Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=151624&book=5525#78d925
عبد الله بن طاهر بن الحسين
ابن مصعب بن زريق بن أسعد أبو العباس الخزاعي الأمير ولاه المأمون دمشق ومصر، وقدم دمشق مجتازاً إلى مصر، وكان جواداً عادلاً.
حدث عبد الله بن طاهر عن أبيه بسنده إلى عبد الله بن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الله عز وجل سائل كل راع استرعاه رعية، قلت أو كثرت، حتى يسأل الزوج عن زوجته، والوالد عن ولده، والرب عن خادمه، هل أقام فيهم أمر الله. " كان عبد الله بارع الأدب، حسن الشعر، نبيهاً في نفسه. تنقل في الأعمال الجليلة شرقاً وغرباً، قلده المأمون مصر والمغرب، ثم نقله عنها إلى خراسان بعد وفاة أبيه. ومولده سنة ثلاث وثمانين ومئة. وتوفي عبد الله بنيسابور في خلافة الواثق سنة ثلاثين ومئتين،
وسنه سبع وأربعون سنة. وكان إليه وقت وفاته الشرطتان، بمدينة السلام وسر من رأى. والحرب بطساسيج السواد وخليفته على ذلك إسحاق بن إبراهيم المصعبي وكان له الحرب والخراج بخراسان وأعمالها بجانبي النهر، وطبرستان وجرجان والري وأعمالها، ورثاه جماعة من الشعراء منهم علي بن الجهم، والحسن بن وهب الكاتب، وعمارة بن عقيل وغيرهم.
وعبد الله هو القائل للمعتصم: البسيط:
إن التي أمطرت بالند صوب ردى ... باتت تألق بالقاطول للروم.
إن الفتوح على قدر الملوك ... وهمات الولاة وإقدام المقاديم.
وله: الطويل:
يبيت ضجيعي السيف طوراً وتارة ... تعض بهامات الرجال مضاربه.
أخو ثقة أرضاه في الروع صاحباً ... وفوق رضاه أنني أنا صاحبه.
وكان عبد الله بن طاهر أحد الأجواد الممدحين والسمحاء المذكورين.
قال أبو نصر بن ماكولا: رزيق بتقديم الراء: جد الحسين بن مصعب بن رزيق بن أسعد. وكان أسعد مولى لسعد بن أبي وقاص. ويزعم أن اسمه كان آزاد مرد بن فرخان بن هرمزدان. وذكر قوم أن رزيقاً كان نوبياً مزنياً. ذكر ذلك ابن أبي معدان في تاريخ مرو. وهو والد طاهر بن الحسين الأمير.
قال إسحاق بن راهويه: سألني عبد الله بن طاهر: متى مات عبد الله بن المبارك؟ فقلن له: مات سنة اثنتين وثمانين ومئة. قال: ذلك مولدي.
قال أحمد بن سعيد الرباطي: قال لي عبد الله بن طاهر: يا أحمد، إنكم تبغضون هؤلاء القوم يعني المرجئة جهلة، وأنا أبغضهم عن معرفة. وإن أول أمرهم أنهم لا يرون للسلطان طاعة، والثاني: ليس للإيمان عندهم قدر، والله، لا أستجير أن أقول: إيماني كإيمان يحيى بن يحيى، ولا كإيمان أحمد بن حنبل، وهم يقولون: إيماننا كإيمان جبريل وميكائيل.
قال عبد الله بن طاهر: لا تمنعوا العلم طالبه، فإنه أوحش جانباً من أن يستقر إلا عند أهله.
قال إبراهيم بن محمد بن عرفة: غلب عبد الله بن طاهر على الشام، ووهب له المأمون ما وصل إليه من الأموال هنالك، ففرقه على القواد، ثم وقف على باب مصر فقال: أخزى الله فرعون ما كان أخسه وأدنى همته، ملك هذه القرية فقال: أنا ربكم الأعلى. والله لادخلتها.
