وبسر بن أرطاة
- وبسر بن أرطاة. ويقال: ابن أبي أرطاة بن عويمر بن عمران بن الحليس بن سيار بن نزار بن معيص بن عامر بن لؤي, أتى الشام واليمن ومات بالمدينة وقد خرف, وله دار بالبصرة, ومات في ولاية عبد الملك بن مروان.
- وبسر بن أرطاة. ويقال: ابن أبي أرطاة بن عويمر بن عمران بن الحليس بن سيار بن نزار بن معيص بن عامر بن لؤي, أتى الشام واليمن ومات بالمدينة وقد خرف, وله دار بالبصرة, ومات في ولاية عبد الملك بن مروان.
بسر بن أرطاة.
* قال ابن معين: أهل المدينة ينكرون أن يكون بسر بن أرطاة يسمع من النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- وقال ابن معين: بسر بن أرطاة رجل سوء.
* قال البيهقي: إنَّما قال ذلك يحيى لما ظهر من سوء فعله في قتال أهل الحَرَّة وغيره (السنن الكبرى: 9/ 104 - 105).
* قال ابن معين: أهل المدينة ينكرون أن يكون بسر بن أرطاة يسمع من النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- وقال ابن معين: بسر بن أرطاة رجل سوء.
* قال البيهقي: إنَّما قال ذلك يحيى لما ظهر من سوء فعله في قتال أهل الحَرَّة وغيره (السنن الكبرى: 9/ 104 - 105).
بسر بن أرطاة
ويقال: ابن أبي أرطاة، عمير بن عويمر بن عمران بن الحليس بن سيار بن نزار بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر، أبو عبد الرحمن العامري.
له صحبة؛ ويقال: لا صحبة له.
وسكن دمشق، وشهد صفين مع معاوية، وكان على رجالة أهل دمشق.
وولاه معاوية اليمن، وكانت له بها آثار غير محمودة.
وقيل: إنه خزف قبل موته.
روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثين.
روي عن بسر بن أرطاة: أنه كان يدعو كلما ارتحل: اللهم إنا نستعينك على أمرنا كله، فأحسن عونك، ونسألك خير المحيا وخير الممات.
فقال له عبيدة المليكي: أمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمعتها؟ قال
بسر: نعم، كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو بها.
وكان بسر كلما ارتحل يقول: إنا مرتحلون وربنا محمود.
قال الحافظ:
هذا إسنادٌ غريب، ومتنٌ غير محفوظ، والمحفوظ عن بسر بن أرطاة، أنه سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو: " اللهم أحسن عاقبتي في الأمور كلها، وأجرني من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ".
وعن جنادة بن أبي أمية: أنه قال على المنبر برودس حين جلد الرجلين اللذين سرقا غنائم الناس فقال: إنه لم يمنعني من قطعهما إلا أن بسر بن أبي أرطاة وجد رجلاً سرق في الغزو يقال له مصدر، فجلده ولم يقطع يده وقال: نهانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن القطع في الغزو.
وحدث بسر أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تقطع الأيدي في الغزو ".
قال الواقدي: ولد بسر قبل وفاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين، وقبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو صغير.
وأنكر أن يكون روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ روايةً أو سماعاً.
وغيره قال: أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عنه، وكان يسكن الشام، وبقي إلى خلافة عبد الملك بن مروان.
وأمه بنت الأبرص بن الحليس بن سيار بن نزار بن معيص بن عامر بن لؤي.
فولد بسر الوليد لأم ولدٍ.
وشهد بسر فتح مصر، واختط بها؛ وله بمصر دار بسر، وحمام بسر.
وكان من شيعة معاوية، وشهد معه صفين.
وكان معاوية وجهه إلى اليمن والحجاز في أول سنة أربعين؛ وأمره أن يتقرى من كان في طاعة علي فيوقع بهم، ففعل بمكة والمدينة واليمن
أفعالاً قبيحة.
وقي ولي البحر لمعاوية، وكان وسوس في آخر أيامه، وكان إذا لقي إنساناً قال: أين شيخي؟ أين عثمان؟ ويسل سيفاً؛ فلما رأوا ذلك جعلوا له في جفنه سيفاً من خشب، فكان إذا ضرب به لم يضر.
