا اشْتَرَى أَلْيَنَ مَا يَجِدُ لا يَنْظُرُ فِي بَقَائِهِ فَإِذَا كَانَ كُلَّ يَوْمِ عِيدٍ صَبَغَ لَهَا ثِيَابَهَا. قَالَتْ: وَمَا رَأَيْتُهُ رَافِعًا صَوْتَهُ عَلَيْهَا قَطُّ وَكَانَ إِذَا كَلَّمَهَا كَلَّمَهَا كَالْمُصْغِي إِلَيْهَا بِالشَّيْءِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ أَنَّ مُحَمَّدًا كَانَ إِذَا كَانَ عِنْدَ أُمِّهِ لَوْ رَآهُ رَجُلٌ لا يَعْرِفُهُ ظَنَّ أَنَّ بِهِ مَرَضًا مِنْ خَفْضِهِ كلامه عندها. قال: سألت محمد ابن عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ عَنْ سَبَبِ الدَّيْنِ الَّذِي رَكِبَ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ حِينَ حُبِسَ لَهُ قَالَ: كَانَ اشْتَرَى طَعَامًا بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأُخْبِرَ عَنْ أَصْلِ الطَّعَامِ بِشَيْءٍ كَرِهَهُ فَتَرَكَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ وَبَقِيَ الْمَالُ عَلَيْهِ. فَحُبِسَ بِهِ حَبَسَتْهُ امْرَأَةٌ. وَكَانَ الَّذِي حَبَسَهُ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أبي أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ كَانَ بَاعَ مِنْ أُمِّ مُحَمَّدٍ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أبي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ جَارِيَةً فَرَجَعَتْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَشَكَتْ أَنَّهَا تُعَذِّبُهَا فَأَخَذَهَا مُحَمَّدٌ وَكَانَ قَدْ أَنْفَقَ ثَمَنَهَا فَهِيَ الَّتِي حَبَسَتْهُ وَهِيَ الَّتِي تَزَوَّجَهَا سَلْمُ بْنُ زِيَادٍ وَأَخْرَجَهَا إِلَى خُرَاسَانَ وَكَانَ أَبُوهَا يُلَقَّبُ كِرْكِرَةَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ السِّجْنَ وَهُوَ يُكْتِبُ رَجُلا سِعْرًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ محمد ابن سِيرِينَ قَالَ: لَعَمْرِي لَقَدْ شُهِرْتُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا حماد بن سلمة عن ثابت البناني قال: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: يَا أبا مُحَمَّدٍ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُنِي مِنْ مُجَالَسَتِكُمْ إِلا مَخَافَةُ الشُّهْرَةِ. فَلَمْ يَزَلْ بِي الْبَلاءُ حَتَّى أُخِذَ بِلِحْيَتِي فَأُقِمْتُ عَلَى الْمَصْطَبَةِ فَقِيلَ: هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَكَلَ أَمْوَالَ النَّاسِ. وَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ هِشَامٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ اشْتَرَى طَعَامًا بَيْعًا مَنُونِيًّا فَأَشْرَفَ فِيهِ عَلَى رِبْحِ ثَمَانِينَ أَلْفًا فَعَرَضَ فِي قَلْبِهِ مِنْهُ شَيْءٌ فَتَرَكَهُ. قَالَ هِشَامٌ: وَاللَّهِ مَا هُوَ بِرِبًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ خُلَيْفِ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: قَالَ لِي أبي خُلَيْفُ بْنُ عُقْبَةَ كَانَ ابْنُ سِيرِينَ يُسَبِّحُ وَحْدَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي الْقَدَرِ؟ فَقُلْتُ: مِنْهُمْ مَنْ يُثْبِتُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَدْ بَلَغَكَ. فَقَالَ: لِمَ تَرُدُّ الْقَدَرَ عَلَيَّ؟ إِنَّهُ مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُوَفِّقْهُ لِطَاعَتِهِ وَمَحَابِّهِ مِنَ الأَعْمَالِ. وَمَنْ يُرِدْ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ يُعَذِّبْهُ غَيْرَ ظَالِمٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا. فَإِذَا وَافَقَ صَوْمُهُ الْيَوْمَ الَّذِي يُفْطِرُ يَشُكُّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ مِنْ رَمَضَانَ صَامَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ وَهِشَامٍ أَنَّ ابْنَ سِيرِينَ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ: كَانَتْ لِمُحَمَّدٍ سَبْعَةُ أَوْرَادٍ فَكَانَ إِذَا فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ اللَّيْلِ قَرَأَهُ بِالنَّهَارِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ أَنَّ مُحَمَّدًا كَانَ يَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ: نَفْسِي تُكَلِّفُنِي أَشْيَاءَ وَدِدْتُ أَنَّهَا لا تُكَلِّفُنِي. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ محمد قال: أنا في بلاء شديد أَشْتَهِي أَنْ أَشْبَعَ فَلا أَشْبَعَ وَأَشْتَهِي أَنْ أُرْوَى فَلا أُرْوَى. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَلا هَذِهِ الآيَةَ: «وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ» آل عمران: . قَالَ: اللَّهُمَّ مَحِّصْنَا وَلا تَجْعَلْنَا كَافِرِينَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ السَّمَّانُ عَنِ ابن عون قال: كانا إِذَا ذَكَرُوا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَجُلا بِسَيِّئَةٍ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ بِأَحْسَنَ مَا يَعْلَمُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَزْهَرُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقَالُوا: إِنَّا قَدْ نِلْنَا مِنْكَ فَاجْعَلْنَا فِي حِلٍّ. فَقَالَ: لا أُحِلُّ لَكُمْ شَيْئًا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَزْهَرُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا نَامَ وَجَّهَ نَفْسَهُ. قَالَ: وَرُبَّمَا اسْتَلْقَى عَلَى ظَهْرِهِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَزْهَرُ السَّمَّانُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: مَا أَخْطَأَنِي يَوْمُ عِيدٍ إِلا أَتَيْتُ مُحَمَّدًا فِيهِ فَلا يُعْدِمُنِي أَنْ أُصِيبَ فِيهِ خَبِيصًا أَوْ فَالُوذَقًا. قَالَ: وَكَانَ يُدَارِئُ بِهِ الْبَوْلَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: مَا أَتَيْنَا مُحَمَّدًا فِي يَوْمِ عِيدٍ قَطُّ أَلا أَطْعَمَنَا فِيهِ خَبِيصًا أَوْ فَالُوذَقًا. وَكَانَ لا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْمُرَ بِزَكَاةِ رَمَضَانَ فَتُطَيَّبُ وَيُرْسَلُ بِهَا إِلَى الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ. ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الْعِيدِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدٌ يَكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ إِلا كَمَا أُنْزِلَ. يَكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَهُ ثُمَّ يَتَكَلَّمَ ثُمَّ يَعُودَ فَيَقْرَأَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانَ إِذَا وَدَّعَ رَجُلا قَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَاطْلَبْ مَا قُدِّرَ لَكَ مِنْ حَلالٍ فَإِنَّكَ إِنْ أَخَذْتَهُ مِنْ حَرَامٍ لَمْ تُصِبْ أَكْثَرَ مِمَّا قُدِّرَ لَكَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ الْمُسْلِمُ الْمُسْلِمُ عِنْدَ الدَّرَاهِمِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَأْتِينِي إِلَى الْحَانُوتِ وَيَجِيئُنِي الرِّجَالُ فَأَعْرِضُ عَلَيْهِمُ الْمَتَاعَ فَيَقُولُ لَهُمْ مُحَمَّدٌ: إِنْ شِئْتُمْ أُخْرِجُهُ لَكُمْ إِلَى الدَّارِ. قَالَ: فَأَخْرَجَهُ لَهُمْ إِلَى الدَّارِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ كَانَ إِذَا اسْتَسْلَفَ مَالا وَزَنَهُ بِشَيْءٍ وَخَتَمَهُ. فَإِذَا قَضَاهُ وَزَنَهُ بِذَلِكَ الْوَزْنِ ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَيْهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْوَزْنُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُدَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ قَالَ: كَانَ ابْنَ سِيرِينَ إِذَا وَقَعَ عِنْدَهُ دِرْهَمٌ زَائِفٌ أَوْ سَتُّوقٍ لَمْ يَشْتَرِ بِهِ. فَمَاتَ يَوْمَ مَاتَ وَعِنْدَهُ خَمْسُ مِائَةِ سَتُّوقَةٍ وَزُيُوفٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ: قَدِمْتُ الْكُوفَةَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ الْبَزَّ. فَأَتَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِالْكُوفَةِ فَسَاوَمْتُهُ. فَجَعَلَ إِذَا بَاعَنِي صِنْفًا مِنْ أَصْنَافِ الْبَزِّ قَالَ: هَلْ رَضِيتَ؟ فَأَقُولُ: نَعَمْ. فَيُعِيدُ ذَلِكَ عَلَيَّ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ يَدْعُو رَجُلَيْنِ فَيُشْهِدُهُمَا عَلَى بَيْعِنَا ثُمَّ يَقُولُ: انْقُلْ مَتَاعَكَ. وَكَانَ لا يَشْتَرِي وَلا يَبِيعُ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ الْحَجَّاجِيَّةِ. فَلَمَّا رَأَيْتُ وَرَعَهُ مَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ حَاجَتِي أَجِدُهُ عِنْدَهُ إِلا اشْتَرَيْتُهُ حَتَّى لَفَائِفَ الْبَزِّ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِلالٍ قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَخْرُجُ وَهُوَ مُتَوَشِّحٌ عَاقِدٌ ثَوْبَهُ عَلَى عَاتِقِهِ فَيَقْعُدُ فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ خَائِفًا إِنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَ. ثُمَّ أَتَى مَكَّةَ يُفْتِي النَّاسَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُشَارِطَ الْقَسَّامَ. قَالَ: وَكَانَ يَكْرَهُ الرِّشْوَةَ فِي الْحُكْمِ. وَقَالَ: حُكْمٌ يَأْخُذُونَ عَلَيْهِ أَجْرًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا معاذ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعَثَ إِلَى الْحَسَنِ فَقَبِلَ وَبَعَثَ إِلَى ابْنِ سِيرِينَ فَلَمْ يَقْبَلْ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: خَتَنَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ بَنِيهِ فَدَعَا حَيَارَى آلِ الْمُهَلَّبِ. قَالَ: فَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ: أَلا تَرَى مَا صَنَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: لا تَنْجُلُوا أبا عَبْدِ اللَّهِ لا تَنْجُلُوا أبا عَبْدِ اللَّهَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ غَالِبٍ قَالَ: أَتَيْتُ مُحَمَّدًا وَذَكَرَ مِزَاجَهُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ هِشَامٍ فَقَالَ: تُوُفِّيَ الْبَارِحَةَ أَمَا شَعَرْتَ؟ فَقُلْتُ: «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ» البقرة: ! فضحك. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدًا إِذَا تَوَضَّأَ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ بَلَغَ الْوُضُوءُ عَضَلَةَ سَاقَيْهِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدًا يَكْنُسُ مَسْجِدَهُ بِثَوْبِهِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ وَمُسْلِمٌ قَالا: حَدَّثَنَا قُرَّةُ قَالَ: كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ كُنْيَتَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَنَّ نَقْشَ خَاتَمِ مُحَمَّدٍ كُنْيَتُهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حماد بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ أَنَّ نَقْشَ خَاتَمِ مُحَمَّدٍ مِثْلَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ حَلْقَةً مِنْ فِضَّةٍ وَيَتَخَتَّمُ فِي الشِّمَالِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ لَمَّا خَرَجَ إِلَى ابْنِ هُبَيْرَةَ. فَلَمَّا حَضَرَتِ الصَّلاةُ قَالَ لِي: تَقَدَّمْ فَصَلِّ بنا. فَصَلَّيْتُ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: أَلَيْسَ كُنْتَ تَقُولُ لا يَتَقَدَّمُ إِلا مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ فَكَيْفَ قَدَّمْتَنِي؟ قَالَ: وَقُلْتُ صَنَعْتُ شَيْئًا كَرِهَهُ مُحَمَّدٌ لِنَفْسِهِ. قَالَ: فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَتَقَدَّمَ فَيَقُولَ النَّاسُ هَذَا مُحَمَّدٌ يَؤُمُّ النَّاسِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ تَخَطِّيَ رِقَابِ النَّاسِ فِي الْجُمُعَةِ. قَالَ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ ابْنَ سِيرِينَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ. قَالَ: وَأَنَا لا أَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ وَلَكِنِّي أَجِيءُ فَيَعْرِفُنِي الرَّجُلُ فَيُوَسِّعُ لِي فَأَمْضِي. ثُمْ يَعْرِفُنِي الآخَرُ فَيُوَسِّعُ لِي فَأَمْضِي. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَدْرَكْتُ مَسْجِدَ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَمَسْجِدَ أَنَسٍ وَمَسْجِدَ حَفْصَةَ بِالْعَرَانِيسِ الْمُعَرَّاةِ فِي دَارِ سِيرِينَ لا يَدْخُلُهَا صَبِيُّ وَلا أَحَدٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: مَاتَتِ ابْنَةٌ لِلْحَسَنِ وَهُوَ مُتَوَارٍ فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ: افْعَلُوا كَذَا. وَافْعَلُوا كَذَا. وَرَجَوْتُ أَنْ يَأْمُرَنِي أَنْ أُصَلِّيَ عَلَيْهَا فَقَالَ: إِذَا أَخْرَجْتُمُوهَا فَمُرُوا مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يُصَلِّ عَلَيْهَا. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ محمد ابن سِيرِينَ يَقُولُ: عَفَفْتُ عَنْ نَفْسِي بَعْدَ أَنْ كُنْتُ رَجُلا بِبُخْتِيَّةٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ سِيرِينَ يَلْبَسُ طَيْلَسَانًا. وَكَانَ يَلْبَسُ كِسَاءً أَبْيَضَ فِي الشِّتَاءِ وَعِمَامَةً بَيْضَاءَ وَفَرْوَةً. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ المغيرة قال: رأيت محمد ابن سِيرِينَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْيُمْنَةَ وَالطَّيَالِسَةَ وَالْعَمَائِمَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ خُلَيْفٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَتَعَمَّمُ بِعِمَامَةٍ بَيْضَاءَ لاطِيَّةٍ قَدْ أَرْخَى ذُؤَابَتَهَا مِنْ خَلْفِهِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ ثِيَابَ كَتَّانٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ يَذْكُرُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ خِضَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يكن بلغ ذلك ولكن أبو بَكْرٍ خَضَبَ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: فَخَضَبْتُ يَوْمَئِذٍ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ خُلَيْفِ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ سِيرِينَ يَخْضِبُ بِالصُّفْرَةِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كَعْبٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَقُولُ لِلْخَرَّازِ إِذَا خَرَزَ لَهُ خُفًّا: لا تَبُلَّ الْخُيُوطَ بِرِيقِكَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ سِيرِينَ لا يُحْفِي شَارِبَهُ كَمَا يُحْفِي بَعْضُ النَّاسَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ أَمَرَ سُوَيْدًا أبا مَحْفُوظٍ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ حُلَّةً حِبَرَةً يُكَفَّنُ فِيهَا. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: كَانَتْ وَصِيَّةُ ابْنِ سِيرِينَ ذِكْرُ مَا أَوْصَى بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ أبي عَمْرَةَ بَنِيهِ وَأَهْلَهُ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ وَيُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ وَأَنْ يُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ. وَأَوْصَاهُمْ بِمَا أَوْصَى بِهِ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ: «يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ» البقرة: . وَأَوْصَاهُمْ أَنْ لا يَدَّعُوا أَنْ يَكُونُوا إِخْوَانَ الأَنْصَارِ وَمَوَالِيَهُمْ فِي الدِّينِ فَإِنَّ الْعَفَافَ وَالصِّدْقَ خَيْرٌ وَأَبْقَى وَأَكْرَمُ مِنَ الزِّنَا وَالْكَذِبِ. وَأَوْصَى فِيمَا تَرَكَ: إِنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ قَبْلَ أَنْ أُغَيِّرَ وَصِيَّتِي. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أبي عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَمَّا ضَمِنْتُ عَنْ أبي دَيْنَهُ قَالَ لِي: بِالْوَفَاءِ؟ قُلْتُ: بِالْوَفَاءِ. فَدَعَا لِي بِخَيْرٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أبي قَالَ: قَضَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِيهِ ثَلاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَمَا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَتَّى قَوَّمْنَا مَالَهُ ثَلاثَ مِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ نَحْوًا مِنْ ثَلاثِ مِائَةِ أَلْفٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ أَنْ يُجْعَلَ لِقَمِيصِ الْمَيِّتِ أَزْرَارٌ وَيُكَفُّ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: تُجْعَلُ لَهُ أَزْرَارٌ وَلا تُزَرُّ عَلَيْهِ. قَالَ أَيُّوبُ: أَنَا زَرَرْتُ عَلَى مُحَمَّدٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حماد بْنُ زَيْدٍ قَالَ: مَاتَ مُحَمَّدٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَغَسَّلَهُ أَيُّوبُ وَابْنُ عَوْنٍ. وَلا أَدْرِي مَنْ حَضَرَ مَعَهُمْ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن عمر وقال مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأُخْبِرْتُ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ مَنْصُورٍ قَالا: هَلَكَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ بَعْدَ الْحَسَنِ بِمِائَةِ يَوْمٍ وَذَلِك سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ. وَأَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: تُوُفِّيَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَقَدْ بَلَغَ نَيِّفًا وَثَمَانِينَ سَنَةً.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=72920&book=5528#f4aec8
محمد بن عبد الله بن (محمد بن - ) عبد الرحمن بن ابى بكر الصديق وكنية جده محمد بن عبد الرحمن بن ابى عتيق يكنى ابا عتيق روى عن الزهري
ونافع روى عنه سليمان بن بلال وحاتم بن اسمعيل ويحيى بن ايوب ويزيد بن زريع سمعت أبي يقول ذلك.
ونافع روى عنه سليمان بن بلال وحاتم بن اسمعيل ويحيى بن ايوب ويزيد بن زريع سمعت أبي يقول ذلك.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=72920&book=5528#fd0898
(محمد بن عبد الله بن محمد بن ابى سبرة أبو بكر روى عن..، نا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل قال قال ابى محمد بن عبد الله بن ابى سبرة يضع الحديث وكان ابن جريج يحدث عن أبي بكر بن أبي سبرة - قال حجاج بن محمد فكتبتها وذهبت إليه فعرضتها عليه فقال عندي سبعون الفا في الحلال والحرام.
نا عبد الرحمن قال قرئ على العباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول أبو بكر الذى يقال له السبرى ليس حديثه بشئ مدينى مات ببغداد - ) .
نا عبد الرحمن قال قرئ على العباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول أبو بكر الذى يقال له السبرى ليس حديثه بشئ مدينى مات ببغداد - ) .
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=72920&book=5528#b518d1
محمد بن عبد الله بن محمد
ابن جيجون بن خاقان ويقال: محمد بن نصر بن جيجون بن خاقان ويقال: محمد بن أبي نصر - المروروذي الصوفي حدث بجامع دمشق عن عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد التميمي بسنده إلى ابن عمر قال: غدونا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عرفات، فمنا الملبي، ومنا المكبر.
قال أبو محمد الكتاني: وفيها - يعني سنة ثلاث وستين وأربع مئة - توفي أبو بكر محمد بن أبي نصر المروذي الصوفي في يوم السبت الخامس من رجب.
ابن جيجون بن خاقان ويقال: محمد بن نصر بن جيجون بن خاقان ويقال: محمد بن أبي نصر - المروروذي الصوفي حدث بجامع دمشق عن عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد التميمي بسنده إلى ابن عمر قال: غدونا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عرفات، فمنا الملبي، ومنا المكبر.
قال أبو محمد الكتاني: وفيها - يعني سنة ثلاث وستين وأربع مئة - توفي أبو بكر محمد بن أبي نصر المروذي الصوفي في يوم السبت الخامس من رجب.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=72920&book=5528#7efca7
مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بكر الصديق
وكنية جده مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن أَبُو عتيق، الْقُرَشِيّ أَدْرَكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ أَبِيه عَنْ عَائِشَةَ روى عَنْهُ سُلَيْمَان بْن بلال وعبد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد، وروى مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي عتيق عَنْ عَامِرِ بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْرِ.
وكنية جده مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن أَبُو عتيق، الْقُرَشِيّ أَدْرَكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ أَبِيه عَنْ عَائِشَةَ روى عَنْهُ سُلَيْمَان بْن بلال وعبد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد، وروى مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي عتيق عَنْ عَامِرِ بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْرِ.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=72920&book=5528#e05b32
محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن زيد بن عبد الله ابن عمر بن الخطاب كان يسكن عسقلان روى عن ضمرة وزيد بن ابى الزرقاء سمع منه ابى بعسقلان.
محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن مسلم أبو عبد الله الرقاشى ابوابى قلابة البصري قدم بغداد روى عن مالك بن أنس وحماد بن زيد ووهيب وجعفر بن سليمان ويزيد بن زريع ومعتمر بن سليمان وبشر بن المفضل سمعت أبي يقول ذلك، قال أبو محمد روى عنه أبي ومحمد بن مسلم بن وارة وابنه ابو قلابة، نا عبد الرحمن قال سمعت ابى يقول حدثنا محمد بن عبد الله الرقاشي الثقة الرضا.
محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن مسلم أبو عبد الله الرقاشى ابوابى قلابة البصري قدم بغداد روى عن مالك بن أنس وحماد بن زيد ووهيب وجعفر بن سليمان ويزيد بن زريع ومعتمر بن سليمان وبشر بن المفضل سمعت أبي يقول ذلك، قال أبو محمد روى عنه أبي ومحمد بن مسلم بن وارة وابنه ابو قلابة، نا عبد الرحمن قال سمعت ابى يقول حدثنا محمد بن عبد الله الرقاشي الثقة الرضا.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=72920&book=5528#745fae
محمد بن عبد الله بن محمد بن ابى سبرة أبو بكر روى عن (هشام ابن عروة ويحيى بن سعيد الأنصاري وعبيد الله بن عمر وزيد بن أسلم روى عنه محمد بن الحسن الصنعانى وسعيد بن سلام والوليد بن مزيد البيروتي، نا عبد الرحمن - ) نا صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل قال قال أبي محمد بن عبد الله ابن ابى سبرة يضع الحديث وكان ابن جريج يحدث عن أبي بكر بن أبي سبرة قال حجاج بن محمد فكتبتها وذهبت إليه فعرضتها عليه فقال عندي سبعون الفا في الحلال والحرام، نا عبد الرحمن قال قرئ على العباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول أبو بكر بن أبي سبرة الذى يقال له السبرى ليس حديثه بشئ هو مدينى مات ببغداد.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=72920&book=5528#e929f0
محمد بن عبد الله بن محمد
ابن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر بن عبد شمس بن عبد مناف ويقال: عبد الله بن محمد - أبو جراب القرشي قدم الشام غازياً.
روى عن غطاء في الصبي والمعتوه يقتلان قتيلاً، أنهما لا يرثانه، لأنهما قاتلان.
قال الزبير بن بكار:
فولد أمية الأصغر بن عبد شمس الحارث، فولد الحارث بن أمية عبد الله، وولد عبد الله بن الحارث علياً والوليد ومحمداً. ومن ولد عبد الله بن الحارث أبو جراب، قتله داود بن علي، وهو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر بن عبد شمس. وأمه رملة بنت العلاء بن طارق بن المرقع من كنانة.
قال ابن ماكولا: أبو جراب عبد الله بن محمد القرشي، سمع غطاء، روى عنه إسحاق بن سعيد. قاله مسلم.
ابن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر بن عبد شمس بن عبد مناف ويقال: عبد الله بن محمد - أبو جراب القرشي قدم الشام غازياً.
روى عن غطاء في الصبي والمعتوه يقتلان قتيلاً، أنهما لا يرثانه، لأنهما قاتلان.
قال الزبير بن بكار:
فولد أمية الأصغر بن عبد شمس الحارث، فولد الحارث بن أمية عبد الله، وولد عبد الله بن الحارث علياً والوليد ومحمداً. ومن ولد عبد الله بن الحارث أبو جراب، قتله داود بن علي، وهو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر بن عبد شمس. وأمه رملة بنت العلاء بن طارق بن المرقع من كنانة.
قال ابن ماكولا: أبو جراب عبد الله بن محمد القرشي، سمع غطاء، روى عنه إسحاق بن سعيد. قاله مسلم.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=72920&book=5528#285f3d
محمد بن عبد الله بن محمد
ابن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو عبد الله المهدي بن المنصور بويع له بالخلافة عند موت أبيه بالحجاز، وقدم دمشق في خلافته، ومضى إلى بيت المقدس.
قال يحيى بن حمزة: صليت خلف المهدي المغرب، فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، فقلت: ما هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: حدثني أبي عن جدي عن أبيه عبد الله بن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جهر بسم الله الرحمن الرحيم. فقلت: يا أمير المؤمنين، نأثره عنك؟ قال: نعم.
قال يعقوب: وفي سنة ثلاث وستين ومئة أقام الحج للناس علي بن المهدي، وأتى المهدي بيت المقدس، فصلى فيه.
وفي هذه السنة دخل دمشق.
قال أبو بكر الطيب: محمد أمير المؤمنين المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، يكنى أبا عبد الله. وأمه أم موسى بنت منصور الحميرية. ولد بإيذج في سنة سبع وعشرين ومئة. واستخلف يوم مات المنصور بمكة، وقام بأمر بيعته الربيع بن يونس، وأتاه بالخبر منارة البربري مولاه يوم الثلاثاء لست عشرة ليلة خلت من ذي الحجة، والمهدي إذ ذاك ببغداد، فأقام بعد قدوم منارة يومين لم يظهر الخبر، ثم خطب الناس يوم الخميس، ونعى لهم المنصور، وبويع بيعة العامة. وذلك في سنة ثمان وخمسين ومئة.
روي عن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " المهدي من ولد العباس عمي ".
روى الخطيب البغدادي، بإسناده إلى عبد الله، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المهدي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي ".
وعن ابن عباس قال: منا ثلاثة؛ منا المنصور، ومنا السفاح، ومنا المهدي.
وعن كعب أنه قال: ما المهدي إلا من قريش، وما الخلافة إلا فيهم، غير أن له أصلاً ونسباً في اليمن.
قال يعقوب: سنة ثلاث وخمسين ومئة حج بالناس المهدي محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب.
وقال: وفي سنة ستين ومئة حج بالناس المهدي محمد بن عبد الله. وتوفي سنة ثلاث وستين.
قال خليفة: بويع المهدي محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، أمه أم موسى بنت منصور امرأة من حمير، في أول سنة تسع وخمسين ومئة. ومات أمير المؤمنين المهدي لثمان بقين من المحرم - يعني سنة تسع وستين - بالحمى، فصلى عليه ابنه هارون بن المهدي، وهو ابن ثمان وأربعين. قال: ورأيت في نسخة: سمعت من ابن عمران: ولد بالحميمة من أرض الشام سنة إحدى وعشرين ومئة. ويقال: مات وهو
ابن ثلاث وأربعين. قال: وقال عبد العزيز: ابن إحدى وأربعين. وكانت ولايته عشر سنين وشهراً ونصف.
قال أبو حسان الزيادي: سنة ثمان وخمسين ومئة، بها بويع المهدي محمد بن عبد الله بن محمد.. بويع يوم مات أبو جعفر بمكة وكان مولده سنة سبع وعشرين ومئة. وكان طويلاً أسمر جعداً، بعينه اليمنى نكتة بياض.
وقال يعقوب: وبايع الناس المهدي محمد بن عبد الله بن أبي جعفر أمير المؤمنين وولي عهدهم من بعد أبيه أبي جعفر، بمكة، يوم الخميس لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، من سنة سبع وأربعين ومئة. وفيها - يعني سنة إحدى وخمسين ومئة - جدد أبو جعفر البيعة لنفسه وابنه المهدي ولعيسى بن موسى بعد المهدي على أهل بيته بمحضر منه في مجلسه، وذلك يوم جمعة عمهم بالإذن.
روى الخطيب بإسناده إلى المعاذي قال: لما جدد المهدي البيعة لنفسه بعد وفاة المنصور، كان أول من هنأه بالخلافة، وعزاه، أبو دلامة، فقال: من المتقارب
عيناي واحدة ترى مسرورة ... بأميرها جذلى، وأخرى تذرف
تبكي وتضحك تارة، ويسوءها ... ما أنكرت، ويسرها ما تعرف
فيسوءها موت الخليفة محرماً ... ويسرها أن قام هذا الأرأف
ما إن رأيت كما رأيت ولا أرى ... شعراً أرجله وآخر ينتف
هلك الخليفة يا لأمة أحمد ... وأتاكم من بعده من يخلف
أهدى لهذا الله فضل خلافة ... ولذاك جنات النعيم تزخرف
قال: فأمر المهدي بالنداء بالرصافة: إن الصلاة جامعة، وخطب، فنعى المنصور، وقال: إن أمير المؤمنين عبد دعي فأجاب، وأمر فأطاع، واغرورقت عيناه فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بكى عند فراق الأحبة، ولقد فارقت عظيماً، وقلدت جسيماً، وعند الله احتسبت أمير المؤمنين، وبه - عز وجل - أستعين على خلافة المسلمين.
قال الأصمعي: كان نقش خاتم المهدي الله ثقة محمد وبه يؤمن.
وقال بعض أهل العلم: كان نقش خاتمه القوة لله.
روى الخطيب بإسناده إلى أبي العباس المنصوري قال: لما حصلت في يد المهدي الخزائن والأموال وذخائر المنصور، أخذ في رد المظالم، وإخراج ما في الخزائن، ففرقه، حتى أكثر من ذلك، وبر أهله وأقرباءه ومواليه وذوي الحرمة به، وأخرج لأهل بيته أرزاقاً لكل واحد منهم في كل شهر خمس مئة درهم، لكل رجل ستةآلاف درهم في السنة، وأخرج لهم في الأقسام لكل رجل عشرة آلاف درهم، وزاد بعضهم، وأمر ببناء مسجد الرصافة، وحاط حائطها، وخندق خندقها. وذلك كله في السنة التي قدم فيها مدينة السلام.
وبسنده إلى الربيع أنه قال: مات المنصور، وفي بيت المال شيء لم يجمعه خليفة قط قبله: مئة ألف ألف درهم وستون ألف ألف درهم. فلما صارت الخلافة إلى المهدي، قسم ذلك وأنفقه. وقال الربيع: نظرنا في نفقة المنصور، فإذا هو ينفق في كل سنة ألفي درهم مما يجيء من مال الشراة.
وبسنده إلى أبي عمرو الشغافي قال:
صلينا مع المهدي المغري، ومعنا العوفي - يعني الحسين بن الحسن بن عطية - وكان
على مظالم المهدي، فلما انصرف المهدي من المغرب، جاء العوفي، حتى قعد في قبلته، فقام يتنفل، فجذب ثوبه، فقال: ما شأنك؟ فقال: شيء أولى بك من النافلة. قال: وما ذاك؟ قال: سلام مولاك - قال: وهو قائم على رأسه - أوطأ قوماً الخيل، وغصبهم على ضيعتهم، وقد صح ذلك عندي، تأمر بردها، وتبعث من يخرجهم. فقال المهدي: يصح إن شاء الله. فقال العوفي: لا، إلا الساعة! فقال المهدي: فلان القائد، اذهب الساعة إلى موضع كذا وكذا، فأخرج من فيها، وسلم الضيعة إلى فلان. قال: فما أصبحوا، حتى ردت الضيعة على صاحبها.
وروى أبو العباس أحمد بن محمد بن مسروق قال: دخل محمد بن طلحة بن مصرف على المهدي في حاجة. قال: فجلس مع الناس أمام القصر والمهدي في بهو له قاعد مع أصحابه. قال: فجاء المطر. قال: فقام محمد بن طلحة على رجليه، فقال: يا أمير المؤمنين، أمن العدل هذا، أن تكون في الكن، ونحن في المطر؟! قال: فقال المهدي: من هذا؟ فقالوا: هذا محمد بن طلحة بن مصرف رجل فيه غفلة. قال: فقال المهدي: ها هنا يا عم، ها هنا يا عم اقعد. فجعل يدنو. قال: والمهدي يقول له: ها هنا يا عم. قال: حتى جاء محمد بن طلحة فوقف بجنب المهدي قال: فقال له: ها هنا يا عم. فقال له محمد بن طلحة: إنما أردت أن أستكن من المطر. فقال المهدي: أدركت، فحاجتك؟ قال: فسأل حاجته، فقال له المهدي: لم لا تقول لأخيك سفيان الثوري؟ قال: خشيت أن تكون له الحجة علي. قال: فقال له المهدي: كيف تكون له الحجة عليك؟ قال: يقول: قد عملوا بما علموا، فجاءهم ما لا يعلمون، فاحتاجوا إلي. قال: فقال له: فقل لنا أنت. قال: نعم، تقوم المحتسبات ببيتك، فترد على كل ذي حق حقه. قال: وغير هذا؟ قال: نعم، تأمر بالصلاة جامعة، واصعد المنبر، فاسأل الناس أن
يسوغوك ما في يديك، ثم تستقبل فيهم العدل الآن. فقال: مقبول منك يا عم. قال: فانصرف. فقال المهدي لجلسائه: هذا الذي قلتم إنه ما يعقل؟! قال صالح المري: دخلت على المهدي ها هنا بالرصافة، فلما مثلت بين يديه، قلت: يا أمير المؤمنين، احمل لله ما أكلمك به اليوم، فإن أولى الناس بالله - عز وجل - أحملهم لغلظة النصيحة فيه، وجدير بمن له قرابة برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرث أخلاقه، ويأتم بهديه، وقد ورثك الله من فهم العلم وإنارة الحجة ميراثاً قطع به عذرك، فمهما ادعيت من حجة، أو ركبت من شبهة لم يصح له برهان من الله - عز وجل -، حل بك من سخط الله - عز وجل - بقدر ما تجاهلته من العلم، أو أقدمت عليه من شبهة الباطل. واعلم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خصم من خالفه في أمته يبتزها أحكامها. ومن كان محمد خصمه، كان الله - عز وجل - خصمه. فأعد لمخاصمة الله عز وجل ولمخاصمة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حججاً تضمن لك النجاة، أو استسلم للهلكة. واعلم أن أبطأ الصرعى نهضة صريع هوى يدعيه إلى الله - عز وجل - قربة، وأن أثبت الناس قدماً يوم القيامة آخذهم بكتاب الله وسنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فمثلك لا يكابر بتجريد المعصية، ولكن تمثل له الإساءة إحساناً، ويشهد له عليها خونة العلماء، وبهذه الحبالة تصيدت الدنيا نظراءك. فأحسن الحيل، فقد أحسنت إليك الأداء. قال: فبكى المهدي.
