حبيب بن محمد أبو محمد العجمي
بصري من الزهاد. قدم الشام، وبها لقي الفرزدق.
حدث عن شهر بن حوشب، عن أبي ذر قال: إن الله عزّ وجلّ يقول: " يا جبريل، انسخ من قلب عبدي المؤمن الحلاوة التي كان يجدها، فيصير العبد المؤمن والهاً، طالباً للذي كان يعهد من نفسه، نزلت به مصيبة لم
تنزل به مثلها، فإذا نظر الله إليه على تلك الحال قال: يا جبريل ردّ إلى قلب عبدي ما نسخت منه فقد ابتليته فوجدته صادقاً، وسأمدّه من قبلي بزيادة. وإذا كان عبداً كذاباً لم يكترث ولم يبال ".
حدث أبو محمد حبيب، أنه سمع الحسن قال: الأوّاه الذي قلبه معلق عند الله.
قال حبيب أبو محمد: رأيت الفرزدق بالشام فقال: قال لي أبو هريرة: إنه سيأتيك قوم يوئسونك من رحمة الله فلا تيأس.
قال أبو جعفر السائح: كان حبيب تاجراً يعير الدراهم، فمر ذات يوم بصبيان يلصّون، فقال بعضهم: قد جاء آكل الربا، فنكس رأسه وقال: يا رب، أفشيت سرّي إلى الصبيان، فرجع فلبس مدرعة من شعر، وغل يده، ووضع ماله بين يديه، وجعل يقول: يا رب، غني أشتري نفسي منك بهذا المال فأعتقني، فلما أصبح تصدق بالمال كله وأخذ في العبادة، فلم ير إلا صائماً أو قائماً أو ذاكراً أو مصلياً، فمر ذات يوم بأولئك الصبيان الذين كانوا عيّروه بأكل الربا، فلما نظروا إلى حبيب قال بعضهم لبعض: اسكتوا فقد جاء حبيب العابد، فبكى وقال: يا رب، أنت تذم مرة وتحمد مرة، فكل من عندك.
وبلغ من فضله أنه كان يقال: إنه مستجاب الدعاء. وأتاه الحسن هارباً من الحجاج فقال الحسن: يا أبا محمد، احفظني من الشرط على إثري، فقال: استحييت لك يا أبا سعيد، ليس بينك وبين ربك من الثقة ما تدعو فيسترك من هؤلاء، ادخل البيت فدخل، ودخل الشرط على إثره فقالوا: يا أبا محمد، دخل الحسن هاهنا؟ قال: هذا بيتي فادخلوا، فدخلوا فلم يروا الحسن في البيت. وذكروا ذلك للحجاج، فقال: بلى، كان في بيته، ولكن الله طمس على أعينكم فلم تروه.
قال عبد الواحد بن زيد: كان في حبيب العجمي خصلتان من خصال الأنبياء: النصيحة والرحمة.
قال عبد الواحد بن زيد: كنا عند مالك بن دينار ومعنا محمد بن واسع وحبيب أبو محمد، فجاء رجل فكلم مالكاً فأغلظ له في قسمة قسمها، وقال: وضعتها في غير حقها، وتتبعت بها أهل مجلسك ومن يغشاك، لتكثر غاشيتك وتصرف وجوه الناس إليك. قال: فبكى مالك وقال: والله ما أردت هذا. قال: بلى، والله لقد أردته، فجعل مالك يبكي والرجل يغلظ له، فلما كثر ذلك عليهم رفع حبيب يديه إلى السماء ثم قال: اللهم إن هذا قد شغلنا عن ذكرك، فأرحنا منه كيف شئت. قال: فسقط والله الرجل على وجهه ميتاً فحمل إلى أهله على سرير. وكان يقال: إن أبا محمد مجاب الدعوة.
