عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان بن عبد الله بن حَنْظَلَة بن أبي عَامر الراهب وَاسم أبي عَامر عبد عَمْرو بن صَيْفِي بن زيد بن أَسد بن ضبيعة بن الغسيل أَبُو سُلَيْمَان الْأنْصَارِيّ من بني عَمْرو بن عَوْف الْمدنِي وحَنْظَلَة هُوَ غسيل الْمَلَائِكَة أخرج البُخَارِيّ فِي الْجُمُعَة وَغير مَوضِع عَن أبي أَحْمد الزبيرِي وَأبي نعيم وَأبي الْوَلِيد وَأحمد بن يَعْقُوب وَإِسْمَاعِيل بن أبان عَنهُ عَن عَاصِم بن عَمْرو وَحَمْزَة بن أبي أسيد وعباس بن سهل بن سعد وَعِكْرِمَة قَالَ أَبُو زرْعَة هُوَ كُوفِي ثِقَة وَقَالَ عُثْمَان بن سعيد سَأَلت يحيى بن معِين عَنهُ فَقَالَ هُوَ صُوَيْلِح قَالَ البُخَارِيّ وَيُقَال مَاتَ بن الغسيل سنة إِحْدَى وَسبعين
Aḥmad b. Ḥanbal (d. 855 CE) - al-Jāmiʿ li-ʿulūm imām Aḥmad: al-Rijāl - أحمد بن حنبل - الجامع لعلوم إمام أحمد: الرجال
ا
ب
ت
ث
ج
ح
خ
د
ذ
ر
ز
س
ش
ص
ض
ط
ظ
ع
غ
ف
ق
ك
ل
م
ن
ه
و
ي
I pay $140/month to host my websites. If you wish to help, please use the following button (secure payments with Stripe).
الصفحة الرئيسية للكتاب Number of entries in this book
عدد المواضيع في هذا الكتاب 3094 1. عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة...22. آدم بن أبي إياس4 3. آدم بن سليمان مولى خالد بن خالد1 4. أبان الصريمي أبو مسعر1 5. أبان بن أبي عياش6 6. أبان بن تغلب أبو أميمة1 7. أبان بن خالد الحنفي1 8. أبان بن صالح بن عمير الحجازي2 9. أبان بن صمعة4 10. أبان بن عبد الله البجلي ابن أبي حازم2 11. أبان بن عثمان بن عفان3 12. أبان بن يزيد العطار أبو يزيد البصري3 13. أبو أيوب4 14. أبو الأبيض العنسي الشامي2 15. أبو الأحوص مولى بني ليث1 16. أبو الجعد2 17. أبو الحجاج الأزدي2 18. أبو الحسن مولى بني نوفل1 19. أبو الحسين المكي1 20. أبو الربيع الأعرج1 21. أبو الربيع الأنصاري1 22. أبو الربيع المدني3 23. أبو العشراء الدارمي البصري1 24. أبو العوام سادن بيت المقدس1 25. أبو القاسم بن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان...1 26. أبو المحجل مولى بني هاشم1 27. أبو المعلى بن لوذان الأنصاري1 28. أبو الورد بن ثمامة بن حزن القشيري البصري...1 29. أبو بردة6 30. أبو برزة الأسلمي6 31. أبو بشر الحلبي1 32. أبو بشر صاحب القرى1 33. أبو بكر النهشلي الكوفي2 34. أبو بكر الهذلي البصري1 35. أبو بكر بن أبي الورد الأنصاري2 36. أبو بكر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري...1 37. أبو بكر بن أسماء بن عبيد1 38. أبو بكر بن الفضل بن المؤتمر1 39. أبو بكر بن الوليد بن عامر الزبيدي1 40. أبو بكر بن خالد بن عرفطة العذري1 41. أبو بكر بن شعيب بن الحبحاب الأزدي1 42. أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي...2 43. أبو بكر بن عبد الله بن أبي الجهم القرشي...1 44. أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني...2 45. أبو بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة...1 46. أبو بكر بن عمارة بن رويبة الثقفي الكوفي...1 47. أبو بكر بن عمرو باب عتبة الثقفي1 48. أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي الكوفي المقرئ...1 49. أبو بكر بن نافع مولى ابن عمر القرشي العدوي...1 50. أبو تميمة السلي1 51. أبو ثعلبة الخشني7 52. أبو جرى الهجيمي2 53. أبو حارثة بن علقمة أسقف نجران1 54. أبو حازم والد قيس بن أبي حازم1 55. أبو حجير2 56. أبو حدرد الأسلمي1 57. أبو حمزة مولى أبي مريم الغساني1 58. أبو حية بن قيس الوادعي1 59. أبو خالد البجلي الكوفي1 60. أبو خلف4 61. أبو رفاعة العدوي2 62. أبو زبان1 63. أبو سعد الأزدي الكوفي1 64. أبو سعيد الخزاعي1 65. أبو سفيان بن العلاء2 66. أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف3 67. أبو سليمان الخراساني1 68. أبو سنان الأسدي1 69. أبو شيبة المكي1 70. أبو صالح المصري مولى عثمان1 71. أبو صالح مولى السعديين1 72. أبو صالح ميناء مولى ضباعة1 73. أبو صفية مولى رسول الله1 74. أبو طالب الضبعي الحجام1 75. أبو طليق2 76. أبو طوق1 77. أبو ظبية السلفي الكلاعي1 78. أبو عامر الأشعري5 79. أبو عبد الرحمن السلمي4 80. أبو عبد الله البكري1 81. أبو عبد الله القطان2 82. أبو عبيد المذحجي حاجب سليمان بن عبد الملك...1 83. أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود5 84. أبو عتاب1 85. أبو عذرة3 86. أبو عصمة2 87. أبو عمر الدمشقي4 88. أبو عمرو الصيني الشامي1 89. أبو عمرو العبدي1 90. أبو عنبة الخولاني5 91. أبو عياش الزرقي4 92. أبو عيسى الأسواري البصري1 93. أبو فالج الأنماري2 94. أبو قرة1 95. أبو لبابة بن عبد المندر1 96. أبو مالك الأشعري7 97. أبو محذورة المؤذن1 98. أبو محمد الحضرمي2 99. أبو مريم الأنصاري صاحب القناديل1 100. أبو مسعر1 ▶ Next 100
You are viewing hadithtransmitters.hawramani.com in filtered mode: only posts belonging to
Aḥmad b. Ḥanbal (d. 855 CE) - al-Jāmiʿ li-ʿulūm imām Aḥmad: al-Rijāl - أحمد بن حنبل - الجامع لعلوم إمام أحمد: الرجال are being displayed.
Similar and related entries:
مواضيع متعلقة أو مشابهة بهذا الموضوع
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=151649&book=5518#2917d6
عبد الله ويقال عتيق بن عثمان أبي قحافة بن عامر
ابن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لوي أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصاحبه في الغار.
قدم تاجراً إلى بصرى من الشام في الجاهلية، وفي الإسلام.
عن أنس أن أبا بكر حدثه قال: قلت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحن بالغار: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه! فقال: " يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ".
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح، ورواه الترمذي.
عن قيس بن أبي حازم قال: قرأ أبو بكر هذه الآية: " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم "، ثم قال: إن الناس يضعون هذه الآية على غير موضعها، ألا وإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن القوم إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، والمنكر فلم يغيروه عمّهم الله بعقابه ".
وفي رواية: " إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمّهم الله بعقابه ".
عن عائشة أم المؤمنين قالت: اسم أبي بكرٍ الذي سماه به أهله: عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو، ولكنه غلب عليه اسم عتيق.
قالت: والله إني لفي بيتي ذات يومٍ ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه في الفناء والستر بيني وبينهم - زاد في رواية: دونهم - إذا أقبل أبو بكر، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سره أن ينظر إلى عتيقٍ من النار فلينظر إلى أبي بكر ".
ومن رواية عن عائشة: أن أبا قحافة كان له ثلاثة أولادٍ سمى واحداً عَتيقاً، والآخر معتقاً، والآخر عُتيقاً، - وفي رواية: عتيقاً ومعتقاً ومعيتيقاً.
