عبد اللَّه أمير المؤمنين السفاح بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن عَبْد اللَّه بْن الْعَبَّاس بْن عَبْد المطلب، يكنى أبا العباس، ويقَالَ له أيضًا: المرتضى، والقائم :
ولد بالشراة وكان مولده على ما:
أَخْبَرَنَا علي بن أَحْمَد بن عمر المقرئ، أَخْبَرَنَا علي بن أحمد بن أبي قيس الرفاء، حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدّنيا، حدّثني محمّد بن صالح، حَدَّثَنَا أبو مسعود عمرو بن عيسى الرياحي، حَدَّثَنِي جدي عبيد اللَّه بن العباس بن مُحَمَّد قَالَ: ولد أبو العباس سنة خمس ومائة، واستخلف وهو ابن سبع وعشرين سنة.
قلت: وهو أول خلفاء بني العباس بويع بالكوفة، وانتقل إلى الأنبار فسكنها حتى مات بها، وكان أصغر سنًا من أخيه أبي جعفر.
أَخْبَرَنَا الحسن بن أبي بكر، أخبرنا محمّد بن عبد الله الشّافعيّ، حدّثنا عمر بن حفص السدوسي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يزيد قَالَ: واستخلف أبو العباس عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم سنة اثنتين وثلاثين ومائة، لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، ويقَالَ في جمادى، وتوفي سنة ست وثلاثين ومائة لثلاث عشرة- أو إحدى عشرة- خلت من ذي الحجة يوم الأحد، فكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر، وتوفي وله ثلاث وثلاثون سنة، وأمه ريطة بنت عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عبد المدان بن الديان بن الحارث بن كعب توفي بالأنبار وصلى عليه عِيسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ العباس.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد بن رزق، أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق، حدثنا محمد ابن أَحْمَد بن البراء قَالَ: أبو العباس المرتضى والقائم، عبد اللَّه بن مُحَمَّد الإمام بْن عَلِيّ السجاد بْن عَبْد اللَّه الحبر بن عباس ذي الرأي بن عبد المطلب شيبة الحمد بن هاشم وهو عمرو بن عبد مناف ولد بالشراة، وبويع بالكوفة يوم الجمعة لأربع عشرة
ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وبايع أبو العباس لأخيه أبي جعفر، ولعيسى بن موسى بن مُحَمَّد بن علي، ومات بالأنبار لأثنتي عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة، وكان نقش خاتمه، اللَّه ثقة عبد اللَّه، وكان عمره ثلاثًا وثلاثين سنة، وخلافته أربع سنين، وثمانية أشهر، ويومان.
أَخْبَرَنَا علي بن أحمد بن عمر، أَخْبَرَنَا علي بن أحمد بن أبي قيس، حدّثنا ابن أبي الدّنيا، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن صالح عن مُحَمَّد بن عباد عن إسحاق بن عيسى أن أبا العباس توفي وهو ابن اثنتين وثلاثين، وكان أبيض أقنى، ذا شعرة جعدة، حسن اللحية جعدها، مات بالجدري، وصلى عليه عيسى بن علي، ودفن بالأنبار.
أَخْبَرَنِي الْحَسَن بن أبي بكر قَالَ: كتب إلينا مُحَمَّد بْنُ إِبْرَاهِيمَ بن عمران الجوري يذكر أن أَحْمَد بْن حَمْدَان بْن الخضر أخبرهم قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن يونس الضبي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حسان الزيادي قَالَ: سنة ست وثلاثين ومائة، فيها توفي أبو العباس بالأنبار يوم الأحد لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة، وهو ابن إحدى وثلاثين سنة وأشهر، وكان مولده سنة خمس ومائة، وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر، وكان طويلا أبيض أقنى حسن اللحية جعدها، ودفن بالأنبار.
أَخْبَرَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ القصاب، حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، أخبرنا علي ابن طيفور بن غالب، حدّثنا قتيبة بن سعيد، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ.
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بن علي الورّاق، أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب، حَدَّثَنَا أبو بشر محمد بن أحمد بن حمّاد الأنصاريّ، حدّثنا إبراهيم بن سعيد الجوهريّ، حدّثنا أبو أسامة، حَدَّثَنِي زَائِدَةُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَخْرُجُ مِنَّا رَجُلٌ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الزَّمَنِ، وَظُهُورٍ مِنَ الْفِتَنِ يُسَمَّى السَّفَّاحُ، يَكُونُ عَطَاؤُهُ الْمَالَ حسيا»
لَفْظُ زَائِدَةَ.
أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الرَّزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ محمّد الكاتب، حَدَّثَنا أَبُو عَبْد اللَّهِ جَعْفَرُ بْن مُحَمَّدِ بْنِ عبيد بن عتبة الكندي- بالكوفة- حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الأَزْدِيُّ، أَخْبَرَنِي سَلَّامٌ مَوْلَى الْعَبَّاسَةِ بِنْتِ الْمَهْدِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ مَوْلَى الْمَهْدِيِّ قَالَ: سمعت المهديّ أمير المؤمنين يقول:
حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَاللَّهِ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلا يَوْمٌ.
لأدَالَ اللَّهُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، لِيَكُونَنَّ مِنَّا السَّفَّاحُ، وَالْمَنْصُورُ، وَالْمهدي.
أخبرنا أحمد بن عمر بن روح النهرواني ومحمّد بن الحسين بن محمّد الجازري وقال أحمد أنبأنا وقَالَ محمد حَدَّثَنَا المعافى بن زكريا الجريري، حدّثنا محمّد بن يحيى الصولي، حدّثنا القاسم بن إسماعيل، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن سعيد بن سلم الباهلي عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي من حضر مجلس السفاح وهو أحشد ما كان ببني هاشم والشيعة، ووجوه الناس، فدخل عبد اللَّه بن حسن ومعه مصحف. فقَالَ: يا أمير المؤمنين أعطنا حقنا الذي جعله اللَّه لنا في هذا المصحف، قَالَ: فأشفق الناس من أن يعجل السفاح بشيء إليه، فلا يريدون ذلك في شيخ بني هاشم في وقته، أو يعيى بجوابه فيكون ذلك نقصًا له، وعارًا عليه، قَالَ: فأقبل عليه غير مغضب ولا مزعج فَقَالَ: إن جدك عليًّا- وكان خيرًا مني وأعدل- وَلِيَ هذا الأمر فأعطي جديك الْحَسَن والْحُسَيْن- وكانا خيرًا منك- شيئًا؟ وكان الواجب أن أعطيك مثله، فإن كنت فعلت فقد أنصفتك، وإن كنت زدتك فما هذا جزائي منك، قَالَ: فما رد عبد اللَّه جوابًا وانصرف، والناس يعجبون من جوابه له.
