Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=134918&book=5519#14d710
علي بْن حمزة، أَبُو الحسن الأسدي المعروف بالكسائي النحوي :
أحد أئمة القراء من أهل الكوفة، استوطن بَغْدَاد وكان يعلم بها الرشيد، ثم الأمين من بعده، وكان قد قرأ على حمزة الزيات، فأقرا بِبَغْدَادَ زمانا بقراءة حمزة، ثم اختار لنفسه قراءة فأقرأ بها الناس، وقرأ عليه بها خلق كثير بِبَغْدَادَ، وبالرقة، وغيرهما من البلاد، وحفظت عنه. وصنف معاني القرآن، والآثار في القراءات. وكان قد سمع من سُلَيْمَان بْن أرقم، وأبي بكر بْن عياش، ومحمد بْن عبيد اللَّه العرزمي، وسفيان بْن عيينة، وغيرهم. روى عنه أَبُو توبة ميمون بْن حفص، وأبو زكريا الفراء، وأبو عبيد القاسم بْن سلام، وأبو عُمَر حفص بْن عُمَر الدوري، وجماعة.
أَخْبَرَنَا أَبُو نصر أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه الثابتي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُوسَى القرشي، أخبرنا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي قَالَ: علي بْن حمزة الكسائي هو علي بْن حمزة بْن عَبْد اللَّه بْن بهمن بْن فيروز مولى بني أسد.
أَخْبَرَنَا القاضي أبو العلاء محمد بن علي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن جعفر بْن مُحَمَّد بْن هارون التّميميّ- بالكوفة- حَدَّثَنَا أَبُو علي الحسن بْن داود النقار، حدّثنا أبو جعفر عقدة، حَدَّثَنَا أَبُو بديل الوضاحي قَالَ: قَالَ لي الفراء: إنما تعلم الكسائي النحو على الكبر، وكان سبب تعلمه أنه جاء يوما وقد مشى حتى أعيى، فجلس إلى الهبارين- وكان يجالسهم كثيرا- فقال قد عييت، فقالوا له: أتجالسنا وأنت تلحن؟! فقال:
كيف لحنت؟ قالوا له: إن كنت أردت من التعب فقل أعييت. وإن كنت أردت من
انقطاع الحيلة والتحير فِي الأمر فقل عييت- مخفقة. فأنف من هذه الكلمة، ثم قام من فوره ذلك فسأل عمن يعلم النحو، فأرشدوه إِلَى معاذ الهراء، فلزمه حتى أنفد ما عنده، ثم خرج إِلَى البصرة فلقي الخليل وجلس فِي حلقته، فقال له رجل من الأعراب:
تركت أسد الكوفة وتميمها وعندها الفصاحة، وجئت إِلَى البصرة؟ فقال للخليل: من أين أخذت علمك هذا؟ فقال من بوادي الحجاز، ونجد، وتهامة، فخرج ورجع وقد أنفد خمس عشرة قنينة حبرا فِي الكتابة عَن العرب سوى ما حفظ، فلم يكن له هم غير البصرة والخليل، فوجد الخليل قد مات، وقد جلس فِي موضعه يونس النحوي فمرت بينهم مسائل أقر له يونس فيها وصدره موضعه.
أَنْبَأَنَا عَلِيّ بْن أَحْمَدَ بْن عُمَر الْمُقْرِئ، أَخْبَرَنَا عَبْد الْوَاحِدِ بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن أبي هاشم، حدّثني محمّد بن سليمان بن محبوب، حدّثنا أبو عبد الرّحمن البصريّ- مردويه- حَدَّثَنَا علي بْن عَبْد اللَّه الخياط المدني، حَدَّثَنَا عَبْد الرحيم بْن مُوسَى قَالَ:
قلت للكسائي: لم سميت الكسائي؟ قَالَ: لأني أحرمت في كساء.
