Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=150858&book=5525#40664e
خالد بن صفوان بن عبد الرحمن
ابن عمرو بن الأهتم وهو سنان بن سمي بن سنان أبو صفوان التميمي المنقري الأهتمي البصري أحد فصحاء العرب، وفد على عمر بن عبد العزيز وهشام بن عبد الملك، وسمي الأهتم لأنه ضرب بقوس على فيه فهتمت أسنانه.
قال الفضيل: بلغني أن خالد بن صفوان دخل على عمر، فقال له عمر بن عبد العزيز: عظني يا خالد، فقال: إن الله عز وجل لم يرض أحداً أن يكون فوقك، فلا ترض أن يكون أحد أولى بالشكر منك.
قال: فبكى عمر حتى غشي عليه، ثم أفاق فقال: هيه يا خالد، لم يرض أن يكون أحد فوقي، فوالله لأخافنه خوفاً، ولأحذرنه حذراً، ولأرجونه رجاء، ولأحبنه محبة، ولأشكرنه شكراً، ولأحمدنه حمداً، يكون ذلك كله أشد مجهودي وغاية طاقتي، ولأجتهدن في العدل والنصفة والزهد في فاني الدنيا لزوالها، والرغبة في بقاء الآخرة لدوامها حتى ألقى الله عز وجل، فلعلي أنجو مع الناجين وأفوز مع الفائزين، وبكى حتى غشي عليه، قال: فتركته مغشياً عليه وانصرفت.
قال خالد بن صفوان: أوفدني يوسف بن عمر إلى هشام بن عبد الملك في وفد العراق، فقدمت عليه، وقد خرج متبدياً بقرابته وأهله وحشمه وغاشيته من جلسائه، فنزل في أرض قاع صحصح
متنايف أفيح في عام قد بكر وسميه وتتابع وليه، وأخذت الأرض فيه زينتها من اختلاف ألوان نبتها من نور ربيع مونق فهو في أحسن منظر وأحسن مختبر وأحسن مستمطر بصعيد، كأن ترابه قطع الكافور حتى لو أن قطعة ألقيت فيه لم تترب، وقد ضرب له سرادق من حبرة كان صنعه له يوسف بن عمر باليمن، فيه أربعة أفرشة من خزٍ أحمر، مثلها مرافقها، وعليه دراعة من خز أحمر، مثلها عمامتها، وقد أخذ الناس مجالسهم.
فأخرجت رأسي من ناحية السماط فنظر إلي مثل المستنطق لي. فقلت: أتم الله عليك يا أمير المؤمنين نعمه وسوغكها بشكره، وجعل ما قلدك من هذا الأمر رشداً، وعاقبة ما تؤول إليه حمداً أخلصه لك بالتقى وكثره لديك بالنماء، لا كدر عليك منه ما صفا، ولا خالط مسروره الردى، فقد أصبحت للمسلمين ثقة وملجأ، إليك يفزعون في مظالمهم، وإليك يلجؤون في أمورهم، وما أجد يا أمير المؤمنين، جعلني الله فداك، شيئاً هو أبلغ في قضاء حقك وتوقير مجلسك لما من الله به علي من مجالستك، والنظر إلى وجهك من أن أذكرك نعمة الله عندك، فأنبهك على شكرها، وما أجد في ذلك شيئاً هو أبلغ من حديث من تقدم قبلك من الملوك، فإن أذن لي أمير المؤمنين أخبرته.
وكان متكئاً فاستوى قاعداً فقال: هات يا بن الأهتم. فقلت: يا أمير المؤمنين إن ملكاً من الملوك قبلك خرج في عام مثل عامنا إلى الخورنق والسدير في عام قد بكر
وسميه وتتابع وليه، وأخذت الأرض فيه زينتها من اختلاف ألوان نبتها من نور ربيع مونق، فهو في أحسن منظر وأحسن مختبر وأحسن مستمطر، بصعيد كأن ترابه قطع الكافور، حتى لو أن مضغة ألقيت فيه لم تترب، وكان قد أعطي فتاء السن مع الكثرة والغلبة والنماء، فنظر فأبعد النظر، فقال لمن حوله: هل رأيتم مثلما أنا فيه؟ هل أعطي أحد مثلما أعطيت؟ وعنده رجل من بقايا حملة الحجة والمضي على أدب الحق ومنهاجه، فقال له: أيها الملك! إنك قد سألت عن أمر أفتأذن في الجواب؟ قال: نعم، قال: أرأيتك هذا الذي قد أعجبت به؟ أهو شيء لم تزل فيه أم هو شيء صار إليك ميراثاً عن غيرك، وهو زائل عنك وصائر إلى غيرك كما صار إليك؟ قال: فكذلك هو.
