محمد بن جبير بن مطعم: "مدني"، تابعي، ثقة.
Abū l-Ḥasan al-ʿIjlī (d. 874-875 CE) - al-Thiqāt - أبو الحسن العجلي - الثقات
ا
ب
ت
ث
ج
ح
خ
د
ذ
ر
ز
س
ش
ص
ض
ط
ظ
ع
غ
ف
ق
ك
ل
م
ن
ه
و
ي
I pay $140/month to host my websites. If you wish to help, please use the following button (secure payments with Stripe).
الصفحة الرئيسية للكتاب Number of entries in this book
عدد المواضيع في هذا الكتاب 2096 1729. محمد بن الوليد الزبيري1 1730. محمد بن بشار أبو بكر البصري بندار2 1731. محمد بن بشر العبدي6 1732. محمد بن ثابت7 1733. محمد بن جابر بن سيار بن طلق السحيمي أبو عبد الله اليمامي...2 1734. محمد بن جبير بن مطعم31735. محمد بن جحادة4 1736. محمد بن جعفر الهذلى الكرابيسي أبو عبد الله غندر...2 1737. محمد بن جعفر بن أبي كثير1 1738. محمد بن حرب المكي3 1739. محمد بن حرف الأبرش1 1740. محمد بن حسان6 1741. محمد بن خازم التميمي السعدي أبو معاوية الضرير الكوفي...2 1742. محمد بن خلاد الإسكندراني1 1743. محمد بن دينار2 1744. محمد بن زرعة الرعيني1 1745. محمد بن زياد الألهاني أبو سفيان الحمصي...2 1746. محمد بن زيد7 1747. محمد بن سابق4 1748. محمد بن سعد بن أبي وقاص1 1749. محمد بن سلمة الحراني2 1750. محمد بن سليمان ابن الأصبهاني2 1751. محمد بن سوقة4 1752. محمد بن سويد6 1753. محمد بن سيرين11 1754. محمد بن شعيب بن شابور4 1755. محمد بن صالح التمار6 1756. محمد بن طلحة بن مصرف اليامي الكوفي3 1757. محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى3 1758. محمد بن عبد الرحمن بن يزيد أبو جعفر الكوفي...2 1759. محمد بن عبد العزيز الواسطي1 1760. محمد بن عبد الله الرقاشي5 1761. محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب3 1762. محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي1 1763. محمد بن عبد الله بن زيد5 1764. محمد بن عبد الله بن عمرو8 1765. محمد بن عبد الله بن كناسة3 1766. محمد بن عبد الله بن نمير3 1767. محمد بن عبد الوهاب القناد السكري أبو يحيى الكوفي...2 1768. محمد بن عبيد أبو قدامة الحنفي2 1769. محمد بن عبيد الطنافسي أبو عبد الله2 1770. محمد بن عبيد الله العرزمي6 1771. محمد بن عبيد الله بن سعيد أبو عون الثقفي الكوفي...2 1772. محمد بن عجلان6 1773. محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب الهامشي أبو جعفر الباقر...2 1774. محمد بن عيينة4 1775. محمد بن فضيل بن غزوان الضبي3 1776. محمد بن قيس17 1777. محمد بن قيس الهمداني2 1778. محمد بن كثير7 1779. محمد بن كعب القرظي9 1780. محمد بن ماهان3 1781. محمد بن مسلم4 1782. محمد بن مسلم الطائفي10 1783. محمد بن مسلم بن تدرس القرشي أبو الزبير المكي...2 1784. محمد بن مسلم بن عائذ المديني2 1785. محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري...2 1786. محمد بن معاوية الأطرابلسي1 1787. محمد بن هدية الصدفي2 1788. محمد بن واسع الأزدي أبو بكر2 1789. محمد بن ياسر1 1790. محمد بن يحيى بن حبان بن منقذ6 1791. محمد بن يحيى الأسلمي1 1792. محمد بن يزيد10 1793. محمد بن يزيد بن محمد بن كثير العجلي1 1794. محمد بن يوسف الفريابي4 1795. محمود بن الربيع5 1796. محمود بن لبيد8 1797. محمود بن وداعة1 1798. مخلد بن حسين المصيصي2 1799. مخول بن راشد7 1800. مدرك بن عوف الأحمسي1 1801. مذعور1 1802. مراهن بن مخلد1 1803. مرثد بن عبد الله الزماني1 1804. مرثد بن عبد الله اليزني أبو الخير المصري...2 1805. مرحوم أبو عبيس1 1806. مرحوم بن شراحيل الهمداني1 1807. مروان بن معاوية بن الحارث الكوفي الفزاري...2 1808. مسافع بن شيبة حاجب الكعبة1 1809. مستظل بن حصين البارقي1 1810. مستورد بن الأحنف2 1811. مسدد بن مسرهد بن مسربل أبو الحسن البصري...2 1812. مسروق بن الأجدع4 1813. مسعر بن كدام9 1814. مسعود أبو رزين الأسدي كوفي2 1815. مسعود أبو عبد الرحمن1 1816. مسعود بن حراش8 1817. مسعود بن سعد4 1818. مسلم بن إبراهيم3 1819. مسلم بن إبراهيم الأزدي2 1820. مسلم بن يسار الجهني3 1821. مسيب بن رافع أبو العلاء الكاهلي الاسدي...2 1822. مشرح بن هاعان5 1823. مصدع أبو يحيى الأعرج مولى معاذ بن العفراء...2 1824. مصعب بن المقدام أبو عبد الله الكوفي2 1825. مصعب بن سعد3 1826. مصعب بن سلام التميمي الكوفي3 1827. مصعب بن شيبة بن جبير بن شيبة4 1828. مصعب بن عبد الله بن أبي أمية1 ◀ Prev. 100▶ Next 100
You are viewing hadithtransmitters.hawramani.com in filtered mode: only posts belonging to
Abū l-Ḥasan al-ʿIjlī (d. 874-875 CE) - al-Thiqāt - أبو الحسن العجلي - الثقات are being displayed.
Similar and related entries:
مواضيع متعلقة أو مشابهة بهذا الموضوع
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=72686&book=5521#324dd5
مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم بن عدي بن نَوْفَل بن عبد منَاف أَبُو سعيد الْقرشِي الْمَدِينِيّ أَخُو نَافِع سمع أَبَاهُ وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان رَوَى عَنهُ ابْنه عمر وَالزهْرِيّ وَعَمْرو بن دِينَار فِي (الصَّلَاة) و (الْحَج) و (الْجِهَاد) قَالَ الْوَاقِدِيّ توفّي بِالْمَدِينَةِ زمن عمر بن عبد الْعَزِيز
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=72686&book=5521#55cf06
مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم بْن عدي بْن نَوْفَل بن عبد منَاف الْقرشِي الْحِجَازِي كُنْيَتُهُ أَبُو سَعِيد يروي عَن أَبِيه وَمُعَاوِيَة وَكَانَ من أعلم قُرَيْش بأحاديثها وَهُوَ وَالِد عمر وَسَعِيد وَجبير بني مُحَمَّد بن جُبَير
روى عَنهُ الزُّهْرِيّ وَعَمْرو بْن دِينَار وَسعد بن إِبْرَاهِيم مَاتَ فِي خلَافَة عمر بْن عَبْد الْعَزِيز أمه قتيلة بنت عَمْرو بن الْأَزْرَق بن قيس بن معدي كرب
روى عَنهُ الزُّهْرِيّ وَعَمْرو بْن دِينَار وَسعد بن إِبْرَاهِيم مَاتَ فِي خلَافَة عمر بْن عَبْد الْعَزِيز أمه قتيلة بنت عَمْرو بن الْأَزْرَق بن قيس بن معدي كرب
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=72686&book=5521#6af31a
محمد بن جبير بن مطعم بن عدي
ابن نوفل بن عبد مناف بن قصي بن كلاب أبو سعيد القرشي ثم النوفلي من أهل مكة، وفد دمشق على معاوية وعلى عبد الملك بن مروان.
حدث محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ بالطور في المغرب.
وكان يحدث: أنه بلغ معاوية - وهو عنده في وفد من قريش - أن عبد الله بن عمرو بن العاص حدث أنه سيكون ملك من قحطان. فغضب معاوية، فقام، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإنه بلغني أن رجالاً منكم يتحدثون أحاديث - وفي رواية: بأحاديث - ليست في كتاب الله، ولا تؤثر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأولئك جهالكم. فإياكم والأماني التي تضل أهلها. فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن هذا الأمر في قريش. لا يعاديهم أحد إلا أكبه الله على وجهه ما أقاموا الدين ".
حدث محمد بن سعد قال: في الطبقة الثانية من تابعي أهل المدينة محمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ويكنى أبا سعيد. توفي بالمدينة زمن عمر بن عبد العزيز.
قال إبراهيم بن الحارث التيمي:
قدم محمد بن جبير بن مطعم على عبد الملك بن مروان، وكان من علماء قريش، فقال له عبد الملك: يا أبا سعيد، ألم نكن - يعني بني عبد شمس - وأنتم - يعني بني نوفل - في حلف الفضول؟ قال: أنت أعلم يا أمير المؤمنين. قال: لتخبرني بالحق من ذلك، فقال: لا والله يا أمير المؤمنين، لقد خرجنا نحن وأنتم منه، وما كانت يدنا ويدكم إلا جميعاً في الجاهلية والإسلام.
روي عن محمد بن جبير بن مطعم أنه احتسب بعلمه، وجعله في بيت، وأغلق عليه باباً، ودفع المفتاح إلى مولاة له، وقال لها: من جاءك يطلب منك مما في هذا البيت شيئاً، فادفعي إليه المفتاح. ولا تذهبي من الكتب شيئاً.
قال عبد الرحمن بن أبي الزناد: وكان محمد بن جبير وأخوه نافع بن جبير ينزلان دار أبيهما بالمدينة. وتوفي محمد في خلافة سليمان بن عبد الملك. وكان محمد ثقة قليل الحديث.
ابن نوفل بن عبد مناف بن قصي بن كلاب أبو سعيد القرشي ثم النوفلي من أهل مكة، وفد دمشق على معاوية وعلى عبد الملك بن مروان.
حدث محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ بالطور في المغرب.
وكان يحدث: أنه بلغ معاوية - وهو عنده في وفد من قريش - أن عبد الله بن عمرو بن العاص حدث أنه سيكون ملك من قحطان. فغضب معاوية، فقام، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإنه بلغني أن رجالاً منكم يتحدثون أحاديث - وفي رواية: بأحاديث - ليست في كتاب الله، ولا تؤثر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأولئك جهالكم. فإياكم والأماني التي تضل أهلها. فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن هذا الأمر في قريش. لا يعاديهم أحد إلا أكبه الله على وجهه ما أقاموا الدين ".
حدث محمد بن سعد قال: في الطبقة الثانية من تابعي أهل المدينة محمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ويكنى أبا سعيد. توفي بالمدينة زمن عمر بن عبد العزيز.
قال إبراهيم بن الحارث التيمي:
قدم محمد بن جبير بن مطعم على عبد الملك بن مروان، وكان من علماء قريش، فقال له عبد الملك: يا أبا سعيد، ألم نكن - يعني بني عبد شمس - وأنتم - يعني بني نوفل - في حلف الفضول؟ قال: أنت أعلم يا أمير المؤمنين. قال: لتخبرني بالحق من ذلك، فقال: لا والله يا أمير المؤمنين، لقد خرجنا نحن وأنتم منه، وما كانت يدنا ويدكم إلا جميعاً في الجاهلية والإسلام.
روي عن محمد بن جبير بن مطعم أنه احتسب بعلمه، وجعله في بيت، وأغلق عليه باباً، ودفع المفتاح إلى مولاة له، وقال لها: من جاءك يطلب منك مما في هذا البيت شيئاً، فادفعي إليه المفتاح. ولا تذهبي من الكتب شيئاً.
قال عبد الرحمن بن أبي الزناد: وكان محمد بن جبير وأخوه نافع بن جبير ينزلان دار أبيهما بالمدينة. وتوفي محمد في خلافة سليمان بن عبد الملك. وكان محمد ثقة قليل الحديث.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=72686&book=5521#3b9b79
مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم بن عدي بن نَوْفَل بن منَاف الْقرشِي الْمدنِي كنيته أَبُو سعيد
روى عَن أَبِيه فِي الصَّلَاة وَالْحج وأسامي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والفضائل والصلة
روى عَنهُ الزُّهْرِيّ وَعَمْرو بن دِينَار وَسعد بن إِبْرَاهِيم
روى عَن أَبِيه فِي الصَّلَاة وَالْحج وأسامي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والفضائل والصلة
روى عَنهُ الزُّهْرِيّ وَعَمْرو بن دِينَار وَسعد بن إِبْرَاهِيم
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=72686&book=5521#7d7963
مُحَمَّد بْن جُبَيْر بْن مُطْعِمِ بْن عَدِيِّ بْن نوفل بْن عَبْد مناف أَبُو سَعِيد الْقُرَشِيّ،
يعد من (7) أهل الحجاز سَمِعَ أباه ومُعَاوية، روى عَنْهُ الزُّهْرِيّ وسعد بْن إِبْرَاهِيم وسَعِيد ابنه، نسبه لي ابْن أَبِي أويس عَنِ ابْن إِسْحَاق قَالَ وكَانَ من أعلم قريش بأحاديثها.
يعد من (7) أهل الحجاز سَمِعَ أباه ومُعَاوية، روى عَنْهُ الزُّهْرِيّ وسعد بْن إِبْرَاهِيم وسَعِيد ابنه، نسبه لي ابْن أَبِي أويس عَنِ ابْن إِسْحَاق قَالَ وكَانَ من أعلم قريش بأحاديثها.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=139735&book=5521#de029a
مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم بن عدي بن نَوْفَل بن عبد منَاف أَبُو سعيد الْقرشِي الْمدنِي أَخُو نَافِع بن جُبَير أخرج البُخَارِيّ فِي الصَّلَاة وَالْحج وَالْجهَاد عَن ابْنه عمر وَالزهْرِيّ وَعَمْرو بن دِينَار وَسعد بن إِبْرَاهِيم عَنهُ عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَعَن أَبِيه جُبَير بن مطعم قَالَ الْوَاقِدِيّ توفّي بِالْمَدِينَةِ زمن عمر بن عبد الْعَزِيز
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=114748&book=5521#09b051
محمد بن جبير بن مطعم القرشي أبو سعيد من علماء قريش وحفاظهم لايامها مات في خلافة عمر بن عبد العزيز
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=160869&book=5521#86a9d2
مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم الْقرشِي النَّوْفَلِي أَبُو سعيد الْمدنِي روى عَن أَبِيه وَعمر وَمُعَاوِيَة وَابْن عَبَّاس وروى عَنهُ بنوه إِبْرَاهِيم وَجبير وَسَعِيد وَعَمْرو وَالزهْرِيّ وَعَمْرو بن دِينَار وَآخَرُونَ وَثَّقَهُ الْعجلِيّ وَابْن خرَاش وَغَيرهمَا وَمَات فِي خلَافَة عمر بن عبد الْعَزِيز
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=64480&book=5521#95ae1b
مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة هُوَ ابْن عَليّ بن أبي طَالب مَشْهُور فِي التَّهْذِيب
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=64480&book=5521#fa2f21
محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ
- محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ وهُوَ مُحَمَّد الأكبر بْن عَلِيّ بْن أبي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ المطلب بن هاشم بْن عَبْد مناف بْن قصي. وأمه الحنفية خولة بِنْت جَعْفَر بْن قَيْس بْن مَسْلَمَة بْن ثَعْلَبَة بْن يربوع بْن ثَعْلَبَة بْن الدول بْن حنيفة بْن لجيم بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وائل. ويقال بل كانت أمه من سبي اليمامة فصارت إلى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. رَحِمَهُ اللَّهِ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ يَذْكُرُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْطَى عَلِيًّا أم محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: رَأَيْتُ أُمَّ محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ سِنْدِيَّةً سَوْدَاءَ وَكَانَتْ أَمَةً لِبَنِي حَنِيفَةَ وَلَمْ تَكُنْ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا صَالَحَهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَلَى الرَّقِيقِ وَلَمْ يُصَالِحْهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ قَالا: حَدَّثَنَا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ وَخَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالا: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ الْمُنْذِرِ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ قال: وقع بين علي وطلحة فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ: لا كَجُرْأَتِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ. سَمَّيْتَ بِاسْمِهِ وَكَنَّيْتَ بِكُنْيَتِهِ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَجْمَعَهُمَا أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ بعده. فقال عَلِيٌّ: إِنَّ الْجَرِيءَ مَنِ اجْتَرَأَ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ. اذْهَبْ يَا فُلانُ فَادْعُ لِي فُلانًا وَفُلانًا. لِنَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ. قَالَ فَجَاؤُوا فَقَالَ: بِمَ تَشْهَدُونَ؟ قَالُوا: . أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ كَانَ يُكْنَى أَبَا الْقَاسِمِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أخبرنا هُشَيْمٌ قَالَ: أخبرنا مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ ابن الْحَنَفِيَّةِ يُكْنَى أَبَا الْقَاسِمِ. أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ كَانَ يُكْنَى أَبَا الْقَاسِمِ. وَكَانَ كَثِيرُ الْعِلْمِ وَرِعًا. فَوَلَدَ محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ عَبْدَ اللَّهِ وَهُوَ أَبُو هَاشِمٍ وَحَمْزَةَ وَعَلِيًّا وَجَعْفَرًا الأَكْبَرَ وَأُمُّهُمْ أُمُّ وَلَدٍ. وَالْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدٍ. وَكَانَ مِنْ ظُرَفَاءِ بَنِي هَاشِمٍ وَأَهْلِ الْعَقْلِ مِنْهُمْ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الإِرْجَاءِ. وَلا عَقِبَ لَهُ وَأُمُّهُ جَمَالُ ابْنَةُ قَيْسِ بْن مَخْرَمَةُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ. وَإِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَأُمُّهُ مُسْرِعَةُ ابْنَةُ عَبَّادِ بْنِ شَيْبَانَ بْنِ جَابِرِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ نَسِيبِ بْنِ زَيْدِ بْن مَالِكِ بْن عَوْفِ بْن الْحَارِث بْن مازن بْن مَنْصُور بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلانَ بْنِ مُضَرَ حَلِيفُ بَنِي هَاشِمٍ. وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ لا بَقِيَّةَ لَهُ. وَأُمَّ أَبِيهَا وَأُمُّهُمْ أُمُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَاسْمُهَا بَرَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ. وَجَعْفَرًا الأَصْغَرَ وَعَوْنًا وَعَبْدَ اللَّهِ الأَصْغَرَ وَأُمُّهُمْ أُمُّ جَعْفَرٍ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدٍ وَرُقَيَّةَ وَأُمُّهُمَا أُمُّ وَلَدٍ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ مُنْذِرٍ الثوري قال: سمعت محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ يَقُولُ. وَذَكَرَ يَوْمَ الْجَمَلِ قَالَ: لَمَّا تَصَافَفْنَا أَعْطَانِي عَلِيٌّ الرَّايَةَ فَرَأَى مِنِّي نُكُوصًا لَمَّا دَنَا النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَأَخَذَهَا مِنِّي فَقَاتَلَ بِهَا. قَالَ فَحَمَلْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ. فَلَمَّا غَشَيْتُهُ قَالَ: أَنَا عَلَى دِينِ أَبِي طَالِبٍ. فَلَمَّا عَرَفْتُ الَّذِي أَرَادَ كَفَفْتُ عَنْهُ. بَيْنَهُمْ مَا قُوتِلَ بِهِ مِنْ سِلاحٍ أَوْ كُرَاعٍ. وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مَا أَجْلَبُوا بِهِ عَلَيْنَا مِنْ كُرَاعٍ أَوْ سِلاحٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ ابن الْحَنَفِيَّةِ يَقُولُ: كَانَ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَغْزُوَ مُعَاوِيَةَ وَأَهْلَ الشَّامِ فَجَعَلَ يَعْقِدُ لِوَاءَهُ ثُمَّ يَحْلِفُ لا يَحِلُّهُ حَتَّى يَسِيرَ. فَيَأْبَى عَلَيْهِ النَّاسُ وَيَنْتَشِرُ رَأْيُهُمْ وَيَجْبُنُونَ فَيُحِلُّهُ وَيُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ. حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. وَكُنْتُ أَرَى حَالَهُ فَأَرَى مَا لا يَسُرُّنِي. فَكَلَّمْتُ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ يَوْمَئِذٍ وَقُلْتُ لَهُ: أَلا تُكَلِّمُهُ أَيْنَ يَسِيرُ بِقَوْمٍ لا وَاللَّهِ مَا أَرَى عِنْدَهُمْ طَائِلا؟ فَقَالَ الْمِسْوَرُ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ يَسِيرُ لأَمْرٍ قَدْ حُمَّ. قَدْ كَلَّمْتُهُ فرأيته يأبى إلا المسير. قال محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ: فَلَمَّا رَأَى مِنْهُمْ مَا رَأَى قَالَ: . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: كَانَ عَلَى رَجَّالَةٍ عَلِيٌّ يَوْمَ صِفِّينَ عَمَّارُ بن ياسر. وكان محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ يَحْمِلُ رَايَتَهُ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ خَازِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شَرَاحِيلَ عَنْ حَنَشِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ الْغَافِقِيِّ. وَقَدْ كَانَ شَهِدَ صِفِّينَ مَعَ عَلِيٍّ. قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمًا وَالْتَقَيْنَا نَحْنُ وَأَهْلُ الشَّامِ فَاقْتَتَلْنَا حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ لا يَبْقَى أَحَدٌ. فَأَسْمَعُ صَائِحًا يَصِيحُ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اللَّهُ اللَّهُ. مَنْ لِلنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ. مَنْ لِلرُّومِ. مَنْ لِلتُّرْكِ. مَنْ لِلدَّيْلَمِ؟ اللَّهُ اللَّهُ وَالْبُقْيَا. فَأَسْمَعُ حَرَكَةً مِنْ خَلْفِي فَالْتَفَتُّ فَإِذَا عَلِيٌّ يَعْدُو بِالرَّايَةِ يُهَرْوِلُ بِهَا حَتَّى أَقَامَهَا. وَلَحِقَهُ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ فَأَسْمَعُهُ يَقُولُ: يَا بُنَيَّ الْزَمْ رَأَيْتَكَ فَإِنِّي مُتَقَدِّمٌ فِي الْقَوْمِ. فَأَنْظُرْ إِلَيْهِ يَضْرِبُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُفْرَجَ لَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهِمْ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ قَالَ: كُنْتُ عند محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَا أَشْهَدُ عَلَى أَحَدٍ بِالنَّجَاةِ وَلا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا عَلَى أَبِي الَّذِي وَلَدَنِي. قَالَ فَنَظَرَ الْقَوْمُ إِلَيْهِ. قَالَ: مَنْ كَانَ فِي النَّاسِ مِثْلَ عَلِيٍّ سَبَقَ لَهُ كَذَا سَبَقَ لَهُ كَذَا؟ أَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي يَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ ابن الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ فِي الشِّعْبِ: لَوْ أَنَّ أَبِي عَلِيًّا أَدْرَكَ هَذَا الأَمْرَ لَكَانَ هَذَا مَوْضِعُ رَحْلِهِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيِّ عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: أَهْلُ بَيْتَيْنِ مِنَ الْعَرَبِ يَتَّخِذُهُمَا النَّاسُ أَنْدَادًا مِنْ دُونِ اللَّهِ. نَحْنُ وَبَنُو عَمِّنَا هَؤُلاءِ. يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْثَرٌ أَبُو زبيد عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي حَفْصَة عَنْ مُنْذِرٍ أَبِي يَعْلَى عَنْ محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: نَحْنُ أَهْلُ بَيْتَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ نتخذ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا. نَحْنُ وَبَنُو أُمَيَّةَ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ: سَلامٌ عَلَيْكَ يَا مَهْدِيٌّ. فَقَالَ: أَجَلْ أَنَا مَهْدِيُّ أُهْدِي إِلَى الرُّشْدِ وَالْخَيْرِ. اسْمِي اسْمُ نَبِيِّ اللَّهِ وَكُنْيَتِي كُنْيَةُ نَبِيِّ اللَّهِ. فَإِذَا سَلَّمَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ. السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَلاءِ الْخَفَّافُ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ الحنفية فسلم عليه فرد ع فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ؟ فَحَرَّكَ يَدَهُ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ. أَمَا آنَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا كَيْفَ نَحْنُ؟ إِنَّمَا مَثَلُنَا فِي هَذِهِ الأُمَّةِ مَثَلُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي آلِ فِرْعَوْنَ. كَانَ يَذْبَحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ. وَإِنَّ هَؤُلاءِ يَذْبَحُونَ أَبْنَاءَنَا وَيَنْكِحُونَ نِسَاءَنَا بِغَيْرِ أَمْرِنَا. فَزَعَمَتِ الْعَرَبُ أَنَّ لَهَا فَضْلا عَلَى الْعَجَمِ فَقَالَتِ الْعَجَمُ: وَمَا ذاك؟ قالوا: كان محمد عَرَبِيًّا. قَالُوا: صَدَقْتُمْ. قَالُوا: وَزَعَمَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ لَهَا فَضْلا عَلَى الْعَرَبِ فَقَالَتِ الْعَرَبُ: وَبِمَ ذَا؟ قَالُوا: قَدْ كَانَ مُحَمَّدٌ قُرَشِيًّا. فَإِنْ كَانَ الْقَوْمُ صَدَّقُوا فَلَنَا فَضْلٌ عَلَى النَّاسِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ قَالَ: أخبرنا عُمَرُ بْنُ زِيَادٍ الْهُذَلِيُّ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ حَدَّثَهُ قَالَ: لَقِيتُ بِخُرَاسَانَ رَجُلا مِنْ عَزَّةَ. قَالَ قُلْتُ لِلأَسْوَدِ: مَا اسْمُهُ؟ قَالَ: لا أَدْرِي. قَالَ: أَلا أَعْرِضُ عَلَيْكَ خُطْبَةَ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ؟ قَالَ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي رَهْطٍ يُحَدِّثُهُمْ فَقُلْتُ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مَهْدِيُّ. قَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلامُ. قَالَ قُلْتُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً. قَالَ: أَسِرٌّ هِيَ أم عَلانِيَةٌ؟ قَالَ قُلْتُ: بَلْ سِرٌّ. قَالَ: اجْلِسْ. فَجَلَسْتُ وَحَدَّثَ الْقَوْمَ سَاعَةً ثُمَّ قَامَ فَقُمْتُ مَعَهُ. فَلَمَّا أَنْ دَخَلَ دَخَلْتُ مَعَهُ بَيْتَهُ. قَالَ: قُلْ بِحَاجَتِكَ. قَالَ فَحَمِدْتُ اللَّهَ وَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ وَشَهِدْتُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وشهدت أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ثُمَّ قُلْتُ: أَمَّا بعد فو الله مَا كُنْتُمْ أَقْرَبَ قُرَيْشٍ إلينا قَرَابَةً فَنُحِبُّكُمْ عَلَى قَرَابَتِكُمْ وَلَكِنْ كُنْتُمْ أَقْرَبَ قُرَيْشٍ إِلَى نَبِيِّنَا قَرَابَةً فَلِذَلِكَ أَحْبَبْنَاكُمْ عَلَى قَرَابَتِكُمْ مِنْ نَبِيِّنَا. فَمَا زَالَ بِنَا الشَّيْنُ فِي حُبِّكُمْ حَتَّى ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الأَعْنَاقُ وَأُبْطِلَتِ الشَّهَادَاتُ وَشَرَدْنَا فِي الْبِلادِ وَأُوذِينَا حَتَّى لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَذْهَبَ فِي الأَرْضِ قَفْرًا فَأَعْبُدَ اللَّهَ حَتَّى أَلْقَاهُ لَوْلا أَنْ يَخْفَى عَلَيَّ أَمْرُ آلِ مُحَمَّدٍ. وَحَتَّى هَمَمْتُ أَنْ أَخْرُجَ مَعَ أَقْوَامٍ شَهَادَتُنَا وَشَهَادَتُهُمْ وَاحِدَةٌ عَلَى أُمَرَائِنَا فَيَخْرُجُونَ فَيُقَاتِلُونَ وَنُقِيمُ. فَقَالَ عُمَرُ: يَعْنِي الْخَوَارِجَ. وَقَدْ كَانَتْ تَبْلُغُنَا عَنْكَ أَحَادِيثُ من وَرَاءَ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُشَافِهُكَ لِلْكَلامِ فَلا أَسْأَلُ عَنْكَ أَحَدًا وَكُنْتَ أَوْثَقَ النَّاسِ فِي نَفْسِي وَأَحَبَّهُ إلي أَنْ أَقْتَدِيَ بِهِ. فَأَرَى بِرَأْيِكَ وَكَيْفَ تَرَى الْمَخْرَجَ. أَقُولُ هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ. قَالَ فَحَمِدَ اللَّهَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَشَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَشَهِدَ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِيَّاكُمْ وَهَذِهِ الأَحَادِيثَ فَإِنَّهَا عَيْبٌ عَلَيْكُمْ. وَعَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَإِنَّهُ بِهِ هَدْيُ أَوَّلِكُمْ وَبِهِ يُهْدَى آخِرُكُمْ. وَلَعَمْرِي لَئِنْ أُوذِيتُمْ لَقَدْ أُوذِيَ مَنْ كَانَ خَيْرًا مِنْكُمْ. أَمَّا قِيلُكَ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَذْهَبَ فِي الأَرْضِ قَفْرًا فَأَعْبُدَ اللَّهَ حَتَّى أَلْقَاهُ وَأَجْتَنِبَ أُمُورَ النَّاسِ لَوْلا أَنْ يَخْفَى عَلَيَّ أُمُورُ آلِ مُحَمَّدٍ. فَلا تَفْعَلْ فَإِنَّكَ تِلْكَ الْبِدْعَةُ الرَّهْبَانِيَّةُ. وَلَعَمْرِي لأَمْرُ آلِ محمد أبين من طلوع هذه الشَّمْسِ. وَأَمَّا قِيلُكَ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَخْرُجَ مَعَ أَقْوَامٍ شَهَادَتُنَا وَشَهَادَتُهُمْ وَاحِدَةٌ عَلَى أُمَرَائِنَا فَيَخْرُجُونَ فَيُقَاتِلُونَ وَنُقِيمُ. فَلا تَفْعَلْ. لا تُفَارِقِ الأُمَّةَ. اتَّقِ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ بِتَقِيَّتِهِمْ. قَالَ عُمَرُ: يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ. وَلا تُقَاتِلْ مَعَهُمْ. قَالَ قُلْتُ: وَمَا تَقِيَّتُهُمْ؟ قَالَ: تُحْضِرُهُمْ وَجْهَكَ عِنْدَ عَوْدَتِهِمْ فَيَدْفَعُ اللَّهُ بِذَلِكَ عَنْكَ عَنْ دَمِكَ وَدِينِكَ وَتُصِيبُ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي أَنْتَ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُمْ. قَالَ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَطَافَ بِي قِتَالٌ لَيْسَ لِي مِنْهُ بُدٌّ؟ قَالَ: تُبَايِعُ بِإِحْدَى يَدَيْكَ الأُخْرَى لِلَّهِ. وَتُقَاتِلُ لِلَّهِ. فَإِنَّ اللَّهَ سَيُدْخِلُ أَقْوَامًا بِسَرَائِرِهِمُ الْجَنَّةَ وَسَيُدْخِلُ أَقْوَامًا بِسَرَائِرِهِمُ النَّارَ. وَإِنِّي أُذَكِّرُكَ اللَّهَ أَنْ تُبَلِّغَ عَنِّي مَا لَمْ تَسْمَعْ مِنِّي أَوْ أَنْ تَقُولَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ. يَعْنِي ابْنُ عُيَيْنَةَ. قَالَ: حَدَّثَنِي الأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: بَايِعْ بِإِحْدَى يَدَيْكَ عَلَى الأُخْرَى وَقَاتِلْ عَلَى نِيَّتِكَ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ مُنْذِرٍ قَالَ: سمعت محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ يَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ لَصَاعِقَةٌ لا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ عَنْ أبي الطفيل عن محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: الْزَمْ هَذَا الْمَكَانَ وَكُنْ حَمَامَةً مِنْ حَمَامِ الْحَرَمِ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُنَا فَإِنَّ أَمَرَنَا إِذَا جَاءَ فَلَيْسَ بِهِ خِفَاءٌ كَمَا لَيْسَ بِالشَّمْسِ إِذَا طَلَعَتْ خَفَاءٌ. وَمَا يُدْرِيكَ إِنْ قَالَ لَكَ النَّاسُ تَأْتِي مِنَ الْمَشْرِقِ وَيَأْتِي اللَّهُ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ. وَمَا يُدْرِيكَ إِنْ قَالَ لَكَ النَّاسُ تَأْتِي مِنَ الْمَغْرِبِ وَيَأْتِي اللَّهُ بِهَا مِنَ الْمَشْرِقِ. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّنَا سَنُؤْتَى بِهَا كَمَا يُؤْتَى بِالْعَرُوسِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ الْمُنْذِرِ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ: مَنْ أَحَبَّنَا نَفَعَهُ اللَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي الدَّيْلَمِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: وَدِدْتُ لَوْ فديت شيعتنا هؤلاء ولو بِبَعْضِ دَمِي. قَالَ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى عَلَى الْمِفْصَلِ وَالْعُرُوقِ ثُمَّ قَالَ: لَحَدِيثُهُمُ الْكَذِبُ وَإِذَاعَتُهُمُ الشَّرُّ حَتَّى إِنَّهَا لَوْ كَانَتْ أُمَّ أَحَدِهِمُ الَّتِي وَلَدَتْهُ أَغْرَى بِهَا حَتَّى تُقْتَلَ. أَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْحَارِثِ الأَزْدِيِّ قَالَ: قَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً أَغْنَى نَفْسَهُ وَكُفَّ يَدَهُ وَأَمْسَكَ لِسَانَهُ وَجَلَسَ فِي بَيْتِهِ. لَهُ مَا احْتَسَبَ وَهُوَ مَعَ مَنْ أَحَبَّ. أَلا إِنَّ أَعْمَالَ بَنِي أُمَيَّةَ أَسْرَعُ فِيهِمْ مِنْ سُيُوفِ الْمُسْلِمِينَ. أَلا إِنَّ لأَهْلِ الْحَقِّ دَوْلَةً يَأْتِي بِهَا اللَّهُ إِذَا شَاءَ. فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ وَمِنَّا كَانَ عِنْدَنَا فِي السَّنَامِ الأَعْلَى. وَمَنْ يَمُتْ فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ قال: أخبرنا أَبُو شِهَابٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي يَعْلَى عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ رَجُلا لِلَّهِ لِعَدْلٍ ظَهَرَ مِنْهُ وَهُوَ فِي عِلْمِ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ آجَرَهُ اللَّهُ عَلَى حُبِّهُ إِيَّاهُ كَمَا لَوْ كَانَ أَحَبَّ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَمَنْ أَبْغَضَ رَجُلا لِلَّهِ لِجَوْرٍ ظهر منه وهو في علم الله من أَهْلِ الْجَنَّةِ آجَرَهُ اللَّهُ عَلَى بُغْضِهِ إِيَّاهُ كَمَا لَوْ كَانَ أَبْغَضَ رَجُلا مِنْ أَهْلِ النَّارِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أُمِّ بَكْرٍ بِنْتِ الْمِسْوَرِ قَالَتْ: كَانَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي حَصْرِهِ الأَوَّلِ أَشَدَّ النَّاسِ مَعَهُ وَيُرِيهِ أَنَّهُ شِيعَةٌ لَهُ. وَابْنُ الزُّبَيْرِ مُعْجَبٌ بِهِ وَيَحْمِلُ عَلَيْهِ فَلا يَسْمَعُ عَلَيْهِ كَلامًا. وَكَانَ الْمُخْتَارُ يختلف إلى محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ. وَكَانَ مُحَمَّدٌ لَيْسَ فِيهِ بِحُسْنِ الرَّأْيِ وَلا يَقْبَلُ كَثِيرًا مِمَّا يَأْتِي بِهِ. فَقَالَ الْمُخْتَارُ: أَنَا خَارِجٌ إِلَى الْعِرَاقِ. فَقَالَ لَهُ محمد: فاخرج وَهَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَامِلٍ الْهَمْدَانِيُّ يَخْرُجُ مَعَكَ. وَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ: تَحَرَّزْ مِنْهُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ كَبِيرُ أَمَانَةٍ. وَجَاءَ الْمُخْتَارُ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: اعْلَمْ أَنَّ مَكَانِي مِنَ الْعِرَاقِ أَنْفَعُ لَكَ مِنْ مَقَامِي هَاهُنَا. فَأَذِنَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَخَرَجَ هُوَ وَابْنُ كَامِلٍ. وَابْنُ الزُّبَيْرِ لا يَشُكُّ فِي مُنَاصَحَتِهِ. وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى الْغِشِّ لابْنِ الزُّبَيْرِ. فَخَرَجَا حَتَّى لَقِيَا لاقِيًا بِالْعُذَيْبِ فَقَالَ الْمُخْتَارُ: أَخْبِرْنَا عَنِ النَّاسِ. فَقَالَ: تَرَكْتُ النَّاسَ كَالسَّفِينَةِ تَجُولُ لا مَلاحَ لَهَا. فَقَالَ الْمُخْتَارُ: فَأَنَا مَلاحُهَا الَّذِي يُقِيمُهَا. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْمُخْتَارُ الْعِرَاقِ اخْتَلَفَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ. وَهُوَ وَالِي الْكُوفَةِ يَوْمَئِذٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَأَظْهَرَ مُنَاصَحَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَابَهُ فِي السِّرِّ. وَدَعَا إِلَى ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَحَرَّضَ النَّاسَ عَلَى ابْنِ مُطِيعٍ. وَاتَّخَذَ شِيعَةً. يَرْكَبُ فِي خَيْلٍ عَظِيمَةٍ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ابْنُ مُطِيعٍ خَافَهُ فَهَرَبَ مِنْهُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ وَغَيْرُهُمَا قَالُوا: كَانَ الْمُخْتَارُ لَمَّا قَدِمَ الْكُوفَةَ كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَعْيَبَهُ لَهُ. وَجَعَلَ يُلْقِي إِلَى النَّاسِ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَطْلُبُ هَذَا الأَمْرَ لأَبِي الْقَاسِمِ. يَعْنِي ابْنَ الْحَنِفِيَّةِ. ثُمَّ ظَلَمَهُ إِيَّاهُ. وَجَعَلَ يَذْكُرُ ابْنَ الْحَنِفِيَّةِ وَحَالَهُ وَوَرَعَهُ وَأَنَّهُ بَعَثَهُ إِلَى الْكُوفَةِ يَدْعُو لَهُ. وَأَنَّهُ كَتَبَ لَهُ كِتَابًا فَهُوَ لا يَعْدُوهُ إِلَى غَيْرِهِ. وَيَقْرَأُ ذَلِكَ الْكِتَابَ عَلَى مَنْ يَثِقُ بِهِ. وَجَعَلَ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ لمحمد ابن الحنفية فيبايعونه لَهُ سِرًّا. فَشَكَّ قَوْمٌ مِمَّنْ بَايَعَهُ فِي أَمْرِهِ وَقَالُوا: أَعْطَيْنَا هَذَا الرَّجُلَ عُهُودَنَا أَنْ زَعَمَ أَنَّهُ رَسُولُ ابْنِ الْحَنِفِيَّةِ. وَابْنُ الْحَنِفِيَّةِ بِمَكَّةَ لَيْسَ مِنَّا بِبَعِيدٍ وَلا مُسْتَتِرٍ. فَلَوْ شَخَصَ مِنَّا قَوْمٌ إِلَيْهِ فَسَأَلُوهُ عَمَّا جَاءَ بِهِ هَذَا الرَّجُلُ عَنْهُ. فَإِنْ كَانَ صَادِقًا نَصَرْنَاهُ وَأَعَنَّاهُ عَلَى أَمْرِهِ. فَشَخَصَ مِنْهُمْ قَوْمٌ فَلَقُوا ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ بِمَكَّةَ فَأَعْلَمُوهُ أَمْرَ الْمُخْتَارِ وَمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ فَقَالَ: نَحْنُ حَيْثُ تَرَوْنَ مُحْتَسِبُونَ وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي سُلْطَانَ الدُّنْيَا بِقَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَلَوَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ انْتَصَرَ لَنَا بِمَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ. فَاحْذَرُوا الْكَذَّابِينَ وَانْظُرُوا لأَنْفُسِكُمْ وَدِينِكُمْ. فَانْصَرَفُوا عَلَى هَذَا. وَكَتَبَ الْمُخْتَارُ كِتَابًا عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدِ ابن الْحَنَفِيَّةِ إِلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ الأَشْتَرِ. وَجَاءَ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ الْمُخْتَارُ أَمِينُ آلِ مُحَمَّدٍ وَرَسُولُهُ. فَأَذِنَ لَهُ وَحَيَّاهُ وَرَحَّبَ بِهِ وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى فِرَاشِهِ. فَتَكَلَّمَ الْمُخْتَارُ. وَكَانَ مُفَوَّهًا. فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ أَهْلُ بَيْتٍ قَدْ أَكْرَمَكُمُ اللَّهَ بِنُصْرَةِ آلِ مُحَمَّدٍ. وَقَدْ رَكِبَ مِنْهُمْ مَا قَدْ عَلِمْتَ. وَحُرِمُوا وَمُنِعُوا حَقَّهُمْ وَصَارُوا إِلَى مَا رَأَيْتَ. وَقَدْ كَتَبَ إِلَيْكَ الْمَهْدِيُّ كِتَابًا. وَهَؤُلاءِ الشُّهُودُ عَلَيْهِ. فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ أَنَسٍ الأَسَدِيُّ وَأَحْمَرُ بْنُ شُمَيْطٍ الْبَجَلِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَامِلٍ الشَّاكِرِيُّ وَأَبُو عَمْرَةَ كَيْسَانُ مَوْلَى بَجِيلَةَ: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا كِتَابَهُ قَدْ شَهِدْنَاهُ حِينَ دَفَعَهُ إِلَيْهِ. فَقَبَضَهُ إِبْرَاهِيمُ وَقَرَأَهُ ثُمَّ قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُجِيبُ وَقَدْ أَمَرَنَا بِطَاعَتِكَ وَمُؤَازَرَتِكَ فَقُلْ مَا بَدَا لَكَ وَادْعُ إِلَى مَا شِئْتَ. ثُمَّ كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَرْكَبُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَزَرَعَ ذَلِكَ فِي صُدُورِ النَّاسِ. وَوَرَدَ الْخَبَرُ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فَتَنَكَّرَ لِمُحَمَّدِ ابن الْحَنَفِيَّةِ. وَجَعَلَ أَمْرُ الْمُخْتَارِ يَغْلُظُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَيَكْثُرُ تَبَعُهُ. وَجَعَلَ يَتَتَبَّعُ قَتَلَةَ الْحُسَيْنِ وَمَنْ أَعَانَ عَلَيْهِ فَيَقْتُلُهُمْ. ثُمَّ بَعَثَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الأَشْتَرِ فِي عِشْرِينَ أَلْفًا إِلَى عُبَيْدِ الله بْنِ زِيَادٍ فَقَتَلَهُ وَبَعَثَ بِرَأْسِهِ إِلَى الْمُخْتَارِ فَعَمَدَ إِلَيْهِ الْمُخْتَارُ فَجَعَلَهُ فِي جُونَةٍ. ثُمَّ بعث به إلى محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَسَائِرِ بَنِي هَاشِمٍ. وَكَانَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ يَكْرَهُ أَمْرَ الْمُخْتَارِ وَمَا يَبْلُغُهُ عَنْهُ وَلا يُحِبُّ كَثِيرًا مِمَّا يَأْتِي بِهِ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَصَابَ بِثَأْرِنَا وَأَدْرَكَ وَغْمَنَا وَآثَرَنَا وَوَصَلَنَا. فَكَانَ يُظْهِرُ الْجَمِيلَ فِيهِ لِلْعَامَّةِ. فَلَمَّا اتَّسَقَ الأَمْرُ لِلْمُخْتَارِ كَتَبَ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَهْدِيِّ: مِنَ الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الطَّالِبِ بِثَأْرِ آلِ مُحَمَّدٍ. أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَنْتَقِمْ مِنْ قَوْمٍ حَتَّى يُعَذِّرَ إِلَيْهِمْ. وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ الْفَسَقَةَ وَأَشْيَاعَ الْفَسَقَةِ وَقَدْ بَقِيَتْ بَقَايَا أَرْجُو أَنْ يُلْحِقَ اللَّهُ آخِرَهُمْ بِأَوَّلِهِمْ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ وَهِشَامُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَالْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَغَيْرِهِمْ أَيْضًا قَدْ حَدَّثَنِي قَالُوا: لَمَّا جَاءَ نَعْيُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى الْمَدِينَةِ كَانَ بِهَا يومئذ الحسين بن علي ومحمد ابن الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ الزُّبَيْرِ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ. فَخَرَجَ الْحُسَيْنُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَى مَكَّةَ. وَأَقَامَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى سَمِعَ بِدُنُوِّ جَيْشٍ مسرف وأيام الْحَرَّةِ فَرَحَلَ إِلَى مَكَّةَ فَأَقَامَ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَلَمَّا جَاءَ نَعْيُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَبَايَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لِنَفْسِهِ وَدَعَا النَّاسَ إِلَيْهِ دعا ابن عباس ومحمد ابن الْحَنَفِيَّةِ إِلَى الْبَيْعَةَ لَهُ فَأَبَيَا يُبَايِعَانِ لَهُ وَقَالا: حَتَّى يَجْتَمِعَ لَكَ الْبِلادُ وَيَتَّسِقَ لَكَ النَّاسُ. فَأَقَامَا عَلَى ذَلِكَ مَا أَقَامَا. فَمَرَّةً يُكَاشِرُهُمَا وَمَرَّةً يَلِينُ لَهُمَا وَمَرَّةً يُبَادِيهُمَا. ثُمَّ غَلُظَ عَلَيْهِمَا فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ كَلامٌ وَشَرٌّ. فَلَمْ يَزَلِ الأَمْرُ يَغْلُظُ حَتَّى خَافَا مِنْهُ خَوْفًا شَدِيدًا وَمَعَهُمَا النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ. فَأَسَاءَ جوارهم وحصرهم وآذاهم. وقصد لمحمد ابن الْحَنَفِيَّةِ فَأَظْهَرَ شَتْمُهُ وَعَيْبَهُ وَأَمَرَهُ وَبَنِي هَاشِمٍ أَنْ يَلْزَمُوا شِعْبَهُمْ بِمَكَّةَ. وَجَعَلَ عَلَيْهِمُ الرُّقَبَاءَ وَقَالَ لَهُمْ فِيمَا يَقُولُ: وَاللَّهِ لَتُبَايِعَنَّ أَوْ لأَحْرِقَنَّكُمْ بِالنَّارِ. فَخَافُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ. قَالَ سُلَيْمٌ أبو عامر: فرأيت محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ مَحْبُوسًا فِي زَمْزَمَ وَالنَّاسُ يُمْنَعُونَ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لأَدْخُلَنَّ عَلَيْهِ. فَدَخَلْتُ فَقُلْتُ: مَا بَالُكَ وَهَذَا الرَّجُلُ؟ فَقَالَ: دَعَانِي إِلَى الْبَيْعَةِ فَقُلْتُ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَيْكَ فَأَنَا كَأَحَدِهِمْ. فَلَمْ يَرْضَ بِهَذَا مِنِّي. فَاذْهَبْ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلامَ وَقُلْ يَقُولُ لَكَ ابْنُ عَمِّكَ مَا تَرَى؟ قَالَ سُلَيْمٌ: فَدَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ ذَاهِبُ الْبَصَرِ فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: أَنْصَارِيٌّ. فَقَالَ: رُبَّ أَنْصَارِيٍّ هُوَ أَشَدُّ علينا من عدونا. فقلت: لا تخف. أنا مِمَّنْ لَكَ كُلُّهُ. قَالَ: هَاتِ. فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ: قُلْ لَهُ لا تُطِعْهُ ولا نعمة عين إلا ما قلت. لا تَزِدْهُ عَلَيْهِ. فَرَجَعْتُ إِلَى ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَأَبْلَغْتُهُ مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. فَهَمَّ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَقْدَمَ إِلَى الْكُوفَةِ وَبَلَغَ ذَلِكَ الْمُخْتَارَ فَثَقُلَ عَلَيْهِ قُدُومُهُ فَقَالَ: إِنَّ فِي الْمَهْدِيِّ عَلامَةً يَقْدَمُ بَلَدَكُمْ هَذَا فَيَضْرِبُهُ رَجُلٌ فِي السُّوقِ بِالسَّيْفِ لا تَضُرُّهُ وَلا تَحِيكُ فِيهِ. فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ فَأَقَامَ فَقِيلَ لَهُ: لَوْ بَعَثْتَ إِلَى شِيعَتِكَ بِالْكُوفَةِ فَأَعْلَمْتَهُمْ مَا أنتم فيه. فبعث أبا الطفيل عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ إِلَى شِيعَتِهِمْ بِالْكُوفَةِ. فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: إِنَّا لا نَأْمَنُ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى هَؤُلاءِ الْقَوْمِ. وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْخَوْفِ. فَقَطَعَ الْمُخْتَارُ بَعْثًا إِلَى مَكَّةَ فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةَ آلافٍ. فَعَقَدَ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ عَلَيْهِمْ وَقَالَ لَهُ: سِرْ فَإِنْ وجدت بني هاشم الْحَيَاةِ فَكُنْ لَهُمْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَضُدًا وَانْفِذْ لِمَا أَمَرُوكَ بِهِ. وَإِنْ وَجَدْتَ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ قَتَلَهُمْ فَاعْتَرِضْ أَهْلَ مَكَّةَ حَتَّى تَصِلْ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ ثُمَّ لا تَدَعْ مِنْ آلِ الزُّبَيْرِ شُفْرًا وَلا ظُفْرًا. وَقَالَ: يَا شُرْطَةَ اللَّهِ لَقَدْ أَكْرَمَكُمُ اللَّهُ بِهَذَا الْمَسِيرِ وَلَكُمْ بِهَذَا الْوَجْهِ عَشْرُ حِجَجٍ وَعَشْرُ عُمَرَ. وَسَارَ الْقَوْمُ وَمَعَهُمُ السِّلاحُ حَتَّى أَشْرَفُوا عَلَى مَكَّةَ فَجَاءَ الْمُسْتَغِيثُ: أَعْجِلُوا فَمَا أُرَاكُمْ تُدْرِكُونَهُمْ. فَقَالَ النَّاسُ: لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُوَّةِ عَجَّلُوا. فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ ثَمَانُمِائَةٍ رَأْسُهُمْ عَطِيَّةُ بْنُ سَعْدِ بْنِ جُنَادَةَ الْعَوْفِيُّ حَتَّى دَخَلُوا مَكَّةَ فَكَبَّرُوا تَكْبِيرَةً سَمِعَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ فَانْطَلَقَ هَارِبًا حَتَّى دَخَلَ دَارَ النَّدْوَةِ. وَيُقَالُ بَلْ تَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَقَالَ: أَنَا عَائِذُ اللَّهِ. قَالَ عَطِيَّةُ: ثُمَّ مِلْنَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَأَصْحَابُهُمَا فِي دُورٍ قَدْ جُمِعَ لَهُمُ الحطب فأحيط بهم حتى بلغ رؤوس الْجُدُرِ لَوْ أَنَّ نَارًا تَقَعُ فِيهِ مَا رثي مِنْهُمْ أَحَدٌ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ. فَأَخَّرْنَاهُ عَنِ الأَبْوَابِ. وَعَجَّلَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس. وهو يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ. فَأَسْرَعَ فِي الْحَطَبِ يُرِيدُ الْخُرُوجَ فَأَدْمَى سَاقَيْهِ. وَأَقْبَلَ أَصْحَابُ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَكُنَّا صَفَّيْنِ نَحْنُ وَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ نَهَارُنَا وَنَهَارُهُ لا نَنْصَرِفُ إِلا إِلَى صَلاةٍ حَتَّى أَصْبَحْنَا. وَقَدِمَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيُّ فِي النَّاسِ فَقُلْنَا لابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الْحَنَفِيَّةِ: ذَرُونَا نُرِيحُ النَّاسَ مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. فَقَالا: هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَهُ اللَّهُ. مَا أَحَلَّهُ لأَحَدٍ إِلا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَاعَةً مَا أَحَلَّهُ لأَحَدٍ قَبْلَهُ وَلا يُحِلُّهُ لأَحَدٍ بَعْدَهُ. فَامْنَعُونَا وَأَجِيرُونَا. قَالَ فَتَحَمَّلُوا وَإِنَّ مُنَادِيًا لَيُنَادِي فِي الْجَبَلِ: مَا غَنِمَتْ سَرِيَّةٌ بَعْدَ نَبِيِّهَا مَا غَنِمَتْ هَذِهِ السَّرِيَّةُ. إِنَّ السَّرَايَا تَغْنَمُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَإِنَّمَا غَنِمْتُمْ دِمَاءَنَا. فَخَرَجُوا بِهِمْ حَتَّى أَنْزَلُوهُمْ مِنًى فَأَقَامُوا بِهَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُقِيمُوا ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى الطَّائِفِ فَأَقَامُوا مَا أَقَامُوا. وَتُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وصلى عليه محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ. وَبَقِينَا مَعَ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ. فَلَمَّا كَانَ الْحَجُّ وَحَجَّ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ مَكَّةَ فَوَافَى عرفة في أصحابه. ووافى محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ مِنَ الطَّائِفِ فِي أَصْحَابِهِ. فَوَقَفَ بِعَرَفَةَ. وَوَافَى نَجْدَةَ بْنَ عَامِرٍ الْحَنَفِيَّ تِلْكَ السَّنَةَ فِي أَصْحَابِهِ مِنَ الْخَوَارِجِ فَوَقَفَ نَاحِيَةً. وَحَجَّتْ بَنُو أُمَيَّةَ عَلَى لِوَاءٍ فَوَقَفُوا بِعَرَفَةَ فِيمَنْ مَعَهُمْ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُرَحْبِيلُ بْنُ أَبِي عَوْنٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَقَفَتْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَرْبَعَةُ أَلْوِيَةٍ بِعَرَفَةَ: محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ فِي أَصْحَابِهِ عَلَى لِوَاءٍ قَامَ عِنْدَ حَبْلِ الْمُشَاةِ. وَحَجَّ ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي أَصْحَابِهِ مَعَهُ لِوَاءٌ فَقَامَ مَقَامَ الإِمَامِ الْيَوْمَ. ثُمَّ تقدم محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ بِأَصْحَابِهِ حَتَّى وَقَفَ حِذَاءَ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَوَافَى نَجْدَةَ الْحَرُورِيَّ فِي أَصْحَابِهِ وَمَعَهُ لِوَاءٌ فَوَقَفَ خَلْفَهُمَا. وَوَافَتْ بَنُو أُمَيَّةَ وَمَعَهُمْ لِوَاءٌ فَوَقَفُوا عَنْ يَسَارِهِمَا. فَكَانَ أَوَّلُ لِوَاءٍ أَنْغَضَ لواء محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ. ثُمَّ تَبِعَهُ نَجْدَةُ. ثُمَّ لِوَاءُ بَنِي أُمَيَّةَ. ثُمَّ لِوَاءُ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَاتَّبَعَهُ النَّاسُ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمْ يَدْفَعِ ابْنُ الزُّبَيْرِ تِلْكَ الْعَشِيَّةَ إِلا بِدَفْعِهِ ابْنِ عُمَرَ. فَلَمَّا أَبْطَأَ ابْنُ الزُّبَيْرِ. وَقَدْ مَضَى ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَنَجْدَةُ وَبَنُو أُمَيَّةَ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَيَنْتَظِرُ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ؟ ثُمَّ دَفَعَ فَدَفَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى أَثَرِهِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ يَقُولُ: دَفَعْتُ مِنْ عَرَفَةَ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ وَتِلْكَ السُّنَّةُ فَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: عَجِّلْ مُحَمَّدُ عَجِّلْ مُحَمَّدُ. فَعَنْ مَنْ أَخَذَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الإِغْسَاقَ؟ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَقَامَ الْحَجَّ تِلْكَ السَّنَةَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَحَجَّ عامئذ محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ فِي الْخَشَبِيَّةِ مَعَهُ. وَهُمْ أَرْبَعَةُ آلافٍ نَزَلُوا فِي الشِّعْبِ الأَيْسَرِ مِنْ مِنًى. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْرَائِيلُ عَنْ ثُوَيْرٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الشِّعْبِ الأَيْسَرِ مِنْ مِنًى فِي أَصْحَابِهِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خِفْتُ الْفِتْنَةَ فَمَشَيْتُ إِلَيْهِمْ جَمِيعًا فَجِئْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ فِي الشِّعْبِ فَقُلْتُ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّا فِي مِشْعَرٍ حَرَامٍ وَبَلَدٍ حَرَامٍ. وَالنَّاسُ وَفْدُ اللَّهِ إِلَى هَذَا الْبَيْتِ. فَلا تُفْسِدْ عَلَيْهِمْ حَجَّهُمْ. فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أُرِيدُ ذَلِكَ وَمَا أَحُولُ بَيْنَ أَحَدٍ وَبَيْنَ هَذَا الْبَيْتِ. وَلا يُؤْتَى أَحَدٌ مِنَ الْحَاجِّ مِنْ قِبَلِي وَلَكِنِّي رَجُلٌ أَدْفَعُ عَنْ نَفْسِي مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَمَا يُرِيدُ مِنِّي. وَمَا أَطْلُبُ هَذَا الأَمْرَ إِلا أَنْ لا يَخْتَلِفَ عَلَيَّ فيه اثْنَانِ. وَلَكِنِ ائْتِ ابْنَ الزُّبَيْرِ فَكَلِّمْهُ وَعَلَيْكَ بِنَجْدَةَ فَكَلِّمْهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ: فَجِئْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ فَكَلَّمْتُهُ بِنَحْوٍ مِمَّا كَلَّمْتُ بِهِ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ: أَنَا رَجُلٌ قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيَّ وَبَايَعَنِي النَّاسُ. وَهَؤُلاءِ أَهْلُ خِلافٍ. فَقُلْتُ: إِنَّ خَيْرًا لَكَ الْكَفٌّ. فَقَالَ: أَفْعَلُ. ثُمَّ جِئْتُ نَجْدَةَ الْحَرُورِيَّ فَأَجِدُهُ فِي أَصْحَابِهِ وَأَجِدُ عِكْرِمَةَ غُلامَ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَهُ. فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِي عَلَى صَاحِبِكَ. قَالَ فَدَخَلَ فَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ أَذِنَ لِي فَدَخَلْتُ فَعَظَّمْتُ عَلَيْهِ وَكَلَّمْتُهُ بِمَا كَلَّمْتُ بِهِ الرَّجُلَيْنِ فَقَالَ: أَمَّا أَنْ أَبْتَدِئَ أَحَدًا بِقِتَالٍ فَلا وَلَكِنْ مَنْ بَدَأْنَا بِقِتَالٍ قَاتَلْنَاهُ. قُلْتُ: فَإِنِّي رَأَيْتُ الرَّجُلَيْنِ لا يُرِيدَانِ قِتَالَكَ. ثُمَّ جِئْتُ شِيعَةَ بَنِي أُمَيَّةَ فَكَلَّمْتُهُمْ بِنَحْوٍ مِمَّا كَلَّمْتُ بِهِ الْقَوْمَ فَقَالُوا: نَحْنُ عَلَى لِوَائِنَا لا نُقَاتِلُ أَحَدًا إِلا أَنْ يُقَاتِلَنَا. فَلَمْ أَرَ فِي تِلْكَ الأَلْوِيَةِ أَسْكَنَ وَلا أَسْلَمَ دَفْعَةً مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ الحنفية. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ: وَقَفْتُ تِلْكَ الْعَشِيَّةَ إلى جنب محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ. فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ ادْفَعْ. فَدَفَعَ وَدَفَعْتُ مَعَهُ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ دَفَعَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُرَحْبِيلُ بْنُ أَبِي عَوْنٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ أَصْحَابَ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ يُلَبُّونَ بِعَرَفَةَ وَرَمَقْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَأَصْحَابَهُ فَإِذَا هُمْ يُلَبُّونَ حَتَّى زَاغَتِ الشَّمْسُ. ثُمَّ قُطِعَ. وَكَذَلِكَ فَعَلَتْ بَنُو أُمَيَّةَ. وَأَمَّا نَجْدَةُ فَلَبَّى حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. أَخْبَرَنَا الْمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْعُرْيَانِ الْمُجَاشِعِيُّ قَالَ: بَعَثَنَا الْمُخْتَارُ فِي أَلْفَيْ فَارِسٍ إلى محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ. قَالَ فَكُنَّا عِنْدَهُ. قَالَ فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَذْكُرُ الْمُخْتَارَ فَيَقُولُ: أَدْرَكَ ثَأْرَنَا وَقَضَى ديوننا وأنفق علينا. قال وكان محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ لا يَقُولُ فِيهِ خَيْرًا وَلا شَرًّا. قَالَ فَبَلَغَ مُحَمَّدًا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ عِنْدَهُمْ شَيْئًا. أَيْ مِنَ الْعِلْمِ. قَالَ فَقَامَ فِينَا فَقَالَ: إِنَّا وَاللَّهِ مَا وَرَثْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ إِلا مَا بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّوْحَيْنِ. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حِلا وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ فِي ذُؤَابَةِ سَيْفِي. قَالَ فَسَأَلْتُ: وَمَا كَانَ فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا. أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ الرَّمَّاحُ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ أُخْرِجَ مِنْ مَكَّةَ فَنَزَلَ شِعْبَ عَلِيٍّ فَخَرَجْنَا مِنَ الْكُوفَةِ لِنَأْتِيَهُ فَلَقِينَا ابْنَ عَبَّاسٍ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعَهُ فِي الشِّعْبِ فَقَالَ لَنَا: أَحْصُوا سِلاحَكُمْ وَلَبُّوا بِعُمْرَةٍ. ثُمَّ ادْخُلُوا الْبَيْتَ وَطَوِّفُوا بِهِ وبين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. أَخْبَرَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ مَيْمُونٍ عَنْ وَرْدَانَ قَالَ: كُنْتُ فِي الْعِصَابَةِ الَّذِينَ انْتَدَبُوا إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ. قَالَ: وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَدْ مَنَعَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ حَتَّى يُبَايِعَهُ فَأَبَى أَنْ يُبَايِعَهُ. قَالَ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِ فَأَرَادَ أَهْلَ الشَّامِ فَمَنَعَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ أَنْ يَدْخُلَهَا حَتَّى يُبَايِعَهُ فَأَبَى عَلَيْهِ. قَالَ فَسِرْنَا مَعَهُ مَا سرنا ولو أمرنا بالقتال لقتالنا مَعَهُ. فَجَمَعْنَا يَوْمًا فَقَسَمَ فِينَا شَيْئًا وَهُوَ يَسِيرُ. ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قال: ألحقوا برحالكم واتقوا الله وعليكم بِمَا تَعْرِفُونَ وَدَعُوا مَا تُنْكِرُونَ وَعَلَيْكُمْ بِخَاصَّةِ أَنْفُسِكُمْ وَدَعُوا أَمْرَ الْعَامَّةِ وَاسْتَقِرُّوا عَنْ أَمْرَنَا كَمَا اسْتَقَرَّتِ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ. فَإِنَّ أَمْرَنَا إِذَا جاء كان كالشمس الضاحية. قالوا: وَقُتِلَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ فِي سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ. فَلَمَّا دَخَلْتُ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ أَرْسَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عُرْوَةَ بْنَ الزبير إلى محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ لَكَ إِنِّي تَارِكُكَ أَبَدًا حَتَّى تُبَايِعَنِي أَوْ أُعِيدَكَ فِي الْحَبْسِ وَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ الْكَذَّابَ الَّذِي كُنْتَ تَدَّعِي نُصْرَتَهُ. وَأَجْمَعَ عَلَيَّ أَهْلُ الْعِرَاقَيْنِ. فَبَايِعْ لِي وَإِلا فَهِيَ الْحَرْبُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ إِنِ امْتَنَعْتَ. فَقَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ لِعُرْوَةَ: مَا أَسْرَعَ أخاك إلى قطع الرحم والاستخفاف بالحق. وأغفله عَنْ تَعْجِيلِ عُقُوبَةِ اللَّهِ. مَا يَشُكُّ أَخُوكَ فِي الْخُلُودِ وَإِلا فَقَدْ كَانَ أَحْمَدَ لِلْمُخْتَارِ وَلِهَدْيِهِ مِنِّي. وَاللَّهِ مَا بَعَثْتُ الْمُخْتَارَ دَاعِيًا وَلا نَاصِرًا. وَلَلْمُخْتَارُ كَانَ إِلَيْهِ أَشَدَّ انْقِطَاعًا مِنْهُ إِلَيْنَا. فَإِنْ كَانَ كَذَّابًا فَطَالَ مَا قَرَّبَهُ عَلَى كَذِبِهِ. وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ أَعْلَمُ بِهِ. وَمَا عِنْدِي خِلافٌ. وَلَوْ كَانَ خِلافَ مَا أَقَمْتُ فِي جِوَارِهِ وَلَخَرَجْتُ إِلَى مَنْ يَدْعُونِي فَأَبَيْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَلَكِنْ هَاهُنَا وَاللَّهِ لأَخِيكَ قَرِينًا يَطْلُبُ مِثْلَ مَا يَطْلُبُ أَخُوكَ. كِلاهُمَا يُقَاتِلانِ عَلَى الدُّنْيَا: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ. وَاللَّهِ لَكَأَنَّكَ بِجُيُوشِهِ قَدْ أَحَاطَتْ بِرَقَبَةِ أَخِيكَ وَإِنِّي لأَحْسَبُ أَنَّ جِوَارَ عَبْدِ الْمَلِكِ خَيْرٌ لِي مِنْ جِوَارِ أَخِيكَ. وَلَقَدْ كَتَبَ إِلَيَّ يَعْرِضُ عَلَيَّ مَا قَبِلَهُ وَيَدْعُونِي إِلَيْهِ. قَالَ عُرْوَةُ: فَمَا يَمْنَعُكَ من ذلك؟ قال: أستخير الله وذلك أحب إلى صاحبك. قَالَ: أَذْكُرُ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ: وَاللَّهِ لَوْ أَطَعْتَنَا لَضَرَبْنَا عُنُقَهُ. فَقَالَ ابن الحنفية: وعلى م أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ جَاءَنَا بِرِسَالَةٍ مِنْ أَخِيهِ وَجَاوَرَنَا فَجَرَى بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ كَلامٌ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أَخِيهِ. وَالَّذِي قُلْتُمْ غَدْرٌ وَلَيْسَ فِي الْغَدْرِ خَيْرٌ. لَوْ فَعَلْتُ الَّذِي تَقُولُونَ لَكَانَ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَأْيِي لَوِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيَّ كُلُّهُمْ إِلا إِنْسَانٌ وَاحِدٌ لَمَا قَاتَلْتُهُ. فَانْصَرَفَ عُرْوَةُ فَأَخْبَرَ ابْنَ الزُّبَيْرِ بِمَا قَالَ له محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ. قَالَ وَاللَّهِ مَا أَرَى أَنْ تُعْرِضَ لَهُ. دَعْهُ فَلْيَخْرُجْ عَنْكَ وَيُغَيِّبُ وَجْهَهُ فَعَبْدُ الْمَلِكِ أَمَامَهُ لا يَتْرُكُهُ يَحِلُّ بِالشَّامِ حَتَّى يُبَايِعَهُ. وَابْنُ الْحَنَفِيَّةِ لا يُبَايِعُهُ أَبَدًا حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْهِ. فَإِنْ صَارَ إِلَيْهِ كَفَاكَهُ إِمَّا حَبَسَهُ وَإِمَّا قَتَلَهُ فَتَكُونَ أَنْتَ قَدْ بَرِئَتْ مِنْ ذَلِكَ. فَأَفْثَأَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَنْهُ. فَقَالَ أَبُو الطُّفَيْلٍ: وَجَاءَ كِتَابٌ مِنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَرَسُولٌ حَتَّى دَخَلَ الشِّعْبَ فقرأ محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ الْكِتَابَ فَقَرَأَ كِتَابًا لَوْ كَتَبَ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى بَعْضِ إِخْوَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ مَا زَادَ عَلَى أَلْطَافِهِ. وَكَانَ فِيهِ: إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ ضَيِّقَ عَلَيْكَ وَقَطَعَ رَحِمَكَ وَاسْتَخَفَّ بِحَقِّكَ حَتَّى تُبَايِعَهُ فَقَدْ نَظَرْتَ لِنَفْسِكَ وَدِينِكَ وَأَنْتَ أَعْرَفُ بِهِ حَيْثُ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ. وَهَذَا الشَّامُ فَانْزِلْ منه حيث شئت فنحن مكرموك وواصلو رحمك وعارفو حَقَّكَ. فَقَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ لأَصْحَابِهِ: هَذَا وَجْهٌ نَخْرُجُ إِلَيْهِ. قَالَ فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ وَمَعَهُ كُثَيِّرُ عَزَّةَ يَنْشُدُ شَعَرًا: أَنْتَ إِمَامُ الْحَقِّ لَسْنَا نَمْتَرِي ... أَنْتَ الَّذِي نَرْضَى بِهِ وَنَرْتَجِي أَنْتَ ابْنُ خَيْرِ النَّاسِ مِنْ بَعْدِ النَّبِي ... يَا ابْنَ عَلِيٍّ سِرْ وَمَنْ مِثْلُ عَلِي حَتَّى تَحِلَّ أَرْضَ كَلْبٍ وَبَلِي قَالَ أَبُو الطُّفَيْلِ: فَسِرْنَا حَتَّى نَزَلْنَا أَيْلَةَ فَجَاوَرُونَا بِأَحْسَنِ جِوَارٍ وَجَاوَرْنَاهُمْ بِأَحْسَنِ ذَلِكَ وَأَحَبُّوا أَبَا الْقَاسِمِ حُبًّا شَدِيدًا وَعَظَّمُوهُ وَأَصْحَابَهُ. وَأُمِرْنَا بِالْمَعْرُوفِ وَنُهِينَا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلا يُظْلَمُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ قُرْبَنَا وَلا بِحَضْرَتِنَا. فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ الْمَلِكِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَذَكَرَهُ لِقَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ وَرَوْحِ بْنِ زِنْبَاعٍ وَكَانَا خَاصَّتَهُ فَقَالا: مَا نرى أَنْ نَدَعَهُ يُقِيمُ فِي قُرْبَةٍ مِنْكَ وَسِيرَتُهُ سِيرَتُهُ حَتَّى يُبَايِعَ لَكَ أَوْ تَصْرِفَهُ إِلَى الْحِجَازِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ: إِنَّكَ قَدِمْتَ بِلادِي فَنَزَلْتَ فِي طَرَفٍ مِنْهَا. وَهَذِهِ الْحَرْبُ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ كَمَا تَعْلَمُ. وَأَنْتَ لَكَ ذِكْرٌ وَمَكَانٌ. وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ لا تُقِيمَ فِي سُلْطَانِي إِلا أَنْ تَبَايَعَ لِي. فَإِنْ بَايَعْتَنِي فَخُذِ السُّفُنَ الَّتِي قَدِمَتْ عَلَيْنَا مِنَ الْقُلْزُمِ وَهِيَ مِائَةُ مَرْكَبٍ فَهِيَ لَكَ وَمَا فِيهَا. وَلَكَ أَلْفَا أَلْفِ دِرْهَمٍ أُعَجِّلُ لَكَ مِنْهَا خَمْسَمِائَةِ أَلْفٍ وَأَلْفَ أَلْفٍ وَخَمْسَمِائَةِ أَلْفٍ آتَيْتُكَ مَعَ مَا أَرَدْتَ مِنْ فَرِيضَةٍ لَكَ وَلِوَلَدِكَ وَلِقَرَابَتِكَ وَمَوَالِيكَ وَمَنْ مَعَكَ. وَإِنْ أَبَيْتَ فَتَحَوَّلْ عَنْ بَلَدِي إِلَى مَوْضِعٍ لا يَكُونُ لِي فِيهِ سُلْطَانٌ. قَالَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ. سَلامٌ عَلَيْكَ. فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ. أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ عَرَفْتَ رَأْيِي فِي هَذَا الأَمْرِ قَدِيمًا. وَإِنِّي لَسْتُ أُسَفِّهُهُ عَلَى أَحَدٍ. وَاللَّهِ لَوِ اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ عَلَيَّ إِلا أَهْلُ الزَّرْقَاءِ مَا قَاتَلْتُهُمْ أَبَدًا وَلا اعْتَزَلْتُهُمْ حَتَّى يَجْتَمِعُوا. نَزَلْتُ مَكَّةَ فِرَارًا مِمَّا كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَجَاوَرْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ فَأَسَاءَ جَوَارِي وَأَرَادَ مِنِّي أَنْ أُبَايِعَهُ فَأَبَيْتُ ذَلِكَ حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْكَ أَوْ عَلَيْهِ. ثُمَّ أَدْخُلَ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَأَكُونُ كَرَجُلٍ مِنْهُمْ. ثُمَّ كَتَبْتَ إِلَيَّ تَدْعُونِي إِلَى مَا قِبَلِكَ فَأَقْبَلْتُ سَائِرًا فَنَزَلْتُ فِي طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِكَ. وَاللَّهِ مَا عِنْدِي خِلافٌ وَمَعِي أَصْحَابِي فَقُلْنَا بِلادٌ رَخِيصَةُ الأسعار وندنو مِنْ جِوَارِكَ وَنَتَعَرَّضُ صِلَتَكَ. فَكَتَبْتَ بِمَا كَتَبْتَ بِهِ وَنَحْنُ مُنْصَرِفُونَ عَنْكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ فَسِرْنَا مِنَ الطَّائِفِ إِلَى أَيْلَةَ بَعْدَ مَوْتِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِزِيَادَةٍ عَلَى أربعين لَيْلَةً. قَالَ وَكَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ قَدْ كَتَبَ لِمُحَمَّدٍ عَهْدًا عَلَى أَنْ يَدْخُلَ فِي أَرْضِهِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَصْطَلِحَ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ. فَإِذَا اصْطَلَحُوا عَلَى رَجُلٍ بِعَهْدٍ مِنَ اللَّهِ وَمِيثَاقٍ كَتَبَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ. فَلَمَّا قَدِمَ مُحَمَّدٌ الشَّامَ بَعَثَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ: إِمَّا أَنْ تُبَايِعَنِي وَإِمَّا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَرْضِي. وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ مَعَهُ سَبْعَةُ آلافٍ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: عَلَى أَنْ تُؤَمِّنَ أَصْحَابِي. فَفَعَلَ. فَقَامَ مُحَمَّدٌ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ وَلِيُّ الأُمُورِ كلها وحاكمها. ما شاء الله كان وما لا يَشَاءُ لَمْ يَكُنْ. كُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ. عَجَّلْتُمْ بِالأَمْرِ قَبْلَ نُزُولِهِ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ فِي أَصْلابِكُمْ لَمَنْ يُقَاتِلُ مَعَ آلِ مُحَمَّدٍ مَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ الشِّرْكِ أَمْرُ آلِ مُحَمَّدٍ وَأَمْرُ آلِ مُحَمَّدٍ مُسْتَأْخَرٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَيَعُودَنَّ فِيكُمْ كَمَا بَدَأَ. الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي حَقَنَ دِمَاءَكُمْ وَأَحْرَزَ دِينَكُمْ! مَنْ أحب منكم أن يأتي إِلَى بَلَدِهِ آمِنًا مَحْفُوظًا فَلْيَفْعَلْ. فَبَقِيَ مَعَهُ تِسْعُمِائَةِ رَجُلٍ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَقَلَّدَ هَدْيًا فَعَمَدْنَا إِلَى الْبَيْتِ فَلَمَّا أَرَدْنَا أَنْ نَدْخُلَ الْحَرَمَ تَلَقَّتْنَا خَيْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَمَنَعَتْنَا أَنْ نَدْخُلَ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ: لَقَدْ خَرَجْتُ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُقَاتِلَكَ. دَعْنَا فَلْنَدْخُلْ وَلْنَقْضِ نُسُكَنَا ثُمَّ لَنَخْرُجُ عَنْكَ. فَأَبَى. وَمَعَنَا الْبُدْنُ قَدْ قَلَّدْنَاهَا. فَرَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَكُنَّا بِهَا حَتَّى قَدِمَ الْحَجَّاجُ فَقَتَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ ثُمَّ سَارَ إِلَى الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ. فَلَمَّا سَارَ مَضَيْنَا فَقَضَيْنَا نُسُكَنَا وَقَدْ رَأَيْتُ الْقَمْلَ يَتَنَاثَرُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ. فَلَمَّا قَضَيْنَا نُسُكَنَا رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَكَثَ ثَلاثَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ تُوُفِّيَ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ: مِنْ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ. فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى عُنْوَانِ الصَّحِيفَةِ قَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. الطُّلَقَاءُ وَلُعَنَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَنَابِرِ النَّاسِ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لأُمُورٌ لَمْ يَقِرَّ قَرَارُهَا. قَالَ أَبُو الطُّفَيْلٍ: فَانْصَرَفْنَا رَاجِعِينَ فَأَذِنَ لِلْمَوَالِي وَلِمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ فَرَجَعُوا مِنْ مَدْيَنَ. وَمَضَيْنَا إِلَى مَكَّةَ حَتَّى نَزَلْنَا مَعَهُ الشِّعْبَ بِمِنًى. فَمَا مَكَثْنَا إِلا لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيْهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَنْ أَشْخِصْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ وَلا تُجَاوِرْنَا فِيهِ. قَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: اصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ وَمَا هُوَ بِعَظِيمٍ مَنْ لا يَصْبِرُ عَلَى مَا لا يَجِدُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَيْهِ بُدًّا حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْهُ مَخْرَجًا. وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ السَّيْفَ وَلَوْ كُنْتُ أُرِيدُهُ مَا تَعَبَّثَ بِي ابْنُ الزُّبَيْرِ وَلَوْ كُنْتُ أَنَا وَحْدِي وَمَعَهُ جُمُوعُهُ الَّتِي مَعَهُ. وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ هَذَا وَأَرَى ابْنَ الزُّبَيْرِ غَيْرَ مَقْصَرٍ عَنْ سُوءِ جِوَارِي فَسَأَتَحَوَّلُ عَنْهُ. ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الطَّائِفِ فَلَمْ يَزَلْ بِهَا مُقِيمًا حَتَّى قَدِمَ الْحَجَّاجُ لِقِتَالِ ابْنِ الزُّبَيْرِ لِهِلالِ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ. فحاصرَ ابْنَ الزُّبَيْرِ حَتَّى قَتَلَهُ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ. وَحَجَّ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ تِلْكَ السَّنَةَ مِنَ الطَّائِفِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى شِعْبِهِ فَنَزَلَهُ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْمَوَالِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بن محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا صَارَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى الشِّعْبِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ لَمْ يُقْتَلْ وَالْحَجَّاجُ مُحَاصِرُهُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ يُبَايِعَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ. فَقَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: قَدْ عَرَفْتُ مَقَامِي بِمَكَّةَ وَشُخُوصِي إِلَى الطائف وإلى الشام. وَأَنَا رَجُلٌ لَيْسَ عِنْدِي خِلافٌ. لَمَّا رَأَيْتُ النَّاسَ اخْتَلَفُوا اعْتَزَلْتُهُمْ حَتَّى يَجْتَمِعُوا. فَأَوَيْتُ إِلَى أَعْظَمِ بِلادِ اللَّهِ حُرْمَةً يَأْمَنُ فِيهِ الطَّيْرُ فَأَسَاءَ ابْنُ الزُّبَيْرِ جِوَارِي. فَتَحَوَّلْتُ إِلَى الشَّامِ فَكَرِهَ عَبْدُ الْمَلِكِ قُرْبِي. فَتَحَوَّلْتُ إِلَى الْحَرَمِ فَإِنْ يُقْتَلِ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَيَجْتَمِعِ النَّاسُ عَلى عَبْدِ الْمَلِكِ أُبَايِعْكَ. فَأَبَى الْحَجَّاجُ أَنْ يَرْضَى بِذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى يُبَايِعَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ. فَأَبَى ذَلِكَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَأَبَى الْحَجَّاجُ أَنْ يُقِرَّهُ عَلَى ذَلِكَ. فَلَمْ يَزَلْ مُحَمَّدٌ يُدَافِعُهُ حَتَّى قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ قَالا: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي سَهْلُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عَمْرٍو الْحَارِثِيُّ قَالَ: لَمَّا بَعَثَ عَبْدُ الْمَلِكِ الْحَجَّاجَ إِلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ قَالَ لَهُ: إِنَّهُ لَيْسَ لَكَ عَلَى مُحَمَّدِ ابن الْحَنَفِيَّةِ سُلْطَانٌ. قَالَ فَلَمَّا قَدِمَ الْحَجَّاجُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ يَتَوَعَّدُهُ ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يُمَكِّنَ اللَّهُ مِنْكَ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ وَيَجْعَلَ لِي عَلَيْكَ سُلْطَانًا فَأَفْعَلُ وَأَفْعَلُ. قَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ نَفْسِهِ! هَلْ شَعَرْتَ أَنَّ لله في كل يوم ستون وَثَلاثَمِائَةِ لَحْظَةٍ أَوْ نَفْحَةٍ؟ فَأَرْجُو أَنْ يَرْزُقَنِي اللَّهُ بَعْضَ لَحَظَاتِهِ أَوْ نَفَحَاتِهِ فَلا يَجْعَلُ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانًا. قَالَ فَكَتَبَ بِهَا الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فَكَتَبَ بِهَا عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى صَاحِبِ الرُّومِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ صَاحِبُ الرُّومِ: إِنَّ هَذِهِ وَاللَّهِ مَا هِيَ مِنْ كَنْزِكَ وَلا كَنْزِ أَهْلِ بَيْتِكَ وَلَكِنَّهَا مِنْ كَنْزِ أَهْلِ بَيْتِ نُبُوَّةٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: لَمْ يُبَايِعْ أَبِي الْحَجَّاجَ. لَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بَعَثَ الْحَجَّاجُ إِلَيْهِ فَجَاءَ فَقَالَ: قَدْ قَتَلَ اللَّهُ عَدُوَّ اللَّهِ. فَقَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: إِذَا بَايَعَ النَّاسُ بَايَعْتُ. قال: والله لأقتلنك! قال: أولا تَدْرِي أَنَّ لِلَّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ ثَلاثَمِائَةٍ وستون لحظة فِي كُلِّ لَحْظَةٍ ثَلاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ قَضِيَّةً؟ فَلَعَلَّهُ يَكْفِينَاكَ فِي قَضِيَّةٍ مِنْ قَضَايَاهُ. قَالَ فَكَتَبَ بِذَلِكَ الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فَأَتَاهُ كِتَابُهُ فَأَعْجَبَهُ. وَكَتَبَ بِهِ إِلَى صَاحِبِ الرُّومِ. وَذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الرُّومِ كَتَبَ إِلَيْهِ يُهَدِّدُهُ أَنَّهُ قَدْ جَمَعَ لَهُ جُمُوعًا كَثِيرَةً. فَكَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بِذَلِكَ الْكَلامِ إِلَى صَاحِبِ الرُّومِ. وَكَتَبَ: قَدْ عَرَفْنَا أَنَّ مُحَمَّدًا لَيْسَ عِنْدَهُ خِلافٌ وَهُوَ يَأْتِيكَ وَيُبَايِعُكَ فَارْفُقْ بِهِ. فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ وَبَايَعَ ابْنُ عُمَرَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ لابْنِ الْحَنَفِيَّةِ: مَا بَقِيَ شَيْءٌ فَبَايِعْ. فَكَتَبَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. لِعَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ. أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي لَمَّا رَأَيْتُ الأُمَّةَ قَدِ اخْتَلَفَتِ اعْتَزَلْتُهُمْ. فَلَمَّا أَفْضَى هَذَا الأَمْرُ إِلَيْكَ وَبَايَعَكَ النَّاسُ كُنْتُ كَرَجُلٍ مِنْهُمْ أَدْخُلُ فِي صَالِحِ مَا دَخَلُوا فِيهِ. فَقَدْ بَايَعْتُكَ وَبَايَعْتُ الْحَجَّاجَ لَكَ وَبَعَثْتُ إِلَيْكَ بِبَيْعَتِي. وَرَأَيْتُ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَيْكَ. وَنَحْنُ نُحِبُّ أَنْ تُؤَمِّنَنَا وَتُعْطِينَا مِيثَاقًا عَلَى الْوَفَاءِ فَإِنَّ الْغَدْرَ لا خَيْرَ فِيهِ. فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِنَّ أَرْضَ اللَّهِ وَاسِعَةٌ. فَلَمَّا قَرَأَ عَبْدُ الْمَلِكِ الْكِتَابَ قَالَ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ وَرَوْحُ بْنُ زِنْبَاعٍ: مَا لَكَ عَلَيْهِ سَبِيلٌ. وَلَوْ أَرَادَ فَتْقًا لَقَدِرَ عَلَيْهِ. وَلَقَدْ سَلَّمَ وَبَايَعَ فَنَرَى أَنْ تَكْتُبَ إِلَيْهِ بِالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ بِالأَمَانِ لَهُ وَالْعَهْدِ لأَصْحَابِهِ. فَفَعَلَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ: إِنَّكَ عِنْدَنَا مَحْمُودٌ. أَنْتَ أَحَبُّ وَأَقْرَبُ بِنَا رَحِمًا مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. فَلَكَ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ وذمة رَسُولِهِ أَنْ لا تُهَاجَ وَلا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ بِشَيْءٍ تَكْرَهُهُ. ارْجِعْ إِلَى بَلَدِكَ وَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ. وَلَسْتَ أَدْعُ صِلَتَكَ وَعَوْنَكَ مَا حَيِيتُ. وَكَتَبَ إِلَى الْحَجَّاجِ يَأْمُرُهُ بِحُسْنِ جِوَارِهِ وَإِكْرَامِهِ. فَرَجَعَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى الْمَدِينَةِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بن أبي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا صَارَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَنَى دَارَهُ بِالْبَقِيعِ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْوفُودِ عَلَيْهِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ يَأْذَنُ لَهُ فِي أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ. فَوَفَدَ عَلَيْهِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَهِيَ السَّنَةُ الَّتِي مَاتَ فِيهَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. فَقَدِمَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بِدِمَشْقَ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَهُ وَأَمَرَ لَهُ بِمَنْزِلٍ قَرِيبٍ مِنْهُ. وَأَمَرَ أَنْ يُجْرَى عَلَيْهِ نُزْلٌ يَكْفِيهِ وَيَكْفِي مَنْ مَعَهُ. وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فِي إِذْنِ الْعَامَّةِ. إِذَا أَذِنَ عَبْدُ الْمَلِكِ بَدَأَ بِأَهْلِ بَيْتِهِ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فَسَلَّمَ. فَمَرَّةً يَجْلِسُ وَمَرَّةً يَنْصَرِفُ. فَلَمَّا مَضَى مِنْ ذَلِكَ شَهْرٌ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ كَلَّمَ عَبْدُ الْمَلِكِ خَالِيًا فَذَكَرَ قَرَابَتَهُ وَرَحِمَهُ وَذَكَرَ دَيْنًا عَلَيْهِ فَوَعَدَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ وَأَنْ يَصِلَ رَحِمَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْفَعَ حَوَائِجَهُ. فَرَفَعَ مُحَمَّدٌ دَيْنَهُ وَحَوَائِجَهُ وَفَرَائِضَ لِوَلَدِهِ وَلِغَيْرِهِمْ مِنْ حَامَّتِهِ وَمَوَالِيهِ فَأَجَابَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَتَعَسَّرَ عَلَيْهِ فِي الْمَوَالِي أن يَفْرِضَ لَهُمْ وَأَلَحَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فَفَرَضَ لَهُمْ فَقَصَّرَ بِهِمْ فَكَلَّمَهُ فَرَفَعَ فِي فَرَائِضِهِمْ. فَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَاجَةٌ إِلا قَضَاهَا. وَاسْتَأْذَنَهُ فِي الانْصِرَافِ فَأَذِنَ لَهُ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي عَوْنٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: وَفَدْتُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَضَى حَوَائِجِي وَوَدَّعْتُهُ. فَلَمَّا كِدْتُ أَنْ أَتَوَارَى مِنْ عَيْنَيْهِ نَادَانِي: أَبَا الْقَاسِمِ أَبَا الْقَاسِمِ! فَكَرَرْتُ فَقَالَ لِي: أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّكَ يَوْمَ تَصْنَعُ بِالشَّيْخِ مَا تَصْنَعُ ظَالِمٌ لَهُ؟ يَعْنِي حِينَ أَخَذَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ يَوْمَ الدَّارِ فَدَعَثَهُ بِرِدَائِهِ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَلِي يَوْمَئِذٍ ذُؤَابَةٌ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: وَفَدْتُ مَعَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَعِنْدَهُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ. فَدَعَا عَبْدُ الْمَلِكِ بِسَيْفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُتِيَ بِهِ وَدَعَا بصيقل فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ حَدِيدَةً قَطُّ أَجْوَدَ مِنْهَا. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَلا وَاللَّهِ مَا أَرَى النَّاسُ مِثْلَ صَاحِبِهَا. يَا مُحَمَّدُ هَبْ لِي هَذَا السَّيْفَ. فَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَيُّنَا رَأَيْتَ أَحَقَّ بِهِ فَلْيَأْخُذْهُ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: إن كان لك قرابة فلكل قرابة وحق. قَالَ فَأَعْطَاهُ مُحَمَّدٌ عَبْدَ الْمَلِكِ وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ هَذَا. يَعْنِي الْحَجَّاجَ وَهُوَ عِنْدَهُ. قَدْ آذَانِي وَاسْتَخَفَّ بِحَقِّي. وَلَوْ كَانَتْ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ أَرْسِلْ إِلَيَّ فِيهَا. فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لا إِمْرَةَ لَكَ عَلَيْهِ. فَلَمَّا وَلَّى مُحَمَّدٌ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لِلْحَجَّاجِ: أَدْرِكْهُ فَسُلَّ سَخِيمَتَهُ. فَأَدْرَكَهُ فَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ لأَسُلَّ سَخِيمَتَكَ وَلا مَرْحَبًا بِشَيْءٍ سَاءَكَ. فَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَيْحَكَ يَا حَجَّاجُ اتَّقِ اللَّهَ وَاحْذَرِ اللَّهَ. مَا مِنْ صَبَاحٍ يُصْبِحُهُ الْعِبَادُ إِلا لِلَّهِ فِي كُلِّ عَبْدٍ مِنِ عِبَادِهِ ثَلاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ لَحْظَةً إِنْ أَخَذَ أَخَذَ بِمَقْدِرَةِ وَإِنْ عَفَا عَفَا بِحِلْمٍ. فَاحْذَرِ اللَّهَ. فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: لا تَسْأَلْنِي شَيْئًا إِلا أَعْطَيْتُكَهُ. فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ: وَتَفْعَلُ؟ قَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي أَسْأَلُكَ صَرْمَ الدَّهْرِ. قَالَ فَذَكَرَ الْحَجَّاجُ ذَلِكَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ. فَأَرْسَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى رَأْسِ الْجَالُوتَ فَذَكَرَ لَهُ الَّذِي قَالَ مُحَمَّدٌ وَقَالَ: إِنَّ رَجُلا مِنَّا ذَكَرَ حَدِيثًا مَا سَمِعْنَاهُ إِلا مِنْهُ. وَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ. فَقَالَ رَأْسُ الْجَالُوتَ: مَا خَرَجَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ إِلا مِنْ بَيْتِ نُبُوَّةٍ. أَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ الْحَجَّاجَ أَرَادَ أَنْ يَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى الْمَقَامِ فَزَجَرَهُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَنَهَاهُ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ سَالِمِ بن أبي الجعد قال: رأيت محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَصَلَّى فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ رَكْعَتَيْنِ. ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قال: قال محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ: لا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى تَكُونَ خُصُومَاتُ النَّاسِ فِي رَبِّهِمْ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ يَرْمِي الْجِمَارَ عَلَى بِرْذَوْنٍ أَشْهَبَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ التَّمَّارُ قَالَ: رَأَيْتُ محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ مُوَسِّعًا رَأْسَهُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي ثُوَيْرٌ قَالَ: رأيت محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ يُخَضِّبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ أَشْعَرَ بُدْنَهُ فِي الشِّقِّ الأَيْمَنِ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ على محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ مِطْرَفَ خَزٍّ أَصْفَرَ بِعَرَفَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ مِطْرَفٍ خَزٍّ بِعَرَفَاتٍ. أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ عَنْ رِشْدِينَ قال: رأيت محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ يَعْتَمُّ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ حَرْقَانِيَّةٍ وَيُرْخِيهَا شِبْرًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ شِبْرٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الواحد بن أيمن قال: رأيت على محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ عِمَامَةً سَوْدَاءَ. أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ الْمُزَنِيُّ عَنْ نَصْرِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: رَأَيْتُ على محمد بن علي ابن الْحَنَفِيَّةِ مِلْحَفَةً صَفْرَاءَ وَسِخَةً. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي إدريس قال: قال لي محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَلْبِسَ الْخَزَّ فَإِنَّهُ لا بَأْسَ بِهِ؟ قُلْتُ: إِنَّهُ يُجْعَلُ فِيهِ الْحَرِيرُ. أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى وَالْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالا: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ يُخَضِّبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ فَقُلْتُ لَهُ: أَكَانَ عَلِيٌّ يُخَضِّبُ؟ قَالَ: لا. قُلْتُ: فَمَا لَكَ؟ قَالَ: أَتَشَبَّبُ بِهِ لِلنِّسَاءِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أبو نُعَيْمٍ الْخَزَّازُ قَالَ: سَمِعْتُ صَالِحَ بْنَ مِيسَمٍ قَالَ: رَأَيْتُ فِي يَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ ابن الْحَنَفِيَّةِ أَثَرَ الْحِنَّاءِ فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: كُنْتُ أُخَضِّبُ أُمِّي. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ وَقَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ أَبِي يعلى عن محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ كَانَ يُذَوِّبُ أُمَّهُ وَيُمَشِّطُهَا. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ قَالَ: حدثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ ابن الْحَنَفِيَّةِ مَخْضُوبًا بِالْحِنَّاءِ. وَرَأَيْتُهُ مَكْحُولَ الْعَيْنَيْنِ. وَرَأَيْتُ عَلَيْهِ عِمَامَةً سَوْدَاءَ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الواحد بن أيمن قال: أرسلني أبي إلى محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُكَحَّلُ الْعَيْنَيْنِ مَصْبُوغُ اللِّحْيَةِ بِحُمْرَةٍ فَرَجَعْتُ إِلَى أَبِي فَقُلْتُ: أَرْسَلَتْنِي إِلَى شَيْخٍ مُخَنَّثٍ! فَقَالَ: يَا ابْنَ اللَّخْنَاءِ ذَاكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ نَبِيذَ الدَّنِّ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ قال: حدثنا ربيع بْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَأَرَادَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَعَلَيْهِ خُفَّانِ فَنَزَعَ خُفَّيْهِ وَمَسَحَ عَلَى قَدَمَيْهِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ الْكِلابِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الأَزْرَقِ عَنْ أَبِي عُمَرَ أَنَّ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ كَانَ يَغْتَسِلُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ وَفِي الشِّعْبِ. قَالَ وَكَانَ يَغْسِلُ أَثَرَ الْمَحَاجِمِ. أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا رِشْدِينُ بْنُ كُرَيْبٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ قال: سَمِعْتُ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ يَقُولُ: هَذِهِ لِي خَمْسٌ وَسِتُّونَ سَنَةً قَدْ جَاوَزْتُ سِنَّ أَبِي. تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سنة. وَمَاتَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ. سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قال: حدثنا زيد بْنُ السَّائِبِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا هَاشِمٍ عَبْدَ الله بن محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ: أَيْنَ دُفِنَ أَبُوكَ؟ فَقَالَ: بِالْبَقِيعِ. قُلْتُ: أَيُّ سَنَةٍ؟ قَالَ: سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ فِي أَوَّلِهَا. وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً لا يستكملها. أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ. وَلا نَعْلَمُهُ رَوَى عَنْ عُمَرَ شَيْئًا. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ السَّائِبِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هَاشِمٍ عَبْدَ الله بن محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ يَقُولُ وَأَشَارَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَقِيعِ فَقَالَ: هَذَا قَبْرُ أَبِي الْقَاسِمِ. يَعْنِي أَبَاهُ. مَاتَ فِي الْمُحَرَّمِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِينَ. وَهِيَ سَنَةُ الْجُحَافِ. سَيْلٌ أَصَابَ أَهْلَ مَكَّةَ جَحَفَ الْحَاجَّ. قَالَ فَلَمَّا وَضَعْنَاهُ فِي الْبَقِيعِ جَاءَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَهُوَ الْوَالِي يَوْمَئِذٍ عَلَى الْمَدِينَةِ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَخِي مَا تَرَى؟ فَقُلْتُ: لا يُصَلِّي عَلَيْهِ أَبَانُ إِلا أَنْ يَطْلُبَ ذَلِكَ إِلَيْنَا. فَقَالَ أَبَانُ: أَنْتُمْ أَوْلَى بِجِنَازَتِكُمْ. مَنْ شِئْتُمْ فَقَدِّمُوا مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ. فَقُلْنَا: تَقَدَّمْ فَصَلِّ. فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى عَلَيْهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: فَحَدَّثْتُ زَيْدَ بْنَ السَّائِبِ فَقُلْتُ إِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُوَيْمِرٍ الأَسْلَمِيِّ أَنَّ أَبَا هَاشِمٍ قَالَ يَوْمَئِذٍ: نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الإِمَامَ أَوْلَى بِالصَّلاةِ وَلَوْلا ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاكَ. فَقَالَ زَيْدُ بْنُ السَّائِبِ: هَكَذَا سَمِعْتُ أَبَا هَاشِمٍ يَقُولُ. فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى عَلَيْهِ.
- محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ وهُوَ مُحَمَّد الأكبر بْن عَلِيّ بْن أبي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ المطلب بن هاشم بْن عَبْد مناف بْن قصي. وأمه الحنفية خولة بِنْت جَعْفَر بْن قَيْس بْن مَسْلَمَة بْن ثَعْلَبَة بْن يربوع بْن ثَعْلَبَة بْن الدول بْن حنيفة بْن لجيم بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وائل. ويقال بل كانت أمه من سبي اليمامة فصارت إلى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. رَحِمَهُ اللَّهِ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ يَذْكُرُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْطَى عَلِيًّا أم محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: رَأَيْتُ أُمَّ محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ سِنْدِيَّةً سَوْدَاءَ وَكَانَتْ أَمَةً لِبَنِي حَنِيفَةَ وَلَمْ تَكُنْ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا صَالَحَهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَلَى الرَّقِيقِ وَلَمْ يُصَالِحْهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ قَالا: حَدَّثَنَا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ وَخَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالا: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ الْمُنْذِرِ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ قال: وقع بين علي وطلحة فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ: لا كَجُرْأَتِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ. سَمَّيْتَ بِاسْمِهِ وَكَنَّيْتَ بِكُنْيَتِهِ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَجْمَعَهُمَا أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ بعده. فقال عَلِيٌّ: إِنَّ الْجَرِيءَ مَنِ اجْتَرَأَ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ. اذْهَبْ يَا فُلانُ فَادْعُ لِي فُلانًا وَفُلانًا. لِنَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ. قَالَ فَجَاؤُوا فَقَالَ: بِمَ تَشْهَدُونَ؟ قَالُوا: . أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ كَانَ يُكْنَى أَبَا الْقَاسِمِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أخبرنا هُشَيْمٌ قَالَ: أخبرنا مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ ابن الْحَنَفِيَّةِ يُكْنَى أَبَا الْقَاسِمِ. أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ كَانَ يُكْنَى أَبَا الْقَاسِمِ. وَكَانَ كَثِيرُ الْعِلْمِ وَرِعًا. فَوَلَدَ محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ عَبْدَ اللَّهِ وَهُوَ أَبُو هَاشِمٍ وَحَمْزَةَ وَعَلِيًّا وَجَعْفَرًا الأَكْبَرَ وَأُمُّهُمْ أُمُّ وَلَدٍ. وَالْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدٍ. وَكَانَ مِنْ ظُرَفَاءِ بَنِي هَاشِمٍ وَأَهْلِ الْعَقْلِ مِنْهُمْ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الإِرْجَاءِ. وَلا عَقِبَ لَهُ وَأُمُّهُ جَمَالُ ابْنَةُ قَيْسِ بْن مَخْرَمَةُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ. وَإِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَأُمُّهُ مُسْرِعَةُ ابْنَةُ عَبَّادِ بْنِ شَيْبَانَ بْنِ جَابِرِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ نَسِيبِ بْنِ زَيْدِ بْن مَالِكِ بْن عَوْفِ بْن الْحَارِث بْن مازن بْن مَنْصُور بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلانَ بْنِ مُضَرَ حَلِيفُ بَنِي هَاشِمٍ. وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ لا بَقِيَّةَ لَهُ. وَأُمَّ أَبِيهَا وَأُمُّهُمْ أُمُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَاسْمُهَا بَرَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ. وَجَعْفَرًا الأَصْغَرَ وَعَوْنًا وَعَبْدَ اللَّهِ الأَصْغَرَ وَأُمُّهُمْ أُمُّ جَعْفَرٍ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدٍ وَرُقَيَّةَ وَأُمُّهُمَا أُمُّ وَلَدٍ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ مُنْذِرٍ الثوري قال: سمعت محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ يَقُولُ. وَذَكَرَ يَوْمَ الْجَمَلِ قَالَ: لَمَّا تَصَافَفْنَا أَعْطَانِي عَلِيٌّ الرَّايَةَ فَرَأَى مِنِّي نُكُوصًا لَمَّا دَنَا النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَأَخَذَهَا مِنِّي فَقَاتَلَ بِهَا. قَالَ فَحَمَلْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ. فَلَمَّا غَشَيْتُهُ قَالَ: أَنَا عَلَى دِينِ أَبِي طَالِبٍ. فَلَمَّا عَرَفْتُ الَّذِي أَرَادَ كَفَفْتُ عَنْهُ. بَيْنَهُمْ مَا قُوتِلَ بِهِ مِنْ سِلاحٍ أَوْ كُرَاعٍ. وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مَا أَجْلَبُوا بِهِ عَلَيْنَا مِنْ كُرَاعٍ أَوْ سِلاحٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ ابن الْحَنَفِيَّةِ يَقُولُ: كَانَ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَغْزُوَ مُعَاوِيَةَ وَأَهْلَ الشَّامِ فَجَعَلَ يَعْقِدُ لِوَاءَهُ ثُمَّ يَحْلِفُ لا يَحِلُّهُ حَتَّى يَسِيرَ. فَيَأْبَى عَلَيْهِ النَّاسُ وَيَنْتَشِرُ رَأْيُهُمْ وَيَجْبُنُونَ فَيُحِلُّهُ وَيُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ. حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. وَكُنْتُ أَرَى حَالَهُ فَأَرَى مَا لا يَسُرُّنِي. فَكَلَّمْتُ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ يَوْمَئِذٍ وَقُلْتُ لَهُ: أَلا تُكَلِّمُهُ أَيْنَ يَسِيرُ بِقَوْمٍ لا وَاللَّهِ مَا أَرَى عِنْدَهُمْ طَائِلا؟ فَقَالَ الْمِسْوَرُ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ يَسِيرُ لأَمْرٍ قَدْ حُمَّ. قَدْ كَلَّمْتُهُ فرأيته يأبى إلا المسير. قال محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ: فَلَمَّا رَأَى مِنْهُمْ مَا رَأَى قَالَ: . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: كَانَ عَلَى رَجَّالَةٍ عَلِيٌّ يَوْمَ صِفِّينَ عَمَّارُ بن ياسر. وكان محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ يَحْمِلُ رَايَتَهُ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ خَازِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شَرَاحِيلَ عَنْ حَنَشِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ الْغَافِقِيِّ. وَقَدْ كَانَ شَهِدَ صِفِّينَ مَعَ عَلِيٍّ. قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمًا وَالْتَقَيْنَا نَحْنُ وَأَهْلُ الشَّامِ فَاقْتَتَلْنَا حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ لا يَبْقَى أَحَدٌ. فَأَسْمَعُ صَائِحًا يَصِيحُ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اللَّهُ اللَّهُ. مَنْ لِلنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ. مَنْ لِلرُّومِ. مَنْ لِلتُّرْكِ. مَنْ لِلدَّيْلَمِ؟ اللَّهُ اللَّهُ وَالْبُقْيَا. فَأَسْمَعُ حَرَكَةً مِنْ خَلْفِي فَالْتَفَتُّ فَإِذَا عَلِيٌّ يَعْدُو بِالرَّايَةِ يُهَرْوِلُ بِهَا حَتَّى أَقَامَهَا. وَلَحِقَهُ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ فَأَسْمَعُهُ يَقُولُ: يَا بُنَيَّ الْزَمْ رَأَيْتَكَ فَإِنِّي مُتَقَدِّمٌ فِي الْقَوْمِ. فَأَنْظُرْ إِلَيْهِ يَضْرِبُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُفْرَجَ لَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهِمْ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ قَالَ: كُنْتُ عند محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَا أَشْهَدُ عَلَى أَحَدٍ بِالنَّجَاةِ وَلا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا عَلَى أَبِي الَّذِي وَلَدَنِي. قَالَ فَنَظَرَ الْقَوْمُ إِلَيْهِ. قَالَ: مَنْ كَانَ فِي النَّاسِ مِثْلَ عَلِيٍّ سَبَقَ لَهُ كَذَا سَبَقَ لَهُ كَذَا؟ أَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي يَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ ابن الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ فِي الشِّعْبِ: لَوْ أَنَّ أَبِي عَلِيًّا أَدْرَكَ هَذَا الأَمْرَ لَكَانَ هَذَا مَوْضِعُ رَحْلِهِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيِّ عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: أَهْلُ بَيْتَيْنِ مِنَ الْعَرَبِ يَتَّخِذُهُمَا النَّاسُ أَنْدَادًا مِنْ دُونِ اللَّهِ. نَحْنُ وَبَنُو عَمِّنَا هَؤُلاءِ. يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْثَرٌ أَبُو زبيد عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي حَفْصَة عَنْ مُنْذِرٍ أَبِي يَعْلَى عَنْ محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: نَحْنُ أَهْلُ بَيْتَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ نتخذ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا. نَحْنُ وَبَنُو أُمَيَّةَ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ: سَلامٌ عَلَيْكَ يَا مَهْدِيٌّ. فَقَالَ: أَجَلْ أَنَا مَهْدِيُّ أُهْدِي إِلَى الرُّشْدِ وَالْخَيْرِ. اسْمِي اسْمُ نَبِيِّ اللَّهِ وَكُنْيَتِي كُنْيَةُ نَبِيِّ اللَّهِ. فَإِذَا سَلَّمَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ. السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَلاءِ الْخَفَّافُ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ الحنفية فسلم عليه فرد ع فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ؟ فَحَرَّكَ يَدَهُ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ. أَمَا آنَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا كَيْفَ نَحْنُ؟ إِنَّمَا مَثَلُنَا فِي هَذِهِ الأُمَّةِ مَثَلُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي آلِ فِرْعَوْنَ. كَانَ يَذْبَحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ. وَإِنَّ هَؤُلاءِ يَذْبَحُونَ أَبْنَاءَنَا وَيَنْكِحُونَ نِسَاءَنَا بِغَيْرِ أَمْرِنَا. فَزَعَمَتِ الْعَرَبُ أَنَّ لَهَا فَضْلا عَلَى الْعَجَمِ فَقَالَتِ الْعَجَمُ: وَمَا ذاك؟ قالوا: كان محمد عَرَبِيًّا. قَالُوا: صَدَقْتُمْ. قَالُوا: وَزَعَمَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ لَهَا فَضْلا عَلَى الْعَرَبِ فَقَالَتِ الْعَرَبُ: وَبِمَ ذَا؟ قَالُوا: قَدْ كَانَ مُحَمَّدٌ قُرَشِيًّا. فَإِنْ كَانَ الْقَوْمُ صَدَّقُوا فَلَنَا فَضْلٌ عَلَى النَّاسِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ قَالَ: أخبرنا عُمَرُ بْنُ زِيَادٍ الْهُذَلِيُّ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ حَدَّثَهُ قَالَ: لَقِيتُ بِخُرَاسَانَ رَجُلا مِنْ عَزَّةَ. قَالَ قُلْتُ لِلأَسْوَدِ: مَا اسْمُهُ؟ قَالَ: لا أَدْرِي. قَالَ: أَلا أَعْرِضُ عَلَيْكَ خُطْبَةَ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ؟ قَالَ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي رَهْطٍ يُحَدِّثُهُمْ فَقُلْتُ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مَهْدِيُّ. قَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلامُ. قَالَ قُلْتُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً. قَالَ: أَسِرٌّ هِيَ أم عَلانِيَةٌ؟ قَالَ قُلْتُ: بَلْ سِرٌّ. قَالَ: اجْلِسْ. فَجَلَسْتُ وَحَدَّثَ الْقَوْمَ سَاعَةً ثُمَّ قَامَ فَقُمْتُ مَعَهُ. فَلَمَّا أَنْ دَخَلَ دَخَلْتُ مَعَهُ بَيْتَهُ. قَالَ: قُلْ بِحَاجَتِكَ. قَالَ فَحَمِدْتُ اللَّهَ وَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ وَشَهِدْتُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وشهدت أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ثُمَّ قُلْتُ: أَمَّا بعد فو الله مَا كُنْتُمْ أَقْرَبَ قُرَيْشٍ إلينا قَرَابَةً فَنُحِبُّكُمْ عَلَى قَرَابَتِكُمْ وَلَكِنْ كُنْتُمْ أَقْرَبَ قُرَيْشٍ إِلَى نَبِيِّنَا قَرَابَةً فَلِذَلِكَ أَحْبَبْنَاكُمْ عَلَى قَرَابَتِكُمْ مِنْ نَبِيِّنَا. فَمَا زَالَ بِنَا الشَّيْنُ فِي حُبِّكُمْ حَتَّى ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الأَعْنَاقُ وَأُبْطِلَتِ الشَّهَادَاتُ وَشَرَدْنَا فِي الْبِلادِ وَأُوذِينَا حَتَّى لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَذْهَبَ فِي الأَرْضِ قَفْرًا فَأَعْبُدَ اللَّهَ حَتَّى أَلْقَاهُ لَوْلا أَنْ يَخْفَى عَلَيَّ أَمْرُ آلِ مُحَمَّدٍ. وَحَتَّى هَمَمْتُ أَنْ أَخْرُجَ مَعَ أَقْوَامٍ شَهَادَتُنَا وَشَهَادَتُهُمْ وَاحِدَةٌ عَلَى أُمَرَائِنَا فَيَخْرُجُونَ فَيُقَاتِلُونَ وَنُقِيمُ. فَقَالَ عُمَرُ: يَعْنِي الْخَوَارِجَ. وَقَدْ كَانَتْ تَبْلُغُنَا عَنْكَ أَحَادِيثُ من وَرَاءَ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُشَافِهُكَ لِلْكَلامِ فَلا أَسْأَلُ عَنْكَ أَحَدًا وَكُنْتَ أَوْثَقَ النَّاسِ فِي نَفْسِي وَأَحَبَّهُ إلي أَنْ أَقْتَدِيَ بِهِ. فَأَرَى بِرَأْيِكَ وَكَيْفَ تَرَى الْمَخْرَجَ. أَقُولُ هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ. قَالَ فَحَمِدَ اللَّهَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَشَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَشَهِدَ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِيَّاكُمْ وَهَذِهِ الأَحَادِيثَ فَإِنَّهَا عَيْبٌ عَلَيْكُمْ. وَعَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَإِنَّهُ بِهِ هَدْيُ أَوَّلِكُمْ وَبِهِ يُهْدَى آخِرُكُمْ. وَلَعَمْرِي لَئِنْ أُوذِيتُمْ لَقَدْ أُوذِيَ مَنْ كَانَ خَيْرًا مِنْكُمْ. أَمَّا قِيلُكَ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَذْهَبَ فِي الأَرْضِ قَفْرًا فَأَعْبُدَ اللَّهَ حَتَّى أَلْقَاهُ وَأَجْتَنِبَ أُمُورَ النَّاسِ لَوْلا أَنْ يَخْفَى عَلَيَّ أُمُورُ آلِ مُحَمَّدٍ. فَلا تَفْعَلْ فَإِنَّكَ تِلْكَ الْبِدْعَةُ الرَّهْبَانِيَّةُ. وَلَعَمْرِي لأَمْرُ آلِ محمد أبين من طلوع هذه الشَّمْسِ. وَأَمَّا قِيلُكَ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَخْرُجَ مَعَ أَقْوَامٍ شَهَادَتُنَا وَشَهَادَتُهُمْ وَاحِدَةٌ عَلَى أُمَرَائِنَا فَيَخْرُجُونَ فَيُقَاتِلُونَ وَنُقِيمُ. فَلا تَفْعَلْ. لا تُفَارِقِ الأُمَّةَ. اتَّقِ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ بِتَقِيَّتِهِمْ. قَالَ عُمَرُ: يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ. وَلا تُقَاتِلْ مَعَهُمْ. قَالَ قُلْتُ: وَمَا تَقِيَّتُهُمْ؟ قَالَ: تُحْضِرُهُمْ وَجْهَكَ عِنْدَ عَوْدَتِهِمْ فَيَدْفَعُ اللَّهُ بِذَلِكَ عَنْكَ عَنْ دَمِكَ وَدِينِكَ وَتُصِيبُ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي أَنْتَ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُمْ. قَالَ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَطَافَ بِي قِتَالٌ لَيْسَ لِي مِنْهُ بُدٌّ؟ قَالَ: تُبَايِعُ بِإِحْدَى يَدَيْكَ الأُخْرَى لِلَّهِ. وَتُقَاتِلُ لِلَّهِ. فَإِنَّ اللَّهَ سَيُدْخِلُ أَقْوَامًا بِسَرَائِرِهِمُ الْجَنَّةَ وَسَيُدْخِلُ أَقْوَامًا بِسَرَائِرِهِمُ النَّارَ. وَإِنِّي أُذَكِّرُكَ اللَّهَ أَنْ تُبَلِّغَ عَنِّي مَا لَمْ تَسْمَعْ مِنِّي أَوْ أَنْ تَقُولَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ. يَعْنِي ابْنُ عُيَيْنَةَ. قَالَ: حَدَّثَنِي الأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: بَايِعْ بِإِحْدَى يَدَيْكَ عَلَى الأُخْرَى وَقَاتِلْ عَلَى نِيَّتِكَ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ مُنْذِرٍ قَالَ: سمعت محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ يَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ لَصَاعِقَةٌ لا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ عَنْ أبي الطفيل عن محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: الْزَمْ هَذَا الْمَكَانَ وَكُنْ حَمَامَةً مِنْ حَمَامِ الْحَرَمِ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُنَا فَإِنَّ أَمَرَنَا إِذَا جَاءَ فَلَيْسَ بِهِ خِفَاءٌ كَمَا لَيْسَ بِالشَّمْسِ إِذَا طَلَعَتْ خَفَاءٌ. وَمَا يُدْرِيكَ إِنْ قَالَ لَكَ النَّاسُ تَأْتِي مِنَ الْمَشْرِقِ وَيَأْتِي اللَّهُ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ. وَمَا يُدْرِيكَ إِنْ قَالَ لَكَ النَّاسُ تَأْتِي مِنَ الْمَغْرِبِ وَيَأْتِي اللَّهُ بِهَا مِنَ الْمَشْرِقِ. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّنَا سَنُؤْتَى بِهَا كَمَا يُؤْتَى بِالْعَرُوسِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ الْمُنْذِرِ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ: مَنْ أَحَبَّنَا نَفَعَهُ اللَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي الدَّيْلَمِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: وَدِدْتُ لَوْ فديت شيعتنا هؤلاء ولو بِبَعْضِ دَمِي. قَالَ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى عَلَى الْمِفْصَلِ وَالْعُرُوقِ ثُمَّ قَالَ: لَحَدِيثُهُمُ الْكَذِبُ وَإِذَاعَتُهُمُ الشَّرُّ حَتَّى إِنَّهَا لَوْ كَانَتْ أُمَّ أَحَدِهِمُ الَّتِي وَلَدَتْهُ أَغْرَى بِهَا حَتَّى تُقْتَلَ. أَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْحَارِثِ الأَزْدِيِّ قَالَ: قَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً أَغْنَى نَفْسَهُ وَكُفَّ يَدَهُ وَأَمْسَكَ لِسَانَهُ وَجَلَسَ فِي بَيْتِهِ. لَهُ مَا احْتَسَبَ وَهُوَ مَعَ مَنْ أَحَبَّ. أَلا إِنَّ أَعْمَالَ بَنِي أُمَيَّةَ أَسْرَعُ فِيهِمْ مِنْ سُيُوفِ الْمُسْلِمِينَ. أَلا إِنَّ لأَهْلِ الْحَقِّ دَوْلَةً يَأْتِي بِهَا اللَّهُ إِذَا شَاءَ. فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ وَمِنَّا كَانَ عِنْدَنَا فِي السَّنَامِ الأَعْلَى. وَمَنْ يَمُتْ فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ قال: أخبرنا أَبُو شِهَابٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي يَعْلَى عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ رَجُلا لِلَّهِ لِعَدْلٍ ظَهَرَ مِنْهُ وَهُوَ فِي عِلْمِ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ آجَرَهُ اللَّهُ عَلَى حُبِّهُ إِيَّاهُ كَمَا لَوْ كَانَ أَحَبَّ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَمَنْ أَبْغَضَ رَجُلا لِلَّهِ لِجَوْرٍ ظهر منه وهو في علم الله من أَهْلِ الْجَنَّةِ آجَرَهُ اللَّهُ عَلَى بُغْضِهِ إِيَّاهُ كَمَا لَوْ كَانَ أَبْغَضَ رَجُلا مِنْ أَهْلِ النَّارِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أُمِّ بَكْرٍ بِنْتِ الْمِسْوَرِ قَالَتْ: كَانَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي حَصْرِهِ الأَوَّلِ أَشَدَّ النَّاسِ مَعَهُ وَيُرِيهِ أَنَّهُ شِيعَةٌ لَهُ. وَابْنُ الزُّبَيْرِ مُعْجَبٌ بِهِ وَيَحْمِلُ عَلَيْهِ فَلا يَسْمَعُ عَلَيْهِ كَلامًا. وَكَانَ الْمُخْتَارُ يختلف إلى محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ. وَكَانَ مُحَمَّدٌ لَيْسَ فِيهِ بِحُسْنِ الرَّأْيِ وَلا يَقْبَلُ كَثِيرًا مِمَّا يَأْتِي بِهِ. فَقَالَ الْمُخْتَارُ: أَنَا خَارِجٌ إِلَى الْعِرَاقِ. فَقَالَ لَهُ محمد: فاخرج وَهَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَامِلٍ الْهَمْدَانِيُّ يَخْرُجُ مَعَكَ. وَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ: تَحَرَّزْ مِنْهُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ كَبِيرُ أَمَانَةٍ. وَجَاءَ الْمُخْتَارُ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: اعْلَمْ أَنَّ مَكَانِي مِنَ الْعِرَاقِ أَنْفَعُ لَكَ مِنْ مَقَامِي هَاهُنَا. فَأَذِنَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَخَرَجَ هُوَ وَابْنُ كَامِلٍ. وَابْنُ الزُّبَيْرِ لا يَشُكُّ فِي مُنَاصَحَتِهِ. وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى الْغِشِّ لابْنِ الزُّبَيْرِ. فَخَرَجَا حَتَّى لَقِيَا لاقِيًا بِالْعُذَيْبِ فَقَالَ الْمُخْتَارُ: أَخْبِرْنَا عَنِ النَّاسِ. فَقَالَ: تَرَكْتُ النَّاسَ كَالسَّفِينَةِ تَجُولُ لا مَلاحَ لَهَا. فَقَالَ الْمُخْتَارُ: فَأَنَا مَلاحُهَا الَّذِي يُقِيمُهَا. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْمُخْتَارُ الْعِرَاقِ اخْتَلَفَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ. وَهُوَ وَالِي الْكُوفَةِ يَوْمَئِذٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَأَظْهَرَ مُنَاصَحَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَابَهُ فِي السِّرِّ. وَدَعَا إِلَى ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَحَرَّضَ النَّاسَ عَلَى ابْنِ مُطِيعٍ. وَاتَّخَذَ شِيعَةً. يَرْكَبُ فِي خَيْلٍ عَظِيمَةٍ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ابْنُ مُطِيعٍ خَافَهُ فَهَرَبَ مِنْهُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ وَغَيْرُهُمَا قَالُوا: كَانَ الْمُخْتَارُ لَمَّا قَدِمَ الْكُوفَةَ كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَعْيَبَهُ لَهُ. وَجَعَلَ يُلْقِي إِلَى النَّاسِ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَطْلُبُ هَذَا الأَمْرَ لأَبِي الْقَاسِمِ. يَعْنِي ابْنَ الْحَنِفِيَّةِ. ثُمَّ ظَلَمَهُ إِيَّاهُ. وَجَعَلَ يَذْكُرُ ابْنَ الْحَنِفِيَّةِ وَحَالَهُ وَوَرَعَهُ وَأَنَّهُ بَعَثَهُ إِلَى الْكُوفَةِ يَدْعُو لَهُ. وَأَنَّهُ كَتَبَ لَهُ كِتَابًا فَهُوَ لا يَعْدُوهُ إِلَى غَيْرِهِ. وَيَقْرَأُ ذَلِكَ الْكِتَابَ عَلَى مَنْ يَثِقُ بِهِ. وَجَعَلَ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ لمحمد ابن الحنفية فيبايعونه لَهُ سِرًّا. فَشَكَّ قَوْمٌ مِمَّنْ بَايَعَهُ فِي أَمْرِهِ وَقَالُوا: أَعْطَيْنَا هَذَا الرَّجُلَ عُهُودَنَا أَنْ زَعَمَ أَنَّهُ رَسُولُ ابْنِ الْحَنِفِيَّةِ. وَابْنُ الْحَنِفِيَّةِ بِمَكَّةَ لَيْسَ مِنَّا بِبَعِيدٍ وَلا مُسْتَتِرٍ. فَلَوْ شَخَصَ مِنَّا قَوْمٌ إِلَيْهِ فَسَأَلُوهُ عَمَّا جَاءَ بِهِ هَذَا الرَّجُلُ عَنْهُ. فَإِنْ كَانَ صَادِقًا نَصَرْنَاهُ وَأَعَنَّاهُ عَلَى أَمْرِهِ. فَشَخَصَ مِنْهُمْ قَوْمٌ فَلَقُوا ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ بِمَكَّةَ فَأَعْلَمُوهُ أَمْرَ الْمُخْتَارِ وَمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ فَقَالَ: نَحْنُ حَيْثُ تَرَوْنَ مُحْتَسِبُونَ وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي سُلْطَانَ الدُّنْيَا بِقَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَلَوَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ انْتَصَرَ لَنَا بِمَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ. فَاحْذَرُوا الْكَذَّابِينَ وَانْظُرُوا لأَنْفُسِكُمْ وَدِينِكُمْ. فَانْصَرَفُوا عَلَى هَذَا. وَكَتَبَ الْمُخْتَارُ كِتَابًا عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدِ ابن الْحَنَفِيَّةِ إِلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ الأَشْتَرِ. وَجَاءَ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ الْمُخْتَارُ أَمِينُ آلِ مُحَمَّدٍ وَرَسُولُهُ. فَأَذِنَ لَهُ وَحَيَّاهُ وَرَحَّبَ بِهِ وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى فِرَاشِهِ. فَتَكَلَّمَ الْمُخْتَارُ. وَكَانَ مُفَوَّهًا. فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ أَهْلُ بَيْتٍ قَدْ أَكْرَمَكُمُ اللَّهَ بِنُصْرَةِ آلِ مُحَمَّدٍ. وَقَدْ رَكِبَ مِنْهُمْ مَا قَدْ عَلِمْتَ. وَحُرِمُوا وَمُنِعُوا حَقَّهُمْ وَصَارُوا إِلَى مَا رَأَيْتَ. وَقَدْ كَتَبَ إِلَيْكَ الْمَهْدِيُّ كِتَابًا. وَهَؤُلاءِ الشُّهُودُ عَلَيْهِ. فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ أَنَسٍ الأَسَدِيُّ وَأَحْمَرُ بْنُ شُمَيْطٍ الْبَجَلِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَامِلٍ الشَّاكِرِيُّ وَأَبُو عَمْرَةَ كَيْسَانُ مَوْلَى بَجِيلَةَ: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا كِتَابَهُ قَدْ شَهِدْنَاهُ حِينَ دَفَعَهُ إِلَيْهِ. فَقَبَضَهُ إِبْرَاهِيمُ وَقَرَأَهُ ثُمَّ قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُجِيبُ وَقَدْ أَمَرَنَا بِطَاعَتِكَ وَمُؤَازَرَتِكَ فَقُلْ مَا بَدَا لَكَ وَادْعُ إِلَى مَا شِئْتَ. ثُمَّ كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَرْكَبُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَزَرَعَ ذَلِكَ فِي صُدُورِ النَّاسِ. وَوَرَدَ الْخَبَرُ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فَتَنَكَّرَ لِمُحَمَّدِ ابن الْحَنَفِيَّةِ. وَجَعَلَ أَمْرُ الْمُخْتَارِ يَغْلُظُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَيَكْثُرُ تَبَعُهُ. وَجَعَلَ يَتَتَبَّعُ قَتَلَةَ الْحُسَيْنِ وَمَنْ أَعَانَ عَلَيْهِ فَيَقْتُلُهُمْ. ثُمَّ بَعَثَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الأَشْتَرِ فِي عِشْرِينَ أَلْفًا إِلَى عُبَيْدِ الله بْنِ زِيَادٍ فَقَتَلَهُ وَبَعَثَ بِرَأْسِهِ إِلَى الْمُخْتَارِ فَعَمَدَ إِلَيْهِ الْمُخْتَارُ فَجَعَلَهُ فِي جُونَةٍ. ثُمَّ بعث به إلى محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَسَائِرِ بَنِي هَاشِمٍ. وَكَانَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ يَكْرَهُ أَمْرَ الْمُخْتَارِ وَمَا يَبْلُغُهُ عَنْهُ وَلا يُحِبُّ كَثِيرًا مِمَّا يَأْتِي بِهِ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَصَابَ بِثَأْرِنَا وَأَدْرَكَ وَغْمَنَا وَآثَرَنَا وَوَصَلَنَا. فَكَانَ يُظْهِرُ الْجَمِيلَ فِيهِ لِلْعَامَّةِ. فَلَمَّا اتَّسَقَ الأَمْرُ لِلْمُخْتَارِ كَتَبَ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَهْدِيِّ: مِنَ الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الطَّالِبِ بِثَأْرِ آلِ مُحَمَّدٍ. أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَنْتَقِمْ مِنْ قَوْمٍ حَتَّى يُعَذِّرَ إِلَيْهِمْ. وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ الْفَسَقَةَ وَأَشْيَاعَ الْفَسَقَةِ وَقَدْ بَقِيَتْ بَقَايَا أَرْجُو أَنْ يُلْحِقَ اللَّهُ آخِرَهُمْ بِأَوَّلِهِمْ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ وَهِشَامُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَالْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَغَيْرِهِمْ أَيْضًا قَدْ حَدَّثَنِي قَالُوا: لَمَّا جَاءَ نَعْيُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى الْمَدِينَةِ كَانَ بِهَا يومئذ الحسين بن علي ومحمد ابن الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ الزُّبَيْرِ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ. فَخَرَجَ الْحُسَيْنُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَى مَكَّةَ. وَأَقَامَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى سَمِعَ بِدُنُوِّ جَيْشٍ مسرف وأيام الْحَرَّةِ فَرَحَلَ إِلَى مَكَّةَ فَأَقَامَ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَلَمَّا جَاءَ نَعْيُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَبَايَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لِنَفْسِهِ وَدَعَا النَّاسَ إِلَيْهِ دعا ابن عباس ومحمد ابن الْحَنَفِيَّةِ إِلَى الْبَيْعَةَ لَهُ فَأَبَيَا يُبَايِعَانِ لَهُ وَقَالا: حَتَّى يَجْتَمِعَ لَكَ الْبِلادُ وَيَتَّسِقَ لَكَ النَّاسُ. فَأَقَامَا عَلَى ذَلِكَ مَا أَقَامَا. فَمَرَّةً يُكَاشِرُهُمَا وَمَرَّةً يَلِينُ لَهُمَا وَمَرَّةً يُبَادِيهُمَا. ثُمَّ غَلُظَ عَلَيْهِمَا فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ كَلامٌ وَشَرٌّ. فَلَمْ يَزَلِ الأَمْرُ يَغْلُظُ حَتَّى خَافَا مِنْهُ خَوْفًا شَدِيدًا وَمَعَهُمَا النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ. فَأَسَاءَ جوارهم وحصرهم وآذاهم. وقصد لمحمد ابن الْحَنَفِيَّةِ فَأَظْهَرَ شَتْمُهُ وَعَيْبَهُ وَأَمَرَهُ وَبَنِي هَاشِمٍ أَنْ يَلْزَمُوا شِعْبَهُمْ بِمَكَّةَ. وَجَعَلَ عَلَيْهِمُ الرُّقَبَاءَ وَقَالَ لَهُمْ فِيمَا يَقُولُ: وَاللَّهِ لَتُبَايِعَنَّ أَوْ لأَحْرِقَنَّكُمْ بِالنَّارِ. فَخَافُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ. قَالَ سُلَيْمٌ أبو عامر: فرأيت محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ مَحْبُوسًا فِي زَمْزَمَ وَالنَّاسُ يُمْنَعُونَ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لأَدْخُلَنَّ عَلَيْهِ. فَدَخَلْتُ فَقُلْتُ: مَا بَالُكَ وَهَذَا الرَّجُلُ؟ فَقَالَ: دَعَانِي إِلَى الْبَيْعَةِ فَقُلْتُ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَيْكَ فَأَنَا كَأَحَدِهِمْ. فَلَمْ يَرْضَ بِهَذَا مِنِّي. فَاذْهَبْ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلامَ وَقُلْ يَقُولُ لَكَ ابْنُ عَمِّكَ مَا تَرَى؟ قَالَ سُلَيْمٌ: فَدَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ ذَاهِبُ الْبَصَرِ فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: أَنْصَارِيٌّ. فَقَالَ: رُبَّ أَنْصَارِيٍّ هُوَ أَشَدُّ علينا من عدونا. فقلت: لا تخف. أنا مِمَّنْ لَكَ كُلُّهُ. قَالَ: هَاتِ. فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ: قُلْ لَهُ لا تُطِعْهُ ولا نعمة عين إلا ما قلت. لا تَزِدْهُ عَلَيْهِ. فَرَجَعْتُ إِلَى ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَأَبْلَغْتُهُ مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. فَهَمَّ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَقْدَمَ إِلَى الْكُوفَةِ وَبَلَغَ ذَلِكَ الْمُخْتَارَ فَثَقُلَ عَلَيْهِ قُدُومُهُ فَقَالَ: إِنَّ فِي الْمَهْدِيِّ عَلامَةً يَقْدَمُ بَلَدَكُمْ هَذَا فَيَضْرِبُهُ رَجُلٌ فِي السُّوقِ بِالسَّيْفِ لا تَضُرُّهُ وَلا تَحِيكُ فِيهِ. فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ فَأَقَامَ فَقِيلَ لَهُ: لَوْ بَعَثْتَ إِلَى شِيعَتِكَ بِالْكُوفَةِ فَأَعْلَمْتَهُمْ مَا أنتم فيه. فبعث أبا الطفيل عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ إِلَى شِيعَتِهِمْ بِالْكُوفَةِ. فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: إِنَّا لا نَأْمَنُ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى هَؤُلاءِ الْقَوْمِ. وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْخَوْفِ. فَقَطَعَ الْمُخْتَارُ بَعْثًا إِلَى مَكَّةَ فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةَ آلافٍ. فَعَقَدَ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ عَلَيْهِمْ وَقَالَ لَهُ: سِرْ فَإِنْ وجدت بني هاشم الْحَيَاةِ فَكُنْ لَهُمْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَضُدًا وَانْفِذْ لِمَا أَمَرُوكَ بِهِ. وَإِنْ وَجَدْتَ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ قَتَلَهُمْ فَاعْتَرِضْ أَهْلَ مَكَّةَ حَتَّى تَصِلْ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ ثُمَّ لا تَدَعْ مِنْ آلِ الزُّبَيْرِ شُفْرًا وَلا ظُفْرًا. وَقَالَ: يَا شُرْطَةَ اللَّهِ لَقَدْ أَكْرَمَكُمُ اللَّهُ بِهَذَا الْمَسِيرِ وَلَكُمْ بِهَذَا الْوَجْهِ عَشْرُ حِجَجٍ وَعَشْرُ عُمَرَ. وَسَارَ الْقَوْمُ وَمَعَهُمُ السِّلاحُ حَتَّى أَشْرَفُوا عَلَى مَكَّةَ فَجَاءَ الْمُسْتَغِيثُ: أَعْجِلُوا فَمَا أُرَاكُمْ تُدْرِكُونَهُمْ. فَقَالَ النَّاسُ: لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُوَّةِ عَجَّلُوا. فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ ثَمَانُمِائَةٍ رَأْسُهُمْ عَطِيَّةُ بْنُ سَعْدِ بْنِ جُنَادَةَ الْعَوْفِيُّ حَتَّى دَخَلُوا مَكَّةَ فَكَبَّرُوا تَكْبِيرَةً سَمِعَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ فَانْطَلَقَ هَارِبًا حَتَّى دَخَلَ دَارَ النَّدْوَةِ. وَيُقَالُ بَلْ تَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَقَالَ: أَنَا عَائِذُ اللَّهِ. قَالَ عَطِيَّةُ: ثُمَّ مِلْنَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَأَصْحَابُهُمَا فِي دُورٍ قَدْ جُمِعَ لَهُمُ الحطب فأحيط بهم حتى بلغ رؤوس الْجُدُرِ لَوْ أَنَّ نَارًا تَقَعُ فِيهِ مَا رثي مِنْهُمْ أَحَدٌ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ. فَأَخَّرْنَاهُ عَنِ الأَبْوَابِ. وَعَجَّلَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس. وهو يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ. فَأَسْرَعَ فِي الْحَطَبِ يُرِيدُ الْخُرُوجَ فَأَدْمَى سَاقَيْهِ. وَأَقْبَلَ أَصْحَابُ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَكُنَّا صَفَّيْنِ نَحْنُ وَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ نَهَارُنَا وَنَهَارُهُ لا نَنْصَرِفُ إِلا إِلَى صَلاةٍ حَتَّى أَصْبَحْنَا. وَقَدِمَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيُّ فِي النَّاسِ فَقُلْنَا لابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الْحَنَفِيَّةِ: ذَرُونَا نُرِيحُ النَّاسَ مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. فَقَالا: هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَهُ اللَّهُ. مَا أَحَلَّهُ لأَحَدٍ إِلا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَاعَةً مَا أَحَلَّهُ لأَحَدٍ قَبْلَهُ وَلا يُحِلُّهُ لأَحَدٍ بَعْدَهُ. فَامْنَعُونَا وَأَجِيرُونَا. قَالَ فَتَحَمَّلُوا وَإِنَّ مُنَادِيًا لَيُنَادِي فِي الْجَبَلِ: مَا غَنِمَتْ سَرِيَّةٌ بَعْدَ نَبِيِّهَا مَا غَنِمَتْ هَذِهِ السَّرِيَّةُ. إِنَّ السَّرَايَا تَغْنَمُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَإِنَّمَا غَنِمْتُمْ دِمَاءَنَا. فَخَرَجُوا بِهِمْ حَتَّى أَنْزَلُوهُمْ مِنًى فَأَقَامُوا بِهَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُقِيمُوا ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى الطَّائِفِ فَأَقَامُوا مَا أَقَامُوا. وَتُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وصلى عليه محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ. وَبَقِينَا مَعَ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ. فَلَمَّا كَانَ الْحَجُّ وَحَجَّ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ مَكَّةَ فَوَافَى عرفة في أصحابه. ووافى محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ مِنَ الطَّائِفِ فِي أَصْحَابِهِ. فَوَقَفَ بِعَرَفَةَ. وَوَافَى نَجْدَةَ بْنَ عَامِرٍ الْحَنَفِيَّ تِلْكَ السَّنَةَ فِي أَصْحَابِهِ مِنَ الْخَوَارِجِ فَوَقَفَ نَاحِيَةً. وَحَجَّتْ بَنُو أُمَيَّةَ عَلَى لِوَاءٍ فَوَقَفُوا بِعَرَفَةَ فِيمَنْ مَعَهُمْ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُرَحْبِيلُ بْنُ أَبِي عَوْنٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَقَفَتْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَرْبَعَةُ أَلْوِيَةٍ بِعَرَفَةَ: محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ فِي أَصْحَابِهِ عَلَى لِوَاءٍ قَامَ عِنْدَ حَبْلِ الْمُشَاةِ. وَحَجَّ ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي أَصْحَابِهِ مَعَهُ لِوَاءٌ فَقَامَ مَقَامَ الإِمَامِ الْيَوْمَ. ثُمَّ تقدم محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ بِأَصْحَابِهِ حَتَّى وَقَفَ حِذَاءَ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَوَافَى نَجْدَةَ الْحَرُورِيَّ فِي أَصْحَابِهِ وَمَعَهُ لِوَاءٌ فَوَقَفَ خَلْفَهُمَا. وَوَافَتْ بَنُو أُمَيَّةَ وَمَعَهُمْ لِوَاءٌ فَوَقَفُوا عَنْ يَسَارِهِمَا. فَكَانَ أَوَّلُ لِوَاءٍ أَنْغَضَ لواء محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ. ثُمَّ تَبِعَهُ نَجْدَةُ. ثُمَّ لِوَاءُ بَنِي أُمَيَّةَ. ثُمَّ لِوَاءُ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَاتَّبَعَهُ النَّاسُ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمْ يَدْفَعِ ابْنُ الزُّبَيْرِ تِلْكَ الْعَشِيَّةَ إِلا بِدَفْعِهِ ابْنِ عُمَرَ. فَلَمَّا أَبْطَأَ ابْنُ الزُّبَيْرِ. وَقَدْ مَضَى ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَنَجْدَةُ وَبَنُو أُمَيَّةَ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَيَنْتَظِرُ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ؟ ثُمَّ دَفَعَ فَدَفَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى أَثَرِهِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ يَقُولُ: دَفَعْتُ مِنْ عَرَفَةَ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ وَتِلْكَ السُّنَّةُ فَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: عَجِّلْ مُحَمَّدُ عَجِّلْ مُحَمَّدُ. فَعَنْ مَنْ أَخَذَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الإِغْسَاقَ؟ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَقَامَ الْحَجَّ تِلْكَ السَّنَةَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَحَجَّ عامئذ محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ فِي الْخَشَبِيَّةِ مَعَهُ. وَهُمْ أَرْبَعَةُ آلافٍ نَزَلُوا فِي الشِّعْبِ الأَيْسَرِ مِنْ مِنًى. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْرَائِيلُ عَنْ ثُوَيْرٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الشِّعْبِ الأَيْسَرِ مِنْ مِنًى فِي أَصْحَابِهِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خِفْتُ الْفِتْنَةَ فَمَشَيْتُ إِلَيْهِمْ جَمِيعًا فَجِئْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ فِي الشِّعْبِ فَقُلْتُ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّا فِي مِشْعَرٍ حَرَامٍ وَبَلَدٍ حَرَامٍ. وَالنَّاسُ وَفْدُ اللَّهِ إِلَى هَذَا الْبَيْتِ. فَلا تُفْسِدْ عَلَيْهِمْ حَجَّهُمْ. فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أُرِيدُ ذَلِكَ وَمَا أَحُولُ بَيْنَ أَحَدٍ وَبَيْنَ هَذَا الْبَيْتِ. وَلا يُؤْتَى أَحَدٌ مِنَ الْحَاجِّ مِنْ قِبَلِي وَلَكِنِّي رَجُلٌ أَدْفَعُ عَنْ نَفْسِي مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَمَا يُرِيدُ مِنِّي. وَمَا أَطْلُبُ هَذَا الأَمْرَ إِلا أَنْ لا يَخْتَلِفَ عَلَيَّ فيه اثْنَانِ. وَلَكِنِ ائْتِ ابْنَ الزُّبَيْرِ فَكَلِّمْهُ وَعَلَيْكَ بِنَجْدَةَ فَكَلِّمْهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ: فَجِئْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ فَكَلَّمْتُهُ بِنَحْوٍ مِمَّا كَلَّمْتُ بِهِ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ: أَنَا رَجُلٌ قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيَّ وَبَايَعَنِي النَّاسُ. وَهَؤُلاءِ أَهْلُ خِلافٍ. فَقُلْتُ: إِنَّ خَيْرًا لَكَ الْكَفٌّ. فَقَالَ: أَفْعَلُ. ثُمَّ جِئْتُ نَجْدَةَ الْحَرُورِيَّ فَأَجِدُهُ فِي أَصْحَابِهِ وَأَجِدُ عِكْرِمَةَ غُلامَ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَهُ. فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِي عَلَى صَاحِبِكَ. قَالَ فَدَخَلَ فَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ أَذِنَ لِي فَدَخَلْتُ فَعَظَّمْتُ عَلَيْهِ وَكَلَّمْتُهُ بِمَا كَلَّمْتُ بِهِ الرَّجُلَيْنِ فَقَالَ: أَمَّا أَنْ أَبْتَدِئَ أَحَدًا بِقِتَالٍ فَلا وَلَكِنْ مَنْ بَدَأْنَا بِقِتَالٍ قَاتَلْنَاهُ. قُلْتُ: فَإِنِّي رَأَيْتُ الرَّجُلَيْنِ لا يُرِيدَانِ قِتَالَكَ. ثُمَّ جِئْتُ شِيعَةَ بَنِي أُمَيَّةَ فَكَلَّمْتُهُمْ بِنَحْوٍ مِمَّا كَلَّمْتُ بِهِ الْقَوْمَ فَقَالُوا: نَحْنُ عَلَى لِوَائِنَا لا نُقَاتِلُ أَحَدًا إِلا أَنْ يُقَاتِلَنَا. فَلَمْ أَرَ فِي تِلْكَ الأَلْوِيَةِ أَسْكَنَ وَلا أَسْلَمَ دَفْعَةً مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ الحنفية. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ: وَقَفْتُ تِلْكَ الْعَشِيَّةَ إلى جنب محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ. فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ ادْفَعْ. فَدَفَعَ وَدَفَعْتُ مَعَهُ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ دَفَعَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُرَحْبِيلُ بْنُ أَبِي عَوْنٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ أَصْحَابَ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ يُلَبُّونَ بِعَرَفَةَ وَرَمَقْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَأَصْحَابَهُ فَإِذَا هُمْ يُلَبُّونَ حَتَّى زَاغَتِ الشَّمْسُ. ثُمَّ قُطِعَ. وَكَذَلِكَ فَعَلَتْ بَنُو أُمَيَّةَ. وَأَمَّا نَجْدَةُ فَلَبَّى حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. أَخْبَرَنَا الْمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْعُرْيَانِ الْمُجَاشِعِيُّ قَالَ: بَعَثَنَا الْمُخْتَارُ فِي أَلْفَيْ فَارِسٍ إلى محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ. قَالَ فَكُنَّا عِنْدَهُ. قَالَ فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَذْكُرُ الْمُخْتَارَ فَيَقُولُ: أَدْرَكَ ثَأْرَنَا وَقَضَى ديوننا وأنفق علينا. قال وكان محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ لا يَقُولُ فِيهِ خَيْرًا وَلا شَرًّا. قَالَ فَبَلَغَ مُحَمَّدًا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ عِنْدَهُمْ شَيْئًا. أَيْ مِنَ الْعِلْمِ. قَالَ فَقَامَ فِينَا فَقَالَ: إِنَّا وَاللَّهِ مَا وَرَثْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ إِلا مَا بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّوْحَيْنِ. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حِلا وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ فِي ذُؤَابَةِ سَيْفِي. قَالَ فَسَأَلْتُ: وَمَا كَانَ فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا. أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ الرَّمَّاحُ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ أُخْرِجَ مِنْ مَكَّةَ فَنَزَلَ شِعْبَ عَلِيٍّ فَخَرَجْنَا مِنَ الْكُوفَةِ لِنَأْتِيَهُ فَلَقِينَا ابْنَ عَبَّاسٍ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعَهُ فِي الشِّعْبِ فَقَالَ لَنَا: أَحْصُوا سِلاحَكُمْ وَلَبُّوا بِعُمْرَةٍ. ثُمَّ ادْخُلُوا الْبَيْتَ وَطَوِّفُوا بِهِ وبين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. أَخْبَرَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ مَيْمُونٍ عَنْ وَرْدَانَ قَالَ: كُنْتُ فِي الْعِصَابَةِ الَّذِينَ انْتَدَبُوا إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ. قَالَ: وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَدْ مَنَعَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ حَتَّى يُبَايِعَهُ فَأَبَى أَنْ يُبَايِعَهُ. قَالَ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِ فَأَرَادَ أَهْلَ الشَّامِ فَمَنَعَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ أَنْ يَدْخُلَهَا حَتَّى يُبَايِعَهُ فَأَبَى عَلَيْهِ. قَالَ فَسِرْنَا مَعَهُ مَا سرنا ولو أمرنا بالقتال لقتالنا مَعَهُ. فَجَمَعْنَا يَوْمًا فَقَسَمَ فِينَا شَيْئًا وَهُوَ يَسِيرُ. ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قال: ألحقوا برحالكم واتقوا الله وعليكم بِمَا تَعْرِفُونَ وَدَعُوا مَا تُنْكِرُونَ وَعَلَيْكُمْ بِخَاصَّةِ أَنْفُسِكُمْ وَدَعُوا أَمْرَ الْعَامَّةِ وَاسْتَقِرُّوا عَنْ أَمْرَنَا كَمَا اسْتَقَرَّتِ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ. فَإِنَّ أَمْرَنَا إِذَا جاء كان كالشمس الضاحية. قالوا: وَقُتِلَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ فِي سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ. فَلَمَّا دَخَلْتُ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ أَرْسَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عُرْوَةَ بْنَ الزبير إلى محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ لَكَ إِنِّي تَارِكُكَ أَبَدًا حَتَّى تُبَايِعَنِي أَوْ أُعِيدَكَ فِي الْحَبْسِ وَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ الْكَذَّابَ الَّذِي كُنْتَ تَدَّعِي نُصْرَتَهُ. وَأَجْمَعَ عَلَيَّ أَهْلُ الْعِرَاقَيْنِ. فَبَايِعْ لِي وَإِلا فَهِيَ الْحَرْبُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ إِنِ امْتَنَعْتَ. فَقَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ لِعُرْوَةَ: مَا أَسْرَعَ أخاك إلى قطع الرحم والاستخفاف بالحق. وأغفله عَنْ تَعْجِيلِ عُقُوبَةِ اللَّهِ. مَا يَشُكُّ أَخُوكَ فِي الْخُلُودِ وَإِلا فَقَدْ كَانَ أَحْمَدَ لِلْمُخْتَارِ وَلِهَدْيِهِ مِنِّي. وَاللَّهِ مَا بَعَثْتُ الْمُخْتَارَ دَاعِيًا وَلا نَاصِرًا. وَلَلْمُخْتَارُ كَانَ إِلَيْهِ أَشَدَّ انْقِطَاعًا مِنْهُ إِلَيْنَا. فَإِنْ كَانَ كَذَّابًا فَطَالَ مَا قَرَّبَهُ عَلَى كَذِبِهِ. وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ أَعْلَمُ بِهِ. وَمَا عِنْدِي خِلافٌ. وَلَوْ كَانَ خِلافَ مَا أَقَمْتُ فِي جِوَارِهِ وَلَخَرَجْتُ إِلَى مَنْ يَدْعُونِي فَأَبَيْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَلَكِنْ هَاهُنَا وَاللَّهِ لأَخِيكَ قَرِينًا يَطْلُبُ مِثْلَ مَا يَطْلُبُ أَخُوكَ. كِلاهُمَا يُقَاتِلانِ عَلَى الدُّنْيَا: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ. وَاللَّهِ لَكَأَنَّكَ بِجُيُوشِهِ قَدْ أَحَاطَتْ بِرَقَبَةِ أَخِيكَ وَإِنِّي لأَحْسَبُ أَنَّ جِوَارَ عَبْدِ الْمَلِكِ خَيْرٌ لِي مِنْ جِوَارِ أَخِيكَ. وَلَقَدْ كَتَبَ إِلَيَّ يَعْرِضُ عَلَيَّ مَا قَبِلَهُ وَيَدْعُونِي إِلَيْهِ. قَالَ عُرْوَةُ: فَمَا يَمْنَعُكَ من ذلك؟ قال: أستخير الله وذلك أحب إلى صاحبك. قَالَ: أَذْكُرُ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ: وَاللَّهِ لَوْ أَطَعْتَنَا لَضَرَبْنَا عُنُقَهُ. فَقَالَ ابن الحنفية: وعلى م أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ جَاءَنَا بِرِسَالَةٍ مِنْ أَخِيهِ وَجَاوَرَنَا فَجَرَى بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ كَلامٌ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أَخِيهِ. وَالَّذِي قُلْتُمْ غَدْرٌ وَلَيْسَ فِي الْغَدْرِ خَيْرٌ. لَوْ فَعَلْتُ الَّذِي تَقُولُونَ لَكَانَ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَأْيِي لَوِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيَّ كُلُّهُمْ إِلا إِنْسَانٌ وَاحِدٌ لَمَا قَاتَلْتُهُ. فَانْصَرَفَ عُرْوَةُ فَأَخْبَرَ ابْنَ الزُّبَيْرِ بِمَا قَالَ له محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ. قَالَ وَاللَّهِ مَا أَرَى أَنْ تُعْرِضَ لَهُ. دَعْهُ فَلْيَخْرُجْ عَنْكَ وَيُغَيِّبُ وَجْهَهُ فَعَبْدُ الْمَلِكِ أَمَامَهُ لا يَتْرُكُهُ يَحِلُّ بِالشَّامِ حَتَّى يُبَايِعَهُ. وَابْنُ الْحَنَفِيَّةِ لا يُبَايِعُهُ أَبَدًا حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْهِ. فَإِنْ صَارَ إِلَيْهِ كَفَاكَهُ إِمَّا حَبَسَهُ وَإِمَّا قَتَلَهُ فَتَكُونَ أَنْتَ قَدْ بَرِئَتْ مِنْ ذَلِكَ. فَأَفْثَأَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَنْهُ. فَقَالَ أَبُو الطُّفَيْلٍ: وَجَاءَ كِتَابٌ مِنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَرَسُولٌ حَتَّى دَخَلَ الشِّعْبَ فقرأ محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ الْكِتَابَ فَقَرَأَ كِتَابًا لَوْ كَتَبَ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى بَعْضِ إِخْوَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ مَا زَادَ عَلَى أَلْطَافِهِ. وَكَانَ فِيهِ: إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ ضَيِّقَ عَلَيْكَ وَقَطَعَ رَحِمَكَ وَاسْتَخَفَّ بِحَقِّكَ حَتَّى تُبَايِعَهُ فَقَدْ نَظَرْتَ لِنَفْسِكَ وَدِينِكَ وَأَنْتَ أَعْرَفُ بِهِ حَيْثُ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ. وَهَذَا الشَّامُ فَانْزِلْ منه حيث شئت فنحن مكرموك وواصلو رحمك وعارفو حَقَّكَ. فَقَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ لأَصْحَابِهِ: هَذَا وَجْهٌ نَخْرُجُ إِلَيْهِ. قَالَ فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ وَمَعَهُ كُثَيِّرُ عَزَّةَ يَنْشُدُ شَعَرًا: أَنْتَ إِمَامُ الْحَقِّ لَسْنَا نَمْتَرِي ... أَنْتَ الَّذِي نَرْضَى بِهِ وَنَرْتَجِي أَنْتَ ابْنُ خَيْرِ النَّاسِ مِنْ بَعْدِ النَّبِي ... يَا ابْنَ عَلِيٍّ سِرْ وَمَنْ مِثْلُ عَلِي حَتَّى تَحِلَّ أَرْضَ كَلْبٍ وَبَلِي قَالَ أَبُو الطُّفَيْلِ: فَسِرْنَا حَتَّى نَزَلْنَا أَيْلَةَ فَجَاوَرُونَا بِأَحْسَنِ جِوَارٍ وَجَاوَرْنَاهُمْ بِأَحْسَنِ ذَلِكَ وَأَحَبُّوا أَبَا الْقَاسِمِ حُبًّا شَدِيدًا وَعَظَّمُوهُ وَأَصْحَابَهُ. وَأُمِرْنَا بِالْمَعْرُوفِ وَنُهِينَا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلا يُظْلَمُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ قُرْبَنَا وَلا بِحَضْرَتِنَا. فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ الْمَلِكِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَذَكَرَهُ لِقَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ وَرَوْحِ بْنِ زِنْبَاعٍ وَكَانَا خَاصَّتَهُ فَقَالا: مَا نرى أَنْ نَدَعَهُ يُقِيمُ فِي قُرْبَةٍ مِنْكَ وَسِيرَتُهُ سِيرَتُهُ حَتَّى يُبَايِعَ لَكَ أَوْ تَصْرِفَهُ إِلَى الْحِجَازِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ: إِنَّكَ قَدِمْتَ بِلادِي فَنَزَلْتَ فِي طَرَفٍ مِنْهَا. وَهَذِهِ الْحَرْبُ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ كَمَا تَعْلَمُ. وَأَنْتَ لَكَ ذِكْرٌ وَمَكَانٌ. وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ لا تُقِيمَ فِي سُلْطَانِي إِلا أَنْ تَبَايَعَ لِي. فَإِنْ بَايَعْتَنِي فَخُذِ السُّفُنَ الَّتِي قَدِمَتْ عَلَيْنَا مِنَ الْقُلْزُمِ وَهِيَ مِائَةُ مَرْكَبٍ فَهِيَ لَكَ وَمَا فِيهَا. وَلَكَ أَلْفَا أَلْفِ دِرْهَمٍ أُعَجِّلُ لَكَ مِنْهَا خَمْسَمِائَةِ أَلْفٍ وَأَلْفَ أَلْفٍ وَخَمْسَمِائَةِ أَلْفٍ آتَيْتُكَ مَعَ مَا أَرَدْتَ مِنْ فَرِيضَةٍ لَكَ وَلِوَلَدِكَ وَلِقَرَابَتِكَ وَمَوَالِيكَ وَمَنْ مَعَكَ. وَإِنْ أَبَيْتَ فَتَحَوَّلْ عَنْ بَلَدِي إِلَى مَوْضِعٍ لا يَكُونُ لِي فِيهِ سُلْطَانٌ. قَالَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ. سَلامٌ عَلَيْكَ. فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ. أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ عَرَفْتَ رَأْيِي فِي هَذَا الأَمْرِ قَدِيمًا. وَإِنِّي لَسْتُ أُسَفِّهُهُ عَلَى أَحَدٍ. وَاللَّهِ لَوِ اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ عَلَيَّ إِلا أَهْلُ الزَّرْقَاءِ مَا قَاتَلْتُهُمْ أَبَدًا وَلا اعْتَزَلْتُهُمْ حَتَّى يَجْتَمِعُوا. نَزَلْتُ مَكَّةَ فِرَارًا مِمَّا كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَجَاوَرْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ فَأَسَاءَ جَوَارِي وَأَرَادَ مِنِّي أَنْ أُبَايِعَهُ فَأَبَيْتُ ذَلِكَ حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْكَ أَوْ عَلَيْهِ. ثُمَّ أَدْخُلَ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَأَكُونُ كَرَجُلٍ مِنْهُمْ. ثُمَّ كَتَبْتَ إِلَيَّ تَدْعُونِي إِلَى مَا قِبَلِكَ فَأَقْبَلْتُ سَائِرًا فَنَزَلْتُ فِي طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِكَ. وَاللَّهِ مَا عِنْدِي خِلافٌ وَمَعِي أَصْحَابِي فَقُلْنَا بِلادٌ رَخِيصَةُ الأسعار وندنو مِنْ جِوَارِكَ وَنَتَعَرَّضُ صِلَتَكَ. فَكَتَبْتَ بِمَا كَتَبْتَ بِهِ وَنَحْنُ مُنْصَرِفُونَ عَنْكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ فَسِرْنَا مِنَ الطَّائِفِ إِلَى أَيْلَةَ بَعْدَ مَوْتِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِزِيَادَةٍ عَلَى أربعين لَيْلَةً. قَالَ وَكَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ قَدْ كَتَبَ لِمُحَمَّدٍ عَهْدًا عَلَى أَنْ يَدْخُلَ فِي أَرْضِهِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَصْطَلِحَ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ. فَإِذَا اصْطَلَحُوا عَلَى رَجُلٍ بِعَهْدٍ مِنَ اللَّهِ وَمِيثَاقٍ كَتَبَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ. فَلَمَّا قَدِمَ مُحَمَّدٌ الشَّامَ بَعَثَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ: إِمَّا أَنْ تُبَايِعَنِي وَإِمَّا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَرْضِي. وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ مَعَهُ سَبْعَةُ آلافٍ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: عَلَى أَنْ تُؤَمِّنَ أَصْحَابِي. فَفَعَلَ. فَقَامَ مُحَمَّدٌ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ وَلِيُّ الأُمُورِ كلها وحاكمها. ما شاء الله كان وما لا يَشَاءُ لَمْ يَكُنْ. كُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ. عَجَّلْتُمْ بِالأَمْرِ قَبْلَ نُزُولِهِ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ فِي أَصْلابِكُمْ لَمَنْ يُقَاتِلُ مَعَ آلِ مُحَمَّدٍ مَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ الشِّرْكِ أَمْرُ آلِ مُحَمَّدٍ وَأَمْرُ آلِ مُحَمَّدٍ مُسْتَأْخَرٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَيَعُودَنَّ فِيكُمْ كَمَا بَدَأَ. الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي حَقَنَ دِمَاءَكُمْ وَأَحْرَزَ دِينَكُمْ! مَنْ أحب منكم أن يأتي إِلَى بَلَدِهِ آمِنًا مَحْفُوظًا فَلْيَفْعَلْ. فَبَقِيَ مَعَهُ تِسْعُمِائَةِ رَجُلٍ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَقَلَّدَ هَدْيًا فَعَمَدْنَا إِلَى الْبَيْتِ فَلَمَّا أَرَدْنَا أَنْ نَدْخُلَ الْحَرَمَ تَلَقَّتْنَا خَيْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَمَنَعَتْنَا أَنْ نَدْخُلَ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ: لَقَدْ خَرَجْتُ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُقَاتِلَكَ. دَعْنَا فَلْنَدْخُلْ وَلْنَقْضِ نُسُكَنَا ثُمَّ لَنَخْرُجُ عَنْكَ. فَأَبَى. وَمَعَنَا الْبُدْنُ قَدْ قَلَّدْنَاهَا. فَرَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَكُنَّا بِهَا حَتَّى قَدِمَ الْحَجَّاجُ فَقَتَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ ثُمَّ سَارَ إِلَى الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ. فَلَمَّا سَارَ مَضَيْنَا فَقَضَيْنَا نُسُكَنَا وَقَدْ رَأَيْتُ الْقَمْلَ يَتَنَاثَرُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ. فَلَمَّا قَضَيْنَا نُسُكَنَا رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَكَثَ ثَلاثَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ تُوُفِّيَ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ: مِنْ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ. فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى عُنْوَانِ الصَّحِيفَةِ قَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. الطُّلَقَاءُ وَلُعَنَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَنَابِرِ النَّاسِ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لأُمُورٌ لَمْ يَقِرَّ قَرَارُهَا. قَالَ أَبُو الطُّفَيْلٍ: فَانْصَرَفْنَا رَاجِعِينَ فَأَذِنَ لِلْمَوَالِي وَلِمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ فَرَجَعُوا مِنْ مَدْيَنَ. وَمَضَيْنَا إِلَى مَكَّةَ حَتَّى نَزَلْنَا مَعَهُ الشِّعْبَ بِمِنًى. فَمَا مَكَثْنَا إِلا لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيْهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَنْ أَشْخِصْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ وَلا تُجَاوِرْنَا فِيهِ. قَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: اصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ وَمَا هُوَ بِعَظِيمٍ مَنْ لا يَصْبِرُ عَلَى مَا لا يَجِدُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَيْهِ بُدًّا حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْهُ مَخْرَجًا. وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ السَّيْفَ وَلَوْ كُنْتُ أُرِيدُهُ مَا تَعَبَّثَ بِي ابْنُ الزُّبَيْرِ وَلَوْ كُنْتُ أَنَا وَحْدِي وَمَعَهُ جُمُوعُهُ الَّتِي مَعَهُ. وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ هَذَا وَأَرَى ابْنَ الزُّبَيْرِ غَيْرَ مَقْصَرٍ عَنْ سُوءِ جِوَارِي فَسَأَتَحَوَّلُ عَنْهُ. ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الطَّائِفِ فَلَمْ يَزَلْ بِهَا مُقِيمًا حَتَّى قَدِمَ الْحَجَّاجُ لِقِتَالِ ابْنِ الزُّبَيْرِ لِهِلالِ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ. فحاصرَ ابْنَ الزُّبَيْرِ حَتَّى قَتَلَهُ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ. وَحَجَّ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ تِلْكَ السَّنَةَ مِنَ الطَّائِفِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى شِعْبِهِ فَنَزَلَهُ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْمَوَالِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بن محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا صَارَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى الشِّعْبِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ لَمْ يُقْتَلْ وَالْحَجَّاجُ مُحَاصِرُهُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ يُبَايِعَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ. فَقَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: قَدْ عَرَفْتُ مَقَامِي بِمَكَّةَ وَشُخُوصِي إِلَى الطائف وإلى الشام. وَأَنَا رَجُلٌ لَيْسَ عِنْدِي خِلافٌ. لَمَّا رَأَيْتُ النَّاسَ اخْتَلَفُوا اعْتَزَلْتُهُمْ حَتَّى يَجْتَمِعُوا. فَأَوَيْتُ إِلَى أَعْظَمِ بِلادِ اللَّهِ حُرْمَةً يَأْمَنُ فِيهِ الطَّيْرُ فَأَسَاءَ ابْنُ الزُّبَيْرِ جِوَارِي. فَتَحَوَّلْتُ إِلَى الشَّامِ فَكَرِهَ عَبْدُ الْمَلِكِ قُرْبِي. فَتَحَوَّلْتُ إِلَى الْحَرَمِ فَإِنْ يُقْتَلِ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَيَجْتَمِعِ النَّاسُ عَلى عَبْدِ الْمَلِكِ أُبَايِعْكَ. فَأَبَى الْحَجَّاجُ أَنْ يَرْضَى بِذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى يُبَايِعَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ. فَأَبَى ذَلِكَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَأَبَى الْحَجَّاجُ أَنْ يُقِرَّهُ عَلَى ذَلِكَ. فَلَمْ يَزَلْ مُحَمَّدٌ يُدَافِعُهُ حَتَّى قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ قَالا: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي سَهْلُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عَمْرٍو الْحَارِثِيُّ قَالَ: لَمَّا بَعَثَ عَبْدُ الْمَلِكِ الْحَجَّاجَ إِلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ قَالَ لَهُ: إِنَّهُ لَيْسَ لَكَ عَلَى مُحَمَّدِ ابن الْحَنَفِيَّةِ سُلْطَانٌ. قَالَ فَلَمَّا قَدِمَ الْحَجَّاجُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ يَتَوَعَّدُهُ ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يُمَكِّنَ اللَّهُ مِنْكَ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ وَيَجْعَلَ لِي عَلَيْكَ سُلْطَانًا فَأَفْعَلُ وَأَفْعَلُ. قَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ نَفْسِهِ! هَلْ شَعَرْتَ أَنَّ لله في كل يوم ستون وَثَلاثَمِائَةِ لَحْظَةٍ أَوْ نَفْحَةٍ؟ فَأَرْجُو أَنْ يَرْزُقَنِي اللَّهُ بَعْضَ لَحَظَاتِهِ أَوْ نَفَحَاتِهِ فَلا يَجْعَلُ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانًا. قَالَ فَكَتَبَ بِهَا الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فَكَتَبَ بِهَا عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى صَاحِبِ الرُّومِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ صَاحِبُ الرُّومِ: إِنَّ هَذِهِ وَاللَّهِ مَا هِيَ مِنْ كَنْزِكَ وَلا كَنْزِ أَهْلِ بَيْتِكَ وَلَكِنَّهَا مِنْ كَنْزِ أَهْلِ بَيْتِ نُبُوَّةٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: لَمْ يُبَايِعْ أَبِي الْحَجَّاجَ. لَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بَعَثَ الْحَجَّاجُ إِلَيْهِ فَجَاءَ فَقَالَ: قَدْ قَتَلَ اللَّهُ عَدُوَّ اللَّهِ. فَقَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: إِذَا بَايَعَ النَّاسُ بَايَعْتُ. قال: والله لأقتلنك! قال: أولا تَدْرِي أَنَّ لِلَّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ ثَلاثَمِائَةٍ وستون لحظة فِي كُلِّ لَحْظَةٍ ثَلاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ قَضِيَّةً؟ فَلَعَلَّهُ يَكْفِينَاكَ فِي قَضِيَّةٍ مِنْ قَضَايَاهُ. قَالَ فَكَتَبَ بِذَلِكَ الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فَأَتَاهُ كِتَابُهُ فَأَعْجَبَهُ. وَكَتَبَ بِهِ إِلَى صَاحِبِ الرُّومِ. وَذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الرُّومِ كَتَبَ إِلَيْهِ يُهَدِّدُهُ أَنَّهُ قَدْ جَمَعَ لَهُ جُمُوعًا كَثِيرَةً. فَكَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بِذَلِكَ الْكَلامِ إِلَى صَاحِبِ الرُّومِ. وَكَتَبَ: قَدْ عَرَفْنَا أَنَّ مُحَمَّدًا لَيْسَ عِنْدَهُ خِلافٌ وَهُوَ يَأْتِيكَ وَيُبَايِعُكَ فَارْفُقْ بِهِ. فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ وَبَايَعَ ابْنُ عُمَرَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ لابْنِ الْحَنَفِيَّةِ: مَا بَقِيَ شَيْءٌ فَبَايِعْ. فَكَتَبَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. لِعَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ. أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي لَمَّا رَأَيْتُ الأُمَّةَ قَدِ اخْتَلَفَتِ اعْتَزَلْتُهُمْ. فَلَمَّا أَفْضَى هَذَا الأَمْرُ إِلَيْكَ وَبَايَعَكَ النَّاسُ كُنْتُ كَرَجُلٍ مِنْهُمْ أَدْخُلُ فِي صَالِحِ مَا دَخَلُوا فِيهِ. فَقَدْ بَايَعْتُكَ وَبَايَعْتُ الْحَجَّاجَ لَكَ وَبَعَثْتُ إِلَيْكَ بِبَيْعَتِي. وَرَأَيْتُ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَيْكَ. وَنَحْنُ نُحِبُّ أَنْ تُؤَمِّنَنَا وَتُعْطِينَا مِيثَاقًا عَلَى الْوَفَاءِ فَإِنَّ الْغَدْرَ لا خَيْرَ فِيهِ. فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِنَّ أَرْضَ اللَّهِ وَاسِعَةٌ. فَلَمَّا قَرَأَ عَبْدُ الْمَلِكِ الْكِتَابَ قَالَ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ وَرَوْحُ بْنُ زِنْبَاعٍ: مَا لَكَ عَلَيْهِ سَبِيلٌ. وَلَوْ أَرَادَ فَتْقًا لَقَدِرَ عَلَيْهِ. وَلَقَدْ سَلَّمَ وَبَايَعَ فَنَرَى أَنْ تَكْتُبَ إِلَيْهِ بِالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ بِالأَمَانِ لَهُ وَالْعَهْدِ لأَصْحَابِهِ. فَفَعَلَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ: إِنَّكَ عِنْدَنَا مَحْمُودٌ. أَنْتَ أَحَبُّ وَأَقْرَبُ بِنَا رَحِمًا مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. فَلَكَ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ وذمة رَسُولِهِ أَنْ لا تُهَاجَ وَلا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ بِشَيْءٍ تَكْرَهُهُ. ارْجِعْ إِلَى بَلَدِكَ وَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ. وَلَسْتَ أَدْعُ صِلَتَكَ وَعَوْنَكَ مَا حَيِيتُ. وَكَتَبَ إِلَى الْحَجَّاجِ يَأْمُرُهُ بِحُسْنِ جِوَارِهِ وَإِكْرَامِهِ. فَرَجَعَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى الْمَدِينَةِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بن أبي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا صَارَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَنَى دَارَهُ بِالْبَقِيعِ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْوفُودِ عَلَيْهِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ يَأْذَنُ لَهُ فِي أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ. فَوَفَدَ عَلَيْهِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَهِيَ السَّنَةُ الَّتِي مَاتَ فِيهَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. فَقَدِمَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بِدِمَشْقَ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَهُ وَأَمَرَ لَهُ بِمَنْزِلٍ قَرِيبٍ مِنْهُ. وَأَمَرَ أَنْ يُجْرَى عَلَيْهِ نُزْلٌ يَكْفِيهِ وَيَكْفِي مَنْ مَعَهُ. وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فِي إِذْنِ الْعَامَّةِ. إِذَا أَذِنَ عَبْدُ الْمَلِكِ بَدَأَ بِأَهْلِ بَيْتِهِ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فَسَلَّمَ. فَمَرَّةً يَجْلِسُ وَمَرَّةً يَنْصَرِفُ. فَلَمَّا مَضَى مِنْ ذَلِكَ شَهْرٌ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ كَلَّمَ عَبْدُ الْمَلِكِ خَالِيًا فَذَكَرَ قَرَابَتَهُ وَرَحِمَهُ وَذَكَرَ دَيْنًا عَلَيْهِ فَوَعَدَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ وَأَنْ يَصِلَ رَحِمَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْفَعَ حَوَائِجَهُ. فَرَفَعَ مُحَمَّدٌ دَيْنَهُ وَحَوَائِجَهُ وَفَرَائِضَ لِوَلَدِهِ وَلِغَيْرِهِمْ مِنْ حَامَّتِهِ وَمَوَالِيهِ فَأَجَابَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَتَعَسَّرَ عَلَيْهِ فِي الْمَوَالِي أن يَفْرِضَ لَهُمْ وَأَلَحَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فَفَرَضَ لَهُمْ فَقَصَّرَ بِهِمْ فَكَلَّمَهُ فَرَفَعَ فِي فَرَائِضِهِمْ. فَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَاجَةٌ إِلا قَضَاهَا. وَاسْتَأْذَنَهُ فِي الانْصِرَافِ فَأَذِنَ لَهُ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي عَوْنٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: وَفَدْتُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَضَى حَوَائِجِي وَوَدَّعْتُهُ. فَلَمَّا كِدْتُ أَنْ أَتَوَارَى مِنْ عَيْنَيْهِ نَادَانِي: أَبَا الْقَاسِمِ أَبَا الْقَاسِمِ! فَكَرَرْتُ فَقَالَ لِي: أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّكَ يَوْمَ تَصْنَعُ بِالشَّيْخِ مَا تَصْنَعُ ظَالِمٌ لَهُ؟ يَعْنِي حِينَ أَخَذَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ يَوْمَ الدَّارِ فَدَعَثَهُ بِرِدَائِهِ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَلِي يَوْمَئِذٍ ذُؤَابَةٌ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: وَفَدْتُ مَعَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَعِنْدَهُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ. فَدَعَا عَبْدُ الْمَلِكِ بِسَيْفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُتِيَ بِهِ وَدَعَا بصيقل فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ حَدِيدَةً قَطُّ أَجْوَدَ مِنْهَا. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَلا وَاللَّهِ مَا أَرَى النَّاسُ مِثْلَ صَاحِبِهَا. يَا مُحَمَّدُ هَبْ لِي هَذَا السَّيْفَ. فَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَيُّنَا رَأَيْتَ أَحَقَّ بِهِ فَلْيَأْخُذْهُ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: إن كان لك قرابة فلكل قرابة وحق. قَالَ فَأَعْطَاهُ مُحَمَّدٌ عَبْدَ الْمَلِكِ وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ هَذَا. يَعْنِي الْحَجَّاجَ وَهُوَ عِنْدَهُ. قَدْ آذَانِي وَاسْتَخَفَّ بِحَقِّي. وَلَوْ كَانَتْ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ أَرْسِلْ إِلَيَّ فِيهَا. فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لا إِمْرَةَ لَكَ عَلَيْهِ. فَلَمَّا وَلَّى مُحَمَّدٌ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لِلْحَجَّاجِ: أَدْرِكْهُ فَسُلَّ سَخِيمَتَهُ. فَأَدْرَكَهُ فَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ لأَسُلَّ سَخِيمَتَكَ وَلا مَرْحَبًا بِشَيْءٍ سَاءَكَ. فَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَيْحَكَ يَا حَجَّاجُ اتَّقِ اللَّهَ وَاحْذَرِ اللَّهَ. مَا مِنْ صَبَاحٍ يُصْبِحُهُ الْعِبَادُ إِلا لِلَّهِ فِي كُلِّ عَبْدٍ مِنِ عِبَادِهِ ثَلاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ لَحْظَةً إِنْ أَخَذَ أَخَذَ بِمَقْدِرَةِ وَإِنْ عَفَا عَفَا بِحِلْمٍ. فَاحْذَرِ اللَّهَ. فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: لا تَسْأَلْنِي شَيْئًا إِلا أَعْطَيْتُكَهُ. فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ: وَتَفْعَلُ؟ قَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي أَسْأَلُكَ صَرْمَ الدَّهْرِ. قَالَ فَذَكَرَ الْحَجَّاجُ ذَلِكَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ. فَأَرْسَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى رَأْسِ الْجَالُوتَ فَذَكَرَ لَهُ الَّذِي قَالَ مُحَمَّدٌ وَقَالَ: إِنَّ رَجُلا مِنَّا ذَكَرَ حَدِيثًا مَا سَمِعْنَاهُ إِلا مِنْهُ. وَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ. فَقَالَ رَأْسُ الْجَالُوتَ: مَا خَرَجَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ إِلا مِنْ بَيْتِ نُبُوَّةٍ. أَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ الْحَجَّاجَ أَرَادَ أَنْ يَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى الْمَقَامِ فَزَجَرَهُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَنَهَاهُ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ سَالِمِ بن أبي الجعد قال: رأيت محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَصَلَّى فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ رَكْعَتَيْنِ. ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قال: قال محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ: لا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى تَكُونَ خُصُومَاتُ النَّاسِ فِي رَبِّهِمْ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ يَرْمِي الْجِمَارَ عَلَى بِرْذَوْنٍ أَشْهَبَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ التَّمَّارُ قَالَ: رَأَيْتُ محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ مُوَسِّعًا رَأْسَهُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي ثُوَيْرٌ قَالَ: رأيت محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ يُخَضِّبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ أَشْعَرَ بُدْنَهُ فِي الشِّقِّ الأَيْمَنِ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ على محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ مِطْرَفَ خَزٍّ أَصْفَرَ بِعَرَفَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ مِطْرَفٍ خَزٍّ بِعَرَفَاتٍ. أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ عَنْ رِشْدِينَ قال: رأيت محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ يَعْتَمُّ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ حَرْقَانِيَّةٍ وَيُرْخِيهَا شِبْرًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ شِبْرٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الواحد بن أيمن قال: رأيت على محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ عِمَامَةً سَوْدَاءَ. أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ الْمُزَنِيُّ عَنْ نَصْرِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: رَأَيْتُ على محمد بن علي ابن الْحَنَفِيَّةِ مِلْحَفَةً صَفْرَاءَ وَسِخَةً. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي إدريس قال: قال لي محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَلْبِسَ الْخَزَّ فَإِنَّهُ لا بَأْسَ بِهِ؟ قُلْتُ: إِنَّهُ يُجْعَلُ فِيهِ الْحَرِيرُ. أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى وَالْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالا: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ يُخَضِّبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ فَقُلْتُ لَهُ: أَكَانَ عَلِيٌّ يُخَضِّبُ؟ قَالَ: لا. قُلْتُ: فَمَا لَكَ؟ قَالَ: أَتَشَبَّبُ بِهِ لِلنِّسَاءِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أبو نُعَيْمٍ الْخَزَّازُ قَالَ: سَمِعْتُ صَالِحَ بْنَ مِيسَمٍ قَالَ: رَأَيْتُ فِي يَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ ابن الْحَنَفِيَّةِ أَثَرَ الْحِنَّاءِ فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: كُنْتُ أُخَضِّبُ أُمِّي. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ وَقَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ أَبِي يعلى عن محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ كَانَ يُذَوِّبُ أُمَّهُ وَيُمَشِّطُهَا. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ قَالَ: حدثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ ابن الْحَنَفِيَّةِ مَخْضُوبًا بِالْحِنَّاءِ. وَرَأَيْتُهُ مَكْحُولَ الْعَيْنَيْنِ. وَرَأَيْتُ عَلَيْهِ عِمَامَةً سَوْدَاءَ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الواحد بن أيمن قال: أرسلني أبي إلى محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُكَحَّلُ الْعَيْنَيْنِ مَصْبُوغُ اللِّحْيَةِ بِحُمْرَةٍ فَرَجَعْتُ إِلَى أَبِي فَقُلْتُ: أَرْسَلَتْنِي إِلَى شَيْخٍ مُخَنَّثٍ! فَقَالَ: يَا ابْنَ اللَّخْنَاءِ ذَاكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ نَبِيذَ الدَّنِّ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ قال: حدثنا ربيع بْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَأَرَادَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَعَلَيْهِ خُفَّانِ فَنَزَعَ خُفَّيْهِ وَمَسَحَ عَلَى قَدَمَيْهِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ الْكِلابِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الأَزْرَقِ عَنْ أَبِي عُمَرَ أَنَّ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ كَانَ يَغْتَسِلُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ وَفِي الشِّعْبِ. قَالَ وَكَانَ يَغْسِلُ أَثَرَ الْمَحَاجِمِ. أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا رِشْدِينُ بْنُ كُرَيْبٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ قال: سَمِعْتُ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ يَقُولُ: هَذِهِ لِي خَمْسٌ وَسِتُّونَ سَنَةً قَدْ جَاوَزْتُ سِنَّ أَبِي. تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سنة. وَمَاتَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ. سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قال: حدثنا زيد بْنُ السَّائِبِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا هَاشِمٍ عَبْدَ الله بن محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ: أَيْنَ دُفِنَ أَبُوكَ؟ فَقَالَ: بِالْبَقِيعِ. قُلْتُ: أَيُّ سَنَةٍ؟ قَالَ: سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ فِي أَوَّلِهَا. وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً لا يستكملها. أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ. وَلا نَعْلَمُهُ رَوَى عَنْ عُمَرَ شَيْئًا. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ السَّائِبِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هَاشِمٍ عَبْدَ الله بن محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ يَقُولُ وَأَشَارَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَقِيعِ فَقَالَ: هَذَا قَبْرُ أَبِي الْقَاسِمِ. يَعْنِي أَبَاهُ. مَاتَ فِي الْمُحَرَّمِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِينَ. وَهِيَ سَنَةُ الْجُحَافِ. سَيْلٌ أَصَابَ أَهْلَ مَكَّةَ جَحَفَ الْحَاجَّ. قَالَ فَلَمَّا وَضَعْنَاهُ فِي الْبَقِيعِ جَاءَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَهُوَ الْوَالِي يَوْمَئِذٍ عَلَى الْمَدِينَةِ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَخِي مَا تَرَى؟ فَقُلْتُ: لا يُصَلِّي عَلَيْهِ أَبَانُ إِلا أَنْ يَطْلُبَ ذَلِكَ إِلَيْنَا. فَقَالَ أَبَانُ: أَنْتُمْ أَوْلَى بِجِنَازَتِكُمْ. مَنْ شِئْتُمْ فَقَدِّمُوا مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ. فَقُلْنَا: تَقَدَّمْ فَصَلِّ. فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى عَلَيْهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: فَحَدَّثْتُ زَيْدَ بْنَ السَّائِبِ فَقُلْتُ إِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُوَيْمِرٍ الأَسْلَمِيِّ أَنَّ أَبَا هَاشِمٍ قَالَ يَوْمَئِذٍ: نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الإِمَامَ أَوْلَى بِالصَّلاةِ وَلَوْلا ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاكَ. فَقَالَ زَيْدُ بْنُ السَّائِبِ: هَكَذَا سَمِعْتُ أَبَا هَاشِمٍ يَقُولُ. فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى عَلَيْهِ.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=73274&book=5521#fed0a7
مُحَمَّد بْن نَافِع بن جُبَير بن مطعم الْقرشِي من أهل الْمَدِينَة يَرْوِي عَن كريب مولى بن عَبَّاس روى عَنهُ بن إِسْحَاق
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=73274&book=5521#5f659f
مُحَمَّد بْن نافع بْن جُبَيْر بْن مطعم الْقُرَشِيّ
عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ فِي ثَوْبِهِ دَمًا فَلْيَمْضِ عَلَى صَلاتِهِ، قَالَهُ لِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ سَمِعَ مُحَمَّدًا، حَدِيثَهُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ.
عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ فِي ثَوْبِهِ دَمًا فَلْيَمْضِ عَلَى صَلاتِهِ، قَالَهُ لِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ سَمِعَ مُحَمَّدًا، حَدِيثَهُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=64542&book=5521#11d845
مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ
- مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ بْن قصي. وأمه قتيلة بنت عمرو بن الأزرق بن قيس بن النعمان بن معدي كرب بن عكب بن كنانة بن تيم بْنِ أُسَامَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ بَكْرِ بْنِ حبيب بْن عَمْرو بْن غنم بْن تغلب بن وائل. فولد محمد بن جبير سعيدا وبه كان يكنى وأم سعيد وأم سليمان وأم حبيب وأم عثمان وحميدة وأمهم فاختة بنت عدي الأصغر ابن الْخِيَارِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. وسهلة بنت محمد وأمها أم سعيد بنت عياض بن عدي بن الخيار بن عدي. وعمر بن محمد وأيوب وأبانا وأبا سليمان وأمهم أم أيوب بنت سعد بن أبي وقاص. وجبير بن محمد وأمه كبشة بنت شرحبيل بن عريب بن عبد كلال. وعبد الرحمن وعبد الله وعبيدة لأمهات أولاد. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرحمن بن أبي الزناد قال: كان محمد بْنُ جُبَيْرٍ وَأَخُوهُ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ يَنْزِلانِ دَارَ أَبِيهِمَا بِالْمَدِينَةِ. وَتُوُفِّيَ مُحَمَّدٌ فِي خِلافَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْحِمْيَرِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ يَوْمَ مَاتَ أَخُوهُ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَدْ أَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ وَهُوَ يَمْشِي. قَالَ وَكَانَ مُحَمَّدٌ ثِقَةً قَلِيلَ الْحَدِيثِ.
- مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ بْن قصي. وأمه قتيلة بنت عمرو بن الأزرق بن قيس بن النعمان بن معدي كرب بن عكب بن كنانة بن تيم بْنِ أُسَامَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ بَكْرِ بْنِ حبيب بْن عَمْرو بْن غنم بْن تغلب بن وائل. فولد محمد بن جبير سعيدا وبه كان يكنى وأم سعيد وأم سليمان وأم حبيب وأم عثمان وحميدة وأمهم فاختة بنت عدي الأصغر ابن الْخِيَارِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. وسهلة بنت محمد وأمها أم سعيد بنت عياض بن عدي بن الخيار بن عدي. وعمر بن محمد وأيوب وأبانا وأبا سليمان وأمهم أم أيوب بنت سعد بن أبي وقاص. وجبير بن محمد وأمه كبشة بنت شرحبيل بن عريب بن عبد كلال. وعبد الرحمن وعبد الله وعبيدة لأمهات أولاد. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرحمن بن أبي الزناد قال: كان محمد بْنُ جُبَيْرٍ وَأَخُوهُ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ يَنْزِلانِ دَارَ أَبِيهِمَا بِالْمَدِينَةِ. وَتُوُفِّيَ مُحَمَّدٌ فِي خِلافَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْحِمْيَرِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ يَوْمَ مَاتَ أَخُوهُ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَدْ أَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ وَهُوَ يَمْشِي. قَالَ وَكَانَ مُحَمَّدٌ ثِقَةً قَلِيلَ الْحَدِيثِ.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=153659&book=5521#f4f72e
مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب هُوَ الْمَعْرُوف بِابْن الْحَنَفِيَّة مَشْهُور فِي التَّهْذِيب
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=153659&book=5521#dc2f7e
محمد بن علي بن أبي طالب
ابن الحنفية أبو القاسم، ويقال: أبو عبد الله الهاشمي، المعروف بابن الحنفية وفد على معاوية وعلي عبد الملك بن مروان.
قال محمد بن الحنفية: قدمت على معاوية بن أبي سفيان فسألني عن العمرى فقلت: جعلها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن أعطيها، قال: تقولون ذلك؟ قلت: نعم؛ قال: فإني أشهد أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من أعمر عمرى فهي له يرثها من عقبه من يرثه ".
وحدث محمد بن الحنفية، عن علي، قال: كنت رجلاً مذاءً فكرهت أن أسأله يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال: " منه الوضوء ".
قال أبو عاصم: صرع محمد بن علي مروان يوم الجمل وجلس على صدر مروان، فلما وفد محمد علي عبد الملك قال له: أتذكر يوم جلست على صدر مروان؟ قال: عفواً يا أمير المؤمنين؛ قال: أم والله ما ذكرت ذلك وأنا أريد أن أكافئك به ولكن أردت أن تعلم أني قد علمت.
وأم محمد بن علي: خولة بنت جعفر بن مسلمة بن قيس بن ثعلبة بن يربوع بن فلان بن حنيفة؛ وسمته الشيعة المهدي، فقال كثير: من الوافر
هو المهدي أخبرناه كعبٌ ... أخو الأحبار في الحقب الخوالي
فقيل لكثير: لقيت كعب الأحبار؟ قال: لا؛ قيل: فلم قلت: أخبرناه كعبٌ؟ قال: بالوهم.
وقال كثير أيضاً: من الوافر
ألا إن الأئمة من قريشٍ ... ولاة الحق أربعةٌ سواء
علي والثلاثة من بنيه ... هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبطٌ سبط إيمانٍ وبر ... وسبط غيبته كربلاء
وسبطٌ لا تراه العين حتى ... يقود الخيل يقدمها لواء
تغيب لا يرى عنهم زماناً ... برضوى عنده عسلٌ وماء
وكانت شيعة محمد بن علي يزعمون أنه لم يمت؛ وله يقول السيد: من الوافر
ألا قل للوصي فدتك نفسي ... أطلت بذلك الجبل المقاما
أضر بمعشرٍ والوك منا ... وسموك الخليفة والإماما
وعادوا فيك أهل الأرض طراً ... مقامك عنهم ستين عاما
وما ذاق ابن خولة طعم موتٍ ... ولا وارت له أرضٌ عظاما
لقد أمسى بمورق شعب رضوى ... تراجعه الملائكة الكراما
وإن له به لمقيل صدقٍ ... وأنديةً تحدته كراما
هدانا الله إذا حرتم لأمرٍ ... به وعليه نلتمس التماما
تمام مودة المهدي حتى ... تروا راياتنا تترى نظاما
وقال السيد في ذلك أيضاً: من الكامل
يا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى ... وبنا إليه من الصبابة أولق
حتى متى وإلى متى وكم المدا ... يا بن الوصي وأنت حي ترزق
وكانت أم محمد بن علي من سبي اليمامة، وولد في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنهم، وكان عبد الله بن الحسن يذكر أن أبا بكرٍ أعطى علياً أم محمد بن الحنفية.
قالت أسماء بنت أبي بكر: رأيت أم محمد بن الحنفية سنديةً سوداء، وكانت أمةً لبني حنيفة ولم تك منهم وإنما صالحهم خالد بن الوليد على الرقيق ولم يصالحهم علي أنفسهم.
قال ابن الحنفية: كانت رخصةً لعلي، قال: يا رسول الله: إن ولد لي بعدك أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال: " نعم " فكنى محمد بن الحنفية أبا القاسم وسماه باسمه؛ وقيل: كانت كنيته أبو عبد الله.
وروى محمد بن علي عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن ولد لك غلام فسمه باسمي وكنه بكنيتي وهو رخصة لك دون الناس ".
وروى أيضاً عن أبيه علي قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سيولد لك ولدٌ قد نحلته اسمي وكنيتي ".
وقع بين علي وطلحة كلامٌ، فقال له طلحة: لا كجرأتك على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سميت باسمه وكنيت بكنيته وقد نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يجمعهما أحد من أمته بعده؛ فقال علي: إن الجريء من اجترأ على الله وعلى رسوله، اذهب يا فلان فادع لي فلاناً وفلاناً لنفرٍ من قريش؛ قال: فجاؤوا فقال: بم تشهدون؟ قالوا: نشهد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنه سيولد لك بعدي غلام فقد نحلته اسمي وكنيتي ولا يحل لأحدٍ من أمتي بعده ".
قال محمد بن الحنفية: الحسن والحسين خيرٌ مني، وأنا أعلم بحديث أبي منهما.
وفي آخر غيره: ولقد علما أنه كان يستخليني دونهما، وإني صاحب البغلة الشهباء.
قال إبراهيم بن الجنيد الختلي: لا يعلم أحد السند عن علي، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر ولا أصح مما أسند محمد بن الحنفية.
كتب ملك الروم إلى عبد الملك بن مروان يتهدده ويتوعده ويحلف له ليحملن إليه مئة ألفٍ في البر ومئة ألفٍ في البحر أو يؤدي إليه الجزية؛ فسقط في روعه، فكتب إلى الحجاج: أن أكتب إلى ابن الحنفية فتهدده وتوعده ثم أعلمني ما يرد عليك؛ فكتب الحجاج إلى ابن الحنفية بكتابٍ شديدٍ يتهدده ويتوعده فيه بالقتل، فكتب إليه ابن الحنفية: إن لله تعالى ثلاث مئة وستين لحظةً إلى خلقه، وأنا أرجو أن ينظر الله إلي نظرةً يمنعني بها منك؛ فبعث الحجاج بكتابه إلى عبد الملك، فكتب عبد الملك إلى ملك الروم بنسخته، فقال ملك الروم: ما خرج هذا منك ولا أنت كتبت به، ما خرج إلا من بيت نبوة.
سأل رجل ابن عمر في مسألة فقال له: سل محمد بن الحنفية ثم أخبرني ما يقول؛ فسأله عنها فأخبره فقال ابن عمر: أهل بيتٍ مفهمون.
قال عبد الواحد بن أيمن: بعثني أبي إلى محمد بن علي فرأيته مكحول العينين، فجئت فقلت لأبي: بعثتني إلى رجل كذا وكذا وقعت فيه فقال: يا بني ذاك خير الناس.
وقع بين الحسين بن علي وبين محمد بن الحنفية كلامٌ جلس كل واحد منهما عن صاحبه، فكتب إليه محمد بن الحنفية: أبي وأبوك علي بن أبي طالب، وأمي امرأةٌ من بني حنيفة لا ينكر شرفها في قومها، ولكن أمك فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنت أحق بالفضل مني فصر إلي حتى ترضاني؛ فلبس الحسين رداءه ونعله فصار إليه فترضاه.
قال الرزهي: قال رجل لمحمد بن الحنفية: ما بال أبيك كان يرمي بك في مرامٍ لا يرمي فيها الحسن والحسين؟ فقال لأنهما كانا خديه وكنت يده، فكان يتوقى بيده عن خديه.
وكان محمد بن علي يمشط رأس أمه ويذوبها يعني من الذؤابة.
وفي حديث: كان يغلف رأس أمه ويمشطها وينومها.
وعن محمد بن الحنفية، قال: ليس بالحليم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بداً حتى يجعل الله من أمره فرجاً، أو قال: مخرجاً.
سأل رجل محمد بن الحنفية فقال له: أجد غماً لا أعرف له سبباً، وقد ضاق قلبي؟ فقال محمد: غم لم تعرف له سبباً، عقوبة ذنبٍ لم تفعله فقال الرجل: فما معنى ذلك؟ فقال: المعنى في ذلك أن القلب يهم بالمعصية فلا تساعده الجوارح فيعاقب بالغم دون الجوارح.
قال محمد بن الحنفية: من كرمت نفسه عليه لم يكن للدنيا عنده قدر.
قيل لابن الحنفية: من أعظم الناس قدراً؟ قال: من لم ير الدنيا كلها لنفسه خطراً.
قال محمد بن الحنفية: إن الله جعل الجنة ثمناً لأنفسكم فلا تبيعوها بغيرها.
قال ابن الحنفية:
من أحب رجلاً لله أثابه الله ثواب من أحب رجلاً من أهل الجنة، وإن كان الذي أحبه من أهل النار، لأنه أحبه على خصلةٍ حسنةٍ رآها منه؛ ومن أبغض رجلاً لله
أثابه الله ثواب من أبغض رجلاً من أهل النار، وإن كان الذي أبغضه من أهل الجنة، لأنه أبغضه على خصلةٍ سيئةٍ رآها منه.
قيل لمحمد بن علي بن الحنفية: إن رجلاً من قريش يقع فيك؛ قال: بحسبي من نعم الله عز وجل على أن نجى غيري مني ولم ينجني من غيري.