وقال موسى بن طلحة: بينا عائشة بنت طلحة تقول لأمها أم كلثوم بنتا أبي بكر: أنا خير منك، وأبي خير من أبيك، فقالت: أبوك خير من أبي؟ فقالت عائشة أم المؤمنين: ألا أقضي بينكما؟ إن أبا بكر دخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا أبا بكر أنت عتيق الله من النار " فمن يومئذ سمي عتيقاً، قال: ودخل طلحة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا طلحة أنت ممن قضى نحبه ".
وقال: سألت أبي طلحة بن عبيد الله، قلت له: يا أبه، لأي شيءٍ سمي أبو بكر عتيق؟ قال: كانت أمه لا يعيش لها ولد، فلما ولدته استقبلت به البيت، وقالت: اللهم إن هذا عتيقك من الموت، فهبه لي.
وقال مصعب: سمي أبو بكر عتيقاً لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به، قال ابن الأعرابي: العرب تقول للشيء قد بلغ النهاية في الجودة: عتيق.
عن عبد الله بن الزبير قال: كان اسم أبي بكر: عبد الله بن عثمان، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنت عتيق الله من النار " فسمي عتيقاً.
قال مغيرة بن زياد: أرسلت إلى ابن أبي مليكة أسأله عن أبي بكر الصديق ما كان اسمه؟ قال: فأتيته فسألته، فقال: كان اسمه عبد الله بن عثمان، وإنما كان عتيق لقباً.
وعن الليث بن سعد قال: إنما سمي أبو بكر عتيقاً لجمال وجهه.
وعن أبي نعيم الفضل بن دكين: إنما سمي عتيقاً لأنه عتيق، قديم في الخير.
عن عبد الله بن الزبير قال: سميت باسم جدي أبي بكر، وكنيت بكنيته.
وفي أبي بكر نزلت: " فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى ".
وعن ابن إسحاق: كان أبو بكر أنسب العرب للعرب.
قال الزبير بن بكار: فولد عامر بن عمرو أبا قحافة، واسمه عثمان، وأمه قيلة بنت أذاة بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب، فولد أبو قحافة أبا بكر الصديق، وأمه أم الخير، واسمها سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب - وفي رواية: ابن عامر بن عمرو بن كعب - بن سعد ابن تيم بن مرة، وأبو بكر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الغار، الذي قال الله عز وجل: " إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا " وهاجر مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة إلى المدينة ليس معهما أحد إلا مولى أبي بكر عامر بن فهيرة الذي رفع إلى السماء حين استشهد يوم بئر معونة، وكان دليل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الطريق إلى المدينة، وأعتق أبو بكر سبعة ممن كان يعذب في الله، منهم: بلال مؤذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شهد بدراً والمشاهد كلها، وشهد عامر بن فهيرة بدراً وغيرها حتى استشهد يوم بئر معونة.
وأبو بكر أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجنة.
قال ابن سعد: دفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رايته العظمى يوم تبوك إلى أبي بكر، وكانت سوداء، وأطعمه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر مائة وسق، وكان فيمن ثبت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد حين ولّى الناس.
قال إسماعيل بن علي الخطبي: وقد أدرك أبواه الإسلام وأسلما.
قال أبو أحمد الحاكم: أدرك أبو بكر بن أبي قحافة، الصديق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبوه أبو قحافة عثمان بن عامر، وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وابن ابنه أبو عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، أربعتهم ولاءً، رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليست هذه المنقبة لأحدٍ من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيره، وأدرك من أولاده وأهل بيته ومواليه سواهم، نفر من الرجال والنساء، رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، منهم بنوه عبد الله وعبد الرحمن، صَحِبا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وابنه الثالث محمد، ولد عام حجة الوداع، ولدته أسماء بقباء، فوجهت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أمرها، فأمرها أن تغتسل، وتهل، وعائشة، وأسماء بنت أبي بكر، وأم أبي بكر الصديق أم الخير، واسمها سلمى بنت صخر، وامرأة أبي بكر الصديق أم رومان بنت عمير بن عبد مناة بن دهمان بن غنم بن مالك بن كنانة بن خزيمة، وابن خالته أم مسطح بنت أبي رُهم بن المطلب بن عبد مناف، وبلال بن رباح، وعامر بن فهيرة، وسعد، والقاسم، موالي أبي بكر.
قال أبو عبد الله بن منده: ولد أبو بكر بعد الفيل بسنتين وأربعة أشهرٍ إلا أيام، ومات بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين
وأشهر بالمدينة، وهو ابن ثلاث وستين، وكان رجلاً أبيض نحيفاً، خفيف العارضين، معروق الوجه، غائر العينين، ناتئ الجبهة، يخضب بالحناء والكتم، وكان أول من أسلم من الرجال.
عن الزهري قال: لما كان يوم فتح مكة أُتي بأبي قحافة إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكأن رأسه ثغامة بيضاء، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هلا أقررتم الشيخ في بيته حتى كنا نأتيه؟ " تكرمة لأبي بكر، وأمرهم أن يغيروا شعره، وبايعه، وأتى المدينة، وبقي حتى أدرك خلافة أبي بكر، ومات أبو بكر قبله، وورثه أبو قحافة السدس، فرده على ولد أبي بكر، وكانت وفاته سنة أربع عشرة في خلافة عمر بن الخطاب، وله يومئذ سبع وتسعون سنة.
قال أنس بن مالك:
قدم علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان أسن أصحابه أبو بكر.
وقالت عائشة: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكبر من أبي بسنتين وشيءٍ.
عن يزيد بن الأصم: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبي بكر: " أينا أكبر، أنا أو أنت؟ " قال: أنت أكبر وأكرم، وخير مني، وأنا أسن منك.
كذا في هذه الرواية، والمحفوظ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أسن من أبي بكر، وأن أبا بكر استكمل بخلافته سن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت أبا بكر كأن رأسه ولحيته ضرام عرفجٍ.
وقال: دخلت على أبي بكر وهو مريض، فإذا هو أبيض قضيف.
عن ابن شهاب قال: كان أبو بكر الصديق أبيض أصفر لطيفاً جعداً، كأنما خرج من صدع حجر، مسترق الوركين، لا يثبت إزاره على وركيه.
ووصفته عائشة فقالت: كان أبيض نحيفاً خفيف العارضين أجنأ، لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقويه، مقرون الحاجب، غائر العينين، ناتئ الجبهة، عاري الأشاجع، معوق الوجه، وكان يخضب بالحناء والكتم.
وعن الزهري في صفة أبي بكر: كان أبيض يخالط بياضه الصفرة، جعد، حسن القامة، رقيق، حمش الساقين، قليل اللحم، حسن الثغر.
وعن ربيعة بن كعب قال: كان إسلام أبي بكر الصديق بوحي من السماء، وذلك أنه كان تاجراً بالشام، فرأى رؤيا، فقصها على بحيرا الراهب، فقال له: من أين أنت؟ قال: من مكة، قال: من أيها؟ قال: من قريش، قال: فأيش أنت؟ قال: تاجر، قال: صدق الله رؤياك، فإنه سيبعث نبي من قومك، تكون وزيره في حياته، وخليفته بعد موته، فأسر أبو بكر حتى بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاءه، فقال: يا محمد، ما الدليل على ما تدعي؟ قال: الرؤيا التي رأيت بالشام، فعانقه، وقبل عينيه، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك محمداً رسول الله.
قال أبو بكر الصديق: إنه خرج إلى اليمن قبل أن يبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فنزلت على شيخٍ من الأزد، عالم قد قرأ الكتب، وعلم من علم الناس علماً كثيراً، وأتت عليه أربعمائة سنة إلا عشر سنين، فلما رآني قال: أحسبك حرمياً؟ قال أبو بكر: قلت: نعم أنا من أهل الحرم،
قال: وأحسبك قرشياً؟ قال: قلت: نعم، أنا من قريش، قال: وأحسبك تيمياً؟ قال: قلت: نعم، أنا من تيم بن مرة، أنا عبد الله بن عثمان بن كعب بن تيم بن مرة، قال: بقيت لي منك واحدة، قلت: ما هي؟ قال: تكشف لي عن بطنك، قلت: لا أفعل أو تخبرني لم ذاك؟ قال: أجد في العلم الصحيح الزكي الصادق أن نبياً يبعث في الحرم تعاون على أمره فتى وكهل، فأما الفتى فخواض غمرات، ودفاع معضلات، وأما الكهل فأبيض نحيف، على بطنه شامة، وعلى فخذه اليسرى علامة، وما عليك أن تريني ما سألتك، فقد تكاملت لي فيك الصفة إلا ما خفي علي.