قال: أفلا أراك إنما أعجبت بشيء يسيرٍ تكون فيه قليلاً وتغيب عنه طويلاً، وتكون غداً بحسابه مرتهناً؟ قال: ويحك، فأين المهرب؟ وأين المطلب؟ قال: إما أن تقيم في ملكك فتعمل فيه بطاعة ربك على ما ساءك وسرك، ومضك وأرمضك، وإما أن تضع تاجك وتضع أطمارك وتلبس أمساحك وتعبد ربك في هذا الجبل حتى يأتيك أجلك.
قال: فإذا كان السحر فاقرع علي بابي، فإن اخترت ما أنا فيه كنت وزيراً لا يعصى، وإن اخترت خلوات الأرض وقفر البلاد كنت رفيقاً لا يخالف.
فلما كان السحر قرع عليه بابه فإذا هو قد وضع تاجه، ووضع أطماره ولبس أمساحه وتهيأ للسياحة، فلزما الجبل حتى أتتهما آجالهما، وذلك حيث يقول أخو بني تميم عدي بن زيد العبادي المرئي: من الخفيف
أيها الشّامت المعيّر بالدّه ... ر أأنت المبرّأ الموفور؟
أم لديك العهد الوثيق من الأيّام ... بل أنت جاهلٌ مغرور
من رأيت المنون خلّدن أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير؟
أين كسرى كسرى الملوك أبوسا ... سان أم أين قبله سابور؟
وبنو الأصفر الكرام ملوك ال ... روم لم يبق منهم مذكور
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج ... لة تجبى إليه والخابور
شاده مرمراً وخلّله كل ... ساً فللطّير في ذراه وكور
لم يهبه ريب المنون فباد ال ... ملك عنه فبابه مهجور
وتأمّل ربّ الخورنق إذ ... أشرف يوماً وللهدى تفكير
سرّه حاله وكثرة ما يم ... لك والبحر معرضاً والسّدير
فارعوى قلبه وقال وما غب ... طة حيٍّ إلى الممات يصير
ثم بعد الفلاح والملك والآ ... مّة وارتهم هناك القبور
ثمّ أضحوا كأنّهم ورقٌ جف ... ف فألوت به الصّبا والدّبور
قال: فبكى هشام حتى أخضل لحيته وبل عمامته، وأمر بنزع أبنيته وبنقلان قرابته وأهله وحشمه وغاشيته من جلسائه ولزوم قصره.
قال: فاجتمعت الموالي والحشم على خالد بن صفوان فقالوا: ما أردت إلى أمير
المؤمنين؟ نغصت عليه لذته وأفسدت عليه باديته. فقال لهم: إليكم عني، فإني عاهدت الله عز وجل عهداً ألا أخلو بملك إلا ذكرته الله عز وجل.
قال الهيثم بن عدي: خرج هشام بن عبد الملك ومعه مسلمة أخوه إلى مصانع قد هيئت له وزينت بألوان النبت، وتوافى إليه بها وفود أهل مكة والمدينة، وأهل الكوفة والبصرة، فدخلوا عليه وقد بسط له في مجالس مشرفة مطلعة على ما شق له من الأنهار المحفة بالزيتون وسائر الأشجار، فقال: يا أهل مكة، أفيكم مثل هذه المصانع؟ قالوا: لا، غير أن فينا بيت الله المستقبل، ثم التفت إلى أهل المدينة، فقال: أفيكم مثل هذه المصانع؟ قالوا: لا، غير أن فينا قبر نبينا المرسل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم التفت إلى أهل الكوفة فقال: أفيكم مثل هذه المصانع؟ قال: فقالوا: لا، غير أن فينا تلاوة كتاب الله تعالى المنزل، ثم التفت إلى أهل البصرة، فقال: أفيكم مثل هذه المصانع؟ قال: فقام إليه خالد بن صفوان فقال: أصلح الله أمير المؤمنين، إن هؤلاء قد أقروا على أنفسهم، ولو كان من له لسان وبيان لأجاب عنهم.