قال أبو همام: فأخبرني بعض الكتاب أنه رأى هذا الكلام مكتوباً في دواوين المهدي.
حدث الواقدي قال:
دخلت يوماً على المهدي، فدعا بمحبرته ودفتره، وكتب عني أشياء حدثته بها. ثم نهض وقال: كن بمكانك حتى أعود إليك، فدخل إلى دور الحرم، ثم خرج متنكراً ممتلئاً غيظاً، فلما جلس، قلت: يا أمير المؤمنين، خرجت على خلاف الحال التي دخلت
عليها! فقال: نعم، دخلت على الخيزران، فوثبت علي، ومدت يدها إلي، وخرقت ثوبي، وقالت: يا قشاش، وأي خبر رأيت منك؟! وإنها اشتريتها من نخاس، ورأت مني ما رأت، وعقدت لابنيها ولاية العهد، ويحك وأنا قشاش؟ قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنهن يغلبن الكرام، ويغلبهن اللئام " وقال: " خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي " وقال: " خلقت المرأة من ضلع أعوج، إن قومته كسرته " وحدثته في هذا الباب بما حضرني. فسكن غضبه، وأسفر وجهه، وأمر لي بألفي دينار، وقال: أصلح بهذه من حالك. وانصرفت. فلما وصلت إلى منزلي وافاني رسول الخيزران، فقال: تقرأ عليك ستي السلام، وتقول لك: يا عمي قد سمعت جميع ما كلمت به أمير المؤمنين، فأحسن الله جزاءك، وهذه ألفا دينار إلا عشرة دنانير، بعثت بها إليك، لأني لا أحب أن أساوي صلة أمير المؤمنين؛ ووجهت إلي بأثواب.
قال محمد بن جعفر الخرائطي نا عمران بن موسى أو غيره قال: أهدر المهدي دم رجل من أهل الكوفة، كان سعى في فساد الدولة، وبذل لمن ذل عليه مئة ألف درهم، فاستخفى الرجل حيناً، ثم خرج إلى مدينة السلام، فكان كالمستخفي، فإنه لفي بعض طرقات المدينة إذ بصر به رجل قد كان عرف حاله، فأهوى إلى مجامع ثوبه وصاح: هذا فلان طلبة أمير المؤمنين، فبينما الرجل على تلك الحال، إذ سمع وقع حوافر الدواب، فالتفت، فإذا بموكب كثير الغاشية، فقال: من هذا؟ فقالوا: معن بن زائدة. قال: وما يكنى؟ قالوا: يكنى بأبي الوليد، فلما حاذاه،
قال: يا أبا الوليد، خائف فأجره، وميت فأحيه. فوقف معن في موكبه، وسأل عن حاله، فقال صاحبه: هذا طلبة أمير المؤمنين، قد جعل لمن جاء به مئة ألف درهم. قال: فاعلم أمير المؤمنين أني قد أجرته. وقال لبعض غلمانه: انزل عن دابتك، واركب أخانا. فركب، وانطلق به إلى منزله، ومضى الرجل إلى باب المهدي، فإذا سلام الأبرش يريد الدخول عليه، فقص عليه القصة، فدخل سلام المهدي، فأخبره. فقال: يحضر معن، فجاءته الرسل، فركب، وأوصى به حاشيته، ومن ببابه من مواليه، قال: لا يخلص إليه، وفيكم عين تطرف، فإن رامه أحد فموتوا دونه. ودخل معن على المهدي يسلم، فلم يرد عليه، وقال: يا معن، وتجير علي أيضاً؟! قال: نعم. قال: ونعم أيضاً؟! قال: نعم، يا أمير المؤمنين، قتلت في طاعتكم وعن دولتكم أربعة آلاف مصل في يوم واحد، ولا يجار لي رجل واحد استجار بي؟! فأطرق المهدي طويلاً، ثم رفع رأسه وقال: قد أجرنا من أجرت. قال: يا أمير المؤمنين، إن الرجل ضعيف الحال. قال: قد أمرنا له بثلاثين ألف درهم. قال: إن جنايته عظيمة، وصلات الخلفاء على حسب جناية الرعية. قال: قد أمرنا له بمئة ألف درهم. قال: أهنأ المعروف أعجله. قال: يتقدمه ما أمرنا له به. فانصرف معن، وقد سبقه المال، فأحضر الرجل، وقال: ادع الله لأمير المؤمنين، فقد حقن دمك، وأجزل صلتك. وأصلح نيتك فيما تستقبل.
روى أبو بكر الخطيب، بإسناده إلى الضحاك قال: قدم المهدي علينا البصرة، فخرج يصلي العصر، فقام إليه أعرابي فقال: يا أمير المؤمنين، مر المؤذن لا يقيم حتى أتوضأ. فضحك المهدي وقال للمؤذن: لا تقم حتى يتوضأ الأعرابي.
قال الأصمعي: سمعت المهدي على منبر البصرة يقول: إن الله أمر بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته، فقال: " إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه
وسلموا تسليماً " آثره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بها من بين الرسل، واختصكم بها من بين الأمم، فقابلوا نعمة الله بالشكر.
وقال المهدي أمير المؤمنين: ما توسل أحد إلي بوسيلة، ولا تذرع بذريعة، هي أقرب إلى ما نحب من تذكيري يداً سلفت مني إليه، أبعها أختها، وأحسن ربها، لأن منع الأواخر يقطع شكر الأوائل.
حدث المدائني قال:
دخل على المهدي رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إن المنصور شتمني، وقذف أبي، فإما أمرتني أن أحلله، وإما عوضتني فاستغفرت له. قال: ولم شتمك؟ قال: شتمت عدوه بحضرته فغضب. قال: ومن عدوه الذي غضب لشتمه؟ قال: إبراهيم بن عبد الله بن حسن. قال: إن إبراهيم أمس به رحماً وأوجب عليه حقاً، فإن كان شتمك كما زعمت، فعن رحمه ذب، وعن عرضه دفع، وما أساء من انتصر لابن عمه. قال: إنه كان عدواً له. قال: فلم ينتصر للعداوة، إنما انتصر للرحم. فأسكت الرجل فلما ذهب ليتولى، قال: لعلك أردت أمراً، فلم تجد له ذريعة عندك أبلغ من هذه الدعوى! قال: نعم. فتبسم، ثم أمر له بخمسة آلاف درهم.
روى أبو بكر الخطيب بإسناده إلى العتابي قال: دخل أبو دلامة على المهدي، فطلب كلباً، فأعطاه، ثم قائده، فأعطاه، ثم دابة، ثم جارية تطبخ الصيد، فأعطاه ذلك، فقال: من يعولها؟ أقطعني ضيعة أعيش فيها
وعيالي. قال: قد أقطعك أمير المؤمنين مئة جريب من العامر، ومئة جريب من الغامر. قال: وما الغامر؟ قال: الخراب الذي لا ينبت. فقال أبو دلامة: قد أقطعت أمير المؤمنين خمس مئة جريب من الغامر من أرض بني أسد. قال: فهل بقيت لك من حاجة؟ قال: نعم، تأذن لي أن أقبل يدك. قال: ما إلى ذلك سبيل. قال: والله ما رددتني عن حاجة أهون علي فقداً منها! روى الخطيب بإسناده أن الربيع قال: فتح المنصور يوماً خزانة مما قبض من خزائن مروان بن محمد، فأحصى فيها اثني عشر ألف عدل خز فأخرج منها ثوباً، وقال: يا ربيع، اقطع من هذا الثوب جبتين: لي واحدة، ولمحمد واحدة، فقلت: لا يجيء منه هذا. قال: اقطع لي منه جبة وقلنسوة. وبخل بثوب آخر يخرجه للمهدي. فلما أفضت الخلافة إلى المهدي، أمر بتلك الخزانة بعينها، ففرقت على الموالي والغلمان والخدم.
حدث الزبير بن بكار قال: حدثني شيخ من أهل المدينة قال: لما دق أمير المؤمنين المهدي المقصورة، وجلس لأشراف قريش، فأجازهم، وكساهم، وكان فيمن وصل عبد الأعلى بن عبيد الله بن محمد بن صفوان، فأجازه، وكساه. وتظلم إليه عبد الأعلى من زفر بن عاصم فيما له عنده من الأرزاق، فأمر زفر بدفع ذلك إليه. فقال له عبد الأعلى: وصلك الله يا أمير المؤمنين، وجعلني فداك، فقد وصلت الرحم، ورددت الظلامة، وعندي بنت عم أحب الناس إلي، غدوت اليوم وأنا مغاضب لها، فإن رأيت أن تجعل للصلح بيني وبينها موضعاً، فافعل. فأعطاه ألف دينار وخمسين ثوباً، وقال: هذا يصلح ما بينك وبينها؟ قال: نعم جعلني الله فداك. فقال له أمير المؤمنين المهدي: والله لو قلت: لا، ما زلت أزيدك إلى الليل.
قال عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله: دخل أبي وأصحابه على المهدي بالمدينة، فدخل عليه المغيرة بن عبد الرحمن
المخزومي وأبو السائب والعثماني وابن أخت الأحوص، فقال لهم: أنشدوني، فأنشده عبد العزيز الماجشون: من الطويل
وللناس بدر في السماء يرونه ... وأنت لنا بدر على الأرض مقمر
فبالله يا بدر السماء وضوءه ... تراك تكافي عشر ما لك أضمر
وما البدر إلا دون وجهك في الدجى ... يغيب، فتبدو حين غاب فتقمر
وما نظرت عيني إلى البدر طالعاً ... وأنت تمشى في الثياب فتسحر
وأنشده ابن أخت الأحوص: من البسيط
قالت كلابة: من هذا؟ فقلت لها: ... هذا الذي أنت من أعدائه زعموا
إني امرؤ لج بي حب فأحرضني ... حتى بكيت وحتى شفني السقم
وأنشده المغيرة بن عبد الرحمن: من الطويل
رمى البين من قلبي السواد فأوجعا ... وصاح فصيح بالرحيل، فأسمعا
وغرد حادي البين وانشقت العصا ... وأصبحت مسلوب الفؤاد مفجعا
كفى حزناً من حادث الدهر أنني ... أرى البين لا أسطيع للبين مدفعا
وقد كنت قبل البين بالبين جاهلاً ... فيا لك بين ما أمر وأفظعا
وأنشده أبو السائب: من الطويل
أصيخا لداعي حب ليلى فيمما ... صدور المطايا نحوها فتسمعا
خليلي إن ليلى أقامت فإنني ... مقيم وإن بانت فبينا بنا معا
وإن أثبتت ليلى بربع غدوها ... فعيذا لنا بالله أن تتزعزعا
قال: والله لأغنينكم. فأجاز أربعة بعشرة آلاف دينار، عشرة آلاف دينار.
وروى أيضاً عن أبيه قال: سألني المهدي أمير المؤمنين: يا ماجشون، ماذا قلت حين فقد أصحابك؟ - يعني الفقهاء - قال: قلت: من البسيط
أيا باك على أحبابه جزعاً ... قد كنت أحذر ذا من قبل أن يقعا
إن الزمان رأى إلف السرور بنا ... فدب بالهجر فيما بيننا وسعى
ما كان والله شؤم الدهر يتركني ... حتى يجرعني من غيظه جرعا
فليصنع الدهر بي ما شاء مجتهداً ... فلا زيادة شيء فوق ما صنعا
فقال: والله لأغنينك، فأجازه بعشرة آلاف دينار، فقدم بها المدينة، فأكلها ابنه في السخاء والكرم.
روى أبو بكر الحافظ بإسناده إلى فائقة بنت عبد الله أم عبد الواحد بن جعفر بن سليمان قالت: أنا يوماً عند المهدي أمير المؤمنين، وكان قد خرج متنزهاً إلى الأنبار إذ دخل عليه الربيع، ومعه قطعة من جراب، فيه كتابة برماد وخاتم من طين قد عجن بالرماد، وهو مطبوع بخاتم الخلافة، فقال: يا أمير المؤمنين، ما رأيت أعجب من هذه الرقعة، جاءني بها رجل أعرابي، وهو ينادي: هذا كتاب أمير المؤمنين المهدي، دلوني على هذا الرجل الذي يسمى الربيع، فقد أمرني أن أدفعها إليه، وهذه الرقعة. فأخذها المهدي وضحك، وقال: صدق؛ هذا خطي، وهذا خاتمي، أفلا أخبركم بالقصة كيف كانت؟ قلنا: أمير المؤمنين أعلى عيناً في ذلك. قال: خرجت أمس إلى الصيد في غب سماء، فلما أصبحت، هاج علينا ضباب شديد، وفقدت أصحابي، حتى ما رأيت منهم أحداً، وأصابني من البرد والجوع والعطش ما الله به أعلم، وتحيرت عند ذلك، فذكرت دعاء سمعته من أبي يحكيه عن أبيه عن جده عن ابن عباس، رفعه، قال: من قال إذا أصبح
وإذا أمسى: بسم الله وبالله ولا حول ولا قوة إلا بالله، اعتصمت بالله، وتوكلت على الله، حسبي الله، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وقي وكفي وشفي من الحرق والغرق والهدم وميتة السوء. فلما قلتها رفه لي ضوء نار، فقصدتها فإذا بهذا الأعرابي في خيمة له، وإذا هو يوقد ناراً بين يديه، فقلت: أيها الأعرابي، هل من ضيافة؟ قال: انزل، فنزلت، فقال لزوجته: هاتي ذاك الشعير، فأتت به، فقال: اطحنيه، فابتدأت تطحنه، فقلت له: اسقني ماء، فأتاني بسقاء فيه مذقة من لبن أكثرها ماء، فشربت منها شربة، ما شربت قط شيئاً إلا هي أطيب منه. قال: وأعطاني حلساً له، فوضعت رأسي عليه، فنمت نومة، ما نمت نومة أطيب منها وألذ. ثم انتبهت، فإذا هو قد وثب إلى شويهة، فذبحها، وإذا امرأته تقول له: ويحك قتلت نفسك وصبيتك إنما كان معاشكم من هذه الشاة، فذبحتها، فبأي شيء نعيش؟! قال: فقلت: لا عليك، هات الشاة، فشققت جوفها، واستخرجت كبدها بسكين كانت في خفي، فشرحتها، ثم طرحتها على النار، فأكلتها. ثم قلت: هل عندك شيء أكتب لك فيه؟ فجاءني بهذه القطعة جراب وأخذت عوداً من الرماد الذي كان بين يديه، فكتبت له هذا الكتاب، وختمته بهذا الخاتم، وأمرته أن يجيء، ويسأل عن الربيع، فيدفعها إليه. فإذا في الرقعة خمس مئة ألف درهم. فقال: والله ما أردت إلا خمسين ألف درهم، ولكن جرت بخمس مئة ألف درهم، لا أنقص والله منها درهماً واحداً، ولو لم يكن في بيت المال غيرها. احملوها معه. فما كان إلا قليلاً حتى كثرت إبله وشاؤه. وصار منزلاً من المنازل ينزله الناس، ممن أراد الحج من الأنبار إلى مكة. وسمي منزل مضيف أمير المؤمنين المهدي.
وروى بإسناده إلى إبراهيم بن محمد بن عرفة قال:
وخرج المهدي يوماً إلى الصيد، فانقطع عن خاصته، فدفع إلى أعرابي، وهو يريد
البول، فقال: يا أعرابي احفظ علي فرسي حتى أنزل، فسعى نحوه وأخذ بركابه، فنزل المهدي، ودفع الفرس إليه، فأقبل الأعرابي على السرج، يقلع حليته، وفطن المهدي، وقد أخذ حاجته، فقدم إليه فرسه. وجاءت الخيل نحوه، وأحاطت به، ونذر بها الأعرابي، فولى هارباً، فأمر برده، فقال - وخاف أن يكون قد غمز به، فقال -: خذوا ما أخذنا منكم، ودعونا نذهب إلى خزي الله وناره. فقال المهدي، وصاح به: تعال لا بأس عليك. فقال: ما تشاء، جعلني الله فداء فرسك؟ فضحك من حضره، وقالوا: ويلك، هل رأيت إنساناً قد قال هذا؟! قال: فما أقول؟ قالوا: قل جعلني الله فداءك يا أمير المؤمنين. قال: وهذا أمير المؤمنين؟ قالوا: نعم. قال: والله لئن أرضاه هذا مني، ما يرضيني ذاك فيه، ولكن جعل الله جبريل وميكائيل فداءه وجعلني فداءهما. فضحك المهدي، واستطابه، وأمر له بعشرة آلاف درهم، فأخذها، وانصرف.
وبالإسناد نفسه قال: وبلغني أن المهدي لما فرغ من بناء عيسى باذ، ركب في جماعة، يسير، لينظر، فدخله مفاجأة، وأخرج من كان هناك من الناس، وبقي رجلان تخفيا عن أبصار الأعوان، فرأى المهدي أحدهما، وهو دهش ما يعقل، فقال: من أنت؟ قال: أنا أنا أنا. قال: ويلك، من أنت؟ قال: لا أدري. قال: ألك حاجة؟ قال: لا، لا. قال: أخرجوه، أخرج الله نفسه! فدفع في قفاه، فلما خرج، قال لغلام له: اتبعه من حيث لا يعلم، فسل عن أمره ومهنته، فإني إخاله حائكاً. فخرج الغلام يقفوه. ثم رأى الآخر، فاستنطقه، فأجابه بقلب جريء ولسان بسيط. فقال: من أنت؟ فقال: رجل من أبناء رجال دعوتك. قال: ما جاء بك إلى ها هنا؟ قال: جئت لأنظر إلى هذا البناء الحسن، فأتمتع بالنظر، وأكثر الدعاء لأمير المؤمنين بطول المدة، وتمام النعمة، ونماء العز والسلامة. قال: أفلك حاجة؟ قال: نعم؛ خطبت ابنة عمي، فردني أبوها، وقال:
لا مال لك، والناس يرغبون في الأموال. وأنا بها مشغوف، ولها وامق. قال: قد أمرت لك بخمسين ألف درهم. قال: جعلني الله فداءك يا أمير المؤمنين، قد وصلت، فأجزلت الصلة، ومننت، فأعظمت المنة، فجعل الله باقي عمرك أكثر من ماضيه، وآخر أيامك خيراً من أولها، وأمتعك بما أنعم به، وأمتع رعيتك بك. فأمر أن يعجل له في صلته، ووجه بعض خاصته معه، وقال: سل عن مهنته، فإني إخاله كاتباً. فرجع الرسولان معاً، فقال الأول: وجدت الأول حائكاً، وقال الآخر: وجدت الرجل كاتباً. فقال المهدي: لم يخف علي مخاطبة الكاتب والحائك.
قال الأصمعي: حدثني حسن الوصيف الحاجب حاجب المهدي قال: كنا بزبالة، إذا أعرابي يقول: يا أمير المؤمنين، جعلني الله فداءك، إني عاشق. قال: وكان يحب ذكر العشاق والعشق. فدعا الأعرابي، فلما دخل عليه، قال: سلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، ثم قعد، فقال له: ما اسمك؟ قال: أبو مياس. قال: يا أبا مياس، من عشيقتك؟ قال: ابنة عمي، وقد أبى أن يزوجنيها. قال: لعله أكثر منك مالاً. قال: لا، بل أنا أكثر منه مالاً. قال: فما القصة؟ قال: أدن مني رأسك. فجعل المهدي يضحك، وأصغى إليه رأسه، فقال: إني هجين. قال: ليس يضرك ذاك، إخوة أمير المؤمنين وولده أكثرهم هجن، يا غلام، علي بعمه. قال: فأتي به، فإذا أشبه خلق الله بأبي مياس، كأنهما باقلاة فلقت، فقال المهدي: ما لك لا تزوج أبا مياس، وله هذا اللسان والأدب، وقرابته منك قرابته؟ قال: إنه هجين. قال: فإخوة أمير المؤمنين وولده أكثرهم هجين، فليس هذا مما ينقصه، زوجها منه، فقد أصدقتها عنه عشرة آلاف درهم. قال: قد فعلت. فأمر له بعشرين ألف درهم. فخرج أبو مياس، وهو يقول: من الكامل
ابتعت ظبية بالغلاء وإنما ... يعطي الغلاء بمثلها أمثالي
وتركت أسواق القباح لأهلهاإن القباح وإن رخصن غوال
قال المفضل بن محمد الضبي:
كنت يوماً جالساً على باب منزلي، أحتاج إلى درهم، وعلي دين عشرة آلاف درهم، إذ جاءني رسول المهدي، فقال: أجب أمير المؤمنين، فقلت في نفسي: وما بغية أمير المؤمنين؟ لعل ساعياً سعى بي إليه! ثم دخلت منزلي، ولبست ثيابي، وصرت إليه، فلما مثلت بين يديه، سلمت عليه، فقال: وعليك السلام، وأومأ لي بالجلوس. فجلست. فلما سكن جأشي، قال لي: يا مفضل، ما أفخر بيت قالته العرب؟ فأرتج علي ساعة، ثم قلت: يا أمير المؤمنين، بيت الخنساء، فاستوى جالساً، وكان متكئاً، ثم قال: أي بيت؟ قلت: قولها: من البسيط
وإن صخراً لتأتم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار
فقال: قد قلت له، وأبى علي! وأومأ إلى إسحاق بن بزيع. قلت: الصواب مع أمير المؤمنين. ثم قال: يا مفضل، حدثني. فحدثته حتى انتصف النهار. وقال: يا مفضل، كيف حالك؟ قلت: يا أمير المؤمنين، كيف يكون حال من عليه عشرة آلاف درهم، وليس معه درهم؟! فقال: يا إسحاق، أعطه عشرة آلاف درهم قضاءً لدينه، وعشرة آلاف درهم يستعين بها على دهره، وعشرة آلاف درهم يصلح بها من شأنه.
روى أبو بكر الخطيب بإسناده إلى يونس بن عبد الله الخياط قال: دخل ابن الخياط المكي على أمير المؤمنين المهدي، وقد مدحه، فأمر له بخمسين ألف درهم. فلما قبضها، فرقها على الناس، وقال: من الطويل
أخذت بكفي كفه أبتغي الغنى ... ولم أدر الجود من كفه يعدي
فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنى ... أفدت، وأعداني فبددت ما عندي
فنمي إلى المهدي، فأعطاه بدل كل درهم ديناراً.
وروى بإسناده إلى محمد بن زياد قال: دخل مروان بن أبي حفصة على المهدي، وعنده جماعة، فأنشده: من الطويل
صحا بعد جهل واستراحت عواذله
قال: فقال: ويحك، كم هي بيتاً؟ قلت: يا أمير المؤمنين، سبعون بيتاً. قال: فإن لك عندي سبعين ألفاً. قال: فقلت في نفسي: بالنسيئة، إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم قلت: يا أمير المؤمنين، اسمع مني أبياتاً حضرت، فما في الأرض أنبل من كفيلي. قال: هات. فاندفعت، فأنشدته: من الطويل
كفاكم بعباس أبي الفضل والداً ... فما من أب إلا أبو الفضل فاضله
كأن أمير المؤمنين محمداً ... أبو جعفر في كل أمر يحاوله
إليك قصرنا النصف من صلواتنا ... مسيرة شهر بعد شهر نواصله
فلا نحن نخشى أن يخيب مسيرنا ... إليك، ولكن أهنأ الخير عاجله
قال: فتبسم، وقال: عجلوها له. فحملت إلي من وقتها.
وروى الخطيب بإسناده إلى جماعة قال: خرج المؤمل بن أميل المحاربي إلى المهدي، وهو أمير على الري، ممتدحاً له، فأمر له بعشرين ألف درهم، ورفع الخبر إلى المنصور، قال: فلما اتصل به قربي من العراق، أنفذ لي قاعداً على جسر النهروان يستقري القوافل، فلما مررت به قال: من أنت؟
قلت: المؤمل بن أميل مادح الأمير المهدي وشاعره. قال: إياك طلبت. فأخذ بيدي، فأدخلني على المنصور، وهو بقصر الذهب، فقال لي: أتيت غلاماً عراً، فخدعته؟! قال: بل أتيت غلاماً كريماً، فخدعته، فانخدع. قال: فأنشدني ما قلت فيه. فأنشدته: من الوافر
هو المهدي إلا أن فيه ... مشابه صورة القمر المنير
تشابه ذا وذا، فهما إذا ما ... أنارا يشكلان على البصير
فهذا في الظلام سراج نار ... وهذا بالنهار سراج نور
ولكن فضل الرحمن هذا ... على ذا بالمنابر والسرير
وبالملك العزيز، فذا أمير ... وماذا بالأمير ولا الوزير
ونقص الشهر يخمد ذا، وهذا ... منير عند نقصان الشهور
فيا بن خليفة الله المصفى ... به تعلو مفاخرة الفخور
لقد فت الملوك وقد توافوا ... إليك من السهولة والوعور
لقد سبق الملوك أبوك حتى ... بقوا من بين كاب أو حسير
وجئت وراءه تجري خبيباً ... وما بك حين تجري من فتور
فقال الناس ما هذان إلا ... كما بين الفتيل إلى النقير
فإن سبق الكبير فأهل سبق ... له فضل الكبير على الصغير
وإن بلغ الصغير مدىً كبيراً ... فقد خلق الصغير من الكبير
فقال: ما أحسن ما قلت، ولكن لا يساوي ما أخذت. يا ربيع حط ثقله، وخذ منه ستة عشر ألفاً، وخله والبقية. قال: فحط الربيع ثقلي، وأخذ مني ستة عشر ألفاً، فما
بقيت معي إلا نفيقة يسيرة، لأني كنت اشتريت لأهلي طرائف من طرائف الري، فشخصت، وآليت ألا أدخل بغداد، وللمنصور بها ولاية! فلما مات المنصور، واستخلف المهدين قدمت بغداد، فألفيت رجلاً، يقال له: ابن ثوبان، قد نصبه المهدي للمظالم، فكتبت قصة أشرح فيها ما جرى علي، فرفعها ابن ثوبان إلى المهدي، فلما قرأها، ضحك، حتى استلقى، ثم قال: هذه مظلمة أنا بها عارف. ردوا عليه ماله الأول، وضموا إليه عشرين ألفاً.
روى الزبير بن بكار عن بعض أصحابه قال: كان المهدي مستهتراً بالخيزران لا يكاد أن يفارقها في مجلس يلهو به، فجلس يوماً مع ندمائه، فاشتاق إليها، فكتب إليها بهذه الأبيات: من الخفيف
نحن في أطيب السرور ولكن ... ليس إلا بكم يطيب السرور
عيب ما نحن فيه يا أهل ودي ... أنكم غبتم ونحن حضور
فأغذوا المسير، بل إن قدرتم ... أن تطيروا مع الرياح، فطيروا
فأجابته الخيزران بهذه الأبيات:
قد أتانا الذي قد ذكرت من ال ... شوق فكدنا وما فعلنا نطير
ليت أن الرياح كن يؤد ... ين إليكم بما يجن الضمير
لم أزل صبة فإن كنت بعدي ... في سرور فطاب ذاك السرور
وقال عمر بن شبة: كانت للمهدي جارية يحبها حباً شديداً، وكانت شديدة الغيرة عليه في سائر
جواريه، فتعتاص عليه وتؤذيه، فقال فيها: من الوافر
أرى ماء وبي عطش شديد ... ولكن لا سبيل إلى الورود
أراح الله من بدني فؤادي ... وعجل لي إلى دار الخلود
أما يكفيك أنك تملكيني ... وأن الناس كلهم عبيدي
وأنك لو قطعت يدي ورجلي ... لقلت من الرضا أحسنت زيدي
وقال: أهدت جارية للمهدي إليه تفاحة مطيبة، فأخذها المهدي، وأنشأ يقول: من السريع
تفاحة من عند تفاحة ... جاءت فماذا صنعت بالفؤاد
والله إن أدري أأبصرتها ... يقظان أم أبصرتها في الرقاد
قال علي بن يقطين: خرجنا مع المهدي، فقال لنا يوماً: إني داخل ذاك البهو، فنائم فيه، فلا يوقظني أحد، حتى أستيقظ. قال: فنام، ونمنا، فما أنبهنا إلا بكاؤه، فقمنا فزعين، فقلنا: ما شأنك يا أمير المؤمنين؟ قال: أتاني الساعة آت في منامي، والله لو كان في مئة ألف شيخ لعرفته، فأخذ بعضادتي الباب وهو يقول: من الطويل
كأني بهذا القصر قد باد أهله ... وأوحش منه ركبه ومنازله
وصار عميد القوم من بعد بهجة ... وملك إلى قبر عليه جنادله
حدث محمد بن إدريس الشافعي أنه أخبر أن المهدي لما فرغ من بنيان قصر بناه، تحول إليه هو وحشمه، فبينا هو ذات ليلة نائم، إذ سمع صوتاً من زاوية القصر، وهو يهتف: من الطويل
كأني بهذا القصر قد باد أهله ... وقد درست أعلامه ومنازله
قال: فأجابه المهدي، وكان ذكياً:
كذاك أمور الناس يبلى جديدها ... وكل فتىً يوماً ستبلى فعائله
فأجابه الهاتف وهو يقول:
تزود من الدنيا فإنك ميت ... وإنك مسؤول، فما أنت قائله؟
فأجابه المهدي وهو يقول:
أقول بأن الله حق شهدته ... فذلك قول ليس تحصى فضائله
فأجابه الهاتف وهو يقول:
تزود من الدنيا فإنك راحل ... وقد أزف الأمر الذي بك نازله
فأجابه المهدي وهو يقول:
متى ذاك خبرني، هديت، فإنني ... سأفعل ما قد قلت لي وأعاجله
فأجابه الهاتف وهو يقول:
تلبث ثلاثاً بعد عشرين ليلة ... إلى منتهى شهر وما أنت كامله
قال: فقالت ريطة سرية المهدي: فوالله ما لبث إلا تسعة وعشرين يوماً حتى فارق الدنيا، رحمه الله.
حدث بعض أهل العلم قال: كان آخر ما تكلم به محمد بن عبد الله، وهو المهدي الحمد لله يحيي ويميت، وهو حي لا يموت.
قال أبو معشر السندي:
استخلف محمد بن عبد الله المهدي يوم الخميس، لإحدى عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة، سنة ثمان وخمسين ومئة. قال: وتوفي لأربع عشرة مضت من المحرم، سنة تسع وستين ومئة.
وقال أبو معشر في رواية أخرى: توفي محمد بن عبد الله، وهو المهدي، في المحرم سنة تسع وستين ومئة، فكانت خلافته عشر سنين وخمسة وأربعين ليلة.
وقال ابن أبي السري: كانت خلافته عشر سنين وشهراً وثلاثة عشر يوماً، ومات بماسبذان، وكان خروجه إلى قرية يقال لها الرذ، بها قبره، ومات وهو ابن ثلاث وأربعين سنة، وصلى عليه ابن هارون. وكان طويلاً أسمر معتدل الخلق جعد الشعر، بعينه اليمنى نكتة بياض، رحمه الله، ومبلغ سنه على حساب مولده اثنتان وأربعون سنة وسبعة أشهر وأيام.
وقال أبو سليمان بن زبر: وفيها - يعني سنة تسع وستين ومئة - خرج المهدي إلى ماسبذان، في المحرم، فتوفي بها، ليلة الخميس، لثمان بقين من المحرم، وبويع ابنه موسى بن محمد الهادي.
محمد بن عبد الله بن محمد
ابن عثمان بن حماد بن سليمان بن الحسن بن أبان بن النعمان بن بشير الأنصاري روى عن عبد القدوس بن عبد السلام، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولا عال من اقتصد ".
ابن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو عبد الله المهدي بن المنصور بويع له بالخلافة عند موت أبيه بالحجاز، وقدم دمشق في خلافته، ومضى إلى بيت المقدس.
قال يحيى بن حمزة: صليت خلف المهدي المغرب، فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، فقلت: ما هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: حدثني أبي عن جدي عن أبيه عبد الله بن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جهر بسم الله الرحمن الرحيم. فقلت: يا أمير المؤمنين، نأثره عنك؟ قال: نعم.
قال يعقوب: وفي سنة ثلاث وستين ومئة أقام الحج للناس علي بن المهدي، وأتى المهدي بيت المقدس، فصلى فيه.
وفي هذه السنة دخل دمشق.
قال أبو بكر الطيب: محمد أمير المؤمنين المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، يكنى أبا عبد الله. وأمه أم موسى بنت منصور الحميرية. ولد بإيذج في سنة سبع وعشرين ومئة. واستخلف يوم مات المنصور بمكة، وقام بأمر بيعته الربيع بن يونس، وأتاه بالخبر منارة البربري مولاه يوم الثلاثاء لست عشرة ليلة خلت من ذي الحجة، والمهدي إذ ذاك ببغداد، فأقام بعد قدوم منارة يومين لم يظهر الخبر، ثم خطب الناس يوم الخميس، ونعى لهم المنصور، وبويع بيعة العامة. وذلك في سنة ثمان وخمسين ومئة.
روي عن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " المهدي من ولد العباس عمي ".
روى الخطيب البغدادي، بإسناده إلى عبد الله، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المهدي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي ".
وعن ابن عباس قال: منا ثلاثة؛ منا المنصور، ومنا السفاح، ومنا المهدي.
وعن كعب أنه قال: ما المهدي إلا من قريش، وما الخلافة إلا فيهم، غير أن له أصلاً ونسباً في اليمن.
قال يعقوب: سنة ثلاث وخمسين ومئة حج بالناس المهدي محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب.
وقال: وفي سنة ستين ومئة حج بالناس المهدي محمد بن عبد الله. وتوفي سنة ثلاث وستين.
قال خليفة: بويع المهدي محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، أمه أم موسى بنت منصور امرأة من حمير، في أول سنة تسع وخمسين ومئة. ومات أمير المؤمنين المهدي لثمان بقين من المحرم - يعني سنة تسع وستين - بالحمى، فصلى عليه ابنه هارون بن المهدي، وهو ابن ثمان وأربعين. قال: ورأيت في نسخة: سمعت من ابن عمران: ولد بالحميمة من أرض الشام سنة إحدى وعشرين ومئة. ويقال: مات وهو
ابن ثلاث وأربعين. قال: وقال عبد العزيز: ابن إحدى وأربعين. وكانت ولايته عشر سنين وشهراً ونصف.
قال أبو حسان الزيادي: سنة ثمان وخمسين ومئة، بها بويع المهدي محمد بن عبد الله بن محمد.. بويع يوم مات أبو جعفر بمكة وكان مولده سنة سبع وعشرين ومئة. وكان طويلاً أسمر جعداً، بعينه اليمنى نكتة بياض.