أَخْبَرَنَا أَبُو بشر مُحَمَّد بْن عُمَر الوكيل، حدّثنا محمّد بن عمران المرزباني، حدّثني أحمد بن محمّد الجوهريّ، حدّثنا الحسن بن عليل العنزي، حَدَّثَنِي عبد الرحمن بن يعقوب العذري المدني، حَدَّثَنِي يعقوب بْنُ إِبْرَاهِيمَ بن سعد قَالَ: دخل عمران بْنُ إِبْرَاهِيمَ بن عبد اللَّه بن مطيع العدوي على أبي العباس في أول وفد وفد عليه من المدينة، فأمروا بتقبيل يده فتبادروها، وعمران واقف، ثم حياه بالخلافة وهنأه وذكر حسبه ونسبه ثم قَالَ: يا أمير المؤمنين إنها واللَّه لو كانت تزيدك رفعة، وتزيدني من الوسيلة إليك ما سبقني بها أحد، وإنك لغني عما لا أجر لنا فيه، وعلينا فيه ضعة، قال: ثم جلس، فو الله ما نقص عن حظ أصحابه.
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن طاهر الدقاق، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن المكتفي، حَدَّثَنَا جحظة قَالَ: قَالَ جعفر بن يَحْيَى: نظر أمير المؤمنين السفاح في المرآة- وكان من أجمل الناس وجهًا- فقَالَ: اللَّهم إني لا أقول كما قَالَ عبد الملك أنا عبد الملك الشاب، ولكن أقول اللَّهم عمرني طويلًا في طاعتك ممتعًا بالعافية. فما استتم كلامه حتى سمع غلامًا يَقُول لغلام آخر: الأجل بيني وبينك شهران وخمسة أيام،
فتطير من كلامه، وقَالَ: حسبي اللَّه، لا قوة إلا باللَّه، عليه توكلي وبه أستعين، فما مضت الأيام حتى أخذته الحمى، فجعل يوم يتصل إلى يوم حتى مات بعد شهرين وخمسة أيام.
أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الخلّال، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عمران، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ الْفُضَيْلِ الْكَاتِبُ، حَدَّثَنَا عبد الله بن أبي سعد قَالَ: ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ الْخُزَاعِيُّ أَنَّ الرَّشِيدَ قَالَ لابْنِهِ: كَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ عِيسَى بْنُ عَلِيٍّ رَاهِبَنَا وَعَالِمَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَلَمْ يَزَلْ فِي خِدْمَةِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ، ثُمَّ خَدَمَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِلَى وَقْتِ وَفَاتِهِ، ثُمَّ إِبْرَاهِيمُ الإِمَامُ، وَأَبَا الْعَبَّاسِ، وَالْمَنْصُورَ، فَحَفِظَ جَمِيعَ أَخْبَارِهِمْ، وَسِيَرِهِمْ، وَأُمُورِهِمْ، وَكَانَ قُرَّةَ عَيْنِهِ فِي الدُّنْيَا إِسْحَاقُ ابْنُهُ، فَلَيْسَ فِينَا أهل البيت أحدا أَعْرَفُ بِأَمْرِنَا مِنْ إِسْحَاقَ، فَاسْتَكْثِرْ مِنْهُ، وَاحْفَظْ جَمِيعَ مَا يُحَدِّثُكَ بِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ دُونَ أَبِيهِ فِي الْفَضْلِ، وَإِيثَارِ الصِّدْقِ، قَالَ: فَأَعْلَمْتُهُ أَنِّي قَدْ سَمِعْتُ مِنْهُ شَيْئًا كَثِيرًا، فَسَأَلَنِي: هَلْ سَمِعْتَ خَبَرَ وَفَاةِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَأَعْلَمْتُهُ أَنِّي قَدْ سَمِعْتُهُ، فَقَالَ قَدْ سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عِيسَى بْنِ عَلِيٍّ، فَحَدِّثْنِي مَا حَدَّثَكَ بِهِ إِسْحَاقُ لأَنْظُرَ أَيْنَ هُوَ مِمَّا حَدَّثَنِي بِهِ أَبُوهُ؟ فقَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ دَخَلَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ وهو فِي مَدِينَتِهِ بِالأَنْبَارِ، قَالَ إِسْحَاقُ: قَالَ أَبِي: وَكُنْتُ قَدْ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ أَيَّامًا لَمْ أَرْكَبْ إِلَيْهِ فِيهَا، فَعَاتَبَنِي عَلَى تَخَلُّفِي كَانَ عَنْهُ، فَأَعْلَمْتُهُ أَنِّي كُنْتُ أَصُومُ مُنْذُ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ فَقَبِلَ عُذْرِي. وَقَالَ لِي: أَنَا فِي يَوْمِي هَذَا صَائِمٌ، فَأَقِمْ عِنْدِي لِتَقْضِيَنِي فِيهِ بِمُحَادَثَتِكَ إِيَّايَ مَا فَاتَنِي فِي الأَيَّامِ الَّتِي تَخَلَّفْتَ عَنِّي فِيهَا، ثُمَّ تَخْتِمُ ذَلِكَ بِإِفْطَارِكَ عِنْدِي، فَأَعْلَمْتُهُ أَنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ، وَأَقَمْتُ إِلَى أَنْ تَبَيَّنْتُ النُّعَاسَ فِي عَيْنَيْهِ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ، فَنَهَضْتُ عَنْهُ وَاسْتَمَرَّ في النوم، فملت بَيْنَ الْقَائِلَةِ فِي دَارِهِ، وَبَيْنَ الْقَائِلَةِ فِي دَارِي، فَمَالَتْ نَفْسِي إِلَى الانْصِرَافِ إِلَى مَنْزِلِي لأقيلَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي اعْتَدْتُ الْقَائِلَةَ فِيهِ، فَصِرْتُ إِلَى مَنْزِلِي وَقِلْتُ إِلَى وَقْتِ الزَّوَالِ، ثُمَّ رَكِبْتُ إِلَى دَارِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَوَافَيْتُ إِلَى بَابِ الرَّحْبَةِ الْخَارِجِ، فَإِذَا بِرَجُلٍ دَحْدَاحٍ حَسَنِ الْوَجْهِ مُؤْتَزِرٍ بِإِزَارٍ، مُتَرَدٍّ بِآخَرَ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ فقَالَ:
هَنَّأَ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذِهِ النِّعْمَةَ وَكُلّ نِعْمَةٍ، الْبُشْرَى أَنَا وَافِدُ أَهْلِ السَّنَدِ، أَتَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِين بِسَمْعِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ وَبَيْعَتِهِمْ، فما تمالكت سرورا إلى أن حمدت الله على توفيقه إلىّ لِلانْصِرَافِ رَغْبَةً فِي أَنْ أُبَشِّرَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بهذه البشرى، فما توسطت الرَّحْبَةَ حَتَّى وَافَى رَجُلٌ فِي مِثْلِ لَوْنِهِ وَهَيْئَتِهِ، وَقَرِيبُ الصُّورَةِ مِنْ صُورَتِهِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ كَمَا سَلَّمَ
عَلَيَّ الآخَرُ، وَهَنَّأَنِي بِمِثْلِ تَهْنِئَتِهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ وَافِدُ أَهْلِ إِفْرِيقِيَةِ أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِسَمْعِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ، فَتَضَاعَفَ سُرُورِي، وَأَكْثَرْتُ مِنْ حَمْدِي عَلَى مَا وَفَّقَنِي لَهُ مِنَ الانْصِرَافِ، ثُمَّ دَخَلْتُ الدَّارَ فَسَأَلْتُ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأُخْبِرْتُ أَنَّهُ فِي مَوْضِعٍ كَانَ يَتَهَيَّأُ فِيهِ لِلصَّلاةِ، وَكَانَ يَكُونُ فِيهِ سِوَاكُهُ، وَتَسْرِيحُ لِحْيَتِهِ، فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يُسَرِّحُ لِحْيَتَهُ، فَابْتَدَأْتُ بِتَهْنِئَتِهِ، وَأَعْلَمْتُهُ أَنِّي رَأَيْتُ بِبَابِهِ رَجُلَيْنِ؟ أَحَدَهُمَا وَافِدَ أَهْلِ السّنَدِ فَوَقَعَ عَلَيْهِ زَمْعٌ وَقَالَ: الآخَرَ وَافِدَ أَهْلِ إِفْرِيقِيَةِ بِسَمْعِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ فَقُلْتُ نَعَمْ! فَسَقَطَ الْمُشْطُ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، كُلُّ شَيْءٍ بَائِدٌ سِوَاهُ، نَعَيْتُ وَاللَّهِ نَفْسِي: حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ الإِمَامُ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ يَقْدُمُ عَلَيَّ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فِي مَدِينَتِي هَذِهِ وَافِدَانِ وَافِدُ السَّنَدِ، وَالآخَرُ وَافِدُ إِفْرِيقِيَةِ، بِسَمْعِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ وَبَيْعَتِهِمْ، فَلا يَمْضِي بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ حَتَّى أَمُوتَ. وَقَدْ أَتَانِي الْوَافِدَانِ، فَأَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ يَا عَمِّ فِي ابْنِ أَخِيكَ، فَقُلْتُ لَهُ: كَلا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَالَ: بَلَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَئِنْ كَانَتِ الدُّنْيَا حَبِيبَةً إِلَيَّ، فَصِحَّةُ الرِّوَايَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهَا، وَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ وَلا كُذِبْتُ، ثُمَّ نَهَضَ وَقَالَ لِي: لا تَرِمْ مِنْ مَكَانِكَ حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْكَ، فَمَا غَابَ حِينًا حَتَّى أَذَّنَهُ الْمُؤَذِّنُونَ بِصَلاةِ الظُّهْرِ، فَخَرَجَ إِلَيَّ خَادِمٌ لَهُ فَأَمَرَنِي بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمَسْجِدِ وَالصَّلاةِ بِالنَّاسِ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، وَرَجَعْتُ إِلَى مَوْضِعِي حَتَّى آذَنَهُ الْمُؤَذِّنُونَ بِصَلاةِ الْعَصْرِ، فَخَرَجَ إِلَيَّ الْخَادِمِ فَأَمَرَنِي بِالصَّلاةِ بِالنَّاسِ وَالرُّجُوعِ إِلَى مَوْضِعِي، فَفَعَلْتُ، ثُمَّ آذَنَهُ الْمُؤَذِّنُونَ بِصَلاةِ الْمَغْرِبِ، فَخَرَجَ الْخَادِمُ إِلَيَّ فَأَمَرَنِي بِمِثْلِ مَا كَانَ أَمَرَنِي بِهِ فِي صَلاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، ثُمَّ عُدْتُ إِلَى مَكَانِي، ثُمَّ آذَنَهُ الْمُؤَذِّنُونَ بِصَلاةِ الْعِشَاءِ فَخَرَجَ إِلَى الْخَادِمِ فَأَمَرَنِي بِمِثْلِ مَا كَانَ يَأْمُرُنِي بِهِ فَفَعَلْتُ مِثْلَ مَا كُنْتُ أَفْعَلُ، وَلَمْ أَزَلْ مُقِيمًا بِمَكَانِي إِلَى أَنْ مَرَّ اللَّيْلُ، وَوَجَبَتْ صَلاتُهُ، فَقُمْتُ فَتَنَفَّلْتُ حَتَّى فَرَغْتُ مِنْ صَلاةِ اللَّيْلِ وَالْوِتْرِ، إِلا بَقِيَّةً بَقِيَتْ مِنَ الْقُنُوتِ، فَخَرَجَ عِنْدَ ذَلِكَ وَمَعَهُ كِتَابٌ فَدَفَعَهُ إِلَيَّ حِينَ سَلَّمْتُ، فَإِذَا هُوَ مُعَنْوَنٌ مَخْتُومٌ، مِنْ عِنْدِ عَبْدِ اللَّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الرَّسُولِ وَالأَوْلِيَاءِ وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ: يَا عَمِّ ارْكَبْ فِي غَدٍ فَصَلِّ بِالنَّاسِ فِي الْمُصَلَّى، وَانْحَرْ وَأَخْبِرْ بِعِلَّةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَكْثِرْ لُزُومَكَ دَارَهُ، فَإِذَا قَضَى نَحْبَهُ فَاكْتُمْ وَفَاتَهُ حَتَّى يُقْرَأَ هَذَا الْكِتَابُ عَلَى النَّاسِ، وَتَأْخُذَ عَلَيْهِمُ الْبَيْعَةَ لِلْمُسَمَّى فِي هَذَا الْكِتَابِ، فَإِذَا أَخَذْتَهَا وَاسْتَحْلَفْتَ النَّاسَ عَلَيْهَا بِمُؤَكِّدَاتِ الأَيْمَانِ، فَانْعِ إِلَيْهِمْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَجَهِّزْهُ وَتَوَلَّ الصَّلاةَ عَلَيْهِ، ثُمَّ انْصَرِفْ فِي حِفْظِ اللَّهِ وَتَأَهَّبْ لِرُكُوبِكَ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلْ وَجَدْتَ عِلَّةً؟ قَالَ: يَا عَمِّ وَأَيُّ عِلَّةٍ هي