قال أبو بكر: فكشفت له عن بطني، فرأى شامة سوداء فوق سرتي، فقال: أنت هو ورب الكعبة، وإني متقدم إليك في أمرٍ، فاحذره، قال أبو بكر: قلت: وما هو؟ قال: إياك والميل عن الهدى، وتمسك بالطريقة الوسطى، وخف الله فيما خولك وأعطاك.
قال أبو بكر: فقضيت باليمن أربي، ثم أتيت الشيخ لأودعه، فقال: أحامل أنت مني أبياتاً قلتها في ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قلت: نعم، فأنشأ يقول: من الطويل
ألم تر أني قد وهنت معاشري ... ونفسي وقد أصبحت في الحي واهنا
حييت، وفي الأيام للمرء عبرة ... ثلاث مئين، ثم تسعين آمنا
وصاحبت أحباراً أبانوا بعلمهم ... غياهيب في سدٍّ ترى فيه طامنا
فما زلت أدعو الله في كل حاضر ... حللت بها سراً وجهراً معالنا
وقد خمدت مني شرارة قوتي ... وألفيت شيخاً لا أطيق الشواجنا
وأنت، ورب البيت تلقى محمداً ... بعامك هذا قد أقام البراهنا
فحي رسول الله عني فإنني ... على دينه أحيا وإن كنت داكنا
فيا ليتني أدركته في شبابتي ... فكنت له عبداً وإلا العجاهنا
قال أبو بكر: فحفظت وصيته وشِعره، وقدمت مكة وقد بُعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاءني عقبة بن أبي معيط، وشيبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وأبو البختري بن هشام، وصناديد قريشٍ، فقلت لهم: هل نابتكم نائبة، أو ظهر فيكم أمر؟ قالوا: يا أبا بكر، أعظم الخطب، وأجل النوائب! يتيم أبي طالب، يزعم أنه نبي، ولولا أنت ما انتظرنا به، فإذ قد جئت فأنت الغاية والكفاية لنا.
قال أبو بكر: فصرفتهم، وسألت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقيل: إنه في منزل خديجة، فقرعت عليه الباب، فخرج إلي، فقلت: يا محمد، بعدت من منازل أهلك، واتهموك بالفتنة، وتركت دين آبائك وأجدادك؟ قال: " يا أبا بكر، إني رسول الله إليك، وإلى الناس كلهم، فآمن بالله " فقلت: وما دليلك على ذلك؟ قال: " الشيخ الذي لقيته باليمن " قلت: وكم من مشايخ لقيت، واشتريت، وأخذت وأعطيت، قال: " الشيخ الذي أفادك الأبيات " قلت: ومن خبرك بهذا يا حبيبي؟ قال: " الملك العظيم الذي يأتي الأنبياء قبلي " قلت: مد يدك، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنت رسول الله.
قال أبو بكر: فانصرفت وما بين لابتيها أشد سروراً من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسلامي.
قال طلحة بن عبيد الله: كان إسلام أبي بكر فتحاً، وذلك أن ورقة بن نوفل جاء إلى أبي بكرٍ، فقال له: يابن أخي، إني أراك متبدلاً بمكة، ولا أراك في شيءٍ، فأخبرني كم معك من المال؟ قال: عندي كذا وكذا من العير، قال: فأنا آتيك غداً بكذا وكذا فأضعف لك حتى تخرج إلى الشام، فتصيب فيه خيراً، فتعطيني ما شئت، وتمسك ما شئت، فانقلب أبو بكر إلى زوجته، فقال لها: اذبحي من تلك الغنم شاة سفِّرينا بها، قالت: وأين تريد؟ قال: الشام، قالت: ولم؟ قال: إن ورقة بن نوفل قارضني أن أخرج مالي كله ويعطيني كذا وكذا ألف دينار، قالت: أفلا أخبرك خبراً يسرك؟ قال: وما هو؟ قالت: جاء محمد يطلبك منذ اليوم ثلاث مرات، فما حبسك عنه؟ قال: ما حبسني عنه إلا ما ذكرت؛
قالت: سمعته يقول: " أنا رسول الله حقاً " قال: ويحك! فإنه هذا خير لي من الدنيا وما فيها! فانطلق إليه من ليلته، فقرع الباب، فقال: " من هذا؟ " قال: أبو بكر، ففتح له الباب، ثم قال: " ما جاء بك هذه الساعة، فإني قد كنت أبتغيك ثلاث مرات؟ " قال: إني كنت مع ورقة بن نوفل، فعرض علي قراضاً، فقلت لزوجتي: سفرينا، قالت: وأين تريد؟ فقلت: قارضني ورقة بن نوفل على أن أخرج إلى الشام، قالت: أفلا أخبرك خبراً يسرك؟ فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وما أخبرتك؟ " قال: أخبرتني أنك تقول: إني رسول الله. ثم انصرف من عنده مسروراً بما نال من الخير والإسلام، فأصبح، وجاء إليه ورقة بن نوفل بالمال ليدفع إليه، فقال له: يابن أخي، هذا المال، قال: وجدت تجارة خيراً من تجارتك، وربحاً خير من ربحك، قال: وما هو؟ قال: قال لي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني رسول الله " فصدقته وآمنت به، وشهدت أنه رسول الله، قال: فوالله لئن كنت صادقاً لا آكل ما ذبح على النصب، ولا ما ذبحت قريش لآلهتها، ولا ما ذبحت يهود لكنائسها، ولأستقبلن هذا البيت الحرام الذي أسسه إبراهيم وإسماعيل، ولا أزال أصلي أبداً، ولأحرمن ما ذبح لغير الله - عز وجل - فتوفي ورقة قبل أن يظهر أمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن محمد بن إسحاق قال: ثم إن أبا بكر لقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أحق ما تقول قريش يا محمد من تركك آلهتنا، وتسفيهك عقولنا، وتكفيرك آباءنا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني رسول الله يا أبا بكر ونبيه، بعثني لأبلّغ رسالته، وأدعوك إلى الله بالحق، فوالله إنه للحق أدعوك إلى الله يا أبا بكر، وحده لا شريك له، ولا نعبد غيره، والموالاة على طاعته أهل طاعته " وقرأ عليه القرآن، فلم يقر، ولم ينكر، فأسلم، وكفر بالأصنام، وخلع الأنداد، وأقر بحق الإسلام، ورجع أبو بكر وهو مؤمن مصدق.
وابتدأ أبو بكر أمره، وأظهر إسلامه، ودعا الناس، وأظهر علي وزيد بن حارثة إسلامها، فكبُر ذلك على قريش، وكان أول من اتبع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خديجة بنت خويلد
زوجته، ثم كان أول ذكرٍ آمن به علي، وهو يومئذ ابن عشر سنين، ثم زيد بن حارثة ثم أبو بكر الصديق، فلما أسلم أبو بكر أظهر إسلامه، ودعا إلى الله ورسوله، وكان أبو بكر رجلاً مألفاً لقومه محبباً سهلاً، وكان أنسب قريش لقريش وأعلم قريش بما كان فيها من خيرٍ أو شر، وكان رجلاً تاجراً ذا خلقٍ ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحدٍ من الأمر لعلمه وتجارته، وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه، ويجلس إليه فأسلم على يديه: الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وسعد ابن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف.
عن عائشة قالت: قال أبو بكر: كنت أول من آمن.
وعن ابن سيرين قال: أول من أسلم من الرجال أبو بكر، وأول من أسلم من النساء خديجة.
قال عمار: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر.
سئل سعد بن مالك: أكان أبو بكر الصديق أولكم إسلاماً؟ قال: لا، ولكن أسلم قبله أكثر من خمسة، ولكن كان خيرنا إسلاماً.
عن أبي سعيد قال: لما بويع أبو بكر رأى من الناس بعض الانقباض، فقال: أيها الناس، ما يمنعكم؟ ألست أحقكم بهذا الأمر ألست أول من أسلم؟ قال أبو بكر: أنا أول من صلى مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفي رواية: أول من صلى مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الرجال علي بن أبي طالب.