قالت فاطمة امرأة يحيى من حديث: قام يحيى ليلة لورده. فلما فرغ منه يقرأ في المصحف، فدخل عبد الله بن طاهر عليه. فلما قرب منه وسلم قام إليه والمصحف في يده، ثم رجع إلى قراءته حتى ختم السورة التي كان افتتحها، ثم وضع المصحف، واعتذر إلى الأمير وقال: لم أشتغل عنه تهاوناً بحقه، إنما كنت افتتحت سورة فختمتها. فقعد عبد الله ساعة يحدثه ثم قال له: ارفع إلينا حوائجك، فقال: وهل يستغنى عن السلطان أيده الله؟ وقد وقعت لي حاجة في الوقت. فإن قضاها رفعتها، فقال: مقضية ما كانت، فقال أبو زكريا: قد كنت أسمع بمحاسن وجه الأمير، فلم أعانيها إلا ساعتي هذه، وحاجتي إليك أن لا تركب ما يحرق المحاسن بالنار. فأخذ الأمير عبد الله بن طاهر في البكاء حتى قام يبكي.
ورد رجل من هراة فرفع قصته إلى عبد الله بن طاهر. فلما قدم بين يديه قال: من
خصمك؟ قال: الأمير أيده الله. قال: ما الذي تدعي علي؟ قال: ضيعة لي بهراة غصبنيها والد الأمير، وهي اليوم في يده. قال. قال: ألك بينة؟ قال: إنما تقام البينة بعد الحكومة إلى القاضي. فإن رأى الأمير أيده الله أن يحملني وإياه على حكم الإسلام. قال: فدعا عبد الله بن طاهر بالقاضي نصر بن زياد ثم قال للرجل: ادع. قال: فادعى الرجل مرة بعد أخرى. فلم يلتفت إليه نصر بن زياد، ولم يسمع دعواه، فعلم الأمير أنه قد امتنع عن استماع الدعوى حتى يجلس الخصم مع المدعي، فقال عبد الله بن طاهر من مجلسه حتى جلس مع خصمه بين يديه، فقال نصر للمدعي: ادع فقال: أدعي أيد الله القاضي أن ضيعة لي بهراة وذكرها بحدودها وحقوقها، هي لي في يدي الأمير، فقال له الأمير عبد الله بن طاهر: أيها الرجل، قد غيرت الدعوى إنما ادعيت أولاً على أبي، فقال الرجل: لم أشته أن أفضح والد الأمير في مجلس الحكم، ادعي أن والد الأمير قد كان غصبني عليها، وإنها اليوم في يد الأمير، فسأل نصر بن زياد عبد الله بن طاهر عن دعواه فأنكره، فالتفت إلى الرجل فقال: ألك بينة؟ قال: لا، قال: فما الذي تريده؟ قال: يمين الأمير بالله الذي لا إله إلا هو قال: فقال الأمير إلى مكانه وأمر الكاتب ليكتب إلى هراة برد الضيعة عليه.
قال المأمون لعبد الله بن طاهر: أيما أطيب: مجلسي أو مجلسك؟ قال: ما عدلت بك يا أمير المؤمنين شيئاً. فقال: ليس إلى هذا ذهبت، إلى الموافقة في العيش واللذة قال: منزلي يا أمير المؤمنين. قال: ولم ذاك؟ قال: لأني فيه مالك، وانا ها هنا مملوك.
قال أحمد بن أبي داؤد: خرج دعبل بن علي إلى خراسان فنادم عبد الله بن طاهر، فأعجب به فكان في كل يوم ينادمه فيه يأمر له بعشرة آلاف درهم، وكان ينادمه في الشهر خمسة عشر يوماً، وكان ابن طاهر يصله في كل شهر بمئة وخمسين ألف درهم. فلما كثرت صلاته له توارى عنه دعبل
يوم منادمته في بعض الخانات. فطلبه، فلم يقدر عليه فشق عليه. فلما كان من الغد كتب: الطويل:
هجرتك، لم أهجرك من كفر نعمة ... وهل يرتجى منك الزيادة بالكفر؟
ولكنني لما أتيتك زائراً ... فأفرطت في بري عجزت عن الشكر
فم الآن لا آتيك إلا معذراً ... أزورك في الشهرين يوماً وفي الشهر
فإن زدت في بري تزيدت جفوة ... ولم نلتق حتى القيامة والحشر
وقد حدثني أمير المؤمنين المأمون عن أمير المؤمنين الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن جده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لا يشكر الله عز وجل، ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير. " فوصله بثلاث مئة ألف درهم. وانصرف.