أَقْوَى وَأَصْدَقُ مِنَ الْخَبَرِ الصَّادِقِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!! فَأَخَذْتُ الْكِتَابَ وَنَهَضْتُ، فَمَا مَشَيْتُ إِلا خُطًى حَتَّى هَتَفَ بِي فأمرني بالرجوع فرجعت وقال لي: اللَّهَ قَدْ أَلْبَسَكَ كَمَالًا أَكْرَهُ أَنْ يَحُطَّكَ النَّاسُ فِيهِ، وَكِتَابِي الَّذِي فِي يَدِكَ مَخْتُومٌ، وَسَيَقُولُ مَنْ يَحْسُدُكَ عَلَى مَا جَرَى عَلَى يَدَيْكَ مِنْ هَذَا الأَمْرِ الْجَلِيلِ أَنَّكَ إِنَّمَا وَفَّيْتَ لِلْمُسَمَّى فِي هَذَا الْكِتَابِ لأَنَّ الْكِتَابَ كَانَ مَخْتُومًا، وَقَدْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْكَ خَاتَمَهُ لِيَقْطَعَ بِذَلِكَ أَلْسِنَةَ الْحَسَدَةِ عَنْكَ، فَخُذِ الْخَاتَمَ فو الله لَتَفِيَنَّ لِلْمُسَمَّى فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَلَيَلِيَنَّ الْخِلافَةَ، ما كذبت ولا كذّبت، وانصرف وَتَأَهَّبْتُ لِلرُّكُوبِ، فَرَكِبْتُ وَرَكِبَ مَعِي النَّاسُ، حَتَّى صَلَّيْتُ بِأَهْلِ الْعَسْكَرِ، وَنَحَرْتُ وَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ. فَسَأَلْتُهُ عَنْ خَبَرِهِ فَقَالَ: خَبَرُ مَا به الموت لا مَحَالَةَ، فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ وَجَدْتَ شَيْئًا؟ فَأَنْكَرَ عَلَيَّ قَوْلِي، وَكَشَّرَ فِي وَجْهِي وَقَالَ: يَا سُبْحَانَ اللَّهِ أَقُولُ لَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال إنه يموت، فَتَسْأَلنِي عَمَّا أَجِدُ! لا تَعُدْ لِمِثْلِ هَذَا الَّذِي كَانَ مِنْكَ، ثُمَّ دَخَلْتُ إِلَيْهِ عَشِيَّةَ يَوْمِ الْعِيدِ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ مَنْ عَايَنَتْهُ عَيْنَايَ وَجْهًا، فَرَأَيْتُهُ فِي تِلْكَ الْعَشِيَّةَ وَقَدْ حَدَثَتْ فِي وَجْهِهِ وَرْدِيَّةٌ لَمْ أَكُنْ أَعْهَدُهَا، فَزَادَتْ وَجْهَهُ كَمَالًا، ثُمَّ بَصَرْتُ بِإِحْدَى وَجْنَتَيْهِ فِي الْحُمْرَةِ حَبَّةً مِثْلَ حَبَّةِ الْخَرْدَلِ بَيْضَاءَ، فَارْتَبْتُ بِهَا، ثُمَّ صَوَّبْتُ بِطَرَفِي إِلَى الْوَجْنَةِ الأُخْرَى فَوَجَدْتُ فِيهَا حَبَّةً أُخْرَى، ثُمَّ أَعَدْتُ نظري إلى الوجنة التي عاينتها بديا فَرَأَيْتُ الْحَبَّةَ قَدْ صَارَتِ اثْنَتَيْنِ، ثُمَّ لَمْ أَزَلْ أَرَى الْحَبَّ يَزْدَادُ حَتَّى رَأَيْتُ فِي كُلِّ جَانِبٍ مِنْ وَجْنَتَيْهِ مِقْدَارَ الدِّينَارِ حَبًّا أَبْيَضَ صِغَارًا، فَانْصَرَفْتُ وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، وَغَلَّسْتُ غَدَاةَ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ هَجَرَ وَذَهَبْتُ عَنْهُ مَعْرِفَتِي وَمَعْرِفَةَ غَيْرِي، فَرُحْتُ إِلَيْهِ بِالْعَشِيِّ فَوَجَدْتُهُ قَدْ صَارَ مِثْلَ الزِّقِّ الْمَنْفُوخِ، وَتُوُفِّيَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَسَجَّيْتُهُ كَمَا أَمَرَنِي وَخَرَجْتُ إِلَى النَّاسِ وَقَرَأْتُ عَلَيْهِمُ الْكِتَابَ وَكَانَ فِيهِ: من عَبْدِ اللَّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الرَّسُولِ وَالأَوْلِيَاءِ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ قَلَّدَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْخِلافَةَ عَلَيْكُمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ أَخَاهُ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا، وَقَدْ قَلَّدَ الْخِلافَةَ من بعد، عبد الله بْنَ مُوسَى- إِنْ كَانَ-. قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى: قَالَ لِي أَبِي: مَا نَزَلْتُ عَنِ الْمِنْبَرِ حَتَّى وَقَعَ الاخْتِلافُ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا كتب به أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي عِيسَى بْنِ مُوسَى- إِنْ كان- فقال، فَقَالَ قَوْمٌ أَرَادَ بِقَوْلِهِ، لَهَا مَوْضِعًا، وَقَالَ آخَرُونَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ إِنْ كَانَ هَذَا لا يَكُونُ، ثُمَّ أَخَذْتُ الْبَيْعَةَ عَلَى النَّاسِ وَجَهَّزْتُهُ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْهِ وَدَفَنْتُهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سنة ست وثلاثين ومائة
فَقَالَ الرَّشِيدُ: هَكَذَا حَدَّثَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ، مَا غَادَرَ إِسْحَاقُ مِنْ حَدِيثِ أَبِيهِ حَرْفًا وَاحِدًا، فَاسْتَكْثِرُوا مِنَ الاسْتِمَاعِ مِنْهُ، فَنِعْمَ حَامِلَ الْعِلْمِ هُوَ
ولد بالشراة وكان مولده على ما:
أَخْبَرَنَا علي بن أَحْمَد بن عمر المقرئ، أَخْبَرَنَا علي بن أحمد بن أبي قيس الرفاء، حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدّنيا، حدّثني محمّد بن صالح، حَدَّثَنَا أبو مسعود عمرو بن عيسى الرياحي، حَدَّثَنِي جدي عبيد اللَّه بن العباس بن مُحَمَّد قَالَ: ولد أبو العباس سنة خمس ومائة، واستخلف وهو ابن سبع وعشرين سنة.