قلت: وقد قيل في تسميته الكسائي قول آخر.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن علي الصوري، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَن عُبَيْد اللَّه بْن القاسم الهَمْدَانِيّ القاضي- بطرابلس- حَدَّثَنَا أَبُو الحسن علي بْن مُحَمَّد الحراني الأرزّيّ- إملاء من حفظه- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَان المروزي قَالَ: سألت خلف بْن هشام: لم سمي الكسائي كسائيا؟ فقال: دخل الكسائي الكوفة فجاء إِلَى مسجد السبيع، وكان حمزة بْن حبيب الزيات يقرئ فيه، فتقدم الكسائي مع آذان الفجر فجلس وهو ملتف بكساء من البركان الأسود ، فلما صلى حمزة قَالَ من تقدم فِي الوقت يقرأ، قيل له: الكسائي أول من تقدم، يعنون صاحب الكساء، فرمقه القوم بأبصارهم، فقالوا: إن كان حائكا فسيقرأ سورة يُوسُف، وإن كان ملاحا فسيقرأ سورة طه. فسمعهم فابتدأ بسورة يُوسُف، فلما بلغ إِلَى قصة الذئب قرأ: فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ
[يوسف 17] بغير همز. فقال له حمزة: الذئب، بالهمز فقال له الكسائي:
وكذلك أهمز الحوت فالتقمه الحوت؟ قَالَ: لا، قَالَ: فلم همزت الذئب ولم تهمز الحوت؟ وهذا فأكله الذئب، وهذا فالتقمه الحوت؟ فرفع حمزة بصره إِلَى خلاد الأحول- وكان أجمل غلمانه- فتقدم إليه فِي جماعة من أهل المجلس، فناظروه فلم
يصنعوا شيئا، فقالوا: أفدنا يرحمك اللَّه، فقال لهم الكسائي: تفهموا عَن الحائك؟
تقول إذا نسبت الرجل إِلَى الذئب: قد استذأب الرجل، ولو قلت استذاب بغير همز لكنت إنما نسبته إِلَى الهزال، تقول قد استذاب الرجل إذا استذاب شحمه بغير همز، وإذا نسبته إِلَى الحوت تقول: قد استحات الرجل أي كثر أكله لأن الحوت يأكل كثيرا، لا يجوز فيه الهمز، فلتلك العلة همز الذئب ولم يهمز الحوت، وفيه معنى آخر.
لا يسقط الهمز من مفرده ولا من جميعه، وأنشدهم:
أيها الذئب وابنه وأبوه ... أنت عندي من أذأب ضاريات
قَالَ: فسمي الكسائي من ذلك اليوم.
أخبرنا الْقَاضِي أبو العلاء الواسطي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جعفر التّميميّ، حدّثنا أبو عليّ الحسن بن داود، حدّثنا أحمد بن فرج، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَر قَالَ: أَبُو علي وحَدَّثَنَا أبو جعفر عقدة، حَدَّثَنَا أَبُو بديل عَن سلمة قَالَ: كان عند المهدي مؤدب يؤدب الرشيد، فدعاه يوما المهدي وهو يستاك فقال: كيف تأمر من السواك؟ فقال: استك يا أمير المؤمنين. فقال المهدي: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم قَالَ: التمسوا لنا من هو أفهم من ذا، فقالوا رجل يقال له علي بْن حمزة الكسائي من أهل الكوفة قدم من البادية قريبا، فكتب بإزعاجه من الكوفة، فساعة دخل عليه قَالَ: يا علي بْن حمزة. قَالَ: لبيك يا أمير المؤمنين قَالَ: كيف تأمر من السواك؟ قَالَ: سك يا أمير المؤمنين، قَالَ أحسنت وأصبت، وأمر له بعشرة آلاف درهم.