قال الحسن بن أبي جعفر: مرّ الأمير يوماً، فصاحوا: الطريق. ففرج الناس، وبقيت عجوز كبيرة لا تقدر أن تمشي،، فجاء بعض الجلاوزة فضربها بسوط ضربة. فقال حبيب أبو محمد: اللهم اقطع يده. فما لبثنا إلا ثلاثاً حتى مرّ بالرجل قد أخذ في سرقة، فقطعت يده.
حدث مسلم أن رجلاً أتى حبيباً أبا محمد فقال: إن لي عليك ثلاث مائة درهم. قال: من أين صارت لك عليّ؟ قال: لي عليك ثلاث مائة درهم. قال حبيب: اذهب إلى غد، فلما كان من الليل توضأ وصلى وقال: اللهم إن كان هذا صادقاً فأدّ إليه، وإن كان كاذباً فابتله في يده، قال: فجيء بالرجل من غد قد حمل، وقد ضرب شقّه الفالج فقال: مالك؟ قال أنا الذي جئتك أمس لم يكن لي عليك شيء، وإنما قلت: يستحي من الناس فيعطيني فقال له: تعود؟ قال: لا. قال: اللهم إن كان صادقاً فألبسه العافية. فقام الرجل على الأرض كأن لم يكن به شيء.
قال حبيب: أتانا سائل وقد عجنت عمرة، وذهبت تجيء بنار تخبزه. فقلت للسائل: خذ
العجين. قال: فاحتمله. فجاءت عمرة فقالت: أين العجين؟ فقلت: ذهبوا يخبزونه. فلما أكثرت عليّ أخبرتها، فقالت: سبحان الله، لا بد لنا من شيء نأكله، قال: فإذا رجل قد جاء بجفنة عظيمة مملوءة خبزاً ولحماً. فقالت عمرة: ما أسرع ما ردوه عليك، قد خبزوه وجعلوا معه لحماً.
قال ابن المبارك: كان حبيب العجمي يضع كيسه خالياً، فيجده ملآن.
قال السّري بن يحيى: كان حبيب أبو محمد يرى بالبصرة عشية التروية، ويرى بعرفات عشية عرفات.
قال جعفر بن سليمان: سمعت حبيباً يقول: أتى زوّر لنا وقد طبخنا سمكاً وكنا نريد أن نأكله، فأبطأ الزوّر في القعود، فلما قام قلت لعمرة: هاتي حتى نأكله، قال: فجاءت به فإذا هو دم عبيط، فألقيناه في الحشّ.
قال عبد العزيز بن محمد: مرّ حبيب بمصلوب بالبصرة، فوقف عنده فقال: بأبي ذلك اللسان الذي كنت تقول: لا إله إلا الله، اللهم هب لي دينه. قال: وكان صلب ووجهه إلى الشرق، فأصبحت خشبته قد استدارت إلى القبلة.
قال داود بن رشيد: قيل لحبيب الفارسي في مرضه الذي مات فيه: ما هذا الجزع الذي ما كنا نعرفه منك! فقال: سفري بعيد بلا زاد، وينزل بي في حفرة من الأرض موحشة بلا مؤنس وأقدم على ملك جبار قد قدم إلى العذر.
قال عبد الواحد بن زيد: إن حبيباً أبا محمد جزع جزعاً شديداً عند الموت، فجعل يقول بالفارسية: أريد أن أسافر سفراً ما سافرته قط، أريد أن أسلك طريقاً ما سلكته قط، أريد أن أزور سيّدي ومولاي ما رأيته قط، أريد أن أشرف على أهوال ما شاهدت مثلها قط، أريد أن أدخل تحت التراب، فأبقى إلى يوم القيامة، ثم أوقف بين يدي الله عز وجل، فأخاف أن يقول
لي: يا حبيب، هات تسبيحة واحدة سبحتني في ستين سنة لم يظفر بك الشيطان فيها بشيء. فماذا أقول وليس لي حيلة؟ أقول: يا رب هو ذا، قد أتيتك مقبوض اليدين إلى عنقي. قال عبد الواحد: هذا عبد الله ستين سنة مشتغلاً به، ولم يشتغل من الدنيا بشيء قط. فأي شيء يكون حالنا! واغوثاه يا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
بصري من الزهاد. قدم الشام، وبها لقي الفرزدق.