لما قدم عبد الله بن طاهر من خراسان اعترضه دعبل الشاعر، فأنشأ يقول: المنسرح:
جئتك مستشفعاً بلا سبب ... إليك إلا بحرمة الأدب
فاقض دمامي فإنني رجل ... غير ملح عليك في الطلب
قال: يا غلام، أعطه عشرة آلاف درهم. قال: فأعطاه وكتب إليه من الكامل
أعجلتنا فأتلك عاجل برنا ... ولو انتظرت كثيره لم يقلل
فخذ القليل وكن كمن لم يسأل ... ونكون نحن كأننا لم نفعل
حدث محمد بن الفضل بن محمد بن منصور قال: لما افتتح عبد الله بن طاهر مصر ونحن معه سوغه المأمون خراجها سنة، فصعد المنبر فلم ينزل حتى أجاز بها كلها ثلاثة آلاف ألف دينار أو نحوها، فقبل أن ينزل أتاه معلى الطائي، وقد أعلموه ما يصنع عبد الله بن طاهر بالناسفي الجوائز، وكان عليه واجداً، فوقف بين يديه تحت
المنبر قفال: أصلح الله الأمير، أنا معلى الطائي ما كان مني من جفاء وغلظ، فلا تعجله علي قلبك ولا يستخفنك ما قد بلغك، انا الذي أقول: البسيط:
يا أعظم الناس عفواً عند مقدرة ... وأظلم الناس عند الجود للمال
لو يصبح النيل يجري ماؤه ذهباً ... لما أشرت إلى خزن بمثقال
تعنى بما فيه رق الحمد تملكه ... وليس شيء أعاض الحمد بالغالي
تفك باليسر كف العسر في زمن ... إذا استطال على قوم بإقلال
لم تخل كفك من جود لمختبط ... أو مرهف قاتل في رأس قتال
وما بثثت رعيل الخيل في بلد ... إلا عصفن بأرزاق وآجال
هل من سبيل إلى إذن فقد ظمئت ... نفسي إليك فما تروى على حال
إن كنت منك على بال مننت به ... فكان شكرك من حمدي على بال
مازلت مقتضياً لولا مجاهرة ... من ألسن خضن في ضري بأقوال
قال: فضحك عبد الله وسر بما كان منه، وقال: يا أبا السمراء، بالله أقرضني عشرة آلاف دينار، فما أمسيت أملكها، فأقرضه، فدفعها إليه.