قال قائل لابن عباس: أي الناس كان أول إسلاماً؟ قال: أبو بكر، أما سمعت بقول حسان بن ثابت - رضي الله عنهما -: من البسيط
إذا تذكرت شجواً من أخي ثقةٍ ... فاذكر أخاك أبا بكرٍ بما فعلا
خير البرية أوفاها وأعدلها ... إلا النبي وأوفاها بما حملا
والثاني التالي المحمود مشهدة ... وأول الناس منهم صدق الرسلا
وفي رواية: أتقاها وأعدلها.
عاش حميداً لأمر الله متبعاً ... بهدي صاحبه الماضي وما انتقلا
وفي رواية: عاشا جميعاً لأمر الله متبعاً لهدي.
وسئل ميمون بن مهران: كان علي أول إسلاماً أو أبو بكر؟ فقال: والله لقد آمن أبو بكر بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمن بحيرا الراهب، واختلف فيما بينه وبين خديجة حتى أنكحها إياه، وذلك كله قبل أن يولد علي بن أبي طالب.
وقيل له: علي أفضل عندك أم أبو بكر وعمر؟ قال: فارتعد حتى سقطت عصاه من يده، ثم قال: ما كنت أظن أن أبقى إلى زمان يعدل بهما، لله درهماً كانا رأسي الإسلام، ورأسي الجماعة.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما كلمت في الإسلام أحداً إلا أبى علي، وراجعني الكلام إلا ابن أبي قحافة - يعني أبا بكر - فإني لم أكلمه في شيءٍ إلا قبله واستقام عليه ".
عن محمد بن عبد الرحمن: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوة وتردد ونظر إلا أبا بكر، ما عتم عنه حين ذكرته له، وما تردد فيه ".
وعن عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت:
فلما أن اجتمع أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكانوا تسعة وثلاثين رجلاً ألح أبو بكر على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الظهور، فقال: " يا أبا بكر، إنا قليل " فلم يزل يلح على رسول الله حتى ظهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتفرق المسلمون في نواحي المسجد، وكل رجلٍ معه، وقام أبو بكر في الناس خطيباً، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس، وكان أول خطيبٍ دعا إلى الله - عز وجل - وإلى رسوله، وثار المشركون على أبي بكر، وعلى المسلمين يضربونهم في نواحي المسجد ضرباً شديداً، ووطئ أبو بكر، وضرب ضرباً شديداً، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة، فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين، وأثّر على وجه أبي بكر لا يعرف أنفه من وجهه، وجاءت بنو تميم تتعادى، فأجلوا المشركين عن أبي بكر، وحملوا أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه ولا يشكون في موته، ورجعوا بيوتهم، فدخلوا المسجد، فقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة، ورجعوا إلى أبي بكر، فجعل أبو قحافة، وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجابهم، فتكلم آخر النهار: ما فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فنالوه بألسنتهم وعذلوه، ثم قاموا، وقالوا لأم الخير بنت صخر: انظري أن تطعميه شيئاً، أو تسقيه إياه، فلما خلت به جعل يقول: ما فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: والله ما لي علم بصاحبك، قال: فاذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه، فخرجت حتى جاءت أم جميل، فقالت: إن أبا بكر يسألك عن محمد عبد الله، قالت: ما أعرف أبا بكر، ولا محمد بن عبد الله، وإن تحبي أن أمضي معك إلى ابنك فعلت، قالت: نعم، فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعاً دنفاً، فدنت أم جميل، وأعلنت بالصياح، وقالت: إن قوماً نالوا منك هذا لأهل فسق، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك. قال: فما فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: هذه أمك تسمع، قال: قال: فلا عين عليك منها، قالت: سالم صالح، قال: فأين هو؟ قالت: في دار الأرقم، قال: فإن لله علي أَلِيّة ألا أذوق طعاماً أو شراباً أو آتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمهلتا حتى إذا هدأت الرِّجل، وسكن الناس خرجتا به يتكئ عليهما حتى دخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت: فانكب عليه فقبله، وانكب عليه
المسلمون، ورق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رقة شديدة، فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي ليس بي إلا ما نال الفاسق من وجهي، هذه أمي برة بوالديها، وأنت مبارك فادعها إلى الله، وادعُ الله لها عسى أن يستنقذها بك من النار، فدعا لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم دعاها إلى الله - عز وجل - فأسلمت، فأقاموا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدار شهراً، وهم تسعة وثلاثون رجلاً.
وكان حمزة بن عبد المطلب أسلم يوم ضرب أبو بكر، فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمر بن الخطاب، وأبي جهل بن هشام، فأصبح عمر، وكانت الدعوة يوم الأربعاء، فأسلم عمر يوم الخميس، فكبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأهل البيت تكبيرة سمعت بأعلى مكة. فقال عمر: يا رسول الله، علام نخفي ديننا، ونحن على الحق، وهم على الباطل؟ فقال: " يا عمر، إنا قليل قد رأيت ما لقينا " فقال عمر: والذي بعثك بالحق لا يبقى مجلس جلست فيه بالكفر إلا جلست فيه بالإيمان، ثم خرج، فطاف بالبيت، ثم مر بقريش وهم ينظرونه، فقال أبو جهل بن هشام: زعم فلان أنك صبوت، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فوثب المشركون إليه، فوثب على عتبة، فبرك عليه، فجعل يضربه، وأدخل إصبعه في عينه، فجعل عتبة يصيح، فتنحى الناس عنه، فقام عمر، فجعل لا يدنو منه أحد إلا أخذ شريف من دنا منه حتى أحجم الناس عنه، واتبع المجالس التي كان فيها، فأظهر الإيمان، ثم انصرف إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو ظاهر عليهم، فقال: ما يجلسك بأبي أنت وأمي، فوالله ما بقي مجلس كنت أجلس فيه بالكفر إلا أظهرت فيه الإيمان غير هائب ولا خائف؛ فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعمر أمامه، وحمزة بن عبد المطلب حتى طاف بالبيت، وصلى الظهر معلناً، ثم انصرف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى دار الأرقم ومن معه.
قيل لعمر بن العاص: ما أشد ما رأيتهم بلغوا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال عمرو: أشد شيءٍ بلغ من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما رأيت - أنهم تآمروا عليه حين مر بهم ضحىً عند الكعبة، فقالوا: يا محمد، أنت تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟ فقال لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا ذلكم " فأخذ أحدهم بتلابيبه، وأبو بكر آخذ بحضن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ورائه،
يريد أن ينتزعه منهم، وهو يصيح: يا قوم " أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذباً فعليه كذبة، وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب " قال: يردد أبو بكر هذه الآية وعيناه تسفحان، فلم يزل على ذلك حتى انفرجوا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن عاشة قالت: لما أسري بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المسجد الأقصى أصبح يحدث بذاك الناس، فارتد ناس ممن كان آمن، وصدق به، وفتنوا، فقال أبو بكر: إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوه أو رواحه، فلذلك سمي أبو بكر الصديق.
عن محمد بن كعب قال: لما رجع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أسري به، فبلغ ذا طوى، فقال: " يا جبريل، إني أخاف أن يكذبوني " قال: كيف يكذبونك وفيهم أبو بكر الصديق؟ عن أبي هريرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر فبكى أبو بكر وقال: ما نفعني الله إلا بك - وفي رواية: " مال أحدٍ ما نفعني مال أبي بكر " قال: فبكى أبو بكر وقال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟ وعن عائشة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما نفعنا مال ما نفعنا مال أبي بكر ".
وعن ابن المسيب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما مال رجلٍ من المسلمين أنفع لي من مال أبي بكر ".
قال: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقضي في مال أبي بكر كما يقضي في مال نفسه.
وعن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أحد أمنُّ علي في صحبته وذات يده من أبي بكر، وما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ".
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أحد أعظم عندي من أبي بكر، واساني بنفسه وماله، وأنكحني ابنته ".