قال أبو الحسن الدارقطني: بسر بن أرطاة له صحبة ولم يكن له استقامة بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال العلاء بن سفيان: غزا بسر بن أرطاة الروم، فجعلت ساقته لا يزال يصاب منها طرف، فجعل يلتمس أن يصيب الذين يلتمسون عورة ساقته فيكمن لهم كمين، فيصاب الكمين، فجعلت بعوثه تلك لا تصيب ولا تظفر؛ فلما رأى ذلك تخلف في مائةٍ من جيشه، ثم جعل يتأخر حتى تخاف وحده، فبينا هو يسير في بعض أودية الروم إذ رفع إلى قرية ذات جوز كثير، وإذا براذين مربطة بالجوز ثلاثين برذوناً، والكنيسة إلى جانبهم، فيها فرسان تلك البراذين الذين كانوا يعقبونه في ساقته؛ فنزل عن فرسه فربطه مع تلك البراذين، ثم مضى حتى أتى الكنيسة فدخلها، ثم أغلق عليه وعليهم بابها، فجعلت الروم تعجب من إغلاقه وهو وحده؛ فما استقلوا إلى رماحهم حتى صرع ثلاثة، وفقده أصحابه، فلاموا أنفسهم وقالوا: إنكم لأهلٌ أن تجعلوا مثلاً للناس؛ إن كبيركم خرج معكم فضيعتموه حتى هلك، ولم يهلك منكم أحد! فبينا هم يسيرون في ذلك الوادي حتى أتوا مرابط تلك البراذين؛ فإذا فرسه مربوطٌ معها، فعرفوه، وسمعوا الجلبة في الكنيسة فأتوها، فإذا بابها مغلق، فبلغوا طائفةً من سقفها، فنزلوا عليهم وهو ممسكٌ طائفةً من أمعائه بيده اليسرى والسيف بيده اليمنى؛ فلما تمكن أصحابه في الكنيسة سقط بسر مغشياً عليه؛ فأقبلوا على من كان بقي فأسروه وقبلوا.
فأقبلت عليهم الأسارى فقالوا: ننشدكم الله، من هذا الذي دخل علينا؟ قالوا: بسر بن أرطاة.
فقالوا: ما ولدت النساء مثله.
فعمدوا إلى معاه فردوه في
جوفه، ولم يخرق منه شيء، ثم عصبوه بعمائمهم، وحملوه على شقه الذي ليست به جراح، حتى أتوا به المعسكر فخاطوه، فسلم وعوفي.
قال أيوب بن ميسرة بن حلبس: كان بسر بن أرطاة على شاتيةٍ بأرض الروم، قال: فوافق يوم الضحى؛ فالتمسوا الضحايا فلم يجدوها، فقام في الناس يوم الأضحى فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إنا قد التمسنا الضحايا اليوم والتمسوها، فلم نقدر على شيء - قال: وكانت معه نجيبةٌ له يشرب لبنها لقوح - ولم نجد شيئاً نضحي به إلا هذه النجيبة، فأنا مضحٍّ بها عني وعنكم، فإن الإمام أبٌ وولد.
ثم قام فنحرها فقال: اللهم تقبل من بسرٍ ومن بنيه.
ثم قسموا لحمها بين الأجناد، حتى صار لهم منها جزءٌ من الأجزاء مع الناس.
وعن شريح بن عبيد أن بسر بن أرطاة قال: والله ما عزمت على قوم قط عزيمةً إلا استغفرت لهم حينئذٍ ثم قلت: اللهم لا حرج عليهم.
روى الشعبي:
أن معاوية بن أبي سفيان أرسل بسر بن أرطاة القرشي ثم العامري في جيش من الشام، فسار حتى قدم المدينة، وعليها يومئذ أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري صاحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فهرب منه أبو أيوب إلى عليٍّ بالكوفة.
فصعد بسر منبر المدينة، ولم يقاتله بها أحد، فجعل ينادي: يا دينار، يا زريق، يا نجار، شيخٌ سمحٌ عهدته هاهنا بالأمس - يعني عثمان رضي الله عنه - وجعل يقول: يا أهل المدينة، والله لولا ما عهد إلي أمير المؤمنين، ما تركت بها محتلماً إلا قتلته.
وبايع أهل المدينة لمعاوية.