دخل عوف بن ملحم الحراني على عبد الله بن طاهر، فسلم عليه عبد الله فلم يسمع فأعلم بذلك، فزعموا أنه ارتجل هذه القصيدة: السريع:
يا بن الذي دان له المشرقان ... طراً وقد دام له المغربان
إن الثمانين وبلغتها ... قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
وبدلتني بالشطاط الحني ... وكنت كالصعدة تحت السنان
وبدلتني من زمتع الفتى ... وهمتي هم الجبان الهدان
وقاربت مني خطاً لم تكن ... مقاربات وثنت من عنان
وأسبلت بيني وبين الورى ... عنانه من غير نسج العنان
ولم تدع في لمستمتع ... إلا لساني وبحسبي لسان
أدعو به الله وإنني به ... على الأمير المصعبي الهجان
فقرباني بأبي أنتما ... في وطني قبل اصفرار البنان
وقبل منعاتي إلى نسوة ... أوطانها حران والرقتان
جاء أعرابي إلى ابن طاهر وهو راكب فأنشده: الوافر:
سألت عن المكارم أين صارت ... فكل الناس أرشدني إليكا
فجد لي يا بن طاهر إن فعلي ... سيثني بالذي تولي عليكا
فقال له: كم ثمن هذين البيتين؟ قال: ألفا درهم. قال: لقد أرخصت. يا غلام، أعطه أربعة آلاف درهم فقال: البسيط
صدقت ظني وظن الناس كلهم ... فأنت أكرمنهم نفساً وأجداداً
لا زلت في روضة خضراء واسعة ... وأنت أخضرها روضاً وأعود
فقال: يا غلام، أعطه أربعة آلاف أخرى فقال: من الطويل:
لو كان قولي بهذا الشعر مستمعاً ... لكنت أحوي خراج الشرق والغرب
أنت الكريم الذي يعطي بلا نكد ... وأنت تحيي الذي قد مات من جدب
فقال: يا غلام: أعطه أربعة آلاف أخرى، فلما قبضها قال: أيها الأمير فني شعري ولم يضق صدرك.
حدث عوف بن ملحم الشيباني قال: عادلت عبد الله بن طاهر إلى خراسان، فدخلنا الري في وقت السحر، فإذا قمرية
تغرد على فنن شجرة فقال عبد الله بن طاهر: أحسن والله أبو كبير الهذلي جيث يقول: الطويل:
ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر ... وغصنك مياد ففيم تنوح؟!
ثم قال يا عوف: أجز، فقلت: أعز الله الأمير شيخ ثلب حملته على البديهة، ولا سيما في معارضة أبي كبير، ثم انفتح لي شيء فقلت: الطويل:
أفي كل يوم غربة ونزوح ... أما للنوى من ونية فنريح؟
لقد طلح البين المشت ركائبي ... فهل أرين البين وهو طليح؟
وأرقني بالري نوح حمامة ... فنحت وذو الشجو الحزين ينوح
على أنها ناحت ولم تذر دمعة ... ونحت وأسراب الدموع سفوح
وناحت وفرخاها بحيث تراهما ... ومن دون أفراخي مهامة فيح
عسى جود عبد الله أن يعكس النوى ... فنلقي عصا التطواف وهي طريح
فإن الغنى يدني الفتى من صديقه ... وبعد الغنى بالمقترين طروح
قال: فأذن لي من ساعتي، ووصلني بمئة ألف درهم، وردني إلى منزلي.
الثلب: الهرم: والأسراب: ظهور الماء وما يسرب، فهو مثل هذا.
دخل كلثوم العتابي على عبد الله بن طاهر مع أصحاب القصص. فلما نظر إليه قال: حاجتك يا شيخ؟ فأنشأ يقول: الخفيف:
حسن ظني وحسن ما عود الله سواي بك الغداة أتى بي
أي شيء يكون أحسن من حسن يقين ثنى إليك ركابي؟
قال كلثوم: قال: ألا أتيتنا أول الدهر، وتمر له بألفي دينار.
وقيل إن العتابي دخل عليه فأنشده البيتين حسن ظني فأمر له بجائزة، ثم دخل عليه مرة أخرى فأنشده: السريع:
جودك يكفينيك في حاجتي ... ورؤيتي تكفيك مني السؤال
فكيف أخشى الفقر ما عشت لي ... وإنما كفاك لي بيت مال
فأجازه أيضاً. ثم دخل عليه اليوم الثالث فأنشده: الخفيف
أكسني ما يبيد أصلحك الله فإني أكسوك ما لا يبيد
فأجازه وكساه وحمله.