وعن ابن عباس قال: سألت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أحب إليه؟ فقال لي: " عائشة " فقلت: ليس عن النساء سألتك، قال: " فأبوها إذاً " قال: قلت: فلم يا رسول الله؟ قال: " لأنه أنفق ماله كله غير مقطبٍ بين عينيه حتى بقي بعباءة تخللها بريشة، لا تملك سواها، ووالله ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر، وزوجني ابنته، ووهب لي غلامه، وواساني بنفسه، وكلما هبط جبريل علي قال: يا محمد، الله يقرئك السلام ويقول لك: أقرئ أبا بكرٍ السلام وقل له: " أساخطٍ فأرضيك؟ " فقال: على من أسخط يا رسول الله، أنا عنه راض، فهل هو عني راضٍ؟ فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هو عنك راضٍ " فقال أبو بكر: الحمد لله.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن من أعظم الناس علينا مناً أبو بكر، زوجني ابنته، وواساني بنفسه، وإن خير المسلمين مالاً أبو بكر، أعتق منه بلالاً، وحملني إلى دار الهجرة ".
وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي بكر: " ما أطيب مالك! منه بلال مؤذني، وناقتي التي هاجرت عليها، وزوجتني ابنتك، وواسيتني بنفسك ومالك، كأني أنظر إليك على باب الجنة تشفع لأمتي ".
عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رحم الله أبا بكرٍ زوجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالاً من ماله،
رحم الله عمر يقول الحق وإن كان مراً، تركه الحق وما له من صديقٍ، رحم الله عثمان تستحي منه الملائكة، رحم الله علياً، اللهم أدر عليه الحق حيث دار ".
عن ابن عمر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بالصدقة، فقال عمر بن الخطاب: وعندي مال كثير، فقلت: والله لأفضلن أبا بكر هذه المرة، فأخذت نصف مالي، وتركت نصفه، فأتيت به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " هذا مال كثير، فما تركت لأهلك؟ " قال: تركت لهم نصفه.
وجاء أبو بكر بمالٍ كثير، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما تركت لأهلك؟ " قال: تركت لهم الله ورسوله - زاد في رواية: قال عمر: فقلت: لا أسابقك إلى شيءٍ أبداً! وفي رواية مرسلة عن الشعبي قال: لما نزلت هذه الآية: " إن تبدوا الصدقات فنعما هي " إلى آخر الآية جاء عمر بنصف ماله يحمله إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحمله على رؤوس الناس، وجاء أبو بكر بماله أجمع يكاد أن يخفيه من نفسه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما تركت لأهلك؟ " قال: عدة الله، وعدة رسوله، قال: يقول عمر لأبي بكر: بنفسي أنت - أو بأهلي أنت - ما سبقنا باب خيرٍ قط إلا سبقتنا إليه.
عن عروة: أن أبا بكر الصديق أسلم يوم أسلم وله أربعون ألف درهم، قال عروة: قالت عائشة: توفي أبو بكر وما ترك ديناراً ولا درهماً.
وعن عروة قال: أعتق أبو بكر الصديق ممن كان يعذَّب في الله بمكة سبعة أنفسٍ: بلالاً الحبشي الأسود، وعامر بن فهيرة، والنهدية وابنتها، وأم عبيس، وزنِّيرة، وجارية بني المؤمل.
وعن ابن عمر قال: أسلم أبو بكر يوم أسلم وفي منزله أربعون ألف درهم، فخرج إلى المدينة من مكة في الهجرة وماله غير خمسة آلاف، كل ذلك ينفق في الرقاب، والعون على الإسلام.
عن عبد الله: أن أبا بكر اشترى بلالاً من أمية بن خلف، وأُبيّ بن خلف ببردةٍ وعشر أواقٍ، فأعتقه لله - عز وجل - فانزل الله - عز وجل - " والليل إذا يغشى " إلى قوله: " إن سعيكم لشتى " سعي أبي بكر وأمية وأُبي.
وعن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن بعض أهله قال: قال أبو قحافة لابنه أبي بكر: يا بني، أراك تعتق رقاباً ضعافاً؟ فلو أنك إذ فعلت ما فعلت أعتقت رجالاً جلداً يمنعونك، ويقومون دونك! فقال أبو بكر: يا أبه، إني إنما أريد ما أريد. قال: فيتحدث: ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيه، وفيما قاله أبوه " فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى " إلى آخر السورة.
وعن ابن عباس في قوله: " فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى "، قال أبو بكر " وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى " قال: أبو سفيان بن حرب.
عن عبد الله بن الزبير قال: أنزلت هذه الآية في أبي بكر: " وسيجنبها الأتقى، الذي يؤتي ماله يتزكى، وما لأحدٍ عنده من نعمةٍ تجزى، إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى، ولسوف يرضى ".
عن ابن عمر قال: كنت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعنده: أبو بكر الصديق، وعليه عباءة قد خلها في صدره بخلال، فنزل عليه جبريل، فقال: يا محمد، ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في
صدره بخلال؟ فقال: " يا جبريل، أنفق ماله علي قبل الفتح " قال: فإن الله عز وجل يقرأ عليه السلام ويقول: " قل له: أراضٍ أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ " فقال أبو بكر: أسخط على ربي؟ أنا عن ربي راضٍ، أنا عن ربي راضٍ، أنا عن ربي راضٍ.
وعن ابن عباس: عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " هبط علي جبريل، وعليه طنفسة، وهو متخلل بها، فقلت: يا جبريل ما نزلت إلي في مثل هذا الزي! قال: إن الله أمر الملائكة أن تخلل في السماء كتخلل أبي بكرٍ في الأرض ".
عن أنس بن مالك: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له جبريل: هاجر، قال: ومن يهاجر معي؟ " قال أبو بكر، وهو الصديق.
وعن أنس: أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صعد أحداً، فتبعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم، فقال: " اسكن! نبي، وصديق، وشهيدان - وفي رواية: ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم الجبل، فضربه برجله، وقال: " اثبت أحد! فإنما عليك نبي، وصديق، وشهيدان " وفي رواية " اثبت حراء، عليك نبي، وصديق، وشهيد " فالصديق أبو بكر، والشهيدان: عمر وعثمان.
عن النزال بن سبرة الهلالي قال: وافقنا من علي بن أبي طالب ذات يوم طيب نفسٍ، ومزاح، فقلنا له: يا أمير المؤمنين حدثنا عن أصحابك، قال: كل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابي، قال: حدثنا عن أصحابك خاصةً، قال: ما كان لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صاحب إلا كان لي صاحباً، قلنا: حدثنا عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: سلوني، قلنا: حدثنا عن أبي بكر الصديق،
قال: ذاك امرؤ سماه الله صديقاً على لسان جبريل ومحمد صلى الله عليهما، كان خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رضيه لديننا فرضيناه لدنيانا.
عن حكيم بن سعد قال:
سمعت علياً يحلف لأنزل الله عز وجل اسم أبي بكر من السماء الصديق.
وعن عائشة قالت: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر - وفي رواية: فما مر - علينا يوم إلا ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتينا فيه طرفي النهار بكرةً وعشياً، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكرٍ مهاجراً قبل أرض الحبشة، حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال: أخرجني قومي، فأريد أن أسيح في الأرض، وأعبد ربي، فقال: فإن مثلك يا أبا بكر لا يُخرج، ولا يَخرج؛ إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار، فارجع، فاعبد ربك في بلدك، فارتحل ابن الدغنة، فرجع مع أبي بكر، فطاف ابن الدغنة في كفار قريشٍ، فقال: إن أبا بكر لا يَخرج ولا يُخرج، أتخرجون رجلاً يُكسِب المعدم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق؟ فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة، وآمنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكرٍ فليعبد ربه في داره، وليصل فيها ما شاء، وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا، ولا يستعلن بالصلاة والقراءة في غير داره، ففعل.
قال: ثم بدا لأبي بكر فابتني مسجداً بفناء داره، فكان يصلي فيه ويقرأ، فتنقصف عليه نساء قريش، وأبناؤهم يتعجبون منه، وينظرون إليه.
وكان أبو بكر رجلاً بكاءً، لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فافزع ذلك أشراف قريشٍ، فأرسلوا إلى ابن الدغنة، فقدم عليهم، فقالوا: إنا إنما أجرنا أبا بكر على أن يعبد
ربه في داره، وإنه قد جاوز ذلك، فابتني مسجداً بفناء داره، وأعلن الصلاة والقراءة، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يستعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا قد كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان.
قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة أبا بكر، فقال: يا أبا بكر، قد علمت الذي عقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترجع إلي ذمتي؛ فإني لا أحب أن يسمع العرب أني أخفرت في عقد رجلٍ عقدت له، فقال أبو بكر: فإني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله ورسوله، ورسول الله يومئذ بمكة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمسلمين: " قد أريت دار هجرتكم، أريت سبخةً ذات نخلٍ بين لابتين - وهما حرتان " فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة، وتجهز أبو بكر مهاجراً، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " على رسلك، فإني أرجو أن يؤذن لي " فقال أبو بكر: أو ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: " نعم "، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لصحبته، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر.
قالت عائشة: فبينا نحن جلوس في بيتنا، في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقبلاً مقنعاً في ساعة لم يكن يأتينا فيها. قال أبو بكر: فداه أبي وأمي إن جاء به في هذه الساعة لأمر، قال: فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستأذن، فدخل، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين دخل لأبي بكر: " أخرج من عندك " فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإنه قد أذن لي في الخروج " فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم " فقال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بالثمن ".
قالت: فجهزناهما أحب الجهاز، فصنعنا لهما سفرةً في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر من نطاقها، فأوكت به الجراب، فلذلك كانت تسمى ذات النطاقين - وفي
رواية: النطاق - ثم لحق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر بغارٍ في جبل يقال له ثور، فمكثا فيه ثلاث ليالٍ يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، وهو غلام شاب لقن ثقف، فيدخل، فيخرج من عندهما بسحرٍ، فيصبح بمكة مع قريش كبائت، لا يسمع أمراً يُكادون - وفي رواية: يُكادان - به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذاك إذا اختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحةً من غنم، فيريحها عليهما حين تذهب ساعةً من العشاء، فيبيتان في رسلها حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس يفعل ذلك عامر تلك الليالي الثلاث، واستأجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر رجلاً من بني الدئل من بني عبد بن عدي هادياً خريتاً - والخريت الماهر بالهداية - قد غمس يمين حلفٍ في آل عاص بن وائل، وهو على دين كفار قريش، فأمناه، فدفعا إليه راحلتيهما، ووعداه غار ثورٍ بعد ثلاث ليالٍ، فأتاهما براحلتيهما صبيحة ليالٍ ثلاث، فارتحل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وعامر، والدليل الدئلي، فأخذ بهم طريق الساحل، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على راحلته، وأبو بكر على راحلته، وعامر ابن فهيرة يمشي مع أبي بكر مرة، وربما أردفه.
وكانت أسماء تقول: لما صنعت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي سفرتهما وجد أبو قحافة ريح الخبز، فقال: ما هذا، لأي شيء هذا؟ فقلت: لا شيء، هذا خبز عملناه نأكله، فلما خرج أبو بكر جعل أبو قحافة يلتمسه ويقول: أقد فعلها؟! خرج وترك عياله علي، ولعله قد ذهب بماله - وكان قد عمي - فقلت: لا، فأخذت بيده، فذهبت به إلى جلد فيه أقط فمسسته، فقلت: هذا ماله! عن ضبة بن محصن العنزي قال: كان علينا أبو موسى الأشعري أميراً بالبصرة، فوجهني في بعثه عمر بن الخطاب، فقدمت على عمر، فضربت عليه الباب، فخرج إلي، فقال: من أنت؟ فقلت: أنا ضبة بن محصن العنزي، قال: فأدخلني منزله، وقدم إلي طعاماً، فأكلت، ثم ذكرت له
أبا بكر الصديق، فبكى، فقلت له: أنت خير من أبي بكر، فازداد بكاءً لذلك، ثم قال وهو يبكي: والله لليلة من أبي بكر ويوم خير من عمر وآل عمر، هل لك أن أحدثك بيومه وليلته؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: فإنه لما خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هارباً من أهل مكة خرج ليلاً، فاتبعه أبو بكر، فجعل مرة يمشي أمامه، ومرة خلفه، ومرة عن يمينه، ومرة عن يساره، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما هذا يا أبا بكر؟ ما أعرف هذا فعلك! " فقال: يا رسول الله، أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون خلفك، ومرةً عن يمينك، ومرةً عن يسارك، لا آمن عليك، قال: فمشى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليله كله، حتى أدغل أطراف أصابعه، فلما رآه أبو بكر حمله على عاتقه، وجعل يشتد به حتى أتى به فم الغار، فأنزله، ثم قال: والذي بعثك بالحق، لا تدخله حتى أدخله قبلك، فإن يك فيه شيء نزل بي دونك، قال: فدخل أبو بكر؛ فلم ير شيئاً، فقال له: اجلس، فإن في الغار خرقاً أسده، وكان عليه رداء، فمزقه، وجعل يسد به خرقاً خرقاً، فبقي جحران، فأخذ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحمله، فأدخله الغار، ثم ألقم قدميه الجحرين، فجعل الأفاعي والحيات يضربنه ويلسعنه إلى الصباح، وجعل هو يتقلى من شدة الألم، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعلم بذلك، ويقول له: " يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا " فأنزل الله عليه وعلى رسوله السكينة، والطمأنينة فهذه ليلته.
وأما يومه فلما توفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتدت العرب؛ فقال بعضهم: نصلي ولا نزكي، وقال بعضهم: نزكي ولا نصلي، فأتيته لا ألوه نصحاً، فقلت: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ارفق بالناس! وقال غيري ذلك. فقال أبو بكر: قد قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وارتفع الوحي، ووالله لو منعوني عقالاً مما كانوا يعطون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقاتلتهم عليه، قال: فقاتلنا فكان والله سديد الأمر، فهذا يومه.
عن أنس بن مالك أن أبا بكر الصديق حدثه قال:
نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار، وهم على رؤوسنا، فقلت:
يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه! فقال: " يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ ".
عن ابن عباس قال: إن الذين طلبوهم صعدوا الجبل، فلم يبق إلا أن يدخلوا، فقال أبو بكر: أُتينا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا بكر، لا تحزن إن الله معنا " وانقطع الأثر، فذهبوا يميناً وشمالاً.
عن علي بن أبي طالب قال: لقد صنع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأبي بكر أمراً ما صنعه بي، فقال له رجل: ما صنع به يا أمير المؤمنين؟ قال: يوم المَلْحم، قلنا: وما يوم الملحم؟ قال: يوم جاء المشركون يقتلون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج، وخرج بأبي بكر معه، لم يأمن على نفسه أحداً غيره حتى دخلا الغار.
عن حبيب بن أبي ثابت: في قوله عز وجل: " فانزل الله سكينته عليه " قال: على أبي بكر، فأما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد نزلت عليه السكينة قبل ذلك.
قال الحسن بن عرفة: " فأنزل السكينة عليهم " قال: على أبي بكر.
عن ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبي بكر: " أنت صاحبي على الحوض، وصاحبي في الغار ".
عن الزهري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحسان بن ثابت: " هل قلت في أبي بكر شيئاً؟ " قال: نعم يا رسول الله، قال: " فقل حتى أسمع " فقال: من البسيط
وثاني اثنين في الغار المنيف وقد ... طاف العدو به إذ يصعد الجبلا
وكان ردف رسول الله قد علموا ... من البرية لم يعدل به رجلا
فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بدت نواجذه، وقال: " صدقت يا حسان، هو كما قلت ".
قال ابن عيينة: عاتب الله المسلمين كلهم في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير أبي بكر وحده؛ فإنه خرج من المعاتبة، وتلا قوله تعالى: " إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار ".
عن أنس بن مالك قال: لما هاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان رسول الله يركب، وأبو بكر رديفه، وكان أبو بكر يعرف في الطريق باختلافه إلى الشام، فكان يمر بالقوم فيقولون: من هذا بين يديك؟ فيقول: هادٍ يهدي - وفي رواية: هذا رجل يهديني السبيل.
عن عبد الرحمن ومحمد ابني جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري ثم السلمي: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين آخى بين المهاجرين والأنصار آخى بين أبي بكر الصديق، وخارجة بن زيد بن أبي زهير الخزرجي.
وعن محمد بن عمر بن علي: آخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة بين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، فلما قدم
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة نقض تلك المؤاخاة إلا اثنتين: المؤاخاة التي بينه وبين علي بن أبي طالب، والتي بين حمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة.