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو العلاء الواسطي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جعفر التّميميّ، أخبرنا أبو بكر الدارمي، وأبو عليّ النقار، وأبو العبّاس محمد بن الحسن الهذلي قالوا: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن فرح قَالَ: سمعت أبا عُمَر الدوري يَقُولُ: كان أَبُو يُوسُف يقع فِي الكسائي ويقول: أيش يحسن؟ إنما يحسن شيئا من كلام العرب، فبلغ الكسائي ذلك، فالتقيا عند الرشيد، وكان الرشيد يعظم الكسائي لتأديبه إياه. فقال لأبي يُوسُف: يا يعقوب أيش تقول فِي رجل قَالَ لامرأته أنت طالق طالق طالق؟ قَالَ واحدة. قَالَ: فإن قَالَ لها أنت طالق، أو طالق، أو طالق؟ قَالَ واحدة. قَالَ فإن قَالَ لها أنت طالق، ثم طالق، ثم طالق؟ قَالَ واحدة. قَالَ فإن قَالَ لها أنت طالق، وطالق، وطالق؟ قال واحدة. قال الكسائي يا أمير المؤمنين أخطأ يعقوب فِي اثنتين، وأصاب في اثنتين، أما قوله أنت طالق طالق طالق فواحدة لأن الثنتين الباقيتين تأكيد، كما يقول أنت قائم قائم قائم،
وأنت كريم كريم كريم. وأما قوله أنت طالق أو طالق، أو طالق، فهذا شك وقعت الأولى التي تُتَيَقَّن، وأما قوله طالق ثم طالق ثم طالق فثلاث لأنه نسق، وكذلك طالق وطالق وطالق.
أخبرني الأزهري، حدّثنا محمّد بن العبّاس الخزاز، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد النخشبي، حدّثنا العبّاس بن عزيز القطّان المروزيّ، حَدَّثَنَا حرملة بْن يَحْيَى التجيبي قَالَ: سمعت مُحَمَّد بْن إدريس الشافعي يَقُولُ: من أراد أن يتبحر فِي النحو فهو عيال على الكسائي.
أَخْبَرَنَا الحسين بْن مُحَمَّد أخو الخلال، حَدَّثَنَا الصاحب أَبُو القاسم إِسْمَاعِيل بْن عباد بن العباس- بالري- أخبرنا عبد الله بن محمّد الإيجي، حدّثنا محمّد بن الحسن الأزديّ، أَخْبَرَنَا أَبُو حاتم سهل بْن مُحَمَّد السجستاني قَالَ: ورد علينا عامل من أهل الكوفة لم أر فِي عمال السلطان بالبصرة أبرع منه، فدخلت مسلما عليه، فقال لي: يا سجستاني من علماؤكم بالبصرة؟ قلت: الزيادي أعلمنا بعلم الأصمعي، والمازني أعلمنا بالنحو، وهلال بالرأي أفقهنا، والشاذكوني من أعلمنا بالحديث، وأنا- رحمك اللَّه- أنسب إِلَى علم القرآن، وابن الكلبي من أكتبنا للشروط قَالَ: فقال لكاتبه: إذا كان غد فاجمعهم إليَّ، قَالَ فجمعنا فقال أيكم المازني؟ قَالَ أَبُو عُثْمَان ها أنا ذا يرحمك الله، قال هل يجزي فِي كفارة الظهار عتق عَبْد أعور؟ فقال المازني: لست صاحب فقه رحمك اللَّه، أنا صاحب عربية فقال: يا زيادي كيف يكتب بين رجل وامرأة خالعها على الثلث من صداقها؟ قَالَ: ليس هذا من علمي، هذا من علم هلال الرأي، قَالَ: يا هلال كم أسند ابْن عون عَن الحسن؟ قَالَ: ليس هذا من علمي هذا من علم الشاذكوني، قَالَ: يا شاذكوني من قرأ: يثنوني صدورهم [هود 5] قَالَ:
ليس هذا من علمي هذا من علم أَبِي حاتم، قَالَ: يا أبا حاتم كيف تكتب كتابا إِلَى أمير المؤمنين تصف فيه خصاصة أهل البصرة وما أصابهم فِي الثمرة، وتسأله لهم النظر والنظرة؟ قَالَ: لست رحمك اللَّه صاحب بلاغة وكتابة، أنا صاحب قرآن. فقال: ما أقبح الرجل يتعاطى العلم خمسين سنة لا يعرف إلا فنا واحدا، حتى إذا سئل عَن غيره لم يجل فيه ولم يمر، ولكن عالمنا بالكوفة الكسائي، لو سئل عَن كل هذا لأجاب.