وقال يعقوب: وبايع الناس المهدي محمد بن عبد الله بن أبي جعفر أمير المؤمنين وولي عهدهم من بعد أبيه أبي جعفر، بمكة، يوم الخميس لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، من سنة سبع وأربعين ومئة. وفيها - يعني سنة إحدى وخمسين ومئة - جدد أبو جعفر البيعة لنفسه وابنه المهدي ولعيسى بن موسى بعد المهدي على أهل بيته بمحضر منه في مجلسه، وذلك يوم جمعة عمهم بالإذن.
روى الخطيب بإسناده إلى المعاذي قال: لما جدد المهدي البيعة لنفسه بعد وفاة المنصور، كان أول من هنأه بالخلافة، وعزاه، أبو دلامة، فقال: من المتقارب
عيناي واحدة ترى مسرورة ... بأميرها جذلى، وأخرى تذرف
تبكي وتضحك تارة، ويسوءها ... ما أنكرت، ويسرها ما تعرف
فيسوءها موت الخليفة محرماً ... ويسرها أن قام هذا الأرأف
ما إن رأيت كما رأيت ولا أرى ... شعراً أرجله وآخر ينتف
هلك الخليفة يا لأمة أحمد ... وأتاكم من بعده من يخلف
أهدى لهذا الله فضل خلافة ... ولذاك جنات النعيم تزخرف
قال: فأمر المهدي بالنداء بالرصافة: إن الصلاة جامعة، وخطب، فنعى المنصور، وقال: إن أمير المؤمنين عبد دعي فأجاب، وأمر فأطاع، واغرورقت عيناه فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بكى عند فراق الأحبة، ولقد فارقت عظيماً، وقلدت جسيماً، وعند الله احتسبت أمير المؤمنين، وبه - عز وجل - أستعين على خلافة المسلمين.
قال الأصمعي: كان نقش خاتم المهدي الله ثقة محمد وبه يؤمن.
وقال بعض أهل العلم: كان نقش خاتمه القوة لله.
روى الخطيب بإسناده إلى أبي العباس المنصوري قال: لما حصلت في يد المهدي الخزائن والأموال وذخائر المنصور، أخذ في رد المظالم، وإخراج ما في الخزائن، ففرقه، حتى أكثر من ذلك، وبر أهله وأقرباءه ومواليه وذوي الحرمة به، وأخرج لأهل بيته أرزاقاً لكل واحد منهم في كل شهر خمس مئة درهم، لكل رجل ستةآلاف درهم في السنة، وأخرج لهم في الأقسام لكل رجل عشرة آلاف درهم، وزاد بعضهم، وأمر ببناء مسجد الرصافة، وحاط حائطها، وخندق خندقها. وذلك كله في السنة التي قدم فيها مدينة السلام.
وبسنده إلى الربيع أنه قال: مات المنصور، وفي بيت المال شيء لم يجمعه خليفة قط قبله: مئة ألف ألف درهم وستون ألف ألف درهم. فلما صارت الخلافة إلى المهدي، قسم ذلك وأنفقه. وقال الربيع: نظرنا في نفقة المنصور، فإذا هو ينفق في كل سنة ألفي درهم مما يجيء من مال الشراة.
وبسنده إلى أبي عمرو الشغافي قال:
صلينا مع المهدي المغري، ومعنا العوفي - يعني الحسين بن الحسن بن عطية - وكان
على مظالم المهدي، فلما انصرف المهدي من المغرب، جاء العوفي، حتى قعد في قبلته، فقام يتنفل، فجذب ثوبه، فقال: ما شأنك؟ فقال: شيء أولى بك من النافلة. قال: وما ذاك؟ قال: سلام مولاك - قال: وهو قائم على رأسه - أوطأ قوماً الخيل، وغصبهم على ضيعتهم، وقد صح ذلك عندي، تأمر بردها، وتبعث من يخرجهم. فقال المهدي: يصح إن شاء الله. فقال العوفي: لا، إلا الساعة! فقال المهدي: فلان القائد، اذهب الساعة إلى موضع كذا وكذا، فأخرج من فيها، وسلم الضيعة إلى فلان. قال: فما أصبحوا، حتى ردت الضيعة على صاحبها.
وروى أبو العباس أحمد بن محمد بن مسروق قال: دخل محمد بن طلحة بن مصرف على المهدي في حاجة. قال: فجلس مع الناس أمام القصر والمهدي في بهو له قاعد مع أصحابه. قال: فجاء المطر. قال: فقام محمد بن طلحة على رجليه، فقال: يا أمير المؤمنين، أمن العدل هذا، أن تكون في الكن، ونحن في المطر؟! قال: فقال المهدي: من هذا؟ فقالوا: هذا محمد بن طلحة بن مصرف رجل فيه غفلة. قال: فقال المهدي: ها هنا يا عم، ها هنا يا عم اقعد. فجعل يدنو. قال: والمهدي يقول له: ها هنا يا عم. قال: حتى جاء محمد بن طلحة فوقف بجنب المهدي قال: فقال له: ها هنا يا عم. فقال له محمد بن طلحة: إنما أردت أن أستكن من المطر. فقال المهدي: أدركت، فحاجتك؟ قال: فسأل حاجته، فقال له المهدي: لم لا تقول لأخيك سفيان الثوري؟ قال: خشيت أن تكون له الحجة علي. قال: فقال له المهدي: كيف تكون له الحجة عليك؟ قال: يقول: قد عملوا بما علموا، فجاءهم ما لا يعلمون، فاحتاجوا إلي. قال: فقال له: فقل لنا أنت. قال: نعم، تقوم المحتسبات ببيتك، فترد على كل ذي حق حقه. قال: وغير هذا؟ قال: نعم، تأمر بالصلاة جامعة، واصعد المنبر، فاسأل الناس أن
يسوغوك ما في يديك، ثم تستقبل فيهم العدل الآن. فقال: مقبول منك يا عم. قال: فانصرف. فقال المهدي لجلسائه: هذا الذي قلتم إنه ما يعقل؟! قال صالح المري: دخلت على المهدي ها هنا بالرصافة، فلما مثلت بين يديه، قلت: يا أمير المؤمنين، احمل لله ما أكلمك به اليوم، فإن أولى الناس بالله - عز وجل - أحملهم لغلظة النصيحة فيه، وجدير بمن له قرابة برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرث أخلاقه، ويأتم بهديه، وقد ورثك الله من فهم العلم وإنارة الحجة ميراثاً قطع به عذرك، فمهما ادعيت من حجة، أو ركبت من شبهة لم يصح له برهان من الله - عز وجل -، حل بك من سخط الله - عز وجل - بقدر ما تجاهلته من العلم، أو أقدمت عليه من شبهة الباطل. واعلم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خصم من خالفه في أمته يبتزها أحكامها. ومن كان محمد خصمه، كان الله - عز وجل - خصمه. فأعد لمخاصمة الله عز وجل ولمخاصمة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حججاً تضمن لك النجاة، أو استسلم للهلكة. واعلم أن أبطأ الصرعى نهضة صريع هوى يدعيه إلى الله - عز وجل - قربة، وأن أثبت الناس قدماً يوم القيامة آخذهم بكتاب الله وسنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فمثلك لا يكابر بتجريد المعصية، ولكن تمثل له الإساءة إحساناً، ويشهد له عليها خونة العلماء، وبهذه الحبالة تصيدت الدنيا نظراءك. فأحسن الحيل، فقد أحسنت إليك الأداء. قال: فبكى المهدي.
قال أبو همام: فأخبرني بعض الكتاب أنه رأى هذا الكلام مكتوباً في دواوين المهدي.
حدث الواقدي قال:
دخلت يوماً على المهدي، فدعا بمحبرته ودفتره، وكتب عني أشياء حدثته بها. ثم نهض وقال: كن بمكانك حتى أعود إليك، فدخل إلى دور الحرم، ثم خرج متنكراً ممتلئاً غيظاً، فلما جلس، قلت: يا أمير المؤمنين، خرجت على خلاف الحال التي دخلت
عليها! فقال: نعم، دخلت على الخيزران، فوثبت علي، ومدت يدها إلي، وخرقت ثوبي، وقالت: يا قشاش، وأي خبر رأيت منك؟! وإنها اشتريتها من نخاس، ورأت مني ما رأت، وعقدت لابنيها ولاية العهد، ويحك وأنا قشاش؟ قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنهن يغلبن الكرام، ويغلبهن اللئام " وقال: " خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي " وقال: " خلقت المرأة من ضلع أعوج، إن قومته كسرته " وحدثته في هذا الباب بما حضرني. فسكن غضبه، وأسفر وجهه، وأمر لي بألفي دينار، وقال: أصلح بهذه من حالك. وانصرفت. فلما وصلت إلى منزلي وافاني رسول الخيزران، فقال: تقرأ عليك ستي السلام، وتقول لك: يا عمي قد سمعت جميع ما كلمت به أمير المؤمنين، فأحسن الله جزاءك، وهذه ألفا دينار إلا عشرة دنانير، بعثت بها إليك، لأني لا أحب أن أساوي صلة أمير المؤمنين؛ ووجهت إلي بأثواب.
قال محمد بن جعفر الخرائطي نا عمران بن موسى أو غيره قال: أهدر المهدي دم رجل من أهل الكوفة، كان سعى في فساد الدولة، وبذل لمن ذل عليه مئة ألف درهم، فاستخفى الرجل حيناً، ثم خرج إلى مدينة السلام، فكان كالمستخفي، فإنه لفي بعض طرقات المدينة إذ بصر به رجل قد كان عرف حاله، فأهوى إلى مجامع ثوبه وصاح: هذا فلان طلبة أمير المؤمنين، فبينما الرجل على تلك الحال، إذ سمع وقع حوافر الدواب، فالتفت، فإذا بموكب كثير الغاشية، فقال: من هذا؟ فقالوا: معن بن زائدة. قال: وما يكنى؟ قالوا: يكنى بأبي الوليد، فلما حاذاه،
قال: يا أبا الوليد، خائف فأجره، وميت فأحيه. فوقف معن في موكبه، وسأل عن حاله، فقال صاحبه: هذا طلبة أمير المؤمنين، قد جعل لمن جاء به مئة ألف درهم. قال: فاعلم أمير المؤمنين أني قد أجرته. وقال لبعض غلمانه: انزل عن دابتك، واركب أخانا. فركب، وانطلق به إلى منزله، ومضى الرجل إلى باب المهدي، فإذا سلام الأبرش يريد الدخول عليه، فقص عليه القصة، فدخل سلام المهدي، فأخبره. فقال: يحضر معن، فجاءته الرسل، فركب، وأوصى به حاشيته، ومن ببابه من مواليه، قال: لا يخلص إليه، وفيكم عين تطرف، فإن رامه أحد فموتوا دونه. ودخل معن على المهدي يسلم، فلم يرد عليه، وقال: يا معن، وتجير علي أيضاً؟! قال: نعم. قال: ونعم أيضاً؟! قال: نعم، يا أمير المؤمنين، قتلت في طاعتكم وعن دولتكم أربعة آلاف مصل في يوم واحد، ولا يجار لي رجل واحد استجار بي؟! فأطرق المهدي طويلاً، ثم رفع رأسه وقال: قد أجرنا من أجرت. قال: يا أمير المؤمنين، إن الرجل ضعيف الحال. قال: قد أمرنا له بثلاثين ألف درهم. قال: إن جنايته عظيمة، وصلات الخلفاء على حسب جناية الرعية. قال: قد أمرنا له بمئة ألف درهم. قال: أهنأ المعروف أعجله. قال: يتقدمه ما أمرنا له به. فانصرف معن، وقد سبقه المال، فأحضر الرجل، وقال: ادع الله لأمير المؤمنين، فقد حقن دمك، وأجزل صلتك. وأصلح نيتك فيما تستقبل.
روى أبو بكر الخطيب، بإسناده إلى الضحاك قال: قدم المهدي علينا البصرة، فخرج يصلي العصر، فقام إليه أعرابي فقال: يا أمير المؤمنين، مر المؤذن لا يقيم حتى أتوضأ. فضحك المهدي وقال للمؤذن: لا تقم حتى يتوضأ الأعرابي.
قال الأصمعي: سمعت المهدي على منبر البصرة يقول: إن الله أمر بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته، فقال: " إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه
وسلموا تسليماً " آثره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بها من بين الرسل، واختصكم بها من بين الأمم، فقابلوا نعمة الله بالشكر.
وقال المهدي أمير المؤمنين: ما توسل أحد إلي بوسيلة، ولا تذرع بذريعة، هي أقرب إلى ما نحب من تذكيري يداً سلفت مني إليه، أبعها أختها، وأحسن ربها، لأن منع الأواخر يقطع شكر الأوائل.
حدث المدائني قال:
دخل على المهدي رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إن المنصور شتمني، وقذف أبي، فإما أمرتني أن أحلله، وإما عوضتني فاستغفرت له. قال: ولم شتمك؟ قال: شتمت عدوه بحضرته فغضب. قال: ومن عدوه الذي غضب لشتمه؟ قال: إبراهيم بن عبد الله بن حسن. قال: إن إبراهيم أمس به رحماً وأوجب عليه حقاً، فإن كان شتمك كما زعمت، فعن رحمه ذب، وعن عرضه دفع، وما أساء من انتصر لابن عمه. قال: إنه كان عدواً له. قال: فلم ينتصر للعداوة، إنما انتصر للرحم. فأسكت الرجل فلما ذهب ليتولى، قال: لعلك أردت أمراً، فلم تجد له ذريعة عندك أبلغ من هذه الدعوى! قال: نعم. فتبسم، ثم أمر له بخمسة آلاف درهم.
روى أبو بكر الخطيب بإسناده إلى العتابي قال: دخل أبو دلامة على المهدي، فطلب كلباً، فأعطاه، ثم قائده، فأعطاه، ثم دابة، ثم جارية تطبخ الصيد، فأعطاه ذلك، فقال: من يعولها؟ أقطعني ضيعة أعيش فيها
وعيالي. قال: قد أقطعك أمير المؤمنين مئة جريب من العامر، ومئة جريب من الغامر. قال: وما الغامر؟ قال: الخراب الذي لا ينبت. فقال أبو دلامة: قد أقطعت أمير المؤمنين خمس مئة جريب من الغامر من أرض بني أسد. قال: فهل بقيت لك من حاجة؟ قال: نعم، تأذن لي أن أقبل يدك. قال: ما إلى ذلك سبيل. قال: والله ما رددتني عن حاجة أهون علي فقداً منها! روى الخطيب بإسناده أن الربيع قال: فتح المنصور يوماً خزانة مما قبض من خزائن مروان بن محمد، فأحصى فيها اثني عشر ألف عدل خز فأخرج منها ثوباً، وقال: يا ربيع، اقطع من هذا الثوب جبتين: لي واحدة، ولمحمد واحدة، فقلت: لا يجيء منه هذا. قال: اقطع لي منه جبة وقلنسوة. وبخل بثوب آخر يخرجه للمهدي. فلما أفضت الخلافة إلى المهدي، أمر بتلك الخزانة بعينها، ففرقت على الموالي والغلمان والخدم.
حدث الزبير بن بكار قال: حدثني شيخ من أهل المدينة قال: لما دق أمير المؤمنين المهدي المقصورة، وجلس لأشراف قريش، فأجازهم، وكساهم، وكان فيمن وصل عبد الأعلى بن عبيد الله بن محمد بن صفوان، فأجازه، وكساه. وتظلم إليه عبد الأعلى من زفر بن عاصم فيما له عنده من الأرزاق، فأمر زفر بدفع ذلك إليه. فقال له عبد الأعلى: وصلك الله يا أمير المؤمنين، وجعلني فداك، فقد وصلت الرحم، ورددت الظلامة، وعندي بنت عم أحب الناس إلي، غدوت اليوم وأنا مغاضب لها، فإن رأيت أن تجعل للصلح بيني وبينها موضعاً، فافعل. فأعطاه ألف دينار وخمسين ثوباً، وقال: هذا يصلح ما بينك وبينها؟ قال: نعم جعلني الله فداك. فقال له أمير المؤمنين المهدي: والله لو قلت: لا، ما زلت أزيدك إلى الليل.
قال عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله: دخل أبي وأصحابه على المهدي بالمدينة، فدخل عليه المغيرة بن عبد الرحمن
المخزومي وأبو السائب والعثماني وابن أخت الأحوص، فقال لهم: أنشدوني، فأنشده عبد العزيز الماجشون: من الطويل
وللناس بدر في السماء يرونه ... وأنت لنا بدر على الأرض مقمر
فبالله يا بدر السماء وضوءه ... تراك تكافي عشر ما لك أضمر
وما البدر إلا دون وجهك في الدجى ... يغيب، فتبدو حين غاب فتقمر
وما نظرت عيني إلى البدر طالعاً ... وأنت تمشى في الثياب فتسحر
وأنشده ابن أخت الأحوص: من البسيط
قالت كلابة: من هذا؟ فقلت لها: ... هذا الذي أنت من أعدائه زعموا
إني امرؤ لج بي حب فأحرضني ... حتى بكيت وحتى شفني السقم
وأنشده المغيرة بن عبد الرحمن: من الطويل
رمى البين من قلبي السواد فأوجعا ... وصاح فصيح بالرحيل، فأسمعا
وغرد حادي البين وانشقت العصا ... وأصبحت مسلوب الفؤاد مفجعا
كفى حزناً من حادث الدهر أنني ... أرى البين لا أسطيع للبين مدفعا
وقد كنت قبل البين بالبين جاهلاً ... فيا لك بين ما أمر وأفظعا
وأنشده أبو السائب: من الطويل
أصيخا لداعي حب ليلى فيمما ... صدور المطايا نحوها فتسمعا
خليلي إن ليلى أقامت فإنني ... مقيم وإن بانت فبينا بنا معا
وإن أثبتت ليلى بربع غدوها ... فعيذا لنا بالله أن تتزعزعا
قال: والله لأغنينكم. فأجاز أربعة بعشرة آلاف دينار، عشرة آلاف دينار.
وروى أيضاً عن أبيه قال: سألني المهدي أمير المؤمنين: يا ماجشون، ماذا قلت حين فقد أصحابك؟ - يعني الفقهاء - قال: قلت: من البسيط
أيا باك على أحبابه جزعاً ... قد كنت أحذر ذا من قبل أن يقعا
إن الزمان رأى إلف السرور بنا ... فدب بالهجر فيما بيننا وسعى
ما كان والله شؤم الدهر يتركني ... حتى يجرعني من غيظه جرعا
فليصنع الدهر بي ما شاء مجتهداً ... فلا زيادة شيء فوق ما صنعا
فقال: والله لأغنينك، فأجازه بعشرة آلاف دينار، فقدم بها المدينة، فأكلها ابنه في السخاء والكرم.
روى أبو بكر الحافظ بإسناده إلى فائقة بنت عبد الله أم عبد الواحد بن جعفر بن سليمان قالت: أنا يوماً عند المهدي أمير المؤمنين، وكان قد خرج متنزهاً إلى الأنبار إذ دخل عليه الربيع، ومعه قطعة من جراب، فيه كتابة برماد وخاتم من طين قد عجن بالرماد، وهو مطبوع بخاتم الخلافة، فقال: يا أمير المؤمنين، ما رأيت أعجب من هذه الرقعة، جاءني بها رجل أعرابي، وهو ينادي: هذا كتاب أمير المؤمنين المهدي، دلوني على هذا الرجل الذي يسمى الربيع، فقد أمرني أن أدفعها إليه، وهذه الرقعة. فأخذها المهدي وضحك، وقال: صدق؛ هذا خطي، وهذا خاتمي، أفلا أخبركم بالقصة كيف كانت؟ قلنا: أمير المؤمنين أعلى عيناً في ذلك. قال: خرجت أمس إلى الصيد في غب سماء، فلما أصبحت، هاج علينا ضباب شديد، وفقدت أصحابي، حتى ما رأيت منهم أحداً، وأصابني من البرد والجوع والعطش ما الله به أعلم، وتحيرت عند ذلك، فذكرت دعاء سمعته من أبي يحكيه عن أبيه عن جده عن ابن عباس، رفعه، قال: من قال إذا أصبح
وإذا أمسى: بسم الله وبالله ولا حول ولا قوة إلا بالله، اعتصمت بالله، وتوكلت على الله، حسبي الله، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وقي وكفي وشفي من الحرق والغرق والهدم وميتة السوء. فلما قلتها رفه لي ضوء نار، فقصدتها فإذا بهذا الأعرابي في خيمة له، وإذا هو يوقد ناراً بين يديه، فقلت: أيها الأعرابي، هل من ضيافة؟ قال: انزل، فنزلت، فقال لزوجته: هاتي ذاك الشعير، فأتت به، فقال: اطحنيه، فابتدأت تطحنه، فقلت له: اسقني ماء، فأتاني بسقاء فيه مذقة من لبن أكثرها ماء، فشربت منها شربة، ما شربت قط شيئاً إلا هي أطيب منه. قال: وأعطاني حلساً له، فوضعت رأسي عليه، فنمت نومة، ما نمت نومة أطيب منها وألذ. ثم انتبهت، فإذا هو قد وثب إلى شويهة، فذبحها، وإذا امرأته تقول له: ويحك قتلت نفسك وصبيتك إنما كان معاشكم من هذه الشاة، فذبحتها، فبأي شيء نعيش؟! قال: فقلت: لا عليك، هات الشاة، فشققت جوفها، واستخرجت كبدها بسكين كانت في خفي، فشرحتها، ثم طرحتها على النار، فأكلتها. ثم قلت: هل عندك شيء أكتب لك فيه؟ فجاءني بهذه القطعة جراب وأخذت عوداً من الرماد الذي كان بين يديه، فكتبت له هذا الكتاب، وختمته بهذا الخاتم، وأمرته أن يجيء، ويسأل عن الربيع، فيدفعها إليه. فإذا في الرقعة خمس مئة ألف درهم. فقال: والله ما أردت إلا خمسين ألف درهم، ولكن جرت بخمس مئة ألف درهم، لا أنقص والله منها درهماً واحداً، ولو لم يكن في بيت المال غيرها. احملوها معه. فما كان إلا قليلاً حتى كثرت إبله وشاؤه. وصار منزلاً من المنازل ينزله الناس، ممن أراد الحج من الأنبار إلى مكة. وسمي منزل مضيف أمير المؤمنين المهدي.
وروى بإسناده إلى إبراهيم بن محمد بن عرفة قال:
وخرج المهدي يوماً إلى الصيد، فانقطع عن خاصته، فدفع إلى أعرابي، وهو يريد
البول، فقال: يا أعرابي احفظ علي فرسي حتى أنزل، فسعى نحوه وأخذ بركابه، فنزل المهدي، ودفع الفرس إليه، فأقبل الأعرابي على السرج، يقلع حليته، وفطن المهدي، وقد أخذ حاجته، فقدم إليه فرسه. وجاءت الخيل نحوه، وأحاطت به، ونذر بها الأعرابي، فولى هارباً، فأمر برده، فقال - وخاف أن يكون قد غمز به، فقال -: خذوا ما أخذنا منكم، ودعونا نذهب إلى خزي الله وناره. فقال المهدي، وصاح به: تعال لا بأس عليك. فقال: ما تشاء، جعلني الله فداء فرسك؟ فضحك من حضره، وقالوا: ويلك، هل رأيت إنساناً قد قال هذا؟! قال: فما أقول؟ قالوا: قل جعلني الله فداءك يا أمير المؤمنين. قال: وهذا أمير المؤمنين؟ قالوا: نعم. قال: والله لئن أرضاه هذا مني، ما يرضيني ذاك فيه، ولكن جعل الله جبريل وميكائيل فداءه وجعلني فداءهما. فضحك المهدي، واستطابه، وأمر له بعشرة آلاف درهم، فأخذها، وانصرف.
وبالإسناد نفسه قال: وبلغني أن المهدي لما فرغ من بناء عيسى باذ، ركب في جماعة، يسير، لينظر، فدخله مفاجأة، وأخرج من كان هناك من الناس، وبقي رجلان تخفيا عن أبصار الأعوان، فرأى المهدي أحدهما، وهو دهش ما يعقل، فقال: من أنت؟ قال: أنا أنا أنا. قال: ويلك، من أنت؟ قال: لا أدري. قال: ألك حاجة؟ قال: لا، لا. قال: أخرجوه، أخرج الله نفسه! فدفع في قفاه، فلما خرج، قال لغلام له: اتبعه من حيث لا يعلم، فسل عن أمره ومهنته، فإني إخاله حائكاً. فخرج الغلام يقفوه. ثم رأى الآخر، فاستنطقه، فأجابه بقلب جريء ولسان بسيط. فقال: من أنت؟ فقال: رجل من أبناء رجال دعوتك. قال: ما جاء بك إلى ها هنا؟ قال: جئت لأنظر إلى هذا البناء الحسن، فأتمتع بالنظر، وأكثر الدعاء لأمير المؤمنين بطول المدة، وتمام النعمة، ونماء العز والسلامة. قال: أفلك حاجة؟ قال: نعم؛ خطبت ابنة عمي، فردني أبوها، وقال:
لا مال لك، والناس يرغبون في الأموال. وأنا بها مشغوف، ولها وامق. قال: قد أمرت لك بخمسين ألف درهم. قال: جعلني الله فداءك يا أمير المؤمنين، قد وصلت، فأجزلت الصلة، ومننت، فأعظمت المنة، فجعل الله باقي عمرك أكثر من ماضيه، وآخر أيامك خيراً من أولها، وأمتعك بما أنعم به، وأمتع رعيتك بك. فأمر أن يعجل له في صلته، ووجه بعض خاصته معه، وقال: سل عن مهنته، فإني إخاله كاتباً. فرجع الرسولان معاً، فقال الأول: وجدت الأول حائكاً، وقال الآخر: وجدت الرجل كاتباً. فقال المهدي: لم يخف علي مخاطبة الكاتب والحائك.
قال الأصمعي: حدثني حسن الوصيف الحاجب حاجب المهدي قال: كنا بزبالة، إذا أعرابي يقول: يا أمير المؤمنين، جعلني الله فداءك، إني عاشق. قال: وكان يحب ذكر العشاق والعشق. فدعا الأعرابي، فلما دخل عليه، قال: سلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، ثم قعد، فقال له: ما اسمك؟ قال: أبو مياس. قال: يا أبا مياس، من عشيقتك؟ قال: ابنة عمي، وقد أبى أن يزوجنيها. قال: لعله أكثر منك مالاً. قال: لا، بل أنا أكثر منه مالاً. قال: فما القصة؟ قال: أدن مني رأسك. فجعل المهدي يضحك، وأصغى إليه رأسه، فقال: إني هجين. قال: ليس يضرك ذاك، إخوة أمير المؤمنين وولده أكثرهم هجن، يا غلام، علي بعمه. قال: فأتي به، فإذا أشبه خلق الله بأبي مياس، كأنهما باقلاة فلقت، فقال المهدي: ما لك لا تزوج أبا مياس، وله هذا اللسان والأدب، وقرابته منك قرابته؟ قال: إنه هجين. قال: فإخوة أمير المؤمنين وولده أكثرهم هجين، فليس هذا مما ينقصه، زوجها منه، فقد أصدقتها عنه عشرة آلاف درهم. قال: قد فعلت. فأمر له بعشرين ألف درهم. فخرج أبو مياس، وهو يقول: من الكامل
ابتعت ظبية بالغلاء وإنما ... يعطي الغلاء بمثلها أمثالي
وتركت أسواق القباح لأهلهاإن القباح وإن رخصن غوال
قال المفضل بن محمد الضبي:
كنت يوماً جالساً على باب منزلي، أحتاج إلى درهم، وعلي دين عشرة آلاف درهم، إذ جاءني رسول المهدي، فقال: أجب أمير المؤمنين، فقلت في نفسي: وما بغية أمير المؤمنين؟ لعل ساعياً سعى بي إليه! ثم دخلت منزلي، ولبست ثيابي، وصرت إليه، فلما مثلت بين يديه، سلمت عليه، فقال: وعليك السلام، وأومأ لي بالجلوس. فجلست. فلما سكن جأشي، قال لي: يا مفضل، ما أفخر بيت قالته العرب؟ فأرتج علي ساعة، ثم قلت: يا أمير المؤمنين، بيت الخنساء، فاستوى جالساً، وكان متكئاً، ثم قال: أي بيت؟ قلت: قولها: من البسيط
وإن صخراً لتأتم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار
فقال: قد قلت له، وأبى علي! وأومأ إلى إسحاق بن بزيع. قلت: الصواب مع أمير المؤمنين. ثم قال: يا مفضل، حدثني. فحدثته حتى انتصف النهار. وقال: يا مفضل، كيف حالك؟ قلت: يا أمير المؤمنين، كيف يكون حال من عليه عشرة آلاف درهم، وليس معه درهم؟! فقال: يا إسحاق، أعطه عشرة آلاف درهم قضاءً لدينه، وعشرة آلاف درهم يستعين بها على دهره، وعشرة آلاف درهم يصلح بها من شأنه.
روى أبو بكر الخطيب بإسناده إلى يونس بن عبد الله الخياط قال: دخل ابن الخياط المكي على أمير المؤمنين المهدي، وقد مدحه، فأمر له بخمسين ألف درهم. فلما قبضها، فرقها على الناس، وقال: من الطويل
أخذت بكفي كفه أبتغي الغنى ... ولم أدر الجود من كفه يعدي
فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنى ... أفدت، وأعداني فبددت ما عندي
فنمي إلى المهدي، فأعطاه بدل كل درهم ديناراً.
وروى بإسناده إلى محمد بن زياد قال: دخل مروان بن أبي حفصة على المهدي، وعنده جماعة، فأنشده: من الطويل
صحا بعد جهل واستراحت عواذله
قال: فقال: ويحك، كم هي بيتاً؟ قلت: يا أمير المؤمنين، سبعون بيتاً. قال: فإن لك عندي سبعين ألفاً. قال: فقلت في نفسي: بالنسيئة، إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم قلت: يا أمير المؤمنين، اسمع مني أبياتاً حضرت، فما في الأرض أنبل من كفيلي. قال: هات. فاندفعت، فأنشدته: من الطويل
كفاكم بعباس أبي الفضل والداً ... فما من أب إلا أبو الفضل فاضله
كأن أمير المؤمنين محمداً ... أبو جعفر في كل أمر يحاوله
إليك قصرنا النصف من صلواتنا ... مسيرة شهر بعد شهر نواصله
فلا نحن نخشى أن يخيب مسيرنا ... إليك، ولكن أهنأ الخير عاجله
قال: فتبسم، وقال: عجلوها له. فحملت إلي من وقتها.
وروى الخطيب بإسناده إلى جماعة قال: خرج المؤمل بن أميل المحاربي إلى المهدي، وهو أمير على الري، ممتدحاً له، فأمر له بعشرين ألف درهم، ورفع الخبر إلى المنصور، قال: فلما اتصل به قربي من العراق، أنفذ لي قاعداً على جسر النهروان يستقري القوافل، فلما مررت به قال: من أنت؟
قلت: المؤمل بن أميل مادح الأمير المهدي وشاعره. قال: إياك طلبت. فأخذ بيدي، فأدخلني على المنصور، وهو بقصر الذهب، فقال لي: أتيت غلاماً عراً، فخدعته؟! قال: بل أتيت غلاماً كريماً، فخدعته، فانخدع. قال: فأنشدني ما قلت فيه. فأنشدته: من الوافر
هو المهدي إلا أن فيه ... مشابه صورة القمر المنير
تشابه ذا وذا، فهما إذا ما ... أنارا يشكلان على البصير
فهذا في الظلام سراج نار ... وهذا بالنهار سراج نور
ولكن فضل الرحمن هذا ... على ذا بالمنابر والسرير
وبالملك العزيز، فذا أمير ... وماذا بالأمير ولا الوزير
ونقص الشهر يخمد ذا، وهذا ... منير عند نقصان الشهور
فيا بن خليفة الله المصفى ... به تعلو مفاخرة الفخور
لقد فت الملوك وقد توافوا ... إليك من السهولة والوعور
لقد سبق الملوك أبوك حتى ... بقوا من بين كاب أو حسير
وجئت وراءه تجري خبيباً ... وما بك حين تجري من فتور
فقال الناس ما هذان إلا ... كما بين الفتيل إلى النقير
فإن سبق الكبير فأهل سبق ... له فضل الكبير على الصغير
وإن بلغ الصغير مدىً كبيراً ... فقد خلق الصغير من الكبير
فقال: ما أحسن ما قلت، ولكن لا يساوي ما أخذت. يا ربيع حط ثقله، وخذ منه ستة عشر ألفاً، وخله والبقية. قال: فحط الربيع ثقلي، وأخذ مني ستة عشر ألفاً، فما
بقيت معي إلا نفيقة يسيرة، لأني كنت اشتريت لأهلي طرائف من طرائف الري، فشخصت، وآليت ألا أدخل بغداد، وللمنصور بها ولاية! فلما مات المنصور، واستخلف المهدين قدمت بغداد، فألفيت رجلاً، يقال له: ابن ثوبان، قد نصبه المهدي للمظالم، فكتبت قصة أشرح فيها ما جرى علي، فرفعها ابن ثوبان إلى المهدي، فلما قرأها، ضحك، حتى استلقى، ثم قال: هذه مظلمة أنا بها عارف. ردوا عليه ماله الأول، وضموا إليه عشرين ألفاً.
