أم سلمة بنت يعقوب بن سلمة ابن عبد الله بن الوليد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، القرشية المخزومية كانت تحت عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك، ثم خلف عليها مسلمة بن هشام بن عبد الملك، ثم تزوجها أبو العباس السفاح.
لما وجه الوليد بن يزيد بن العباس بن الوليد لإحصاء ما في خزائن هشام، أمره ألا يعرض لمسلمة بن هشام؛ لأنه كان يكف أباه عن الوليد، وكان مسلمة يشرب، فلما قدم العباس كتبت إليه أم سلمة: إن مسلمة ما يفيق من الشراب، ولا يهتم بشيء مما فيه إخوته، ولا لموت أبيه. فلما راح مسلمة إلى العباس قال له: يا مسلمة، كان أبوك يرشحك للخلافة، ونحن نرجوك لغير ما بلغني عنك! وأنبه وعاتبه على الشراب، فأنكر مسلمة ذلك، وقال: من أخبرك بهذا؟ قال: كتبت إلي أم سلمة. فطلقها في ذلك المجلس، فخرجت إلى فلسطين، وبها كانت تنزل، فتزوجها أبو العباس السفاح هناك.
لما خرجت مع جواريها وحشمها متبدية نحو الشراة، فبينا هي جالسة ذات يوم، مر بها أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، وهو يومئذ عزب، فأرسلت إليه مولاةً لها تعرض عليه أن يتزوجها، فأبلغته الجارية السلام، وأدت إليه الرسالة. فقال: أبلغيها السلام وأخبريها برغبتي فيها، وقولي لها: لو كان عندي من المال ما أرضاه لك فعلت. فقالت لها: قولي له: هذه سبع مئة دينار أبعث بها إليك وكان لها
مال عظيم، وجوهر وحشم كثير فأتته المرأة، فعرضت ذلك عليه فأنعم لها، فدفعت إليه المال، فخطبها من أخيها، فزوجها إياه، فأرسل إليها بصداقها خمس مئة دينار، وأهدى إليها مئتين دينار، ودخل عليها.
دخل خالد بن صفوان التميمي على أبي العباس، وليس عنده أحد، فقال: يا أمير المؤمنين، ما زلت مذ قلدك الله الخلافة، أطلب أن أصير إلى مثل هذا الموقف في الخلوة، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بإمساك الباب حتى أفرغ فعل. فأمر بذلك. فقال: يا أمير المؤمنين، إني فكرت في أمرك، وأجلت الفكر فيك، فلم أر أحداً له مثل ما قلدك أقل اتساعاً بالاستمتاع بالنساء منك، ولا أضيق فيهن عيشاً، إنك ملكت نفسك امرأة من نساء العالمين، واقتصرت عليها، فإن مرضت مرضت، وإن غابت غبت، وإن عركت عركت، وحرمت نفسك من التلذذ باستطراف الجواري، وبمعرفة اختلاف أحوالهن، والتلذذ بما يشتهى منهن. إن منهن الطويلة التي تشتهى لحسنها، والبيضاء التي تحب لروعتها، والسمراء اللعساء، والصفراء العجزاء، ومولدات المدينة والطائف واليمامة، ذوات الألسن العذبة، والجواب الحاضر، وبنات سائر الملوك، وما يشتهى من نظافتهن، وحسن أنسهن. وأطنب في صفات ضروب الجواري، وشوقه إليهن. فلما فرغ خالد قال: ويحك، ما سلك مسامعي كلام قط أحسن من هذا، أعده علي. فأعاد خالد كلامه بأحسن مما ابتدأه. فقال له: انصرف. وبقي أبو العباس متفكراً يقسم أمره، فبينا هو يفكر إذ دخلت عليه أم سلمة وكان أبو العباس حلف ألا يتخذ عليها ووفى لها فلما رأته مفكراً متغيراً قالت له: هل حدث أمر تكرهه، أو أتاك خبر ارتعت له؟ قال: لا، والحمد لله. ولم تزل تستخبره حتى أخبرها بمقالة خالد. قالت: فما قلت لابن الفاعلة؟!
فقال لها: ينصحني وتشتمينه! فخرجت إلى مواليها من البخارية فأمرتهم بضرب خالد. قال خالد: فخرجت مسروراً بما ألقيت إلى أمير المؤمنين، ولم أشك في الصلة، فأنا واقف مع الصحابة وقد أقبلت البخارية تسأل عني، فحققت الجائزة والصلة فقلت: ها أنذا. فاستبق إلي أحدهم بخشبة، فلما أهوى إلي، غمزت برذوني، ولحقني، فضرب كفله، وتعادى إلي الباقون، وأسرع برذوني ففتهم، واستخفيت في منزلي أياماً، ووقع لي أني أتيت من قبل أم سلمة. فطلبني أبو العباس فلم يجدني، فهجموا علي وقالوا: أجب أمير المؤمنين. فسبق إلي قلبي أنه الموت، وقلت: لم أر دم شيخ أضيع! فركبت إليه وأذن لي. فقال: لم أرك. فأصبته خالياً فرجع إلي عقلي، ونظرت في المجلس، وبيت عليه ستور رقاق. فقال: يا خالد، لم أرك. فقلت: كنت عليلاً. قال: إنك وصفت لي في آخر دخلة دخلتها من أمور النساء والجواري ما لم أسمع أحسن منه فأعده علي. قال: وسمعت حساً خلف الستر فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، أعلمتك أن العرب إنما اشتقت اسم الضرتين من الضر، وأن أحداً لم يكن عنده من النساء أكثر من واحدة إلا كان في ضر وتنغيص. قال له أبو العباس: لم يكن هذا في الحديث! قال: بلى يا أمير المؤمنين. قال: فأنسيت إذاً، فأتمم الحديث! قال: وأخبرتك أن الثلاث من النساء كأثافي القدر يغلي عليهن. قال: برئت من قرابتي من رسول الله إن كنت سمعت هذا في حديثك. قال: وأخبرتك أن الأربع من النساء شر مجموع لصاحبه، يشيبنه ويهرمنه ويحقرنه. قال: لا والله. قلت: بلى والله. قال: أفتكذبني؟! قلت: أفتقتلني؟! نعم يا أمير المؤمنين، وأخبرتك أن أبكار الإماء رجال إلا أنهن ليست لهن خصي. قال خالد: فسمعت ضحكاً من خلف الستر. قلت: نعم، وأخبرتك أن عندك ريحانة قريش، وأنك تطمح بعينيك إلى النساء والجواري. فقيل لي من وراء الستر: صدقت والله يا عماه، بهذا حدثته، ولكنه غير حديثك، ونطق عن لسانك. فقال أبو العباس: مالك قاتلك الله؟ قال: وانسللت. فبعثت إلي أم سلمة بعشرة آلاف درهم، وبرذون وتخت.