فقال له هشام: أفعندك في بلدك غير ما قالوا؟ قال: نعم، أصف بلادي وقد رأيت بلادك فتقيسها، فقال: هات.
فقال: يغدو قانصانا، فيجيء هذا بالشبوط والشيم، ويجيء هذا بالظبي والظليم، ونحن أكثر الناس ساجاً وعاجاً وخزاً وديباجاً وخريدة مغناجا وبرذونا هملاجاً،
ونحن أكثر الناس قنداً ونقداً، ونحن أوسع الناس برية وأربقهم بحرية، وأكثرهم ذرية، وأبعدهم سرية، بيوتنا ذهب، ونهرنا عجب أوله رطب وآخره عنب وأوسطه قصب.
فأما نهرنا العجب فإن الماء يقبل وله عباب، ونحن نيام على فرشنا، حتى يدخل أرضنا فيغسل نبتها ويعلو متنها، فنبلغ منه حاجتنا ونحن نيام، لا ننافس فيه من قلة، ولا نمنع منه لذلة، يأتينا عند حاجتنا إليه، ويذهب عنا عند رينا وغنانا عنه، النخل عندنا في منابته كالزيتون عندكم في مأركه، فذاك في أوانه كهذا في إبانه، ذاك في أفنانه كهذا في أغصانه، يخرج أسقاطاً عظاماً وأوساطاً، ثم ينفلق عن قضبان الفضة منظومة بالزبرجد الأخضر، ثم يصير أصفر وأحمر، ثم يصير عسلاً في شنة من سحاء، ليست بقربة ولا إناء، حولها المذاب، ودونها الحراب، لا يقربها الذباب، مرفوعة عن التراب، من الراسخات في الوحل، الملحقات بالفحل، المطعمات في المحل.
وأما بيوتنا الذهب، فإن لنا عليهم خرجاً في السنين والشهور، نأخذه في أوقاته، ويدفع الله عنه آفاته وننفقه في مرضاته.
قال: فقال هشام: وأنى لكم هذا يا بن صفوان؟ ولم تسبقوا إليه ولم تنافسوا عليه؟ فقال: ورثناه عن الآباء ونعمره للأبناء، فيدفع لنا عنه رب السماء، فمثلنا فيه كما قال أوس بن مغراء: من الوافر
فمهما كان من خيرٍ فإنّا ... ورثناه أوائل أوّلينا
ونحن مورّثوه كما ورثنا ... عن الآباء إن متنا بنينا
فقال له هشام: لله درك، يا بن صفوان، لقد أوتيت لساناً وعلماً وبياناً. فأكرمه وأحسن جائزته وقدمه على أصحابه.
وعن الحسن: في قوله عز وجل: " قد جعل ربك تحتك سريا " فقال: كان والله سرياً يعني عيسى عليه السلام.
فقال له خالد بن صفوان: يا أبا سعيد: إن العرب تسمي الجدول السري، فقال: صدقت.
قال الأصمعي: قدم أمية بن عبد الله بن أسيد منهزماً من أبي فديك فقال الناس: كيف ندعو لمنهزم؟ فقام خالد بن صفوان فقال: بارك الله لك أيها الأمير في قدومك، والحمد لله الذي نظر لنا عليك ولم ينظر لك علينا، فقد تعرضت للشهادة جهدك، فعلم الله حاجتنا إليك، فآثرنا بك عليك، ولك عند الله ما تحب. فعلم الناس أنه لا يتعذر عليه أن يتكلم في شيء.
قال الهيثم بن عدي: كان أبو العباس يعجبه السمر، ومنازعة الرجال، فحضره ذات ليلة في سمره إبراهيم بن مخرمة الكندي وناس من بني الحارث بن كعب، وهم أخواله، وخالد بن صفوان، فخاضوا في الحديث، وتذاكروا مضر واليمن.
فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين، إن اليمن هم العرب الذين دانت لهم الدنيا، وكانت لهم القرى، ولم يزالوا ملوكاً أرباباً، ورثوا ذلك كابراً عن كابر، أولاً عن آخر، منهم النعمانيات
والمنذريات والقابوسيات والتبابعة، ومنهم من حمت لحمه الدبر ومنهم غسيل الملائكة ومنهم من اهتز لموته العرش، ومنهم مكلم الذئب، ومنهم الذي كان يأخذ كل سفينة غصباً، وليس شيء له خطر إلا وإليهم ينسب من فرس رائع، أو سيف قاطع، أو درع حصينة، أو حلة مصونة، أو درة مكنونة، إن سئلوا أعطوا، وإن سيموا أبوا، وإن نزل بهم ضيف قروا، لا يبلغهم مكاثر، ولا ينالهم مفاخر، هم العرب العاربة وغيرهم المتعربة.