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْد اللَّه الأصبهانيّ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن بصير الخلدي، حدّثنا أحمد بن محمّد بن مسروق، حَدَّثَنَا سلمة بْن عاصم
قَالَ: قَالَ الكسائي: صليت بهارون الرشيد فأعجبتني قراءتي، فغلطت فِي آية ما أخطأ فيها صبي قط أردت أن أقول: لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ*
[آل عمران 72] فقلت: لعلهم ترجعين! قَالَ: فوالله ما اجترأ هارون أن يَقُولُ لي أخطأت، ولكنه لما سلمت قَالَ لي: يا كسائي أي لغة هذه؟ قلت: يا أمير المؤمنين قد يعثر الجواد، فقال: أما هذا فنعم! أَخْبَرَنِي العتيقي، حدّثنا محمّد بن العبّاس، حدّثنا جعفر بن محمّد الصندلي، أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن حماد عَن خلف قَالَ: كان الكسائي إذا كان شعبان وضع له منبر، فقرأ هو على الناس فِي كل يوم نصف سبع يختم ختمتين فِي شعبان، وكنت أجلس أسفل المنبر، فقرأ يوما فِي سورة الكهف: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ
[الكهف 34] فنصب أكثر، فعلمت أنه قد وقع فيه، فلما فرغ أقبل الناس يسألون عَن العلة فِي أكثر لم نصبه؟ فثرت فِي وجوههم أنه أراد فِي فتحه أقل: إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا
[الكهف 39] فقال الكسائي: أكثر فمحوه من كتبهم ثم قال لي: يا خلف يكون أحد من بعدي يسلم من اللحن؟ قَالَ: قلت لا، أما إذا لم تسلم أنت فليس يسلم أحد بعدك، قرأت القرآن صغيرا، وأقرأت الناس كبيرا وطلبت الآثار فيه والنحو.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أبو العلاء الواسطي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جعفر التّميميّ، أخبرنا أبو العبّاس محمّد بن الحسن، حَدَّثَنِي ابن فرح قَالَ: سمعت سلمة يَقُولُ: سمعت الفراء يَقُولُ: سمعت الكسائي يَقُولُ: ربما سبقني لساني باللحن فلا يمكنني أن أرده، أو كلاما نحو هذا.
حدّثنا علي بن أحمد بن عمر المقرئ قال: سمعت أبا بكر عمر بن محمّد الإسكافي يَقُولُ: سمعت عمي يَقُولُ: سمعت ابْن الدورقي يقول: اجتمع الكسائي واليزيدي عند الرشيدي، فحضرت صلاة، يجهر فيها، فقدموا الكسائي يصلي، فأرتج عليه في قراءة: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ
فلما أن سلم قَالَ اليزيدي: قارئ أهل الكوفة يرتج عليه في قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ
؟ فحضرت صلاة يجهر فيها، فقدموا اليزيدي، فارتج عليه فِي سورة الحمد، فلما أن سلم قَالَ:
احفظ لسانك لا تقول فتبتلى ... إن البلاء موكل بالمنطق
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن عَلِيّ الجوهري وعلي بْنُ الْمُحَسِّنِ التَّنُوخِيُّ قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العبّاس، حدّثنا الصولي، أخبرنا الحزنبل، حدّثنا سلمة بن عاصم، حَدَّثَنِي الفراء قَالَ:
قَالَ لي قوم: ما اختلافك إِلَى الكسائي وأنت مثله فِي العلم؟ فأعجبتني نفسي فناظرته وزدت، فكأني كنت طائرا أشرب من بحر.