عن أبي هريرة قال: تباشرت الملائكة يوم بدرٍ فقالوا: أما ترون أبا بكر الصديق جاء مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العريش.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أصبح منكم صائماً اليوم؟ " قال أبو بكر: أنا، قال: " من أطعم اليوم مسكيناً؟ " قال أبو بكر: أنا، قال: " من عاد اليوم مريضاً؟ " قال أبو بكر: أنا، فقال: " من شهد منكم اليوم جنازة؟ " قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما اجتمعن - هذه الخصال - في رجلٍ قط إلا دخل الجنة " وفي رواية: " من جمعهن في يومٍ واحد وجبت له، أو قال: غُفر له ".
وعن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال:
صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الصبح، ثم أقبل على أصحابه بوجهه، فقال: " من أصبح منكم اليوم صائماً؟ " قال عمر: يا رسول الله، لم أحدث نفسي بالصوم البارحة، فأصبحت مفطراً، فقال أبو بكر: لكن حدثت نفسي بالصوم البارحة فأصبحت صائماً، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل منكم أحد اليوم عاد مريضاً؟ " قال عمر: يا رسول الله، صلينا ثم لم نبرح، فكيف نعود المريض؟! فقال أبو بكر: بلغني أن أخي عبد الرحمن بن عوف شاكٍ، فجعلت طريقي عليه لأنظر كيف أصبح، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل منكم أحد أطعم اليوم مسكيناً؟ " فقال عمر: يا رسول الله، صلينا ثم لم نبرح، فقال أبو بكر: دخلت المسجد، فإذا أنا بسائلٍ، فوجدت كسرة خبز الشعير في يد عبد الرحمن، فأخذتها فدفعتها إليه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنت فابشر بالجنة " فتنفس عمر، فقال: واها للجنة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلمة أرضى بها عمر.
عن سعيد بن المسيب أن عمر قال: ما سبقت أبا بكر إلى خير قط إلا سبقني إليه.
عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة: يا عبد الله، هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي - وفي رواية: نودي - من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي - وفي رواية: نودي - من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان " فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما على أحدٍ ممن دعي من تلك الأبواب - وفي رواية فقال أبو بكر: ما على من يدعى من هذه الأبواب - من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب - وفي رواية من هذه الأبواب - كلها؟ قال: " نعم، وأرجو أن تكون منهم ".
عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يدخل الجنة رجل لا يبقى فيها أهل دار ولا غرفة إلا قالوا: مرحباً مرحباً، إلينا إلينا "، فقال أبو بكر: يا رسول الله، ما توى هذا الرجل في ذلك اليوم، قال: " أجل، وأنت هو يا أبا بكر ".
عن ابن أبي أوفى قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: وأقبل على أبي بكر فقال: " إني لأعرف اسم رجل، واسم أبيه، واسم أمه إذا دخل الجنة لم يبق غرفة من غرفها، ولا شرفة من شرفها إلا قالت: مرحباً مرحباً " فقال سلمان: إن هذا لغير خائب، فقال: " ذاك أبو بكر بن أبي قحافة ".
عن سليمان بن يسار قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبو بكر وعمر خير أهل الأرض إلا أن يكون نبياً ".
قال: وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الخير ثلاثمائة وستون خصلة، إذا أراد الله عز وجل بعبدٍ خيراً جعل فيه واحدة منهن يدخله بها الجنة ".
قال: وقال أبو بكر: يا رسول الله، هل فيّ شيء منهن؟ قال: " نعم جميعاً " وفي رواية: " كلهن فيك، وهنيئاً لك يا أبا بكر ".
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بينما جبريل يطوف بي أبواب الجنة قلت: يا جبريل، أرني الباب الذي تدخل منه أمتي " قال: " فأرانيه " قال: فقال أبو بكر: يا رسول الله، ليتني كنت معك حتى أنظر إليه، قال: فقال: " يا أبا بكر، أما إنك أول من يدخله من أمتي ".
عن أبي الدرداء قال: إني لجالس عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ أقبل أبو بكر، فأخذ بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فأقبل حتى سلم، ثم قال: يا رسول الله، كان بيني وبين ابن الخطاب شيء حتى أسرعت إليه، وندمت، فسألته أن يستغفر لي، فأبى علي، وتحرز مني بفراره، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يغفر الله لك يا أبا بكرٍ - ثلاثاً " ثم إن عمر ندم، فأتى منزل أبي بكرٍ، فسأل: أثم أبو بكرٍ؟ فقالوا: لا، فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما نظر إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تغير وجهه حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله، أنا والله كنت أظلم، مرتين، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أيها الناس إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟ " فما أوذي بعدها.
عن ابن عباس قال:
ذكر أبو بكر عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كذبني الناس وصدقني، وآمن بي، وزوجني ابنته، وجهزني بماله، وجاهد معي في جيش العسرة، ألا إنه سيأتي يوم القيامة على ناقةٍ من نوق الجنة، قوائمها من المسك والعنبر، ورحلها من الزمرد الأخضر وزمامها من اللؤلؤ الرطب، عليها جلان خضراوان من سندس واستبرق، ويجاء بأبي بكر يوم القيامة وإياي، فيقال: هذا محمد رسول الله، وهذا أبو بكر الصديق ".
عن ربيعة الأسلمي قال: كنت أخدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لي: " يا ربيعة ألا تزوج؟ " قال: قلت: لا والله يا رسول الله، ما أريد أن أتزوج، ما عندي ما يقيم المرأة، وما احب أن يشغلني عنك شيء، فأعرض عني، فخدمته ما خدمته، ثم قال لي الثانية: " يا ربيع ألا تزوج؟ " فقلت: ما أريد أن أتزوج ما عندي ما يقيم المرأة، وما أحب أن يشغلني عنك شيء، فأعرض عني، ثم رجعت إلى نفسي، فقلت: والله لرسول الله بما يصلحني في الدنيا والآخرة أعلم مني والله، لئن قال لي: تزوج لأقولن: نعم يا رسول الله، مرني بما شئت. قال فقال: " يا ربيعة ألا تزوج؟ " فقلت: بلى مرني بما شئت، قال: " انطلق إلى آل فلان - حي من الأنصار، وكان فيهم تراخٍ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقل لهم: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسلني إليكم يأمركم أن تزوجوني فلانة - لامرأةٍ منهم - فذهبت، فقلت لهم: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسلني إليكم، يأمركم أن تزوجوني فلانة، فقالوا: مرحباً برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبرسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا والله، لا يرجع رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بحاجته،
فزوجوني وألطفوني، وما سألوني البينة، فرجعت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حزيناً، فقال لي: " مالك يا ربيعة؟ " فقلت: يا رسول الله، أتيت قوماً كراماً، فزوجوني وأكرموني وألطفوني وما سألوني بينة، وليس عندي صداق، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا بريدة الأسلمي، اجمعوا له وزن نواةٍ من ذهبٍ " قال: فجمعوا لي وزن نواةٍ من ذهب، فأخذت ما جمعوا لي، فأتيت به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " اذهب بهذا إليهم، فقل: هذا صداقها " فأتيتهم فقلت: هذا صداقها، فرضوه وقبلوه وقالوا: كثير طيب. قال: ثم رجعت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حزيناً فقال: " يا ربيعة مالك حزين؟ " فقلت: يا رسول الله، ما رأيت قوماً أكرم منهم، رضوا بما آتيتهم، وأحسنوا وقالوا: كثير طيب وليس عندي ما أولم، قال: " يا بريدة، اجمعوا له شاة " قال: فجمعوا لي كبشاً عظيماً سميناً، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذهب إلى عائشة، فقل لها فلتبعث بالمكتل الذي فيه الطعام " قال: فأتيتها، فقلت لها ما أمرني به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: هذا المكتل فيه تسعة آصع شعيرٍ، لا والله إن أصبح لنا طعام غيره، خذه، قال: فأخذته، فأتيت به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخبرته بما قالت عائشة، فقال: " اذهب بهذا إليهم، فقل لهم: ليصبح هذا عندكم خبزاً " فذهبت إليهم، وذهبت بالكبش ومعي أناس من أسلم، فقال: ليصبح هذا عندكم خبزاً، وهذا طبيخاً.