وأرسل إلى بني سلمة فقال: لا والله ما لكم عندي من أمان ولا مبايعة حتى تأتوني بجابر بن عبد الله صاحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج جابر بن عبد الله حتى دخل على أم سلمة خفياً فقال لها: يا أمه!
قد خشيت على ديني، وهذه بيعةٌ ضلالة.
فقالت له: أرى أن تبايع، فقد أمرت ابني عمر بن أبي سلمة أن يبايع، فخرج جابر بن عبد الله فبايع بسر بن أرطاة لمعاوية.
وهدم بسر دوراً كثيرة بالمدينة، ثم خرج حتى أتى مكة، فخافه أبو موسى الأشعري وهو يومئذٍ بمكة، فتنحى عنه، فبلغ ذلك بسراً فقال: ما كنت لأوذي أبا موسى، ما أعرفني بحقه وفضله! ثم مضى إلى اليمن، وعليها يومئذٍ عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب عاملاً لعلي بن أبي طالب، فلما بلغ عبيد الله أن بسراً قد توجه إليه هرب إلى علي، واستخلف عبد الله بن عبد المدان المرادي.
وكانت عائشة بنت عبد الله بن عبد المدان قد ولدت من عبيد الله غلامين من أحسن صبيان الناس وأوضئه وأنظفه، وهما عبد الرحمن وقثم، فذبحهما ذبحاً.
وكانت أمهما قد هامت بهما وكادت تخالط في عقلها.
وكانت تنشدهما في الموسم في كل عام تقول: " من البسيط "
ها من أحسن بنييّ اللذين هما ... كالدرتين تجلى عنهما الصدف
ها من أحسن بنييّ اللذين هما ... سمعي وقلبي فقلبي اليوم مختطف
ها من أحسن بنييّ اللذين هما ... مخ العظام فمخي اليوم مزدهف
حدثت بسراً وما صدقت ما زعموا ... من قولهم ومن الإفك الذي وصفوا
أنحى على ودجي إبنيّ مرهفةً ... مشحوذةً وكذاك الإثم يقترف
من ذا لوالهةٍ حرى مفجعةٍ ... على صبيين ضلاّ إذ غدا السلف
قال: فلما بلغ علياً رضي الله عنه مسير بسرٍ وما صنع، بعث في عقب بسر بعد منصرفه من الشام جارية بن قدامة السعدي؛ فجعل لا يلقى أحداً خلع علياً إلا قتله وأحرقه بالنار حتى انتهى إلى اليمن؛ فلذلك سمت العرب جارية بن قدامة محرقاً.
قال أبو سعيد بن يونس: ويقال: إن أم عبد الرحمن وقثم ابني عبيد الله بن العباس جويرية بنت قارظ
الكنانية. وكان عبيد الله بن العباس قد جعل ابنيه هذين عبد الرحمن وقثم عند رجلٍ من بني كنانة، وكان صغيرين؛ فلما انتهى بسرٌ إلى بني كنانة بعث إليهما ليقتلهما، فلما رأى ذلك الكناني دخل بيته، وأخذ السيف ثم خرج يشتد عليهم بسيفه حاسراً وهو يقول: " من الزجر "
الليث من يمنع حافات الدار ... ولا يزال مصلتاً دون الجار
ألا فتى أروع غير غدار
فقال له بشر: ثكلتك أمك، والله ما أردنا قتلك، فلم عرضت نفسك للقتل؟! فقال: أقتل دون جاري، فعسى عند الله وعند الناس.
فضرب بسيفه حتى قتل.
وقدم بسرٌ الغلامين فذبحهما ذبحاً؛ فخرج نسوةٌ من بني كنانة، فقالت منهن قائلة: يا هذا، هذا الرجال قتلت فعلام تقتل الولدان، والله ما كانوا في جاهليةٍ ولا إسلام، والله إن سلطاناً لا يقوم إلا بقتل الضرع الصغير، والمدره الكبير، وبرفع الرحمة، وعقوق الأرحام، لسلطان سوء.
فقال لها بسر: والله لهممت أن أضع فيكن السيف.
فقالت: تالله إنها لأخت التي صنعت، وما أنا لها منك بآمنة.
ثم قالت للنساء واللائي حولها: ويحكن تفرقن.
فقالت جويرية أم الغلامين: امرأة عبيد الله بن العباس تبكيها وذكر الأبيات بعينها.