حدث عن شهر بن حوشب، عن أبي ذر قال: إن الله عزّ وجلّ يقول: " يا جبريل، انسخ من قلب عبدي المؤمن الحلاوة التي كان يجدها، فيصير العبد المؤمن والهاً، طالباً للذي كان يعهد من نفسه، نزلت به مصيبة لم
تنزل به مثلها، فإذا نظر الله إليه على تلك الحال قال: يا جبريل ردّ إلى قلب عبدي ما نسخت منه فقد ابتليته فوجدته صادقاً، وسأمدّه من قبلي بزيادة. وإذا كان عبداً كذاباً لم يكترث ولم يبال ".
حدث أبو محمد حبيب، أنه سمع الحسن قال: الأوّاه الذي قلبه معلق عند الله.
قال حبيب أبو محمد: رأيت الفرزدق بالشام فقال: قال لي أبو هريرة: إنه سيأتيك قوم يوئسونك من رحمة الله فلا تيأس.
قال أبو جعفر السائح: كان حبيب تاجراً يعير الدراهم، فمر ذات يوم بصبيان يلصّون، فقال بعضهم: قد جاء آكل الربا، فنكس رأسه وقال: يا رب، أفشيت سرّي إلى الصبيان، فرجع فلبس مدرعة من شعر، وغل يده، ووضع ماله بين يديه، وجعل يقول: يا رب، غني أشتري نفسي منك بهذا المال فأعتقني، فلما أصبح تصدق بالمال كله وأخذ في العبادة، فلم ير إلا صائماً أو قائماً أو ذاكراً أو مصلياً، فمر ذات يوم بأولئك الصبيان الذين كانوا عيّروه بأكل الربا، فلما نظروا إلى حبيب قال بعضهم لبعض: اسكتوا فقد جاء حبيب العابد، فبكى وقال: يا رب، أنت تذم مرة وتحمد مرة، فكل من عندك.
وبلغ من فضله أنه كان يقال: إنه مستجاب الدعاء. وأتاه الحسن هارباً من الحجاج فقال الحسن: يا أبا محمد، احفظني من الشرط على إثري، فقال: استحييت لك يا أبا سعيد، ليس بينك وبين ربك من الثقة ما تدعو فيسترك من هؤلاء، ادخل البيت فدخل، ودخل الشرط على إثره فقالوا: يا أبا محمد، دخل الحسن هاهنا؟ قال: هذا بيتي فادخلوا، فدخلوا فلم يروا الحسن في البيت. وذكروا ذلك للحجاج، فقال: بلى، كان في بيته، ولكن الله طمس على أعينكم فلم تروه.
قال عبد الواحد بن زيد: كان في حبيب العجمي خصلتان من خصال الأنبياء: النصيحة والرحمة.
قال عبد الواحد بن زيد: كنا عند مالك بن دينار ومعنا محمد بن واسع وحبيب أبو محمد، فجاء رجل فكلم مالكاً فأغلظ له في قسمة قسمها، وقال: وضعتها في غير حقها، وتتبعت بها أهل مجلسك ومن يغشاك، لتكثر غاشيتك وتصرف وجوه الناس إليك. قال: فبكى مالك وقال: والله ما أردت هذا. قال: بلى، والله لقد أردته، فجعل مالك يبكي والرجل يغلظ له، فلما كثر ذلك عليهم رفع حبيب يديه إلى السماء ثم قال: اللهم إن هذا قد شغلنا عن ذكرك، فأرحنا منه كيف شئت. قال: فسقط والله الرجل على وجهه ميتاً فحمل إلى أهله على سرير. وكان يقال: إن أبا محمد مجاب الدعوة.
قال الحسن بن أبي جعفر: مرّ الأمير يوماً، فصاحوا: الطريق. ففرج الناس، وبقيت عجوز كبيرة لا تقدر أن تمشي،، فجاء بعض الجلاوزة فضربها بسوط ضربة. فقال حبيب أبو محمد: اللهم اقطع يده. فما لبثنا إلا ثلاثاً حتى مرّ بالرجل قد أخذ في سرقة، فقطعت يده.