قال أحمد بن يزيد ين أسيد السلمي: كنت مع طاهر بن الحسين بالرقة، وأنا أحد قواده، وكانت لي به خاصة أجلس عن يمينه. فخرج علينا يوماً راكباً ومشينا بين يديه وهو يتمثل: الطويل:
عليكم بداري فاهدموها فإنها ... تراث كريم لا يخاف العواقبا
إذا هم ألقى بين عينيه عزمه ... وأعرض عن ذكر العواقب جانبا
سأرحض عني العار بالسيف جالباً ... علي قضاء الله ما كان جالبا
فدار حول الرافقة ثم رجع فجلس مجلسه، فنظر في قصص ورقاع فوضع فيها صلات أحصيت ألف ألف وسبع مئة ألف. فلما فرغ نظر إلي مستطعماً الكلام فقلت: أصلح الله الأمير، ما رأيت أنبل من هذا المجلس، ولا أحسن ودعوت له، ثم قلت: لكنه سرف، فقال: السرف من الشرف، فأردت الآية التي فيها " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً " فجئت بالأخرى إليها " إن الله لا يحب المسرفين " فقال: صدق الله، وما قلنا كما قلنا. ثم ضرب الدهر حتى اجتمعنا مع ابنه عبد الله بن طاهر في ذلك القصر بعينه، فخرج علينا راكباً وهو يتمثل: البسيط:
يا أيها المتمني أن يكون فتى ... مثل ابن ليلى لقد خلى لك السبلا
انظر ثلاث خلال قد جمعن له ... هل سب من أحد أو سب أو بخلا
ثم دار حول الرافقة ثم انصرف وجلس مجلسه، وحضرنا، وحضرت رقاع وقصص فجعل يوقع فيها، وأنا أحصي، فبلغت صلاته ألفي ألف وسبع مئة ألف، زيادة ألف ألف على ما وصل أبوه ثم التفت إلي مستطعماً الكلام فدعوت له وحسنت فعاله، ثم أتبعت ذلك بأن قلت له: لكنه سرف، فقال: السرف من الشرف، فقلت: نعم اعز الله الأمير، السرف من الشرف، السرف من الشرف، كررتها. قال: لم كررتها؟ فقالت:
حدث الحسين بن منصور عن جماعة من طلبة الحديث قالوا: كنا بالشام أيام عبد الله بن طاهر قال: فأملقنا حتى صرنا في غير نفقة، وكانت العلماء لا تحدث يوم الجمعة، فقلنا لأصحابنا يوم الجمعة: مروا بنا إلى الفرات نغسل هذا الشعث عنا والدنس، فذهبنا إلى الفرات فغسلنا رؤوسنا وثيابنا، فأقبل شاب بين غلالتين يتلوه خادم حتى وقف علينا فقال: من انتم؟ قلنا: شتوت من الناس ونوازع بلدان فقال: من طلبة الحديث؟ قلنا: نعم. فقال: ممن يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص؟ قلنا: نعم. قال: فما حالكم في نفقاتكم؟ قلنا: أسوأ حال. فالتفت إلى الخادم فقال: يعطون ألفاً ألفاً. قال: فمر بنا، فألقيت في أكمامنا، ألفاً ألفاً، فقلنا للخادم: من هذا؟ قال: عبد الله بن طاهر.
قال سهيل بن ميسرة: لما رجع أبو العباس عبد الله بن طاهر من الشام ارتفع فوق سطح قصره، فنظر إلى دخان يرتفع في جواره فقال لعمرويه: ما هذا الدخان؟ قال: اظن القوم يجيرون قال: ويحتاج جيراننا أن يتكلفوا ذلك؟ ثم دعا حاجبه فقال له: امض ومعك كاتب، فأخص جيراننا ممن لا يقطعهم عنا شارع، فمضى فأحصاهم فبلغ عدد صغيرهم وكبيرهم أربعة آلاف نفس، فأمر لكل واحد منهم في كل يوم بمنوين خبزاً ومنا لحم، ومن التوابل في كل شهر عشرة دراهم، والكسوة في الشتاء مئة وخمسون درهماً وفي الصيف مئة درهم، وكان ذلك دأبه مقامه ببغداد. فلما خرج انقطعت الوظائف إلا الكسوة ما عاش أبو العباس.