قال محمد بن الحنفية: أيها الناس، اعلموا أن حوائج الناس إليكم نعم من الله عليكم فلا تملوها فتحول نقماً، واعلموا أن أفضل المال ما أفاد ذخراً وأورث ذكراً وأوجب أجراً، ولو رأيتم المعروف رجلاً لرأيتموه حسناً جميلاً يسر الناظرين ويفوق العالمين.
قال محمد بن الحنفية: الكمال في ثلاث؛ الفقه في الدين، والصبر على النوائب، وحسن تقعير المعيشة.
لما جاء نعي معاوية بن أبي سفيان إلى المدينة كان بها يومئذ الحسين بن علي ومحمد بن الحنفية وابن الزبير، وكان ابن عباس بمكة، فخرج الحسين وابن الزبير إلى مكة وأقام ابن الحنفية بالمدينة حتى سمع بدنو جيش مسرفٍ أيام الحرة، فرحل إلى مكة فأقام مع ابن عباس؛ فلما جاء نعي يزيد بن معاوية وبايع ابن الزبير لنفسه ودعا الناس إليه دعا ابن عباس ومحمد بن الحنفية إلى البيعة له فأبيا يبايعان له، وقالا: حتى تجتمع لك البلاد ويأتسق لك الناس؛ فأقاما على ذلك مرةً يكاشرهما ومرةً يلين لهما؛ ثم غلط عليهما فوقع منهم كلامٌ وشر؛ فلم يزل الأمر يغلط حتى خافا منه خوفاً شديداً؛ ومعهما النساء والذرية؛ فأساء جوارهم وحصرهم وآذاهم، وقصد محمد بن الحنفية فأظهر شتمه وعيبه وأمره وبني هاشم أن يلزموا شعبهم بمكة، وجعل عليهم الرقباء وقال: فما تقول؟ والله لتبايعن أو لأحرقنكم بالنار فخافوا على أنفسهم.
قال أبو عامر: فرأيت محمد بن الحنفية محبوساً في زمزم والناس يمتنعون من الدخول عليه، فقلت: لأدخلن عليه، فدخلت فقلت: ما بالك وهذا الرجل؟ قال: دعاني إلى
البيعة فقلت: إنما أنا من المسلمين فإذا اجتمعوا عليك فأنا كأحدهم، فلم يرض بهذا مني فاذهب إلى ابن عباس فأقره عني السلام وقل: يقول لك ابن عمك: ما ترى؟ قال أبو عامر: فدخلت على ابن عباس وهو ذاهب البصر، فقال: من أنت؟ فقلت: أنصاري؛ فقال: رب أنصاري هو أشد علينا من عدونا فقلت: لا تخف، أنا ممن لك كله؛ قال: هات؛ فأخبرته بقول ابن الحنفية فقال: قل له: لا تعطه ولا نعمة عين إلا ما قلت ولا تزده عليه؛ فرجعت إلى ابن الحنفية فأبلغتها؛ قال ابن عباس: فهم ابن الحنفية أن يقدم إلى الكوفة، وبلغ ذلك المختار فثقل عليه قدومه فقال: إن في المهدي علامة، يقدم بلدكم هذا فيضربه رجلٌ في السوق ضربةً بالسيف لا تضره ولا تحيك فيه فبلغ ذلك ابن الحنفية فأقام يعني خاف أن يجرب فيه فيموت، فقيل له: لو بعثت إلى شيعتك بالكوفة فأعلمتهم ما أنتم فيه؛ فبعث أبا الطفيل عامر بن واثلة إلى شيعتهم بالكوفة فقدم عليهم فقال: إنا لا نأمن ابن الزبير على هؤلاء القوم وأخبرهم بما هم فيه من الخوف فقطع المختار بعثاً إلى مكة فانتدب منهم أربعة آلاف فعقد لأبي عبد الله الجدلي عليهم وقال له: سر فإن وجدت بني هاشم في الحياة فكن لهم أنت ومن معك عضداً، وانقد لما أمروك به؛ وإن وجدت ابن الزبير قد قتلهم فاعترض أهل مكة حتى تصل إلى ابن الزبير ثم لا تدع من آل الزبير شغراً ولا ظفراً؛ وقال: يا شرط والله لقد أكرمكم الله بهذا المسير ولكم بهذا الوجه عشر حجج وعشر عمرٍ، وسار القوم ومعهم السلاح حتى أشرفوا على مكة فجاء المستغيث: اعجلوا فما أراكم تدركونهم؛ فقال الناس: لو أن أهل القوة عجلوا فانتدب منهم ثمان مئة رأسهم عطية بن سعد بن جنادة العوفي حتى دخلوا مكة فكبروا تكبيرةً سمعها ابن الزبير فهرب ودخل دار الندوة، ويقال: تعلق بأستار الكعبة، وقال: أنا عائذ الله.
قال عطية:
ثم ملنا إلى ابن عباس وابن الحنفية وأصحابهما في دورٍ قد جمع لهم الحطب فأحيط بهم حتى بلغ رؤوس الجدر، لو أن ناراً تقع فيه ما رؤي منهم أحد حتى تقوم الساعة؛ فأخرناه
عن الأبواب وعجل علي بن عبد الله بن عباس وهو رجل فأسرع في الحطب يريد الخروج فأدمى ساقيه؛ وأقبل أصحاب ابن الزبير فكنا صفين نحن وهم في المسجد نهارنا ونهارهم لا ننصرف إلا إلى صلاةٍ حتى أصبحنا، وقدم أبو عبد الله الخيل في الناس، فقلنا لابن عباس وابن الحنفية: ذرونا نرح الناس من ابن الزبير؛ فقالا: هذا بلدٌ حرمه الله ما أحله لأحدٍ إلا للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساعةً ما أحله لأحدٍ قبله ولا يحله لأحدٍ بعده فامنعونا وأجيرونا؛ قال: فتحملوا وإن منادياً لينادي في الجبل: ما غنمت سريةٌ بعد نبيها ما غنمت هذه السرية؛ إن السرايا تغنم الذهب والفضة، وإنما غنمتم دماءنا؛ فخرجوا بهم حتى أنزلوهم منى فأقاموا بها ما شاء الله أن يقيموا ثم خرجوا إلى الطائف فأقاموا ما أقاموا؛ وتوفي عبد الله بن عباس بالطائف سنة ثمان وستين وصلى عليه محمد بن الحنفية، وبقينا مع ابن الحنفية فلما كان الحج وحج ابن الزبير من مكة فوافى عرفة في أصحابه ووافى محمد بن الحنفية من الطائف في أصحابه فوقف بعرفة ووافى نجدة بن عامر الحنفي تلك السنة في أصحابه من الخوارج فوقف ناحيةً وحجت بنو أمية على لواء، فوقفوا بعرفة فيمن معهم. قالوا: وحج عامئذٍ محمد بن الحنفية في الخشبية معه وهم أربعة آلاف نزلوا في الشعب الأيسر من منى.
قال محمد بن جبير بن مطعم: قال: خفت الفتنة فمشيت إليهم جميعاً فجئت محمد بن علي في الشعب فقلت: يا أبا القاسم اتق الله فإنا في مشعرٍ حرام وبلدٍ حرام والناس وفد الله إلى هذا البيت، فلا تفسد عليهم حجهم؛ فقال: والله ما أريد ذلك وما أحول بين أحدٍ وبين هذا البيت، ولا نوى أحدٌ من الحاج من قتلٍ، ولكني رجلٌ أدفع عن نفسي من ابن الزبير وما يريد مني، وما أطلب هذا الأمر إلا أن لا يختلف علي فيه اثنان، ولكن ائت ابن الزبير فكلمه وعليك بنجدة فكلمه.
قال: فجئت ابن الزبير فكلمته بنحو ما كلمت به ابن الحنفية فقال: أنا رجلٌ قد اجتمع علي وبايعني الناس، وهؤلاء أهل خلافٍ؛ فقلت: إن خيراً لك الكف؛ فقال: أفعل.
ثم جئت نجدة الحروري فأجده في أصحابه وأجد عكرمة غلام ابن عباس عنده فقلت: استأذن لي على صاحبك فأذن لي فدخلت فعظمت عليه، وكلمته بما كلمت به الرجلين، فقال: أما أن أبتدئ أحداً بقتالٍ فلا، ولكن من بدأنا بقتالٍ قاتلناه؛ قلت: فإني رأيت الرجلين لا يريدان قتالك.
ثم جئت شيعة بني أمية فكلمتهم بنحوٍ مما كلمت به القوم فقالوا: نحن على لوائنا لا نقاتل أحداً إلا أن يقاتلنا فلم أر في تلك الألوية أسكن ولا أسلم دفعةً من أصحاب ابن الحنفية.
قال محمد بن جبير: وقفت تلك العشية إلى جنب محمد بن الحنفية، فلما غابت الشمس التفت إلي فقال: يا أبا سعيد ادفع فدفع ودفعت معه؛ فكان أول من دفع.
لما فتن عبد الله بن الزبير أرسل إلى من كان بحضرته من بني هاشم فجمعهم في شعب أبي طالب وأراد أن يحرقهم بالنار ذلك ناساً من أهل الكوفة فخرجوا ينصرونهم حتى إذا كانوا ببعض الطريق إلى ابن الحنفية سمعوا هاتفاً يقول: من الرجز
يا أيها الركب إلى المهدي ... على عناجيج من المطي
أعناقها كالقضب الخطي ... لتنصروا عاقبة النبي
محمداً خير بني علي
فدخلوا على محمد بن الحنفية فأخبروه بما سمعوا من الهاتف فقال: ذلك بعض مسلمي الجن.
لما قدم المختار مكة كان أشد الناس على ابن الزبير وجعل يلقي إلى الناس أن ابن الزبير كان يطلب هذا الأمر لابن الحنفية ثم ظلمه إياه، وجعل يذكر ابن الحنفية وورعه وحاله، وأنه بعثه إلى الكوفة يدعو له، وأنه كتب له كتاباً فهو لا يعدوه إلى غيره، ويقرأ ذلك الكتاب على من يثق به، وجعل يدعو الناس إلى البيعة لمحمد بن
الحنفية فيبايعونه له سراً؛ فسئل قومٌ ممن بايعه في أمره وقالوا: أعطينا هذا الرجل عهودنا أن زعم أنه رسول ابن الحنفية، وابن الحنفية بمكة ليس منا ببعيد ولا مستتر، فلو شخص منا قوم إليه فسألوه عما جاءنا به هذا الرجل فإن كان صادقاً نصرناه وأعناه على أمره؛ فشخص منهم قوم فلقوا ابن الحنفية بمكة فأعلموه أمر المختار وما دعاهم إليه؛ فقال: نحن حيث ترون محبسون، وما أحب أن لي سلطان الدنيا بقتل مؤمنٍ بغير حق، ولوددت أن الله انتصر لنا ممن شاء من خلقه فاحذروا الكذابين وانظروا لأنفسكم ودينكم؛ فانصرفوا على هذا، وكتب المختار كتاباً على لسان محمد بن الحنفية إلى إبراهيم بن الأشتر وجاء فاستأذن عليه، وقيل: المختار أمين آل محمد ورسولهم فأذن له وحياه ورحب به وأجلسه معه على فراشه، فتكلم المختار وكان مفوهاً فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: إنكم أهل بيت قد أكرمكم الله بنصرة آل محمد وقد ركب منهم ما قد علمت ومنعوا حقهم وصاروا إلى ما رأيت وقد كتب إليك المهدي كتاباً وهؤلاء الشهود عليه، فقال يزيد بن أنس الأسدي وأحمر بن سميط البجلي وعبد الله بن كامل وأبو عمرة كيسان مولى بجيلة: نشهد أن هذا كتابه، قد شهدناه حين دفعه إليه؛ فقبضه إبراهيم وقرأه ثم قال: أنا أول من يجيب قد أمرنا بطاعتك ومؤازرتك فقل ما بدا لك وادع إلى ما شئت.
ثم كان إبراهيم يركب إليه في كل يوم فيدع ذلك في صدور الناس؛ وورد الخبر على ابن الزبير فشكر لمحمد بن الحنفية وجعل أمر المختار يغلط كل يوم ويكثر تبعه وجعل يتتبع قتلة الحسين ومن أعان عليه فيقتلهم، ثم بعث إبراهيم بن الأشتر في عشرين ألفاً إلى عبيد الله بن زياد فقتله، وبعث برأسه إلى المختار فجعله المختار في جونةٍ وبعث به إلى محمد بن الحنفية وعلي بن الحسين وسائر بني هاشم.
فلما رأى علي بن الحسين رأس عبيد الله ترحم على الحسين وقال: أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين وهو يتغذى وأتينا برأس عبيد الله ونحن نتغدى، ولم يبق من بني هاشم أحد إلا قام بخطبةٍ في الثناء على المختار والدعاء له وجميل القول فيه.
وكان ابن الحنفية يكره أمر المختار وما يبلغه عنه، ولا يحب كثيراً مما يأتي به؛ وكان ابن عباس يقول: أصاب بثأرنا ووصلنا فكان يظهر الجميل فيه للعامة؛ فلما اتسق الأمر للمختار كتب: لمحمد بن علي من المختار بن أبي عبيد الطالب بثأر آل محمد، أما
بعد: فإن الله لم ينتقم من قوم حتى يعذر إليهم، وإن الله قد أهلك الفسقة وأتباع الفسقة، وقد بقيت بقايا فأرجو أن يلحق الله آخرهم بأولهم.
قال سعيد بن الحسن: قال محمد بن الحنفية: رحم الله من كف يده ولسانه، وجلس في بيته فإن ذنوب بني أمية أسرع إليهم من سيوف المسلمين.
قال وردان: كنت في العصابة الذين انتدبوا إلى محمد بن علي بن الحنفية وكان ابن الزبير يمنعه أن يدخل مكة حتى يبايعه، وأراد الشام فمنعه عبد الملك بن مروان أن يدخلها حتى يبايعه، فأبى، فسرنا معه ولو أمرنا بالقتال لقاتلنا معه، فجمعنا يوماً فقسم فينا شيئاً وهو يسير، ثم حمد الله وأثنى عليه وقال: الحقوا برحالكم واتقوا الله، وعليكم بما تعرفون ودعوا ما تنكرون، وعليكم بخاصة أنفسكم ودعوا أمر العامة واستقروا على أمرنا كما استقرت السماء والأرض، فإن أمرنا إذا جاء كان كالشمس الضاحية.
وقال محمد بن الحنفية: ترون أمرنا؟ لهو أبين من هذه الشمس، سفلا تعجلوا ولا تقتلوا أنفسكم.
قال الأسود بن قيس:
لقيت بخراسان رجلاً من عنزة قال: ألا أعرض عليك خطبة ابن الحنفية؟ قلت: بلى؛ قال: انتهيت إليه وهو في رهطٍ يحدثهم قلت: السلام عليك يا مهدي؛ قال: وعليك السلام؛ قلت: إن لي إليك حاجةً؛ قال: أسر هي أم علانية؟ قلت: بل سر؛ فحدث القوم ساعة ثم قام فقمت معه، ودخلت معه بيته؛ قال: قل بحاجتك؛ فحمدت الله، وأثنيت عليه، وشهدت أن لا إله إلا الله، وشهدت أن محمداً رسول الله، ثم قلت: أما بعد: فوالله ما كنتم أقرب قريشٍ إلينا قرابةً فنحبكم على قرابتكم ولكن كنتم أقرب قريشٍ إلى نبينا قرابةً، فلذلك أحببناكم على قرابتكم من نبينا، فما زال بنا حبكم حتى ضربت عليه الأعناق وأبطلت الشهادات، وشردنا في البلاد وأؤذينا حتى لقد هممت أن أذهب في الأرض
قفراً فأعبد الله حتى ألقاه، لولا أن يخفى علي أمر آل محمد، ولقد هممت أن أخرج مع قومٍ شهادتنا وشهادتهم واحدةً على أمرائنا، فيخرجون ويقاتلون ونغنم يعني الخوارج وقد كانت تبلغنا عنك أحاديث من وراء وراء فأحببت أن أشافهك الكلام فلا أسأل عنك أحداً، وكنت أوثق الناس في نفسي وأحبه إلى أن أقتدي به، فأرى برأيك وكيف المخرج، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
قال: فحمد الله محمد بن علي وأثنى عليه وتشهد فقال: أما بعد، فإياكم وهذه الأحاديث فإنها عيبٌ عليكم، وعليكم بكتاب الله فإنه هدي أولكم وبه هدي آخركم، ولعمري لئن أوذيتم لقد أوذي من كان خيراً منكم، أما قيلك: لقد هممت أن أذهب في الأرض قفراً فأعبد الله حتى ألقاه وأجتنب أمور الناس لولا أن يخفى علي أمر آل محمد، فلا تفعل فإن تلك البدعة الرهبانية، ولعمري لأمر آل محمدٍ أبين من طلوع هذه الشمس؛ وأما قيلك: لقد هممت أن أخرج مع أقوامٍ شهادتنا وشهادتهم واحدةٌ على أمرائنا فيخرجون ويقاتلون ونغنم: فلا تفعل، لا تفارق الأمة، اتق هؤلاء القوم بتقيتهم يعني بني أمية ولا تقاتل معهم.
قال: قلت: وما تقيتهم؟ قال: تحضرهم وجهك عند دعوتهم، فيدفع الله بذلك عنك من دمك وذنبك، وتصيب من مال الله الذي أنت أحق به منهم؛ قال: قلت: أرأيت إن أطاف بي قتال ليس منه بد؟ قال: تبايع بإحدى يديك الأخرى لله وتقاتل لله، فإن الله سيدخل أقواماً بسرائرهم الجنة، وسيدخل أقواماً بسرائرهم النار، وإني أذكرك الله أن تبلغ عني ما لم تسمع مني، أو أن تقول عني ما لم أقل؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
وعن أبي الطفيل: أن محمد بن الحنفية قال له: الزم هذا المكان وكن حمامةً من حمام الحرم حتى يأتي أمرنا إذا جاء فليس به خفاء، كما ليس بالشمس إذا طلعت خفاء، وما يدريك
إن قال لك الناس: تأتي من المشرق، ويأتي الله بها من المغرب، وما يدريك إن قال لك الناس: تأتي من المغرب، ويأتي الله بها من المشرق، وما يدريك لعلنا سنؤتى بها كما يؤتى بالعروس.
قال ابن الحنفية: سمعت أبا هريرة يقول: لا حرج إلا في دم امرئٍ مسلم؛ قال: فقيل لابن الحنفية: تطعن على أبيك؟ قال: إني لست أطعن على أبي، بايعه أولو الأمر فنكث ناكثٌ فقالته ومرق مارقٌ فقاتله، وإن ابن الزبير يحسدني على مكاني هذا، ود أني ألحد في الحرم كما ألحد.
وفي حديث: إنا أهل بيتٍ لا نبتز هذه الأمة أمرها ولا نأتيها من غير وجهها، وإن علياً قد كان يرى أنه له، ولكنه لم يقاتل حتى جرت له بيعةٌ.
وعن محمد بن علي، عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا فعلوها حرمت علي دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله " فقال رجلٌ لمحمد: إنك لتزري على أبيك فقال: لست أزري على أبي، إن أبي بايعه أهل الأمر فنكث ناكثٌ فقاتله ومرق مارقٌ فقاتله، ولست كأبي، ليست لي بيعةٌ في أعناق الناس فأقاتل، وقد كان قيل له: ألا تخرج؟ وفي حديث: قال ابن الحنفية: لو أن الناس بايعوني إلا رجلٌ لم يشتد سلطاني إلا به ما قتلته.
وعن ابن الحنفية قال: رحم الله امرءاً أغنى نفسه وكف يده وأمسك لسانه وجلس في بيته، له ما احتسب وهو مع من أحب، ألا إن الأعمال بني أمية أسرع فيهم من سيوف المسلمين، ألا إن لأهل الحق دولةً يأتي بها الله إذا شاء، فمن أدرك ذلك منكم ومنا كان عندنا في السنام الأعلى، ومن يمت فما عند الله خيرٌ وأبقى.
قال المنهال بن عمرو:
جاء رجل إلى محمد بن الحنفية فسلم عليه، فرد عليه السلام فقال: كيف أنت؟ فحرك يده، فقال: كيف أنتم؟ أما آن لكم أن تعرفوا كيف نحن؟ إنما مثلنا في هذه الأمة مثل بني إسرائيل في آل فرعون؛ كان يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، وإن هؤلاء يذبحون أبنائنا وينكحون نساءنا بغير أمرنا، فزعمت العرب أن لها فضلاً على العجم، فقالت العجم: وما ذاك؟ قالوا: كان محمد عربياً، قالوا: صدقتم؛ قالوا: وزعمت قريش أن لها فضلاً على العرب؛ فقالت العرب: وبم ذلك؟ قالوا: كان محمد قرشياً؛ فإن كان القوم صدقوا فلنا فضل على الناس.
ولما قتل المختار بن أبي عبيد في سنة ثمانٍ وستين ودخلت سنة تسع وستين أرسل عبد الله بن الزبير عروة بن الزبير إلى محمد بن الحنفية: إن أمير المؤمنين يقول لك: إني غير تاركك أبداً حتى تبايعني أو أعيدك في الحبس وقد قتل الله الكذاب الذي كنت تدعي نصرته، وأجمع أهل العراقين علي فبايع وإلا فهو الحرب بيني وبينك إن امتنعت؛ فقال ابن الحنفية لعروة: ما أسرع أخاك على قطع الرحم والاستخفاف بالحق وأغفله عن تعجيل عقوبة الله، ما يشك أخوك في الخلود، وإلا فقد كان أحمد للمختار وهديه مني، والله ما بعثت المختار داعياً ولا ناصراً، والمختار كان أشد انقطاعاً منه إلينا، فإن كان كذاباً فطال ما قربه على كذبه، وإن كان على غير ذلك فهو أعلم به، وما عندي خلافٌ؛ ولو كان خلافٌ ما أقمت في جواره ولخرجت إلى من يدعوني، فأبيت ذلك عليه؛ ولكن ها هنا والله لأخيك قرنٌ يطلب ما يطلب أخوك، كلاهما يقاتلان على الدماء عبد الملك بن مروان؛ والله لكأنك بجيوشه قد أحاطت برقبة أخيك، وإني لأحسب أن جوار عبد الملك خيرٌ لي من جوار أخيك، ولقد كتب لي يعرض علي ما قبله ويدعوني إليه؛ قال عروة: فما يمنعك من ذلك؟ قال: أستخير الله، وذلك أحب إلى صاحبك؛ قال: أذكر ذلك له؛ فقال بعض أصحاب محمد بن الحنفية: والله ما أطعتنا لضربنا عنقه؛ فقال ابن الحنفية: وعلام أضرب عنقه؟ جاءنا برسالةٍ من أخيه وجاورنا فجرى بيننا
وبينه كلامٌ فرددناه إلى أخيه؛ والذي قلتم غدرٌ وليس في الغدر خيرٌ، لو فعلت الذي يقولون لكان القتال بمكة، وأنتم تعلمون أن رأيي: لو اجتمع الناس كلهم علي إلا إنسانٌ واحدٌ لما قاتلته؛ فانصرف عروة فأخبر ابن الزبير بكل ما قال له محمد بن الحنفية، وقال: والله ما أرى أن تعرض له، دعه فليخرج عنك ويغيب وجهه فعبد الملك أمامه لا يتركه يحل بالشام حتى يبايعه، وابن الحنفية لا يبايعه أبداً حتى يجتمع الناس عليه، فإن صار إليه كفاكه؛ إما حبسه وإما قتله فتكون أنت قد برئت من ذلك.
وفي حديث: أنه لما اجتمع الناس على عبد الملك وبايع ابن عمر قال ابن عمر لابن الحنفية: ما بقي شيء فبايع؛ فكتب ابن الحنفية إلى عبد الملك: بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين من محمد بن علي، أما بعد: فإني لما رأيت الأمة قد اختلفت اعتزلتهم، فلما أفضى هذا الأمر إليك وبايعك الناس كنت كرجلٍ منهم أدخل في صالح ما دخلوا فيه، فقد بايعتك وبايعت الحجاج لك، وبعثت إليك ببيعتي ورأيت الناس قد اجتمعوا عليك ونحن نحب أن تؤمنا وتعطينا ميثاقاً على الوفاء، فإن الغدر لا خير فيه، فإن أبيت فإن أرض الله واسعةٌ.
فلما قرأ عبد الملك الكتاب قال قبيصة بن ذؤيب وروح بن زنباع: ما لك عليه سبيل، ولو أراد فتقاً لقدر عليه ولقد سلم وبايع فنرى أن تكتب إليه بالعهد والميثاق بالأمان له ولأصحابه ففعل، وكتب إليه: إنك عندنا محمودٌ، أنت أحب إلينا وأقرب بنا رحماً من ابن الزبير فلك العهد والميثاق وذمة الله وذمة رسوله أن لا تهاج ولا أحدٌ من أصحابك بشيء تكرهه، ارجع إلى بلدك واذهب حيث شئت ولست أدع صلتك وعونك ما حييت؛ وكتب إلى الحجاج يأمره بحسن جواره وإكرامه؛ فرجع ابن الحنفية إلى المدينة.
خرج الحجاج بن يوسف ومحمد بن الحنفية من عند عبد الملك بن مروان فقال الحجاج لمحمد بن الحنفية: بلغني أن أباك كان إذا فرغ من القنوت يقول كلاماً حسناً
أحببت أن أعرفه فنحفظه؛ قال: لا؛ قال: سبحان الله ما أوحش لقاءكم وأفظع لفظكم وأشد خنزوانتكم ما تعدون الناس إلا عبيداً، ولقد خضتم الفتنة خوضاً، وفللتم المهاجرين والأنصار؛ فنظر إليه ابن الحنفية وأنكر لفظه فوقف، وسار الحجاج ورجع ابن الحنفية إلى باب عبد الملك فقال للآذن: استأذن لي؛ فقال: ألم تكن عنده وخرجت آنفاً، فما ردك وقد ارتفع أمير المؤمنين؟ قال: لست أبرح حتى ألقاه؛ فكره لآذن غضب الخليفة فأعلمه فقال: لقد رده أمرٌ، ائذن له؛ فلما دخل عليه تحلحل عن مجلسه كما كان يفعل؛ فقال: يا أمير المؤمنين هذا الحجاج أسمعني كلاماً تكمشت له وذكر أبي بكلامٍ تقمعت له وما أحرت حرفاً؛ قال: فما قال لك حتى أعمل على حسبه؟ قال: وكأنما تفقأ في وجهه الرمان، فخبره عما سأله عنه؛ فقال لصاحب شرطه: علي بالحجاج الساعة؛ فأتاه حين خلع ثيابه فحمله حملاً عنيفاً، وانصرف ابن الحنفية، فجاء الحجاج فوقفه بالباب طويلاً، ثم أذن له، فدخل عليه فسلم عليه، فقال له عبد الملك: من الرجز
لا أنعم الله بعمرٍو عيناً ... تحية السخط إذا التقينا
يا لكع وهراوة النفار، ما أنت ومحمد بن الحنفية؟ قال: يا أمير المؤمنين ما كان إلا خيرٌ قال: كذبت والله لهو أصدق منك وأبر، ذكرته وذكرت أباه فوالله ما بين لابتيها أفضل من أبيه؛ ما جرى بينك وبينه؟ قال: سألته يا أمير المؤمنين عن شيءٍ بلغني أن أباه كان يقوله بعد القنوت، فقال: لا أعرفه، فعلمت أن ذلك مقتاً منه لنا ولدولتنا فأجبته بالذي بلغك؛ قال له عبد الملك: أسأت ولؤمت، والله لولا أبوه وابن عمه كنا حبارى ضلالاً، وما أنبت الشعر على رؤوسنا إلا الله وهم، وما أعزنا بما ترى إلا رحمهم وريحهم الطيبة، والله لا كلمتك كلمةً أبداً أو تجيئني بالرضى منه، وتسل سخيمته.
قال: فمضى الحجاج من فوره فألفاه وهو يتغدى مع أصحابه، فاستأذن فأبى أن يأذن له، فقال بعض أصحابه: إنه أتى برسالةٍ من أمير المؤمنين؛ فأذن له، فقال: إن أمير المؤمنين أرسلني أن أستل سخيمتك وأقسم أن لا يكلمني أبداً حتى آتيه برضاك، وأنا
أحب برحمك من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا عفوت عما كان وغفرت ذنباً إن كان؛ قال: قد فعلت على شريطةٍ فتفعلها؟ قال: نعم، قال: على صرم الدهر ثم انصرف الحجاج ودخل على عبد الملك فقال: ما صنعت؟ قال: قد جئت برضاه وسللت سخيمته وأجاب إلى ما أحب وهو أهل ذاك؛ قال: فأي شيءٍ آخر ما كان بينك وبينه؟ قال: رضي علي شريطة صرم الدهر فقال: شنشنةٌ أعرفها من أخزم، انصرف.
فلما كان من الغد دخل ابن الحنفية على عبد الملك فقال له: أتاك الحجاج؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين؛ قال: فرضيت وأجبته؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين؛ قال: ثم مال إليه فقال: هل تحفظ ما سألك عنه؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، وما منعني أن أبثه إياه إلا مقتي له فإنه من بقية ثمود فضحك عبد الملك، ثم دعا بدواةٍ وقرطاس وكتب بخطه: بسم الله الرحمن الرحيم، كان أمير المؤمنين رضي الله عنه إذا فرغ من وتره رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم حاجتي العظمى التي إن قضيتها لم يضرني ما منعتني، وإن منعتني لم ينفعني ما أعطيتني، فكاك الرقاب فك رقبتي من النار، رب ما أنا إن تقصد قصدي بغضبٍ منك يدوم علي، فوعزتك ما يزين ملكك إحساني ولا يقبحه إساءتي ولا ينقص من خزائنك غناي، ولا يزيد فيها فقري، يا من هو هكذا اسمع دعائي وأجب ندائي وأقلني عثرتي وارحم غربتي ووحشتي ووحدتي في قبري، هاأنذا يا رب برمتي، ويأخذ بتلابيبه ثم يركع؛ فقال عبد الملك: حسنٌ والله، رضي الله عنه.
توفي محمد بن الحنفية سنة ثمانين بين الشام والمدينة.
قال أبو حمزة: قضينا نسكنا حتى قتل ابن الزبير ورجعنا إلى المدينة مع محمد فمكث ثلاثة أيام ثم توفي.
وقيل: توفي سنة إحدى وثمانين وسنه خمسٌ وستون سنةً؛ وقيل: سنة اثنتين وثمانين؛ وقيل: سنة ثلاث وثمانين؛ وقيل: سنة اثنتين وتسعين أو ثلاث.
ابن الحنفية أبو القاسم، ويقال: أبو عبد الله الهاشمي، المعروف بابن الحنفية وفد على معاوية وعلي عبد الملك بن مروان.
قال محمد بن الحنفية: قدمت على معاوية بن أبي سفيان فسألني عن العمرى فقلت: جعلها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن أعطيها، قال: تقولون ذلك؟ قلت: نعم؛ قال: فإني أشهد أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من أعمر عمرى فهي له يرثها من عقبه من يرثه ".
وحدث محمد بن الحنفية، عن علي، قال: كنت رجلاً مذاءً فكرهت أن أسأله يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال: " منه الوضوء ".
قال أبو عاصم: صرع محمد بن علي مروان يوم الجمل وجلس على صدر مروان، فلما وفد محمد علي عبد الملك قال له: أتذكر يوم جلست على صدر مروان؟ قال: عفواً يا أمير المؤمنين؛ قال: أم والله ما ذكرت ذلك وأنا أريد أن أكافئك به ولكن أردت أن تعلم أني قد علمت.
وأم محمد بن علي: خولة بنت جعفر بن مسلمة بن قيس بن ثعلبة بن يربوع بن فلان بن حنيفة؛ وسمته الشيعة المهدي، فقال كثير: من الوافر
هو المهدي أخبرناه كعبٌ ... أخو الأحبار في الحقب الخوالي
فقيل لكثير: لقيت كعب الأحبار؟ قال: لا؛ قيل: فلم قلت: أخبرناه كعبٌ؟ قال: بالوهم.
وقال كثير أيضاً: من الوافر
ألا إن الأئمة من قريشٍ ... ولاة الحق أربعةٌ سواء
علي والثلاثة من بنيه ... هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبطٌ سبط إيمانٍ وبر ... وسبط غيبته كربلاء
وسبطٌ لا تراه العين حتى ... يقود الخيل يقدمها لواء
تغيب لا يرى عنهم زماناً ... برضوى عنده عسلٌ وماء
وكانت شيعة محمد بن علي يزعمون أنه لم يمت؛ وله يقول السيد: من الوافر
ألا قل للوصي فدتك نفسي ... أطلت بذلك الجبل المقاما
أضر بمعشرٍ والوك منا ... وسموك الخليفة والإماما
وعادوا فيك أهل الأرض طراً ... مقامك عنهم ستين عاما
وما ذاق ابن خولة طعم موتٍ ... ولا وارت له أرضٌ عظاما
لقد أمسى بمورق شعب رضوى ... تراجعه الملائكة الكراما
وإن له به لمقيل صدقٍ ... وأنديةً تحدته كراما
هدانا الله إذا حرتم لأمرٍ ... به وعليه نلتمس التماما
تمام مودة المهدي حتى ... تروا راياتنا تترى نظاما
وقال السيد في ذلك أيضاً: من الكامل
يا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى ... وبنا إليه من الصبابة أولق
حتى متى وإلى متى وكم المدا ... يا بن الوصي وأنت حي ترزق
وكانت أم محمد بن علي من سبي اليمامة، وولد في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنهم، وكان عبد الله بن الحسن يذكر أن أبا بكرٍ أعطى علياً أم محمد بن الحنفية.
قالت أسماء بنت أبي بكر: رأيت أم محمد بن الحنفية سنديةً سوداء، وكانت أمةً لبني حنيفة ولم تك منهم وإنما صالحهم خالد بن الوليد على الرقيق ولم يصالحهم علي أنفسهم.
قال ابن الحنفية: كانت رخصةً لعلي، قال: يا رسول الله: إن ولد لي بعدك أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال: " نعم " فكنى محمد بن الحنفية أبا القاسم وسماه باسمه؛ وقيل: كانت كنيته أبو عبد الله.
وروى محمد بن علي عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن ولد لك غلام فسمه باسمي وكنه بكنيتي وهو رخصة لك دون الناس ".
وروى أيضاً عن أبيه علي قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سيولد لك ولدٌ قد نحلته اسمي وكنيتي ".
وقع بين علي وطلحة كلامٌ، فقال له طلحة: لا كجرأتك على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سميت باسمه وكنيت بكنيته وقد نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يجمعهما أحد من أمته بعده؛ فقال علي: إن الجريء من اجترأ على الله وعلى رسوله، اذهب يا فلان فادع لي فلاناً وفلاناً لنفرٍ من قريش؛ قال: فجاؤوا فقال: بم تشهدون؟ قالوا: نشهد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنه سيولد لك بعدي غلام فقد نحلته اسمي وكنيتي ولا يحل لأحدٍ من أمتي بعده ".
قال محمد بن الحنفية: الحسن والحسين خيرٌ مني، وأنا أعلم بحديث أبي منهما.
وفي آخر غيره: ولقد علما أنه كان يستخليني دونهما، وإني صاحب البغلة الشهباء.
قال إبراهيم بن الجنيد الختلي: لا يعلم أحد السند عن علي، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر ولا أصح مما أسند محمد بن الحنفية.
كتب ملك الروم إلى عبد الملك بن مروان يتهدده ويتوعده ويحلف له ليحملن إليه مئة ألفٍ في البر ومئة ألفٍ في البحر أو يؤدي إليه الجزية؛ فسقط في روعه، فكتب إلى الحجاج: أن أكتب إلى ابن الحنفية فتهدده وتوعده ثم أعلمني ما يرد عليك؛ فكتب الحجاج إلى ابن الحنفية بكتابٍ شديدٍ يتهدده ويتوعده فيه بالقتل، فكتب إليه ابن الحنفية: إن لله تعالى ثلاث مئة وستين لحظةً إلى خلقه، وأنا أرجو أن ينظر الله إلي نظرةً يمنعني بها منك؛ فبعث الحجاج بكتابه إلى عبد الملك، فكتب عبد الملك إلى ملك الروم بنسخته، فقال ملك الروم: ما خرج هذا منك ولا أنت كتبت به، ما خرج إلا من بيت نبوة.
سأل رجل ابن عمر في مسألة فقال له: سل محمد بن الحنفية ثم أخبرني ما يقول؛ فسأله عنها فأخبره فقال ابن عمر: أهل بيتٍ مفهمون.
قال عبد الواحد بن أيمن: بعثني أبي إلى محمد بن علي فرأيته مكحول العينين، فجئت فقلت لأبي: بعثتني إلى رجل كذا وكذا وقعت فيه فقال: يا بني ذاك خير الناس.
وقع بين الحسين بن علي وبين محمد بن الحنفية كلامٌ جلس كل واحد منهما عن صاحبه، فكتب إليه محمد بن الحنفية: أبي وأبوك علي بن أبي طالب، وأمي امرأةٌ من بني حنيفة لا ينكر شرفها في قومها، ولكن أمك فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنت أحق بالفضل مني فصر إلي حتى ترضاني؛ فلبس الحسين رداءه ونعله فصار إليه فترضاه.
قال الرزهي: قال رجل لمحمد بن الحنفية: ما بال أبيك كان يرمي بك في مرامٍ لا يرمي فيها الحسن والحسين؟ فقال لأنهما كانا خديه وكنت يده، فكان يتوقى بيده عن خديه.
وكان محمد بن علي يمشط رأس أمه ويذوبها يعني من الذؤابة.
وفي حديث: كان يغلف رأس أمه ويمشطها وينومها.
وعن محمد بن الحنفية، قال: ليس بالحليم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بداً حتى يجعل الله من أمره فرجاً، أو قال: مخرجاً.
سأل رجل محمد بن الحنفية فقال له: أجد غماً لا أعرف له سبباً، وقد ضاق قلبي؟ فقال محمد: غم لم تعرف له سبباً، عقوبة ذنبٍ لم تفعله فقال الرجل: فما معنى ذلك؟ فقال: المعنى في ذلك أن القلب يهم بالمعصية فلا تساعده الجوارح فيعاقب بالغم دون الجوارح.
قال محمد بن الحنفية: من كرمت نفسه عليه لم يكن للدنيا عنده قدر.
قيل لابن الحنفية: من أعظم الناس قدراً؟ قال: من لم ير الدنيا كلها لنفسه خطراً.
قال محمد بن الحنفية: إن الله جعل الجنة ثمناً لأنفسكم فلا تبيعوها بغيرها.
قال ابن الحنفية:
من أحب رجلاً لله أثابه الله ثواب من أحب رجلاً من أهل الجنة، وإن كان الذي أحبه من أهل النار، لأنه أحبه على خصلةٍ حسنةٍ رآها منه؛ ومن أبغض رجلاً لله
أثابه الله ثواب من أبغض رجلاً من أهل النار، وإن كان الذي أبغضه من أهل الجنة، لأنه أبغضه على خصلةٍ سيئةٍ رآها منه.
قيل لمحمد بن علي بن الحنفية: إن رجلاً من قريش يقع فيك؛ قال: بحسبي من نعم الله عز وجل على أن نجى غيري مني ولم ينجني من غيري.
قال محمد بن الحنفية: أيها الناس، اعلموا أن حوائج الناس إليكم نعم من الله عليكم فلا تملوها فتحول نقماً، واعلموا أن أفضل المال ما أفاد ذخراً وأورث ذكراً وأوجب أجراً، ولو رأيتم المعروف رجلاً لرأيتموه حسناً جميلاً يسر الناظرين ويفوق العالمين.
قال محمد بن الحنفية: الكمال في ثلاث؛ الفقه في الدين، والصبر على النوائب، وحسن تقعير المعيشة.
لما جاء نعي معاوية بن أبي سفيان إلى المدينة كان بها يومئذ الحسين بن علي ومحمد بن الحنفية وابن الزبير، وكان ابن عباس بمكة، فخرج الحسين وابن الزبير إلى مكة وأقام ابن الحنفية بالمدينة حتى سمع بدنو جيش مسرفٍ أيام الحرة، فرحل إلى مكة فأقام مع ابن عباس؛ فلما جاء نعي يزيد بن معاوية وبايع ابن الزبير لنفسه ودعا الناس إليه دعا ابن عباس ومحمد بن الحنفية إلى البيعة له فأبيا يبايعان له، وقالا: حتى تجتمع لك البلاد ويأتسق لك الناس؛ فأقاما على ذلك مرةً يكاشرهما ومرةً يلين لهما؛ ثم غلط عليهما فوقع منهم كلامٌ وشر؛ فلم يزل الأمر يغلط حتى خافا منه خوفاً شديداً؛ ومعهما النساء والذرية؛ فأساء جوارهم وحصرهم وآذاهم، وقصد محمد بن الحنفية فأظهر شتمه وعيبه وأمره وبني هاشم أن يلزموا شعبهم بمكة، وجعل عليهم الرقباء وقال: فما تقول؟ والله لتبايعن أو لأحرقنكم بالنار فخافوا على أنفسهم.
قال أبو عامر: فرأيت محمد بن الحنفية محبوساً في زمزم والناس يمتنعون من الدخول عليه، فقلت: لأدخلن عليه، فدخلت فقلت: ما بالك وهذا الرجل؟ قال: دعاني إلى
البيعة فقلت: إنما أنا من المسلمين فإذا اجتمعوا عليك فأنا كأحدهم، فلم يرض بهذا مني فاذهب إلى ابن عباس فأقره عني السلام وقل: يقول لك ابن عمك: ما ترى؟ قال أبو عامر: فدخلت على ابن عباس وهو ذاهب البصر، فقال: من أنت؟ فقلت: أنصاري؛ فقال: رب أنصاري هو أشد علينا من عدونا فقلت: لا تخف، أنا ممن لك كله؛ قال: هات؛ فأخبرته بقول ابن الحنفية فقال: قل له: لا تعطه ولا نعمة عين إلا ما قلت ولا تزده عليه؛ فرجعت إلى ابن الحنفية فأبلغتها؛ قال ابن عباس: فهم ابن الحنفية أن يقدم إلى الكوفة، وبلغ ذلك المختار فثقل عليه قدومه فقال: إن في المهدي علامة، يقدم بلدكم هذا فيضربه رجلٌ في السوق ضربةً بالسيف لا تضره ولا تحيك فيه فبلغ ذلك ابن الحنفية فأقام يعني خاف أن يجرب فيه فيموت، فقيل له: لو بعثت إلى شيعتك بالكوفة فأعلمتهم ما أنتم فيه؛ فبعث أبا الطفيل عامر بن واثلة إلى شيعتهم بالكوفة فقدم عليهم فقال: إنا لا نأمن ابن الزبير على هؤلاء القوم وأخبرهم بما هم فيه من الخوف فقطع المختار بعثاً إلى مكة فانتدب منهم أربعة آلاف فعقد لأبي عبد الله الجدلي عليهم وقال له: سر فإن وجدت بني هاشم في الحياة فكن لهم أنت ومن معك عضداً، وانقد لما أمروك به؛ وإن وجدت ابن الزبير قد قتلهم فاعترض أهل مكة حتى تصل إلى ابن الزبير ثم لا تدع من آل الزبير شغراً ولا ظفراً؛ وقال: يا شرط والله لقد أكرمكم الله بهذا المسير ولكم بهذا الوجه عشر حجج وعشر عمرٍ، وسار القوم ومعهم السلاح حتى أشرفوا على مكة فجاء المستغيث: اعجلوا فما أراكم تدركونهم؛ فقال الناس: لو أن أهل القوة عجلوا فانتدب منهم ثمان مئة رأسهم عطية بن سعد بن جنادة العوفي حتى دخلوا مكة فكبروا تكبيرةً سمعها ابن الزبير فهرب ودخل دار الندوة، ويقال: تعلق بأستار الكعبة، وقال: أنا عائذ الله.
قال عطية:
ثم ملنا إلى ابن عباس وابن الحنفية وأصحابهما في دورٍ قد جمع لهم الحطب فأحيط بهم حتى بلغ رؤوس الجدر، لو أن ناراً تقع فيه ما رؤي منهم أحد حتى تقوم الساعة؛ فأخرناه
عن الأبواب وعجل علي بن عبد الله بن عباس وهو رجل فأسرع في الحطب يريد الخروج فأدمى ساقيه؛ وأقبل أصحاب ابن الزبير فكنا صفين نحن وهم في المسجد نهارنا ونهارهم لا ننصرف إلا إلى صلاةٍ حتى أصبحنا، وقدم أبو عبد الله الخيل في الناس، فقلنا لابن عباس وابن الحنفية: ذرونا نرح الناس من ابن الزبير؛ فقالا: هذا بلدٌ حرمه الله ما أحله لأحدٍ إلا للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساعةً ما أحله لأحدٍ قبله ولا يحله لأحدٍ بعده فامنعونا وأجيرونا؛ قال: فتحملوا وإن منادياً لينادي في الجبل: ما غنمت سريةٌ بعد نبيها ما غنمت هذه السرية؛ إن السرايا تغنم الذهب والفضة، وإنما غنمتم دماءنا؛ فخرجوا بهم حتى أنزلوهم منى فأقاموا بها ما شاء الله أن يقيموا ثم خرجوا إلى الطائف فأقاموا ما أقاموا؛ وتوفي عبد الله بن عباس بالطائف سنة ثمان وستين وصلى عليه محمد بن الحنفية، وبقينا مع ابن الحنفية فلما كان الحج وحج ابن الزبير من مكة فوافى عرفة في أصحابه ووافى محمد بن الحنفية من الطائف في أصحابه فوقف بعرفة ووافى نجدة بن عامر الحنفي تلك السنة في أصحابه من الخوارج فوقف ناحيةً وحجت بنو أمية على لواء، فوقفوا بعرفة فيمن معهم. قالوا: وحج عامئذٍ محمد بن الحنفية في الخشبية معه وهم أربعة آلاف نزلوا في الشعب الأيسر من منى.
قال محمد بن جبير بن مطعم: قال: خفت الفتنة فمشيت إليهم جميعاً فجئت محمد بن علي في الشعب فقلت: يا أبا القاسم اتق الله فإنا في مشعرٍ حرام وبلدٍ حرام والناس وفد الله إلى هذا البيت، فلا تفسد عليهم حجهم؛ فقال: والله ما أريد ذلك وما أحول بين أحدٍ وبين هذا البيت، ولا نوى أحدٌ من الحاج من قتلٍ، ولكني رجلٌ أدفع عن نفسي من ابن الزبير وما يريد مني، وما أطلب هذا الأمر إلا أن لا يختلف علي فيه اثنان، ولكن ائت ابن الزبير فكلمه وعليك بنجدة فكلمه.
قال: فجئت ابن الزبير فكلمته بنحو ما كلمت به ابن الحنفية فقال: أنا رجلٌ قد اجتمع علي وبايعني الناس، وهؤلاء أهل خلافٍ؛ فقلت: إن خيراً لك الكف؛ فقال: أفعل.
ثم جئت نجدة الحروري فأجده في أصحابه وأجد عكرمة غلام ابن عباس عنده فقلت: استأذن لي على صاحبك فأذن لي فدخلت فعظمت عليه، وكلمته بما كلمت به الرجلين، فقال: أما أن أبتدئ أحداً بقتالٍ فلا، ولكن من بدأنا بقتالٍ قاتلناه؛ قلت: فإني رأيت الرجلين لا يريدان قتالك.
ثم جئت شيعة بني أمية فكلمتهم بنحوٍ مما كلمت به القوم فقالوا: نحن على لوائنا لا نقاتل أحداً إلا أن يقاتلنا فلم أر في تلك الألوية أسكن ولا أسلم دفعةً من أصحاب ابن الحنفية.
قال محمد بن جبير: وقفت تلك العشية إلى جنب محمد بن الحنفية، فلما غابت الشمس التفت إلي فقال: يا أبا سعيد ادفع فدفع ودفعت معه؛ فكان أول من دفع.
لما فتن عبد الله بن الزبير أرسل إلى من كان بحضرته من بني هاشم فجمعهم في شعب أبي طالب وأراد أن يحرقهم بالنار ذلك ناساً من أهل الكوفة فخرجوا ينصرونهم حتى إذا كانوا ببعض الطريق إلى ابن الحنفية سمعوا هاتفاً يقول: من الرجز
يا أيها الركب إلى المهدي ... على عناجيج من المطي
أعناقها كالقضب الخطي ... لتنصروا عاقبة النبي
محمداً خير بني علي
فدخلوا على محمد بن الحنفية فأخبروه بما سمعوا من الهاتف فقال: ذلك بعض مسلمي الجن.