قال هشام الكلبي: من قال إن أمهما عائشة بنت عبد الله بن عبد المدان بن الديان فقد أخطأ، لم تلد عائشة الحارثية إلا ابنه العباس وابنته العالية.
قال واهب بن عبد الله المعافري:
قدمت المدينة فأتيت منزل زينب بنت فاطمة بنت عليٍّ لأسلم عليها، فدخلت عليها الدار، فإذا عندها جماعةٌ عظيمة، وإذا هي جالسة مسفرة، وإذا امرأةٌ ليست بالجليلة، ولم تطعن في السن؛ فاحتملتني الحمية والغضب لها فقلت: سبحان الله! قدرك قدرك،
وموضعك موضعك وأنت تجلسين للناس كما أرى مسفرة؟! فقالت: إن لي قصة، قال: قلت: وما تلك القصة؟ قالت: لما كان أيام الحرة، وفد أهل الشام المدينة، وفعلوا فيها ما فعلوا، وكان لي يومئذ ابنٌ قد ناهز الاحتلام.
قالت: فلم أشعر به يوماً وأنا جالسةٌ في منزلي إلا وهو يسعى وبسر بن أرطاة يسعى خلفه حتى دخل علي فألقى نفسه علي وهو يبكي، يكاد البكاء أن يفلق كبده، فقال لي بسر: ادفعيه إليّ: فأنا خيرٌ له.
قالت: فقلت له: اذهب مع عمك، قالت: فقال: لا والله لا أذهب معه يا أمة، هو والله قاتلي.
قالت فقلت: أترى عمك يقتلك!؟ لا، اذهب معه.
قالت فقال: لا والله يا أمة لا أذهب معه هو والله قاتلي.
قالت: وهو يبكي يكاد البكاء أن يفلق كبده، قالت: فلم أزل أرفق به وأسكته حتى سكن.
قالت: ثم قال لي بسر: ادفعيه إليّ فأنا خير له؛ قال فقلت: اذهب مع عمك، قالت: فقام فذهب معه، قالت: فلما خرج من باب الدار قال للغلام: امش بين يدي، قالت: وإذا بسرٌ قد اشتمل على السيف فيما بينه وبين ثيابه؛ فلما ظهر إلى السكة، رفع بسرٌ ثيابه وشهر السيف عليه من خلفه ثم علاه به، فلم يزل يضربه حتى برد.
قالت: فجاءتني الصيحة: أدركي ابنك قد قطع.
قالت: فقمت أتعثر في ثيابي، ما معي عقلي.
قالت: فإذا جماعةٌ قد أطافوا به، وإذا هو قتيل قد قطع، قالت: فألقيت نفسي عليه، وأمرت به يحمل.
قالت: فجعلت على نفسي من يومئذ لله أن لا أستتر من أحد، لأن بسراً هو أول من هتك ستري وأخرجني للناس، فالله حسيبه.
ويقال: ابن أبي أرطاة، عمير بن عويمر بن عمران بن الحليس بن سيار بن نزار بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر، أبو عبد الرحمن العامري.
له صحبة؛ ويقال: لا صحبة له.
وسكن دمشق، وشهد صفين مع معاوية، وكان على رجالة أهل دمشق.
وولاه معاوية اليمن، وكانت له بها آثار غير محمودة.
وقيل: إنه خزف قبل موته.
روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثين.
روي عن بسر بن أرطاة: أنه كان يدعو كلما ارتحل: اللهم إنا نستعينك على أمرنا كله، فأحسن عونك، ونسألك خير المحيا وخير الممات.
فقال له عبيدة المليكي: أمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمعتها؟ قال
بسر: نعم، كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو بها.
وكان بسر كلما ارتحل يقول: إنا مرتحلون وربنا محمود.
قال الحافظ:
هذا إسنادٌ غريب، ومتنٌ غير محفوظ، والمحفوظ عن بسر بن أرطاة، أنه سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو: " اللهم أحسن عاقبتي في الأمور كلها، وأجرني من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ".
وعن جنادة بن أبي أمية: أنه قال على المنبر برودس حين جلد الرجلين اللذين سرقا غنائم الناس فقال: إنه لم يمنعني من قطعهما إلا أن بسر بن أبي أرطاة وجد رجلاً سرق في الغزو يقال له مصدر، فجلده ولم يقطع يده وقال: نهانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن القطع في الغزو.