قال علي بن إسحاق: اشترى عبد الله بن طاهر جارية بخمسة وعشرين ألفاً على ابنة عمه فوجدت عليه وقعدت في بعض المقاصير، فمكثت شهرين لا تكلمه فعمل هذين البيتين
إلى كم يكون العتب في كل ساعة ... وكم لا تملين القطيعة والهجرا
رويدك إن الدهر فيه كفاية ... لتفريق ذات البين فانتظري الدهرا
وقال للجارية: اجلسي على باب المقصورة فغني به. فلما غنت بالبيت الأول لم تر شيئاً، فلما غنت البيت الثاني فإذا قد خرجت مشقوقة الثوب حتى اكبت رجليه فقبلتهما.
أنشد أبو العباس أحمد بن يحيى، ثعلب: الطويل
يقول رجال إن مرو بعيدة ... وما بعدت مرو وفيها ابن طاهر
وأبعد من مرو رجال أراهم ... بحضرتنا معروفهم غير حاضر
أنشد أبو صادق محمد بن أحمد بن شاذان الصيدلاني لبعضهم الكامل
يا من يؤمل ان تكون خصاله ... كخصال عبد الله أنصت واسمع
فلأمحضن لك النصيحة والذي ... حج الحجيج إليه فاقبل أو دع
أكرم وعف وكف واحلم واحتمل ... واسمع ودار وهش واصفح واسجع
قال عبد الله بن طاهر ذات يوم لرجل أمره بعمل: احذر أن تخطئ، فأعاقبك بكذا وكذا، لأمر عظيم، فقال: أيها الأمير، من كانت هذه عقوبته على الخطأ فما ثوابه على الإصابة؟ حكى المبرد عن عبد الله بن طاهر قال: المال غاد ورائح، والسلطان ظل زائل والإخوان كنوز وافرة.
ومن شعر عبد الله بن طاهر: الخفيف
ليس في كل ساعة وثوان ... تتهيأ صنائع الإحسان
فإذا أمكنت تقدمت فيها ... حذراً من تعذر الإمكان
ولعبد الله بن طاهر: البسيط
نبهته وظلام الليل منسدل ... بين الرياض دفيناً في الرياحين
فقلت: خذ، قال: كفي لا تطاوعني ... فقلت: قم، قال: رجلي لا تواتيني
إني غفلت عن الشافي فصيرني ... كما سليب العقل والدين
قال محمد بن منصور البغدادي: دخلت على عبد الله بن طاهر وهو في سكرات الموت، فقلت: السلام عليك أيها الأمير فقال: لا تسمني أمير وسمني أسيراً، ولكن اكتب عني بيتين عرضا بقلبي، ما أراهما إلا آخر بيتين أقولهما ثم أنشأ يقول: السريع
بادر فقد أسمعك الصوت ... إن لم تبادر فهو الفوت
من لم تزل نعمته قلبه ... زال عن النعمة بالموت
توفي عبد الله بن طاهر سنة ثلاثين ومئتين، مرض ثلاثة أيام بوجع أصابه في حلقه بنيسابور، فولى الواثق ابنه طاهر أعماله كلها، وكان قد أظهر التوبة وكسر آلات الملاهي وعمر رباطات خراسان، ووقف لها الوقوف، وأظهر الصدقات، ووجه أموالاً عظيمة إلى الحرمين وافتدى أسرى المسلمين من الترك، وبلغ ما أنفقه على الأسارى ألفي ألف درهم.
كان زكريا بن دلويه يزور كل جمعة قبر عبد الله بن طاهر فيخرق الأسواق، وطريقه على قبر أستاذه أحمد بن حرب فلا يقف على قبره، فعوتب على ذلك فقال: إن أحمد بن حرب وغيره من العلماء والصالحين لم يفدهم زهدهم، وآثار عبد اللهبن طاهرباقية ما بقيت السموات والأرض.
قال محمد بن عبد الله بن منصور لما بلغه موت عبد الله بن طاهر: الكامل
هيهات لا يأتي الزمان بمثله ... إن الزمان بمثله لبخيل