روى الزبير بن بكار عن بعض أصحابه قال: كان المهدي مستهتراً بالخيزران لا يكاد أن يفارقها في مجلس يلهو به، فجلس يوماً مع ندمائه، فاشتاق إليها، فكتب إليها بهذه الأبيات: من الخفيف
نحن في أطيب السرور ولكن ... ليس إلا بكم يطيب السرور
عيب ما نحن فيه يا أهل ودي ... أنكم غبتم ونحن حضور
فأغذوا المسير، بل إن قدرتم ... أن تطيروا مع الرياح، فطيروا
فأجابته الخيزران بهذه الأبيات:
قد أتانا الذي قد ذكرت من ال ... شوق فكدنا وما فعلنا نطير
ليت أن الرياح كن يؤد ... ين إليكم بما يجن الضمير
لم أزل صبة فإن كنت بعدي ... في سرور فطاب ذاك السرور
وقال عمر بن شبة: كانت للمهدي جارية يحبها حباً شديداً، وكانت شديدة الغيرة عليه في سائر
جواريه، فتعتاص عليه وتؤذيه، فقال فيها: من الوافر
أرى ماء وبي عطش شديد ... ولكن لا سبيل إلى الورود
أراح الله من بدني فؤادي ... وعجل لي إلى دار الخلود
أما يكفيك أنك تملكيني ... وأن الناس كلهم عبيدي
وأنك لو قطعت يدي ورجلي ... لقلت من الرضا أحسنت زيدي
وقال: أهدت جارية للمهدي إليه تفاحة مطيبة، فأخذها المهدي، وأنشأ يقول: من السريع
تفاحة من عند تفاحة ... جاءت فماذا صنعت بالفؤاد
والله إن أدري أأبصرتها ... يقظان أم أبصرتها في الرقاد
قال علي بن يقطين: خرجنا مع المهدي، فقال لنا يوماً: إني داخل ذاك البهو، فنائم فيه، فلا يوقظني أحد، حتى أستيقظ. قال: فنام، ونمنا، فما أنبهنا إلا بكاؤه، فقمنا فزعين، فقلنا: ما شأنك يا أمير المؤمنين؟ قال: أتاني الساعة آت في منامي، والله لو كان في مئة ألف شيخ لعرفته، فأخذ بعضادتي الباب وهو يقول: من الطويل
كأني بهذا القصر قد باد أهله ... وأوحش منه ركبه ومنازله
وصار عميد القوم من بعد بهجة ... وملك إلى قبر عليه جنادله
حدث محمد بن إدريس الشافعي أنه أخبر أن المهدي لما فرغ من بنيان قصر بناه، تحول إليه هو وحشمه، فبينا هو ذات ليلة نائم، إذ سمع صوتاً من زاوية القصر، وهو يهتف: من الطويل
كأني بهذا القصر قد باد أهله ... وقد درست أعلامه ومنازله
قال: فأجابه المهدي، وكان ذكياً:
كذاك أمور الناس يبلى جديدها ... وكل فتىً يوماً ستبلى فعائله
فأجابه الهاتف وهو يقول:
تزود من الدنيا فإنك ميت ... وإنك مسؤول، فما أنت قائله؟
فأجابه المهدي وهو يقول:
أقول بأن الله حق شهدته ... فذلك قول ليس تحصى فضائله
فأجابه الهاتف وهو يقول:
تزود من الدنيا فإنك راحل ... وقد أزف الأمر الذي بك نازله
فأجابه المهدي وهو يقول:
متى ذاك خبرني، هديت، فإنني ... سأفعل ما قد قلت لي وأعاجله
فأجابه الهاتف وهو يقول:
تلبث ثلاثاً بعد عشرين ليلة ... إلى منتهى شهر وما أنت كامله
قال: فقالت ريطة سرية المهدي: فوالله ما لبث إلا تسعة وعشرين يوماً حتى فارق الدنيا، رحمه الله.
حدث بعض أهل العلم قال: كان آخر ما تكلم به محمد بن عبد الله، وهو المهدي الحمد لله يحيي ويميت، وهو حي لا يموت.
قال أبو معشر السندي:
استخلف محمد بن عبد الله المهدي يوم الخميس، لإحدى عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة، سنة ثمان وخمسين ومئة. قال: وتوفي لأربع عشرة مضت من المحرم، سنة تسع وستين ومئة.
وقال أبو معشر في رواية أخرى: توفي محمد بن عبد الله، وهو المهدي، في المحرم سنة تسع وستين ومئة، فكانت خلافته عشر سنين وخمسة وأربعين ليلة.
وقال ابن أبي السري: كانت خلافته عشر سنين وشهراً وثلاثة عشر يوماً، ومات بماسبذان، وكان خروجه إلى قرية يقال لها الرذ، بها قبره، ومات وهو ابن ثلاث وأربعين سنة، وصلى عليه ابن هارون. وكان طويلاً أسمر معتدل الخلق جعد الشعر، بعينه اليمنى نكتة بياض، رحمه الله، ومبلغ سنه على حساب مولده اثنتان وأربعون سنة وسبعة أشهر وأيام.
وقال أبو سليمان بن زبر: وفيها - يعني سنة تسع وستين ومئة - خرج المهدي إلى ماسبذان، في المحرم، فتوفي بها، ليلة الخميس، لثمان بقين من المحرم، وبويع ابنه موسى بن محمد الهادي.
محمد بن عبد الله بن محمد
ابن عثمان بن حماد بن سليمان بن الحسن بن أبان بن النعمان بن بشير الأنصاري روى عن عبد القدوس بن عبد السلام، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولا عال من اقتصد ".
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=129779&book=5528#246e8c
محمد أمير المؤمنين المهدي بن عبد الله المنصور بْن مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّه بن العباس بن عبد المطلب، يكنى أبا عبد الله :
وأمه أم موسى بنت منصور الحميرية ولد بإيذج في سنة سبع وعشرين ومائة.
واستخلف يوم مات المنصور بمكة وقام بأمر بيعته الربيع بن يونس. وأتاه بالخبر منارة البربري مولاه في يوم الثلاثاء لست عشرة ليلة خلت من ذي الحجة. والمهدي إذ ذاك ببغداد فأقام بعد قدوم منارة يومين لم يظهر الخبر، ثم خطب الناس يوم الخميس ونعى لهم المنصور وبويع بيعة العامة، وذلك في سنة ثمان وخمسين ومائة.
أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الرَّزَّازُ، أخبرنا أحمد بن سلمان النّجّاد، حدّثنا محمّد بن عثمان العبسي، حدّثنا أبي، حدّثنا وكيع، حدّثنا فضل بن مرزوق عن ميسرة-
يَعْنِي ابْنَ حَبِيبٍ- عَنِ الْمِنْهَالِ- يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو- عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مِنَّا ثَلاثَةٌ؛ مِنَّا الْمَنْصُورُ، وَمِنَّا السَّفَّاحُ، وَمِنَّا الْمَهْدِيُّ .
وَقَدْ ذُكِرَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْفُوعًا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ، فَغَنِينَا عَنْ إِعَادَتِهِ هاهنا.
أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدّثنا سليمان بن أحمد الطّبرانيّ، حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَاتِمٍ المرادي، حدّثنا نعيم بن حمّاد، حدّثنا يحيى بن يمان، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَزَائِدَةُ عَنْ عَاصِمٍ أَبِي وَائِلٍ عن ذرّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمَهْدِيُّ يُواطِئُ اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي»
. وأخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدّثنا الطّبرانيّ، حدّثنا أبو زيد، حدّثنا نعيم بن حمّاد، حَدَّثَنَا بقية وعبد القدوس- يعني ابن الحجاج- عن صفوان، عن شريح بن عبيد، عن كعب قَالَ: ما المهدي إلا من قريش، وما الخلافة إلا فيهم غير أن له أصلا ونسبا في اليمن.
أَخْبَرَنِي الحسن بن أبي بكر قَالَ: كتب إِلَى مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيمَ الجوري يذكر أن أحمد بن حمدان بن الخضر أخبرهم قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن يونس الضبي قَالَ: حدثني أبو حسان الزيادي قَالَ: سنة ثمان وخمسين ومائة بها بويع المهدي محمد بن عبد الله ابن مُحَمَّد بْن عليّ بْن عَبْد اللَّه بْن العباس. ويكنى أبا عبد الله وأمه أم موسى بنت منصور بْن عَبْد الله بْن شهر بْن ذي شهير بن أبي سرح بن شرحبيل بن زيد بن ذي مثوب بن الأشهل بن مثوب بن الحارث بن ثمر ذي الجناح بن لهيعة بن ينعم بن يكنف من ولد ذي رعين من حمير، وأمها بربرية يقال لها أروى. بويع يوم مات أبو جعفر بمكة. وكان مولده سنة سبع وعشرين ومائة وكان طويلا أسمر جعدا بعينه اليمنى نكتة بياض.
أَخْبَرَنَا الحسن بن محمد الجوهري، أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن عمران المرزباني، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن عيسى المكي، حدّثنا محمّد بن القاسم بن خلاد، حدّثنا المعاذي قَالَ: لما جدد المهدي البيعة لنفسه بعد وفاة المنصور كان أول من هنأه بالخلافة وعزاه أبو دلامة فقال:
عيناي، واحدة ترى مسرورة ... بأميرها جذلى، وأخرى تذرف
تبكي وتضحك تارة، ويسوؤها ... ما أنكرت ويسرها ما تعرف
فيسوءها موت الخليفة محرما ... ويسرها أن قام هذا الأرأف
ما إن رأيت كما رأيت ولا أرى ... شعرا أرجله وآخر ينتف
هلك الخليفة يال أمة أحمد ... وأتاكم من بعده من يخلف
أهدى لهذا الله فضل خلافة ... ولذاك جنات النعيم تزخرف
قَالَ: فَأَمَرَ الْمَهْدِيُّ بِالنِّدَاءِ بِالرَّصَافَةِ: إِنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ، وَخَطَبَ فَنَعَى الْمَنْصُورُ وَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدٌ دُعِيَ فَأَجَابَ، وَأُمِرَ فَأَطَاعَ، وَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ. فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَكَى عِنْدَ فِرَاقِ الأَحِبَّةِ، وَلَقَدْ فَارَقْتُ عَظِيمًا وَقُلِّدْتُ جَسِيمًا. وَعِنْدَ اللَّهِ أَحْتَسِبُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. وَبِهِ عَزَّ وَجَلَّ أَسْتَعِينُ عَلَى خِلافَةِ الْمُسْلِمِينَ.
أَخْبَرَنِي أبو القاسم الأزهريّ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، حدّثنا إبراهيم بن محمّد ابن عرفة النّحويّ، أَخْبَرَنِي أبو العباس المنصوري قَالَ: لما حصلت في يد المهدي الخزائن والأموال وذخائر المنصور أخذ في رد المظالم وأخرج ما في الخزائن ففرقه حتى أكثر من ذلك، وبر أهله وأقرباءه ومواليه وذوي الحرمة به، وأخرج لأهل بيته أرزاقا لكل واحد منهم في كل شهر خمسمائة درهم لكل رجل ستة آلاف درهم في السنة، وأخرج لهم في الأقسام لكل رجل عشرة آلاف درهم، وزاد بعضهم، وأمر ببناء مسجد الرصافة، وحاط حائطها، وخندق خندقها. وذلك كله في السنة التي قدم فيها مدينة السلام.
أَخْبَرَنَا الحسن بن علي الجوهريّ، أخبرنا محمّد بن العبّاس الخزّاز، حدّثنا عبيد الله ابن أحمد المروروذي، حَدَّثَنِي أبي قَالَ: حكى لنا عن الربيع أنه قَالَ: مات المنصور وفي بيت المال شيء لم يجمعه خليفة قط قبله مائة ألف ألف درهم وستون ألف ألف درهم، فلما صارت الخلافة إلى المهدي قسم ذلك وأنفقه. وَقَالَ الربيع: نظرنا في نفقة المنصور فإذا هو ينفق في كل سنة ألفي درهم مما يجيء من مال الشراة.
وأَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْن الْعَبَّاس قَالَ: حَدَّثَنَا عبيد اللَّه بْن أحمد، حَدَّثَنِي أبي قَالَ: أخبرت أن الربيع قَالَ: فتح المنصور يوما خزانة مما قبض من خزائن مروان بن محمّد فأحصى فيها اثنى عشر ألف عدل خز. فأخرج منها ثوبا وَقَالَ: يا ربيع اقطع من هذا الثوب جبتين، لي واحدة ولمحمد واحدة، فقلت: لا يجيء منه هذا
قَالَ: فاقطع لي منه جبة وقلنسوة، وبخل بثوب آخر يخرجه للمهدي، فلما أفضت الخلافة إلى المهدي أمر بتلك الخزانة بعينها ففرقت على الموالي والغلمان والخدم.
أَخْبَرَنَا علي بن عبد العزيز الطاهري، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الجوهري، حدّثنا أحمد بن سعيد الدمشقي، أخبرنا الزّبير بن بكّار، أَخْبَرَنِي يونس بن عبد الله الخياط قَالَ: دخل ابن الخياط المكي على أمير المؤمنين المهدي وقد مدحه، فأمر له بخمسين ألف درهم، فلما قبضها فرقها على الناس وَقَالَ:
أخذت بكفي كفه أبتغي الغنى ... ولم أدر أن الجود من كفه يعدي
فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنى ... أفدت، وأعداني فبددت ما عندي
فنمى إلى المهدي؛ فأعطاه بدل كل درهم دينارا! .
أَخْبَرَنَا سلامة بن الحسين المقرئ، أخبرنا علي بن عمر الحافظ، حدّثنا الحسين بن إسماعيل، حدّثنا عبد الله بن أبي سعد، حدّثنا هارون بن ميمون الخزاعيّ، حَدَّثَنَا أبو حزية الباذغيسي ، قَالَ: قَالَ المهدي أمير المؤمنين: ما توسل إلي أحد بوسيلة، ولا تذرع بذريعة، هي أقرب إلى ما يحب من تذكيري يدا سلفت مني إليه أتبعها أختها، وأحسن ربها، لأن منة الأواخر يقطع شكر الأوائل .
أَخْبَرَنِي محمد بن عبد الواحد بن محمّد الأكبر، أخبرنا محمّد بن العبّاس، أخبرنا محمّد بن خلف بن المرزبان، أخبرني محمّد بن الفضل، أَخْبَرَنِي بعض أهل الأدب عن حسن الوصيف قَالَ: قعد المهدي قعودا عاما للناس، فدخل رجل وفي يده نعل في مناديل، فقال: يا أمير المؤمنين هذه نعل رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ أهديتها لك.
فقال: هاتها، فدفعها إليه، فقبل باطنها ووضعها على عينيه، وأمر للرجل بعشرة آلاف درهم. فلما أخذها وانصرف قَالَ لجلسائه: أترون أني لم أعلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم [ير النعل] هذه فضلا عن أن يكون لبسها؟ ولو كذبناه. قال الناس: أتيت أمير المؤمنين بنعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فردها علي، وكان من يصدقه أكثر ممن يدفع خبره، إذ كان من شأن العامة الميل إلى أشكالها، والنصرة للضعيف على القوي وإن كان ظالما، فاشترينا لسانه، وقبلنا هديته، وصدقنا قوله، ورأينا الذي فعلناه أنجح وأرجح .
أخبرنا أبو الحسن الطاهري، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، حدّثنا أحمد بن سعيد، حدّثنا الزّبير بن بكّار، حَدَّثَنِي المدائني قَالَ: دخل على المهدي رجل فقال: يا أمير المؤمنين إن المنصور شتمني وقذف أبي؛ فإما أمرتني أن أحلله وإما عوضتني فاستغفرت له. قَالَ: ولم شتمك؟ قَالَ: شتمت عدوه بحضرته فغضب. قَالَ: ومن عدوه الذي غضب لشتمه؟ قَالَ: إبراهيم بن عبد الله بن حسن. قَالَ: إن إبراهيم أمس به رحما وأوجب عليه حقا؛ فإن كان شتمك كما زعمت فعن رحمه ذب، وعن عرضه دفع، وما أساء من انتصر لابن عمه قَالَ: إنه كان عدوا له. قَالَ: فلم ينتصر للعداوة إنما انتصر للرحم. فأسكت الرجل. فلما ذهب ليولي، قَالَ لعلك: أردت أمرا فلم تجد له ذريعة عندك أبلغ من هذه الدعوى؟ قَالَ: نعم. فتبسم ثم أمر له بخمسة آلاف درهم.
أَخْبَرَنَا عبيد الله بن أبي الفتح الفارسي، حدّثنا محمّد بن العبّاس الخزّاز، حدّثنا محمّد بن خلف بن المرزبان، حَدَّثَنِي أبو الحسن عبد الله بن محمد، حَدَّثَنَا محمد بن زياد قَالَ: دخل مروان بن أبي حفصة على المهدي وعنده جماعة، فأنشده:
صحا بعد جهل واستراحت عواذله
قَالَ: فقال لي: ويلك كم هي بيتا؟ قلت: يا أمير المؤمنين سبعون بيتا. قَالَ: فإن لك عندي سبعين ألفا. قَالَ: فقلت في نفسي بالنسيئة: إنا لله وإنا إليه راجعون؟ ثم قلت: يا أمير المؤمنين اسمع مني أبياتا حضرت فما في الأرض أنبل من كفيلي، قَالَ:
هات. فاندفعت فأنشدته:
كفا كم بعباس أبي الفضل والدا ... فما من أب إلا أبو الفضل فاضله
كأن أمير المؤمنين محمّدا ... أبو جعفر في كل أمر يحاوله
إليك قصرنا النصف من صلواتنا ... مسيرة شهر بعد شهر نواصله
فلا نحن نخشى أن يخيب مسيرنا ... إليك ولكن أهنأ الخير عاجله
قَالَ: فتبسم وَقَالَ: عجلوها له، فحملت إلي من وقتها.
أَخْبَرَنَا أبو الفرج أحمد بن عمر بن عثمان الغضاري، أخبرنا جعفر بن محمّد بن نصير الخالدي، حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن مسروق الطوسي، حَدَّثَنِي عبد الله بن هارون بن موسى الفروي، حَدَّثَنَا عبد الملك بْن عَبْد العزيز بْن عَبْد اللَّه بْن أبي سلمة عن أبيه قَالَ: دخل أبي وأصحابه على المهدي بالمدينة، فدخل عليه المغيرة بن
عبد الرحمن المخزومي وأبو السائب والعثماني وابن أخت الأحوص، فقال لهم:
أنشدوني، فأنشده عبد العزيز الماجشون:
وللناس بدر في السماء يرونه ... وأنت لنا بدر على الأرض مقمر
فبالله يا بدر السماء وضوءه ... تراك تكافي عشر مالك أضمر؟
وما البدر إلا دون وجهك في الدجي ... يغيب فتبدو حين غاب فتقمر
وما نظرت عيني إلى البدر طالعا ... وأنت تمشى في الثياب فتسحر
وأنشده ابن أخت الأحوص:
قالت كلابة: من هذا؟ فقلت لها ... هذا الذي أنت من أعدائه زعموا
إني امرؤ لج بي حب فأحرضني ... حتى بليت وحتى شفني السقم
وأنشده المغيرة بن عبد الرحمن:
رمى البين من قلبي السواد، فأوجعا ... وصاح فصيح بالرحيل، فاسمعا
وغرد حادي البين وانشقت العصا ... وأصبحت مسلوب الفؤاد مفجعا
كفا حزنا من حادث الدهر أنني ... أرى البين لا أسطيع للبين مدفعا
وقد كنت قبل البين بالبين جاهلا ... فيا لك بين ما أمَرَّ وأفظعا
وأنشده أبو السائب:
أصيخا لداعي حب ليلى فيمما ... صدور المطايا نحوها فتسمعا
خليلي إن ليلى أقامت فإنني ... مقيم وإن بانت فبينا بنا معا
وإن أثبتت ليلى بربع غدوها ... فعيذا لنا بالله أن نتزعزعا
قَالَ: والله لأغنينكم فأجاز أربعة بعشرة آلاف دينار عشرة آلاف دينار.
أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الحسن الخلّال، أخبرنا أحمد بن محمّد بن عمران، حدّثنا محمّد بن القاسم الأنباريّ، حدّثنا الحسن بن علي العنزي، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْن سُلَيْمَان بْن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن العبّاس، حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي فَائِقَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ أَمْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَتْ: إِنَّا يَوْمًا عِنْدَ الْمَهْدِيِّ أَمِيرِ الْمُؤمِنِينَ، وَكَانَ قَدْ خَرَجَ مُتَنَزِّهًا إِلَى الأَنْبَارِ- إِذْ دَخَل عَلَيْهِ الرَّبِيعُ وَمَعَهُ قِطَعةٌ مِنْ جِرَابٍ فِيهِ كِتَابَةٌ بِرَمَادٍ وَخَاتَمٌ مِنْ طِينٍ قَدْ عُجِنَ بِالرَّمَادِ، وَهُوَ مَطْبُوعٌ بِخَاتَمِ الْخِلافَةِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا رَأَيْتُ أَعْجَبَ مِنْ هَذِهِ الرُّقْعَةِ؟ جَاءَنِي بِهَا رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ وَهُوَ يُنَادِي: هَذَا كِتَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَهْدِيِّ دُلُّونِي عَلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يُسَمَّى الرَّبِيعَ، فَقَدْ
أمرني أن أدفعها إليه، وهذه الرقعة. فأخذها الْمَهْدِيُّ وَضَحِكَ وَقَالَ: صَدَقَ هَذَا خَطِّي وَهَذَا خَاتَمِي أَفَلا أُخْبِرُكُمْ بِالْقِصَّةِ كَيْفَ كَانَتْ؟ قُلْنَا: أمير المؤمنين أعلى عينا فِي ذَلِكَ.
قَالَ: خَرَجْتُ أَمْسَ إِلَى الصَّيْدِ في غب سَمَاءٍ. فَلَمَّا أَصَحَّتْ هَاجَ عَلَيْنَا ضَبَابٌ شَدِيدٌ وَفَقَدْتُ أَصْحَابِي حَتَّى مَا رَأَيْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا وَأَصَابَنِي مِنَ الْبَرْدِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ مَا اللَّهُ بِهِ أَعْلَمُ، وَتَحَيَّرْتُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُ دُعَاءً سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي يَحْكِيهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ قَالَ: «مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى: بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، اعْتَصَمْتُ بِاللَّهِ وَتَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، حَسْبِيَ اللَّهُ لا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي الْعَظِيمِ، وُقِيَ وَكُفِيَ وَشُفِيَ مِنَ الْحَرْقِ وَالْغَرَقِ وَالْهَدْمِ وَمِيتَةِ السَّوْءِ» فَلَمَّا قُلْتُهَا رُفِعَ لِي ضَوْءُ نَارٍ فقصدتها فإذا بهذا الأَعْرَابِيُّ فِي خَيْمَةٍ لَهُ، وَإِذَا هُوَ يُوقِدُ نَارًا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقُلْتُ: أَيُّهَا الأَعْرَابِيُّ! هَلْ مِنْ ضِيَافَةٍ؟ قَالَ: انْزِلْ. فَنَزَلْتُ. فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ: هَاتِي ذَاكَ الشَّعِيرَ، فَأَتَتْ بِهِ فَقَالَ: اطْحَنِيهِ، فَابْتَدَأَتْ تَطْحَنُهُ فَقُلْتُ لَهُ: اسْقِنِي مَاءً، فَأَتَانِي بِسِقَاءٍ فِيهِ مُذْقَةٌ مِنْ لَبَنٍ أَكْثَرُهَا مَاءٌ فَشَرِبْتُ مِنْهَا شَرْبَةً مَا شَرِبْتُ شَيْئًا قَطُّ، إِلا هِيَ أَطْيَبُ مِنْهُ. قَالَ: وَأَعْطَانِي حِلْسًا، فَوَضَعْتُ رَأْسِي عَلَيْهِ فَنِمْتُ نَوْمَةً مَا نِمْتُ نَوْمَةً أَطْيَبُ مِنْهَا وَأَلَذُّ، ثُمَّ انْتَبَهْتُ فَإِذَا هُوَ قَدْ وَثَبَ إِلَى شُوَيْهَةٍ فَذَبَحَهَا، وَإِذَا امْرَأَتُهُ تَقُولُ لَهُ:
وَيْحَكَ قَتَلْتَ نَفْسَكَ وَصِبْيَتَكَ، إِنَّمَا كَانَ مَعَاشُكُمْ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ فَذَبَحْتَهَا فَبِأَيِّ شَيْءٍ نَعِيشُ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: لا عَلَيْكِ هَاتِ الشَّاةَ فَشَقَقْتُ جَوْفَهَا وَاسْتَخْرَجْتُ كَبِدَهَا بِسِكِّينٍ كَانَتْ فِي خُفِّي، فَشَرَّحْتُهَا ثُمَّ طَرَحْتُهَا عَلَى النَّارِ فَأَكْلَتُهَا، ثُمَّ قُلْتُ: هَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ أَكْتُبُ لَكَ فِيهِ؟ فَجَاءَنِي بِهَذِهِ الْقِطْعَةِ الْجِرَابِ، فَأَخَذْتُ عُودًا مِنَ الزِّنَادِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَكَتَبْتُ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ، وَخَتَمْتُهُ بِهَذَا الْخَاتَمِ وَأَمَرْتُهُ أَنْ يَجِيءَ وَيَسْأَلَ عَلَى الرَّبِيعِ فَيَدْفَعَهَا إِلَيْهِ، فَإِذَا فِي الرُّقْعَةِ خمسمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ إِلا خمسين ألف درهم، ولكن جرت بخمسمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ لا أَنْقُصُ وَاللَّهِ مِنْهَا دِرْهَمًا وَاحِدًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ غَيْرُهَا، احْمِلُوهَا مَعَهُ، فَمَا كَانَ إِلا قَلِيلا حَتَّى كَثُرَتْ إِبِلُهُ وَشَاؤُهُ وَصَارَ مَنْزِلا مِنَ الْمَنَازِلِ يَنْزِلُهُ النَّاسُ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ مِنَ الأَنْبَارِ إِلَى مَكَّةَ، وَسُمِّيَ مَنْزِلَ مُضَيِّفِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَهْدِيِّ .
أَخْبَرَنِي أبو القاسم الأزهريّ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، حدّثنا إبراهيم بن محمّد ابن عرفة قَالَ: وخرج المهدي يوما إلى الصيد فانقطع عن خاصته، فدفع إلى أعرابي،
وهو يريد البول فقال: يا أعرابي احفظ علي فرسي حتى أبول، فسعى نحوه وأخذ بركابه، فنزل المهدي ودفع الفرس إليه، فأقبل الأعرابي على السرج يقلع حليته، وفطن المهدي وقد أخذ حاجته، فقدم إليه فرسه وجاءت الخيل نحوه وأحاطت به، ونذر بها الأعرابي فولى هاربا، فأمر برده فقال- وخاف أن يكون قد غمز به- فقال: خذوا ما أخذنا منكم ودعونا نذهب إلى حرق الله وناره! فقال المهدي- وصاح به- تعال لا بأس عليه، فقال: ما تشاء جعلني الله فداء فرسك. فضحك من حضره وقالوا: ويلك، هل رأيت إنسانا قط قَالَ هذا؟ قَالَ: فما أقول؟ قالوا: قل جعلني الله فداءك يا أمير المؤمنين. قال: أو هذا أمير المؤمنين؟! قالوا: نعم! قَالَ: والله لئن أرضاه هذا مني ما يرضيني ذاك فيه، ولكن جعل الله جبريل وميكائيل فداءه وجعلني فداءهما. فضحك المهدي واستطابه، وأمر له بعشرة آلاف درهم، فأخذها وانصرف. قَالَ ابن عرفة:
وبلغني أن المهدي لما فرغ من بناء عيسى آباذ ركب في جماعة يسير لينظر، فدخله مفاجأة وأخرج من كان هناك من الناس. وبقي رجلان خفيا عن أبصار الأعوان، فرأى المهدي أحدهما، وهو دهش ما يعقل فقال: من أنت؟ قَالَ: أنا، أنا، أنا، قَالَ:
ويلك من أنت؟ قَالَ: لا أدري. قَالَ: ألك حاجة؟ قَالَ: لا لا. قَالَ: أخرجوه أخرج الله نفسه. فدفع في قفاه فلما خرج قَالَ لغلام له: اتبعه من حيث لا يعلم، فاسأل عن أمره ومهنته فإني أخاله حائكا، فخرج الغلام يقفوه. ثم رأى الآخر فاستنطقه، فأجابه بقلب جريء، ولسان منبسط، فقال: من أنت؟ فقال: رجل من أبناء رجال فأتمتع بالنظر، وأكثر الدعاء لأمير المؤمنين بطول المدة وتمام النعمة، ونماء العز والسلامة.
قَالَ: أفلك حاجة؟ قَالَ: نعم، خطبت ابنة عمي فردني أبوها، وَقَالَ: لا مال لك.
والناس يرغبون في الأموال، وأنا بها مشعوف، ولها وامق. قَالَ: قد أمرت لك بخمسين ألف درهم، قَالَ: جعلني الله فداءك يا أمير المؤمنين قد وصلت فأجزلت الصلة، ومننت فأعظمت المنة، فجعل الله باقي عمرك أكثر من ماضيه، وآخر أيامك خيرا من أولها، وأمتعك بما أنعم به، وأمتع رعيتك بك. فأمر أن تعجل له صلته، ووجه ببعض خاصته معه وَقَالَ: سل عن مهنته فإني أخاله كاتبا. فرجع الرسولان معا، فقال الأول: وجدت الأول حائكا. وَقَالَ الآخر: وجدت الرجل كاتبا، فقال المهدي: لم تخف علي مخاطبة الكاتب والحائك .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مَخْلَدٍ الْوَرَّاقُ، أخبرنا أحمد بن محمّد بن عمران، حَدَّثَنَا محمد بن يحيى الصولي قَالَ: قَالَ عمرو بن أبي عمرو الأعجمي: اعترضت امرأةٌ المهديَّ فقالت: يا عَصَبة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انظر في حاجتي. فقال المهدي: ما سمعتها من أحد قبلها، ثم قَالَ: اقضوا حاجتها وأعطوها عشرة آلاف درهم .
أَخْبَرَنَا علي بن أحمد الرّزّاز، أَخْبَرَنَا أحمد بن قانع بن مرزوق القاضي، حدّثنا أبو شعيب الحراني، حدّثنا أبو زيد قال: سمعت الضّحّاك يقول: قدم المهدي علينا البصرة فخرج يصلي العصر، فقام إليه أعرابي فقال: يا أمير المؤمنين مر المؤذن لا يقيم حتى أتوضأ! فضحك المهدي وَقَالَ للمؤذن: لا تقم حتى يتوضأ الأعرابي.
أَخْبَرَنِي الْقَاضِي أَبُو الْعَلاءِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الواسطي، أخبرنا سهل بن أحمد الدّيباجيّ، حدّثنا أبو خليفة، حَدَّثَنَا رفيع بن سلمة، عن أبي عبيدة قَالَ: كان المهدي يصلي بنا الصلوات في المسجد الجامع بالبصرة لما قدمها، فأقيمت الصلاة يوما، فقال أعرابي: يا أمير المؤمنين لست على طهر، وقد رغبت إلى الله في الصلاة خلفك فمر هؤلاء أن ينتظروني. فقال: انتظروه رحمكم الله. ودخل إلى المحراب ووقف إلى أن قيل له قد جاء الرجل فكبر. فعجب الناس من سماحة أخلاقه.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّه بن إبراهيم الهاشمي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيِّ الرَّزَّازُ. وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ المعدل، أخبرنا عثمان ابن أحمد الدقاق قالا: حَدَّثَنَا محمد بن أحمد بن البراء، حَدَّثَنِي عبيد الله بن فرقد مولى المهدي قَالَ: هاجت ريح زمن المهدي، فدخل المهدي بيتا في جوف بيت، فألزق خده بالتراب ثم قَالَ: اللهم إني بريء من هذه الجناية كِلْ هذا الخلق غيري، فإن كنت المطلوب من بين خلقك فهأنذا بين يديك، اللهم لا تشمت بي أهل الأديان، فلم يزل كذلك حتى انجلت الريح . واللفظ لحديث الرزاز.
أَخْبَرَنَا علي بن أحمد بن عمر المقرئ، أَخْبَرَنَا علي بن أحمد بن أبي قيس، حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدّنيا، حَدَّثَنَا عباس- يعني ابن هشام- عَنْ أَبِيهِ قَالَ: توفي المهدي بقرية يقال لها الرذ، ليلة الخميس لثمان بقين من المحرم سنة تسع وستين.
أَخْبَرَنَا محمد بن أحمد بن رزق، حدّثنا عثمان بن أحمد، حدّثنا أبو الحسين بن
البراء قَالَ: ومات المهدي بالرذ من ماسبذان لثمان بقين من المحرم سنة تسع وستين ومائة، وكان نقش خاتمه: العزة لله، وكان عمره ثلاثا وأربعين سنة وخلافته عشر سنين وشهر وخمسة أيام.
أَخْبَرَنَا الحسن بن أبي بكر، أخبرنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم قَالَ: قَالَ أبو بكر السدوسي: توفي المهدي بماسبذان، وصلى عليه الرشيد وتوفي وله ثلاث وأربعون سنة.
أَخْبَرَنَا علي بن أحمد المقرئ، أَخْبَرَنَا علي بن أحمد بن أبي قيس، أخبرنا أبو بكر ابن أبي الدّنيا، حَدَّثَنِي العجلي عن عمرو بن محمد عن أبي معشر قَالَ: توفي المهدي وهو ابن ثلاث وأربعين سنة.
وَقَالَ ابن أبي الدنيا: حَدَّثَنَا محمد بن صالح قَالَ: حَدَّثَنِي عبد الله بن محمّد المظفري قَالَ: توفي المهدي وهو ابن خمس وأربعين سنة.
وأمه أم موسى بنت منصور الحميرية ولد بإيذج في سنة سبع وعشرين ومائة.
واستخلف يوم مات المنصور بمكة وقام بأمر بيعته الربيع بن يونس. وأتاه بالخبر منارة البربري مولاه في يوم الثلاثاء لست عشرة ليلة خلت من ذي الحجة. والمهدي إذ ذاك ببغداد فأقام بعد قدوم منارة يومين لم يظهر الخبر، ثم خطب الناس يوم الخميس ونعى لهم المنصور وبويع بيعة العامة، وذلك في سنة ثمان وخمسين ومائة.
أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الرَّزَّازُ، أخبرنا أحمد بن سلمان النّجّاد، حدّثنا محمّد بن عثمان العبسي، حدّثنا أبي، حدّثنا وكيع، حدّثنا فضل بن مرزوق عن ميسرة-
يَعْنِي ابْنَ حَبِيبٍ- عَنِ الْمِنْهَالِ- يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو- عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مِنَّا ثَلاثَةٌ؛ مِنَّا الْمَنْصُورُ، وَمِنَّا السَّفَّاحُ، وَمِنَّا الْمَهْدِيُّ .
وَقَدْ ذُكِرَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْفُوعًا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ، فَغَنِينَا عَنْ إِعَادَتِهِ هاهنا.
أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدّثنا سليمان بن أحمد الطّبرانيّ، حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَاتِمٍ المرادي، حدّثنا نعيم بن حمّاد، حدّثنا يحيى بن يمان، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَزَائِدَةُ عَنْ عَاصِمٍ أَبِي وَائِلٍ عن ذرّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمَهْدِيُّ يُواطِئُ اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي»
. وأخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدّثنا الطّبرانيّ، حدّثنا أبو زيد، حدّثنا نعيم بن حمّاد، حَدَّثَنَا بقية وعبد القدوس- يعني ابن الحجاج- عن صفوان، عن شريح بن عبيد، عن كعب قَالَ: ما المهدي إلا من قريش، وما الخلافة إلا فيهم غير أن له أصلا ونسبا في اليمن.
