عمرو بن عتبة بن صخر بن حرب
ابن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف أبو سفيان، القرشيّ، الأمويّ، العتبيّ كان من رجالات قريش، قدم على عمّه معاوية بن أبي سفيان، وسمع منه ومن جماعة من الصّحابة. وسكن البصرة؛ وفد على يزيد بن معاوية وعلى عبد الملك بن مروان.
عن العتبيّ، عن أبيه، قال: لمّا قطع عبد الملك بن مروان عن آل أبي سفيان ما كان يجريه عليهم، لمّا غضب على خالد بن يزيد بن معاوية، فدخل عليه عمرو بن عتبة بن أبي سفيان، فقال: يا أمير المؤمنين، أدنى حقك متعب، وبعضه فادح لنا، ولنا مع حقّك حقّ عليك بإكرام سلفنا إيّاك، فضعنا منك حيث وضعتنا الرّحم، وانظر إلينا بحيث نظر إليك سلفنا. فقال عبد الملك: أمّا من استعصى عطيّتنا فسنعطيه، وأمّا من ظنّ أنه مستغن عنّا فسندعه في نفسه. وردّ عليه وعلى ولد أبيه ما كان يجريه عليهم وأقطعه قطيعةً. فبلغ ذلك خالداً فقال: أبا لحرمان يهدّدني عبد الملك؟؟؟؟؟؟! يد الله فوق يده باسطة، وعطاؤه دونه مبذول، فأمّا عمرو فقد أعطى من نفسه أكثر مّما أخذ لها.
عن العتبيّ، عن أبيه، عن أبي خالد، قال: قدم محمد بن عمير بن عطارد البصرة، فاستزاره عمرو بن عتبة، فقال له محمد بن عمير: يا أبا سفيان، ما بال العرب يطيلون الكلام في حال ويقصّرونه في حال وخاصةً قريش؟ قال عمرو: يا هذا، بالجندل يرمى الجندل؛ إن كلامنا كلام يقلّ لفظه ويكثر معناه، ويكتفى بأولاه ويشتفى بأخراه، يتحدّر تحدّر الزّلال على الكبد الحرّى، ولقد نقصوا كما نقص غيرهم، بعد أقوام والله أدركتهم سهلت لهم ألفاظهم كما سهلت لهم أخلاقهم، وصاروا حديثاً حسناً، عاقبته في الآخرة أحسن؛ ولله درّ مادحهم حيث يقول: من الخفيف
وضع الدّهر فيهم شفرتيه ... فمضى سالماً وأضحوا شعوبا
شفرتان أدهشتا والله من كان قبلهم، فأذهبت أبدانهم وأبقت آثارهم؛ فيا موعوظاً بمن كان قبله وموعوظاً به هو آت بعده، اربح نفسك إذ خسرها غيرك؛ ثم أنشد: من الطويل
إذا غاب رهط المرء غاب نصيره ... وأطرق وسط القوم وهو جليد
وأكثر غضّ الطّرف دون عدوّه ... فأغضى وطرف العين منه حديد
وإن امرءاً يأتي له الحول لا يرى ... من النّاس إلاّ الأبعدين وحيد
عن العتبيّ، عن أبي خالد، عن أبيه، قال: قال أبي: وصيّتني إيّاك بما أوصاني به مولاك؛ كنت وصيفاً لعمرو بن عتبة بن أبي سفيان، فأسلمني في المكتب، فلمّا حذقت وتأدّبت ألزمني خدمته، فقال لي يوماً: يا أبا يزيد. فالتفتّ يمنةً وشامةً أنظر من يعني. فقال: إيّاك أعني؛ إنّا معاشر قريش لا ندعو موالينا بأسمائهم، إنك أمس كنت لي. وأنت اليوم منّي، وإن النّاس لا ينسبون إلى آبائهم بولادتهم إيّاهم، ولكن ينسبون إليهم بحكم الله فيهم؛ ألا ترى لو أن رجلاً أولد امرأةً من غير حلّ لم يكن ولدها له ولداً؟ فلمّا كان المولود بحكم الله من أبيه كان المولى من أقاربه بحكم رسول الله، فاستدم النّعمة عليك بالشّكر عليها منك.
عن سفيان بن عمرو بن عتبة، قال: لمّا بلغت خمس عشرة سنةً قال لي أبي: أي بنيّ، قد انقطعت عنك شرائع الصّبا، فاختلط بالخير تكن من أهله، ولا تزايله فتبين منه كله، ولا يغرّنّك من اغتّر بالله فيك فمدحك ما تعلم خلافه من نفسك، واعلم أنه يا بنيّ لا يقول أحد من الخير مالا يعلم إذا رضي إلاّ قال فيه مثله من الشّرّ ما ليس فيه إذا سخط؛ فاستأنس بالوحدة من جلساء السّوء تسلم من عواقبهم، ولا تنقل حسن ظنّي بك إلى غيره.
قال سفيان: فما زال كلام أبي لي قبلةً أنتقل معها ولا أنتقل عنها؛ وما شيء أحمد مغبّةً من ناصح معروف نصحه.