أَخْبَرَنَا أبو طالب عمر بن إبراهيم الفقيه، حدّثنا أبو عمر بن حيويه، حدّثنا محمّد ابن القاسم الأنباريّ، حدّثنا أحمد بن يحيى، حَدَّثَنَا خلف بْن هشام.
وأَخْبَرَنَا هلال بْن المحسن الكاتب، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الجرّاح الخزاز، حدّثنا أبو بكر بن الأنباري قَالَ: قَالَ أَبُو العباس- يعني ثعلبا- قَالَ لي خلف:
أولمت وليمة، فدعوت الكسائي واليزيدي فقال اليزيدي للكسائي: يا أبا الحسن أمور تبلغنا عنك، وحكايات تتصل بنا ينكر بعضها؟ فقال الكسائي أو مثلي يخاطب بهذا؟
وهل مع العالم من العربية إلا فضل بصاقي هذا- ثم بصق- فسكت اليزيدي. هذا لفظ ابن الجراح.
وقال: قَالَ أَبُو بكر بن الأنباري: اجتمعت للكسائي أمور لم تجتمع لغيره، فكان واحد الناس فِي القرآن يكثرون عليه حتى لا يضبط الأخذ عليهم، فيجمعهم ويجلس على كرسي ويتلو القرآن من أوله إِلَى آخره، وهم يستمعون، حتى كان بعضهم ينقط المصاحب على قراءته، وآخرون يتبعون مقاطعه ومباديه فيرسمونها فِي ألواحهم وكتبهم. وكان أعلم الناس بالنحو، وواحدهم فِي الغريب.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ عُبَيْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن علي الصيرفي، حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بن الحسين الجعفي- بالكوفة- حدّثنا الحسن بن داود النقار، حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّد الفسطاطي عَبْد اللَّه بْن عيسى- وكان متعبدا- حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن سهل التميمي- وراق أَبِي عبيد- قَالَ: سمعت الكسائي يَقُولُ: بعد ما قرأت القرآن على الناس رأيت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المنام فقال لي: أنت الكسائي؟ قلت نعم يا رسول اللَّه! قَالَ: علي بْن حمزة؟ قلت نعم يا رسول اللَّه! قَالَ: الذي اقرأت أمتي بالأمس القرآن؟ قلت: نعم يا رسول اللَّه. قَالَ: فاقرأ عليَّ. قَالَ فلم يَتَأتَّ على لساني إلا:
وَالصَّافَّاتِ
، فقرأت عليه: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا. فَالزَّاجِراتِ زَجْراً. فَالتَّالِياتِ ذِكْراً
فقال لي أحسنت ولا تقل وَالصَّافَّاتِ صَفًّا
. نهاني عَن الإدغام، ثم قَالَ لي اقرأ فقرأت حتى انتهيت إِلَى قوله تعالى: فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ
فقال. أحسنت ولا تقل يَزِفُّونَ
، ثم قَالَ قم، فلأباهين بك- شك الكسائي- القراء، أو الملائكة.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن جَعْفَرِ بْن عَلانَ الْوَرَّاقُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن جعفر بْن مُحَمَّد بْن الفرح الخلال، حدّثنا أحمد بن الحسن المقرئ- دبيس- حدثني محمّد بن أحمد بن غزال الإسكافي قال: كان رجل يجيئنا يغتاب الكسائي ويتكلم فيه، فكنت أنهاه فما كان ينزجر، فجاءني بعد أيام، فقال لي يا أبا جعفر رأيت الكسائي فِي النوم أبيض الوجه، فقلت: ما فعل اللَّه بك يا أبا الحسن؟ قَالَ غفر لي بالقرآن، إلا إِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لي أنت الكسائي؟ فقلت نعم يا رسول اللَّه! قَالَ اقرأ قلت وما أقرأ يا رسول اللَّه؟ قَالَ: اقرأ: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا
، قَالَ: فقرأت: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا.