أَخْبَرَنِي الحسن بن أبي بكر قَالَ: كتب إِلَى مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيمَ الجوري يذكر أن أحمد بن حمدان بن الخضر أخبرهم قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن يونس الضبي قَالَ: حدثني أبو حسان الزيادي قَالَ: سنة ثمان وخمسين ومائة بها بويع المهدي محمد بن عبد الله ابن مُحَمَّد بْن عليّ بْن عَبْد اللَّه بْن العباس. ويكنى أبا عبد الله وأمه أم موسى بنت منصور بْن عَبْد الله بْن شهر بْن ذي شهير بن أبي سرح بن شرحبيل بن زيد بن ذي مثوب بن الأشهل بن مثوب بن الحارث بن ثمر ذي الجناح بن لهيعة بن ينعم بن يكنف من ولد ذي رعين من حمير، وأمها بربرية يقال لها أروى. بويع يوم مات أبو جعفر بمكة. وكان مولده سنة سبع وعشرين ومائة وكان طويلا أسمر جعدا بعينه اليمنى نكتة بياض.
أَخْبَرَنَا الحسن بن محمد الجوهري، أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن عمران المرزباني، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن عيسى المكي، حدّثنا محمّد بن القاسم بن خلاد، حدّثنا المعاذي قَالَ: لما جدد المهدي البيعة لنفسه بعد وفاة المنصور كان أول من هنأه بالخلافة وعزاه أبو دلامة فقال:
عيناي، واحدة ترى مسرورة ... بأميرها جذلى، وأخرى تذرف
تبكي وتضحك تارة، ويسوؤها ... ما أنكرت ويسرها ما تعرف
فيسوءها موت الخليفة محرما ... ويسرها أن قام هذا الأرأف
ما إن رأيت كما رأيت ولا أرى ... شعرا أرجله وآخر ينتف
هلك الخليفة يال أمة أحمد ... وأتاكم من بعده من يخلف
أهدى لهذا الله فضل خلافة ... ولذاك جنات النعيم تزخرف
قَالَ: فَأَمَرَ الْمَهْدِيُّ بِالنِّدَاءِ بِالرَّصَافَةِ: إِنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ، وَخَطَبَ فَنَعَى الْمَنْصُورُ وَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدٌ دُعِيَ فَأَجَابَ، وَأُمِرَ فَأَطَاعَ، وَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ. فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَكَى عِنْدَ فِرَاقِ الأَحِبَّةِ، وَلَقَدْ فَارَقْتُ عَظِيمًا وَقُلِّدْتُ جَسِيمًا. وَعِنْدَ اللَّهِ أَحْتَسِبُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. وَبِهِ عَزَّ وَجَلَّ أَسْتَعِينُ عَلَى خِلافَةِ الْمُسْلِمِينَ.
أَخْبَرَنِي أبو القاسم الأزهريّ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، حدّثنا إبراهيم بن محمّد ابن عرفة النّحويّ، أَخْبَرَنِي أبو العباس المنصوري قَالَ: لما حصلت في يد المهدي الخزائن والأموال وذخائر المنصور أخذ في رد المظالم وأخرج ما في الخزائن ففرقه حتى أكثر من ذلك، وبر أهله وأقرباءه ومواليه وذوي الحرمة به، وأخرج لأهل بيته أرزاقا لكل واحد منهم في كل شهر خمسمائة درهم لكل رجل ستة آلاف درهم في السنة، وأخرج لهم في الأقسام لكل رجل عشرة آلاف درهم، وزاد بعضهم، وأمر ببناء مسجد الرصافة، وحاط حائطها، وخندق خندقها. وذلك كله في السنة التي قدم فيها مدينة السلام.
أَخْبَرَنَا الحسن بن علي الجوهريّ، أخبرنا محمّد بن العبّاس الخزّاز، حدّثنا عبيد الله ابن أحمد المروروذي، حَدَّثَنِي أبي قَالَ: حكى لنا عن الربيع أنه قَالَ: مات المنصور وفي بيت المال شيء لم يجمعه خليفة قط قبله مائة ألف ألف درهم وستون ألف ألف درهم، فلما صارت الخلافة إلى المهدي قسم ذلك وأنفقه. وَقَالَ الربيع: نظرنا في نفقة المنصور فإذا هو ينفق في كل سنة ألفي درهم مما يجيء من مال الشراة.
وأَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْن الْعَبَّاس قَالَ: حَدَّثَنَا عبيد اللَّه بْن أحمد، حَدَّثَنِي أبي قَالَ: أخبرت أن الربيع قَالَ: فتح المنصور يوما خزانة مما قبض من خزائن مروان بن محمّد فأحصى فيها اثنى عشر ألف عدل خز. فأخرج منها ثوبا وَقَالَ: يا ربيع اقطع من هذا الثوب جبتين، لي واحدة ولمحمد واحدة، فقلت: لا يجيء منه هذا
قَالَ: فاقطع لي منه جبة وقلنسوة، وبخل بثوب آخر يخرجه للمهدي، فلما أفضت الخلافة إلى المهدي أمر بتلك الخزانة بعينها ففرقت على الموالي والغلمان والخدم.
أَخْبَرَنَا علي بن عبد العزيز الطاهري، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الجوهري، حدّثنا أحمد بن سعيد الدمشقي، أخبرنا الزّبير بن بكّار، أَخْبَرَنِي يونس بن عبد الله الخياط قَالَ: دخل ابن الخياط المكي على أمير المؤمنين المهدي وقد مدحه، فأمر له بخمسين ألف درهم، فلما قبضها فرقها على الناس وَقَالَ:
أخذت بكفي كفه أبتغي الغنى ... ولم أدر أن الجود من كفه يعدي
فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنى ... أفدت، وأعداني فبددت ما عندي
فنمى إلى المهدي؛ فأعطاه بدل كل درهم دينارا! .
أَخْبَرَنَا سلامة بن الحسين المقرئ، أخبرنا علي بن عمر الحافظ، حدّثنا الحسين بن إسماعيل، حدّثنا عبد الله بن أبي سعد، حدّثنا هارون بن ميمون الخزاعيّ، حَدَّثَنَا أبو حزية الباذغيسي ، قَالَ: قَالَ المهدي أمير المؤمنين: ما توسل إلي أحد بوسيلة، ولا تذرع بذريعة، هي أقرب إلى ما يحب من تذكيري يدا سلفت مني إليه أتبعها أختها، وأحسن ربها، لأن منة الأواخر يقطع شكر الأوائل .
أَخْبَرَنِي محمد بن عبد الواحد بن محمّد الأكبر، أخبرنا محمّد بن العبّاس، أخبرنا محمّد بن خلف بن المرزبان، أخبرني محمّد بن الفضل، أَخْبَرَنِي بعض أهل الأدب عن حسن الوصيف قَالَ: قعد المهدي قعودا عاما للناس، فدخل رجل وفي يده نعل في مناديل، فقال: يا أمير المؤمنين هذه نعل رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ أهديتها لك.
فقال: هاتها، فدفعها إليه، فقبل باطنها ووضعها على عينيه، وأمر للرجل بعشرة آلاف درهم. فلما أخذها وانصرف قَالَ لجلسائه: أترون أني لم أعلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم [ير النعل] هذه فضلا عن أن يكون لبسها؟ ولو كذبناه. قال الناس: أتيت أمير المؤمنين بنعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فردها علي، وكان من يصدقه أكثر ممن يدفع خبره، إذ كان من شأن العامة الميل إلى أشكالها، والنصرة للضعيف على القوي وإن كان ظالما، فاشترينا لسانه، وقبلنا هديته، وصدقنا قوله، ورأينا الذي فعلناه أنجح وأرجح .
أخبرنا أبو الحسن الطاهري، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، حدّثنا أحمد بن سعيد، حدّثنا الزّبير بن بكّار، حَدَّثَنِي المدائني قَالَ: دخل على المهدي رجل فقال: يا أمير المؤمنين إن المنصور شتمني وقذف أبي؛ فإما أمرتني أن أحلله وإما عوضتني فاستغفرت له. قَالَ: ولم شتمك؟ قَالَ: شتمت عدوه بحضرته فغضب. قَالَ: ومن عدوه الذي غضب لشتمه؟ قَالَ: إبراهيم بن عبد الله بن حسن. قَالَ: إن إبراهيم أمس به رحما وأوجب عليه حقا؛ فإن كان شتمك كما زعمت فعن رحمه ذب، وعن عرضه دفع، وما أساء من انتصر لابن عمه قَالَ: إنه كان عدوا له. قَالَ: فلم ينتصر للعداوة إنما انتصر للرحم. فأسكت الرجل. فلما ذهب ليولي، قَالَ لعلك: أردت أمرا فلم تجد له ذريعة عندك أبلغ من هذه الدعوى؟ قَالَ: نعم. فتبسم ثم أمر له بخمسة آلاف درهم.
أَخْبَرَنَا عبيد الله بن أبي الفتح الفارسي، حدّثنا محمّد بن العبّاس الخزّاز، حدّثنا محمّد بن خلف بن المرزبان، حَدَّثَنِي أبو الحسن عبد الله بن محمد، حَدَّثَنَا محمد بن زياد قَالَ: دخل مروان بن أبي حفصة على المهدي وعنده جماعة، فأنشده:
صحا بعد جهل واستراحت عواذله
قَالَ: فقال لي: ويلك كم هي بيتا؟ قلت: يا أمير المؤمنين سبعون بيتا. قَالَ: فإن لك عندي سبعين ألفا. قَالَ: فقلت في نفسي بالنسيئة: إنا لله وإنا إليه راجعون؟ ثم قلت: يا أمير المؤمنين اسمع مني أبياتا حضرت فما في الأرض أنبل من كفيلي، قَالَ:
هات. فاندفعت فأنشدته:
كفا كم بعباس أبي الفضل والدا ... فما من أب إلا أبو الفضل فاضله
كأن أمير المؤمنين محمّدا ... أبو جعفر في كل أمر يحاوله
إليك قصرنا النصف من صلواتنا ... مسيرة شهر بعد شهر نواصله
فلا نحن نخشى أن يخيب مسيرنا ... إليك ولكن أهنأ الخير عاجله
قَالَ: فتبسم وَقَالَ: عجلوها له، فحملت إلي من وقتها.
أَخْبَرَنَا أبو الفرج أحمد بن عمر بن عثمان الغضاري، أخبرنا جعفر بن محمّد بن نصير الخالدي، حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن مسروق الطوسي، حَدَّثَنِي عبد الله بن هارون بن موسى الفروي، حَدَّثَنَا عبد الملك بْن عَبْد العزيز بْن عَبْد اللَّه بْن أبي سلمة عن أبيه قَالَ: دخل أبي وأصحابه على المهدي بالمدينة، فدخل عليه المغيرة بن
عبد الرحمن المخزومي وأبو السائب والعثماني وابن أخت الأحوص، فقال لهم:
أنشدوني، فأنشده عبد العزيز الماجشون:
وللناس بدر في السماء يرونه ... وأنت لنا بدر على الأرض مقمر
فبالله يا بدر السماء وضوءه ... تراك تكافي عشر مالك أضمر؟
وما البدر إلا دون وجهك في الدجي ... يغيب فتبدو حين غاب فتقمر
وما نظرت عيني إلى البدر طالعا ... وأنت تمشى في الثياب فتسحر
وأنشده ابن أخت الأحوص:
قالت كلابة: من هذا؟ فقلت لها ... هذا الذي أنت من أعدائه زعموا
إني امرؤ لج بي حب فأحرضني ... حتى بليت وحتى شفني السقم
وأنشده المغيرة بن عبد الرحمن:
رمى البين من قلبي السواد، فأوجعا ... وصاح فصيح بالرحيل، فاسمعا
وغرد حادي البين وانشقت العصا ... وأصبحت مسلوب الفؤاد مفجعا
كفا حزنا من حادث الدهر أنني ... أرى البين لا أسطيع للبين مدفعا
وقد كنت قبل البين بالبين جاهلا ... فيا لك بين ما أمَرَّ وأفظعا
وأنشده أبو السائب:
أصيخا لداعي حب ليلى فيمما ... صدور المطايا نحوها فتسمعا
خليلي إن ليلى أقامت فإنني ... مقيم وإن بانت فبينا بنا معا
وإن أثبتت ليلى بربع غدوها ... فعيذا لنا بالله أن نتزعزعا
قَالَ: والله لأغنينكم فأجاز أربعة بعشرة آلاف دينار عشرة آلاف دينار.
أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الحسن الخلّال، أخبرنا أحمد بن محمّد بن عمران، حدّثنا محمّد بن القاسم الأنباريّ، حدّثنا الحسن بن علي العنزي، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْن سُلَيْمَان بْن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن العبّاس، حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي فَائِقَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ أَمْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَتْ: إِنَّا يَوْمًا عِنْدَ الْمَهْدِيِّ أَمِيرِ الْمُؤمِنِينَ، وَكَانَ قَدْ خَرَجَ مُتَنَزِّهًا إِلَى الأَنْبَارِ- إِذْ دَخَل عَلَيْهِ الرَّبِيعُ وَمَعَهُ قِطَعةٌ مِنْ جِرَابٍ فِيهِ كِتَابَةٌ بِرَمَادٍ وَخَاتَمٌ مِنْ طِينٍ قَدْ عُجِنَ بِالرَّمَادِ، وَهُوَ مَطْبُوعٌ بِخَاتَمِ الْخِلافَةِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا رَأَيْتُ أَعْجَبَ مِنْ هَذِهِ الرُّقْعَةِ؟ جَاءَنِي بِهَا رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ وَهُوَ يُنَادِي: هَذَا كِتَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَهْدِيِّ دُلُّونِي عَلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يُسَمَّى الرَّبِيعَ، فَقَدْ
أمرني أن أدفعها إليه، وهذه الرقعة. فأخذها الْمَهْدِيُّ وَضَحِكَ وَقَالَ: صَدَقَ هَذَا خَطِّي وَهَذَا خَاتَمِي أَفَلا أُخْبِرُكُمْ بِالْقِصَّةِ كَيْفَ كَانَتْ؟ قُلْنَا: أمير المؤمنين أعلى عينا فِي ذَلِكَ.
قَالَ: خَرَجْتُ أَمْسَ إِلَى الصَّيْدِ في غب سَمَاءٍ. فَلَمَّا أَصَحَّتْ هَاجَ عَلَيْنَا ضَبَابٌ شَدِيدٌ وَفَقَدْتُ أَصْحَابِي حَتَّى مَا رَأَيْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا وَأَصَابَنِي مِنَ الْبَرْدِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ مَا اللَّهُ بِهِ أَعْلَمُ، وَتَحَيَّرْتُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُ دُعَاءً سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي يَحْكِيهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ قَالَ: «مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى: بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، اعْتَصَمْتُ بِاللَّهِ وَتَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، حَسْبِيَ اللَّهُ لا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي الْعَظِيمِ، وُقِيَ وَكُفِيَ وَشُفِيَ مِنَ الْحَرْقِ وَالْغَرَقِ وَالْهَدْمِ وَمِيتَةِ السَّوْءِ» فَلَمَّا قُلْتُهَا رُفِعَ لِي ضَوْءُ نَارٍ فقصدتها فإذا بهذا الأَعْرَابِيُّ فِي خَيْمَةٍ لَهُ، وَإِذَا هُوَ يُوقِدُ نَارًا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقُلْتُ: أَيُّهَا الأَعْرَابِيُّ! هَلْ مِنْ ضِيَافَةٍ؟ قَالَ: انْزِلْ. فَنَزَلْتُ. فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ: هَاتِي ذَاكَ الشَّعِيرَ، فَأَتَتْ بِهِ فَقَالَ: اطْحَنِيهِ، فَابْتَدَأَتْ تَطْحَنُهُ فَقُلْتُ لَهُ: اسْقِنِي مَاءً، فَأَتَانِي بِسِقَاءٍ فِيهِ مُذْقَةٌ مِنْ لَبَنٍ أَكْثَرُهَا مَاءٌ فَشَرِبْتُ مِنْهَا شَرْبَةً مَا شَرِبْتُ شَيْئًا قَطُّ، إِلا هِيَ أَطْيَبُ مِنْهُ. قَالَ: وَأَعْطَانِي حِلْسًا، فَوَضَعْتُ رَأْسِي عَلَيْهِ فَنِمْتُ نَوْمَةً مَا نِمْتُ نَوْمَةً أَطْيَبُ مِنْهَا وَأَلَذُّ، ثُمَّ انْتَبَهْتُ فَإِذَا هُوَ قَدْ وَثَبَ إِلَى شُوَيْهَةٍ فَذَبَحَهَا، وَإِذَا امْرَأَتُهُ تَقُولُ لَهُ:
وَيْحَكَ قَتَلْتَ نَفْسَكَ وَصِبْيَتَكَ، إِنَّمَا كَانَ مَعَاشُكُمْ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ فَذَبَحْتَهَا فَبِأَيِّ شَيْءٍ نَعِيشُ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: لا عَلَيْكِ هَاتِ الشَّاةَ فَشَقَقْتُ جَوْفَهَا وَاسْتَخْرَجْتُ كَبِدَهَا بِسِكِّينٍ كَانَتْ فِي خُفِّي، فَشَرَّحْتُهَا ثُمَّ طَرَحْتُهَا عَلَى النَّارِ فَأَكْلَتُهَا، ثُمَّ قُلْتُ: هَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ أَكْتُبُ لَكَ فِيهِ؟ فَجَاءَنِي بِهَذِهِ الْقِطْعَةِ الْجِرَابِ، فَأَخَذْتُ عُودًا مِنَ الزِّنَادِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَكَتَبْتُ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ، وَخَتَمْتُهُ بِهَذَا الْخَاتَمِ وَأَمَرْتُهُ أَنْ يَجِيءَ وَيَسْأَلَ عَلَى الرَّبِيعِ فَيَدْفَعَهَا إِلَيْهِ، فَإِذَا فِي الرُّقْعَةِ خمسمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ إِلا خمسين ألف درهم، ولكن جرت بخمسمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ لا أَنْقُصُ وَاللَّهِ مِنْهَا دِرْهَمًا وَاحِدًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ غَيْرُهَا، احْمِلُوهَا مَعَهُ، فَمَا كَانَ إِلا قَلِيلا حَتَّى كَثُرَتْ إِبِلُهُ وَشَاؤُهُ وَصَارَ مَنْزِلا مِنَ الْمَنَازِلِ يَنْزِلُهُ النَّاسُ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ مِنَ الأَنْبَارِ إِلَى مَكَّةَ، وَسُمِّيَ مَنْزِلَ مُضَيِّفِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَهْدِيِّ .
أَخْبَرَنِي أبو القاسم الأزهريّ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، حدّثنا إبراهيم بن محمّد ابن عرفة قَالَ: وخرج المهدي يوما إلى الصيد فانقطع عن خاصته، فدفع إلى أعرابي،
وهو يريد البول فقال: يا أعرابي احفظ علي فرسي حتى أبول، فسعى نحوه وأخذ بركابه، فنزل المهدي ودفع الفرس إليه، فأقبل الأعرابي على السرج يقلع حليته، وفطن المهدي وقد أخذ حاجته، فقدم إليه فرسه وجاءت الخيل نحوه وأحاطت به، ونذر بها الأعرابي فولى هاربا، فأمر برده فقال- وخاف أن يكون قد غمز به- فقال: خذوا ما أخذنا منكم ودعونا نذهب إلى حرق الله وناره! فقال المهدي- وصاح به- تعال لا بأس عليه، فقال: ما تشاء جعلني الله فداء فرسك. فضحك من حضره وقالوا: ويلك، هل رأيت إنسانا قط قَالَ هذا؟ قَالَ: فما أقول؟ قالوا: قل جعلني الله فداءك يا أمير المؤمنين. قال: أو هذا أمير المؤمنين؟! قالوا: نعم! قَالَ: والله لئن أرضاه هذا مني ما يرضيني ذاك فيه، ولكن جعل الله جبريل وميكائيل فداءه وجعلني فداءهما. فضحك المهدي واستطابه، وأمر له بعشرة آلاف درهم، فأخذها وانصرف. قَالَ ابن عرفة:
وبلغني أن المهدي لما فرغ من بناء عيسى آباذ ركب في جماعة يسير لينظر، فدخله مفاجأة وأخرج من كان هناك من الناس. وبقي رجلان خفيا عن أبصار الأعوان، فرأى المهدي أحدهما، وهو دهش ما يعقل فقال: من أنت؟ قَالَ: أنا، أنا، أنا، قَالَ:
ويلك من أنت؟ قَالَ: لا أدري. قَالَ: ألك حاجة؟ قَالَ: لا لا. قَالَ: أخرجوه أخرج الله نفسه. فدفع في قفاه فلما خرج قَالَ لغلام له: اتبعه من حيث لا يعلم، فاسأل عن أمره ومهنته فإني أخاله حائكا، فخرج الغلام يقفوه. ثم رأى الآخر فاستنطقه، فأجابه بقلب جريء، ولسان منبسط، فقال: من أنت؟ فقال: رجل من أبناء رجال فأتمتع بالنظر، وأكثر الدعاء لأمير المؤمنين بطول المدة وتمام النعمة، ونماء العز والسلامة.
قَالَ: أفلك حاجة؟ قَالَ: نعم، خطبت ابنة عمي فردني أبوها، وَقَالَ: لا مال لك.
والناس يرغبون في الأموال، وأنا بها مشعوف، ولها وامق. قَالَ: قد أمرت لك بخمسين ألف درهم، قَالَ: جعلني الله فداءك يا أمير المؤمنين قد وصلت فأجزلت الصلة، ومننت فأعظمت المنة، فجعل الله باقي عمرك أكثر من ماضيه، وآخر أيامك خيرا من أولها، وأمتعك بما أنعم به، وأمتع رعيتك بك. فأمر أن تعجل له صلته، ووجه ببعض خاصته معه وَقَالَ: سل عن مهنته فإني أخاله كاتبا. فرجع الرسولان معا، فقال الأول: وجدت الأول حائكا. وَقَالَ الآخر: وجدت الرجل كاتبا، فقال المهدي: لم تخف علي مخاطبة الكاتب والحائك .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مَخْلَدٍ الْوَرَّاقُ، أخبرنا أحمد بن محمّد بن عمران، حَدَّثَنَا محمد بن يحيى الصولي قَالَ: قَالَ عمرو بن أبي عمرو الأعجمي: اعترضت امرأةٌ المهديَّ فقالت: يا عَصَبة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انظر في حاجتي. فقال المهدي: ما سمعتها من أحد قبلها، ثم قَالَ: اقضوا حاجتها وأعطوها عشرة آلاف درهم .
أَخْبَرَنَا علي بن أحمد الرّزّاز، أَخْبَرَنَا أحمد بن قانع بن مرزوق القاضي، حدّثنا أبو شعيب الحراني، حدّثنا أبو زيد قال: سمعت الضّحّاك يقول: قدم المهدي علينا البصرة فخرج يصلي العصر، فقام إليه أعرابي فقال: يا أمير المؤمنين مر المؤذن لا يقيم حتى أتوضأ! فضحك المهدي وَقَالَ للمؤذن: لا تقم حتى يتوضأ الأعرابي.
أَخْبَرَنِي الْقَاضِي أَبُو الْعَلاءِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الواسطي، أخبرنا سهل بن أحمد الدّيباجيّ، حدّثنا أبو خليفة، حَدَّثَنَا رفيع بن سلمة، عن أبي عبيدة قَالَ: كان المهدي يصلي بنا الصلوات في المسجد الجامع بالبصرة لما قدمها، فأقيمت الصلاة يوما، فقال أعرابي: يا أمير المؤمنين لست على طهر، وقد رغبت إلى الله في الصلاة خلفك فمر هؤلاء أن ينتظروني. فقال: انتظروه رحمكم الله. ودخل إلى المحراب ووقف إلى أن قيل له قد جاء الرجل فكبر. فعجب الناس من سماحة أخلاقه.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّه بن إبراهيم الهاشمي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيِّ الرَّزَّازُ. وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ المعدل، أخبرنا عثمان ابن أحمد الدقاق قالا: حَدَّثَنَا محمد بن أحمد بن البراء، حَدَّثَنِي عبيد الله بن فرقد مولى المهدي قَالَ: هاجت ريح زمن المهدي، فدخل المهدي بيتا في جوف بيت، فألزق خده بالتراب ثم قَالَ: اللهم إني بريء من هذه الجناية كِلْ هذا الخلق غيري، فإن كنت المطلوب من بين خلقك فهأنذا بين يديك، اللهم لا تشمت بي أهل الأديان، فلم يزل كذلك حتى انجلت الريح . واللفظ لحديث الرزاز.
أَخْبَرَنَا علي بن أحمد بن عمر المقرئ، أَخْبَرَنَا علي بن أحمد بن أبي قيس، حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدّنيا، حَدَّثَنَا عباس- يعني ابن هشام- عَنْ أَبِيهِ قَالَ: توفي المهدي بقرية يقال لها الرذ، ليلة الخميس لثمان بقين من المحرم سنة تسع وستين.
أَخْبَرَنَا محمد بن أحمد بن رزق، حدّثنا عثمان بن أحمد، حدّثنا أبو الحسين بن
البراء قَالَ: ومات المهدي بالرذ من ماسبذان لثمان بقين من المحرم سنة تسع وستين ومائة، وكان نقش خاتمه: العزة لله، وكان عمره ثلاثا وأربعين سنة وخلافته عشر سنين وشهر وخمسة أيام.
أَخْبَرَنَا الحسن بن أبي بكر، أخبرنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم قَالَ: قَالَ أبو بكر السدوسي: توفي المهدي بماسبذان، وصلى عليه الرشيد وتوفي وله ثلاث وأربعون سنة.
أَخْبَرَنَا علي بن أحمد المقرئ، أَخْبَرَنَا علي بن أحمد بن أبي قيس، أخبرنا أبو بكر ابن أبي الدّنيا، حَدَّثَنِي العجلي عن عمرو بن محمد عن أبي معشر قَالَ: توفي المهدي وهو ابن ثلاث وأربعين سنة.
وَقَالَ ابن أبي الدنيا: حَدَّثَنَا محمد بن صالح قَالَ: حَدَّثَنِي عبد الله بن محمّد المظفري قَالَ: توفي المهدي وهو ابن خمس وأربعين سنة.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=71765&book=5528#7705d1
محمد بن بكار بن الريان الرصافي
قال أبو داود: قلت لأحمد: الوليد بن أبي ثور؟
قال: ما لي به ذاك الخبر، كان شيخًا قدم هنا، كان ابن الصباح يحدث عنه وزعموا أن هذا ابن بكار يحدث عنه.
"سؤالات أبي داود" (431).
قال عبد اللَّه: كان أبي لا يرى بالكتابة عن هؤلاء الشيوخ بأسًا، وكان يرضاهم، وقد حدثنا عن بعضهم منهم محمد بن بكار.
"العلل" رواية عبد اللَّه (1709).
قال أبو داود: قلت لأحمد: الوليد بن أبي ثور؟
قال: ما لي به ذاك الخبر، كان شيخًا قدم هنا، كان ابن الصباح يحدث عنه وزعموا أن هذا ابن بكار يحدث عنه.
"سؤالات أبي داود" (431).
قال عبد اللَّه: كان أبي لا يرى بالكتابة عن هؤلاء الشيوخ بأسًا، وكان يرضاهم، وقد حدثنا عن بعضهم منهم محمد بن بكار.
"العلل" رواية عبد اللَّه (1709).
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=71765&book=5528#5cf179
محمد بن بكار بن الريان الرصافي بغدادي أبو عبد الله روى عن عبد الرحمن بن أبي الزناد وعبد الحميد بن بهرام وابى وكيع وفليح بن سليمان والفرج بن فضالة وقيس بن الربيع وابى معشر سمعت أبي يقول ذلك، قال أبو محمد روى عنه أبي وأبو زرعة، نا عبد الرحمن أنا يعقوب بن إسحاق الهروي فيما كتب إلي قال نا عثمان بن سعيد الدارمي قال سألت يحيى بن معين عن محمد بن بكار فقال شيخ لا بأس به.
أبي يقول ذلك.
نا عبد الرحمن نا العباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول نا البرسانى وكان والله ظريفا صاحب ادب (نا يعقوب بن اسحاق في كتابه إلى نا عثمان بن سعيد قال قلت ليحيى بن معين البرسانى؟ قال ثقة - ) ، نا عبد الرحمن قال سألت ابى عن محمد بن بكر البرسانى فقال شيخ محله الصدق.
أبي يقول ذلك.
نا عبد الرحمن نا العباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول نا البرسانى وكان والله ظريفا صاحب ادب (نا يعقوب بن اسحاق في كتابه إلى نا عثمان بن سعيد قال قلت ليحيى بن معين البرسانى؟ قال ثقة - ) ، نا عبد الرحمن قال سألت ابى عن محمد بن بكر البرسانى فقال شيخ محله الصدق.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=71765&book=5528#03db3c
مُحَمَّدُ بنُ بَكَّارِ بنِ الرَّيَّانِ الرُّصَافِيُّ
المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ، الرُّصَافِيُّ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ.
حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ بَهْرَامَ، وَأَبِي مَعْشَرٍ نَجِيْحٍ، وَفُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَقَيْسِ بنِ الرَّبِيْعِ، وَمُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ أَبِي ثَوْرٍ، وَسَوَّارِ بنِ مُصْعَبٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ زَكَرِيَّا، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، وَعَبَّادِ بنِ عَبَّادٍ، وَهُشَيْمٍ، وَخَلْقٍ.وَعَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَالمَعْمَرِيُّ، وَحَامِدُ بنُ شُعَيْبٍ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ الصُّوْفِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَعِمْرَانُ بنُ مُوْسَى السَّخْتِيَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ مُكْرَمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَمُوْسَى بنُ إِسْحَاقَ، وَالهَيْثَمُ بنُ خَلَفٍ الدُّوْرِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: كَانَ أَبِي لاَ يَرَى بِالكِتَابَةِ عَنْهُ بَأْساً.
وَرَوَى: عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: شَيْخٌ، لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَرَوَى: عَبْدُ الخَالِقِ بنُ مَنْصُوْرٍ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ.
وَكَذَا قَالَ: الدَّارَقُطْنِيُّ.
وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: بَغْدَادِيٌّ، صَدُوْقٌ، يَرْوِي عَنِ الضُّعَفَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ: أَنَا اليَوْمَ ابْنُ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ البُخَارِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
زَادَ البَغَوِيُّ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ.
قُلْتُ: عَاشَ ثَلاَثاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ، الرُّصَافِيُّ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ.
حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ بَهْرَامَ، وَأَبِي مَعْشَرٍ نَجِيْحٍ، وَفُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَقَيْسِ بنِ الرَّبِيْعِ، وَمُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ أَبِي ثَوْرٍ، وَسَوَّارِ بنِ مُصْعَبٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ زَكَرِيَّا، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، وَعَبَّادِ بنِ عَبَّادٍ، وَهُشَيْمٍ، وَخَلْقٍ.وَعَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَالمَعْمَرِيُّ، وَحَامِدُ بنُ شُعَيْبٍ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ الصُّوْفِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَعِمْرَانُ بنُ مُوْسَى السَّخْتِيَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ مُكْرَمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَمُوْسَى بنُ إِسْحَاقَ، وَالهَيْثَمُ بنُ خَلَفٍ الدُّوْرِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: كَانَ أَبِي لاَ يَرَى بِالكِتَابَةِ عَنْهُ بَأْساً.
وَرَوَى: عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: شَيْخٌ، لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَرَوَى: عَبْدُ الخَالِقِ بنُ مَنْصُوْرٍ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ.
وَكَذَا قَالَ: الدَّارَقُطْنِيُّ.
وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: بَغْدَادِيٌّ، صَدُوْقٌ، يَرْوِي عَنِ الضُّعَفَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ: أَنَا اليَوْمَ ابْنُ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ البُخَارِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
زَادَ البَغَوِيُّ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ.
قُلْتُ: عَاشَ ثَلاَثاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=156650&book=5528#124729
مُحَمَّدُ بنُ بَكَّارِ بنِ بِلاَلٍ العَامِلِيُّ
فَمُفْتِي دِمَشْقَ، وَقَاضِيهَا، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الدِّمَشْقِيُّ، وَالِدُ المُحَدِّثَيْنِ: هَارُوْنَ وَالحَسَنِ، فَهُوَ سَمِيُّ الَّذِي قَبْلَهُ، وَمِنْ جِيْلِهِ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَهُ: وَلَدُهُ حَسَنٌ.
وَحَدَّثَ عَنْ: مُوْسَى بنِ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، وَمُحَمَّدِ بِنِ رَاشِدٍ المَكْحُوْلِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَسَعِيْدِ بنِ بَشِيْرٍ، وَاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَيَحْيَى بنِ حَمْزَةَ القَاضِي، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْهُ: ابْنَاهُ، وَحَفِيْدُهُ؛ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَشْعَثِ الدِّمَشْقِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ إِشْكَابٍ، وَخَلْقٌ.
ذَكَرَهُ: أَبُو زُرْعَةَ فِي أَهْلِ الفَتْوَى بِدِمَشْقَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَتَبَ عَنْهُ أَبِي بِمَكَّةَ، سنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَسُئِلَ عَنْهُ، فَقَالَ: صَدُوْقٌ.وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: شَهِدْتُ جِنَازَتَهُ فِي مُنصَرَفِهِ مِنَ الحَجِّ، فِي اسْتِقبَالِ سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.
وَفِيْهَا أَرَّخَهُ ابْنُهُ الحَسَنُ، وَقَالَ: وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
فَمُفْتِي دِمَشْقَ، وَقَاضِيهَا، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الدِّمَشْقِيُّ، وَالِدُ المُحَدِّثَيْنِ: هَارُوْنَ وَالحَسَنِ، فَهُوَ سَمِيُّ الَّذِي قَبْلَهُ، وَمِنْ جِيْلِهِ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَهُ: وَلَدُهُ حَسَنٌ.
وَحَدَّثَ عَنْ: مُوْسَى بنِ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، وَمُحَمَّدِ بِنِ رَاشِدٍ المَكْحُوْلِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَسَعِيْدِ بنِ بَشِيْرٍ، وَاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَيَحْيَى بنِ حَمْزَةَ القَاضِي، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْهُ: ابْنَاهُ، وَحَفِيْدُهُ؛ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَشْعَثِ الدِّمَشْقِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ إِشْكَابٍ، وَخَلْقٌ.
ذَكَرَهُ: أَبُو زُرْعَةَ فِي أَهْلِ الفَتْوَى بِدِمَشْقَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَتَبَ عَنْهُ أَبِي بِمَكَّةَ، سنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَسُئِلَ عَنْهُ، فَقَالَ: صَدُوْقٌ.وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: شَهِدْتُ جِنَازَتَهُ فِي مُنصَرَفِهِ مِنَ الحَجِّ، فِي اسْتِقبَالِ سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.