قلت: وهو أول خلفاء بني العباس بويع بالكوفة، وانتقل إلى الأنبار فسكنها حتى مات بها، وكان أصغر سنًا من أخيه أبي جعفر.
أَخْبَرَنَا الحسن بن أبي بكر، أخبرنا محمّد بن عبد الله الشّافعيّ، حدّثنا عمر بن حفص السدوسي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يزيد قَالَ: واستخلف أبو العباس عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم سنة اثنتين وثلاثين ومائة، لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، ويقَالَ في جمادى، وتوفي سنة ست وثلاثين ومائة لثلاث عشرة- أو إحدى عشرة- خلت من ذي الحجة يوم الأحد، فكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر، وتوفي وله ثلاث وثلاثون سنة، وأمه ريطة بنت عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عبد المدان بن الديان بن الحارث بن كعب توفي بالأنبار وصلى عليه عِيسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ العباس.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد بن رزق، أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق، حدثنا محمد ابن أَحْمَد بن البراء قَالَ: أبو العباس المرتضى والقائم، عبد اللَّه بن مُحَمَّد الإمام بْن عَلِيّ السجاد بْن عَبْد اللَّه الحبر بن عباس ذي الرأي بن عبد المطلب شيبة الحمد بن هاشم وهو عمرو بن عبد مناف ولد بالشراة، وبويع بالكوفة يوم الجمعة لأربع عشرة
ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وبايع أبو العباس لأخيه أبي جعفر، ولعيسى بن موسى بن مُحَمَّد بن علي، ومات بالأنبار لأثنتي عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة، وكان نقش خاتمه، اللَّه ثقة عبد اللَّه، وكان عمره ثلاثًا وثلاثين سنة، وخلافته أربع سنين، وثمانية أشهر، ويومان.
أَخْبَرَنَا علي بن أحمد بن عمر، أَخْبَرَنَا علي بن أحمد بن أبي قيس، حدّثنا ابن أبي الدّنيا، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن صالح عن مُحَمَّد بن عباد عن إسحاق بن عيسى أن أبا العباس توفي وهو ابن اثنتين وثلاثين، وكان أبيض أقنى، ذا شعرة جعدة، حسن اللحية جعدها، مات بالجدري، وصلى عليه عيسى بن علي، ودفن بالأنبار.
أَخْبَرَنِي الْحَسَن بن أبي بكر قَالَ: كتب إلينا مُحَمَّد بْنُ إِبْرَاهِيمَ بن عمران الجوري يذكر أن أَحْمَد بْن حَمْدَان بْن الخضر أخبرهم قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن يونس الضبي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حسان الزيادي قَالَ: سنة ست وثلاثين ومائة، فيها توفي أبو العباس بالأنبار يوم الأحد لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة، وهو ابن إحدى وثلاثين سنة وأشهر، وكان مولده سنة خمس ومائة، وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر، وكان طويلا أبيض أقنى حسن اللحية جعدها، ودفن بالأنبار.
أَخْبَرَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ القصاب، حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، أخبرنا علي ابن طيفور بن غالب، حدّثنا قتيبة بن سعيد، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ.
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بن علي الورّاق، أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب، حَدَّثَنَا أبو بشر محمد بن أحمد بن حمّاد الأنصاريّ، حدّثنا إبراهيم بن سعيد الجوهريّ، حدّثنا أبو أسامة، حَدَّثَنِي زَائِدَةُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَخْرُجُ مِنَّا رَجُلٌ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الزَّمَنِ، وَظُهُورٍ مِنَ الْفِتَنِ يُسَمَّى السَّفَّاحُ، يَكُونُ عَطَاؤُهُ الْمَالَ حسيا»
لَفْظُ زَائِدَةَ.
أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الرَّزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ محمّد الكاتب، حَدَّثَنا أَبُو عَبْد اللَّهِ جَعْفَرُ بْن مُحَمَّدِ بْنِ عبيد بن عتبة الكندي- بالكوفة- حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الأَزْدِيُّ، أَخْبَرَنِي سَلَّامٌ مَوْلَى الْعَبَّاسَةِ بِنْتِ الْمَهْدِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ مَوْلَى الْمَهْدِيِّ قَالَ: سمعت المهديّ أمير المؤمنين يقول:
حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَاللَّهِ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلا يَوْمٌ.
لأدَالَ اللَّهُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، لِيَكُونَنَّ مِنَّا السَّفَّاحُ، وَالْمَنْصُورُ، وَالْمهدي.
أخبرنا أحمد بن عمر بن روح النهرواني ومحمّد بن الحسين بن محمّد الجازري وقال أحمد أنبأنا وقَالَ محمد حَدَّثَنَا المعافى بن زكريا الجريري، حدّثنا محمّد بن يحيى الصولي، حدّثنا القاسم بن إسماعيل، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن سعيد بن سلم الباهلي عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي من حضر مجلس السفاح وهو أحشد ما كان ببني هاشم والشيعة، ووجوه الناس، فدخل عبد اللَّه بن حسن ومعه مصحف. فقَالَ: يا أمير المؤمنين أعطنا حقنا الذي جعله اللَّه لنا في هذا المصحف، قَالَ: فأشفق الناس من أن يعجل السفاح بشيء إليه، فلا يريدون ذلك في شيخ بني هاشم في وقته، أو يعيى بجوابه فيكون ذلك نقصًا له، وعارًا عليه، قَالَ: فأقبل عليه غير مغضب ولا مزعج فَقَالَ: إن جدك عليًّا- وكان خيرًا مني وأعدل- وَلِيَ هذا الأمر فأعطي جديك الْحَسَن والْحُسَيْن- وكانا خيرًا منك- شيئًا؟ وكان الواجب أن أعطيك مثله، فإن كنت فعلت فقد أنصفتك، وإن كنت زدتك فما هذا جزائي منك، قَالَ: فما رد عبد اللَّه جوابًا وانصرف، والناس يعجبون من جوابه له.