قال أبو العباس: ما أظن التميمي يرضى بقولك، ثم قال: ما تقول يا خالد؟ قال: إن أذنت لي في الكلام، وأمنتني من الموجدة تكلمت، قال: قد أذنت لك فتكلم ولا تهب أحداً، فقال: أخطأ يا أمير المؤمنين المتقحم بغير علم، ونطق بغير صواب، فكيف يكون ما قال والقوم ليست لهم ألسن فصيحة، ولا لغة صحيحة، ولا حجة نزل بها كتاب، ولا جاءت بها سنة، وهم منا على منزلتين، إن جاروا عن قصدنا أكلوا، وإن جازوا حكمنا قتلوا، يفخرون علينا بالنعمانيات والمنذريات وغير ذلك مما سيأتي عليه، ونفخر عليهم بخير الأنام، وأكرم الكرام محمد عليه السلام، ولله علينا المنة وعليهم، لقد كانوا أتباعه، فبه عزوا وله
أكرموا، فمنا النبي المصطفى، ومنا الخليفة المرتضى، ولنا البيت المعمور، والمشعر وزمزم والمقام والمنبر والركن والحطيم والمشاعر والحجابة، والبطحاء مع ما لا يخفى من المآثر، ولا يدرك من المفاخر، وليس يعدل بنا عادل، ولا يبلغ فضلنا قول قائل، ومنا الصديق والفاروق والرضى وأسد الله سيد الشهداء وذو الجناحين وسيف الله، عرفوا الدين وأتاهم اليقين، فمن زاحمنا زاحمناه ومن عادان اصطلمناه.
ثم التفت فقال: أعالم أنت بلغة قومك؟ قال: نعم، قال: فما اسم العين؟ قال: الحجمة. قال: فما اسم السن؟ قال: الميدن. قال: فما اسم الأذن؟ قال: الصنارة. قال: فما اسم الأصابع: قال: الشناتر. قال: فما اسم اللحية؟ قال: الزب. قال: فما اسم الذئب؟ قال: الكتع. قال: فقال له: أفمؤمن أنت بكتاب الله؟ قال: نعم. قال: فإن الله عز وجل يقول: " إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون " وقال: " بلسان عربي مبين " وقال: " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ".
فنحن العرب والقرآن بلساننا نزل، أفلم تر أن الله عز وجل قال: " العين بالعين "، ولم يقل: الحجمة بالحجمة. وقال: " السن بالسن " ولم يقل: الميدن بالميدن. وقال: " والأذن بالأذن ". ولم يقل: الصنارة بالصنارة. وقال: " يجعلون أصابعهم في آذانهم " ولم يقل: شناترهم في صناراتهم. وقال: " لا تأخذ بلحيتي
ولا برأسي " ولم يقل: لا تأخذ بزبي. وقال: " فأكله الذئب " ولم يقل: فأكله الكتع.
ثم قال: أسألك عن أربع، إن أنت أقررت بهن قهرت، وإن جحدتهن كفرت. قال: وما هن؟ قال: الرسول منا أو منكم؟ قال: منكم. قال: فالقرآن نزل علينا أو عليكم؟ قال: عليكم. قال: فالبيت الحرام لنا أو لكم؟ قال: لكم. قال: فالخلافة فينا أو فيكم؟ قال: فيكم. قال خالد: فما كان بعد هذه الأربع فلكم.
قال خالد بن صفوان: ليس شيء أحسن من المعروف إلا ثوابه، وليس كل من أمكنه أن يصنعه تكون له فيه نية، وليس كل من يكون له فيه نية يؤذن له فيه، فإذا اجتمعت النية والإمكان والإذن فقد تمت السعادة.
قال خالد بن صفوان: من تزوج امرأة فليتزوجها عزيزة في قومها، ذليلة في نفسها، أدبها الغنى وأذلها الفقر، حصان من جارها، متحننة على زوجها.
قيل لخالد بن صفوان: أي إخوانك أحب إليك؟ قال: الذي يغفر زللي ويقبل عللي، ويسد خللي.