لما قدم المختار مكة كان أشد الناس على ابن الزبير وجعل يلقي إلى الناس أن ابن الزبير كان يطلب هذا الأمر لابن الحنفية ثم ظلمه إياه، وجعل يذكر ابن الحنفية وورعه وحاله، وأنه بعثه إلى الكوفة يدعو له، وأنه كتب له كتاباً فهو لا يعدوه إلى غيره، ويقرأ ذلك الكتاب على من يثق به، وجعل يدعو الناس إلى البيعة لمحمد بن
الحنفية فيبايعونه له سراً؛ فسئل قومٌ ممن بايعه في أمره وقالوا: أعطينا هذا الرجل عهودنا أن زعم أنه رسول ابن الحنفية، وابن الحنفية بمكة ليس منا ببعيد ولا مستتر، فلو شخص منا قوم إليه فسألوه عما جاءنا به هذا الرجل فإن كان صادقاً نصرناه وأعناه على أمره؛ فشخص منهم قوم فلقوا ابن الحنفية بمكة فأعلموه أمر المختار وما دعاهم إليه؛ فقال: نحن حيث ترون محبسون، وما أحب أن لي سلطان الدنيا بقتل مؤمنٍ بغير حق، ولوددت أن الله انتصر لنا ممن شاء من خلقه فاحذروا الكذابين وانظروا لأنفسكم ودينكم؛ فانصرفوا على هذا، وكتب المختار كتاباً على لسان محمد بن الحنفية إلى إبراهيم بن الأشتر وجاء فاستأذن عليه، وقيل: المختار أمين آل محمد ورسولهم فأذن له وحياه ورحب به وأجلسه معه على فراشه، فتكلم المختار وكان مفوهاً فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: إنكم أهل بيت قد أكرمكم الله بنصرة آل محمد وقد ركب منهم ما قد علمت ومنعوا حقهم وصاروا إلى ما رأيت وقد كتب إليك المهدي كتاباً وهؤلاء الشهود عليه، فقال يزيد بن أنس الأسدي وأحمر بن سميط البجلي وعبد الله بن كامل وأبو عمرة كيسان مولى بجيلة: نشهد أن هذا كتابه، قد شهدناه حين دفعه إليه؛ فقبضه إبراهيم وقرأه ثم قال: أنا أول من يجيب قد أمرنا بطاعتك ومؤازرتك فقل ما بدا لك وادع إلى ما شئت.
ثم كان إبراهيم يركب إليه في كل يوم فيدع ذلك في صدور الناس؛ وورد الخبر على ابن الزبير فشكر لمحمد بن الحنفية وجعل أمر المختار يغلط كل يوم ويكثر تبعه وجعل يتتبع قتلة الحسين ومن أعان عليه فيقتلهم، ثم بعث إبراهيم بن الأشتر في عشرين ألفاً إلى عبيد الله بن زياد فقتله، وبعث برأسه إلى المختار فجعله المختار في جونةٍ وبعث به إلى محمد بن الحنفية وعلي بن الحسين وسائر بني هاشم.
فلما رأى علي بن الحسين رأس عبيد الله ترحم على الحسين وقال: أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين وهو يتغذى وأتينا برأس عبيد الله ونحن نتغدى، ولم يبق من بني هاشم أحد إلا قام بخطبةٍ في الثناء على المختار والدعاء له وجميل القول فيه.
وكان ابن الحنفية يكره أمر المختار وما يبلغه عنه، ولا يحب كثيراً مما يأتي به؛ وكان ابن عباس يقول: أصاب بثأرنا ووصلنا فكان يظهر الجميل فيه للعامة؛ فلما اتسق الأمر للمختار كتب: لمحمد بن علي من المختار بن أبي عبيد الطالب بثأر آل محمد، أما
بعد: فإن الله لم ينتقم من قوم حتى يعذر إليهم، وإن الله قد أهلك الفسقة وأتباع الفسقة، وقد بقيت بقايا فأرجو أن يلحق الله آخرهم بأولهم.
قال سعيد بن الحسن: قال محمد بن الحنفية: رحم الله من كف يده ولسانه، وجلس في بيته فإن ذنوب بني أمية أسرع إليهم من سيوف المسلمين.
قال وردان: كنت في العصابة الذين انتدبوا إلى محمد بن علي بن الحنفية وكان ابن الزبير يمنعه أن يدخل مكة حتى يبايعه، وأراد الشام فمنعه عبد الملك بن مروان أن يدخلها حتى يبايعه، فأبى، فسرنا معه ولو أمرنا بالقتال لقاتلنا معه، فجمعنا يوماً فقسم فينا شيئاً وهو يسير، ثم حمد الله وأثنى عليه وقال: الحقوا برحالكم واتقوا الله، وعليكم بما تعرفون ودعوا ما تنكرون، وعليكم بخاصة أنفسكم ودعوا أمر العامة واستقروا على أمرنا كما استقرت السماء والأرض، فإن أمرنا إذا جاء كان كالشمس الضاحية.
وقال محمد بن الحنفية: ترون أمرنا؟ لهو أبين من هذه الشمس، سفلا تعجلوا ولا تقتلوا أنفسكم.
قال الأسود بن قيس:
لقيت بخراسان رجلاً من عنزة قال: ألا أعرض عليك خطبة ابن الحنفية؟ قلت: بلى؛ قال: انتهيت إليه وهو في رهطٍ يحدثهم قلت: السلام عليك يا مهدي؛ قال: وعليك السلام؛ قلت: إن لي إليك حاجةً؛ قال: أسر هي أم علانية؟ قلت: بل سر؛ فحدث القوم ساعة ثم قام فقمت معه، ودخلت معه بيته؛ قال: قل بحاجتك؛ فحمدت الله، وأثنيت عليه، وشهدت أن لا إله إلا الله، وشهدت أن محمداً رسول الله، ثم قلت: أما بعد: فوالله ما كنتم أقرب قريشٍ إلينا قرابةً فنحبكم على قرابتكم ولكن كنتم أقرب قريشٍ إلى نبينا قرابةً، فلذلك أحببناكم على قرابتكم من نبينا، فما زال بنا حبكم حتى ضربت عليه الأعناق وأبطلت الشهادات، وشردنا في البلاد وأؤذينا حتى لقد هممت أن أذهب في الأرض
قفراً فأعبد الله حتى ألقاه، لولا أن يخفى علي أمر آل محمد، ولقد هممت أن أخرج مع قومٍ شهادتنا وشهادتهم واحدةً على أمرائنا، فيخرجون ويقاتلون ونغنم يعني الخوارج وقد كانت تبلغنا عنك أحاديث من وراء وراء فأحببت أن أشافهك الكلام فلا أسأل عنك أحداً، وكنت أوثق الناس في نفسي وأحبه إلى أن أقتدي به، فأرى برأيك وكيف المخرج، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
قال: فحمد الله محمد بن علي وأثنى عليه وتشهد فقال: أما بعد، فإياكم وهذه الأحاديث فإنها عيبٌ عليكم، وعليكم بكتاب الله فإنه هدي أولكم وبه هدي آخركم، ولعمري لئن أوذيتم لقد أوذي من كان خيراً منكم، أما قيلك: لقد هممت أن أذهب في الأرض قفراً فأعبد الله حتى ألقاه وأجتنب أمور الناس لولا أن يخفى علي أمر آل محمد، فلا تفعل فإن تلك البدعة الرهبانية، ولعمري لأمر آل محمدٍ أبين من طلوع هذه الشمس؛ وأما قيلك: لقد هممت أن أخرج مع أقوامٍ شهادتنا وشهادتهم واحدةٌ على أمرائنا فيخرجون ويقاتلون ونغنم: فلا تفعل، لا تفارق الأمة، اتق هؤلاء القوم بتقيتهم يعني بني أمية ولا تقاتل معهم.
قال: قلت: وما تقيتهم؟ قال: تحضرهم وجهك عند دعوتهم، فيدفع الله بذلك عنك من دمك وذنبك، وتصيب من مال الله الذي أنت أحق به منهم؛ قال: قلت: أرأيت إن أطاف بي قتال ليس منه بد؟ قال: تبايع بإحدى يديك الأخرى لله وتقاتل لله، فإن الله سيدخل أقواماً بسرائرهم الجنة، وسيدخل أقواماً بسرائرهم النار، وإني أذكرك الله أن تبلغ عني ما لم تسمع مني، أو أن تقول عني ما لم أقل؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
وعن أبي الطفيل: أن محمد بن الحنفية قال له: الزم هذا المكان وكن حمامةً من حمام الحرم حتى يأتي أمرنا إذا جاء فليس به خفاء، كما ليس بالشمس إذا طلعت خفاء، وما يدريك
إن قال لك الناس: تأتي من المشرق، ويأتي الله بها من المغرب، وما يدريك إن قال لك الناس: تأتي من المغرب، ويأتي الله بها من المشرق، وما يدريك لعلنا سنؤتى بها كما يؤتى بالعروس.
قال ابن الحنفية: سمعت أبا هريرة يقول: لا حرج إلا في دم امرئٍ مسلم؛ قال: فقيل لابن الحنفية: تطعن على أبيك؟ قال: إني لست أطعن على أبي، بايعه أولو الأمر فنكث ناكثٌ فقالته ومرق مارقٌ فقاتله، وإن ابن الزبير يحسدني على مكاني هذا، ود أني ألحد في الحرم كما ألحد.
وفي حديث: إنا أهل بيتٍ لا نبتز هذه الأمة أمرها ولا نأتيها من غير وجهها، وإن علياً قد كان يرى أنه له، ولكنه لم يقاتل حتى جرت له بيعةٌ.
وعن محمد بن علي، عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا فعلوها حرمت علي دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله " فقال رجلٌ لمحمد: إنك لتزري على أبيك فقال: لست أزري على أبي، إن أبي بايعه أهل الأمر فنكث ناكثٌ فقاتله ومرق مارقٌ فقاتله، ولست كأبي، ليست لي بيعةٌ في أعناق الناس فأقاتل، وقد كان قيل له: ألا تخرج؟ وفي حديث: قال ابن الحنفية: لو أن الناس بايعوني إلا رجلٌ لم يشتد سلطاني إلا به ما قتلته.
وعن ابن الحنفية قال: رحم الله امرءاً أغنى نفسه وكف يده وأمسك لسانه وجلس في بيته، له ما احتسب وهو مع من أحب، ألا إن الأعمال بني أمية أسرع فيهم من سيوف المسلمين، ألا إن لأهل الحق دولةً يأتي بها الله إذا شاء، فمن أدرك ذلك منكم ومنا كان عندنا في السنام الأعلى، ومن يمت فما عند الله خيرٌ وأبقى.
قال المنهال بن عمرو:
جاء رجل إلى محمد بن الحنفية فسلم عليه، فرد عليه السلام فقال: كيف أنت؟ فحرك يده، فقال: كيف أنتم؟ أما آن لكم أن تعرفوا كيف نحن؟ إنما مثلنا في هذه الأمة مثل بني إسرائيل في آل فرعون؛ كان يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، وإن هؤلاء يذبحون أبنائنا وينكحون نساءنا بغير أمرنا، فزعمت العرب أن لها فضلاً على العجم، فقالت العجم: وما ذاك؟ قالوا: كان محمد عربياً، قالوا: صدقتم؛ قالوا: وزعمت قريش أن لها فضلاً على العرب؛ فقالت العرب: وبم ذلك؟ قالوا: كان محمد قرشياً؛ فإن كان القوم صدقوا فلنا فضل على الناس.
ولما قتل المختار بن أبي عبيد في سنة ثمانٍ وستين ودخلت سنة تسع وستين أرسل عبد الله بن الزبير عروة بن الزبير إلى محمد بن الحنفية: إن أمير المؤمنين يقول لك: إني غير تاركك أبداً حتى تبايعني أو أعيدك في الحبس وقد قتل الله الكذاب الذي كنت تدعي نصرته، وأجمع أهل العراقين علي فبايع وإلا فهو الحرب بيني وبينك إن امتنعت؛ فقال ابن الحنفية لعروة: ما أسرع أخاك على قطع الرحم والاستخفاف بالحق وأغفله عن تعجيل عقوبة الله، ما يشك أخوك في الخلود، وإلا فقد كان أحمد للمختار وهديه مني، والله ما بعثت المختار داعياً ولا ناصراً، والمختار كان أشد انقطاعاً منه إلينا، فإن كان كذاباً فطال ما قربه على كذبه، وإن كان على غير ذلك فهو أعلم به، وما عندي خلافٌ؛ ولو كان خلافٌ ما أقمت في جواره ولخرجت إلى من يدعوني، فأبيت ذلك عليه؛ ولكن ها هنا والله لأخيك قرنٌ يطلب ما يطلب أخوك، كلاهما يقاتلان على الدماء عبد الملك بن مروان؛ والله لكأنك بجيوشه قد أحاطت برقبة أخيك، وإني لأحسب أن جوار عبد الملك خيرٌ لي من جوار أخيك، ولقد كتب لي يعرض علي ما قبله ويدعوني إليه؛ قال عروة: فما يمنعك من ذلك؟ قال: أستخير الله، وذلك أحب إلى صاحبك؛ قال: أذكر ذلك له؛ فقال بعض أصحاب محمد بن الحنفية: والله ما أطعتنا لضربنا عنقه؛ فقال ابن الحنفية: وعلام أضرب عنقه؟ جاءنا برسالةٍ من أخيه وجاورنا فجرى بيننا
وبينه كلامٌ فرددناه إلى أخيه؛ والذي قلتم غدرٌ وليس في الغدر خيرٌ، لو فعلت الذي يقولون لكان القتال بمكة، وأنتم تعلمون أن رأيي: لو اجتمع الناس كلهم علي إلا إنسانٌ واحدٌ لما قاتلته؛ فانصرف عروة فأخبر ابن الزبير بكل ما قال له محمد بن الحنفية، وقال: والله ما أرى أن تعرض له، دعه فليخرج عنك ويغيب وجهه فعبد الملك أمامه لا يتركه يحل بالشام حتى يبايعه، وابن الحنفية لا يبايعه أبداً حتى يجتمع الناس عليه، فإن صار إليه كفاكه؛ إما حبسه وإما قتله فتكون أنت قد برئت من ذلك.
وفي حديث: أنه لما اجتمع الناس على عبد الملك وبايع ابن عمر قال ابن عمر لابن الحنفية: ما بقي شيء فبايع؛ فكتب ابن الحنفية إلى عبد الملك: بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين من محمد بن علي، أما بعد: فإني لما رأيت الأمة قد اختلفت اعتزلتهم، فلما أفضى هذا الأمر إليك وبايعك الناس كنت كرجلٍ منهم أدخل في صالح ما دخلوا فيه، فقد بايعتك وبايعت الحجاج لك، وبعثت إليك ببيعتي ورأيت الناس قد اجتمعوا عليك ونحن نحب أن تؤمنا وتعطينا ميثاقاً على الوفاء، فإن الغدر لا خير فيه، فإن أبيت فإن أرض الله واسعةٌ.
فلما قرأ عبد الملك الكتاب قال قبيصة بن ذؤيب وروح بن زنباع: ما لك عليه سبيل، ولو أراد فتقاً لقدر عليه ولقد سلم وبايع فنرى أن تكتب إليه بالعهد والميثاق بالأمان له ولأصحابه ففعل، وكتب إليه: إنك عندنا محمودٌ، أنت أحب إلينا وأقرب بنا رحماً من ابن الزبير فلك العهد والميثاق وذمة الله وذمة رسوله أن لا تهاج ولا أحدٌ من أصحابك بشيء تكرهه، ارجع إلى بلدك واذهب حيث شئت ولست أدع صلتك وعونك ما حييت؛ وكتب إلى الحجاج يأمره بحسن جواره وإكرامه؛ فرجع ابن الحنفية إلى المدينة.
خرج الحجاج بن يوسف ومحمد بن الحنفية من عند عبد الملك بن مروان فقال الحجاج لمحمد بن الحنفية: بلغني أن أباك كان إذا فرغ من القنوت يقول كلاماً حسناً
أحببت أن أعرفه فنحفظه؛ قال: لا؛ قال: سبحان الله ما أوحش لقاءكم وأفظع لفظكم وأشد خنزوانتكم ما تعدون الناس إلا عبيداً، ولقد خضتم الفتنة خوضاً، وفللتم المهاجرين والأنصار؛ فنظر إليه ابن الحنفية وأنكر لفظه فوقف، وسار الحجاج ورجع ابن الحنفية إلى باب عبد الملك فقال للآذن: استأذن لي؛ فقال: ألم تكن عنده وخرجت آنفاً، فما ردك وقد ارتفع أمير المؤمنين؟ قال: لست أبرح حتى ألقاه؛ فكره لآذن غضب الخليفة فأعلمه فقال: لقد رده أمرٌ، ائذن له؛ فلما دخل عليه تحلحل عن مجلسه كما كان يفعل؛ فقال: يا أمير المؤمنين هذا الحجاج أسمعني كلاماً تكمشت له وذكر أبي بكلامٍ تقمعت له وما أحرت حرفاً؛ قال: فما قال لك حتى أعمل على حسبه؟ قال: وكأنما تفقأ في وجهه الرمان، فخبره عما سأله عنه؛ فقال لصاحب شرطه: علي بالحجاج الساعة؛ فأتاه حين خلع ثيابه فحمله حملاً عنيفاً، وانصرف ابن الحنفية، فجاء الحجاج فوقفه بالباب طويلاً، ثم أذن له، فدخل عليه فسلم عليه، فقال له عبد الملك: من الرجز
لا أنعم الله بعمرٍو عيناً ... تحية السخط إذا التقينا
يا لكع وهراوة النفار، ما أنت ومحمد بن الحنفية؟ قال: يا أمير المؤمنين ما كان إلا خيرٌ قال: كذبت والله لهو أصدق منك وأبر، ذكرته وذكرت أباه فوالله ما بين لابتيها أفضل من أبيه؛ ما جرى بينك وبينه؟ قال: سألته يا أمير المؤمنين عن شيءٍ بلغني أن أباه كان يقوله بعد القنوت، فقال: لا أعرفه، فعلمت أن ذلك مقتاً منه لنا ولدولتنا فأجبته بالذي بلغك؛ قال له عبد الملك: أسأت ولؤمت، والله لولا أبوه وابن عمه كنا حبارى ضلالاً، وما أنبت الشعر على رؤوسنا إلا الله وهم، وما أعزنا بما ترى إلا رحمهم وريحهم الطيبة، والله لا كلمتك كلمةً أبداً أو تجيئني بالرضى منه، وتسل سخيمته.
قال: فمضى الحجاج من فوره فألفاه وهو يتغدى مع أصحابه، فاستأذن فأبى أن يأذن له، فقال بعض أصحابه: إنه أتى برسالةٍ من أمير المؤمنين؛ فأذن له، فقال: إن أمير المؤمنين أرسلني أن أستل سخيمتك وأقسم أن لا يكلمني أبداً حتى آتيه برضاك، وأنا
أحب برحمك من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا عفوت عما كان وغفرت ذنباً إن كان؛ قال: قد فعلت على شريطةٍ فتفعلها؟ قال: نعم، قال: على صرم الدهر ثم انصرف الحجاج ودخل على عبد الملك فقال: ما صنعت؟ قال: قد جئت برضاه وسللت سخيمته وأجاب إلى ما أحب وهو أهل ذاك؛ قال: فأي شيءٍ آخر ما كان بينك وبينه؟ قال: رضي علي شريطة صرم الدهر فقال: شنشنةٌ أعرفها من أخزم، انصرف.
فلما كان من الغد دخل ابن الحنفية على عبد الملك فقال له: أتاك الحجاج؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين؛ قال: فرضيت وأجبته؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين؛ قال: ثم مال إليه فقال: هل تحفظ ما سألك عنه؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، وما منعني أن أبثه إياه إلا مقتي له فإنه من بقية ثمود فضحك عبد الملك، ثم دعا بدواةٍ وقرطاس وكتب بخطه: بسم الله الرحمن الرحيم، كان أمير المؤمنين رضي الله عنه إذا فرغ من وتره رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم حاجتي العظمى التي إن قضيتها لم يضرني ما منعتني، وإن منعتني لم ينفعني ما أعطيتني، فكاك الرقاب فك رقبتي من النار، رب ما أنا إن تقصد قصدي بغضبٍ منك يدوم علي، فوعزتك ما يزين ملكك إحساني ولا يقبحه إساءتي ولا ينقص من خزائنك غناي، ولا يزيد فيها فقري، يا من هو هكذا اسمع دعائي وأجب ندائي وأقلني عثرتي وارحم غربتي ووحشتي ووحدتي في قبري، هاأنذا يا رب برمتي، ويأخذ بتلابيبه ثم يركع؛ فقال عبد الملك: حسنٌ والله، رضي الله عنه.
توفي محمد بن الحنفية سنة ثمانين بين الشام والمدينة.
قال أبو حمزة: قضينا نسكنا حتى قتل ابن الزبير ورجعنا إلى المدينة مع محمد فمكث ثلاثة أيام ثم توفي.
وقيل: توفي سنة إحدى وثمانين وسنه خمسٌ وستون سنةً؛ وقيل: سنة اثنتين وثمانين؛ وقيل: سنة ثلاث وثمانين؛ وقيل: سنة اثنتين وتسعين أو ثلاث.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=130093&book=5521#e81b42
محمد بْن عُثْمَان بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن سمويه، أبو بكر المقرئ البصري، يعرف بالحبري :
وهو أصبهاني الأصل. سكن بغداد وحدث بِهَا عَن أَبِي بَكْرٍ أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْعَبَّاسِ الأَسْفَاطِيُّ البصري. وعلي بن أحمد بن علي بن راشد الدينوري. وكان سماعه صحيحا. كتبت عنه شيئا يسيرا.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ البصريّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ راشد الدّينوريّ بها، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمْدَانَ بْنِ وَهْبٍ الحافظ، حدّثنا عبد الله بن أيّوب المخرميّ، حدّثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ. قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِدَاءِ أَهْلِ بَدْرٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ، فَكَأَنَّمَا تَصَدَّعَ قَلْبِي حِينَ سَمِعْتُ الْقُرْآنَ.
تَابَعَهُ غُنْدَرٌ وَغَيْرُهُ عَنْ شُعْبَةَ. وَرَوَاهُ أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ بَعْضِ إِخْوَتِهِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ، وَخَالَفَهُ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ فَرَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ، وَحَدِيثُ يعقوب الحضرمي ومن تابعه الصواب.
كان الجندي يذكر أنه ولد لليلتين خلتا من ذي الحجة سنة أربع وخمسين وثلاثمائة.
ومات في يوم الاثنين الرابع من صفر سنة خمس وثلاثين وأربعمائة.
ذكر من اسمه محمد واسم أبيه علي
وهو أصبهاني الأصل. سكن بغداد وحدث بِهَا عَن أَبِي بَكْرٍ أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْعَبَّاسِ الأَسْفَاطِيُّ البصري. وعلي بن أحمد بن علي بن راشد الدينوري. وكان سماعه صحيحا. كتبت عنه شيئا يسيرا.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ البصريّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ راشد الدّينوريّ بها، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمْدَانَ بْنِ وَهْبٍ الحافظ، حدّثنا عبد الله بن أيّوب المخرميّ، حدّثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ. قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِدَاءِ أَهْلِ بَدْرٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ، فَكَأَنَّمَا تَصَدَّعَ قَلْبِي حِينَ سَمِعْتُ الْقُرْآنَ.
تَابَعَهُ غُنْدَرٌ وَغَيْرُهُ عَنْ شُعْبَةَ. وَرَوَاهُ أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ بَعْضِ إِخْوَتِهِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ، وَخَالَفَهُ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ فَرَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ، وَحَدِيثُ يعقوب الحضرمي ومن تابعه الصواب.
كان الجندي يذكر أنه ولد لليلتين خلتا من ذي الحجة سنة أربع وخمسين وثلاثمائة.
ومات في يوم الاثنين الرابع من صفر سنة خمس وثلاثين وأربعمائة.
ذكر من اسمه محمد واسم أبيه علي
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=129976&book=5521#b7dedf
محمد بن عبيد بن أبي أمية عبد الرحمن، ويكنى محمد: أبا عبد الله الإيادي الطنافسي الكوفي الأحدب، مولى بني حنيفة :
وهو أخو عمر، ويعلى، وإبراهيم. ولد في سنة سبع وعشرين ومائة . وسمع هشام بن عروة، ومحمد بن إسحاق بن يسار، وسليمان الأعمش، وعبيد الله بن عمر، وإسماعيل بن أبي خالد، ومسعر بن كدام. حدث عنه أخوه يعلى، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وهارون بن عبد الله البزّار، وإسحاق بن راهويه، وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة، وعلي بن مسلم الطوسي، ومحمود بن خداش، وعباس الدوري، وغيرهم.
وكان قد سكن بغداد مدة وحدث بها ثم رجع إلى الكوفة.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ الْوَاعِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ المحاملي- إملاء- حدّثنا محمود بن خداش، حدّثنا محمّد ابن عبيد الطّنافسيّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاصَلَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَنَهَاهُمْ. فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ؟ فَقَالَ: «إِنِّي لَسْتُ مثلكم، إني أطعم وأسقى » .
أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدّل، أخبرنا إسماعيل بن محمّد الصّفّار، حدّثنا عبّاس بن محمّد بن حاتم، حدّثنا محمّد بن عبيد الطّنافسيّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فِي فِدَاءِ أَهْلِ بَدْرٍ؛ فَقَامَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ صَلاةَ الْمَغْرِبِ؛ فَقَرَأَ بِالطُّورِ.
أَخْبَرَنَا أبو القاسم الأزهريّ، أخبرنا علي بن عمر الحافظ، حدّثنا الحسن بن إبراهيم ابن عبد المجيد، حَدَّثَنَا عباس بن محمد قَالَ: سمعت يحيى- يعني ابن معين- يقول:
أتيت محمد بن عبيد الطنافسي- يعني حين قدم بغداد- وقد كنت أبطأت عنه فلما أتيته وقد كان الناس كثروا، قَالَ يحيى أبو زكريا:
أنشأت تطلب وصلنا ... في الصيف ضيعت اللبن
قَالَ يحيى: قَالَ بعضهم: في هذا الصيف ضحيت وهو الصواب!! أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد، أخبرنا محمد بن العبّاس، أخبرنا أحمد بن سعيد السّوسي، حَدَّثَنَا عباس بن محمد قَالَ: سمعت يحيى بن معين قَالَ: أتينا محمد بن عبيد الطنافسي وهو لا يجترئ على قراءة كتابه حتى نعينه عليه أو نحو هذا من الكلام.
قال يحيى: وما ذكره [أحد] إلا بخير.
حَدَّثَنِي الأزهريّ، حدّثنا أحمد بن إبراهيم البزّاز، حدّثنا عثمان بن محمّد السّمرقنديّ بتنيس، أَخْبَرَنَا أبو أمية محمد بن إبراهيم قَالَ: سمعت يعلى بن عبيد يقول: أنا أكبر من أخي محمد بن عبيد بتسع سنين؛ ولدت سنة ثمان عشرة ومائة.
أَخْبَرَنَا أحمد بن محمد بن غالب قَالَ: سمعت أبا الحسن الدارقطني يقول:
يعلى، ومحمّد، وعمر، وإدريس، وإبراهيم بنو عبيد الطنافسيون كلهم ثقات، وأبوهم عبيد بن أبي أمية ثقة حدث أيضا، وكان أبو طالب- يعني الحافظ- يقول: هو عبيد ابن أبي ميّة . قاله أبو الحسن، وأرى أصحاب الحديث يقولون ابن أبي أميّة .
ولا أحفظ عن أحد أنه ذكر إدريس بن عبيد غير أبي الحسن الدارقطني.
أَنْبَأَنَا أحمد بن محمّد بن رزق، حدّثنا أبو إسحاق المزكي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الثقفي قَالَ: سمعتُ عباس بن أبي طالب قَالَ: أَخْبَرَنَا بعض أصحابنا قال:
رأيت يعلى في المنام فقلت: ما فعل بك ربك؟ قَالَ: غفر لي. فقلت: محمد بن عبيد أخوك؟ قَالَ: ذاك أرفع مني. قلت: بم؟ قَالَ: لأنه كان يفضل عثمان على علي.
أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو بَكْر الْحِيرِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّد بْن مُوسَى الصيرفِي قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّد بْن يَعْقُوبَ الأصم قَالَ: سمعت العباس الدوري يقول: سمعت محمد بن عبيد الطنافسي يقول: خير هذه الأمة بعد نبينا أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان ويقول: لا يسخر بكم هؤلاء الكوفيون، اتقوا لا يخدعكم هؤلاء الكوفيّون.
أخبرنا عبيد الله بن علي الصّيرفيّ، أخبرنا عمر بن إبراهيم المقريّ، حدّثنا حبشون ابن موسى بن أيّوب الخلّال، حَدَّثَنَا عبد الله بن أيوب قَالَ: قَالَ رجل عند محمد بن عبيد: أبو بكر، وعمر، وعلي، وعثمان. فقال له: ويلك من [لم] يقل أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فقد أزري عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَخْبَرَنَا أحمد بن عمر بن نوح النهرواني، أخبرنا المعافى بن زكريا الجريري، حدّثنا محمّد بن القاسم الأنباريّ، حَدَّثَنَا أبو علي العنزي الحسن بن عليل، حدّثنا علي بن الحسن الدرهمي قَالَ: كنا عند محمد بن عبيد الطنافسي فقال: قرأت على حائط بالحيرة منذ أربعين سنة:
إنّ البلية أن تح ... ب ولا يحبك من تحبه
ويصدعنك بوجهه ... وتلح أنت فلا تغبه
أقلل زيارتك الصدي ... ق يراك كالثوب استجده
إن الصديق يمله ... أن لا يزال يراك عنده
أخبرنا البرقاني، أخبرنا الحسن بن علي التّميميّ، أَخْبَرَنَا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني، حَدَّثَنَا أبو بكر الأثرم قَالَ: وسألته- يَعْنِي أَحْمَد بْن حَنْبَل- عَن عمر بن عبيد، ومحمد بن عبيد، ويعلى بن عبيد؛ فوثقهم .
أخبرنا أحمد بن محمّد بن رزق، أَخْبَرَنَا هبة الله بن محمد بن حبش الفراء، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن عُثْمَانَ بْن أَبِي شيبة قَالَ: سمعت يحيى بن معين، وسئل عن ولد عبيد الطنافسي: عمر، ومحمد ويعلى، فقال: كانوا ثقات وأثبتهم يعلى بن عبيد .
أخبرني عبد الله بن عبيد، أَخْبَرَنِي عبد الله بن يحيى السّكريّ، أخبرنا أبو بكر الشّافعيّ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن الأزهر، حَدَّثَنَا ابن الغلابي قَالَ: قَالَ أبو زكريا:
عمر، ويعلى، ومحمد بنو عبيد الطنافسيون ثقات .
أَخْبَرَنِي أحمد بن عبد الله الأنماطيّ، أخبرنا علي بن أحمد بن سليمان المصري، حَدَّثَنَا أحمد بن سعيد بن أبي مريم قَالَ: وسألته- يعني يحيى بن معين- عن محمّد ابن عبيد الطنافسي فقال: ثقة.
أَخْبَرَنَا عبيد الله بن عمر الواعظ، حدّثنا أبي، حدّثنا محمّد بن الحسن- هو الموصلي- حَدَّثَنَا حسين بن إدريس قَالَ: سألتُ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عمار عَنْ ولد عبيد أيهم أثبت؟ قال: كلهم ثبت. قَالَ: أحفظهم يعلى بن عبيد؛ وأبصرهم بالحديث محمد بن عبيد الأحدب، وعمر بن عبيد شيخهم، وكان محمد يروي عن عمر أخيه هذا وهو بين يديه، ولا يعلم أحد أنه عمر إلا أصحاب الحديث، يقول: حَدَّثَنِي أخي، وكان الأخ الرابع لا يحسن قليلا ولا كثيرا .
أَخْبَرَنِي عبيد الله بن أبي الفتح، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس، أخبرنا أَحْمَد بْن معروف، أخبرنا الحسن بن الفهم، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سعد قَالَ: مُحَمَّد بْن عبيد بن أبي أمية الطنافسي كان قد نزل بغداد دهرا، ثم رجع إلى الكوفة، فمات بها قبل يعلى في سنة أربع ومائتين في خلافة المأمون، وكان ثقة كثير الحديث، وكان صاحب سنّة وجماعة .
أخبرني الأزهريّ، حدّثنا عبد الرّحمن بن عمر، حدّثنا محمّد بن يعقوب، حَدَّثَنَا جدي قَالَ: محمد بن عبيد يكنى أبا عبد الله مولى لإياد، انتقل من الكوفة، فنزل بغداد، فمكث بها دهرا، ثم رجع إلى الكوفة، فمات بها قبل أخيه يعلى بن عبيد في سنة أربع ومائتين في خلافة المأمون، وكان من الكوفيين ممن يقدم عثمان على علي، وقل من يذهب إلى هذا من الكوفيين، عامتهم يقدم عليا على عثمان أو يقف عن عثمان وعليّ، قال جدي: سمعت علي بن المديني وذكر محمد بن عبيد، فقال: كان كيّسا .
أخبرنا حمزة بن محمّد بن طاهر، حدّثنا الوليد بن بكر الأندلسي، حدثنا علي بن أحمد بن زكريا الهاشمي، حدثنا أبو مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله العجليّ، حَدَّثَنَا أبي قَالَ: محمد بن عبيد الطنافسي يكنى أبا عبد الله، وكان أحدب، كوفي ثقة، وكان عثمانيا، وكان حديثه أربعة آلاف يحفظها .
حدّثنا الصوري، أَخْبَرَنَا الخصيب بْن عَبْد اللَّه الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا عبد الكريم بن أبي عَبْد الرَّحْمَن النّسائيّ ، أَخْبَرَنِي أبي قَالَ: أبو عبد الله محمد بن عبيد الطّنافسيّ ثقة.
وقد ذكرنا قول محمد بن سعد ويعقوب بن شيبة؛ أنه توفي في سنة أربع ومائتين.
وأخبر علي بن علي الدَّقَّاق قَالَ: قرأنا على الْحُسَيْن بْن هارون عن ابن سعيد قَالَ:
حَدَّثَنِي أحمد بن عبد الحميد قَالَ: مات محمد بن عبيد الله الطّنافسيّ سنة خمس ومائتين.
أخبرنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حسنويه، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ، حدّثنا عمر بن أحمد الأهوازي، حَدَّثَنَا خليفة بن خياط قَالَ: مات محمد بن عبيد الأحدب سنة خمس ومائتين .
أخبرنا ابن الفضل القطّان، أَخْبَرَنَا جعفر الخُلْدي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الله الحضرمي قَالَ: ومات محمد بن عبيد سنة خمس ومائتين.
أخبرنا السّمسار، أَخْبَرَنَا الصفار، حَدَّثَنَا ابن قانع: أن محمد بن عبيد الطنافسي مات سنة خمس ومائتين. ويقال: سنة ثلاث .
وهو أخو عمر، ويعلى، وإبراهيم. ولد في سنة سبع وعشرين ومائة . وسمع هشام بن عروة، ومحمد بن إسحاق بن يسار، وسليمان الأعمش، وعبيد الله بن عمر، وإسماعيل بن أبي خالد، ومسعر بن كدام. حدث عنه أخوه يعلى، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وهارون بن عبد الله البزّار، وإسحاق بن راهويه، وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة، وعلي بن مسلم الطوسي، ومحمود بن خداش، وعباس الدوري، وغيرهم.
وكان قد سكن بغداد مدة وحدث بها ثم رجع إلى الكوفة.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ الْوَاعِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ المحاملي- إملاء- حدّثنا محمود بن خداش، حدّثنا محمّد ابن عبيد الطّنافسيّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاصَلَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَنَهَاهُمْ. فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ؟ فَقَالَ: «إِنِّي لَسْتُ مثلكم، إني أطعم وأسقى » .
أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدّل، أخبرنا إسماعيل بن محمّد الصّفّار، حدّثنا عبّاس بن محمّد بن حاتم، حدّثنا محمّد بن عبيد الطّنافسيّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فِي فِدَاءِ أَهْلِ بَدْرٍ؛ فَقَامَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ صَلاةَ الْمَغْرِبِ؛ فَقَرَأَ بِالطُّورِ.
أَخْبَرَنَا أبو القاسم الأزهريّ، أخبرنا علي بن عمر الحافظ، حدّثنا الحسن بن إبراهيم ابن عبد المجيد، حَدَّثَنَا عباس بن محمد قَالَ: سمعت يحيى- يعني ابن معين- يقول:
أتيت محمد بن عبيد الطنافسي- يعني حين قدم بغداد- وقد كنت أبطأت عنه فلما أتيته وقد كان الناس كثروا، قَالَ يحيى أبو زكريا:
أنشأت تطلب وصلنا ... في الصيف ضيعت اللبن
قَالَ يحيى: قَالَ بعضهم: في هذا الصيف ضحيت وهو الصواب!! أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد، أخبرنا محمد بن العبّاس، أخبرنا أحمد بن سعيد السّوسي، حَدَّثَنَا عباس بن محمد قَالَ: سمعت يحيى بن معين قَالَ: أتينا محمد بن عبيد الطنافسي وهو لا يجترئ على قراءة كتابه حتى نعينه عليه أو نحو هذا من الكلام.
قال يحيى: وما ذكره [أحد] إلا بخير.
حَدَّثَنِي الأزهريّ، حدّثنا أحمد بن إبراهيم البزّاز، حدّثنا عثمان بن محمّد السّمرقنديّ بتنيس، أَخْبَرَنَا أبو أمية محمد بن إبراهيم قَالَ: سمعت يعلى بن عبيد يقول: أنا أكبر من أخي محمد بن عبيد بتسع سنين؛ ولدت سنة ثمان عشرة ومائة.
أَخْبَرَنَا أحمد بن محمد بن غالب قَالَ: سمعت أبا الحسن الدارقطني يقول:
يعلى، ومحمّد، وعمر، وإدريس، وإبراهيم بنو عبيد الطنافسيون كلهم ثقات، وأبوهم عبيد بن أبي أمية ثقة حدث أيضا، وكان أبو طالب- يعني الحافظ- يقول: هو عبيد ابن أبي ميّة . قاله أبو الحسن، وأرى أصحاب الحديث يقولون ابن أبي أميّة .
ولا أحفظ عن أحد أنه ذكر إدريس بن عبيد غير أبي الحسن الدارقطني.
أَنْبَأَنَا أحمد بن محمّد بن رزق، حدّثنا أبو إسحاق المزكي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الثقفي قَالَ: سمعتُ عباس بن أبي طالب قَالَ: أَخْبَرَنَا بعض أصحابنا قال:
رأيت يعلى في المنام فقلت: ما فعل بك ربك؟ قَالَ: غفر لي. فقلت: محمد بن عبيد أخوك؟ قَالَ: ذاك أرفع مني. قلت: بم؟ قَالَ: لأنه كان يفضل عثمان على علي.
أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو بَكْر الْحِيرِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّد بْن مُوسَى الصيرفِي قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّد بْن يَعْقُوبَ الأصم قَالَ: سمعت العباس الدوري يقول: سمعت محمد بن عبيد الطنافسي يقول: خير هذه الأمة بعد نبينا أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان ويقول: لا يسخر بكم هؤلاء الكوفيون، اتقوا لا يخدعكم هؤلاء الكوفيّون.
أخبرنا عبيد الله بن علي الصّيرفيّ، أخبرنا عمر بن إبراهيم المقريّ، حدّثنا حبشون ابن موسى بن أيّوب الخلّال، حَدَّثَنَا عبد الله بن أيوب قَالَ: قَالَ رجل عند محمد بن عبيد: أبو بكر، وعمر، وعلي، وعثمان. فقال له: ويلك من [لم] يقل أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فقد أزري عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَخْبَرَنَا أحمد بن عمر بن نوح النهرواني، أخبرنا المعافى بن زكريا الجريري، حدّثنا محمّد بن القاسم الأنباريّ، حَدَّثَنَا أبو علي العنزي الحسن بن عليل، حدّثنا علي بن الحسن الدرهمي قَالَ: كنا عند محمد بن عبيد الطنافسي فقال: قرأت على حائط بالحيرة منذ أربعين سنة:
إنّ البلية أن تح ... ب ولا يحبك من تحبه
ويصدعنك بوجهه ... وتلح أنت فلا تغبه
أقلل زيارتك الصدي ... ق يراك كالثوب استجده
إن الصديق يمله ... أن لا يزال يراك عنده
أخبرنا البرقاني، أخبرنا الحسن بن علي التّميميّ، أَخْبَرَنَا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني، حَدَّثَنَا أبو بكر الأثرم قَالَ: وسألته- يَعْنِي أَحْمَد بْن حَنْبَل- عَن عمر بن عبيد، ومحمد بن عبيد، ويعلى بن عبيد؛ فوثقهم .
أخبرنا أحمد بن محمّد بن رزق، أَخْبَرَنَا هبة الله بن محمد بن حبش الفراء، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن عُثْمَانَ بْن أَبِي شيبة قَالَ: سمعت يحيى بن معين، وسئل عن ولد عبيد الطنافسي: عمر، ومحمد ويعلى، فقال: كانوا ثقات وأثبتهم يعلى بن عبيد .
أخبرني عبد الله بن عبيد، أَخْبَرَنِي عبد الله بن يحيى السّكريّ، أخبرنا أبو بكر الشّافعيّ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن الأزهر، حَدَّثَنَا ابن الغلابي قَالَ: قَالَ أبو زكريا:
عمر، ويعلى، ومحمد بنو عبيد الطنافسيون ثقات .
أَخْبَرَنِي أحمد بن عبد الله الأنماطيّ، أخبرنا علي بن أحمد بن سليمان المصري، حَدَّثَنَا أحمد بن سعيد بن أبي مريم قَالَ: وسألته- يعني يحيى بن معين- عن محمّد ابن عبيد الطنافسي فقال: ثقة.
أَخْبَرَنَا عبيد الله بن عمر الواعظ، حدّثنا أبي، حدّثنا محمّد بن الحسن- هو الموصلي- حَدَّثَنَا حسين بن إدريس قَالَ: سألتُ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عمار عَنْ ولد عبيد أيهم أثبت؟ قال: كلهم ثبت. قَالَ: أحفظهم يعلى بن عبيد؛ وأبصرهم بالحديث محمد بن عبيد الأحدب، وعمر بن عبيد شيخهم، وكان محمد يروي عن عمر أخيه هذا وهو بين يديه، ولا يعلم أحد أنه عمر إلا أصحاب الحديث، يقول: حَدَّثَنِي أخي، وكان الأخ الرابع لا يحسن قليلا ولا كثيرا .
أَخْبَرَنِي عبيد الله بن أبي الفتح، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس، أخبرنا أَحْمَد بْن معروف، أخبرنا الحسن بن الفهم، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سعد قَالَ: مُحَمَّد بْن عبيد بن أبي أمية الطنافسي كان قد نزل بغداد دهرا، ثم رجع إلى الكوفة، فمات بها قبل يعلى في سنة أربع ومائتين في خلافة المأمون، وكان ثقة كثير الحديث، وكان صاحب سنّة وجماعة .
أخبرني الأزهريّ، حدّثنا عبد الرّحمن بن عمر، حدّثنا محمّد بن يعقوب، حَدَّثَنَا جدي قَالَ: محمد بن عبيد يكنى أبا عبد الله مولى لإياد، انتقل من الكوفة، فنزل بغداد، فمكث بها دهرا، ثم رجع إلى الكوفة، فمات بها قبل أخيه يعلى بن عبيد في سنة أربع ومائتين في خلافة المأمون، وكان من الكوفيين ممن يقدم عثمان على علي، وقل من يذهب إلى هذا من الكوفيين، عامتهم يقدم عليا على عثمان أو يقف عن عثمان وعليّ، قال جدي: سمعت علي بن المديني وذكر محمد بن عبيد، فقال: كان كيّسا .
أخبرنا حمزة بن محمّد بن طاهر، حدّثنا الوليد بن بكر الأندلسي، حدثنا علي بن أحمد بن زكريا الهاشمي، حدثنا أبو مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله العجليّ، حَدَّثَنَا أبي قَالَ: محمد بن عبيد الطنافسي يكنى أبا عبد الله، وكان أحدب، كوفي ثقة، وكان عثمانيا، وكان حديثه أربعة آلاف يحفظها .
حدّثنا الصوري، أَخْبَرَنَا الخصيب بْن عَبْد اللَّه الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا عبد الكريم بن أبي عَبْد الرَّحْمَن النّسائيّ ، أَخْبَرَنِي أبي قَالَ: أبو عبد الله محمد بن عبيد الطّنافسيّ ثقة.
وقد ذكرنا قول محمد بن سعد ويعقوب بن شيبة؛ أنه توفي في سنة أربع ومائتين.
وأخبر علي بن علي الدَّقَّاق قَالَ: قرأنا على الْحُسَيْن بْن هارون عن ابن سعيد قَالَ:
حَدَّثَنِي أحمد بن عبد الحميد قَالَ: مات محمد بن عبيد الله الطّنافسيّ سنة خمس ومائتين.
أخبرنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حسنويه، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ، حدّثنا عمر بن أحمد الأهوازي، حَدَّثَنَا خليفة بن خياط قَالَ: مات محمد بن عبيد الأحدب سنة خمس ومائتين .
أخبرنا ابن الفضل القطّان، أَخْبَرَنَا جعفر الخُلْدي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الله الحضرمي قَالَ: ومات محمد بن عبيد سنة خمس ومائتين.
أخبرنا السّمسار، أَخْبَرَنَا الصفار، حَدَّثَنَا ابن قانع: أن محمد بن عبيد الطنافسي مات سنة خمس ومائتين. ويقال: سنة ثلاث .
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=115004&book=5521#8ee8e1
محمد بن نافع بن جبير بن مطعم القرشي من متقنى أهل المدينة
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=96940&book=5521#cf1b8e
محمد بن اسمعيل البخاري أبو عبد الله قدم عليهم الرى سنة مائتين وخمسين روى عن عبدان المروزى وأبي همام الصلت بن محمد والفريابي وابن ابى اويس سمع منه أبي وأبو زرعة ثم تركا حديثه عندما كتب اليهما محمد ابن يحيى النيسابوري انه اظهر عندهم ان لفظه بالقرآن مخلوق.
صاحب المغازى رأى انس بن مالك فيما ذكر وروى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن والقاسم بن محمد ونافع بن جبير بن مطعم ونافع مولى ابن عمر والزهرى روى عنه سفيان الثوري وشعبة وحماد بن زيد وابن عيينة واسمعيل ابن علية وعبد الاعلى الشامي سمعت أبي يقول ذلك،.
نا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل قال نا علي يعني ابن المديني قال سمعت سفيان بن عيينة يقول رأيت ابن اسحاق والهذلى معه فحدث ابن اسحاق وهو شاب فقال الهذلى حين قام قال ابن شهاب لا يزال بالمدينة علم ما بقى هذا بها يعنى ابن اسحاق،.
نا عبد الرحمن نا أبو امية الطرسوسى فيما كتب إلي قال نا على بن الحسن النسائي نا فياض بن محمد الرقى قال سمعت ابن أبي ذئب يقول كنا عند الزهري فنظر إلى محمد بن اسحاق مقبلا فقال الزهري لا يزال بالحجاز علم كثير مادام هذا الاحول بين اظهرهم،.
نا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل نا علي يعني ابن المدينى قال قال سفيان بن عيينة رأيت محمد بن اسحاق جاء إلى ابن شهاب فقال كيف انت يا محمد؟ اين تكون؟ قال لست اصل اليك مع اذنك هذا، فدعا البواب
فقال إذا جاءك فلا تحبسه عنى.
نا عبد الرحمن حدثني أبي نا ابراهيم بن المنذر نا اسمعيل ابن علية قال سمعت شعبة يقول محمد بن إسحاق صدوق في الحديث،.
نا عبد الرحمن نا أبي نا عبيد بن يعيش قال سمعت يونس بن بكير يذكر عن شعبة قال محمد بن إسحاق أمير المحدثين ، نا عبد الرحمن حدثنا أبي قال سمعت
عبيد بن يعيش يقول سمعت يونس بن بكير يقول سمعت محمد بن اسحاق يقول حفظت المغازى بمكة مرة ثم تفلت منى ثم عدت فيها فحفظتها،.
نا عبد الرحمن أنا أبو بكر بن أبي خيثمة فيما كتب إلي نا إبراهيم بن المنذر عن ابن عيينة أنه قال ما يقول أصحابك في محمد بن اسحاق؟ قال قلت يقولون أنه كذاب قال لا تقل ذلك،.
نا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل نا علي يعني ابن المديني قال سمعت سفيان بن عيينه سئل عن محمد بن اسحاق فقيل له لم يرو أهل المدينة عنه، قال جالست ابن اسحاق بضعا وسبعين سنة وما يتهمه أحد من أهل المدينة ولا يقول فيه شيئا.
نا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد نا علي يعني ابن المديني قال قلت لسفيان كان ابن إسحاق جالس فاطمة بنت المنذر؟ فقال سفيان اخبرني ابن إسحاق أنها حدثته وأنه دخل عليها.