وحدث بسر أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تقطع الأيدي في الغزو ".
قال الواقدي: ولد بسر قبل وفاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين، وقبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو صغير.
وأنكر أن يكون روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ روايةً أو سماعاً.
وغيره قال: أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عنه، وكان يسكن الشام، وبقي إلى خلافة عبد الملك بن مروان.
وأمه بنت الأبرص بن الحليس بن سيار بن نزار بن معيص بن عامر بن لؤي.
فولد بسر الوليد لأم ولدٍ.
وشهد بسر فتح مصر، واختط بها؛ وله بمصر دار بسر، وحمام بسر.
وكان من شيعة معاوية، وشهد معه صفين.
وكان معاوية وجهه إلى اليمن والحجاز في أول سنة أربعين؛ وأمره أن يتقرى من كان في طاعة علي فيوقع بهم، ففعل بمكة والمدينة واليمن
أفعالاً قبيحة.
وقي ولي البحر لمعاوية، وكان وسوس في آخر أيامه، وكان إذا لقي إنساناً قال: أين شيخي؟ أين عثمان؟ ويسل سيفاً؛ فلما رأوا ذلك جعلوا له في جفنه سيفاً من خشب، فكان إذا ضرب به لم يضر.
قال أبو الحسن الدارقطني: بسر بن أرطاة له صحبة ولم يكن له استقامة بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال العلاء بن سفيان: غزا بسر بن أرطاة الروم، فجعلت ساقته لا يزال يصاب منها طرف، فجعل يلتمس أن يصيب الذين يلتمسون عورة ساقته فيكمن لهم كمين، فيصاب الكمين، فجعلت بعوثه تلك لا تصيب ولا تظفر؛ فلما رأى ذلك تخلف في مائةٍ من جيشه، ثم جعل يتأخر حتى تخاف وحده، فبينا هو يسير في بعض أودية الروم إذ رفع إلى قرية ذات جوز كثير، وإذا براذين مربطة بالجوز ثلاثين برذوناً، والكنيسة إلى جانبهم، فيها فرسان تلك البراذين الذين كانوا يعقبونه في ساقته؛ فنزل عن فرسه فربطه مع تلك البراذين، ثم مضى حتى أتى الكنيسة فدخلها، ثم أغلق عليه وعليهم بابها، فجعلت الروم تعجب من إغلاقه وهو وحده؛ فما استقلوا إلى رماحهم حتى صرع ثلاثة، وفقده أصحابه، فلاموا أنفسهم وقالوا: إنكم لأهلٌ أن تجعلوا مثلاً للناس؛ إن كبيركم خرج معكم فضيعتموه حتى هلك، ولم يهلك منكم أحد! فبينا هم يسيرون في ذلك الوادي حتى أتوا مرابط تلك البراذين؛ فإذا فرسه مربوطٌ معها، فعرفوه، وسمعوا الجلبة في الكنيسة فأتوها، فإذا بابها مغلق، فبلغوا طائفةً من سقفها، فنزلوا عليهم وهو ممسكٌ طائفةً من أمعائه بيده اليسرى والسيف بيده اليمنى؛ فلما تمكن أصحابه في الكنيسة سقط بسر مغشياً عليه؛ فأقبلوا على من كان بقي فأسروه وقبلوا.
فأقبلت عليهم الأسارى فقالوا: ننشدكم الله، من هذا الذي دخل علينا؟ قالوا: بسر بن أرطاة.
فقالوا: ما ولدت النساء مثله.
فعمدوا إلى معاه فردوه في
جوفه، ولم يخرق منه شيء، ثم عصبوه بعمائمهم، وحملوه على شقه الذي ليست به جراح، حتى أتوا به المعسكر فخاطوه، فسلم وعوفي.
قال أيوب بن ميسرة بن حلبس: كان بسر بن أرطاة على شاتيةٍ بأرض الروم، قال: فوافق يوم الضحى؛ فالتمسوا الضحايا فلم يجدوها، فقام في الناس يوم الأضحى فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إنا قد التمسنا الضحايا اليوم والتمسوها، فلم نقدر على شيء - قال: وكانت معه نجيبةٌ له يشرب لبنها لقوح - ولم نجد شيئاً نضحي به إلا هذه النجيبة، فأنا مضحٍّ بها عني وعنكم، فإن الإمام أبٌ وولد.