قال: وأوصى حكيم ولده فقال: عليك بصحبة من إذا صاحبته زانك، وإن احتجت إليه مانك، وإن استعنت به أعانك، وإن خدمته صانك.
قال: وثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواضع: الحليم عند الغضب، والصديق عند النائبة، والشجاع عند اللقاء.
قال خالد بن صفوان: من صحب السلطان بالصحة والنصيحة كان أكثر عدواً ممن صحبه بالغش والخيانة، لأنه يجتمع على الناصح عدو الوالي وصديقه بالعداوة والحسد، فصديق الوالي ينافسه في منزلته، وعدو الوالي يعاديه لنصيحته.
قال خالد بن صفوان: إن جعلك الوالي أخاً فاجعله سيداً، ولا يحدثن لك الاستئناس به غفلة ولا تهاوناً.
قال خالد بن صفوان: إن سأل الوالي رجلاً غيرك فلا تكن أنت المجيب، فإن ذلك خفة بالسائل والمسؤول.
وقال خالد بن صفوان: خير ما يدخر الآباء للأبناء اصطناع الأيادي عند ذوي الأحساب.
وقال خالد بن صفوان: إذا رأيت محدثاً يحدث حديثاً قد سمعته، أو يخبر خبراً قد علمته، فلا تشاركه فيه حرصاً على أن تعلم من حضرك أنك قد علمته، فإن ذلك خفة وسوء أدب.
وقال: ابذل لصديقك مالك، ولمعرفتك بشرك وتحيتك، وللعامة رفدك وحسن محضرك، ولعدوك عدلك، واضنن بدينك وعرضك عن كل أحد وقال خالد بن صفوان: استصغر الكبير في طلب المنفعة، واستعظم الصغير في ركوب المضرة.
وقال: لولا أن المروءة تشتد مؤنتها، ويثقل حملها، ما ترك اللئام للكرام منها مبيت ليلة، فلما ثقل حملها، واشتدت مؤنتها حاد عنها اللئام واحتملها الكرام.
قال خالد بن صفوان: بت ليلة أتمنى ليلتي كلها، حتى كبست البحر الأخضر بالذهب الأحمر، ثم نظرت وإذا يكفيني من ذلك رغيفان وكوزان وطمران.
قيل لخالد بن صفوان: مالك لا تنفق؟ فإن مالك عرض. فقال: الدهر أعرض منه، فقيل: كأنك تأمل أن تعيش الدهر كله، فقال: ولا أخاف أن أموت في أوله.
وقال خالد: أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلاً من ظلم من هو دونه.
قال يونس النحوي: أتينا خالد بن صفوان نعزيه عن ابنه ربعي ونحن متفجعون له، فانتهينا إليه وهو يقول: من الطويل
يهوّن ما ألقى من الوجد أنني ... أجاوره في داره اليوم أو غدا
كان خالد بن صفوان إذا أخذ فإئزته قال للدراهم: أما والله لأطيلن ضجعتك ولأديمن صرعتك.
قال:
وأتى خالد بن صفوان رجلٌ يسألة، فأعطاه درهماً، فقال له: سبحان الله!! أسألك فتعطيني درهماً، فقال له خالد: يا أحمق، أما تعلم أن الدرهم عشر العشرة والعشرة عشر المئة والمئة عشر الألف والألف عشر العشرة آلاف؟ ألا ترى كيف ارتفع الدرهم إلى دية المسلم؟ والله ما تطيب نفسي بدرهم أنفقه إلا درهماً قرعت به باب الجنة، أو درهماً أشتري به موزاً آكله.
قال خالد بن صفوان لرجل: إن أباك كان دميماً، وكان عاقلاً، وإن أمك كانت جميلة وكانت رعناء، فجمعت دمامة أبيك إلى حماقة أمك، فيا جامع شرف أبويه.
وقال خالد بن صفوان: لا تطلبوا الحوائج في غير حينها، ولا تطلبوها إلى غير أهلها، ولا تطلبوا ما لستم له بأهل فتكونوا للمنع أهلاً.
وقال: فوت الحاجة خير من طلبها إلى غير أهلها، وأشد من المصيبة سوء الخلف منها، وأنشد لامرأة من ولد حسان بن ثابت في مثله: من الطويل
سل الخير أهل الخير قدماً ولا تسل ... فتىً ذاق طعم العيش منذ قريب