أَخْبَرَنَا أَبُو بشر مُحَمَّد بْن عُمَر الوكيل، حدّثنا محمّد بن عمران المرزباني، حدّثني أحمد بن محمّد الجوهريّ، حدّثنا الحسن بن عليل العنزي، حَدَّثَنِي عبد الرحمن بن يعقوب العذري المدني، حَدَّثَنِي يعقوب بْنُ إِبْرَاهِيمَ بن سعد قَالَ: دخل عمران بْنُ إِبْرَاهِيمَ بن عبد اللَّه بن مطيع العدوي على أبي العباس في أول وفد وفد عليه من المدينة، فأمروا بتقبيل يده فتبادروها، وعمران واقف، ثم حياه بالخلافة وهنأه وذكر حسبه ونسبه ثم قَالَ: يا أمير المؤمنين إنها واللَّه لو كانت تزيدك رفعة، وتزيدني من الوسيلة إليك ما سبقني بها أحد، وإنك لغني عما لا أجر لنا فيه، وعلينا فيه ضعة، قال: ثم جلس، فو الله ما نقص عن حظ أصحابه.
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن طاهر الدقاق، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن المكتفي، حَدَّثَنَا جحظة قَالَ: قَالَ جعفر بن يَحْيَى: نظر أمير المؤمنين السفاح في المرآة- وكان من أجمل الناس وجهًا- فقَالَ: اللَّهم إني لا أقول كما قَالَ عبد الملك أنا عبد الملك الشاب، ولكن أقول اللَّهم عمرني طويلًا في طاعتك ممتعًا بالعافية. فما استتم كلامه حتى سمع غلامًا يَقُول لغلام آخر: الأجل بيني وبينك شهران وخمسة أيام،
فتطير من كلامه، وقَالَ: حسبي اللَّه، لا قوة إلا باللَّه، عليه توكلي وبه أستعين، فما مضت الأيام حتى أخذته الحمى، فجعل يوم يتصل إلى يوم حتى مات بعد شهرين وخمسة أيام.
أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الخلّال، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عمران، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ الْفُضَيْلِ الْكَاتِبُ، حَدَّثَنَا عبد الله بن أبي سعد قَالَ: ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ الْخُزَاعِيُّ أَنَّ الرَّشِيدَ قَالَ لابْنِهِ: كَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ عِيسَى بْنُ عَلِيٍّ رَاهِبَنَا وَعَالِمَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَلَمْ يَزَلْ فِي خِدْمَةِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ، ثُمَّ خَدَمَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِلَى وَقْتِ وَفَاتِهِ، ثُمَّ إِبْرَاهِيمُ الإِمَامُ، وَأَبَا الْعَبَّاسِ، وَالْمَنْصُورَ، فَحَفِظَ جَمِيعَ أَخْبَارِهِمْ، وَسِيَرِهِمْ، وَأُمُورِهِمْ، وَكَانَ قُرَّةَ عَيْنِهِ فِي الدُّنْيَا إِسْحَاقُ ابْنُهُ، فَلَيْسَ فِينَا أهل البيت أحدا أَعْرَفُ بِأَمْرِنَا مِنْ إِسْحَاقَ، فَاسْتَكْثِرْ مِنْهُ، وَاحْفَظْ جَمِيعَ مَا يُحَدِّثُكَ بِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ دُونَ أَبِيهِ فِي الْفَضْلِ، وَإِيثَارِ الصِّدْقِ، قَالَ: فَأَعْلَمْتُهُ أَنِّي قَدْ سَمِعْتُ مِنْهُ شَيْئًا كَثِيرًا، فَسَأَلَنِي: هَلْ سَمِعْتَ خَبَرَ وَفَاةِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَأَعْلَمْتُهُ أَنِّي قَدْ سَمِعْتُهُ، فَقَالَ قَدْ سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عِيسَى بْنِ عَلِيٍّ، فَحَدِّثْنِي مَا حَدَّثَكَ بِهِ إِسْحَاقُ لأَنْظُرَ أَيْنَ هُوَ مِمَّا حَدَّثَنِي بِهِ أَبُوهُ؟ فقَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ دَخَلَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ وهو فِي مَدِينَتِهِ بِالأَنْبَارِ، قَالَ إِسْحَاقُ: قَالَ أَبِي: وَكُنْتُ قَدْ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ أَيَّامًا لَمْ أَرْكَبْ إِلَيْهِ فِيهَا، فَعَاتَبَنِي عَلَى تَخَلُّفِي كَانَ عَنْهُ، فَأَعْلَمْتُهُ أَنِّي كُنْتُ أَصُومُ مُنْذُ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ فَقَبِلَ عُذْرِي. وَقَالَ لِي: أَنَا فِي يَوْمِي هَذَا صَائِمٌ، فَأَقِمْ عِنْدِي لِتَقْضِيَنِي فِيهِ بِمُحَادَثَتِكَ إِيَّايَ مَا فَاتَنِي فِي الأَيَّامِ الَّتِي تَخَلَّفْتَ عَنِّي فِيهَا، ثُمَّ تَخْتِمُ ذَلِكَ بِإِفْطَارِكَ عِنْدِي، فَأَعْلَمْتُهُ أَنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ، وَأَقَمْتُ إِلَى أَنْ تَبَيَّنْتُ النُّعَاسَ فِي عَيْنَيْهِ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ، فَنَهَضْتُ عَنْهُ وَاسْتَمَرَّ في النوم، فملت بَيْنَ الْقَائِلَةِ فِي دَارِهِ، وَبَيْنَ الْقَائِلَةِ فِي دَارِي، فَمَالَتْ نَفْسِي إِلَى الانْصِرَافِ إِلَى مَنْزِلِي لأقيلَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي اعْتَدْتُ الْقَائِلَةَ فِيهِ، فَصِرْتُ إِلَى مَنْزِلِي وَقِلْتُ إِلَى وَقْتِ الزَّوَالِ، ثُمَّ رَكِبْتُ إِلَى دَارِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَوَافَيْتُ إِلَى بَابِ الرَّحْبَةِ الْخَارِجِ، فَإِذَا بِرَجُلٍ دَحْدَاحٍ حَسَنِ الْوَجْهِ مُؤْتَزِرٍ بِإِزَارٍ، مُتَرَدٍّ بِآخَرَ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ فقَالَ:
هَنَّأَ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذِهِ النِّعْمَةَ وَكُلّ نِعْمَةٍ، الْبُشْرَى أَنَا وَافِدُ أَهْلِ السَّنَدِ، أَتَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِين بِسَمْعِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ وَبَيْعَتِهِمْ، فما تمالكت سرورا إلى أن حمدت الله على توفيقه إلىّ لِلانْصِرَافِ رَغْبَةً فِي أَنْ أُبَشِّرَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بهذه البشرى، فما توسطت الرَّحْبَةَ حَتَّى وَافَى رَجُلٌ فِي مِثْلِ لَوْنِهِ وَهَيْئَتِهِ، وَقَرِيبُ الصُّورَةِ مِنْ صُورَتِهِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ كَمَا سَلَّمَ
عَلَيَّ الآخَرُ، وَهَنَّأَنِي بِمِثْلِ تَهْنِئَتِهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ وَافِدُ أَهْلِ إِفْرِيقِيَةِ أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِسَمْعِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ، فَتَضَاعَفَ سُرُورِي، وَأَكْثَرْتُ مِنْ حَمْدِي عَلَى مَا وَفَّقَنِي لَهُ مِنَ الانْصِرَافِ، ثُمَّ دَخَلْتُ الدَّارَ فَسَأَلْتُ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأُخْبِرْتُ أَنَّهُ فِي مَوْضِعٍ كَانَ يَتَهَيَّأُ فِيهِ لِلصَّلاةِ، وَكَانَ يَكُونُ فِيهِ سِوَاكُهُ، وَتَسْرِيحُ لِحْيَتِهِ، فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يُسَرِّحُ لِحْيَتَهُ، فَابْتَدَأْتُ بِتَهْنِئَتِهِ، وَأَعْلَمْتُهُ أَنِّي رَأَيْتُ بِبَابِهِ رَجُلَيْنِ؟ أَحَدَهُمَا وَافِدَ أَهْلِ السّنَدِ فَوَقَعَ عَلَيْهِ زَمْعٌ وَقَالَ: الآخَرَ وَافِدَ أَهْلِ إِفْرِيقِيَةِ بِسَمْعِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ فَقُلْتُ نَعَمْ! فَسَقَطَ الْمُشْطُ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، كُلُّ شَيْءٍ بَائِدٌ سِوَاهُ، نَعَيْتُ وَاللَّهِ نَفْسِي: حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ الإِمَامُ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ يَقْدُمُ عَلَيَّ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فِي مَدِينَتِي هَذِهِ وَافِدَانِ وَافِدُ السَّنَدِ، وَالآخَرُ وَافِدُ إِفْرِيقِيَةِ، بِسَمْعِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ وَبَيْعَتِهِمْ، فَلا يَمْضِي بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ حَتَّى أَمُوتَ. وَقَدْ أَتَانِي الْوَافِدَانِ، فَأَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ يَا عَمِّ فِي ابْنِ أَخِيكَ، فَقُلْتُ لَهُ: كَلا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَالَ: بَلَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَئِنْ كَانَتِ الدُّنْيَا حَبِيبَةً إِلَيَّ، فَصِحَّةُ الرِّوَايَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهَا، وَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ وَلا كُذِبْتُ، ثُمَّ نَهَضَ وَقَالَ لِي: لا تَرِمْ مِنْ مَكَانِكَ حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْكَ، فَمَا غَابَ حِينًا حَتَّى أَذَّنَهُ الْمُؤَذِّنُونَ بِصَلاةِ الظُّهْرِ، فَخَرَجَ إِلَيَّ خَادِمٌ لَهُ فَأَمَرَنِي بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمَسْجِدِ وَالصَّلاةِ بِالنَّاسِ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، وَرَجَعْتُ إِلَى مَوْضِعِي حَتَّى آذَنَهُ الْمُؤَذِّنُونَ بِصَلاةِ الْعَصْرِ، فَخَرَجَ إِلَيَّ الْخَادِمِ فَأَمَرَنِي بِالصَّلاةِ بِالنَّاسِ وَالرُّجُوعِ إِلَى مَوْضِعِي، فَفَعَلْتُ، ثُمَّ آذَنَهُ الْمُؤَذِّنُونَ بِصَلاةِ الْمَغْرِبِ، فَخَرَجَ الْخَادِمُ إِلَيَّ فَأَمَرَنِي بِمِثْلِ مَا كَانَ أَمَرَنِي بِهِ فِي صَلاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، ثُمَّ عُدْتُ إِلَى مَكَانِي، ثُمَّ آذَنَهُ الْمُؤَذِّنُونَ بِصَلاةِ الْعِشَاءِ فَخَرَجَ إِلَى الْخَادِمِ فَأَمَرَنِي بِمِثْلِ مَا كَانَ يَأْمُرُنِي بِهِ فَفَعَلْتُ مِثْلَ مَا كُنْتُ أَفْعَلُ، وَلَمْ أَزَلْ مُقِيمًا بِمَكَانِي إِلَى أَنْ مَرَّ اللَّيْلُ، وَوَجَبَتْ صَلاتُهُ، فَقُمْتُ فَتَنَفَّلْتُ حَتَّى فَرَغْتُ مِنْ صَلاةِ اللَّيْلِ وَالْوِتْرِ، إِلا بَقِيَّةً بَقِيَتْ مِنَ الْقُنُوتِ، فَخَرَجَ عِنْدَ ذَلِكَ وَمَعَهُ كِتَابٌ فَدَفَعَهُ إِلَيَّ حِينَ سَلَّمْتُ، فَإِذَا هُوَ مُعَنْوَنٌ مَخْتُومٌ، مِنْ عِنْدِ عَبْدِ اللَّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الرَّسُولِ وَالأَوْلِيَاءِ وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ: يَا عَمِّ ارْكَبْ فِي غَدٍ فَصَلِّ بِالنَّاسِ فِي الْمُصَلَّى، وَانْحَرْ وَأَخْبِرْ بِعِلَّةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَكْثِرْ لُزُومَكَ دَارَهُ، فَإِذَا قَضَى نَحْبَهُ فَاكْتُمْ وَفَاتَهُ حَتَّى يُقْرَأَ هَذَا الْكِتَابُ عَلَى النَّاسِ، وَتَأْخُذَ عَلَيْهِمُ الْبَيْعَةَ لِلْمُسَمَّى فِي هَذَا الْكِتَابِ، فَإِذَا أَخَذْتَهَا وَاسْتَحْلَفْتَ النَّاسَ عَلَيْهَا بِمُؤَكِّدَاتِ الأَيْمَانِ، فَانْعِ إِلَيْهِمْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَجَهِّزْهُ وَتَوَلَّ الصَّلاةَ عَلَيْهِ، ثُمَّ انْصَرِفْ فِي حِفْظِ اللَّهِ وَتَأَهَّبْ لِرُكُوبِكَ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلْ وَجَدْتَ عِلَّةً؟ قَالَ: يَا عَمِّ وَأَيُّ عِلَّةٍ هي