وَفِيْهَا أَرَّخَهُ ابْنُهُ الحَسَنُ، وَقَالَ: وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=129321&book=5528#24df66
محمد أمير المؤمنين المعتز بالله بْن جَعْفَر المتوكل عَلَى اللَّه بْن مُحَمَّد بن المعتصم بالله، يكنى أبا عبد الله، وقيل إن اسمه الزبير :
وكان مولده بسر من رأى. فأنبأنى إبراهيم بن مخلد قال أنبأنا إسماعيل بن علي أن المعتز بالله ولد في شهر ربيع الأخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين.
وَأَخْبَرَنَا الحسين بن علي الحنفي قَالَ أنبأنا الحسين بن هارون الضّبّيّ قال أنبأنا محمد بن عمر الحافظ أن مولد المعتز يوم الخميس الحادي عشر من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين ومائتين. قَالَ وكان منزله بسر من رأى.
قال الشيخ أبو بكر: والقول الأول عندنا أصح. بويع المعتز بسر من رأى عند خلع المستعين.
وَأَخْبَرَنَا عبد العزيز بن عليّ قال أنبأنا محمّد بن أحمد المفيد قال:
نبأنا أبو بشر الدولابي قَالَ أَخْبَرَنِي جعفر بن عليّ الهاشميّ قال: خرج
أحمد الإمام المستعين بالله أمير المؤمنين من سر من رأى يوم الأحد لخمس خلون من المحرم سنة إحدى وخمسين ومائتين إلى بغداد، فوثب أهل سر من رأى فبايعوا لأبي عبد الله المعتز بالله.
قَالَ أبو بشر وَأَخْبَرَنِي أبو موسى العباسي قَالَ: لما أنزل المعتز بالله من لؤلؤة وبويع له، ركب إلى أمه وهي في القصر المعروف بالهاروني، فلما دخل عليها وسألته عن خبره قَالَ لها: قد كنت كالمريض المدنف وأنا الآن كالذي وقع في النزع- يعني أنه قد بويع له بسر من رأى والمستعين خليفة مجتمع عليه في الشرق والغرب.
وَقَالَ أبو بشر أَخْبَرَنِي علي بن الحسن بن علي قَالَ: لما سأل الأتراك المستعين بالله الرجوع إلى سر من رأى فأبى عليهم، قدموا سر من رأى يوم الأربعاء لثلاث عشرة ليلة خلت من المحرم، فاجتمع الموالي وكسروا باب لؤلؤة، وأنزلوا المعتز بالله فبايعوه وخلعوا المستعين، فركب المعتز بالله إلى دار العامة يوم الخميس في المحرم سنة إحدى وخمسين ومائتين فبايعه الناس، وعقد لنفسه لواء أسود وخلع على إبراهيم المؤيد بالله، وعلى أحمد المعتمد على الله، وعلى أبي أحمد الموفق، وأنهضه إلى بغداد مطالبا ببيعته التي أكدها له المتوكل على الله في أعناقهم، ومعه جماعة من الفقهاء، فشخص أبو أحمد يوم السبت لسبع بقين من المحرم، وحصن محمد بن عبد الله بن طاهر بغداد، ورم سورها، وأصلح أبوابها. وعسكر أبو أحمد بالشماسية ووقع الحرب يوم السبت للنصف من صفر واتصلت الوقائع.
قَالَ أبو بشر وسمعت جعفر بن علي الهاشمي يقول: بويع المعتز يوم الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من المحرم. وتوجه أبو أحمد بن المتوكل على الله إلى بغداد في عشرة آلاف من سر من رأى، فواقع أهل بغداد فقتل من الفريقين خلق عظيم، وكانت هذه السنة فتنة المعتز والمستعين.
قَالَ وَأَخْبَرَنِي أبو موسى العباسي قَالَ: لما وجه المعتز بالله أخاه أبا أحمد الموفق فحصرهم، وأقام المستعين بالله ببغداد إلى أن خلع سنة، واشتد الحصار على أهل بغداد، وقد كان أهل بغداد لما دخل إليهم المستعين أحبوه ومالوا نحوه غاية الميل، حتى نزل بهم من الحصار ما نزل فنسبوا محمد بن عبد الله بن طاهر إلى المداهنة في أمر المستعين بالله، وهاجموا منزله يريدون نفسه.
قَالَ: وأَخْبَرَنِي علي بن الحسن بن علي قَالَ شرع في خلع المستعين بالله فوثبت العامة على محمد بن عبد الله بن طاهر وتذمرت عليه، ونقل المستعين بالله من داره
إلى الرصافة. قَالَ وَأَخْبَرَنِي أبو موسى العباسي قَالَ فدس محمد بن عبد الله بن طاهر إلى المستعين بالله من يعرض له بالخلع على أنه يتوثق له من المعتز بالله ويسلم إليه الأمر، وكان المستعين بالله رجلا صالحا ضعيفا، فأجاب المستعين بالله إلى ذلك وكره الدماء بعد أن لم يجد ناصرا.
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي جعفر بن علي قَالَ خلع أحمد المستعين بالله نفسه من الخلافة في المحرم أول سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن أَبِي بَكْر قَالَ أنبأنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي قال أنبأنا عمر بن حفص قَالَ: ودعي للمعتز ببغداد يوم الجمعة لثلاث خلون من المحرم سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْن رزق قَالَ أنبأنا عثمان بن أحمد الدّقّاق قال نبأنا محمد بن أحمد بن البراء قَالَ: ثم استخلف المعتز بالله أبو عبد الله محمد بن المتوكل على الله. قَالَ إبراهيم بن العباس:
الله أظهر دينه
... وأعزه بمحمد
والله أكرم بالخلا
... فة جعفر بن محمد
والله أيد عهده
... بمحمد ومحمد
ومؤيد لمؤيدي
... ن إلى النبي محمد
أَخْبَرَنَا عبد العزيز بن عليّ قال أنبأنا محمّد بن أحمد المفيد قال نبأنا أبو بشر الدولابي قَالَ أَخْبَرَنِي جعفر بن علي بن إبراهيم قَالَ كانت الجماعة على أبي عبد الله المعتز بالله واسمه الزبير بن جعفر بن محمد، وأمه قبيحة أم ولد رومية، في المحرم سنة اثنتين وخمسين ومائتين. وإنما تحسب أيام ملكه منذ يوم خلع المستعين.
وَقَالَ أبو بشر سمعت أبا الجعد يقول: اسم المعتز بالله الزبير، ويقال محمد.
وقَالَ أَخْبَرَنِي جعفر بن علي الهاشمي قَالَ كان المعتز بالله رجلا طويلا جسيما وسيما، أبيض مشربا حمرة، أدعج العينين حسنهما، أقنى الأنف، حسن الوجه، مليحا جعد الشعر كث اللحية، مدور الوجه، حسن المضحك، شديد سواد الشعر، أكحل العينين، مات وهو ابن أربع وعشرين سنة. وكان قاضية الحسن بن أبي الشوارب، ونقش خاتمه محمد رسول الله. وله خاتم آخر نقشه: المعتز بالله.
حدّثنا أَبُو سَعْدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ السمان لفظا بالري قال نبأنا الحسن ابن محمّد بن يحيى الشّافعيّ بسامراء قال نبأنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَسَّانٍ
قال نبأنا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الْمُعْتَزِّ بِاللَّهِ، فَمَا رَأَيْتُ خَلِيفَةً كَانَ أَحْسَنَ وَجْهًا مِنْهُ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ سَجَدْتُ، فَقَالَ: يَا شَيْخُ يُسْجَدُ لأَحَدٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟
قُلْتُ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ النَّبِيلُ قال نبأنا بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى مَا يَفْرَحُ بِهِ، أَوْ بُشِّرَ بِمَا يَسُرُّهُ، سَجَدَ شُكْرًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
أَخْبَرَنِي أبو القاسم الأزهري قال نبأنا عبيد الله بن محمّد المقرئ قال نبأنا محمّد ابن يحيى الصولي قَالَ حَدَّثَنِي أبو الغوث بن البخترى قَالَ حَدَّثَنِي أبي قَالَ: نظر إلي المعتز وأنا أنظر في وجهه فقال إلى أي شيء تنظر؟ قلت: إلى كمال أمير المؤمنين في جمال وجهه وجميل أفعاله.
حَدَّثَنِي الحسن بن أبي طالب قَالَ نبأنا عبيد الله بن أحمد بن علي قَالَ نبأنا يزداد ابن عبد الرحمن قَالَ قَالَ لي الزبير بن بكار صرت إلى أبي عبد الله المعتز بالله وهو أمير، فلما علم بمكاني خرج مستعجلا فعثر، فأنشا يقول:
يموت الفتى من عثرة بلسانه
... وليس يموت المرء من عثرة الرجل
أخبرني عبد الله بن أبي الفتح قال: أنبأنا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس الخزاز قَالَ: أنشدنا مُحَمَّد ابن خلف بن المرزبان قَالَ: أنشدت للمعتز بالله:
يدنو السرور إذا دنا بك منزل
... ويغيب صفو العيش حين تغيب
قال الشيخ أبو بكر مكث المعتز بالله في الخلافة إلى أن خلع نفسه وسلم الأمر للمهتدي بالله.
أَخْبَرَنَا محمد بن أحمد بن رزق قَالَ أنبأنا عثمان بن أحمد قَالَ: قَالَ ابن البراء:
كانت خلافه المعتز إلى أن خلع يوم الإثنين لثلاث بقين من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين، أربع سنين وستة أشهر وأربعة عشر يوما، وعمره ثلاثا وعشرين سنة، وأظهر قبره، وبقي الأمر يومين- يعني بعد قتله- حتى استخلف المهتدي بالله.
أَخْبَرَنَا علي بن أحمد بن عمر المقرئ قال أنبأنا علي بن أحمد بن أبي قيس الرَّفَّاء قال نبأنا ابن أبي الدنيا قَالَ: بويع المعتز بالله في المحرم سنة اثنتين وخمسين ومائتين عند خلع المستعين بالله، ومات في يوم الثاني من شهر رمضان بسر من رأى ودفن بموضع يقال له باب السميدع سنة خمس وخمسين ومائتين وله ثلاث وعشرون سنة. وكانت خلافة المعتز بالله من يوم دعى له بالخلافة ببغداد إلى يوم دفن ثلاث سنين وسبعة أشهر إلا ثلاثة أيام. هكذا ذكر ابن أبي الدنيا أن وفاة المعتز كانت في شهر رمضان.
وأخبرنا الحسن بن أبي بكر قال أنبأنا الشّافعيّ قال أنبأنا عمر بن حفص أن المعتز قتل يوم السبت ليومين من شعبان.
وَأَخْبَرَنَا عبد العزيز بن عليّ قال أنبأنا المفيد قال نبأنا أبو بشر الدولابي قَالَ أَخْبَرَنِي جعفر بن علي الهاشمي أن المعتز بالله صلى عليه محمد بن الواثق المهتدي بالله، ودفن عند قبر المنتصر بالله يوم السبت لثلاث خلون من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين.
وكان مولده بسر من رأى. فأنبأنى إبراهيم بن مخلد قال أنبأنا إسماعيل بن علي أن المعتز بالله ولد في شهر ربيع الأخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين.
وَأَخْبَرَنَا الحسين بن علي الحنفي قَالَ أنبأنا الحسين بن هارون الضّبّيّ قال أنبأنا محمد بن عمر الحافظ أن مولد المعتز يوم الخميس الحادي عشر من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين ومائتين. قَالَ وكان منزله بسر من رأى.
قال الشيخ أبو بكر: والقول الأول عندنا أصح. بويع المعتز بسر من رأى عند خلع المستعين.
وَأَخْبَرَنَا عبد العزيز بن عليّ قال أنبأنا محمّد بن أحمد المفيد قال:
نبأنا أبو بشر الدولابي قَالَ أَخْبَرَنِي جعفر بن عليّ الهاشميّ قال: خرج
أحمد الإمام المستعين بالله أمير المؤمنين من سر من رأى يوم الأحد لخمس خلون من المحرم سنة إحدى وخمسين ومائتين إلى بغداد، فوثب أهل سر من رأى فبايعوا لأبي عبد الله المعتز بالله.
قَالَ أبو بشر وَأَخْبَرَنِي أبو موسى العباسي قَالَ: لما أنزل المعتز بالله من لؤلؤة وبويع له، ركب إلى أمه وهي في القصر المعروف بالهاروني، فلما دخل عليها وسألته عن خبره قَالَ لها: قد كنت كالمريض المدنف وأنا الآن كالذي وقع في النزع- يعني أنه قد بويع له بسر من رأى والمستعين خليفة مجتمع عليه في الشرق والغرب.
وَقَالَ أبو بشر أَخْبَرَنِي علي بن الحسن بن علي قَالَ: لما سأل الأتراك المستعين بالله الرجوع إلى سر من رأى فأبى عليهم، قدموا سر من رأى يوم الأربعاء لثلاث عشرة ليلة خلت من المحرم، فاجتمع الموالي وكسروا باب لؤلؤة، وأنزلوا المعتز بالله فبايعوه وخلعوا المستعين، فركب المعتز بالله إلى دار العامة يوم الخميس في المحرم سنة إحدى وخمسين ومائتين فبايعه الناس، وعقد لنفسه لواء أسود وخلع على إبراهيم المؤيد بالله، وعلى أحمد المعتمد على الله، وعلى أبي أحمد الموفق، وأنهضه إلى بغداد مطالبا ببيعته التي أكدها له المتوكل على الله في أعناقهم، ومعه جماعة من الفقهاء، فشخص أبو أحمد يوم السبت لسبع بقين من المحرم، وحصن محمد بن عبد الله بن طاهر بغداد، ورم سورها، وأصلح أبوابها. وعسكر أبو أحمد بالشماسية ووقع الحرب يوم السبت للنصف من صفر واتصلت الوقائع.
قَالَ أبو بشر وسمعت جعفر بن علي الهاشمي يقول: بويع المعتز يوم الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من المحرم. وتوجه أبو أحمد بن المتوكل على الله إلى بغداد في عشرة آلاف من سر من رأى، فواقع أهل بغداد فقتل من الفريقين خلق عظيم، وكانت هذه السنة فتنة المعتز والمستعين.
قَالَ وَأَخْبَرَنِي أبو موسى العباسي قَالَ: لما وجه المعتز بالله أخاه أبا أحمد الموفق فحصرهم، وأقام المستعين بالله ببغداد إلى أن خلع سنة، واشتد الحصار على أهل بغداد، وقد كان أهل بغداد لما دخل إليهم المستعين أحبوه ومالوا نحوه غاية الميل، حتى نزل بهم من الحصار ما نزل فنسبوا محمد بن عبد الله بن طاهر إلى المداهنة في أمر المستعين بالله، وهاجموا منزله يريدون نفسه.
قَالَ: وأَخْبَرَنِي علي بن الحسن بن علي قَالَ شرع في خلع المستعين بالله فوثبت العامة على محمد بن عبد الله بن طاهر وتذمرت عليه، ونقل المستعين بالله من داره
إلى الرصافة. قَالَ وَأَخْبَرَنِي أبو موسى العباسي قَالَ فدس محمد بن عبد الله بن طاهر إلى المستعين بالله من يعرض له بالخلع على أنه يتوثق له من المعتز بالله ويسلم إليه الأمر، وكان المستعين بالله رجلا صالحا ضعيفا، فأجاب المستعين بالله إلى ذلك وكره الدماء بعد أن لم يجد ناصرا.
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي جعفر بن علي قَالَ خلع أحمد المستعين بالله نفسه من الخلافة في المحرم أول سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن أَبِي بَكْر قَالَ أنبأنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي قال أنبأنا عمر بن حفص قَالَ: ودعي للمعتز ببغداد يوم الجمعة لثلاث خلون من المحرم سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْن رزق قَالَ أنبأنا عثمان بن أحمد الدّقّاق قال نبأنا محمد بن أحمد بن البراء قَالَ: ثم استخلف المعتز بالله أبو عبد الله محمد بن المتوكل على الله. قَالَ إبراهيم بن العباس:
الله أظهر دينه
... وأعزه بمحمد
والله أكرم بالخلا
... فة جعفر بن محمد
والله أيد عهده
... بمحمد ومحمد
ومؤيد لمؤيدي
... ن إلى النبي محمد
أَخْبَرَنَا عبد العزيز بن عليّ قال أنبأنا محمّد بن أحمد المفيد قال نبأنا أبو بشر الدولابي قَالَ أَخْبَرَنِي جعفر بن علي بن إبراهيم قَالَ كانت الجماعة على أبي عبد الله المعتز بالله واسمه الزبير بن جعفر بن محمد، وأمه قبيحة أم ولد رومية، في المحرم سنة اثنتين وخمسين ومائتين. وإنما تحسب أيام ملكه منذ يوم خلع المستعين.
وَقَالَ أبو بشر سمعت أبا الجعد يقول: اسم المعتز بالله الزبير، ويقال محمد.
وقَالَ أَخْبَرَنِي جعفر بن علي الهاشمي قَالَ كان المعتز بالله رجلا طويلا جسيما وسيما، أبيض مشربا حمرة، أدعج العينين حسنهما، أقنى الأنف، حسن الوجه، مليحا جعد الشعر كث اللحية، مدور الوجه، حسن المضحك، شديد سواد الشعر، أكحل العينين، مات وهو ابن أربع وعشرين سنة. وكان قاضية الحسن بن أبي الشوارب، ونقش خاتمه محمد رسول الله. وله خاتم آخر نقشه: المعتز بالله.
حدّثنا أَبُو سَعْدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ السمان لفظا بالري قال نبأنا الحسن ابن محمّد بن يحيى الشّافعيّ بسامراء قال نبأنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَسَّانٍ
قال نبأنا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الْمُعْتَزِّ بِاللَّهِ، فَمَا رَأَيْتُ خَلِيفَةً كَانَ أَحْسَنَ وَجْهًا مِنْهُ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ سَجَدْتُ، فَقَالَ: يَا شَيْخُ يُسْجَدُ لأَحَدٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟
قُلْتُ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ النَّبِيلُ قال نبأنا بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى مَا يَفْرَحُ بِهِ، أَوْ بُشِّرَ بِمَا يَسُرُّهُ، سَجَدَ شُكْرًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
أَخْبَرَنِي أبو القاسم الأزهري قال نبأنا عبيد الله بن محمّد المقرئ قال نبأنا محمّد ابن يحيى الصولي قَالَ حَدَّثَنِي أبو الغوث بن البخترى قَالَ حَدَّثَنِي أبي قَالَ: نظر إلي المعتز وأنا أنظر في وجهه فقال إلى أي شيء تنظر؟ قلت: إلى كمال أمير المؤمنين في جمال وجهه وجميل أفعاله.
حَدَّثَنِي الحسن بن أبي طالب قَالَ نبأنا عبيد الله بن أحمد بن علي قَالَ نبأنا يزداد ابن عبد الرحمن قَالَ قَالَ لي الزبير بن بكار صرت إلى أبي عبد الله المعتز بالله وهو أمير، فلما علم بمكاني خرج مستعجلا فعثر، فأنشا يقول:
يموت الفتى من عثرة بلسانه
... وليس يموت المرء من عثرة الرجل
أخبرني عبد الله بن أبي الفتح قال: أنبأنا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس الخزاز قَالَ: أنشدنا مُحَمَّد ابن خلف بن المرزبان قَالَ: أنشدت للمعتز بالله:
يدنو السرور إذا دنا بك منزل
... ويغيب صفو العيش حين تغيب
قال الشيخ أبو بكر مكث المعتز بالله في الخلافة إلى أن خلع نفسه وسلم الأمر للمهتدي بالله.
أَخْبَرَنَا محمد بن أحمد بن رزق قَالَ أنبأنا عثمان بن أحمد قَالَ: قَالَ ابن البراء:
كانت خلافه المعتز إلى أن خلع يوم الإثنين لثلاث بقين من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين، أربع سنين وستة أشهر وأربعة عشر يوما، وعمره ثلاثا وعشرين سنة، وأظهر قبره، وبقي الأمر يومين- يعني بعد قتله- حتى استخلف المهتدي بالله.
أَخْبَرَنَا علي بن أحمد بن عمر المقرئ قال أنبأنا علي بن أحمد بن أبي قيس الرَّفَّاء قال نبأنا ابن أبي الدنيا قَالَ: بويع المعتز بالله في المحرم سنة اثنتين وخمسين ومائتين عند خلع المستعين بالله، ومات في يوم الثاني من شهر رمضان بسر من رأى ودفن بموضع يقال له باب السميدع سنة خمس وخمسين ومائتين وله ثلاث وعشرون سنة. وكانت خلافة المعتز بالله من يوم دعى له بالخلافة ببغداد إلى يوم دفن ثلاث سنين وسبعة أشهر إلا ثلاثة أيام. هكذا ذكر ابن أبي الدنيا أن وفاة المعتز كانت في شهر رمضان.
وأخبرنا الحسن بن أبي بكر قال أنبأنا الشّافعيّ قال أنبأنا عمر بن حفص أن المعتز قتل يوم السبت ليومين من شعبان.
وَأَخْبَرَنَا عبد العزيز بن عليّ قال أنبأنا المفيد قال نبأنا أبو بشر الدولابي قَالَ أَخْبَرَنِي جعفر بن علي الهاشمي أن المعتز بالله صلى عليه محمد بن الواثق المهتدي بالله، ودفن عند قبر المنتصر بالله يوم السبت لثلاث خلون من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=130464&book=5528#63f8f9
محمد بن مزيد بن محمود بن منصور بن راشد بن نعشرة، أبو بكر الخزاعي المعروف بابن أبي الأزهر :
حدث عن إسحاق بن أبي إسرائيل، ومحمد بن سليمان لوين، وأبي كريب محمد بن العلاء، والحسين بن عبد الرحمن الاحتياطي، والزبير بن بكار، ومحمد بن
يزيد المبرد. وروى عن حماد بن إسحاق الموصلي عن أبيه كتاب «الأغاني» روى عنه أَبُو بكر بن شاذان، وأَبُو الحسن الدارقطني. قَالَ: محمد بن مزيد المعروف بابن أبي الأزهر النحوي البوسنجي، روى عن حماد بن إسحاق كتاب الأغاني، وروى عن ابن كريب، وحسين بن عبد الرحمن الاحتياطي، والزبير بن بكار، وله شعر كثير، وكان ضعيفا فيما يرويه. كتبنا عنه أحاديث منكرة.
حدَّثَنِي عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن نَصْر قَالَ سمعت حمزة بن يوسف سمعت الحسن بن علي بن عمرو البصري يقول: محمد بن مزيد بن أبي الأزهر ليس بالمرضي.
بلغني عن أبي الحسن مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس بْن الفرات قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الفتح عبيد اللَّه بْن أَحْمَد النحوي. قَالَ: كذاب أصحاب الحديث؛ ابن أبي الأزهر فيما ادعاه من السماع عن أبي كريب وسفيان بن وكيع وغيرهما. فمن حديثه:
مَا أخبرنيهُ أَبُو الْقَاسِمِ الأَزْهَرِيُّ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ الْقَوَّاسُ وَالْمُعَافَى بْنُ زكريا الجريري. قالوا: حدّثنا ابن أبي الأزهر. وأنبأنا الحسن بن علي الجوهريّ حدّثنا أحمد ابن إبراهيم حدّثنا أبو بكر بن أبي الأزهر حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ قَالَ حدّثنا إسماعيل بن صبيح حدّثنا أبو أويس حدّثنا محمّد بن المنكدر حَدَّثَنَا جَابِرٍ.
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلا أَنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَلَوْ كَانَ لَكُنْتَهُ »
. قَوْلُهُ «وَلَوْ كَانَ لَكُنْتَهُ» زِيَادَةٌ لا نَعْلَمُ رَوَاهَا إِلا ابْنَ أَبِي الأَزْهَرِ.
وَالصَّوَابُ. مَا حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ حدثنا أبو الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْكُوفِيِّ حدّثنا أحمد بن يحيى الصّوفيّ حدّثنا إسماعيل بن صبيح اليشكري حَدَّثَنَا أَبُو أُوَيْسٍ- بِإِسْنَادِهِ- نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرِ الزِّيَادَةَ.
أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الصَّيْرَفِيُّ وأَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ رَوْحٍ النَّهْرَوَانِيُّ.
قَالا: حَدَّثَنَا المعافي بن زكريا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَزْيَدِ بْنِ أَبِي الأَزْهَرِ البوسنجيّ حدّثنا إسحاق بن أبي إسرائيل حَدَّثَنَا حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُنَا إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا مِمَّا يَلِي الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ شَيْءٌ عَظِيمٌ كَأَعْظَمِ مَا يَكُونُ مِنَ الْفِيَلَةِ. قَالَ: فَتَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ:
«لُعِنْتَ» أَوْ قَالَ «خُزِيتَ» - شَكَّ إِسْحَاقُ- قَالَ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَوَمَا تَعْرِفُهُ يَا عَلِيُّ؟» قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «هَذَا إِبْلِيسُ» فَوَثَبَ إِلَيْهِ فَقَبَضَ عَلَى نَاصِيَتِهِ وَجَذَبَهُ فَأَزَالَهُ عَنْ مَوْضِعِهِ. وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أقتله؟
قال: «أو ما عَلِمْتَ أَنَّهُ قَدْ أُجِّلَ إِلَى الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ؟» قَالَ فَتَرَكَهُ مِنْ يَدِهِ، فَوَقَفَ نَاحِيَةً ثُمَّ قال: مالي ولك يا ابن أَبِي طَالِبٍ! وَاللَّهِ مَا أَبْغَضَكَ أَحَدٌ إِلا وَقَدْ شَارَكْتُ أَبَاهُ فِيهِ، اقْرَأْ مَا قَالَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ثُمَّ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَقَدْ عَرَضَ لِي فِي الصَّلاةِ فَأَخَذْتُ بِحَلْقِهِ فَخَنَقْتُهُ فَإِنِّي لأَجِدُ بَرْدَ لِسَانِهِ عَلَى ظَهْرِ كَفِّي، وَلَوْلا دَعْوَةُ أَخِي سُلَيْمَانَ لأَرَيْتُكُمُوهُ مَرْبُوطًا بِالسَّارِيَةِ تَنْظُرُونَ إِلَيْهِ »
. إِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ حَسَنٌ، وَرِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ إِلا ابْنَ أَبِي الأَزْهَرِ، وَالْقِصَّةُ الأُولَى مُنْكَرَةٌ جِدًّا مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ، وَإِنَّمَا نَحْفَظُهَا بِإِسْنَادٍ آخر واه.
أَنْبَأَنَا عَلِيّ بْن أَحْمَدَ بْن عُمَر الْمُقْرِئ حدّثنا عثمان بن أحمد الدّقّاق حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بن يحيى بن بكّار حدّثنا إسحاق بن محمّد النخعي حدّثنا أحمد ابن عبد الله الغداني حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الصَّفَا وَهُوَ مُقْبِلٌ عَلَى شَخْصٍ فِي صُورَةِ الْفِيلِ وَهُوَ يلعنه، فقلت: ومن هذا الذي يلعنه رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
هَذَا الشَّيْطَانُ الرَّجِيمُ. فَقُلْتُ: وَاللَّهِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ لأَقْتُلَنَّكَ. وَلأُرِيحَنَّ الأُمَّةَ مِنْكَ. قَالَ: مَا هَذَا جَزَائِي مِنْكَ! قُلْتُ: وَمَا جَزَاؤُكَ مِنِّي يَا عَدُوَّ اللَّهِ؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَبْغَضَكَ أَحَدٌ قَطُّ إِلا شَارَكْتُ أَبَاهُ فِي رَحِمِ أُمِّهِ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الأُشْنَانِيِّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّخَعِيِّ وَهُوَ إِسْحَاقُ الأَحْمَرُ، وَكَانَ مِنَ الْغُلاةِ، وَإِلَيْهِ تُنْسَبُ الطَّائِفَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِالإِسْحَاقِيَّةِ، وَهِيَ ممن يعتقد فِي عَلِيٍّ الإِلَهِيَّةِ، وَأَحْسَبُ الْقِصَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ سُرِقَتْ مِنْ هاهنا وَرُكِّبَتْ عَلَى ذَلِكَ الإِسْنَادِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
أَخْبَرَنِي الأزهريّ حدّثنا المعافي بن زكريا الجريري حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَزْيَدِ بْنِ أَبِي الأَزْهَرِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ الطُّوسِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عن جده عن جابر بن عبد الله قال: وأنبأنا مرة أخرى عن أبيه عن
جَابِرٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يفحج بين فخدي الْحُسَيْنِ وَيُقَبِّلُ زَبِيبَتَهُ وَيَقُولُ:
«لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَكَ» قَالَ جَابِرٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ قَاتِلُهُ؟ قَالَ: «رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي يُبْغِضُ عِتْرَتِي لا يَنَالُهُ شَفَاعَتِي، كَأَنِّي بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَطْبَاقِ النِّيرَانِ يَرْسَبُ تَارَةً وَيَطْفُو أُخْرَى، وَأَنَّ جَوْفَهُ ليقول عق عق »
. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا مَوْضُوعٌ إِسْنَادًا وَمَتْنًا، وَلا أُبْعِدُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ أَبِي الأَزْهَرِ وَضَعَهُ وَرَوَاهُ عَنْ قَابُوسَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ جَابِرٍ، ثُمَّ عَرِفَ اسْتِحَالَةَ هَذِه الرِّوَايَةِ فَرَوَاهُ بعد ونقص عنه عن جده، وذلك أن أبا ظبيان [رأى] سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ وَسَمِعَ مِنْهُ وَسَمِعَ مِنْ [عَلِيِّ بْنِ] أَبِي طَالِبٍ أَيْضًا. واسم أبي ظبيان حصين بن جندب وجندب أبوه لا يُعْرَفُ، أكان مسلما أو كافرا؟ فضلا عن أن يكون روى شيئا، ولكن في الحديث الذي ذكرناه عنه فساد آخر لم يقف واضعه عليه فيغيره. وهو استحالة رواية سعيد بن عامر عن قابوس، وذلك أن سعيدا بصري وقابوسا كوفي ولم يجتمعا قط، بل لم يدرك سعيد قابوسا! وكان قابوس قديما روى عنه سفيان الثوري وكبراء الكوفيين، ومن آخر من أدركه جرير بن عبد الحميد. وليس لسعيد بن عامر رواية إلا عن البصريين خاصة، والله أعلم.
حَدَّثَنِي الحسين بن علي الصيمري عَنْ مُحَمَّد بن عمران المرزباني. قَالَ: توفي أبو بكر محمد بن أبي الأزهر في شهر ربيع الأخر سنة خمس وعشرين وثلاثمائة، وكذبه أصحاب الحديث. قَالَ محمد بن عمران، أنا أقول: وكان كذابا قبيح الكذب ظاهره.
ذكر من اسمه محمد واسم أبيه مروان
حدث عن إسحاق بن أبي إسرائيل، ومحمد بن سليمان لوين، وأبي كريب محمد بن العلاء، والحسين بن عبد الرحمن الاحتياطي، والزبير بن بكار، ومحمد بن
يزيد المبرد. وروى عن حماد بن إسحاق الموصلي عن أبيه كتاب «الأغاني» روى عنه أَبُو بكر بن شاذان، وأَبُو الحسن الدارقطني. قَالَ: محمد بن مزيد المعروف بابن أبي الأزهر النحوي البوسنجي، روى عن حماد بن إسحاق كتاب الأغاني، وروى عن ابن كريب، وحسين بن عبد الرحمن الاحتياطي، والزبير بن بكار، وله شعر كثير، وكان ضعيفا فيما يرويه. كتبنا عنه أحاديث منكرة.
حدَّثَنِي عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن نَصْر قَالَ سمعت حمزة بن يوسف سمعت الحسن بن علي بن عمرو البصري يقول: محمد بن مزيد بن أبي الأزهر ليس بالمرضي.
بلغني عن أبي الحسن مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس بْن الفرات قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الفتح عبيد اللَّه بْن أَحْمَد النحوي. قَالَ: كذاب أصحاب الحديث؛ ابن أبي الأزهر فيما ادعاه من السماع عن أبي كريب وسفيان بن وكيع وغيرهما. فمن حديثه:
مَا أخبرنيهُ أَبُو الْقَاسِمِ الأَزْهَرِيُّ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ الْقَوَّاسُ وَالْمُعَافَى بْنُ زكريا الجريري. قالوا: حدّثنا ابن أبي الأزهر. وأنبأنا الحسن بن علي الجوهريّ حدّثنا أحمد ابن إبراهيم حدّثنا أبو بكر بن أبي الأزهر حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ قَالَ حدّثنا إسماعيل بن صبيح حدّثنا أبو أويس حدّثنا محمّد بن المنكدر حَدَّثَنَا جَابِرٍ.
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلا أَنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَلَوْ كَانَ لَكُنْتَهُ »
. قَوْلُهُ «وَلَوْ كَانَ لَكُنْتَهُ» زِيَادَةٌ لا نَعْلَمُ رَوَاهَا إِلا ابْنَ أَبِي الأَزْهَرِ.
وَالصَّوَابُ. مَا حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ حدثنا أبو الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْكُوفِيِّ حدّثنا أحمد بن يحيى الصّوفيّ حدّثنا إسماعيل بن صبيح اليشكري حَدَّثَنَا أَبُو أُوَيْسٍ- بِإِسْنَادِهِ- نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرِ الزِّيَادَةَ.
أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الصَّيْرَفِيُّ وأَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ رَوْحٍ النَّهْرَوَانِيُّ.