ابن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف أبو سفيان، القرشيّ، الأمويّ، العتبيّ كان من رجالات قريش، قدم على عمّه معاوية بن أبي سفيان، وسمع منه ومن جماعة من الصّحابة. وسكن البصرة؛ وفد على يزيد بن معاوية وعلى عبد الملك بن مروان.
عن العتبيّ، عن أبيه، قال: لمّا قطع عبد الملك بن مروان عن آل أبي سفيان ما كان يجريه عليهم، لمّا غضب على خالد بن يزيد بن معاوية، فدخل عليه عمرو بن عتبة بن أبي سفيان، فقال: يا أمير المؤمنين، أدنى حقك متعب، وبعضه فادح لنا، ولنا مع حقّك حقّ عليك بإكرام سلفنا إيّاك، فضعنا منك حيث وضعتنا الرّحم، وانظر إلينا بحيث نظر إليك سلفنا. فقال عبد الملك: أمّا من استعصى عطيّتنا فسنعطيه، وأمّا من ظنّ أنه مستغن عنّا فسندعه في نفسه. وردّ عليه وعلى ولد أبيه ما كان يجريه عليهم وأقطعه قطيعةً. فبلغ ذلك خالداً فقال: أبا لحرمان يهدّدني عبد الملك؟؟؟؟؟؟! يد الله فوق يده باسطة، وعطاؤه دونه مبذول، فأمّا عمرو فقد أعطى من نفسه أكثر مّما أخذ لها.
عن العتبيّ، عن أبيه، عن أبي خالد، قال: قدم محمد بن عمير بن عطارد البصرة، فاستزاره عمرو بن عتبة، فقال له محمد بن عمير: يا أبا سفيان، ما بال العرب يطيلون الكلام في حال ويقصّرونه في حال وخاصةً قريش؟ قال عمرو: يا هذا، بالجندل يرمى الجندل؛ إن كلامنا كلام يقلّ لفظه ويكثر معناه، ويكتفى بأولاه ويشتفى بأخراه، يتحدّر تحدّر الزّلال على الكبد الحرّى، ولقد نقصوا كما نقص غيرهم، بعد أقوام والله أدركتهم سهلت لهم ألفاظهم كما سهلت لهم أخلاقهم، وصاروا حديثاً حسناً، عاقبته في الآخرة أحسن؛ ولله درّ مادحهم حيث يقول: من الخفيف
وضع الدّهر فيهم شفرتيه ... فمضى سالماً وأضحوا شعوبا
شفرتان أدهشتا والله من كان قبلهم، فأذهبت أبدانهم وأبقت آثارهم؛ فيا موعوظاً بمن كان قبله وموعوظاً به هو آت بعده، اربح نفسك إذ خسرها غيرك؛ ثم أنشد: من الطويل
إذا غاب رهط المرء غاب نصيره ... وأطرق وسط القوم وهو جليد
وأكثر غضّ الطّرف دون عدوّه ... فأغضى وطرف العين منه حديد
وإن امرءاً يأتي له الحول لا يرى ... من النّاس إلاّ الأبعدين وحيد
عن العتبيّ، عن أبي خالد، عن أبيه، قال: قال أبي: وصيّتني إيّاك بما أوصاني به مولاك؛ كنت وصيفاً لعمرو بن عتبة بن أبي سفيان، فأسلمني في المكتب، فلمّا حذقت وتأدّبت ألزمني خدمته، فقال لي يوماً: يا أبا يزيد. فالتفتّ يمنةً وشامةً أنظر من يعني. فقال: إيّاك أعني؛ إنّا معاشر قريش لا ندعو موالينا بأسمائهم، إنك أمس كنت لي. وأنت اليوم منّي، وإن النّاس لا ينسبون إلى آبائهم بولادتهم إيّاهم، ولكن ينسبون إليهم بحكم الله فيهم؛ ألا ترى لو أن رجلاً أولد امرأةً من غير حلّ لم يكن ولدها له ولداً؟ فلمّا كان المولود بحكم الله من أبيه كان المولى من أقاربه بحكم رسول الله، فاستدم النّعمة عليك بالشّكر عليها منك.
عن سفيان بن عمرو بن عتبة، قال: لمّا بلغت خمس عشرة سنةً قال لي أبي: أي بنيّ، قد انقطعت عنك شرائع الصّبا، فاختلط بالخير تكن من أهله، ولا تزايله فتبين منه كله، ولا يغرّنّك من اغتّر بالله فيك فمدحك ما تعلم خلافه من نفسك، واعلم أنه يا بنيّ لا يقول أحد من الخير مالا يعلم إذا رضي إلاّ قال فيه مثله من الشّرّ ما ليس فيه إذا سخط؛ فاستأنس بالوحدة من جلساء السّوء تسلم من عواقبهم، ولا تنقل حسن ظنّي بك إلى غيره.
قال سفيان: فما زال كلام أبي لي قبلةً أنتقل معها ولا أنتقل عنها؛ وما شيء أحمد مغبّةً من ناصح معروف نصحه.