فَالزَّاجِراتِ زَجْراً. فَالتَّالِياتِ ذِكْراً. إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ
فضرب بيده كتفي وقال:
لأباهين بك الملائكة غدا.
أَخْبَرَنَا هلال بْن المحسن، أخبرنا أحمد بن محمّد بن الجرّاح، حدّثنا أبو بكر بن الأنباري قَالَ: اجتاز الكسائي بحلقة يونس بالبصرة- وكان شخص مع المهدي إليها فاستند إِلَى أسطوانة تقرب من حلقته، فعرف يونس مكانه. فقال: ما تقول فِي قول الفرزدق:
غداة أحلت لابن أصرم طعنة ... حصين عبيطات السدائف والخمر
على أي شيء رفع الخمر؟ فأجاب الكسائي، فقال يونس: أشهد أن الذين رأسوك رأسوك باستحقاق.
حَدَّثَنِي الحسن بْن مُحَمَّد الخلال، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ المقرئ، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق- أَبُو بكر الملحمي- حدثني الحسين بن محمّد بن فهم، حَدَّثَنَا القعقاع المقرئ قَالَ: كنت عند الكسائي فأتاه أعرابي، فقال أنت الكسائي؟
قَالَ نعم! قال كوكب ماذا؟ قال درّي، ودرّي، ودرّي فالدّري يشبه الدّر، والدّري جار، والدّري يلتمع. قال [الأعرابي] ما فِي العرب أعلم منك.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أبو العلاء الواسطي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جعفر التّميميّ، حدّثنا أبو عليّ النقار، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن فرح قَالَ: سمعت أبا عُمَر الدوري يَقُولُ: قرأت هذا الكتاب- معاني الكسائي- فِي مسجد السَّواقين بِبَغْدَادَ على أَبِي مسحل وعلى الطوال، وعلى سلمة، وجماعة. قَالَ فقال: أَبُو مسحل: لو قرئ هذا الكتاب عشر مرات لاحتاج من قرأه أن يقرأه.
أخبرنا هلال بن المحسن، أخبرنا ابن الجرّاح، أخبرنا أبو بكر بن الأنباريّ قال: قال الفراء: لقيت الكسائي يوما فرأيته كالباكي، فقلت له ما يبكيك؟ فقال: هذا الملك يَحْيَى بْن خالد يوجه إلي فيحضرني فيسألني عَن الشيء، فإن أبطأت فِي الجواب لحقني منه عيب، وإن باردت لم آمن الزلل قَالَ: فقلت له- ممتحنا- يا أبا الحسن من يعترض عليك قل ما شئت فأنت الكسائي، فأخذ لسانه بيده فقال: قطعه اللَّه إذًا إن قلت ما لا أعلم.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو العلاء الواسطي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جعفر التّميميّ، أخبرنا أحمد ابن محمّد بن الحسن بن يونس القرشيّ، حدّثنا أحمد بن فرج، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَر الدوري قَالَ: لم يغير الكسائي شيئا من حاله مع السلطان إلا لباسه. قَالَ فرآه بعض علماء الكوفيين وعليه جربانات عظام. فقال له: يا أبا الحسن ما هذا الزي؟ قَالَ:
أدب من أدب السلطان لا يثلم دينا، ولا يدخل فِي بدعة، ولا يخرج عَن سنة.