نا عبد الرحمن قال قرئ على العباس بن محمد الدوري قال سئل يحيى بن معين عن محمد بن اسحاق احب اليك أو موسى بن عبيدة؟ فقال محمد بن اسحاق، محمد ابن اسحاق صدوق ولكنه ليس بحجة، نا عبد الرحمن قال سئل أبي عن محمد بن إسحاق فقال يكتب حديثه.
نا عبد الرحمن قال سئل ابوزعة عن محمد بن إسحاق بن يسار فقال صدوق من تكلم في محمد بن اسحاق؟ محمد بن اسحاق صدوق، نا عبد الرحمن نا أبو سعيد نا ابن إدريس قال قلت لمالك بن أنس وذكر المغازي فقلت قال ابن إسحاق أنا بيطارها
فقال قال لك أنا بيطارها؟ نحن نفيناه عن المدينة.
نا عبد الرحمن نا مسلم بن الحجاج النيسابوري.
قال حدثنى اسحاق بن راهويه قال نا يحيى بن آدم قال نا ابن إدريس قال كنت عند مالك بن انس وقال له رجل يا أبا عبد الله إني كنت بالري عند ابى عبيد الله وثم محمد بن إسحاق فقال محمد ابن إسحاق اعرضوا علي علم مالك فإني أنا بيطاره، فقال مالك دجال من الدجاجلة يقول اعرضوا على علمي، نا عبد الرحمن نا أبي حدثنى مقاتل بن محمد الرازي عن ابى داود يعني الطيالسي قال نا عمر بن حبيب قال قلت لهشام بن عروة حدثنا محمد بن اسحاق قال ذاك كذاب.
نا عبد الرحمن قال نا اسمعيل بن أبي الحارث نا أحمد بن محمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد يعنى القطان قال قال هشام بن عروة هو كان يدخل على امرأتي؟ يعنى محمد بن اسحاق - كالمنكر، نا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل نا علي يعني ابن المدينى قال سمعت يحيى يعيى ابن سعيد القطان يقول قلت لهشام بن عروة ان ابن اسحاق يحدث عن فاطمة بنت المنذر فقال أهو كان يصل إليها؟ فقلت ليحيى كان محمد بن اسحاق بالكوفة وانت بها؟ قال نعم، قلت تركته متعمدا؟ قال نعم تركته متعمدا ولم أكتب عنه حديثا قط.
ثنا عبد الرحمن نا أبي حدثنى مقاتل بن محمد الرازي حدثنا أبو داود نا حماد بن سلمة قال لولا الاضطرار ما حدثت عن محمد بن إسحاق، نا عبد الرحمن نا أبي قال سمعت ابا حفص الفلاس قال كنا عند وهب بن جرير فانصرفنا من عنده فمررنا بيحيى بن سعيد القطان فقال اين كنتم؟ قلنا كنا عند وهب بن جرير يعنى يقرأ علينا كتاب المغازى عن أبيه عن ابن إسحاق، قال تنصرفون من عنده بكذب كثير، نا عبد الرحمن نا عباس بن محمد الدوري قال سمعت احمد بن حنبل وذكر محمد ابن اسحاق فقال اما في المغازى واشباهه فيكتب واما في الحلال والحرام فيحتاج إلى مثل هذا - ومد يده وضم اصابعه، نا عبد الرحمن أنا علي بن أبي طاهر
فيما كتب إلى قال نا الأثرم قال قلت لأبي عبد الله ما تقول في محمد بن إسحاق؟ قال
هو كثير التدليس جدا فكان احسن حديثه عندي ما قال اخبرني وسمعت.
نا عبد الرحمن نا محمد بن هارون الفلاس المخرمي قال سألت يحيى بن معين عن محمد بن اسحاق فقال ما احب ان احتج به في الفرائض، نا عبد الرحمن أنا أبو بكر بن أبي خيثمة فيما كتب إلي قال سمعت يحيى بن معين وقيل له ايما احب اليك موسى بن عبيدة الربذى أو محمد بن اسحاق؟ فقال محمد بن اسحاق، قال وسمعت يحيى يقول لم يزل الناس يتقون حديث محمد بن اسحاق، وسمعته مرة اخرى يقول ليس بذاك هو ضعيف، نا عبد الرحمن قال سمعت ابى يقول محمد بن اسحاق ليس عندي في الحديث بالقوى ضعيف الحديث وهو أحب إلي من افلح بن سعيد يكتب حديثه.
صاحب المغازى رأى انس بن مالك فيما ذكر وروى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن والقاسم بن محمد ونافع بن جبير بن مطعم ونافع مولى ابن عمر والزهرى روى عنه سفيان الثوري وشعبة وحماد بن زيد وابن عيينة واسمعيل ابن علية وعبد الاعلى الشامي سمعت أبي يقول ذلك،.
نا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل قال نا علي يعني ابن المديني قال سمعت سفيان بن عيينة يقول رأيت ابن اسحاق والهذلى معه فحدث ابن اسحاق وهو شاب فقال الهذلى حين قام قال ابن شهاب لا يزال بالمدينة علم ما بقى هذا بها يعنى ابن اسحاق،.
نا عبد الرحمن نا أبو امية الطرسوسى فيما كتب إلي قال نا على بن الحسن النسائي نا فياض بن محمد الرقى قال سمعت ابن أبي ذئب يقول كنا عند الزهري فنظر إلى محمد بن اسحاق مقبلا فقال الزهري لا يزال بالحجاز علم كثير مادام هذا الاحول بين اظهرهم،.
نا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل نا علي يعني ابن المدينى قال قال سفيان بن عيينة رأيت محمد بن اسحاق جاء إلى ابن شهاب فقال كيف انت يا محمد؟ اين تكون؟ قال لست اصل اليك مع اذنك هذا، فدعا البواب
فقال إذا جاءك فلا تحبسه عنى.
نا عبد الرحمن حدثني أبي نا ابراهيم بن المنذر نا اسمعيل ابن علية قال سمعت شعبة يقول محمد بن إسحاق صدوق في الحديث،.
نا عبد الرحمن نا أبي نا عبيد بن يعيش قال سمعت يونس بن بكير يذكر عن شعبة قال محمد بن إسحاق أمير المحدثين ، نا عبد الرحمن حدثنا أبي قال سمعت
عبيد بن يعيش يقول سمعت يونس بن بكير يقول سمعت محمد بن اسحاق يقول حفظت المغازى بمكة مرة ثم تفلت منى ثم عدت فيها فحفظتها،.
نا عبد الرحمن أنا أبو بكر بن أبي خيثمة فيما كتب إلي نا إبراهيم بن المنذر عن ابن عيينة أنه قال ما يقول أصحابك في محمد بن اسحاق؟ قال قلت يقولون أنه كذاب قال لا تقل ذلك،.
نا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل نا علي يعني ابن المديني قال سمعت سفيان بن عيينه سئل عن محمد بن اسحاق فقيل له لم يرو أهل المدينة عنه، قال جالست ابن اسحاق بضعا وسبعين سنة وما يتهمه أحد من أهل المدينة ولا يقول فيه شيئا.
نا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد نا علي يعني ابن المديني قال قلت لسفيان كان ابن إسحاق جالس فاطمة بنت المنذر؟ فقال سفيان اخبرني ابن إسحاق أنها حدثته وأنه دخل عليها.
نا عبد الرحمن قال قرئ على العباس بن محمد الدوري قال سئل يحيى بن معين عن محمد بن اسحاق احب اليك أو موسى بن عبيدة؟ فقال محمد بن اسحاق، محمد ابن اسحاق صدوق ولكنه ليس بحجة، نا عبد الرحمن قال سئل أبي عن محمد بن إسحاق فقال يكتب حديثه.
نا عبد الرحمن قال سئل ابوزعة عن محمد بن إسحاق بن يسار فقال صدوق من تكلم في محمد بن اسحاق؟ محمد بن اسحاق صدوق، نا عبد الرحمن نا أبو سعيد نا ابن إدريس قال قلت لمالك بن أنس وذكر المغازي فقلت قال ابن إسحاق أنا بيطارها
فقال قال لك أنا بيطارها؟ نحن نفيناه عن المدينة.
نا عبد الرحمن نا مسلم بن الحجاج النيسابوري.
قال حدثنى اسحاق بن راهويه قال نا يحيى بن آدم قال نا ابن إدريس قال كنت عند مالك بن انس وقال له رجل يا أبا عبد الله إني كنت بالري عند ابى عبيد الله وثم محمد بن إسحاق فقال محمد ابن إسحاق اعرضوا علي علم مالك فإني أنا بيطاره، فقال مالك دجال من الدجاجلة يقول اعرضوا على علمي، نا عبد الرحمن نا أبي حدثنى مقاتل بن محمد الرازي عن ابى داود يعني الطيالسي قال نا عمر بن حبيب قال قلت لهشام بن عروة حدثنا محمد بن اسحاق قال ذاك كذاب.
نا عبد الرحمن قال نا اسمعيل بن أبي الحارث نا أحمد بن محمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد يعنى القطان قال قال هشام بن عروة هو كان يدخل على امرأتي؟ يعنى محمد بن اسحاق - كالمنكر، نا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل نا علي يعني ابن المدينى قال سمعت يحيى يعيى ابن سعيد القطان يقول قلت لهشام بن عروة ان ابن اسحاق يحدث عن فاطمة بنت المنذر فقال أهو كان يصل إليها؟ فقلت ليحيى كان محمد بن اسحاق بالكوفة وانت بها؟ قال نعم، قلت تركته متعمدا؟ قال نعم تركته متعمدا ولم أكتب عنه حديثا قط.
ثنا عبد الرحمن نا أبي حدثنى مقاتل بن محمد الرازي حدثنا أبو داود نا حماد بن سلمة قال لولا الاضطرار ما حدثت عن محمد بن إسحاق، نا عبد الرحمن نا أبي قال سمعت ابا حفص الفلاس قال كنا عند وهب بن جرير فانصرفنا من عنده فمررنا بيحيى بن سعيد القطان فقال اين كنتم؟ قلنا كنا عند وهب بن جرير يعنى يقرأ علينا كتاب المغازى عن أبيه عن ابن إسحاق، قال تنصرفون من عنده بكذب كثير، نا عبد الرحمن نا عباس بن محمد الدوري قال سمعت احمد بن حنبل وذكر محمد ابن اسحاق فقال اما في المغازى واشباهه فيكتب واما في الحلال والحرام فيحتاج إلى مثل هذا - ومد يده وضم اصابعه، نا عبد الرحمن أنا علي بن أبي طاهر
فيما كتب إلى قال نا الأثرم قال قلت لأبي عبد الله ما تقول في محمد بن إسحاق؟ قال
هو كثير التدليس جدا فكان احسن حديثه عندي ما قال اخبرني وسمعت.
نا عبد الرحمن نا محمد بن هارون الفلاس المخرمي قال سألت يحيى بن معين عن محمد بن اسحاق فقال ما احب ان احتج به في الفرائض، نا عبد الرحمن أنا أبو بكر بن أبي خيثمة فيما كتب إلي قال سمعت يحيى بن معين وقيل له ايما احب اليك موسى بن عبيدة الربذى أو محمد بن اسحاق؟ فقال محمد بن اسحاق، قال وسمعت يحيى يقول لم يزل الناس يتقون حديث محمد بن اسحاق، وسمعته مرة اخرى يقول ليس بذاك هو ضعيف، نا عبد الرحمن قال سمعت ابى يقول محمد بن اسحاق ليس عندي في الحديث بالقوى ضعيف الحديث وهو أحب إلي من افلح بن سعيد يكتب حديثه.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=126792&book=5521#737d62
محمد رسول الله
لم يختلف أهل العلم بالأنساب والأخبار وسائر العلماء بالأمصار أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّد بن عَبْد الله بن عبد المطلب بن هاشم ابن عَبْد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ابن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. هذا ما لم يختلف فيه أحد من الناس، وقد روي من أخبار الآحاد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أنه نسب نفسه كذلك
إلى نزار بن معد بن عدنان، وما ذكرنا من إجماع أهل السير وأهل العلم بالأثر يغنى عما سواه. واختلفوا فيما بين عدنان وإسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وفيما بين إبراهيم وسام بن نوح بما لم أر لذكره هاهنا وجهًا، [لكثرة الاضطراب فيه، وأنه لا يوقف منه على شيء متتابع متفق عليه، وهم مع اختلافهم واضطرابهم مجمعون] ، على أن نزارًا بأسرها، وهي ربيعة ومضر هي الصريح الصحيح من ولد إسماعيل على ما ذكرنا في (كتاب القبائل من الرواة) عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهناك ذكرنا أصح ما قيل في نسبة إلى آدم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسلم وقال أبو الأسود محمد ابن عَبْد الرحمن عن عروة بن الزبير: قَالَ عمر بن الخطاب رضى الله عنه: إنما ننتسب إلى معدّ، وما بعد معدّ لا ندري ما هو. وقال ابن جريج عن القاسم ابن أبي بزة، عن عكرمة: أضلت نزار نسبها من عدنان وقال خليفة بن خياط عن ابن الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس: بين معد بن عدنان إلى إسماعيل ثلاثون أبا. وليس هذا الإسناد مما يقطع بصحته، ولكنه عمن علم الأنساب صنعته .
فأما عشيرته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ورهطه وبطنه الّذي يتميز به من سائر بطون قريش وهاشم فقد ذكرنا بالأسانيد الحسان والطرق الصحاح قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا
من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، وقد ذكرنا في (كتاب الإنباة على القبائل الرواة) عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وهو مضاف إلى هذا الكتاب، والحمد للَّه. واسم هاشم عمرو، وإنما قيل له هاشم، لأنه أول من هشم الثريد لقومه فيما زعموا، واسم قصي زيد، هذا هو الأكثر. وقد قيل يزيد، وإنما قيل له قصي، لأنه تقصى مع أمه وهي فاطمة بنت سعد من بنى عذرة، ونشأ مع أخواله من كلب في باديتهم، وبعد في مغيبة ذلك عن مكة: فسمي بذلك قصيًا والله أعلم. وكان يدعى مجمعًا، لأنه جمع قبائل قريش بمكة في حين انصرافه إليها، وقد ذكرنا ذلك في صدر كتاب (القبائل) . وقد قيل اسم عَبْد مناف المغيرة، ويكنى أبا عَبْد شمس. وأما عَبْد المطلب فقيل أسمه عامر، ولا يصح والله أعلم. وقيل: [اسمه شيبة، وقيل] بل اسمه عَبْد المطلب. وكان يقال له شيبة الحمد لشيبة كانت في ذؤابته ظاهرة.
ومن قَالَ اسمه شيبة قَالَ: إنما قيل له عبد المطلب، لأن أباه هاشمًا قَالَ لأخيه المطلب، وهو بمكة حين حضرته الوفاة: أدرك عبدك [المطلب] بيثرب، فمن هناك سمي عَبْد المطلب، ولا يختلفون أنه يكنى أبا الحارث، بابنه الحارث، وكان أكبر ولده. وأمه سلمى بنت زيد، وقبل بنت عمرو بن زيد من بنى عدي بن النجار، ويقال: إنه أول من خضب بالسواد.
أخبرنا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الطُّوسِيُّ، قَالَ: أخبرنا أبو العباس محمد [ابن إسحاق] ابن إِبْرَاهِيمَ السَّرَّاجُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن حنبل،
قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: اسْمُ عَبْدُ الْمُطَلَّبِ شَيْبَةُ بْنُ هَاشِمٍ. وَهَاشِمٌ اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَعَبْدُ مَنَافٍ اسْمُهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ قصىّ وقصيّ اسمه زيد ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي. قَالَ: وَسَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ:
أَبُو طَالِبٍ اسْمُهُ عَبْدُ مَنَافِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
قَالَ أبو عمر: أم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم آمنة بنت وهب ابن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة، قرشية زهرية، تزوّجها عبد الله ابن عبد المطلب، وهو ابن ثلاثين سنة، وقيل: بل كان يومئذ ابن خمس وعشرين سنة، خرج به أبوه عَبْد المطلب إلى وهب بن عَبْد مناف فزوجه ابنته. وقيل: كانت آمنة في حجر عمها وهيب بن عَبْد مناف بن زهرة، فأتاه عَبْد المطلب، فخطب إليه ابنته هالة بنت وهيب لنفسه، وخطب على ابنه عَبْد الله آمنة بنت وهب، فزوجه وزوج ابنه في مجلس واحد، فولدت آمنة لعبد الله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وولدت هالة لعبد المطلب حمزة، فأرضعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وحمزة ثويبة جارية أبي لهب، وأرضعت معهما أبا سلمة الأسدي، فكان رسول الله صلّى الله عليه آله وَسَلَّمَ يكرم ثويبة، وكانت تدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن تزوّج خديجة، وكانت خديجة تكرمها، وأعتقها أبو لهب بعد ما هاجر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، فكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يبعث إليها من المدينة بكسوة وصلة حتى ماتت بعد فتح خيبر، فبلغت وفاتها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فسأل عن ابنها مسروح وبلبنه أرضعته، فقيل له: قد مات، فسأل عن قرابتها فقيل له:
لم يبق منهم أحد.
حدثنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بْنُ أَصْبَغَ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أُرِيدَ عَلَى ابْنَةِ حَمْزَةَ فَقَالَ: إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَإِنَّهُ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قال: حدثنا قاسم بن أصبغ قال: حدثنا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زيد عن بن عَبَّاسٍ قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَلا تَتَزَوَّجَ ابْنَةَ حَمْزَةَ؟ قَالَ: إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمِ [بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ] وَعَبْدُ الْوَارِثِ بن سفيان، قالا: حدثنا قاسم بن أصبغ قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ:
أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا قَدْ حُدِّثْنَا أَنَّكَ نَاكِحٌ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَعَلَى أُمِّ سَلَمَةَ؟ لَوْ أَنِّي لَمْ أَنْكِحْ أُمَّ سَلَمَةَ لَمْ تَحِلَّ لِي. إِنَّ أَبَاهَا أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ. ثم استرضع له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ في بني سعد بن بكر، حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية، وردته ظئره حليمة إلى أمه آمنة بنت وهب بعد خمس سنين ويومين من مولده، وذلك سنة ست من عام الفيل،
فأخرجته آمنة إلى أخوال أبيه بني النجار تزورهم به بعد سبع سنين من عام الفيل، ووفيت أمه آمنة بعد ذلك بشهر بالأبواء ومعها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فقدمت به أم أيمن مكة بعد موت أمه بخمسة أيام، وسنذكر خبر حليمة وخير أم أيمن من بابهما في كتاب النساء في كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.
وقال الزبير: حملت به أمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ في أيام التشريق في شعب أبي طالب عند الجمرة الوسطى، وولد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بمكة في الدار التي كانت تدعى لمحمد بن يوسف أخي الحجاج، وذلك يوم الاثنين [لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان. وقيل: بل ولد يوم الاثنين] في ربيع الأول لليلتين خلتا منه. قَالَ أبو عمر: وقد قيل لثمان خلون منه.
وقيل. إنه ولد أول اثنين من ربيع الأول، وقيل: لاثنتي عشرة ليلة خلت منه عام الفيل، إذ ساقه الحبشة إلى مكة في جيشهم يغزون البيت، فردهم الله عنه، وأرسل عليهم طيرًا أبابيل [فأهلكتهم] .
وقيل أنه ولد في شعب بني هاشم، ولا خلاف أنه ولد عام الفيل:
يروى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قَالَ: ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفيل. وهذا يحتمل أن يكون أراد اليوم الّذي حبس الله الفيل فيه عن وطء البيت الحرام، وأهلك الذين جاءوا به. ويحتمل أن يكون أراد بقوله يوم الفيل عام الفيل. وقيل: ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد قدوم الفيل بشهر. وقيل: بأربعين يومًا. وقيل بخمسين.
يومًا. فأما الخوارزمي مُحَمَّد بن موسى فقال: كان قدوم الفيل مكة وأصحابه لثلاث عشرة ليلة خلت من المحرم. وقد قَالَ ذلك غير الخوارزمي أيضًا، وزاد يوم الأحد قَالَ: وكان أول المحرم تلك السنة يوم الجمعة.
قَالَ الخوارزمي وولد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك بخمسين يومًا، يوم الاثنين لثمان خلت من ربيع الأول، وذلك يوم عشرين من نيسان. قَالَ: وبعث نبيّا يوم الاثنين لثمان أيضا من ربيع الأول، وذلك سنة إحدى وأربعين عام الفيل، فكان من مولده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إلى أن بعثه الله تعالى أربعون سنة ويوم، ومن مبعثه إلى أول المحرم من السنة التي هاجر فيها اثنتا عشرة سنة وتسعة أشهر وعشرون يومًا، وذلك ثلاث وخمسون سنة تامة من أول عام الفيل.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عن خالد بن أبي عمران عن حنش عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وُلِدَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الاثنين، وحرج مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الاثنين، وكانت بدر يَوْمَ الاثْنَيْنِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَشَرَّفَ وَكَرَّمَ.
قَالَ أبو عمر رضي الله عنه: الأكثر على أن وقعة بدر كانت يوم الجمعة صبيحة سبع شرة من شهر رمضان، وما رأيت أحدًا ذكر أنها كانت يوم الاثنين
إلا في هذا الخبر من رواية ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن حنش، ولا حجة في مثل هذا الإسناد عند جميعهم، إذا خالفه من هو أكثر منه.
قَالَ الخوارزمي: وقدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ المدينة مهاجرًا يوم الاثنين، وهو اليوم الثامن من ربيع الأول سنة أربع وخمسين من عام الفيل، وهي سنة إحدى من الهجرة، يوم عشرين من أيلول فكان مبعثه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إلى يوم هاجر ودخل المدينة ثلاث عشرة سنة كاملة، ومكث بالمدينة عشر سنين وشهرين إلى أن مات، وذلك يوم الاثنين أول يوم من ربيع الأول سنة أربع وستين من عام الفيل، ومن الهجرة سنة إحدى عشرة، وهذا كله قول الخوارزمي، وهذا الذي قَالَ هو معنى قول ابن عباس، إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أقام بمكة ثلاث عشرة سنة، يعنى بعد المبعث، وبالمدينة عشر سنين، ويشهد بصحة ذلك قول أبى قيس صرمة بن قيس الأنصاري:
ثوى في قريش بضع عشرة حجة ... يذكر لو يلقى صديقًا مواتيا
ويعرض في أهل المواسم نفسه ... فلم ير من يؤوي ولم ير داعيا
فلما أتانا واستقرت به النوى ... وأصبح مسرورا بطيبة راضيا
وأصبح لا يخشى ظلامة ظالم ... بعيد، ولا يخشى من الناس باغيا
بذلنا له الأموال من جل مالنا ... وأنفسنا عند الوغى والتآسيا
نعادي الذي عادى من الناس كلهم ... جميعا وإن كان الحبيب المواتيا
ونعلم أن الله لا شيء غيره ... وأن كتاب الله أصبح هاديا
وروينا هذه الأبيات من طرق عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري، وهذا أكمل الروايات فيها.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن عبد الله بن محمد بن علي، قَالَ: حَدَّثَنَا أُبَيٌّ، قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ إِمْلاءً، قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ، قَالَ قُلْتُ لِعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: كَمْ لَبِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: عَشْرَ سِنِينَ.
فَقُلْتُ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَبِثَ بِمَكَّةَ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. فَقَالَ: إِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ.
قَالَ سفيان بن عيينة: وأخبرنا يحيى بن سعيد قَالَ: سمعت عجوزًا من الأنصار يقول: رأيت ابن عباس يختلف إلى صرمة بن قيس يتعلّم منه هذه الأبيات:
ثوى في قريش بضع عشرة حجة ... يذكر لو يلقى صديقًا مواتيا
فذكر الأبيات كما ذكرتها سواء إلى آخرها.
قَالَ أبو عمر: ومات أبوه عَبْد الله بن عَبْد المطلب وأمه حامل به. وقيل:
بل توفي أبوه بالمدينة والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ابن ثمانية وعشرين شهرا،
وقبره بالمدينة في دار من دور بنى عدي بن النجار، وكان خرج إلى المدينة يمتار تمرًا. وقيل: بل خرج به إلى أخواله زائرًا وهو ابن سبعة أشهر.
وقيل: بل توفي أبوه وهو ابن شهرين، فكفله جده عَبْد المطلب. وفي خبر سيف بن ذي يزن: مات أبوه وأمه فكفله جده وعمه. وقد قيل: إن عَبْد الله ابن عَبْد المطلب توفي والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ابن ثمانية وعشرين شهرًا.
وروى ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قَالَ: بعث عَبْد المطلب ابنه عَبْد الله يمتار له تمرًا من يثرب، فمات بها، وكانت وفاته وهو شاب عند أخواله بنى النجار بالمدينة، ولم يكن له ولد غير رسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، وتوفيت أمه آمنة بالأبواء بين مكة والمدينة، وهو ابن ست سنين.
وقيل: ابن سبع سنين. وقال مُحَمَّد بن حبيب [في كتاب المحبّر ] : توفّيت أمّه صلى الله عليه وسلم، وهو ابن ثمان سنين. فال: وتوفّى جده عَبْد المطلب بعد ذلك بسنة وأحد عشر شهرًا، سنة تسع من أول عام الفيل.
وقيل: إنه توفي جده عَبْد المطلب، وهو ابن ثمان سنين. وقيل: بل توفي جده وهو ابن ثلاث سنين، فأوصى به إلى أبي طالب فصار في حجر عمه أبي طالب حتى بلغ خمس عشرة سنة، وكان أبو طالب يحبه، ثم انفرد بنفسه، وكان مائلا إلى عمه أبى طالب لو جاهته في بني هاشم وسنه، وكان مع ذلك شقيق أبيه، وخرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع عمه في تجارة إلى الشام سنة ثلاث عشرة من عام الفيل، فرآه بحيرا الراهب، فقال: احتفظوا به فإنه نبي.
وشهد بعد ذلك بثمان سنين يوم الفجار سنة إحدى وعشرين، وخرج إلى الشام في تجارة لخديجة بنت خويلد، فرآه نسطور الراهب وقد أظلته غمامة فقال:
هذا نبي، وذلك سنة خمس وعشرين. وتزويج رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَدِيجَةَ بنت خويلد بن أسد بعد ذلك بشهرين وخمسة وعشرين يومًا، في عقب صفر سنة ست وعشرين، وذلك بعد خمس وعشرين سنة وشهرين وعشرة أيام من يوم الفيل، وقال الزهري: كانت سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تزوج خديجة إحدى وعشرين سنة.
وقال أبو بكر بن عثمان وغيره: كان يومئذ ابن ثلاثين سنة. قالوا:
وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة، ولدت قبل الفيل بخمس عشرة سنة.
وشهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنيان الكعبة، وتراضت قريش بحكمه في وضع الحجر بعد ذلك بعشر سنين، وذلك سنة ثلاث وثلاثين.
قَالَ أبو عمر رضى الله عنه: لو صح هذا لكانت سن خديجة يوم تزوجها خمسًا وأربعين سنة. وقال مُحَمَّد بن جبير بن مطعم: بنيت الكعبة على رأس خمس وعشرين سنة من عام الفيل. وقيل: بل كان بين بنيان الكعبة وبين مبعث النبي صلّى الله عليه وسلم خمس سنين، ثم نبّاه الله تعالى وهو ابن أربعين سنة، وكان أول يوم أوحى الله تعالى إليه فيه يوم الاثنين، فأسر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أمره ثلاث سنين أو نحوها، ثم أمره الله تعالى بإظهار دينه والدعاء إليه، فأظهره بعد ثلاث سنين من مبعثه. وقال الشعبي: أخبرت أن إسرافيل تراءى له ثلاث سنين.
حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال حدثنا أحمد بن زُهَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لأَرْبَعِينَ، وَوُكِّلَ بِهِ إِسْرَافِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ ثَلاثَ سِنِينَ، ثُمَّ وُكِّلَ بِهِ جِبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ.
قَالَ: وأخبرنا أحمد بن حنبل، قَالَ حَدَّثَنَا هشيم ، قال حدثنا داود ابن أبى هند عن الشعبي، قال: نبيّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر مثله.
قَالَ: ثم بعث إليه جبريل عليه السلام بالرسالة.
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: نَزَلَتْ عَلَيْهِ النُّبُوَّةُ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَقُرِنَ بِنُبُوَّتِهِ إِسْرَافِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ ثَلاثَ سِنِينَ، فَكَانَ يُعَلِّمُهُ الْكَلِمَةَ وَالشَّيْءَ، وَلَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ، فَلَمَّا مَضَتْ ثَلاثُ سِنينَ قُرِنَ بِنُبُوَّتِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ عِشْرِينَ سَنَةً.
وقيل: كان مبعثه صلّى الله عليه وَسَلَّمَ وهو ابن أربعين سنة وشهرين وعشرة أيام. وقيل: بل كان مبعثه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لتمام أربعين سنة من مولده يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة أربعين، وممن قَالَ: إنه عليه السلام نبي وهو ابن أربعين سنة عَبْد الله بن عباس، ومحمد بن جبير بن مطعم، وقباث بن أشيم، وعطاء، وسعيد
ابن المسيب، وأنس بن مالك، وهو الصحيح عند أهل السير وأهل العلم بالأثر، فلما دعا قومه إلى دين الله نابذوه، فأجاره عمه أبو طالب، ومنع منه قريشًا لأنهم أرادوا قتله لما دعاهم إليه من ترك ما كانوا عليه هم وآباؤهم، ومفارقته لهم في دينه، وتسفيه أحلامهم في عبادة أصنام لا تبصر ولا تسمع، ولا تضر ولا تنفع، فلم يزل في جوار عمه أبي طالب إلى أن توفي أبو طالب، وذلك في النصف من شوال في السنة الثامنة. وقيل: العاشرة من مبعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وحصرت قريش النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وأهل بيته بني هاشم ومعهم بنو المطلب في الشعب بعد المبعث بست سنين، فمكثوا في ذلك الحصار ثلاث سنين، وخرجوا منه في أول سنة خمسين من عام الفيل.
وتوفي أبو طالب بعد ذلك بستة أشهر، وتوفيت خديجة بعده بثلاثة أيام.
وقد قيل غير ذلك، وولد عَبْد الله بن عباس رضي الله عنه في الشعب قبل خروج بني هاشم منه. وقيل: إنه ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، وكان ابن ثلاث عشرة سنة يوم مات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. وكان أبو طالب قد أسلم ابنه عليًا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك أن قريشًا أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ للعباس عمه- وكان من أيسر بني هاشم: يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال، فانطلق بنا لنخفّف عنه
من عياله. فقال: نعم. فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقال له: إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى يكشف الله عن الناس ما هم فيه. فقال لهما أبو طالب:
إذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما. فأخذ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عليًا فضمه إليه، وأخذ العباس جعفرًا فضمه إليه، فلم يزل علي رضى الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى ابتعثه الله نبيًا، وحتى زوجه من ابنته فاطمة على جميعهم الصلاة والسلام.
وتزوج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ خديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة، على اختلاف في ذلك قد ذكرناه.
وكان موتها بعد موت عمه أبي طالب بأيام يسيرة. قيل: ثلاثة أيام.
وقيل: سبعة. وقيل: كان بين موت أبي طالب وموت خديجة شهر وخمسة أيام. وتوفي أبو طالب وهو ابن بضع وثمانين سنة وتوفيت خديجة وهي ابنة خمس وستين سنة، فكانت مصيبتان توالتا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بوفاة عمه أبى طالب ووفاة خديجة رضى الله عنها. وقيل: توفيت خديجة بعد ما تزوجها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بأربع وعشرين سنة وستة أشهر وأربعة أيام قبل الهجرة بثلاث سنين وثلاثة أشهر ونصف شهر.
وفي عام وفاة خديجة تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سودة وعائشة، ولم يتزوج على خديجة حتى ماتت رضى الله عنها. وكانت وفاة أبي طالب وخديجة قبل الهجرة بثلاث سنين. وقيل: بسنة. وقيل: كانت وفاتهما سنة عشر من المبعث في أولها، والله أعلم.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ حدثنا محمد بن عبد الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَخْبَرَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مَعْرُوفٍ، قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى، قَالَ حَدَّثَنَا يحيى ابن معين، قال حدثنا هشام بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ. وَلَفْظُهُمَا وَالْمَعْنَى سَوَاءٌ. قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَعَبْدُ الله ابن أَبِي أُمَيَّةَ فَقَالَ: يَا عَمِّ، قُلْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عند الله.
فقال له أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَمُيَّةَ. يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ! فَلَمْ يَزَالا بِهِ حَتَّى كَانَ آخِرُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِّبِ. فقال النبيّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ: لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ. فَنَزَلَتْ : مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ ... 9: 113 إِلَى آخِرِ الآيَةِ. وَنَزَلَتْ : إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ... 28: 56 الآيَةَ. قَالَ ابن شهاب: قَالَ عروة بن الزبير: ما زالوا- يعني قريشًا- كافين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات أبو طالب. ولم تمت خديجة فيما ذكر ابن إسحاق وغيره إلا بعد الإسراء، وبعد أن صلت الفريضة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
قَالَ أبو عمر: قَالَ ابن إسحاق وغيره: لما توفى أبو طالب وتوفّيت بعده خديجة بأيام يسيرة خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إلى الطائف، ومعه زيد بن حارثة، وطلب منهم المنعة، فأقام عندهم شهرًا ولم يجد فيهم خيرًا، ثم رجع إلى مكة في جوار المطعم بن عدي. قيل: كان ذلك سنة إحدى وخمسين من عام الفيل، وفيها قدم عليه جن نصيبين بعد ثلاثة أشهر فاسلموا.
وأسرى به إلى بيت المقدس بعد سنة ونصف من حين رجوعه إلى مكة من الطائف سنة اثنتين وخمسين، وقد ذكرنا الاختلاف في تاريخ الإسراء في كتاب (التمهيد) عند ذكر فرض الصلاة والحمد للَّه.
[قَالَ ابن شهاب] عن ابن المسيب: عرج به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إلى بيت المقدس وإلى السماء قبل خروجه إلى المدينة بسنة. وقال غيره:
كان بين الإسراء إلى اليوم الذي هاجر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة وشهران، وذلك سنة ثلاث وخمسين من عام الفيل.
قَالَ أبو عمر: قَالَ ابن إسحاق وغيره: مكث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بعد مبعثه بمكة إلى أن أذن الله له بالهجرة داعيًا إلى الله صابرًا على أذى قريش وتكذيبهم له إلا من دخل في دين الله منهم، واتبعه على ما جاء به ممن هاجر إلى أرض الحبشة فارّا بدينه، ومن بقي معه بمكة في منعة من قومه، حتى أذن له الله بالهجرة إلى المدينة، وذلك بعد أن بايعه وجوه الأوس والخزرج بالعقبة على أن يؤووه وينصروه، حتى يبلّغ عن الله رسالته،
ويقاتل من عانده وخالفه، فهاجر إلى المدينة، وكان رفيقه إليها أبو بكر الصديق رضى الله عنه لم يرافق غيره من أصحابه، وكان يخدمهما في ذلك السفر عامر بن فهيرة، وكان مكثه بمكة بعد أن بعثه الله عز وجل ثلاث عشرة سنة. وقيل: عشر سنين. وقيل: خمس عشرة سنة، والأول أكثر وأشهر عند أهل السير.
ثم أذن الله له في الهجرة إلى المدينة يوم الاثنين، فخرج معه أبو بكر إليها، وكانت هجرة إلى المدينة في ربيع الأول، وهو ابن ثلاث وخمسين سنة، وقدم المدينة يوم الاثنين قريبًا من نصف النهار في الضحى الأعلى لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول. هذا قول ابن إسحاق. وقال ابن إسحاق وغيره: كانت بيعة العقبة حين بايعته الأنصار في أوسط أيام التشريق في ذي الحجة، وكان مخرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة بعد العقبة بشهرين وليال، وخرج لهلال ربيع الأول، وقدم المدينة لاثنتي عشرة ليلة مضت منه.
قال أبو عمر: قد روى عن ابن شهاب أنه قدم المدينة لهلال ربيع الأول.
وقال عَبْد الرحمن بن المغيرة: قدم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ المدينة يوم الاثنين لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة إحدى. وقال الكلبي: خرج من الغار ليلة الاثنين أول يوم من ربيع الأول، وقدم المدينة يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت منه.
قَالَ أبو عمر: وهو قول ابن إسحاق إلا في تسمية اليوم فإن ابن إسحاق يقول: يوم الاثنين والكلبي يقول: يوم الجمعة، واتفقا لاثنتي عشرة ليلة خلت
من ربيع الأول. وغيرهما يقول لثمان خلت منه، فالاختلاف أيضا في تاريخ قدومه المدينة كما ترى.
قَالَ ابن إسحاق، فنزل علي أبي قيس كلثوم بن الهدم بن امرئ القيس أحد بني عمرو بن عوف، فأقام عنده أربعة أيام. وقيل: بل كان نزوله في بنى عمرو ابن عوف على سعد بن خيثمة، والأول أكثر. فأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وأسس مسجدهم، وخرج من بني عمرو بن عوف منتقلا إلى المدينة، فأدركته الجمعة في بني سالم فصلاها في بطن الوادي، ثم ارتحل إلى المدينة فنزل على أبي أيوب الأنصاري، فلم يزل عنده حتى بنى مسجده في تلك السنة، وبنى مساكنه، ثم انتقل، وذلك في السنة الأولى من هجرته.
وقال غير ابن إسحاق: نزل في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين إلى يوم الجمعة، ثم خرج من عندهم غداة يوم الجمعة على راحلته معه الناس، حتى مر ببني سالم لوقت الجمعة، فجمع بهم، وهي أول جمعة جمعها رسول الله صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ بالمدينة، ثم ركب لا يحرك راحلته، وهو يقول: دعوها فإنها مأمورة.
فمشت حتى بركت في موضع مسجده الذي أنزله الله به في بني النجار، فنزل عشية الجمعة سنة ثلاث وخمسين من عام الفيل. ومن مقدمة المدينة أرخ التاريخ في زمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، ولم يغز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه تلك السنة. وآخى بين المهاجرين والأنصار بعد ذلك بخمسة أشهر، وبعث عمه حمزة في جمادى الأولى، فكان أول من غرا في سبيل
الله، وأول من عقدت له راية في الإسلام، خرج في ثلاثين راكبًا إلى سيف البحر، فلقوا أبا جهل بن هشام في ثلاثمائة من قريش، فحجز بينهم رجل من جهينة، فافترقوا من غير قتال، ثم بعث عبيدة بن الحارث في خمسين راكبًا يعارض عيرًا لقريش، فلقوا جمعًا كثيرًا فتراموا بالنبل، ولم يكن بينهم مسايفة.
وقيل: إن سرية عبيدة كانت قبل سرية حمزة، وفيها رمى سعد، وكان أول سهم رمي به فِي سبيل اللَّه. وقيل: أول لواء عقده رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لعبد الله بن جحش، والأول أصح، والله أعلم.
والأكثر على أن سرية عَبْد الله بن جحش كانت في سنة اثنتين في غرة رجب إلى نخلة، وفيها قتل ابن الحضرمي لليلة بقيت من جمادى الآخرة. ثم غزا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أهل الكفر من العرب. وبعث إليهم السرايا، وكانت غزواته بنفسه ستًا وعشرين غزوة، هذا أكثر ما قيل في ذلك.
وكانت أشرف غزواته وأعظمها حرمة عند الله وعند رسوله وعند المسلمين غزوة بدر الكبرى، حيث قتل الله صناديد قريش، وأظهر دينه وأعزه الله من يومئذ، وكانت بدر في السنة الثانية من الهجرة لسبع عشرة من رمضان صبيحة يوم الجمعة، وليس في غزواته ما يعدل بها في الفضل، ويقرب منها إلا غزوة الحديبية، حيث كانت بيعة الرضوان، وذلك سنة ست من الهجرة، وكانت بعوثه وسراياه خمسًا وثلاثين من بين بعث وسرية.
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ أَبِيهِ، وَإِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ: كَمْ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم؟
قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَغَزَوْتُ مَعَهُ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَسَبَقَنِي بِغَزْوَتَيْنِ.
واعتمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ثلاث عمر. وفي قول من جعله قارنًا في حجة أربع عمر. وقد بينا ذلك في كتاب «التمهيد» .
وافترض عليه الحج بالمدينة، وكذلك سائر الفرائض فيما أمر به أو حرم عليه إلا الصلاة فإنها افترضت عليه حين أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وذلك بمكة، ولم يحج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ من المدينة غير حجته الواحدة، حجة الوداع، وذلك سنة عشر من الهجرة.
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وَآلِهِ وَسَلَّمَ عددًا كثيرًا من النساء، خص بذلك دون أمته بجمع أكثر من أربع، وأحلّ له فيهن ما شاء، فالمجمع عليه من أزواجه إحدى عشرة امرأة وهن:
خديجة بنت خويلد، أول زوجة كانت له، لم يجمع قط معها غيرها، وسنذكر أخبارها ونسبها وولدها من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وكثيرًا من فضائلها وخبرها في بابها من كتاب النساء من هذا الديوان، وكذلك نذكر كل واحدة منهن في موضع اسمها من ذلك الكتاب إن شاء الله تعالى.
ثم سودة بنت زمعة بن قيس. من بني عامر بن لؤي، تزوجها في قول الزهري قبل عائشة رضى الله عنها بمكة، وبنى بما بمكة في سنة عشر من النبوة.
وعائشة بنت أبي بكر الصديق رضى الله عنهما تزوجها بمكة قبل سودة، وقيل بعد سودة، وأجمعوا على أنه لم يبن بها إلا في المدينة. قيل سنة
هاجر، وقيل سنة اثنتين من الهجرة في شوّال، وهي ابنة تسع سنين، وكانت في حين عقد عليها بنت ست سنين. وقيل بنت سبع سنين.
وحفصة بنت عمر بن الخطاب رضى الله عنهما. تزوجها سنة ثلاث في شعبان.
وزينب بنت خزيمة. وهي من بني عامر بن صعصعه، وكان يقال لها أم المساكين، تزوجها سنة ثلاث، فكانت عنده شهرين أو ثلاثة، وتوفيت، ولم يمت أحد من أزواجه في حياته غيرها وغير خديجة قبلها.
وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية، واسمها هند، تزوجها سنة أربع في شوال.
وزينب بنت جحش الأسدية من بني أسد بن خزيمة، تزوجها في سنة خمس من الهجرة في قول قتادة، وخالفه غيره على ما نذكره في بابها من كتاب النساء.
وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية، واسمها رملة، تزوجها سنة ست، وبنى بها سنة سبع، زوجه إياها النجاشي. واختلف فيمن عقد عليها على ما يأتي به الخبر عند ذكرها في بابها من كتاب النساء إن شاء الله تعالى.
وجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار من بني المصطلق، كانت قد وقعت في سهم ثابت بن قيس، وذلك في سنة ست. وقيل سنة خمس، وهو الأكثر
والصواب: فكاتبها فأذى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتابتها وتزوجها.
وميمونة بنت الحارث [بن حزن] الهلالية، من بني هلال بن عامر بن صعصعه، نكحها سنة سبع في عمرة القضاء. على حسب ما ذكرناه في بابها من كتاب النساء.
وصفية بنت حيي بن أخطب اليهودي، وقعت في سهم دحية بن خليفة الكلبي، فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منه بأرؤس اختلفوا في عددها، وأعتقها وتزوجها، وذلك سنة سبع.
فهؤلاء أزواجه اللواتي لم يختلف فيهن، وهن إحدى عشرة امرأة، منهن ست من قريش، وواحدة من بني إسرائيل من ولد هارون، وأربع من سائر العرب. وتوفي في حياته منهن اثنتان خديجة بنت خويلد بن أسد بمكة، وزينب بنت خزيمة بالمدينة، وتخلف منهن تسع بعده صلّى الله عليه وَسَلَّمَ.
وأما اللواتي أختلف فيهن ممن ابتنى بها وفارقها أو عقد عليها، ولم يدخل بها، أو خطبها ولم يتم له العقد منها، فقد اختلف فيهن، وفي أسباب فراقهن اختلافًا كثيرًا يوجب التوقف عن القطع بالصحة في واحدة منهن، وقد ذكرنا جميعهن كل واحدة منهن في بابها من كتاب النساء من كتابنا هذا، والحمد للَّه وحده.
ثم بدأ برسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وسلم مرصه الّذي مات منه
يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة في بنت ميمونة، ثم انتقل حين اشتد وجعه إلى بيت عائشة. وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قد ولد يوم الاثنين، ونبيّ يوم الاثنين، وخرج من مكة مهاجرًا يوم الاثنين، وقدم المدينة يوم الاثنين، وقبض صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين ضحى في مثل الوقت الذي دخل فيه المدينة لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، ودفن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يوم الثلاثاء حين زاغت الشمس. وقيل: بل دفن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ليلة الأربعاء.
ذكر ابن إسحاق قَالَ: حدثتني فاطمة [بنت مُحَمَّد] عن عمرة عن عائشة قالت: ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل ليلة الأربعاء، وصلى عليه علي والعباس رضى الله عنهما وبنو هاشم، ثم خرجوا، ثم دخل المهاجرون، ثم الأنصار، ثم الناس يصلون عليه أفذاذًا، لا يؤمهم أحد، ثم النساء والغلمان.
وقد أكثر الناس في ذكر من أدخله قبره وفي هيئة كفنه وفي صفة خلقه وخلقه وغزواته وسيره مما لا سبيل في كتابنا هذا إلى ذكره. وإنما أجرينا من ذكره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ هاهنا لمعًا يحسن الوقوف عليها والمذاكرة بها، تبركًا بذكره في أول الكتاب، والله الموفق للصواب.
وأصح ذلك أنه نزل في قبره العباس عمه، وعليّ رضى الله عنهما معه، وقشم بن العباس، والفضل بن العباس، ويقال: كان أوس بن خولي وأسامة بن زيد معهم، وكان آخرهم خروجًا من القبر قثم بن العباس، وكان آخر الناس عهدًا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ذكر ذلك ابن عباس وغيره. وهو الصحيح. وقد ذكر عن المغيرة بن شعبة في ذلك خبر لا يصح أنكره أهل العلم ودفعوه. وألحد له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وبنى في قبره اللبن، يقال تسع لبنات، وطرح في قبره سمل قطيفة كان يلبسها، فلما فرغوا من وضع اللبن أخرجوها وأهالوا التراب على لحده، وجعل قبره مسطوحًا ورش عليه الماء رشًا.
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعَفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: مَا صُدِّقَ نَبِيٌّ مَا صُدِّقْتُ، وَإِنَّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ مَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ مِنْ أُمَّتِهِ إِلا رَجُلٌ وَاحِدٌ. وأما فضائله وأعلام نبوته فقد وضع فيها جماعة من العلماء، وجمع كل منها ما انتهت إليه روايته ومطالعته، وهي أكثر من أن تحصى. ومما رثي به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قول صفية عمته. قَالَ الزبير: حدثني عمي مصعب بن عَبْد الله، قَالَ: حدثني أبي عَبْد الله بن مصعب، قَالَ: رويت عن هشام بن عروة لصفية بنت عَبْد المطلب ترثي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسلم:
ألا يا رسول الله كنت رجاءنا ... وكنت بنا برًا ولم تك جافيا
وكنت رحيمًا هاديا ومعلّما ... ليبك عليك اليوم من كان باكيا
لعمرك ما أبكى النبيّ لفقده ... ولكن لما أخثى من الهرج آتيا
كأن على قلبي لذكر مُحَمَّد ... وما خفت من بعد النبي المكاويا
أفاطم صلى الله رب مُحَمَّد ... على جدث أمسى بيثرب ثاويا
فدى لرسول الله أمي وخالتي ... وعمي وآبائي ونفسي وماليا
صدقت وبلغت الرسالة صادقا ... ومتّ صليب العود أبلج صافيا
فلو أن رب الناس أبقى نبينا ... سعدنا ولكن أمره كان ماضيا
عليك من الله السلام تحية ... وأدخلت جنات من العدن راضيا
أرى حسنا أيتمته وتركته ... يبكي ويدعو جده اليوم نائيا
وكان له صلّى الله عليه وَسَلَّمَ أسماء وصفات جاءت عنه في أحاديث شتى بأسانيد حسان. قَالَ: أنا مُحَمَّد، وأنا أحمد، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الذي ختم الله بي النبوة، وأنا العاقب فليس بعدي نبي، وأنا المقفى بعد الأنبياء كلهم، ونبي التوبة، ونبي الرحمة، ونبي الملحمة، ويروى الملاحم. جاء هذا كلّه عنه في آثار شتى من وجوه صحاح، وطرق حسان، وكان يكنى أبا القاسم صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، لا خلاف في ذلك. حَدَّثَنَا يَعِيشُ بْنُ سَعِيدٍ وَسَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ، قالا: حدّثنا قاسم بن صبغ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حدثنا أبو يعقوب [الحنينى]
عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: تَسَمُّوا بِاسْمِي، وَلا تَكَنُّوا بِكُنْيَتِي، فَإِنِّي أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عبد السلام الختنيّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَسَارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَجْلانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، قَالَ: لا تَجْمَعُوا بَيْنَ اسْمِي وَكُنْيَتِي فَإِنَّمَا أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ، اللَّهُ يُعْطِي، وَأَنَا أَقْسِمُ. وأما ولده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فكلهم من خديجة إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية، وولده من خديجة أربع بنات لا خلاف في ذلك، أكبر هنّ زينب بلا خلاف وبعدها أم كلثوم، وقيل بل رقية، وهو الأولى والأصح، لأن رقية تزوجها عثمان قبل، ومعها هاجر إلى أرض الحبشة، ثم تزوج بعدها، وبعد وقعة بدر أم كلثوم، وسيأتي ذكر كل واحدة منهن في بابها من كتاب النساء في هذا الديوان إن شاء الله تعالى. وقد قيل: إن رقيّة أصغرهنّ، والأكثر والصحيح أنّ أصغر هنّ فاطمة رضى الله عنها وعن جميعهن.