ثم قام فنحرها فقال: اللهم تقبل من بسرٍ ومن بنيه.
ثم قسموا لحمها بين الأجناد، حتى صار لهم منها جزءٌ من الأجزاء مع الناس.
وعن شريح بن عبيد أن بسر بن أرطاة قال: والله ما عزمت على قوم قط عزيمةً إلا استغفرت لهم حينئذٍ ثم قلت: اللهم لا حرج عليهم.
روى الشعبي:
أن معاوية بن أبي سفيان أرسل بسر بن أرطاة القرشي ثم العامري في جيش من الشام، فسار حتى قدم المدينة، وعليها يومئذ أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري صاحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فهرب منه أبو أيوب إلى عليٍّ بالكوفة.
فصعد بسر منبر المدينة، ولم يقاتله بها أحد، فجعل ينادي: يا دينار، يا زريق، يا نجار، شيخٌ سمحٌ عهدته هاهنا بالأمس - يعني عثمان رضي الله عنه - وجعل يقول: يا أهل المدينة، والله لولا ما عهد إلي أمير المؤمنين، ما تركت بها محتلماً إلا قتلته.
وبايع أهل المدينة لمعاوية.
وأرسل إلى بني سلمة فقال: لا والله ما لكم عندي من أمان ولا مبايعة حتى تأتوني بجابر بن عبد الله صاحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج جابر بن عبد الله حتى دخل على أم سلمة خفياً فقال لها: يا أمه!
قد خشيت على ديني، وهذه بيعةٌ ضلالة.
فقالت له: أرى أن تبايع، فقد أمرت ابني عمر بن أبي سلمة أن يبايع، فخرج جابر بن عبد الله فبايع بسر بن أرطاة لمعاوية.
وهدم بسر دوراً كثيرة بالمدينة، ثم خرج حتى أتى مكة، فخافه أبو موسى الأشعري وهو يومئذٍ بمكة، فتنحى عنه، فبلغ ذلك بسراً فقال: ما كنت لأوذي أبا موسى، ما أعرفني بحقه وفضله! ثم مضى إلى اليمن، وعليها يومئذٍ عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب عاملاً لعلي بن أبي طالب، فلما بلغ عبيد الله أن بسراً قد توجه إليه هرب إلى علي، واستخلف عبد الله بن عبد المدان المرادي.
وكانت عائشة بنت عبد الله بن عبد المدان قد ولدت من عبيد الله غلامين من أحسن صبيان الناس وأوضئه وأنظفه، وهما عبد الرحمن وقثم، فذبحهما ذبحاً.
وكانت أمهما قد هامت بهما وكادت تخالط في عقلها.
وكانت تنشدهما في الموسم في كل عام تقول: " من البسيط "
ها من أحسن بنييّ اللذين هما ... كالدرتين تجلى عنهما الصدف
ها من أحسن بنييّ اللذين هما ... سمعي وقلبي فقلبي اليوم مختطف
ها من أحسن بنييّ اللذين هما ... مخ العظام فمخي اليوم مزدهف
حدثت بسراً وما صدقت ما زعموا ... من قولهم ومن الإفك الذي وصفوا
أنحى على ودجي إبنيّ مرهفةً ... مشحوذةً وكذاك الإثم يقترف
من ذا لوالهةٍ حرى مفجعةٍ ... على صبيين ضلاّ إذ غدا السلف
قال: فلما بلغ علياً رضي الله عنه مسير بسرٍ وما صنع، بعث في عقب بسر بعد منصرفه من الشام جارية بن قدامة السعدي؛ فجعل لا يلقى أحداً خلع علياً إلا قتله وأحرقه بالنار حتى انتهى إلى اليمن؛ فلذلك سمت العرب جارية بن قدامة محرقاً.