وأَخْبَرَنَا أبو العلاء، أخبرنا محمّد بن جعفر التّميميّ، حدّثنا عبد اللَّه بْن القاسم الكاتب قَالَ: قَالَ مُحَمَّد بْن داود بْن الجراح، أَخْبَرَنِي أَبُو الفضل أَحْمَد بْن طاهر قَالَ:
كتب الكسائي النحوي إِلَى الرشيد بهذه الأبيات وهو يؤدب مُحَمَّدا واحتاج إِلَى التزويج وهي أبيات جياد:
قل للخليفة ما تقول لمن ... أمسني إليك بحرمة يُدْلي؟
ما زلت مذ صار الأمين معي ... عبدي يدي ومطيتي رجلي
وعلى فراشي من ينبهني ... من نومتي وقيامه قبلي
أسعى برجل منه ثالثة ... موفورة مني بلا رجل
وإذا ركبت أكون مرتدفا ... قدام سرجي راكبا مثلي
فأمنن علي بما يسكنه ... عني وأهدِ الغمد للنصل
فأمر له الرشيد بعشرة آلاف درهم، وجارية حسناء بآلتها، وخادم معها، وبرذون بسرجه ولجامه.
أَخْبَرَنَا علي بْن أَحْمَد بْن عُمَر المقرئ قَالَ: أنشدنا أَبُو طاهر عَبْد الواحد بْن عمر ابن أَبِي هاشم قَالَ: أنشدني أَبُو الحسن علي بن الحارث المرهبي قال: أنشدني عنبسة ابن النضر لعلي بْن حمزة الكسائي الأسدي:
إنما النحو قياس يتبع ... وبه فِي كل أمر ينتفع
فإذا ما أبصر النحو الفتى ... مر فِي المنطق مرا فاتسع
فاتقاه كل من جالسه ... من جليس ناطق أو مستمع
وإذا لم يبصر النحو الفتى ... هاب أن ينطق جبنا فانقطع
فتراه ينصب الرفع وما ... كان من خفض ومن نصب رفع
يقرأ القرآن لا يعرف ما ... حرف الأعراب فيه وصنع
والذي يعرفه يقرؤه ... فإذا ما شك في حرب رجع
ناظرا فيه وفي إعرابه ... فإذا ما عرف اللحن صدع
فهما فيه سواء عندكم ... ليست السنة فينا كالبدع
كم وضيع رفع النحو، وكم ... من شريف قد رأيناه وضع؟
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن عبد الله الثابتي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْقُرَشِيُّ، أخبرنا محمّد بن يحيى الصولي، حدّثنا عون بن محمّد الكندي، حَدَّثَنَا سلمة بْن عاصم قَالَ: قَالَ الكسائي: حلفت أن لا أكلم عاميا إلا بما يوافقه ويشبه كلامه، فوقفت على نجار فقلت: بكم هذان البابان؟ فقال بسلحتان. فحلفت ألا أكلم عاميا إلا بما يصلح.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن عليّ الصلحي، أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ محمود القاضي- بواسط- أخبرني محمّد بن عبد الواحد الزاهد، حدّثنا ثعلب قَالَ: كتب الكسائي إِلَى مُحَمَّد بْن الحسن:
إن ترفقي يا هند فالرفق أيمن ... وإن تخرقي يا هند فالخرق أشأم
فأنت طلاق والطلاق عزيمة ... ثلاثا ومن يخرق يعق ويظلم
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ عُبَيْد اللَّه بْن أَحْمَد بن عليّ الصّيرفيّ، أخبرنا أحمد بن محمّد بن عمران، أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن سُلَيْمَان بْن الأشعث، حدّثنا محمّد بن مصفى قال: وعلي ابن حمزة الكسائي مات فِي سنة ثلاث وثمانين ومائة.