قَالا: حَدَّثَنَا المعافي بن زكريا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَزْيَدِ بْنِ أَبِي الأَزْهَرِ البوسنجيّ حدّثنا إسحاق بن أبي إسرائيل حَدَّثَنَا حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُنَا إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا مِمَّا يَلِي الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ شَيْءٌ عَظِيمٌ كَأَعْظَمِ مَا يَكُونُ مِنَ الْفِيَلَةِ. قَالَ: فَتَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ:
«لُعِنْتَ» أَوْ قَالَ «خُزِيتَ» - شَكَّ إِسْحَاقُ- قَالَ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَوَمَا تَعْرِفُهُ يَا عَلِيُّ؟» قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «هَذَا إِبْلِيسُ» فَوَثَبَ إِلَيْهِ فَقَبَضَ عَلَى نَاصِيَتِهِ وَجَذَبَهُ فَأَزَالَهُ عَنْ مَوْضِعِهِ. وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أقتله؟
قال: «أو ما عَلِمْتَ أَنَّهُ قَدْ أُجِّلَ إِلَى الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ؟» قَالَ فَتَرَكَهُ مِنْ يَدِهِ، فَوَقَفَ نَاحِيَةً ثُمَّ قال: مالي ولك يا ابن أَبِي طَالِبٍ! وَاللَّهِ مَا أَبْغَضَكَ أَحَدٌ إِلا وَقَدْ شَارَكْتُ أَبَاهُ فِيهِ، اقْرَأْ مَا قَالَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ثُمَّ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَقَدْ عَرَضَ لِي فِي الصَّلاةِ فَأَخَذْتُ بِحَلْقِهِ فَخَنَقْتُهُ فَإِنِّي لأَجِدُ بَرْدَ لِسَانِهِ عَلَى ظَهْرِ كَفِّي، وَلَوْلا دَعْوَةُ أَخِي سُلَيْمَانَ لأَرَيْتُكُمُوهُ مَرْبُوطًا بِالسَّارِيَةِ تَنْظُرُونَ إِلَيْهِ »
. إِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ حَسَنٌ، وَرِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ إِلا ابْنَ أَبِي الأَزْهَرِ، وَالْقِصَّةُ الأُولَى مُنْكَرَةٌ جِدًّا مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ، وَإِنَّمَا نَحْفَظُهَا بِإِسْنَادٍ آخر واه.
أَنْبَأَنَا عَلِيّ بْن أَحْمَدَ بْن عُمَر الْمُقْرِئ حدّثنا عثمان بن أحمد الدّقّاق حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بن يحيى بن بكّار حدّثنا إسحاق بن محمّد النخعي حدّثنا أحمد ابن عبد الله الغداني حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الصَّفَا وَهُوَ مُقْبِلٌ عَلَى شَخْصٍ فِي صُورَةِ الْفِيلِ وَهُوَ يلعنه، فقلت: ومن هذا الذي يلعنه رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
هَذَا الشَّيْطَانُ الرَّجِيمُ. فَقُلْتُ: وَاللَّهِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ لأَقْتُلَنَّكَ. وَلأُرِيحَنَّ الأُمَّةَ مِنْكَ. قَالَ: مَا هَذَا جَزَائِي مِنْكَ! قُلْتُ: وَمَا جَزَاؤُكَ مِنِّي يَا عَدُوَّ اللَّهِ؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَبْغَضَكَ أَحَدٌ قَطُّ إِلا شَارَكْتُ أَبَاهُ فِي رَحِمِ أُمِّهِ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الأُشْنَانِيِّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّخَعِيِّ وَهُوَ إِسْحَاقُ الأَحْمَرُ، وَكَانَ مِنَ الْغُلاةِ، وَإِلَيْهِ تُنْسَبُ الطَّائِفَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِالإِسْحَاقِيَّةِ، وَهِيَ ممن يعتقد فِي عَلِيٍّ الإِلَهِيَّةِ، وَأَحْسَبُ الْقِصَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ سُرِقَتْ مِنْ هاهنا وَرُكِّبَتْ عَلَى ذَلِكَ الإِسْنَادِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
أَخْبَرَنِي الأزهريّ حدّثنا المعافي بن زكريا الجريري حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَزْيَدِ بْنِ أَبِي الأَزْهَرِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ الطُّوسِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عن جده عن جابر بن عبد الله قال: وأنبأنا مرة أخرى عن أبيه عن
جَابِرٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يفحج بين فخدي الْحُسَيْنِ وَيُقَبِّلُ زَبِيبَتَهُ وَيَقُولُ:
«لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَكَ» قَالَ جَابِرٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ قَاتِلُهُ؟ قَالَ: «رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي يُبْغِضُ عِتْرَتِي لا يَنَالُهُ شَفَاعَتِي، كَأَنِّي بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَطْبَاقِ النِّيرَانِ يَرْسَبُ تَارَةً وَيَطْفُو أُخْرَى، وَأَنَّ جَوْفَهُ ليقول عق عق »
. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا مَوْضُوعٌ إِسْنَادًا وَمَتْنًا، وَلا أُبْعِدُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ أَبِي الأَزْهَرِ وَضَعَهُ وَرَوَاهُ عَنْ قَابُوسَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ جَابِرٍ، ثُمَّ عَرِفَ اسْتِحَالَةَ هَذِه الرِّوَايَةِ فَرَوَاهُ بعد ونقص عنه عن جده، وذلك أن أبا ظبيان [رأى] سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ وَسَمِعَ مِنْهُ وَسَمِعَ مِنْ [عَلِيِّ بْنِ] أَبِي طَالِبٍ أَيْضًا. واسم أبي ظبيان حصين بن جندب وجندب أبوه لا يُعْرَفُ، أكان مسلما أو كافرا؟ فضلا عن أن يكون روى شيئا، ولكن في الحديث الذي ذكرناه عنه فساد آخر لم يقف واضعه عليه فيغيره. وهو استحالة رواية سعيد بن عامر عن قابوس، وذلك أن سعيدا بصري وقابوسا كوفي ولم يجتمعا قط، بل لم يدرك سعيد قابوسا! وكان قابوس قديما روى عنه سفيان الثوري وكبراء الكوفيين، ومن آخر من أدركه جرير بن عبد الحميد. وليس لسعيد بن عامر رواية إلا عن البصريين خاصة، والله أعلم.
حَدَّثَنِي الحسين بن علي الصيمري عَنْ مُحَمَّد بن عمران المرزباني. قَالَ: توفي أبو بكر محمد بن أبي الأزهر في شهر ربيع الأخر سنة خمس وعشرين وثلاثمائة، وكذبه أصحاب الحديث. قَالَ محمد بن عمران، أنا أقول: وكان كذابا قبيح الكذب ظاهره.
ذكر من اسمه محمد واسم أبيه مروان
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=112492&book=5528#e0a56f
محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع دمشقي فيه ضعف وصفه بالتدليس بن حبان.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=112492&book=5528#1bda03
محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع ذكر ابن حبان أنه روى حديث مقتل عثمان عن ابن أبي ذئب قال: ولم يسمعه منه، إنما سمعه من إسماعيل بن يحيى أحد الضعفاء عنه فدلس وكذلك قال صالح بن محمد وغيره.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=112492&book=5528#8280ee
مُحَمد بْن عيسى بْن القاسم بْن سميع الدمشقي القرشي، يُكَنَّى أبا سفيان.
حَدَّثَنَا إبراهيم بْن عَبد الواحد العبسي، حَدَّثَنا جدي الهيثم بْن مروان بْن الهيثم بْن عمران، أَخْبَرنا مُحَمد بْن قاسم بْن عيسى بْن سميع أَبُو سفيان القرشي الدمشقي.
حَدَّثَنَا الجنيدي، حَدَّثَنا البُخارِيّ قال مُحَمد بْن عيسى بْن القاسم الشامي، عنِ ابن أَبِي ذئب، عنِ الزُّهْريّ عن سَعِيد فِي مقتل عثمان سمع مِنْهُ هشام بْن عمار يقال إنه لم يسمع هذا الحديث من بن أَبِي ذئب.
سمعت عبدان يقول: سَمعتُ ابن أَبِي سميع يقول لم يسمع أَبِي حديث مقتل عثمان من بْن أَبِي ذئب إنما هُوَ فِي كتاب أَبِي عن قاص.
حَدَّثَنَا أَبُو العلاء الكوفي، وَمُحمد بْن العباس بْن الوليد، قَالا: حَدَّثَنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَحَدَّثنا الْفَضْلُ بْنُ عَبد اللَّهِ بن مخلد، حَدَّثَنا هَارُونُ بْنُ مُحَمد بْنِ بَكَّارٍ بن بلال، قالا: حَدَّثَنا مُحَمد بْن عِيسَى بْن سميع أَبُو سفيان القرشي، عنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عنِ الزُّهْريّ قلت لسعيد بْن المُسَيَّب هل أنت مخبري كيف كَانَ قتل عثمان وما كَانَ شأن الناس وشأنه وخذله أصحاب مُحَمد عَلَيْهِ السَّلامُ فقال لي قتل عثمان مظلوما، ومَنْ قتله كَانَ ظالما، ومَنْ خذله كَانَ معذورا فذكراه بطوله.
حَدَّثَنَا مُحَمد بْنُ بِشْرِ بن يوسف، حَدَّثَنا هَارُونُ بْنُ مُحَمد بْنِ بَكَّارٍ بن بلال، حَدَّثَنا مُحَمد بْن عِيسَى بْن سميع، حَدَّثَنا عُبَيد اللَّهِ بْنُ عُمَر بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمد، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالب، أَن النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ أَحْلَفَ طَالِبَ الْحَقِّ مع الشاهد
قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا عَنْ عُبَيد اللَّهِ بْنِ عُمَر لا يَرْوِيهِ غير بن سُمَيْعٍ عَنْهُ وَلابْنِ سُمَيْعٍ أَحَادِيثُ حِسَانٌ عَنْ عُبَيد اللَّهِ وَعَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الثِّقَاتِ، وَهو حَسَنُ الْحَدِيثِ وَالَّذِي أَنْكَرَ عَلَيْهِ حَدِيثَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ أنه لم يسمعه من بن أَبِي ذِئْبٍ.
حَدَّثَنَا إبراهيم بْن عَبد الواحد العبسي، حَدَّثَنا جدي الهيثم بْن مروان بْن الهيثم بْن عمران، أَخْبَرنا مُحَمد بْن قاسم بْن عيسى بْن سميع أَبُو سفيان القرشي الدمشقي.
حَدَّثَنَا الجنيدي، حَدَّثَنا البُخارِيّ قال مُحَمد بْن عيسى بْن القاسم الشامي، عنِ ابن أَبِي ذئب، عنِ الزُّهْريّ عن سَعِيد فِي مقتل عثمان سمع مِنْهُ هشام بْن عمار يقال إنه لم يسمع هذا الحديث من بن أَبِي ذئب.
سمعت عبدان يقول: سَمعتُ ابن أَبِي سميع يقول لم يسمع أَبِي حديث مقتل عثمان من بْن أَبِي ذئب إنما هُوَ فِي كتاب أَبِي عن قاص.
حَدَّثَنَا أَبُو العلاء الكوفي، وَمُحمد بْن العباس بْن الوليد، قَالا: حَدَّثَنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَحَدَّثنا الْفَضْلُ بْنُ عَبد اللَّهِ بن مخلد، حَدَّثَنا هَارُونُ بْنُ مُحَمد بْنِ بَكَّارٍ بن بلال، قالا: حَدَّثَنا مُحَمد بْن عِيسَى بْن سميع أَبُو سفيان القرشي، عنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عنِ الزُّهْريّ قلت لسعيد بْن المُسَيَّب هل أنت مخبري كيف كَانَ قتل عثمان وما كَانَ شأن الناس وشأنه وخذله أصحاب مُحَمد عَلَيْهِ السَّلامُ فقال لي قتل عثمان مظلوما، ومَنْ قتله كَانَ ظالما، ومَنْ خذله كَانَ معذورا فذكراه بطوله.
حَدَّثَنَا مُحَمد بْنُ بِشْرِ بن يوسف، حَدَّثَنا هَارُونُ بْنُ مُحَمد بْنِ بَكَّارٍ بن بلال، حَدَّثَنا مُحَمد بْن عِيسَى بْن سميع، حَدَّثَنا عُبَيد اللَّهِ بْنُ عُمَر بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمد، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالب، أَن النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ أَحْلَفَ طَالِبَ الْحَقِّ مع الشاهد
قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا عَنْ عُبَيد اللَّهِ بْنِ عُمَر لا يَرْوِيهِ غير بن سُمَيْعٍ عَنْهُ وَلابْنِ سُمَيْعٍ أَحَادِيثُ حِسَانٌ عَنْ عُبَيد اللَّهِ وَعَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الثِّقَاتِ، وَهو حَسَنُ الْحَدِيثِ وَالَّذِي أَنْكَرَ عَلَيْهِ حَدِيثَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ أنه لم يسمعه من بن أَبِي ذِئْبٍ.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=97003&book=5528#9c1b28
محمد بن بشير أبو جعفر الواعظ روى عن عبد الله بن المبارك ويحيى بن يمان وابن السماك وابى حفص الابار وعبد الرحمن بن محمد المحاربي واسمعيل ابن علية وسفيان بن عيينة روى عنه محمد بن يحيى بن عمر الواسطي وقال كتبت عنه مع محمد بن الحسين البرجلانى وروى عمار بن رجاء الاستراباذى فقال حدثنا محمد بن بشير بن عطاء بن مروان الكندى عن الوليد بن عبيد الله عن الزهري قال لا يوجد الحافظ الا في كل اربعين سنة مرة ولا ادرى محمد بن بشير هذا هو
الواعظ أو غيره باب من روى عنه العلم ممن يسمى محمد أو اسم ابيه بكار - محمد بن بكار بن بلال قاضى دمشق روى عن سعيد بن عبد العزيز وموسى بن علي بن رباح وسعيد بن بشير روى عنه محمد بن ابى عتاب الاعين وابراهيم بن المستمر وابنه هارون وميمون بن الاصبغ، سمعت أبي يقول ذلك، قال
أبو محمد روى عنه أبو زرعة الدمشقي والمنذر بن شاذان كتب عنه ابى بمكة سنة خمس عشرة ومائتين وروى عنه، نا عبد الرحمن قال سئل أبي عنه فقال صدوق.
الواعظ أو غيره باب من روى عنه العلم ممن يسمى محمد أو اسم ابيه بكار - محمد بن بكار بن بلال قاضى دمشق روى عن سعيد بن عبد العزيز وموسى بن علي بن رباح وسعيد بن بشير روى عنه محمد بن ابى عتاب الاعين وابراهيم بن المستمر وابنه هارون وميمون بن الاصبغ، سمعت أبي يقول ذلك، قال
أبو محمد روى عنه أبو زرعة الدمشقي والمنذر بن شاذان كتب عنه ابى بمكة سنة خمس عشرة ومائتين وروى عنه، نا عبد الرحمن قال سئل أبي عنه فقال صدوق.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=129401&book=5528#88b488
محمد بن الحسن بن سعيد، أبو جعفر الأصبهاني :
سكن بغداد، وحدث بها عن بكر بن بكار، ومحمد بن بكير الحضرمي. روى عنه محمد بن خلف وكيع، ويحيى بن محمد بن صاعد، ومحمد بن مخلد، ومحمّد ابن جعفر المطيري، وأبو الحسين بن المنادي. وكان ثقة.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى بْنِ هَارُونَ بْنِ الصَّلْتِ قال نا محمّد بن مخلد العطّار قال نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سَعِيدٍ الأَصْبَهَانِيُّ قَالَ نا بكر بن بكار قال نا حمزة الزّيّات قال نا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ: الم تَنْزِيلُ
السَّجْدَةِ، وهَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ.
وَقَالَ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ قال نبأنا أَبُو فَرْوَةَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
سكن بغداد، وحدث بها عن بكر بن بكار، ومحمد بن بكير الحضرمي. روى عنه محمد بن خلف وكيع، ويحيى بن محمد بن صاعد، ومحمد بن مخلد، ومحمّد ابن جعفر المطيري، وأبو الحسين بن المنادي. وكان ثقة.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى بْنِ هَارُونَ بْنِ الصَّلْتِ قال نا محمّد بن مخلد العطّار قال نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سَعِيدٍ الأَصْبَهَانِيُّ قَالَ نا بكر بن بكار قال نا حمزة الزّيّات قال نا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ: الم تَنْزِيلُ
السَّجْدَةِ، وهَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ.
وَقَالَ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ قال نبأنا أَبُو فَرْوَةَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=69656&book=5528#1e4423
- ومحمد بن عمر بن واقد. يكنى أبا عبد الله. مات سنة سبع ومائتين.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=69656&book=5528#9d87de
محمد بن عمر بن واقد
أبو عبد الله الأسلمي مولاهم، المدني، المعروف بالواقدي، صاحب المغازي حدث عن أبي بكر بن إسماعيل بن محمد، بسنده إلى سعد قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيف العاص بن منبه يوم بدرٍ فأعطانيه، ونزلت في " يسألونك عن الأنفال ".
وحدث عن معمر، بسنده إلى أم سلمة، أنها كانت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي وميمونة، قالت: فبينا نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه وذلك بعد أن أمر بالحجاب فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احتجبا منه " قلنا: يا رسول الله: أليس هو أعمى لا يبصر ولا يعرفنا؟ قال: " أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟ " زاد في حديثٍ غيره: فجاء بشيءٍ لا حيلة فيه.
وكان أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد مولى لبني سهم من أسلم وكان نزل بغداد وولي القضاء لعبد الله بن هارون أمير المؤمنين بعسكر المهدي؛ وكان عالماً بالمغازي والسيرة والفتوح وباختلاف الناس في الحديث والأحكام واجتماعهم على ما اجتمعوا عليه.
وولد سنة ثلاثين ومئة.
وجرحه قومٌ ووثقه آخرون، وكان جواداً كريماً مشهوراً بالسخاء، وهو ممن طبق شرق الأرض وغربها ذكره، ولم يخف على أحدٍ، عرف أخيار الناس أمره، وسارت الركبان بكتبه في فنون العلم من المغازي والسير والطبقات وأخبار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأحداث التي كانت في وقته، وبعد وفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكتب الفقه واختلاف الناس في الحديث وغير ذلك.
كان الواقدي يقول: ما من أحدٍ إلا وكتبه أكثر من حفظه وحفظي أكثر من كتبي.
ولما انتقل الواقدي من جانب الغربي حمل كتبه على عشرين ومئة وقرٍ.
قال المأمون للواقدي: أريد أن تصلي الجمعة غداً بالناس؛ فامتنع؛ قال: لا بد من ذلك؛ قال: يا أمير المؤمنين ما أحفظ سورة الجمعة، قال: فأنا أحفظك، قال: فافعل؛ فجعل المأمون يلقنه سورة الجمعة حتى يبلغ النصف منها فإذا ابتدأ في النصف الثاني نسي الأول؛ فأتعب المأمون ونعس، فقال لعلي بن صالح: يا علي حفظه أنت قال علي: ففعلت ونام المأمون، فجعلت أحفظه النصف الأول فإذا حفظته النصف الثاني نسي الأول، فاستيقظ المأمون فقال لي: ما فعلت؟ فأخبرته؛ فقال: هذا رجل يحفظ التأويل ولا يحفظ التنزيل، اذهب فصل بهم واقرأ أي سورةٍ شئت.
قال غسان: صليت خلف الواقدي صلاة الجمعة فقرأ: " إن هذا لفي الصحف الأولى " صحف عيسى وموسى.
سئل مالك بن أنس عن المرأة التي سمت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر ما فعل بها؟ فقال: ليس عندي بها علم، وسأسأل أهل العلم، فلقي الواقدي فقال: يا أبا عبد الله ما فعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمرأة التي سمته بخيبر؟ فقال: الذي عندنا أنه قتلها؛ فقال مالك: قد سألت أهل العلم فأخبروني أنه قتلها.
قال الواقدي: كنت حناطاً بالمدينة في يدي مئة ألف درهم للناس أضارب بها، فتلفت الدراهم فشخصت إلى العراق، فقصدت يحيى بن خالد، فجلست في دهليزه وآنست الخدم والحجاب، وسألتهم أن يوصلوني إليه فقالوا: إذا قدم الطعام إليه لم يحجب عنه أحد، ونحن ندخلك إليه ذلك الوقت؛ فلما حضر طعامه أدخلوني فأجلسوني معه على المائدة فسألني: من أنت؟ وما قصتك؟ فأخبرته؛ فلما رفع الطعام وغسلنا أيدينا دنوت منه لأقبل رأسه فاشمأز من ذلك فلما صرت إلى الموضع الذي يركب منه لحقني خادمٌ معه كيسٌ فيه ألف دينار فقال: الوزير يقرأ عليك السلام، ويقول لك: استعن بهذا على أمرك، وعد إلينا في غدٍ، فأخذته وعدت في اليوم الثاني فجلست معه على المائدة، وأنشأ يسائلني كما سألني في اليوم الأول فلما رفع الطعام دنوت منه لأقبل رأسه فاشمأز مني؛ فلما صرت إلى الموضع الذي يركب منه لحقني خادمٌ معه كيسٌ فيه ألف دينارٍ فقال: الوزير يقرأ عليك السلام ويقول: استعن بهذا على أمرك وعد إلينا في غدٍ؛ فأخذته وانصرفت وعدت ف اليوم الثالث، فأعطيت مثلما أعطيت في اليوم الأول والثاني؛ فلما كان في اليوم الرابع أعطيت الكيس كما أعطيت قبل ذلك وتركني بعد ذلك أقبل رأسه وقال: إنما منعتك ذلك لأنه لم يكن وصل إليك من معروفي ما يوجب هذا فالآن قد لحقك بعض النفع مني، يا غلام أعطه الدار الفلانية، يا غلام افرش له الفرش الفلاني،
يا غلام أعطه مئتي ألف درهم يقض دينه بمئة ألف ويصلح شأنه بمئة ألف، ثم قال لي: الزمني وكن في داري؛ فقلت: أعز الله الوزير لو أذنت لي بالشخوص إلى المدينة لأقضي الناس أموالهم ثم أعود إلى حضرتك كان ذلك أرفق بي؛ فقال: قد فعلت؛ وأمر بتجهيزي فشخصت إلى المدينة فقضيت ديني ثم رجعت إليه، فلم أزل في ناحيته.
قال الواقدي: حج الرشيد هارون فورد المدينة فقال ليحيى بن خالد: ارتد لي رجلاً عارفاً بالمدينة والمشاهد وكيف كان نزول جبريل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن أي وجهٍ كان يأتيه، وقبور الشهداء؛ فسأل يحيى بن خالد فكل دله علي، فبعث إلي فأتيته فقال لي: إن أمير المؤمنين يصلي العشاء الآخرة في المسجد وامض معنا إلى هذه المشاهد فتوقفنا عليها والموضع الذي يأتي جبريل.
فلما صليت العشاء الآخرة وإذا برجلين على حمارين فقال يحيى: أين الرجل؟ فأتيت به إلى دون المسجد فقلت: هذا الوضع الذي كان جبريل عليه السلام يأتيه؛ فنزلا فصليا ركعتين ودعوا الله ساعةً، وركبا وأنا بين أيديهما، فلم أدع موضعاً من المواضع ولا مشهداً من المشاهد إلا مررت بهما عليه، فجعلا يصليان ويجتهدان في الدعاء فوافينا المسجد وقد طلع الفجر وأذن المؤذن؛ فلما صارا إلى القصر قال لي يحيى: لا تبرح؛ فصليت الغداة في المسجد وهو على الرحلة إلى مكة فأذن لي يحيى بن خالد عليه بعد أن أصبحت، فأدنى مجلسي فقال لي: إن أمير المؤمنين لم يزل باكياً وقد أعجبه ما دللته عليه، وقد أمر لك بعشرة آلاف درهم؛ فدفعت إلي وقال: نحن على الرحلة اليوم ولا عليك أن تلقانا حيث كنا واستقرت بنا الدار إن شاء الله.
ورحل أمير المؤمنين وأتيت منزلي ومعي المال فقضينا منه ديناً واتسعنا، ثم إن الدهر أعضنا فقالت لي أم عبد الله: يا أبا عبد الله ما قعودك وهذا وزير أمير المؤمنين قد عرفك وسألك أن تصير إليه حيث استقر فرحلت من المدينة وأنا أظن القوم بالعراق فأتيت العراق فقالوا لي: أمير المؤمنين بالرقة فأردت الانصراف إلى المدينة ثم علمت أني بالمدينة
مختل الحال فعزمت على الرقة، فصرت إلى موضع الكراء فإذا عدة فتيان من الجند يريدون الرقة، فنظرنا في كراء الجمالين فإذا هو يصعب علينا فقالوا: هل لك أن تصير إلى السفن فهو أرفق بنا وأيسر من كراء الجمل؟ فقلت لهم: ما أعرف من هذا شيئاً والأمر إليكم؛ فصرنا إلى السفن فاكترينا، فما رأيت أحداً أبر في منهم، يتكلفون من حديثي وطعامي ما يتكلف الولد من والده حتى صرنا إلى موضع الجواز بالرقة وكان الجواز صعباً، فكتبوا إلى قائدهم بعدادهم وأدخلوني معهم فجزت مع القوم فصرت إلى موضعٍ لهم في خانٍ نزول، فأقمت معهم أياماً وطلبت الإذن على يحيى بن خالد فصعب علي، فأتيت أبا البختري وهو بي عارفٌ، فلقيته فقال لي: يا أبا عبد الله أخطأت على نفسك وغررت ولكني لست أدع أن أذكرك له؛ وكنت أغدو إلى بابه وأروح فقلت نفقتي واستحييت من رفقائي وتخرقت ثيابي وأتيت من ناحية أبي البختري، ولم أخبر رفقائي بشيءٍ، فخرجت منصرفاً إلى المدينة فمرةً أنا في سفينة ومرةً أمشي حتى وردت السيلحين وإذا بقافلةٍ من بغداد من أهل مدينة الرسول، وأخبروني أن صاحبهم بكار الزبيري أخرجه أمير المؤمنين ليوليه قضاء المدينة، والزبيري أصدق الناس لي، فأتيته بعد أن استراح وفرغ من غدائه، فقال لي: ماذا صنعت في غيبتك؟ فأخبرته بخبري وخبر أبي البختري، فقال: أما علمت أن أبا البختري لا يحب أن يذكرك لأحدٍ ولا ينبه باسمك فما الرأي؟ فقلت: أصير إلى المدينة؛ فقال: هذا رأيٌ خطأ، خرجت من المدينة على ما علمت، ولكن الرأي أن تصير معي فأنا الذاكر ليحيى أمرك؛ فركبت معهم إلى الرقة ودخلت على أصحابي فكأني وقعت عليهم من السماء، وقالوا: قد كنا في غم من أمرك؛ فخبرتهم خبري فأشاروا علي بلزوم الزبيري، وقالوا: هذا طعامك وشرابك، لا تهتم له، فغدوت إلى الزبيري إلى باب يحيى بن خالد فإذا هو قد خرج؛ فقال: أنسيت أمرك ولكن قف حتى أعود إليه، فدخل ثم خرج إلي الحاجب فدخلت عليه في حالٍ خسيسةٍ، وذلك في رمضان وقد بقي منه ثلاثة أو أربعة أيامٍ، فلما رآني يحيى على تلك الحال رأيت أثر الغم في وجهه، فسلم علي وأدنى مجلسي، وعنده قومٌ يجاذبونه فجعل
يذاكرني الحديث بعد الحديث فانقطعت عن إجابته وجعلت أجيء بالشيء ليس بالموافق لما يسأل، وجعل القوم يجيبون بأحسن الجواب، وأنا ساكتٌ، فلما خرج القوم خرجت فإذا خادم ليحيى خرج فقال لي: إن الوزير يأمرك أن تفطر عنده العشية؛ فلما صرت إلى أصحابي خبرتهم بالقصة وقلت: أخاف أن يكون غلط بي؛ فقال لي بعضهم: هذا رغيفين وقطعة جبن وهذه دابتي تركب إليه فإن أذن لك الحاجب دخلت ودفعت ما معك إلى الغلام، وإن تكن الأخرى صرت إلى بعض المساجد فأكلت ما معك وشربت من ماء المسجد؛ فانصرفت فوصلت إلى باب يحيى وقد صلى الناس المغرب؛ فلما رآني الحاجب قال: أبطأت وقد خرج الرسول في طلبك غير مرة؛ فدفعت ما كان معي إلى الغلام وأمرته بالمقام، فدخلت فقعدت، وقدم الوضوء فتوضأنا وكنا أقرب القوم إليه، فأفطرنا وصلينا العشاء الآخرة، ثم أخذنا مجالسنا فجعل يحيى يسائلني، وأنا منقطعٌ والقوم يجيبون بأشياء هي عندي على خلاف ما يجيبون؛ فلما ذهب الليل خرج القوم وخرجت فإذا غلامٌ لحقني فقال: إن الوزير يأمرك أن تصير إليه قابلةً قبل الوقت الذي جئت فيه يومك هذا؛ وناولني كيساً ما أدري ما فيه إلا أنه ملأني سروراً، فركبت ومعي الحاجب حتى صيرني إلى أصحابي، فدخلت عليهم وفتحت الكيس وإذا دنانير، فقالوا لي: ما كان رده عليك؟ فقلت: إن الغلام أمرني أن أوافيه قبل الوقت الذي كان في ليلتي هذه؛ وعددت الدنانير فإذا خمس مئة دينارٍ؛ فقال بعضهم: علي شراء دابتك، وقال آخر: علي السرج واللجام وما يصلحه، وقال آخر: علي حمامك وخضاب لحيتك وطيبك، وقال آخر: علي شراء كسوتك؛ وعددت مئة دينار فدفعتها إلى صاحب نفقتهم، فحلف القوم بأجمعهم أنهم لا يرزؤوني ديناراً ولا درهماُ، وما صليت الظهر إلا وأنا من أنبل
الناس، وحملت باقي الكيس إلى الزبيري، فلما رآني سر سروراً شديداً ثم أخبرته الخبر فقال: إني سأحضر إلى المدينة، فقلت: إني خلفت العيال على ما علمت، فدفعت إليه مئتي دينارٍ يوصلها إلى العيال، ثم صليت العصر وتهيأت بأحسن هيئةٍ، ثم صرت إلى باب يحيى بن خالد فأذن لي، فدخلت فلما رآني في تلك الحال نظرت إلى
السرور في وجهه، فجلست في مجلسي وابتدأت في الحديث الذي كان يذاكرني به والجواب فيه وكان الجواب على غير ما كان يجيب به القوم، فنظرت إلى القوم وتعظيمهم لي وأقبل يحيى يسألني وأجيب فيما يسألني والقوم سكوتٌ وأحضر الطعام فتعشينا، ثم صلى يحيى بنا العشاء الآخرة وأخذنا مجالسنا، فلم نزل في مذاكرةٍ، وجعل يحيى يسأل بعض القوم فينقطع، فلما انصرفنا إذا بالرسول لحقني فقال: إن الوزير يأمرك أن تصير إليه كل يومٍ في الوقت الذي جئت فيه يومك هذا؛ وناولني كيساً فانصرفت ومعي رسول الحاجب حتى صرت إلى أصحابي، ودفعت الكيس إلى القوم فكانوا به أشد سروراً مني؛ فلما كان الغد قلت لهم: أعدوا لي منزلاً بالقرب واشتروا لي جاريةً وغلاماً وأثاثاً ومتاعاً؛ فأعدوا لي ذلك، وسألتهم الإفطار عندي فأجابوا إلى ذلك بعد صعوبةٍ شديدةٍ، فلم أزل آتي يحيى بن خالد كل ليلةٍ في الوقت كلما رآني زاد سروراً، ولم يزل يدفع إلي في كل ليلة خمس مئة دينار حتى كان ليلة العيد فقال لي: يا أبا عبد الله تزين غداً لأمير المؤمنين بأحسن زي من زي القضاة، واعرض له وإنه سيسلني عنك وأخبره؛ فخرجت في أحسن زي وخرج أمير المؤمنين إلى المصلى فلحظني ولم أزل في الموكب، فلما كان بعد انصرافه صرت إلى باب يحيى فقال: ادخل بنا؛ فدخلنا فقال: ما زال أمير المؤمنين يسألني عنك فأخبرته بخبر حجنا وإنك الرجل الذي سايرته تلك الليلة، وأمر لك بثلاثين ألف درهم؛ ثم أصبحت من الغد فدخلت إلى يحيى بن خالد فقلت: اشتد الشوق إلى العيال والصبيان؛ فقال: لا تفعل؛ فلم أزل أنازله حتى أذن لي واستخرج لي الثلاثين ألف درهم، وهيئت لي حراقة بجميع ما فيها، وأمر أن يشتري لي من طرائف الشام لأحملها معي إلى المدينة، وأمر وكيله أن يكتري لي إلى المدينة لا أكلف نفقة دينارٍ ولا درهم، فصرت إلى أصحابي فأخبرتهم الخبر وأردت صلتهم فحلفوا أن لا يرزؤوني شيئاً، فما رأيت مثل أخلاق القوم؛ فكيف ألام على حبي ليحيى بن خالد؟.الناس، وحملت باقي الكيس إلى الزبيري، فلما رآني سر سروراً شديداً ثم أخبرته الخبر فقال: إني سأحضر إلى المدينة، فقلت: إني خلفت العيال على ما علمت، فدفعت إليه مئتي دينارٍ يوصلها إلى العيال، ثم صليت العصر وتهيأت بأحسن هيئةٍ، ثم صرت إلى باب يحيى بن خالد فأذن لي، فدخلت فلما رآني في تلك الحال نظرت إلى السرور في وجهه، فجلست في مجلسي وابتدأت في الحديث الذي كان يذاكرني به والجواب فيه وكان الجواب على غير ما كان يجيب به القوم، فنظرت إلى القوم وتعظيمهم لي وأقبل يحيى يسألني وأجيب فيما يسألني والقوم سكوتٌ وأحضر الطعام فتعشينا، ثم صلى يحيى بنا العشاء الآخرة وأخذنا مجالسنا، فلم نزل في مذاكرةٍ، وجعل يحيى يسأل بعض القوم فينقطع، فلما انصرفنا إذا بالرسول لحقني فقال: إن الوزير يأمرك أن تصير إليه كل يومٍ في الوقت الذي جئت فيه يومك هذا؛ وناولني كيساً فانصرفت ومعي رسول الحاجب حتى صرت إلى أصحابي، ودفعت الكيس إلى القوم فكانوا به أشد سروراً مني؛ فلما كان الغد قلت لهم: أعدوا لي منزلاً بالقرب واشتروا لي جاريةً وغلاماً وأثاثاً ومتاعاً؛ فأعدوا لي ذلك، وسألتهم الإفطار عندي فأجابوا إلى ذلك بعد صعوبةٍ شديدةٍ، فلم أزل آتي يحيى بن خالد كل ليلةٍ في الوقت كلما رآني زاد سروراً، ولم يزل يدفع إلي في كل ليلة خمس مئة دينار حتى كان ليلة العيد فقال لي: يا أبا عبد الله تزين غداً لأمير المؤمنين بأحسن زي من زي القضاة، واعرض له وإنه سيسلني عنك وأخبره؛ فخرجت في أحسن زي وخرج أمير المؤمنين إلى المصلى فلحظني ولم أزل في الموكب، فلما كان بعد انصرافه صرت إلى باب يحيى فقال: ادخل بنا؛ فدخلنا فقال: ما زال أمير المؤمنين يسألني عنك فأخبرته بخبر حجنا وإنك الرجل الذي سايرته تلك الليلة، وأمر لك بثلاثين ألف درهم؛ ثم أصبحت من الغد فدخلت إلى يحيى بن خالد فقلت: اشتد الشوق إلى العيال والصبيان؛ فقال: لا تفعل؛ فلم أزل أنازله حتى أذن لي واستخرج لي الثلاثين ألف درهم، وهيئت لي حراقة بجميع ما فيها، وأمر أن يشتري لي من طرائف الشام لأحملها معي إلى المدينة، وأمر وكيله أن يكتري لي إلى المدينة لا أكلف نفقة دينارٍ ولا درهم، فصرت إلى أصحابي فأخبرتهم الخبر وأردت صلتهم فحلفوا أن لا يرزؤوني شيئاً، فما رأيت مثل أخلاق القوم؛ فكيف ألام على حبي ليحيى بن خالد؟.