حدث مسلم أن رجلاً أتى حبيباً أبا محمد فقال: إن لي عليك ثلاث مائة درهم. قال: من أين صارت لك عليّ؟ قال: لي عليك ثلاث مائة درهم. قال حبيب: اذهب إلى غد، فلما كان من الليل توضأ وصلى وقال: اللهم إن كان هذا صادقاً فأدّ إليه، وإن كان كاذباً فابتله في يده، قال: فجيء بالرجل من غد قد حمل، وقد ضرب شقّه الفالج فقال: مالك؟ قال أنا الذي جئتك أمس لم يكن لي عليك شيء، وإنما قلت: يستحي من الناس فيعطيني فقال له: تعود؟ قال: لا. قال: اللهم إن كان صادقاً فألبسه العافية. فقام الرجل على الأرض كأن لم يكن به شيء.
قال حبيب: أتانا سائل وقد عجنت عمرة، وذهبت تجيء بنار تخبزه. فقلت للسائل: خذ
العجين. قال: فاحتمله. فجاءت عمرة فقالت: أين العجين؟ فقلت: ذهبوا يخبزونه. فلما أكثرت عليّ أخبرتها، فقالت: سبحان الله، لا بد لنا من شيء نأكله، قال: فإذا رجل قد جاء بجفنة عظيمة مملوءة خبزاً ولحماً. فقالت عمرة: ما أسرع ما ردوه عليك، قد خبزوه وجعلوا معه لحماً.
قال ابن المبارك: كان حبيب العجمي يضع كيسه خالياً، فيجده ملآن.
قال السّري بن يحيى: كان حبيب أبو محمد يرى بالبصرة عشية التروية، ويرى بعرفات عشية عرفات.
قال جعفر بن سليمان: سمعت حبيباً يقول: أتى زوّر لنا وقد طبخنا سمكاً وكنا نريد أن نأكله، فأبطأ الزوّر في القعود، فلما قام قلت لعمرة: هاتي حتى نأكله، قال: فجاءت به فإذا هو دم عبيط، فألقيناه في الحشّ.
قال عبد العزيز بن محمد: مرّ حبيب بمصلوب بالبصرة، فوقف عنده فقال: بأبي ذلك اللسان الذي كنت تقول: لا إله إلا الله، اللهم هب لي دينه. قال: وكان صلب ووجهه إلى الشرق، فأصبحت خشبته قد استدارت إلى القبلة.
قال داود بن رشيد: قيل لحبيب الفارسي في مرضه الذي مات فيه: ما هذا الجزع الذي ما كنا نعرفه منك! فقال: سفري بعيد بلا زاد، وينزل بي في حفرة من الأرض موحشة بلا مؤنس وأقدم على ملك جبار قد قدم إلى العذر.
قال عبد الواحد بن زيد: إن حبيباً أبا محمد جزع جزعاً شديداً عند الموت، فجعل يقول بالفارسية: أريد أن أسافر سفراً ما سافرته قط، أريد أن أسلك طريقاً ما سلكته قط، أريد أن أزور سيّدي ومولاي ما رأيته قط، أريد أن أشرف على أهوال ما شاهدت مثلها قط، أريد أن أدخل تحت التراب، فأبقى إلى يوم القيامة، ثم أوقف بين يدي الله عز وجل، فأخاف أن يقول
لي: يا حبيب، هات تسبيحة واحدة سبحتني في ستين سنة لم يظفر بك الشيطان فيها بشيء. فماذا أقول وليس لي حيلة؟ أقول: يا رب هو ذا، قد أتيتك مقبوض اليدين إلى عنقي. قال عبد الواحد: هذا عبد الله ستين سنة مشتغلاً به، ولم يشتغل من الدنيا بشيء قط. فأي شيء يكون حالنا! واغوثاه يا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.