أخبرنا هلال بن المحسن، أخبرنا أحمد بن محمّد بن الجرّاح، حدّثنا أبو بكر بن الأنباري قَالَ: مات الكسائي ومحمد بْن الحسن فِي سنة اثنتين وثمانين ومائة، فدفنهما الرشيد بقرية يقال لها رنبويه، وقال: اليوم دفنت الفقه والنحو. فرثاهما اليزيدي فقال:
تصرمت الدنيا فليس خلود ... وما قد ترى من بهجة سيبيد
سيفنيك ما أفنى القرون التي مضت ... فكن مستعدا فالفناء عتيد
أسيت على قاضي القضاة مُحَمَّد ... فأذريت دمعي والفؤاد عميد
وقلت إذ ما الخطب أشكل من لنا ... بإيضاحه يوما وأنت فقيد؟
وأوجعني موت الكسائي بعده ... وكادت بي الأرض الفضاء تميد
وأذهلني عَن كل عيش ولذة ... وأرق عيني والعيون هجود
هما عالمانا أوديا وتخرما ... ومالهما فِي العالمين نديد
حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن أَبِي طالب، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن إبراهيم، حدّثنا إبراهيم بن محمّد ابن عرفة قَالَ: سمعت أبا العباس أَحْمَد بْن يَحْيَى. قَالَ: توفي الكسائي ومحمد بْن الحسن فِي يوم واحد. فقال الرشيد: دفنت اليوم الفقه واللغة.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو العلاء الواسطي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جعفر التّميميّ، حدّثنا محمّد بن بشّار الأنباريّ- إملاء- حَدَّثَنِي ثعلب قَالَ أَخْبَرَنِي سلمة عن الفراء. قَالَ:
لما صار الكسائي إِلَى رنبوية وهو مع الرشيد فِي سفره إِلَى خراسان، اعتل فتمثل:
قدر أحلك ذا النخيل وقد ترى ... وأبي، ومالك ذو النخيل بدار
إلا كدار كما بذي بقر الحمى ... هيهات ذو بقر من المزوار
وبها مات، ويقال بل مات بطوس. وفيها مات مُحَمَّد بْن الحسن يعني برنبويه فقال الرشيد لما رجع إِلَى العراق: خلفت الفقه والنحو برنبويه.
قلت: قد ذكرنا تاريخ وفاة الكسائي وأنها كانت فِي سنة اثنتين- أو ثلاث وثمانين، وقيل مات بعد ذلك.
أَخْبَرَنِي الأزهري، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة.
قال: سنة تسع وثمانين فيها توفي مُحَمَّد بْن الحسن الفقيه وعلي بْن حمزة الكسائي فِي يوم واحد.
وقرأت على الحسن بْن أَبِي بكر، عن أحمد بن كامل القاضي. قال: ومات الكسائي بالري فِي سنة تسع وثمانين ومائة، وكان عظيم القدر فِي دينه وفضله.
قلت: ويقال إن عمره بلغ سبعين سنة.
أَخْبَرَنَا علي بن أحمد بن عمر المقرئ، حَدَّثَنَا أَبُو بكر بْن مقسم قَالَ: حَدَّثَنِي ابن فضلان، حدّثنا الكسائي الصغير، حَدَّثَنَا أَبُو مسحل. قَالَ: رأيت الكسائي فِي النوم
كأن وجهه البدر، فقلت لَهُ ما فعل: بك ربك؟ قَالَ غفر لي بالقرآن، فقلت: ما فعل بحمزة الزيات؟ قَالَ: ذاك فِي عليين، ما نراه إلا كما يرى الكوكب الدري.
أخبرني الخلال، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عمران، حدثني إبراهيم بن أحمد البزوري، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الحسن قَالَ سمعت مُحَمَّد بْن يَحْيَى قَالَ سمعت أبا مسحل عَبْد الوهاب بْن حريش. قَالَ: رأيت الكسائي فِي النوم. فقلت: له ما فعل اللَّه بك؟ قَالَ غفر لي بالقرآن، قلت ما فعل بحمزة الزيات، وسفيان الثوري؟ قَالَ: فوقنا، ما نراهم إلا كالكوكب الدري. قَالَ مُحَمَّد بْن يَحْيَى: فلم يدع قراءته حيا ولا ميتا.