رفع الواقدي رقعةً إلى المأمون يذكر فيها كثرة الدين وقلة صبره عليه؛ فوقع
المأمون: أنت رجلٌ فيك خلتان: الحياء والسخاء، فالسخاء أطلق ما في يديك والحياء منعك من إبلاغنا ما كنت فيه، وقد أمرت لك بمئة ألف درهم فإن كنت أصبت إرادتك فازدد في بسط يدك، وإن لم تصب إرادتك فبجنايتك على نفسك، فأنت كنت حدثتني إذ كنت على قضاء الرشيد بسندك إلى أنس بن مالك، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن مفاتيح أرزاق العباد بإزاء العرش، يبعث الله عز وجل إلى عباده على قدر نفقتهم، فمن قلل قلل له، ومن كثر كثر له، " قال الواقدي: وقد كنت أنسيت هذا الحديث فلما ذكره أمير المؤمنين كان أعجب إلي من الجائزة.
قال عبد الله بن عبيد الله: كنت عند الواقدي جالساً إذ ذكر يحيى بن خالد بن برمك؛ قال: فترحم عليه الواقدي فأكثر الترحم، فقلنا له: يا أبا عبد الله إنك لتكثر الترحم عليه قال: وكيف لا أكثر الترحم على رجلٍ أجزل عن حاله؛ كان قد بقي علي من شهر شعبان أقل من عشرة أيام، وما في المنزل دقيقٌ ولا سويق، فميزت ثلاثةً من إخواني في قلبي وقلت: أنزل بهم حاجتي؛ فدخلت على زوجتي أم عبد الله فقالت: ما وراءك وقد أصبحنا وليس في البيت عرضٌ من عروض الدنيا وقد ورد هذا الشهر؟ فقلت لها: قد ميزت ثلاثةً من إخواني أنزل بهم حاجتي؛ فقالت: مدنيون أم عراقيون؟ قلت: بعضٌ مدني ويعض عراقي؛ فقالت: اعرضهم علي، فقلت: فلان؛ فقالت: رجلٌ حسيبٌ ذو يسارٍ إلا أنه منان، لا أرى لك أن تأتيه، فسم الآخر قلت: فلان؛ قالت: رجلٌ حسيبٌ ذو مالٍ إلا أنه بخيلٌ، لا أرى لك أن تأتيه؛ فقلت: فلان؛ قالت: رجل كريمٌ حسيبٌ لا شيء عنده، ولا عليك أن تأتيه؛ قال: فأتيته، فرحب وقرب وقال: ما جاء بك؟ فأخبرته بورود الشهر وضيق الحال؛ ففكر ساعةً ثم قال: ارفع ثني الوساد فخذ ذلك الكيس؛ فإذا هي دراهم مكحلة، فأخذت الكيس وصرت إلى منزلي، فدعوت رجلاً يتولى قضاء حوائجي فأمليته حوائجي؛ فدق الباب فقالت الجارية: هذا فلان ابن فلان بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فأذنت له، وحبت به، وقلت له: يا ابن رسول الله، ما جاء بك؟ فقال: يا عم أخرجني ورود هذا الشهر وليس عندنا شيءٌ؛
ففكرت ساعةً ثم قلت له: ارفع ثني الوسادة فخذ الكيس؛ ثم قلت لصاحبي: اخرج فخرج؛ فد خلت أم عبد الله فأخبرتها الخبر فقالت لي: وفقت وأحسنت؛ ثم فكرت في صديقٍ لي بقرب المنزل فأتيته فسلمت عليه فرحب وقرب، وقال: ما جاء بك يا أبا عبد الله؟ فخبرته بورود الشهر وضيق الحال ففكر ساعةً ثم قال لي: ارفع ثني الوساد وخذ الكيس، فخذ نصفه وأعطنا نصفه؛ فإذا كيسي بعينه، فأخذت خمس مئة ودفعت إليه خمس مئة، وصرت إلى منزلي ودعوت الذي يتولى حوائجي فأمليته حوائجي، فدق الباب فقالت الجارية: هذا خادمٌ نبيلٌ، فدخل فإذا كتابٌ من يحيى بن خالد يسألني المصير إليه في وقته؛ فأتيت إليه فسلمت عليه فرحب وقرب، وقال: تدري لم دعوتك؟ فقلت: لا؛ قال: أسهرني ليلتي هذه أفكر في أمرك وورود هذا الشهر وما عندك؛ فقلت: إن قصتي تطول؛ فقال: إن القصة كلما طالت كان أشهى لها؛ فخبرته بحديث أم عبد الله وحديث إخواني الثلاثة، وخبرته بحديث الطالبي، وخبر أخي الثاني المواسي له بالكيس؛ فدعا بالدواة وكتب رقعةً إلى خازنه فإذا كيسٌ فيه خمس مئة دينارٍ؛ فقال: يا أبا عبد الله استعن بهذا على شهرك؛ ثم رفع رقعةً أخرى فإذا مئتا دينار فقال: هذه لأم عبد الله لجزالتها وحسن عقلها، ثم رفع رقعةً أخرى فإذا مئتا دينا فقال: هذه للمواسي لك، ثم رقع قصةً أخرى فإذا مئتا دينار فقال: هذه للطالبي، ثم قال: انهض في حفظ الله؛ فكيف ألام في حبي للبرامكة ويحيى بن خالد خاصة؟.
قال الواقدي:
ضقت مرةً وحضر عيدٌ فعرفت صديقاً لي تاجراً بحاجتي إلى القرض، فأخرج لي كيساً مختوماً فيه ألف دينار ومئتا درهم، فأخذته فما استقر عندي حتى جاءني صديقٌ لي هاشمي فشكى إلي تأخر غلته وحاجته إلى القرض، فدخلت إلى زوجتي وأخبرتها فقالت: على أي شيءٍ عزمت؟ قلت: أقاسمه الكيس؛ قالت: ما صنعت شيئاً أتيت رجلاً سوقةً فأعطاك ألفاً ومئتي درهم، وجاءك رجلٌ له من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحمٌ ماسة تعطيه نصف ما أعطاك السوقة؟ ما هذا بشيء، أعطه الكيس كله؛ فأخرجت الكيس فدفعته إليه
ومضى صديقي التاجر إلى الهاشمي فسأله القرض فأخرج الهاشمي إليه الكيس، فلما رأى خاتمة عرفه وانصرف إلي فخبرني بالأمر، وجاءني رسول يحيى بن خالد يقول: إنما تأخر رسولي عنك لشغلي بحاجات أمير المؤمنين؛ فركبت إليه فأخبرته خبر الكيس، فقال: يا غلام هات تلك الدنانير، فجاءه بعشرة آلاف دينار، فقال: خذ ألفي دينار لك، وألفين لصديقك التاجر، وألفين للهاشمي، وأربعة آلاف لزوجتك فإنها أكرمكم.
قال الواقدي: صار إلي من السلطان ست مئة ألف درهم ما وجبت علي فيها الزكاة.
قال عباس الدوري: مات الواقدي وهو على القضاء وليس به له كفن فبعث المأمون بأكفانه.
وتوفي الواقدي سنة ست ومئتين وقيل: سنة سبعٍ وله ثمانٍ وسبعون سنة، وهو على القضاء في الجانب الغربي ببغداد، ووصى إلي عبد الله بن هارون أمير المؤمنين فقبل وصيته وقضى دينه.
أبو عبد الله الأسلمي مولاهم، المدني، المعروف بالواقدي، صاحب المغازي حدث عن أبي بكر بن إسماعيل بن محمد، بسنده إلى سعد قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيف العاص بن منبه يوم بدرٍ فأعطانيه، ونزلت في " يسألونك عن الأنفال ".
وحدث عن معمر، بسنده إلى أم سلمة، أنها كانت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي وميمونة، قالت: فبينا نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه وذلك بعد أن أمر بالحجاب فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احتجبا منه " قلنا: يا رسول الله: أليس هو أعمى لا يبصر ولا يعرفنا؟ قال: " أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟ " زاد في حديثٍ غيره: فجاء بشيءٍ لا حيلة فيه.
وكان أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد مولى لبني سهم من أسلم وكان نزل بغداد وولي القضاء لعبد الله بن هارون أمير المؤمنين بعسكر المهدي؛ وكان عالماً بالمغازي والسيرة والفتوح وباختلاف الناس في الحديث والأحكام واجتماعهم على ما اجتمعوا عليه.
وولد سنة ثلاثين ومئة.
وجرحه قومٌ ووثقه آخرون، وكان جواداً كريماً مشهوراً بالسخاء، وهو ممن طبق شرق الأرض وغربها ذكره، ولم يخف على أحدٍ، عرف أخيار الناس أمره، وسارت الركبان بكتبه في فنون العلم من المغازي والسير والطبقات وأخبار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأحداث التي كانت في وقته، وبعد وفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكتب الفقه واختلاف الناس في الحديث وغير ذلك.
كان الواقدي يقول: ما من أحدٍ إلا وكتبه أكثر من حفظه وحفظي أكثر من كتبي.
ولما انتقل الواقدي من جانب الغربي حمل كتبه على عشرين ومئة وقرٍ.
قال المأمون للواقدي: أريد أن تصلي الجمعة غداً بالناس؛ فامتنع؛ قال: لا بد من ذلك؛ قال: يا أمير المؤمنين ما أحفظ سورة الجمعة، قال: فأنا أحفظك، قال: فافعل؛ فجعل المأمون يلقنه سورة الجمعة حتى يبلغ النصف منها فإذا ابتدأ في النصف الثاني نسي الأول؛ فأتعب المأمون ونعس، فقال لعلي بن صالح: يا علي حفظه أنت قال علي: ففعلت ونام المأمون، فجعلت أحفظه النصف الأول فإذا حفظته النصف الثاني نسي الأول، فاستيقظ المأمون فقال لي: ما فعلت؟ فأخبرته؛ فقال: هذا رجل يحفظ التأويل ولا يحفظ التنزيل، اذهب فصل بهم واقرأ أي سورةٍ شئت.
قال غسان: صليت خلف الواقدي صلاة الجمعة فقرأ: " إن هذا لفي الصحف الأولى " صحف عيسى وموسى.
سئل مالك بن أنس عن المرأة التي سمت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر ما فعل بها؟ فقال: ليس عندي بها علم، وسأسأل أهل العلم، فلقي الواقدي فقال: يا أبا عبد الله ما فعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمرأة التي سمته بخيبر؟ فقال: الذي عندنا أنه قتلها؛ فقال مالك: قد سألت أهل العلم فأخبروني أنه قتلها.
قال الواقدي: كنت حناطاً بالمدينة في يدي مئة ألف درهم للناس أضارب بها، فتلفت الدراهم فشخصت إلى العراق، فقصدت يحيى بن خالد، فجلست في دهليزه وآنست الخدم والحجاب، وسألتهم أن يوصلوني إليه فقالوا: إذا قدم الطعام إليه لم يحجب عنه أحد، ونحن ندخلك إليه ذلك الوقت؛ فلما حضر طعامه أدخلوني فأجلسوني معه على المائدة فسألني: من أنت؟ وما قصتك؟ فأخبرته؛ فلما رفع الطعام وغسلنا أيدينا دنوت منه لأقبل رأسه فاشمأز من ذلك فلما صرت إلى الموضع الذي يركب منه لحقني خادمٌ معه كيسٌ فيه ألف دينار فقال: الوزير يقرأ عليك السلام، ويقول لك: استعن بهذا على أمرك، وعد إلينا في غدٍ، فأخذته وعدت في اليوم الثاني فجلست معه على المائدة، وأنشأ يسائلني كما سألني في اليوم الأول فلما رفع الطعام دنوت منه لأقبل رأسه فاشمأز مني؛ فلما صرت إلى الموضع الذي يركب منه لحقني خادمٌ معه كيسٌ فيه ألف دينارٍ فقال: الوزير يقرأ عليك السلام ويقول: استعن بهذا على أمرك وعد إلينا في غدٍ؛ فأخذته وانصرفت وعدت ف اليوم الثالث، فأعطيت مثلما أعطيت في اليوم الأول والثاني؛ فلما كان في اليوم الرابع أعطيت الكيس كما أعطيت قبل ذلك وتركني بعد ذلك أقبل رأسه وقال: إنما منعتك ذلك لأنه لم يكن وصل إليك من معروفي ما يوجب هذا فالآن قد لحقك بعض النفع مني، يا غلام أعطه الدار الفلانية، يا غلام افرش له الفرش الفلاني،
يا غلام أعطه مئتي ألف درهم يقض دينه بمئة ألف ويصلح شأنه بمئة ألف، ثم قال لي: الزمني وكن في داري؛ فقلت: أعز الله الوزير لو أذنت لي بالشخوص إلى المدينة لأقضي الناس أموالهم ثم أعود إلى حضرتك كان ذلك أرفق بي؛ فقال: قد فعلت؛ وأمر بتجهيزي فشخصت إلى المدينة فقضيت ديني ثم رجعت إليه، فلم أزل في ناحيته.
قال الواقدي: حج الرشيد هارون فورد المدينة فقال ليحيى بن خالد: ارتد لي رجلاً عارفاً بالمدينة والمشاهد وكيف كان نزول جبريل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن أي وجهٍ كان يأتيه، وقبور الشهداء؛ فسأل يحيى بن خالد فكل دله علي، فبعث إلي فأتيته فقال لي: إن أمير المؤمنين يصلي العشاء الآخرة في المسجد وامض معنا إلى هذه المشاهد فتوقفنا عليها والموضع الذي يأتي جبريل.
فلما صليت العشاء الآخرة وإذا برجلين على حمارين فقال يحيى: أين الرجل؟ فأتيت به إلى دون المسجد فقلت: هذا الوضع الذي كان جبريل عليه السلام يأتيه؛ فنزلا فصليا ركعتين ودعوا الله ساعةً، وركبا وأنا بين أيديهما، فلم أدع موضعاً من المواضع ولا مشهداً من المشاهد إلا مررت بهما عليه، فجعلا يصليان ويجتهدان في الدعاء فوافينا المسجد وقد طلع الفجر وأذن المؤذن؛ فلما صارا إلى القصر قال لي يحيى: لا تبرح؛ فصليت الغداة في المسجد وهو على الرحلة إلى مكة فأذن لي يحيى بن خالد عليه بعد أن أصبحت، فأدنى مجلسي فقال لي: إن أمير المؤمنين لم يزل باكياً وقد أعجبه ما دللته عليه، وقد أمر لك بعشرة آلاف درهم؛ فدفعت إلي وقال: نحن على الرحلة اليوم ولا عليك أن تلقانا حيث كنا واستقرت بنا الدار إن شاء الله.
ورحل أمير المؤمنين وأتيت منزلي ومعي المال فقضينا منه ديناً واتسعنا، ثم إن الدهر أعضنا فقالت لي أم عبد الله: يا أبا عبد الله ما قعودك وهذا وزير أمير المؤمنين قد عرفك وسألك أن تصير إليه حيث استقر فرحلت من المدينة وأنا أظن القوم بالعراق فأتيت العراق فقالوا لي: أمير المؤمنين بالرقة فأردت الانصراف إلى المدينة ثم علمت أني بالمدينة
مختل الحال فعزمت على الرقة، فصرت إلى موضع الكراء فإذا عدة فتيان من الجند يريدون الرقة، فنظرنا في كراء الجمالين فإذا هو يصعب علينا فقالوا: هل لك أن تصير إلى السفن فهو أرفق بنا وأيسر من كراء الجمل؟ فقلت لهم: ما أعرف من هذا شيئاً والأمر إليكم؛ فصرنا إلى السفن فاكترينا، فما رأيت أحداً أبر في منهم، يتكلفون من حديثي وطعامي ما يتكلف الولد من والده حتى صرنا إلى موضع الجواز بالرقة وكان الجواز صعباً، فكتبوا إلى قائدهم بعدادهم وأدخلوني معهم فجزت مع القوم فصرت إلى موضعٍ لهم في خانٍ نزول، فأقمت معهم أياماً وطلبت الإذن على يحيى بن خالد فصعب علي، فأتيت أبا البختري وهو بي عارفٌ، فلقيته فقال لي: يا أبا عبد الله أخطأت على نفسك وغررت ولكني لست أدع أن أذكرك له؛ وكنت أغدو إلى بابه وأروح فقلت نفقتي واستحييت من رفقائي وتخرقت ثيابي وأتيت من ناحية أبي البختري، ولم أخبر رفقائي بشيءٍ، فخرجت منصرفاً إلى المدينة فمرةً أنا في سفينة ومرةً أمشي حتى وردت السيلحين وإذا بقافلةٍ من بغداد من أهل مدينة الرسول، وأخبروني أن صاحبهم بكار الزبيري أخرجه أمير المؤمنين ليوليه قضاء المدينة، والزبيري أصدق الناس لي، فأتيته بعد أن استراح وفرغ من غدائه، فقال لي: ماذا صنعت في غيبتك؟ فأخبرته بخبري وخبر أبي البختري، فقال: أما علمت أن أبا البختري لا يحب أن يذكرك لأحدٍ ولا ينبه باسمك فما الرأي؟ فقلت: أصير إلى المدينة؛ فقال: هذا رأيٌ خطأ، خرجت من المدينة على ما علمت، ولكن الرأي أن تصير معي فأنا الذاكر ليحيى أمرك؛ فركبت معهم إلى الرقة ودخلت على أصحابي فكأني وقعت عليهم من السماء، وقالوا: قد كنا في غم من أمرك؛ فخبرتهم خبري فأشاروا علي بلزوم الزبيري، وقالوا: هذا طعامك وشرابك، لا تهتم له، فغدوت إلى الزبيري إلى باب يحيى بن خالد فإذا هو قد خرج؛ فقال: أنسيت أمرك ولكن قف حتى أعود إليه، فدخل ثم خرج إلي الحاجب فدخلت عليه في حالٍ خسيسةٍ، وذلك في رمضان وقد بقي منه ثلاثة أو أربعة أيامٍ، فلما رآني يحيى على تلك الحال رأيت أثر الغم في وجهه، فسلم علي وأدنى مجلسي، وعنده قومٌ يجاذبونه فجعل
يذاكرني الحديث بعد الحديث فانقطعت عن إجابته وجعلت أجيء بالشيء ليس بالموافق لما يسأل، وجعل القوم يجيبون بأحسن الجواب، وأنا ساكتٌ، فلما خرج القوم خرجت فإذا خادم ليحيى خرج فقال لي: إن الوزير يأمرك أن تفطر عنده العشية؛ فلما صرت إلى أصحابي خبرتهم بالقصة وقلت: أخاف أن يكون غلط بي؛ فقال لي بعضهم: هذا رغيفين وقطعة جبن وهذه دابتي تركب إليه فإن أذن لك الحاجب دخلت ودفعت ما معك إلى الغلام، وإن تكن الأخرى صرت إلى بعض المساجد فأكلت ما معك وشربت من ماء المسجد؛ فانصرفت فوصلت إلى باب يحيى وقد صلى الناس المغرب؛ فلما رآني الحاجب قال: أبطأت وقد خرج الرسول في طلبك غير مرة؛ فدفعت ما كان معي إلى الغلام وأمرته بالمقام، فدخلت فقعدت، وقدم الوضوء فتوضأنا وكنا أقرب القوم إليه، فأفطرنا وصلينا العشاء الآخرة، ثم أخذنا مجالسنا فجعل يحيى يسائلني، وأنا منقطعٌ والقوم يجيبون بأشياء هي عندي على خلاف ما يجيبون؛ فلما ذهب الليل خرج القوم وخرجت فإذا غلامٌ لحقني فقال: إن الوزير يأمرك أن تصير إليه قابلةً قبل الوقت الذي جئت فيه يومك هذا؛ وناولني كيساً ما أدري ما فيه إلا أنه ملأني سروراً، فركبت ومعي الحاجب حتى صيرني إلى أصحابي، فدخلت عليهم وفتحت الكيس وإذا دنانير، فقالوا لي: ما كان رده عليك؟ فقلت: إن الغلام أمرني أن أوافيه قبل الوقت الذي كان في ليلتي هذه؛ وعددت الدنانير فإذا خمس مئة دينارٍ؛ فقال بعضهم: علي شراء دابتك، وقال آخر: علي السرج واللجام وما يصلحه، وقال آخر: علي حمامك وخضاب لحيتك وطيبك، وقال آخر: علي شراء كسوتك؛ وعددت مئة دينار فدفعتها إلى صاحب نفقتهم، فحلف القوم بأجمعهم أنهم لا يرزؤوني ديناراً ولا درهماُ، وما صليت الظهر إلا وأنا من أنبل
الناس، وحملت باقي الكيس إلى الزبيري، فلما رآني سر سروراً شديداً ثم أخبرته الخبر فقال: إني سأحضر إلى المدينة، فقلت: إني خلفت العيال على ما علمت، فدفعت إليه مئتي دينارٍ يوصلها إلى العيال، ثم صليت العصر وتهيأت بأحسن هيئةٍ، ثم صرت إلى باب يحيى بن خالد فأذن لي، فدخلت فلما رآني في تلك الحال نظرت إلى
السرور في وجهه، فجلست في مجلسي وابتدأت في الحديث الذي كان يذاكرني به والجواب فيه وكان الجواب على غير ما كان يجيب به القوم، فنظرت إلى القوم وتعظيمهم لي وأقبل يحيى يسألني وأجيب فيما يسألني والقوم سكوتٌ وأحضر الطعام فتعشينا، ثم صلى يحيى بنا العشاء الآخرة وأخذنا مجالسنا، فلم نزل في مذاكرةٍ، وجعل يحيى يسأل بعض القوم فينقطع، فلما انصرفنا إذا بالرسول لحقني فقال: إن الوزير يأمرك أن تصير إليه كل يومٍ في الوقت الذي جئت فيه يومك هذا؛ وناولني كيساً فانصرفت ومعي رسول الحاجب حتى صرت إلى أصحابي، ودفعت الكيس إلى القوم فكانوا به أشد سروراً مني؛ فلما كان الغد قلت لهم: أعدوا لي منزلاً بالقرب واشتروا لي جاريةً وغلاماً وأثاثاً ومتاعاً؛ فأعدوا لي ذلك، وسألتهم الإفطار عندي فأجابوا إلى ذلك بعد صعوبةٍ شديدةٍ، فلم أزل آتي يحيى بن خالد كل ليلةٍ في الوقت كلما رآني زاد سروراً، ولم يزل يدفع إلي في كل ليلة خمس مئة دينار حتى كان ليلة العيد فقال لي: يا أبا عبد الله تزين غداً لأمير المؤمنين بأحسن زي من زي القضاة، واعرض له وإنه سيسلني عنك وأخبره؛ فخرجت في أحسن زي وخرج أمير المؤمنين إلى المصلى فلحظني ولم أزل في الموكب، فلما كان بعد انصرافه صرت إلى باب يحيى فقال: ادخل بنا؛ فدخلنا فقال: ما زال أمير المؤمنين يسألني عنك فأخبرته بخبر حجنا وإنك الرجل الذي سايرته تلك الليلة، وأمر لك بثلاثين ألف درهم؛ ثم أصبحت من الغد فدخلت إلى يحيى بن خالد فقلت: اشتد الشوق إلى العيال والصبيان؛ فقال: لا تفعل؛ فلم أزل أنازله حتى أذن لي واستخرج لي الثلاثين ألف درهم، وهيئت لي حراقة بجميع ما فيها، وأمر أن يشتري لي من طرائف الشام لأحملها معي إلى المدينة، وأمر وكيله أن يكتري لي إلى المدينة لا أكلف نفقة دينارٍ ولا درهم، فصرت إلى أصحابي فأخبرتهم الخبر وأردت صلتهم فحلفوا أن لا يرزؤوني شيئاً، فما رأيت مثل أخلاق القوم؛ فكيف ألام على حبي ليحيى بن خالد؟.الناس، وحملت باقي الكيس إلى الزبيري، فلما رآني سر سروراً شديداً ثم أخبرته الخبر فقال: إني سأحضر إلى المدينة، فقلت: إني خلفت العيال على ما علمت، فدفعت إليه مئتي دينارٍ يوصلها إلى العيال، ثم صليت العصر وتهيأت بأحسن هيئةٍ، ثم صرت إلى باب يحيى بن خالد فأذن لي، فدخلت فلما رآني في تلك الحال نظرت إلى السرور في وجهه، فجلست في مجلسي وابتدأت في الحديث الذي كان يذاكرني به والجواب فيه وكان الجواب على غير ما كان يجيب به القوم، فنظرت إلى القوم وتعظيمهم لي وأقبل يحيى يسألني وأجيب فيما يسألني والقوم سكوتٌ وأحضر الطعام فتعشينا، ثم صلى يحيى بنا العشاء الآخرة وأخذنا مجالسنا، فلم نزل في مذاكرةٍ، وجعل يحيى يسأل بعض القوم فينقطع، فلما انصرفنا إذا بالرسول لحقني فقال: إن الوزير يأمرك أن تصير إليه كل يومٍ في الوقت الذي جئت فيه يومك هذا؛ وناولني كيساً فانصرفت ومعي رسول الحاجب حتى صرت إلى أصحابي، ودفعت الكيس إلى القوم فكانوا به أشد سروراً مني؛ فلما كان الغد قلت لهم: أعدوا لي منزلاً بالقرب واشتروا لي جاريةً وغلاماً وأثاثاً ومتاعاً؛ فأعدوا لي ذلك، وسألتهم الإفطار عندي فأجابوا إلى ذلك بعد صعوبةٍ شديدةٍ، فلم أزل آتي يحيى بن خالد كل ليلةٍ في الوقت كلما رآني زاد سروراً، ولم يزل يدفع إلي في كل ليلة خمس مئة دينار حتى كان ليلة العيد فقال لي: يا أبا عبد الله تزين غداً لأمير المؤمنين بأحسن زي من زي القضاة، واعرض له وإنه سيسلني عنك وأخبره؛ فخرجت في أحسن زي وخرج أمير المؤمنين إلى المصلى فلحظني ولم أزل في الموكب، فلما كان بعد انصرافه صرت إلى باب يحيى فقال: ادخل بنا؛ فدخلنا فقال: ما زال أمير المؤمنين يسألني عنك فأخبرته بخبر حجنا وإنك الرجل الذي سايرته تلك الليلة، وأمر لك بثلاثين ألف درهم؛ ثم أصبحت من الغد فدخلت إلى يحيى بن خالد فقلت: اشتد الشوق إلى العيال والصبيان؛ فقال: لا تفعل؛ فلم أزل أنازله حتى أذن لي واستخرج لي الثلاثين ألف درهم، وهيئت لي حراقة بجميع ما فيها، وأمر أن يشتري لي من طرائف الشام لأحملها معي إلى المدينة، وأمر وكيله أن يكتري لي إلى المدينة لا أكلف نفقة دينارٍ ولا درهم، فصرت إلى أصحابي فأخبرتهم الخبر وأردت صلتهم فحلفوا أن لا يرزؤوني شيئاً، فما رأيت مثل أخلاق القوم؛ فكيف ألام على حبي ليحيى بن خالد؟.
رفع الواقدي رقعةً إلى المأمون يذكر فيها كثرة الدين وقلة صبره عليه؛ فوقع
المأمون: أنت رجلٌ فيك خلتان: الحياء والسخاء، فالسخاء أطلق ما في يديك والحياء منعك من إبلاغنا ما كنت فيه، وقد أمرت لك بمئة ألف درهم فإن كنت أصبت إرادتك فازدد في بسط يدك، وإن لم تصب إرادتك فبجنايتك على نفسك، فأنت كنت حدثتني إذ كنت على قضاء الرشيد بسندك إلى أنس بن مالك، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن مفاتيح أرزاق العباد بإزاء العرش، يبعث الله عز وجل إلى عباده على قدر نفقتهم، فمن قلل قلل له، ومن كثر كثر له، " قال الواقدي: وقد كنت أنسيت هذا الحديث فلما ذكره أمير المؤمنين كان أعجب إلي من الجائزة.
قال عبد الله بن عبيد الله: كنت عند الواقدي جالساً إذ ذكر يحيى بن خالد بن برمك؛ قال: فترحم عليه الواقدي فأكثر الترحم، فقلنا له: يا أبا عبد الله إنك لتكثر الترحم عليه قال: وكيف لا أكثر الترحم على رجلٍ أجزل عن حاله؛ كان قد بقي علي من شهر شعبان أقل من عشرة أيام، وما في المنزل دقيقٌ ولا سويق، فميزت ثلاثةً من إخواني في قلبي وقلت: أنزل بهم حاجتي؛ فدخلت على زوجتي أم عبد الله فقالت: ما وراءك وقد أصبحنا وليس في البيت عرضٌ من عروض الدنيا وقد ورد هذا الشهر؟ فقلت لها: قد ميزت ثلاثةً من إخواني أنزل بهم حاجتي؛ فقالت: مدنيون أم عراقيون؟ قلت: بعضٌ مدني ويعض عراقي؛ فقالت: اعرضهم علي، فقلت: فلان؛ فقالت: رجلٌ حسيبٌ ذو يسارٍ إلا أنه منان، لا أرى لك أن تأتيه، فسم الآخر قلت: فلان؛ قالت: رجلٌ حسيبٌ ذو مالٍ إلا أنه بخيلٌ، لا أرى لك أن تأتيه؛ فقلت: فلان؛ قالت: رجل كريمٌ حسيبٌ لا شيء عنده، ولا عليك أن تأتيه؛ قال: فأتيته، فرحب وقرب وقال: ما جاء بك؟ فأخبرته بورود الشهر وضيق الحال؛ ففكر ساعةً ثم قال: ارفع ثني الوساد فخذ ذلك الكيس؛ فإذا هي دراهم مكحلة، فأخذت الكيس وصرت إلى منزلي، فدعوت رجلاً يتولى قضاء حوائجي فأمليته حوائجي؛ فدق الباب فقالت الجارية: هذا فلان ابن فلان بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فأذنت له، وحبت به، وقلت له: يا ابن رسول الله، ما جاء بك؟ فقال: يا عم أخرجني ورود هذا الشهر وليس عندنا شيءٌ؛
ففكرت ساعةً ثم قلت له: ارفع ثني الوسادة فخذ الكيس؛ ثم قلت لصاحبي: اخرج فخرج؛ فد خلت أم عبد الله فأخبرتها الخبر فقالت لي: وفقت وأحسنت؛ ثم فكرت في صديقٍ لي بقرب المنزل فأتيته فسلمت عليه فرحب وقرب، وقال: ما جاء بك يا أبا عبد الله؟ فخبرته بورود الشهر وضيق الحال ففكر ساعةً ثم قال لي: ارفع ثني الوساد وخذ الكيس، فخذ نصفه وأعطنا نصفه؛ فإذا كيسي بعينه، فأخذت خمس مئة ودفعت إليه خمس مئة، وصرت إلى منزلي ودعوت الذي يتولى حوائجي فأمليته حوائجي، فدق الباب فقالت الجارية: هذا خادمٌ نبيلٌ، فدخل فإذا كتابٌ من يحيى بن خالد يسألني المصير إليه في وقته؛ فأتيت إليه فسلمت عليه فرحب وقرب، وقال: تدري لم دعوتك؟ فقلت: لا؛ قال: أسهرني ليلتي هذه أفكر في أمرك وورود هذا الشهر وما عندك؛ فقلت: إن قصتي تطول؛ فقال: إن القصة كلما طالت كان أشهى لها؛ فخبرته بحديث أم عبد الله وحديث إخواني الثلاثة، وخبرته بحديث الطالبي، وخبر أخي الثاني المواسي له بالكيس؛ فدعا بالدواة وكتب رقعةً إلى خازنه فإذا كيسٌ فيه خمس مئة دينارٍ؛ فقال: يا أبا عبد الله استعن بهذا على شهرك؛ ثم رفع رقعةً أخرى فإذا مئتا دينار فقال: هذه لأم عبد الله لجزالتها وحسن عقلها، ثم رفع رقعةً أخرى فإذا مئتا دينا فقال: هذه للمواسي لك، ثم رقع قصةً أخرى فإذا مئتا دينار فقال: هذه للطالبي، ثم قال: انهض في حفظ الله؛ فكيف ألام في حبي للبرامكة ويحيى بن خالد خاصة؟.
قال الواقدي:
ضقت مرةً وحضر عيدٌ فعرفت صديقاً لي تاجراً بحاجتي إلى القرض، فأخرج لي كيساً مختوماً فيه ألف دينار ومئتا درهم، فأخذته فما استقر عندي حتى جاءني صديقٌ لي هاشمي فشكى إلي تأخر غلته وحاجته إلى القرض، فدخلت إلى زوجتي وأخبرتها فقالت: على أي شيءٍ عزمت؟ قلت: أقاسمه الكيس؛ قالت: ما صنعت شيئاً أتيت رجلاً سوقةً فأعطاك ألفاً ومئتي درهم، وجاءك رجلٌ له من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحمٌ ماسة تعطيه نصف ما أعطاك السوقة؟ ما هذا بشيء، أعطه الكيس كله؛ فأخرجت الكيس فدفعته إليه
ومضى صديقي التاجر إلى الهاشمي فسأله القرض فأخرج الهاشمي إليه الكيس، فلما رأى خاتمة عرفه وانصرف إلي فخبرني بالأمر، وجاءني رسول يحيى بن خالد يقول: إنما تأخر رسولي عنك لشغلي بحاجات أمير المؤمنين؛ فركبت إليه فأخبرته خبر الكيس، فقال: يا غلام هات تلك الدنانير، فجاءه بعشرة آلاف دينار، فقال: خذ ألفي دينار لك، وألفين لصديقك التاجر، وألفين للهاشمي، وأربعة آلاف لزوجتك فإنها أكرمكم.
قال الواقدي: صار إلي من السلطان ست مئة ألف درهم ما وجبت علي فيها الزكاة.
قال عباس الدوري: مات الواقدي وهو على القضاء وليس به له كفن فبعث المأمون بأكفانه.
وتوفي الواقدي سنة ست ومئتين وقيل: سنة سبعٍ وله ثمانٍ وسبعون سنة، وهو على القضاء في الجانب الغربي ببغداد، ووصى إلي عبد الله بن هارون أمير المؤمنين فقبل وصيته وقضى دينه.