واختلف في الذكور، فقيل أربعة: القاسم، وعبد الله، والطيب، والطاهر. وقيل: ثلاثة، ومن قَالَ هذا قَالَ عَبْد الله سمي الطيب، لأنه ولد في الإسلام، ومن قَالَ غلامان قَالَ القاسم، وبه كان يكنى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وعبد الله قيل له الطيب والطاهر، لأنه ولد بعد المبعث، وولد القاسم قبل المبعث، ومات القاسم بمكة قبل المبعث، وقد ذكرنا الاختلاف
في ذلك كله وسمّينا القائلين به في باب خديجة من كتاب النساء من هذا الديوان .
حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ قِرَاءَةً مِنِّي عَلَيْهِ أَنّ مُحَمَّدَ بْنَ عيسى حدّثهم قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بْنِ بَادِي الْعَلافُ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ الْعَسْقَلانِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ شعيب بن أبى حمزة عن عطاء الخراساني، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ خَتَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَجَعَلَ لَهُ مَأْدُبَةً، وَسَمَّاهُ محمدا صلّى الله عليه وسلم. قال يحيى بن أيوب: ما وجدنا هذا الحديث عند أحد إلا عند ابن أبي السري.
وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولد مختونًا من حديث عَبْد الله بن عباس عن أبيه العباس بن عَبْد المطلب قَالَ: ولد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مختونًا مسرورًا، يعني مقطوع السرة، فأعجب بذلك جدّه عبد المطلب، وقال: ليكوننّ لابني هذا شأن عظيم. وليس إسناد حديث العباس هذا بالقائم. وفي حديث ابن عباس عن أبي سفيان في قصته مع هرقل- وهو حديث ثابت من جهة الإسناد- دليل على أن العرب كانت تختتن، وأظن ذلك من جهة مجاورتهم في الحجاز ليهود، والله أعلم.
واختلف في سنة صلّى الله عليه وسلم يوم مات، فقيل ستون سنة، روى
ذَلِكَ رَبِيعَةُ وَأَبُو غَالِبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَمَالِكِ ابن أَنَسٍ. وَقَدْ رَوَى حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، ذكره أحمد بن زهير عن المثنى بن معاذ عن بشر بن المفضل عن حميد عن أنس، وهو قول دغفل بن حنظلة السدوسي النسابة. ورواه معاذ عن هشام عن قتادة عن أنس، ورواه الحسن البصري عن دغفل بن حنظلة قَالَ: توفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وهو ابن خمس وستين سنة. ولم يدرك دغفل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. قَالَ البخاري:
ولا نعرف للحسن سماعًا من دغفل. قَالَ البخاري: وروى عمار بن أبي عمار عن ابن عباس قَالَ: توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو ابن خمس وستين سنة. قَالَ البخاري: ولا يتابع عليه عن ابن عباس إلا شيء رواه العلاء بن صالح عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَرَوَى عِكْرِمَةُ وأبو سلمة وَأَبُو ظَبْيَانَ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبض وهو ابن ثلاث وستين سنة.
قال أبو عمر رضي الله عنه: قد تابع عمار بن أبي عمار على روايته المذكورة عن ابن عباس رضى الله عنهما يوسف بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما في خمس وستين. والصحيح عندنا رواية من روى ثلاثا رواه عن ابن عباس من تقدم ذكر البخاري لهم في ذلك، ورواه كما رواه أولئك ممن لم يذكره البخاري أبو حمزة ومحمد بن سيرين
ومقسم عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ توفي وهو ابن ثلاث وستين. ولم يختلف عن عائشة أنه توفي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وهو ابن ثلاث وستين سنة، وهو قول مُحَمَّد بن علي، وجرير بن عَبْد الله البجلي وأبي إسحاق السبيعي ومحمد بن إسحاق.
أَخْبَرَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمِ [بْنِ سَهْلٍ] ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جعفر عن مُحَمَّدِ بْنِ الْوَرْدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بْنِ بَادِي الْعَلافُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بْنِ أَبِي هِلالٍ، [عَنْ هِلالِ] بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّا لَنَجِدُ صِفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسلم. إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً 33: 45، وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَسْتَ بِفَظٍّ وَلا غَلِيظٍ وَلا صَخَّابٍ فِي الأسواق، ولا تجزى بسيئة مثلها ولكن تعفو وَتَتَجَاوَزُ، وَلَنْ أَقْبِضَكَ حَتَّى أُقِيمَ بِكَ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أَفْتَحُ بِكَ أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وقلوبا غلفا. قال عطا بن يسار:
وأخبرني أبو واقد الليثي أنه سمع كعب الأحبار يقول مثل ما قَالَ عَبْد الله بن سلام رضى الله عن جميعهم.
لم يختلف أهل العلم بالأنساب والأخبار وسائر العلماء بالأمصار أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّد بن عَبْد الله بن عبد المطلب بن هاشم ابن عَبْد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ابن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. هذا ما لم يختلف فيه أحد من الناس، وقد روي من أخبار الآحاد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أنه نسب نفسه كذلك
إلى نزار بن معد بن عدنان، وما ذكرنا من إجماع أهل السير وأهل العلم بالأثر يغنى عما سواه. واختلفوا فيما بين عدنان وإسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وفيما بين إبراهيم وسام بن نوح بما لم أر لذكره هاهنا وجهًا، [لكثرة الاضطراب فيه، وأنه لا يوقف منه على شيء متتابع متفق عليه، وهم مع اختلافهم واضطرابهم مجمعون] ، على أن نزارًا بأسرها، وهي ربيعة ومضر هي الصريح الصحيح من ولد إسماعيل على ما ذكرنا في (كتاب القبائل من الرواة) عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهناك ذكرنا أصح ما قيل في نسبة إلى آدم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسلم وقال أبو الأسود محمد ابن عَبْد الرحمن عن عروة بن الزبير: قَالَ عمر بن الخطاب رضى الله عنه: إنما ننتسب إلى معدّ، وما بعد معدّ لا ندري ما هو. وقال ابن جريج عن القاسم ابن أبي بزة، عن عكرمة: أضلت نزار نسبها من عدنان وقال خليفة بن خياط عن ابن الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس: بين معد بن عدنان إلى إسماعيل ثلاثون أبا. وليس هذا الإسناد مما يقطع بصحته، ولكنه عمن علم الأنساب صنعته .
فأما عشيرته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ورهطه وبطنه الّذي يتميز به من سائر بطون قريش وهاشم فقد ذكرنا بالأسانيد الحسان والطرق الصحاح قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا
من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، وقد ذكرنا في (كتاب الإنباة على القبائل الرواة) عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وهو مضاف إلى هذا الكتاب، والحمد للَّه. واسم هاشم عمرو، وإنما قيل له هاشم، لأنه أول من هشم الثريد لقومه فيما زعموا، واسم قصي زيد، هذا هو الأكثر. وقد قيل يزيد، وإنما قيل له قصي، لأنه تقصى مع أمه وهي فاطمة بنت سعد من بنى عذرة، ونشأ مع أخواله من كلب في باديتهم، وبعد في مغيبة ذلك عن مكة: فسمي بذلك قصيًا والله أعلم. وكان يدعى مجمعًا، لأنه جمع قبائل قريش بمكة في حين انصرافه إليها، وقد ذكرنا ذلك في صدر كتاب (القبائل) . وقد قيل اسم عَبْد مناف المغيرة، ويكنى أبا عَبْد شمس. وأما عَبْد المطلب فقيل أسمه عامر، ولا يصح والله أعلم. وقيل: [اسمه شيبة، وقيل] بل اسمه عَبْد المطلب. وكان يقال له شيبة الحمد لشيبة كانت في ذؤابته ظاهرة.
ومن قَالَ اسمه شيبة قَالَ: إنما قيل له عبد المطلب، لأن أباه هاشمًا قَالَ لأخيه المطلب، وهو بمكة حين حضرته الوفاة: أدرك عبدك [المطلب] بيثرب، فمن هناك سمي عَبْد المطلب، ولا يختلفون أنه يكنى أبا الحارث، بابنه الحارث، وكان أكبر ولده. وأمه سلمى بنت زيد، وقبل بنت عمرو بن زيد من بنى عدي بن النجار، ويقال: إنه أول من خضب بالسواد.
أخبرنا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الطُّوسِيُّ، قَالَ: أخبرنا أبو العباس محمد [ابن إسحاق] ابن إِبْرَاهِيمَ السَّرَّاجُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن حنبل،
قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: اسْمُ عَبْدُ الْمُطَلَّبِ شَيْبَةُ بْنُ هَاشِمٍ. وَهَاشِمٌ اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَعَبْدُ مَنَافٍ اسْمُهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ قصىّ وقصيّ اسمه زيد ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي. قَالَ: وَسَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ:
أَبُو طَالِبٍ اسْمُهُ عَبْدُ مَنَافِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
قَالَ أبو عمر: أم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم آمنة بنت وهب ابن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة، قرشية زهرية، تزوّجها عبد الله ابن عبد المطلب، وهو ابن ثلاثين سنة، وقيل: بل كان يومئذ ابن خمس وعشرين سنة، خرج به أبوه عَبْد المطلب إلى وهب بن عَبْد مناف فزوجه ابنته. وقيل: كانت آمنة في حجر عمها وهيب بن عَبْد مناف بن زهرة، فأتاه عَبْد المطلب، فخطب إليه ابنته هالة بنت وهيب لنفسه، وخطب على ابنه عَبْد الله آمنة بنت وهب، فزوجه وزوج ابنه في مجلس واحد، فولدت آمنة لعبد الله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وولدت هالة لعبد المطلب حمزة، فأرضعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وحمزة ثويبة جارية أبي لهب، وأرضعت معهما أبا سلمة الأسدي، فكان رسول الله صلّى الله عليه آله وَسَلَّمَ يكرم ثويبة، وكانت تدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن تزوّج خديجة، وكانت خديجة تكرمها، وأعتقها أبو لهب بعد ما هاجر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، فكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يبعث إليها من المدينة بكسوة وصلة حتى ماتت بعد فتح خيبر، فبلغت وفاتها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فسأل عن ابنها مسروح وبلبنه أرضعته، فقيل له: قد مات، فسأل عن قرابتها فقيل له:
لم يبق منهم أحد.
حدثنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بْنُ أَصْبَغَ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أُرِيدَ عَلَى ابْنَةِ حَمْزَةَ فَقَالَ: إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَإِنَّهُ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قال: حدثنا قاسم بن أصبغ قال: حدثنا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زيد عن بن عَبَّاسٍ قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَلا تَتَزَوَّجَ ابْنَةَ حَمْزَةَ؟ قَالَ: إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمِ [بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ] وَعَبْدُ الْوَارِثِ بن سفيان، قالا: حدثنا قاسم بن أصبغ قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ:
أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا قَدْ حُدِّثْنَا أَنَّكَ نَاكِحٌ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَعَلَى أُمِّ سَلَمَةَ؟ لَوْ أَنِّي لَمْ أَنْكِحْ أُمَّ سَلَمَةَ لَمْ تَحِلَّ لِي. إِنَّ أَبَاهَا أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ. ثم استرضع له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ في بني سعد بن بكر، حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية، وردته ظئره حليمة إلى أمه آمنة بنت وهب بعد خمس سنين ويومين من مولده، وذلك سنة ست من عام الفيل،
فأخرجته آمنة إلى أخوال أبيه بني النجار تزورهم به بعد سبع سنين من عام الفيل، ووفيت أمه آمنة بعد ذلك بشهر بالأبواء ومعها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فقدمت به أم أيمن مكة بعد موت أمه بخمسة أيام، وسنذكر خبر حليمة وخير أم أيمن من بابهما في كتاب النساء في كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.
وقال الزبير: حملت به أمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ في أيام التشريق في شعب أبي طالب عند الجمرة الوسطى، وولد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بمكة في الدار التي كانت تدعى لمحمد بن يوسف أخي الحجاج، وذلك يوم الاثنين [لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان. وقيل: بل ولد يوم الاثنين] في ربيع الأول لليلتين خلتا منه. قَالَ أبو عمر: وقد قيل لثمان خلون منه.
وقيل. إنه ولد أول اثنين من ربيع الأول، وقيل: لاثنتي عشرة ليلة خلت منه عام الفيل، إذ ساقه الحبشة إلى مكة في جيشهم يغزون البيت، فردهم الله عنه، وأرسل عليهم طيرًا أبابيل [فأهلكتهم] .
وقيل أنه ولد في شعب بني هاشم، ولا خلاف أنه ولد عام الفيل:
يروى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قَالَ: ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفيل. وهذا يحتمل أن يكون أراد اليوم الّذي حبس الله الفيل فيه عن وطء البيت الحرام، وأهلك الذين جاءوا به. ويحتمل أن يكون أراد بقوله يوم الفيل عام الفيل. وقيل: ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد قدوم الفيل بشهر. وقيل: بأربعين يومًا. وقيل بخمسين.
يومًا. فأما الخوارزمي مُحَمَّد بن موسى فقال: كان قدوم الفيل مكة وأصحابه لثلاث عشرة ليلة خلت من المحرم. وقد قَالَ ذلك غير الخوارزمي أيضًا، وزاد يوم الأحد قَالَ: وكان أول المحرم تلك السنة يوم الجمعة.
قَالَ الخوارزمي وولد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك بخمسين يومًا، يوم الاثنين لثمان خلت من ربيع الأول، وذلك يوم عشرين من نيسان. قَالَ: وبعث نبيّا يوم الاثنين لثمان أيضا من ربيع الأول، وذلك سنة إحدى وأربعين عام الفيل، فكان من مولده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إلى أن بعثه الله تعالى أربعون سنة ويوم، ومن مبعثه إلى أول المحرم من السنة التي هاجر فيها اثنتا عشرة سنة وتسعة أشهر وعشرون يومًا، وذلك ثلاث وخمسون سنة تامة من أول عام الفيل.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عن خالد بن أبي عمران عن حنش عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وُلِدَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الاثنين، وحرج مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الاثنين، وكانت بدر يَوْمَ الاثْنَيْنِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَشَرَّفَ وَكَرَّمَ.
قَالَ أبو عمر رضي الله عنه: الأكثر على أن وقعة بدر كانت يوم الجمعة صبيحة سبع شرة من شهر رمضان، وما رأيت أحدًا ذكر أنها كانت يوم الاثنين
إلا في هذا الخبر من رواية ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن حنش، ولا حجة في مثل هذا الإسناد عند جميعهم، إذا خالفه من هو أكثر منه.
قَالَ الخوارزمي: وقدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ المدينة مهاجرًا يوم الاثنين، وهو اليوم الثامن من ربيع الأول سنة أربع وخمسين من عام الفيل، وهي سنة إحدى من الهجرة، يوم عشرين من أيلول فكان مبعثه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إلى يوم هاجر ودخل المدينة ثلاث عشرة سنة كاملة، ومكث بالمدينة عشر سنين وشهرين إلى أن مات، وذلك يوم الاثنين أول يوم من ربيع الأول سنة أربع وستين من عام الفيل، ومن الهجرة سنة إحدى عشرة، وهذا كله قول الخوارزمي، وهذا الذي قَالَ هو معنى قول ابن عباس، إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أقام بمكة ثلاث عشرة سنة، يعنى بعد المبعث، وبالمدينة عشر سنين، ويشهد بصحة ذلك قول أبى قيس صرمة بن قيس الأنصاري:
ثوى في قريش بضع عشرة حجة ... يذكر لو يلقى صديقًا مواتيا
ويعرض في أهل المواسم نفسه ... فلم ير من يؤوي ولم ير داعيا
فلما أتانا واستقرت به النوى ... وأصبح مسرورا بطيبة راضيا
وأصبح لا يخشى ظلامة ظالم ... بعيد، ولا يخشى من الناس باغيا
بذلنا له الأموال من جل مالنا ... وأنفسنا عند الوغى والتآسيا
نعادي الذي عادى من الناس كلهم ... جميعا وإن كان الحبيب المواتيا
ونعلم أن الله لا شيء غيره ... وأن كتاب الله أصبح هاديا
وروينا هذه الأبيات من طرق عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري، وهذا أكمل الروايات فيها.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن عبد الله بن محمد بن علي، قَالَ: حَدَّثَنَا أُبَيٌّ، قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ إِمْلاءً، قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ، قَالَ قُلْتُ لِعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: كَمْ لَبِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: عَشْرَ سِنِينَ.
فَقُلْتُ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَبِثَ بِمَكَّةَ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. فَقَالَ: إِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ.
قَالَ سفيان بن عيينة: وأخبرنا يحيى بن سعيد قَالَ: سمعت عجوزًا من الأنصار يقول: رأيت ابن عباس يختلف إلى صرمة بن قيس يتعلّم منه هذه الأبيات:
ثوى في قريش بضع عشرة حجة ... يذكر لو يلقى صديقًا مواتيا
فذكر الأبيات كما ذكرتها سواء إلى آخرها.
قَالَ أبو عمر: ومات أبوه عَبْد الله بن عَبْد المطلب وأمه حامل به. وقيل:
بل توفي أبوه بالمدينة والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ابن ثمانية وعشرين شهرا،
وقبره بالمدينة في دار من دور بنى عدي بن النجار، وكان خرج إلى المدينة يمتار تمرًا. وقيل: بل خرج به إلى أخواله زائرًا وهو ابن سبعة أشهر.
وقيل: بل توفي أبوه وهو ابن شهرين، فكفله جده عَبْد المطلب. وفي خبر سيف بن ذي يزن: مات أبوه وأمه فكفله جده وعمه. وقد قيل: إن عَبْد الله ابن عَبْد المطلب توفي والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ابن ثمانية وعشرين شهرًا.
وروى ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قَالَ: بعث عَبْد المطلب ابنه عَبْد الله يمتار له تمرًا من يثرب، فمات بها، وكانت وفاته وهو شاب عند أخواله بنى النجار بالمدينة، ولم يكن له ولد غير رسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، وتوفيت أمه آمنة بالأبواء بين مكة والمدينة، وهو ابن ست سنين.
وقيل: ابن سبع سنين. وقال مُحَمَّد بن حبيب [في كتاب المحبّر ] : توفّيت أمّه صلى الله عليه وسلم، وهو ابن ثمان سنين. فال: وتوفّى جده عَبْد المطلب بعد ذلك بسنة وأحد عشر شهرًا، سنة تسع من أول عام الفيل.
وقيل: إنه توفي جده عَبْد المطلب، وهو ابن ثمان سنين. وقيل: بل توفي جده وهو ابن ثلاث سنين، فأوصى به إلى أبي طالب فصار في حجر عمه أبي طالب حتى بلغ خمس عشرة سنة، وكان أبو طالب يحبه، ثم انفرد بنفسه، وكان مائلا إلى عمه أبى طالب لو جاهته في بني هاشم وسنه، وكان مع ذلك شقيق أبيه، وخرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع عمه في تجارة إلى الشام سنة ثلاث عشرة من عام الفيل، فرآه بحيرا الراهب، فقال: احتفظوا به فإنه نبي.
وشهد بعد ذلك بثمان سنين يوم الفجار سنة إحدى وعشرين، وخرج إلى الشام في تجارة لخديجة بنت خويلد، فرآه نسطور الراهب وقد أظلته غمامة فقال:
هذا نبي، وذلك سنة خمس وعشرين. وتزويج رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَدِيجَةَ بنت خويلد بن أسد بعد ذلك بشهرين وخمسة وعشرين يومًا، في عقب صفر سنة ست وعشرين، وذلك بعد خمس وعشرين سنة وشهرين وعشرة أيام من يوم الفيل، وقال الزهري: كانت سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تزوج خديجة إحدى وعشرين سنة.
وقال أبو بكر بن عثمان وغيره: كان يومئذ ابن ثلاثين سنة. قالوا:
وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة، ولدت قبل الفيل بخمس عشرة سنة.
وشهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنيان الكعبة، وتراضت قريش بحكمه في وضع الحجر بعد ذلك بعشر سنين، وذلك سنة ثلاث وثلاثين.
قَالَ أبو عمر رضى الله عنه: لو صح هذا لكانت سن خديجة يوم تزوجها خمسًا وأربعين سنة. وقال مُحَمَّد بن جبير بن مطعم: بنيت الكعبة على رأس خمس وعشرين سنة من عام الفيل. وقيل: بل كان بين بنيان الكعبة وبين مبعث النبي صلّى الله عليه وسلم خمس سنين، ثم نبّاه الله تعالى وهو ابن أربعين سنة، وكان أول يوم أوحى الله تعالى إليه فيه يوم الاثنين، فأسر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أمره ثلاث سنين أو نحوها، ثم أمره الله تعالى بإظهار دينه والدعاء إليه، فأظهره بعد ثلاث سنين من مبعثه. وقال الشعبي: أخبرت أن إسرافيل تراءى له ثلاث سنين.
حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال حدثنا أحمد بن زُهَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لأَرْبَعِينَ، وَوُكِّلَ بِهِ إِسْرَافِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ ثَلاثَ سِنِينَ، ثُمَّ وُكِّلَ بِهِ جِبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ.
قَالَ: وأخبرنا أحمد بن حنبل، قَالَ حَدَّثَنَا هشيم ، قال حدثنا داود ابن أبى هند عن الشعبي، قال: نبيّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر مثله.
قَالَ: ثم بعث إليه جبريل عليه السلام بالرسالة.
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: نَزَلَتْ عَلَيْهِ النُّبُوَّةُ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَقُرِنَ بِنُبُوَّتِهِ إِسْرَافِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ ثَلاثَ سِنِينَ، فَكَانَ يُعَلِّمُهُ الْكَلِمَةَ وَالشَّيْءَ، وَلَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ، فَلَمَّا مَضَتْ ثَلاثُ سِنينَ قُرِنَ بِنُبُوَّتِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ عِشْرِينَ سَنَةً.
وقيل: كان مبعثه صلّى الله عليه وَسَلَّمَ وهو ابن أربعين سنة وشهرين وعشرة أيام. وقيل: بل كان مبعثه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لتمام أربعين سنة من مولده يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة أربعين، وممن قَالَ: إنه عليه السلام نبي وهو ابن أربعين سنة عَبْد الله بن عباس، ومحمد بن جبير بن مطعم، وقباث بن أشيم، وعطاء، وسعيد
ابن المسيب، وأنس بن مالك، وهو الصحيح عند أهل السير وأهل العلم بالأثر، فلما دعا قومه إلى دين الله نابذوه، فأجاره عمه أبو طالب، ومنع منه قريشًا لأنهم أرادوا قتله لما دعاهم إليه من ترك ما كانوا عليه هم وآباؤهم، ومفارقته لهم في دينه، وتسفيه أحلامهم في عبادة أصنام لا تبصر ولا تسمع، ولا تضر ولا تنفع، فلم يزل في جوار عمه أبي طالب إلى أن توفي أبو طالب، وذلك في النصف من شوال في السنة الثامنة. وقيل: العاشرة من مبعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وحصرت قريش النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وأهل بيته بني هاشم ومعهم بنو المطلب في الشعب بعد المبعث بست سنين، فمكثوا في ذلك الحصار ثلاث سنين، وخرجوا منه في أول سنة خمسين من عام الفيل.
وتوفي أبو طالب بعد ذلك بستة أشهر، وتوفيت خديجة بعده بثلاثة أيام.
وقد قيل غير ذلك، وولد عَبْد الله بن عباس رضي الله عنه في الشعب قبل خروج بني هاشم منه. وقيل: إنه ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، وكان ابن ثلاث عشرة سنة يوم مات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. وكان أبو طالب قد أسلم ابنه عليًا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك أن قريشًا أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ للعباس عمه- وكان من أيسر بني هاشم: يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال، فانطلق بنا لنخفّف عنه
من عياله. فقال: نعم. فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقال له: إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى يكشف الله عن الناس ما هم فيه. فقال لهما أبو طالب:
إذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما. فأخذ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عليًا فضمه إليه، وأخذ العباس جعفرًا فضمه إليه، فلم يزل علي رضى الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى ابتعثه الله نبيًا، وحتى زوجه من ابنته فاطمة على جميعهم الصلاة والسلام.
وتزوج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ خديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة، على اختلاف في ذلك قد ذكرناه.
وكان موتها بعد موت عمه أبي طالب بأيام يسيرة. قيل: ثلاثة أيام.
وقيل: سبعة. وقيل: كان بين موت أبي طالب وموت خديجة شهر وخمسة أيام. وتوفي أبو طالب وهو ابن بضع وثمانين سنة وتوفيت خديجة وهي ابنة خمس وستين سنة، فكانت مصيبتان توالتا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بوفاة عمه أبى طالب ووفاة خديجة رضى الله عنها. وقيل: توفيت خديجة بعد ما تزوجها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بأربع وعشرين سنة وستة أشهر وأربعة أيام قبل الهجرة بثلاث سنين وثلاثة أشهر ونصف شهر.
وفي عام وفاة خديجة تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سودة وعائشة، ولم يتزوج على خديجة حتى ماتت رضى الله عنها. وكانت وفاة أبي طالب وخديجة قبل الهجرة بثلاث سنين. وقيل: بسنة. وقيل: كانت وفاتهما سنة عشر من المبعث في أولها، والله أعلم.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ حدثنا محمد بن عبد الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَخْبَرَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مَعْرُوفٍ، قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى، قَالَ حَدَّثَنَا يحيى ابن معين، قال حدثنا هشام بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ. وَلَفْظُهُمَا وَالْمَعْنَى سَوَاءٌ. قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَعَبْدُ الله ابن أَبِي أُمَيَّةَ فَقَالَ: يَا عَمِّ، قُلْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عند الله.
فقال له أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَمُيَّةَ. يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ! فَلَمْ يَزَالا بِهِ حَتَّى كَانَ آخِرُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِّبِ. فقال النبيّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ: لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ. فَنَزَلَتْ : مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ ... 9: 113 إِلَى آخِرِ الآيَةِ. وَنَزَلَتْ : إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ... 28: 56 الآيَةَ. قَالَ ابن شهاب: قَالَ عروة بن الزبير: ما زالوا- يعني قريشًا- كافين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات أبو طالب. ولم تمت خديجة فيما ذكر ابن إسحاق وغيره إلا بعد الإسراء، وبعد أن صلت الفريضة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
قَالَ أبو عمر: قَالَ ابن إسحاق وغيره: لما توفى أبو طالب وتوفّيت بعده خديجة بأيام يسيرة خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إلى الطائف، ومعه زيد بن حارثة، وطلب منهم المنعة، فأقام عندهم شهرًا ولم يجد فيهم خيرًا، ثم رجع إلى مكة في جوار المطعم بن عدي. قيل: كان ذلك سنة إحدى وخمسين من عام الفيل، وفيها قدم عليه جن نصيبين بعد ثلاثة أشهر فاسلموا.
وأسرى به إلى بيت المقدس بعد سنة ونصف من حين رجوعه إلى مكة من الطائف سنة اثنتين وخمسين، وقد ذكرنا الاختلاف في تاريخ الإسراء في كتاب (التمهيد) عند ذكر فرض الصلاة والحمد للَّه.
[قَالَ ابن شهاب] عن ابن المسيب: عرج به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إلى بيت المقدس وإلى السماء قبل خروجه إلى المدينة بسنة. وقال غيره:
كان بين الإسراء إلى اليوم الذي هاجر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة وشهران، وذلك سنة ثلاث وخمسين من عام الفيل.
قَالَ أبو عمر: قَالَ ابن إسحاق وغيره: مكث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بعد مبعثه بمكة إلى أن أذن الله له بالهجرة داعيًا إلى الله صابرًا على أذى قريش وتكذيبهم له إلا من دخل في دين الله منهم، واتبعه على ما جاء به ممن هاجر إلى أرض الحبشة فارّا بدينه، ومن بقي معه بمكة في منعة من قومه، حتى أذن له الله بالهجرة إلى المدينة، وذلك بعد أن بايعه وجوه الأوس والخزرج بالعقبة على أن يؤووه وينصروه، حتى يبلّغ عن الله رسالته،
ويقاتل من عانده وخالفه، فهاجر إلى المدينة، وكان رفيقه إليها أبو بكر الصديق رضى الله عنه لم يرافق غيره من أصحابه، وكان يخدمهما في ذلك السفر عامر بن فهيرة، وكان مكثه بمكة بعد أن بعثه الله عز وجل ثلاث عشرة سنة. وقيل: عشر سنين. وقيل: خمس عشرة سنة، والأول أكثر وأشهر عند أهل السير.
ثم أذن الله له في الهجرة إلى المدينة يوم الاثنين، فخرج معه أبو بكر إليها، وكانت هجرة إلى المدينة في ربيع الأول، وهو ابن ثلاث وخمسين سنة، وقدم المدينة يوم الاثنين قريبًا من نصف النهار في الضحى الأعلى لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول. هذا قول ابن إسحاق. وقال ابن إسحاق وغيره: كانت بيعة العقبة حين بايعته الأنصار في أوسط أيام التشريق في ذي الحجة، وكان مخرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة بعد العقبة بشهرين وليال، وخرج لهلال ربيع الأول، وقدم المدينة لاثنتي عشرة ليلة مضت منه.
قال أبو عمر: قد روى عن ابن شهاب أنه قدم المدينة لهلال ربيع الأول.
وقال عَبْد الرحمن بن المغيرة: قدم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ المدينة يوم الاثنين لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة إحدى. وقال الكلبي: خرج من الغار ليلة الاثنين أول يوم من ربيع الأول، وقدم المدينة يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت منه.
قَالَ أبو عمر: وهو قول ابن إسحاق إلا في تسمية اليوم فإن ابن إسحاق يقول: يوم الاثنين والكلبي يقول: يوم الجمعة، واتفقا لاثنتي عشرة ليلة خلت
من ربيع الأول. وغيرهما يقول لثمان خلت منه، فالاختلاف أيضا في تاريخ قدومه المدينة كما ترى.
قَالَ ابن إسحاق، فنزل علي أبي قيس كلثوم بن الهدم بن امرئ القيس أحد بني عمرو بن عوف، فأقام عنده أربعة أيام. وقيل: بل كان نزوله في بنى عمرو ابن عوف على سعد بن خيثمة، والأول أكثر. فأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وأسس مسجدهم، وخرج من بني عمرو بن عوف منتقلا إلى المدينة، فأدركته الجمعة في بني سالم فصلاها في بطن الوادي، ثم ارتحل إلى المدينة فنزل على أبي أيوب الأنصاري، فلم يزل عنده حتى بنى مسجده في تلك السنة، وبنى مساكنه، ثم انتقل، وذلك في السنة الأولى من هجرته.
وقال غير ابن إسحاق: نزل في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين إلى يوم الجمعة، ثم خرج من عندهم غداة يوم الجمعة على راحلته معه الناس، حتى مر ببني سالم لوقت الجمعة، فجمع بهم، وهي أول جمعة جمعها رسول الله صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ بالمدينة، ثم ركب لا يحرك راحلته، وهو يقول: دعوها فإنها مأمورة.
فمشت حتى بركت في موضع مسجده الذي أنزله الله به في بني النجار، فنزل عشية الجمعة سنة ثلاث وخمسين من عام الفيل. ومن مقدمة المدينة أرخ التاريخ في زمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، ولم يغز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه تلك السنة. وآخى بين المهاجرين والأنصار بعد ذلك بخمسة أشهر، وبعث عمه حمزة في جمادى الأولى، فكان أول من غرا في سبيل
الله، وأول من عقدت له راية في الإسلام، خرج في ثلاثين راكبًا إلى سيف البحر، فلقوا أبا جهل بن هشام في ثلاثمائة من قريش، فحجز بينهم رجل من جهينة، فافترقوا من غير قتال، ثم بعث عبيدة بن الحارث في خمسين راكبًا يعارض عيرًا لقريش، فلقوا جمعًا كثيرًا فتراموا بالنبل، ولم يكن بينهم مسايفة.
وقيل: إن سرية عبيدة كانت قبل سرية حمزة، وفيها رمى سعد، وكان أول سهم رمي به فِي سبيل اللَّه. وقيل: أول لواء عقده رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لعبد الله بن جحش، والأول أصح، والله أعلم.
والأكثر على أن سرية عَبْد الله بن جحش كانت في سنة اثنتين في غرة رجب إلى نخلة، وفيها قتل ابن الحضرمي لليلة بقيت من جمادى الآخرة. ثم غزا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أهل الكفر من العرب. وبعث إليهم السرايا، وكانت غزواته بنفسه ستًا وعشرين غزوة، هذا أكثر ما قيل في ذلك.
وكانت أشرف غزواته وأعظمها حرمة عند الله وعند رسوله وعند المسلمين غزوة بدر الكبرى، حيث قتل الله صناديد قريش، وأظهر دينه وأعزه الله من يومئذ، وكانت بدر في السنة الثانية من الهجرة لسبع عشرة من رمضان صبيحة يوم الجمعة، وليس في غزواته ما يعدل بها في الفضل، ويقرب منها إلا غزوة الحديبية، حيث كانت بيعة الرضوان، وذلك سنة ست من الهجرة، وكانت بعوثه وسراياه خمسًا وثلاثين من بين بعث وسرية.
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ أَبِيهِ، وَإِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ: كَمْ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم؟
قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَغَزَوْتُ مَعَهُ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَسَبَقَنِي بِغَزْوَتَيْنِ.
واعتمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ثلاث عمر. وفي قول من جعله قارنًا في حجة أربع عمر. وقد بينا ذلك في كتاب «التمهيد» .
وافترض عليه الحج بالمدينة، وكذلك سائر الفرائض فيما أمر به أو حرم عليه إلا الصلاة فإنها افترضت عليه حين أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وذلك بمكة، ولم يحج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ من المدينة غير حجته الواحدة، حجة الوداع، وذلك سنة عشر من الهجرة.
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وَآلِهِ وَسَلَّمَ عددًا كثيرًا من النساء، خص بذلك دون أمته بجمع أكثر من أربع، وأحلّ له فيهن ما شاء، فالمجمع عليه من أزواجه إحدى عشرة امرأة وهن:
خديجة بنت خويلد، أول زوجة كانت له، لم يجمع قط معها غيرها، وسنذكر أخبارها ونسبها وولدها من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وكثيرًا من فضائلها وخبرها في بابها من كتاب النساء من هذا الديوان، وكذلك نذكر كل واحدة منهن في موضع اسمها من ذلك الكتاب إن شاء الله تعالى.
ثم سودة بنت زمعة بن قيس. من بني عامر بن لؤي، تزوجها في قول الزهري قبل عائشة رضى الله عنها بمكة، وبنى بما بمكة في سنة عشر من النبوة.
وعائشة بنت أبي بكر الصديق رضى الله عنهما تزوجها بمكة قبل سودة، وقيل بعد سودة، وأجمعوا على أنه لم يبن بها إلا في المدينة. قيل سنة
هاجر، وقيل سنة اثنتين من الهجرة في شوّال، وهي ابنة تسع سنين، وكانت في حين عقد عليها بنت ست سنين. وقيل بنت سبع سنين.
وحفصة بنت عمر بن الخطاب رضى الله عنهما. تزوجها سنة ثلاث في شعبان.
وزينب بنت خزيمة. وهي من بني عامر بن صعصعه، وكان يقال لها أم المساكين، تزوجها سنة ثلاث، فكانت عنده شهرين أو ثلاثة، وتوفيت، ولم يمت أحد من أزواجه في حياته غيرها وغير خديجة قبلها.
وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية، واسمها هند، تزوجها سنة أربع في شوال.
وزينب بنت جحش الأسدية من بني أسد بن خزيمة، تزوجها في سنة خمس من الهجرة في قول قتادة، وخالفه غيره على ما نذكره في بابها من كتاب النساء.
وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية، واسمها رملة، تزوجها سنة ست، وبنى بها سنة سبع، زوجه إياها النجاشي. واختلف فيمن عقد عليها على ما يأتي به الخبر عند ذكرها في بابها من كتاب النساء إن شاء الله تعالى.
وجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار من بني المصطلق، كانت قد وقعت في سهم ثابت بن قيس، وذلك في سنة ست. وقيل سنة خمس، وهو الأكثر
والصواب: فكاتبها فأذى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتابتها وتزوجها.
وميمونة بنت الحارث [بن حزن] الهلالية، من بني هلال بن عامر بن صعصعه، نكحها سنة سبع في عمرة القضاء. على حسب ما ذكرناه في بابها من كتاب النساء.
وصفية بنت حيي بن أخطب اليهودي، وقعت في سهم دحية بن خليفة الكلبي، فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منه بأرؤس اختلفوا في عددها، وأعتقها وتزوجها، وذلك سنة سبع.
فهؤلاء أزواجه اللواتي لم يختلف فيهن، وهن إحدى عشرة امرأة، منهن ست من قريش، وواحدة من بني إسرائيل من ولد هارون، وأربع من سائر العرب. وتوفي في حياته منهن اثنتان خديجة بنت خويلد بن أسد بمكة، وزينب بنت خزيمة بالمدينة، وتخلف منهن تسع بعده صلّى الله عليه وَسَلَّمَ.
وأما اللواتي أختلف فيهن ممن ابتنى بها وفارقها أو عقد عليها، ولم يدخل بها، أو خطبها ولم يتم له العقد منها، فقد اختلف فيهن، وفي أسباب فراقهن اختلافًا كثيرًا يوجب التوقف عن القطع بالصحة في واحدة منهن، وقد ذكرنا جميعهن كل واحدة منهن في بابها من كتاب النساء من كتابنا هذا، والحمد للَّه وحده.
ثم بدأ برسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وسلم مرصه الّذي مات منه
يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة في بنت ميمونة، ثم انتقل حين اشتد وجعه إلى بيت عائشة. وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قد ولد يوم الاثنين، ونبيّ يوم الاثنين، وخرج من مكة مهاجرًا يوم الاثنين، وقدم المدينة يوم الاثنين، وقبض صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين ضحى في مثل الوقت الذي دخل فيه المدينة لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، ودفن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يوم الثلاثاء حين زاغت الشمس. وقيل: بل دفن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ليلة الأربعاء.
ذكر ابن إسحاق قَالَ: حدثتني فاطمة [بنت مُحَمَّد] عن عمرة عن عائشة قالت: ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل ليلة الأربعاء، وصلى عليه علي والعباس رضى الله عنهما وبنو هاشم، ثم خرجوا، ثم دخل المهاجرون، ثم الأنصار، ثم الناس يصلون عليه أفذاذًا، لا يؤمهم أحد، ثم النساء والغلمان.
وقد أكثر الناس في ذكر من أدخله قبره وفي هيئة كفنه وفي صفة خلقه وخلقه وغزواته وسيره مما لا سبيل في كتابنا هذا إلى ذكره. وإنما أجرينا من ذكره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ هاهنا لمعًا يحسن الوقوف عليها والمذاكرة بها، تبركًا بذكره في أول الكتاب، والله الموفق للصواب.
وأصح ذلك أنه نزل في قبره العباس عمه، وعليّ رضى الله عنهما معه، وقشم بن العباس، والفضل بن العباس، ويقال: كان أوس بن خولي وأسامة بن زيد معهم، وكان آخرهم خروجًا من القبر قثم بن العباس، وكان آخر الناس عهدًا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ذكر ذلك ابن عباس وغيره. وهو الصحيح. وقد ذكر عن المغيرة بن شعبة في ذلك خبر لا يصح أنكره أهل العلم ودفعوه. وألحد له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وبنى في قبره اللبن، يقال تسع لبنات، وطرح في قبره سمل قطيفة كان يلبسها، فلما فرغوا من وضع اللبن أخرجوها وأهالوا التراب على لحده، وجعل قبره مسطوحًا ورش عليه الماء رشًا.
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعَفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: مَا صُدِّقَ نَبِيٌّ مَا صُدِّقْتُ، وَإِنَّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ مَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ مِنْ أُمَّتِهِ إِلا رَجُلٌ وَاحِدٌ. وأما فضائله وأعلام نبوته فقد وضع فيها جماعة من العلماء، وجمع كل منها ما انتهت إليه روايته ومطالعته، وهي أكثر من أن تحصى. ومما رثي به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قول صفية عمته. قَالَ الزبير: حدثني عمي مصعب بن عَبْد الله، قَالَ: حدثني أبي عَبْد الله بن مصعب، قَالَ: رويت عن هشام بن عروة لصفية بنت عَبْد المطلب ترثي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسلم:
ألا يا رسول الله كنت رجاءنا ... وكنت بنا برًا ولم تك جافيا
وكنت رحيمًا هاديا ومعلّما ... ليبك عليك اليوم من كان باكيا
لعمرك ما أبكى النبيّ لفقده ... ولكن لما أخثى من الهرج آتيا
كأن على قلبي لذكر مُحَمَّد ... وما خفت من بعد النبي المكاويا
أفاطم صلى الله رب مُحَمَّد ... على جدث أمسى بيثرب ثاويا
فدى لرسول الله أمي وخالتي ... وعمي وآبائي ونفسي وماليا
صدقت وبلغت الرسالة صادقا ... ومتّ صليب العود أبلج صافيا
فلو أن رب الناس أبقى نبينا ... سعدنا ولكن أمره كان ماضيا
عليك من الله السلام تحية ... وأدخلت جنات من العدن راضيا
أرى حسنا أيتمته وتركته ... يبكي ويدعو جده اليوم نائيا
وكان له صلّى الله عليه وَسَلَّمَ أسماء وصفات جاءت عنه في أحاديث شتى بأسانيد حسان. قَالَ: أنا مُحَمَّد، وأنا أحمد، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الذي ختم الله بي النبوة، وأنا العاقب فليس بعدي نبي، وأنا المقفى بعد الأنبياء كلهم، ونبي التوبة، ونبي الرحمة، ونبي الملحمة، ويروى الملاحم. جاء هذا كلّه عنه في آثار شتى من وجوه صحاح، وطرق حسان، وكان يكنى أبا القاسم صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، لا خلاف في ذلك. حَدَّثَنَا يَعِيشُ بْنُ سَعِيدٍ وَسَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ، قالا: حدّثنا قاسم بن صبغ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حدثنا أبو يعقوب [الحنينى]
عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: تَسَمُّوا بِاسْمِي، وَلا تَكَنُّوا بِكُنْيَتِي، فَإِنِّي أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عبد السلام الختنيّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَسَارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَجْلانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، قَالَ: لا تَجْمَعُوا بَيْنَ اسْمِي وَكُنْيَتِي فَإِنَّمَا أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ، اللَّهُ يُعْطِي، وَأَنَا أَقْسِمُ. وأما ولده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فكلهم من خديجة إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية، وولده من خديجة أربع بنات لا خلاف في ذلك، أكبر هنّ زينب بلا خلاف وبعدها أم كلثوم، وقيل بل رقية، وهو الأولى والأصح، لأن رقية تزوجها عثمان قبل، ومعها هاجر إلى أرض الحبشة، ثم تزوج بعدها، وبعد وقعة بدر أم كلثوم، وسيأتي ذكر كل واحدة منهن في بابها من كتاب النساء في هذا الديوان إن شاء الله تعالى. وقد قيل: إن رقيّة أصغرهنّ، والأكثر والصحيح أنّ أصغر هنّ فاطمة رضى الله عنها وعن جميعهن.
واختلف في الذكور، فقيل أربعة: القاسم، وعبد الله، والطيب، والطاهر. وقيل: ثلاثة، ومن قَالَ هذا قَالَ عَبْد الله سمي الطيب، لأنه ولد في الإسلام، ومن قَالَ غلامان قَالَ القاسم، وبه كان يكنى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وعبد الله قيل له الطيب والطاهر، لأنه ولد بعد المبعث، وولد القاسم قبل المبعث، ومات القاسم بمكة قبل المبعث، وقد ذكرنا الاختلاف
في ذلك كله وسمّينا القائلين به في باب خديجة من كتاب النساء من هذا الديوان .
حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ قِرَاءَةً مِنِّي عَلَيْهِ أَنّ مُحَمَّدَ بْنَ عيسى حدّثهم قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بْنِ بَادِي الْعَلافُ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ الْعَسْقَلانِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ شعيب بن أبى حمزة عن عطاء الخراساني، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ خَتَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَجَعَلَ لَهُ مَأْدُبَةً، وَسَمَّاهُ محمدا صلّى الله عليه وسلم. قال يحيى بن أيوب: ما وجدنا هذا الحديث عند أحد إلا عند ابن أبي السري.
وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولد مختونًا من حديث عَبْد الله بن عباس عن أبيه العباس بن عَبْد المطلب قَالَ: ولد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مختونًا مسرورًا، يعني مقطوع السرة، فأعجب بذلك جدّه عبد المطلب، وقال: ليكوننّ لابني هذا شأن عظيم. وليس إسناد حديث العباس هذا بالقائم. وفي حديث ابن عباس عن أبي سفيان في قصته مع هرقل- وهو حديث ثابت من جهة الإسناد- دليل على أن العرب كانت تختتن، وأظن ذلك من جهة مجاورتهم في الحجاز ليهود، والله أعلم.
واختلف في سنة صلّى الله عليه وسلم يوم مات، فقيل ستون سنة، روى
ذَلِكَ رَبِيعَةُ وَأَبُو غَالِبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَمَالِكِ ابن أَنَسٍ. وَقَدْ رَوَى حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، ذكره أحمد بن زهير عن المثنى بن معاذ عن بشر بن المفضل عن حميد عن أنس، وهو قول دغفل بن حنظلة السدوسي النسابة. ورواه معاذ عن هشام عن قتادة عن أنس، ورواه الحسن البصري عن دغفل بن حنظلة قَالَ: توفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وهو ابن خمس وستين سنة. ولم يدرك دغفل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. قَالَ البخاري:
ولا نعرف للحسن سماعًا من دغفل. قَالَ البخاري: وروى عمار بن أبي عمار عن ابن عباس قَالَ: توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو ابن خمس وستين سنة. قَالَ البخاري: ولا يتابع عليه عن ابن عباس إلا شيء رواه العلاء بن صالح عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَرَوَى عِكْرِمَةُ وأبو سلمة وَأَبُو ظَبْيَانَ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبض وهو ابن ثلاث وستين سنة.
قال أبو عمر رضي الله عنه: قد تابع عمار بن أبي عمار على روايته المذكورة عن ابن عباس رضى الله عنهما يوسف بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما في خمس وستين. والصحيح عندنا رواية من روى ثلاثا رواه عن ابن عباس من تقدم ذكر البخاري لهم في ذلك، ورواه كما رواه أولئك ممن لم يذكره البخاري أبو حمزة ومحمد بن سيرين
ومقسم عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ توفي وهو ابن ثلاث وستين. ولم يختلف عن عائشة أنه توفي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وهو ابن ثلاث وستين سنة، وهو قول مُحَمَّد بن علي، وجرير بن عَبْد الله البجلي وأبي إسحاق السبيعي ومحمد بن إسحاق.
أَخْبَرَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمِ [بْنِ سَهْلٍ] ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جعفر عن مُحَمَّدِ بْنِ الْوَرْدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بْنِ بَادِي الْعَلافُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بْنِ أَبِي هِلالٍ، [عَنْ هِلالِ] بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّا لَنَجِدُ صِفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسلم. إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً 33: 45، وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَسْتَ بِفَظٍّ وَلا غَلِيظٍ وَلا صَخَّابٍ فِي الأسواق، ولا تجزى بسيئة مثلها ولكن تعفو وَتَتَجَاوَزُ، وَلَنْ أَقْبِضَكَ حَتَّى أُقِيمَ بِكَ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أَفْتَحُ بِكَ أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وقلوبا غلفا. قال عطا بن يسار:
وأخبرني أبو واقد الليثي أنه سمع كعب الأحبار يقول مثل ما قَالَ عَبْد الله بن سلام رضى الله عن جميعهم.