قال أبو سعيد بن يونس: ويقال: إن أم عبد الرحمن وقثم ابني عبيد الله بن العباس جويرية بنت قارظ
الكنانية. وكان عبيد الله بن العباس قد جعل ابنيه هذين عبد الرحمن وقثم عند رجلٍ من بني كنانة، وكان صغيرين؛ فلما انتهى بسرٌ إلى بني كنانة بعث إليهما ليقتلهما، فلما رأى ذلك الكناني دخل بيته، وأخذ السيف ثم خرج يشتد عليهم بسيفه حاسراً وهو يقول: " من الزجر "
الليث من يمنع حافات الدار ... ولا يزال مصلتاً دون الجار
ألا فتى أروع غير غدار
فقال له بشر: ثكلتك أمك، والله ما أردنا قتلك، فلم عرضت نفسك للقتل؟! فقال: أقتل دون جاري، فعسى عند الله وعند الناس.
فضرب بسيفه حتى قتل.
وقدم بسرٌ الغلامين فذبحهما ذبحاً؛ فخرج نسوةٌ من بني كنانة، فقالت منهن قائلة: يا هذا، هذا الرجال قتلت فعلام تقتل الولدان، والله ما كانوا في جاهليةٍ ولا إسلام، والله إن سلطاناً لا يقوم إلا بقتل الضرع الصغير، والمدره الكبير، وبرفع الرحمة، وعقوق الأرحام، لسلطان سوء.
فقال لها بسر: والله لهممت أن أضع فيكن السيف.
فقالت: تالله إنها لأخت التي صنعت، وما أنا لها منك بآمنة.
ثم قالت للنساء واللائي حولها: ويحكن تفرقن.
فقالت جويرية أم الغلامين: امرأة عبيد الله بن العباس تبكيها وذكر الأبيات بعينها.
قال هشام الكلبي: من قال إن أمهما عائشة بنت عبد الله بن عبد المدان بن الديان فقد أخطأ، لم تلد عائشة الحارثية إلا ابنه العباس وابنته العالية.
قال واهب بن عبد الله المعافري:
قدمت المدينة فأتيت منزل زينب بنت فاطمة بنت عليٍّ لأسلم عليها، فدخلت عليها الدار، فإذا عندها جماعةٌ عظيمة، وإذا هي جالسة مسفرة، وإذا امرأةٌ ليست بالجليلة، ولم تطعن في السن؛ فاحتملتني الحمية والغضب لها فقلت: سبحان الله! قدرك قدرك،
وموضعك موضعك وأنت تجلسين للناس كما أرى مسفرة؟! فقالت: إن لي قصة، قال: قلت: وما تلك القصة؟ قالت: لما كان أيام الحرة، وفد أهل الشام المدينة، وفعلوا فيها ما فعلوا، وكان لي يومئذ ابنٌ قد ناهز الاحتلام.
قالت: فلم أشعر به يوماً وأنا جالسةٌ في منزلي إلا وهو يسعى وبسر بن أرطاة يسعى خلفه حتى دخل علي فألقى نفسه علي وهو يبكي، يكاد البكاء أن يفلق كبده، فقال لي بسر: ادفعيه إليّ: فأنا خيرٌ له.
قالت: فقلت له: اذهب مع عمك، قالت: فقال: لا والله لا أذهب معه يا أمة، هو والله قاتلي.
قالت فقلت: أترى عمك يقتلك!؟ لا، اذهب معه.
قالت فقال: لا والله يا أمة لا أذهب معه هو والله قاتلي.
قالت: وهو يبكي يكاد البكاء أن يفلق كبده، قالت: فلم أزل أرفق به وأسكته حتى سكن.
قالت: ثم قال لي بسر: ادفعيه إليّ فأنا خير له؛ قال فقلت: اذهب مع عمك، قالت: فقام فذهب معه، قالت: فلما خرج من باب الدار قال للغلام: امش بين يدي، قالت: وإذا بسرٌ قد اشتمل على السيف فيما بينه وبين ثيابه؛ فلما ظهر إلى السكة، رفع بسرٌ ثيابه وشهر السيف عليه من خلفه ثم علاه به، فلم يزل يضربه حتى برد.
قالت: فجاءتني الصيحة: أدركي ابنك قد قطع.
قالت: فقمت أتعثر في ثيابي، ما معي عقلي.
قالت: فإذا جماعةٌ قد أطافوا به، وإذا هو قتيل قد قطع، قالت: فألقيت نفسي عليه، وأمرت به يحمل.
قالت: فجعلت على نفسي من يومئذ لله أن لا أستتر من أحد، لأن بسراً هو أول من هتك ستري وأخرجني للناس، فالله حسيبه.