أَقْوَى وَأَصْدَقُ مِنَ الْخَبَرِ الصَّادِقِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!! فَأَخَذْتُ الْكِتَابَ وَنَهَضْتُ، فَمَا مَشَيْتُ إِلا خُطًى حَتَّى هَتَفَ بِي فأمرني بالرجوع فرجعت وقال لي: اللَّهَ قَدْ أَلْبَسَكَ كَمَالًا أَكْرَهُ أَنْ يَحُطَّكَ النَّاسُ فِيهِ، وَكِتَابِي الَّذِي فِي يَدِكَ مَخْتُومٌ، وَسَيَقُولُ مَنْ يَحْسُدُكَ عَلَى مَا جَرَى عَلَى يَدَيْكَ مِنْ هَذَا الأَمْرِ الْجَلِيلِ أَنَّكَ إِنَّمَا وَفَّيْتَ لِلْمُسَمَّى فِي هَذَا الْكِتَابِ لأَنَّ الْكِتَابَ كَانَ مَخْتُومًا، وَقَدْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْكَ خَاتَمَهُ لِيَقْطَعَ بِذَلِكَ أَلْسِنَةَ الْحَسَدَةِ عَنْكَ، فَخُذِ الْخَاتَمَ فو الله لَتَفِيَنَّ لِلْمُسَمَّى فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَلَيَلِيَنَّ الْخِلافَةَ، ما كذبت ولا كذّبت، وانصرف وَتَأَهَّبْتُ لِلرُّكُوبِ، فَرَكِبْتُ وَرَكِبَ مَعِي النَّاسُ، حَتَّى صَلَّيْتُ بِأَهْلِ الْعَسْكَرِ، وَنَحَرْتُ وَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ. فَسَأَلْتُهُ عَنْ خَبَرِهِ فَقَالَ: خَبَرُ مَا به الموت لا مَحَالَةَ، فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ وَجَدْتَ شَيْئًا؟ فَأَنْكَرَ عَلَيَّ قَوْلِي، وَكَشَّرَ فِي وَجْهِي وَقَالَ: يَا سُبْحَانَ اللَّهِ أَقُولُ لَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال إنه يموت، فَتَسْأَلنِي عَمَّا أَجِدُ! لا تَعُدْ لِمِثْلِ هَذَا الَّذِي كَانَ مِنْكَ، ثُمَّ دَخَلْتُ إِلَيْهِ عَشِيَّةَ يَوْمِ الْعِيدِ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ مَنْ عَايَنَتْهُ عَيْنَايَ وَجْهًا، فَرَأَيْتُهُ فِي تِلْكَ الْعَشِيَّةَ وَقَدْ حَدَثَتْ فِي وَجْهِهِ وَرْدِيَّةٌ لَمْ أَكُنْ أَعْهَدُهَا، فَزَادَتْ وَجْهَهُ كَمَالًا، ثُمَّ بَصَرْتُ بِإِحْدَى وَجْنَتَيْهِ فِي الْحُمْرَةِ حَبَّةً مِثْلَ حَبَّةِ الْخَرْدَلِ بَيْضَاءَ، فَارْتَبْتُ بِهَا، ثُمَّ صَوَّبْتُ بِطَرَفِي إِلَى الْوَجْنَةِ الأُخْرَى فَوَجَدْتُ فِيهَا حَبَّةً أُخْرَى، ثُمَّ أَعَدْتُ نظري إلى الوجنة التي عاينتها بديا فَرَأَيْتُ الْحَبَّةَ قَدْ صَارَتِ اثْنَتَيْنِ، ثُمَّ لَمْ أَزَلْ أَرَى الْحَبَّ يَزْدَادُ حَتَّى رَأَيْتُ فِي كُلِّ جَانِبٍ مِنْ وَجْنَتَيْهِ مِقْدَارَ الدِّينَارِ حَبًّا أَبْيَضَ صِغَارًا، فَانْصَرَفْتُ وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، وَغَلَّسْتُ غَدَاةَ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ هَجَرَ وَذَهَبْتُ عَنْهُ مَعْرِفَتِي وَمَعْرِفَةَ غَيْرِي، فَرُحْتُ إِلَيْهِ بِالْعَشِيِّ فَوَجَدْتُهُ قَدْ صَارَ مِثْلَ الزِّقِّ الْمَنْفُوخِ، وَتُوُفِّيَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَسَجَّيْتُهُ كَمَا أَمَرَنِي وَخَرَجْتُ إِلَى النَّاسِ وَقَرَأْتُ عَلَيْهِمُ الْكِتَابَ وَكَانَ فِيهِ: من عَبْدِ اللَّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الرَّسُولِ وَالأَوْلِيَاءِ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ قَلَّدَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْخِلافَةَ عَلَيْكُمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ أَخَاهُ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا، وَقَدْ قَلَّدَ الْخِلافَةَ من بعد، عبد الله بْنَ مُوسَى- إِنْ كَانَ-. قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى: قَالَ لِي أَبِي: مَا نَزَلْتُ عَنِ الْمِنْبَرِ حَتَّى وَقَعَ الاخْتِلافُ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا كتب به أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي عِيسَى بْنِ مُوسَى- إِنْ كان- فقال، فَقَالَ قَوْمٌ أَرَادَ بِقَوْلِهِ، لَهَا مَوْضِعًا، وَقَالَ آخَرُونَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ إِنْ كَانَ هَذَا لا يَكُونُ، ثُمَّ أَخَذْتُ الْبَيْعَةَ عَلَى النَّاسِ وَجَهَّزْتُهُ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْهِ وَدَفَنْتُهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سنة ست وثلاثين ومائة
فَقَالَ الرَّشِيدُ: هَكَذَا حَدَّثَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ، مَا غَادَرَ إِسْحَاقُ مِنْ حَدِيثِ أَبِيهِ حَرْفًا وَاحِدًا، فَاسْتَكْثِرُوا مِنَ الاسْتِمَاعِ مِنْهُ، فَنِعْمَ حَامِلَ الْعِلْمِ هُوَ