فقالوا: أما الخبز فسنكفيكموه، وأما الكبش فاكفوناه أنتم، فأخذنا الكبش أنا وأناس من أسلم، فذبحناه وسلخناه وطبخناه، فأصبح عندنا خبز ولحم، فأولمت، ودعوت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثم قال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاني بعد ذلك أرضاً، وأعطى أبا بكرٍ أرضاً، وجاءت الدنيا، فاختلفنا في عذق نخلةٍ، فقلت أنا: هي في حدي، وقال أبو بكر: هي في حدي، فكان بيني وبين أبي بكر كلام، فقال لي أبو بكر كلمةً أكرهها، وندم، فقال لي: يا ربيعة رد علي مثلها حتى تكون قصاصاً، قال: قلت: لا أفعل، فقال أبو بكر: لتقولن، أو لأستعدين عليك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فقلت: ما أنا بفاعل، قال: ورفض الأرض، وانطلق أبو بكر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وانطلقت أتلوه، فجاء أناس من أسلم، فقالوا لي: رحم الله أبا بكر، في أي شيءٍ يستعدي عليك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الذي قال لك ما قال؟ قال: فقلت: أتدرون من هذا؟ هذا أبو بكر الصديق، هذا ثاني اثنين وهذا ذو شيبة المسلمين! إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب، فيأتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيغضب لغضبه، فيغضب الله لغضبهما، فيُهلك ربيعة! قالوا: فما تأمرنا؟ قال: ارجعوا، قال: وانطلق أبو بكر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتبعته وحدي حتى أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحدثه الحديث كما كان، فرفع إلي رأسه، فقال: " يا ربيعة مالك وللصديق؟ " قلت: يا رسول الله، كان كذا، كان كذا، فقال لي كلمة كرهها، فقال لي: قل كما قلت حتى يكون قصاصاً، فأبيت، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أجل فلا ترد عليه، ولكن قل: غفر الله لك يا أبا بكر " فقلت: غفر الله لك يا أبا بكر، فولّى أبو بكر وهو يبكي.
قال حذيفة بن اليمان: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لقد هممت أن أبعث رجالاً يعلمون الناس السنة والفرائض كما بعث عيسى بن مريم الحواريين في بني إسرائيل "، فقيل له: فأين أنت عن أبي بكر وعمر؟ قال: " لا غنى لي عنهما - أو بي عنهما - فإنهما من الدين كالسمع من البصر ".
عن أبي أروى الدوسي قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالساً، فطلع أبو بكر وعمر، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحمد لله الذي أيدني بكما ".
عن علي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لأبي بكر: " يا أبا بكر، إن الله أعطاني ثواب من آمن بي منذ خلق آدم إلى أن بعثني، وإن الله أعطاك يا أبا بكر ثواب من أمن بي منذ بعثني إلى أن تقوم الساعة ".
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لي وزيران من أهل السماء: جبريل وميكائيل، ووزيران من أهل الأرض: أبو بكر وعمر ".
عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبي بكر وعمر: " ألا أخبركما بمثلكما في الملائكة، ومثلكما في الأنبياء: مثلك يا أبا بكر في الملائكة مثل ميكائيل ينزل بالرحمة، ومثلك من الأنبياء مثل إبراهيم إذ كذّبه قومه، فصنعوا به ما صنعوا قال " فمن تبعني فإنه مني، ومن عصاني فإنك غفور رحيم " ومثلك يا عمر في الملائكة مثل جبريل، ينزل بالبأس والشدة على أعداء الله، ومثلك في الأنبياء مثل نوح إذ قال: " رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً ".
عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتاني جبريل آنفاً، فقلت له: يا جبريل حدثني بفضائل عمر بن الخطاب في السماء، قال: يا محمد، لو حدثتك بفضائل عمر بن الخطاب في السماء مثلما لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، ما نفدت فضائل عمر، وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر ".
عن عبد الله قال:
كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً جالساً ومعه جبريل إذ أقبل أبو بكر، فقال جبريل: يا محمد هذا أبو بكر قد أقبل، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل له اسم في السماوات تعرفونه به كما تعرفه أهل الأرض؟ " قال: إي والذي بعثك بالحق بشيراً ونذيراً لاسمه في السماوات أشهر من اسمه في الأرض، من أحب منكم أن ينظر إلى شيبة خليل الرحمن فلينظر إلى شيبة أبي بكر، فبينا هو كذلك إذ أقبل عمر، فقال جبريل: يا رسول الله هذا عمر أقبل، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا جبريل، هل له اسم في السماوات تعرفونه كما تعرفه أهل الأرض؟ " قال: والذي بعثك بالحق بشيراً ونذيراً لاسمه في السماوات أشهر من اسمه في الأرض، من أحب منكم أن ينظر إلى شيبة نوحٍ في المرسلين فلينظر إلى شيبة عمر بن الخطاب، فبينا هو كذلك إذ أقبل عثمان بن عفان، فقال له جبريل: هذا عثمان قد أقبل، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا جبريل هل له اسم في السماوات تعرفونه كما تعرفه أهل الأرض؟ " قال: إي والذي بعثك بالحق بشيراً لاسمه في السموات أشهر من اسمه في الأرض، من أحب منكم أن ينظر إلى شيبة موسى كليم الرحمن فلينظر إلى شيبة عثمان بن عفان، فبينا هو كذلك إذ أقبل علي بن أبي طالب، فقال له جبريل: يا رسول الله هذا علي قد أقبل، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا جبريل هل له اسم في السماوات تعرفونه كما تعرفه أهل الأرض؟ " فقال: إي والذي بعثك بالحق بشيراً ونذيراً لاسمه في السموات أشهر من اسمه في الأرض، من أحب منكم أن ينظر إلى شيبة هارون فلينظر إلى شيبة علي بن أبي طالب. ثم ارتفع جبريل، فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائماً على قدميه، قال: " يا أيها الناس، قد أخبرني الروح الأمين بما هو كائن بعدي إلى يوم القيامة، ألا أيها الشاتم أبا بكرٍ فكأني بك قد جئتني تخوض بحار النيران، وقد سالت حدقتاك على خديك، فأُعْرِض عنك بوجهي،
وأنت أيها الشاتم عمر، أنت وربي بريء من الإسلام، وأنت أيها الشاتم عثمان بن عفان، وخَتَني على ابنتيّ، والذي قلت له: اللهم لا تنس له هذا اليوم، كأني بك قد جئتني في الأهوال المهيلة المهيبة، فأعرض بوجهي عنك، وأنت أيها الشاتم علياً، أخي وابن عمي، وخَتَني على بنتي والضارب بسيفي بين يدي لا نالتك شفاعتي ".
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو وزن إيمان أبي بكرٍ بإيمان أهل الأرض لرجح ".
والمحفوظ عن عمر قوله: لو وزن إيمان أبي بكرٍ بإيمان أهل الأرض لرجح بهم - وفي رواية: لرجح به.
عن الربيع بن أنس قال: نظرنا في صحابة الأنبياء، فما وجدنا نبياً كان له صاحب مثل أبي بكر الصديق.
عن ابن سيرين: أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق كان يوم بدرٍ مع المشركين، فلما أسلم قال لأبيه: لقد أهدفت لي يوم بدرٍ، فصدّقت عنك، ولم أقتلك، فقال أبو بكر: لكنك لو أهدفت لي لم أنصرف عنك.
قال عبد الله بن مسلم بن قتيبة: بتفسير هذا الحديث يقال: قوله أهدفت لي معناه: أشرفت لي، ومنه قيل للبناء المرتفع: هدف، وهدف الرامي منه، لأنه شيء ارتفع للرامي حتى يراه، وإن عبد الرحمن كره أن يقاتل أباه،
أو انصرف عنه هيبة له. وقول أبي بكر: لو أهدفت لي لم أصرف وجهي عنك؛ وهذا من أكبر فضائله؛ لأنه كان لا تأخذه في الله لومة لائم لما جعل الله في قلبه من جلالة الإيمان، وبهذا وصف الله أصحاب محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر. " الآية.
عن علي قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدرٍ ولأبي بكر: " مع أحدكما جبريل ومع الآخر ميكائيل، وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال، أو يكون في القتال " وفي رواية " في الصف ".
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أتاني جبريل، فقال لي: يا محمد، إن الله يأمرك أن تستشير أبا بكر ".
وعن معاذ بن جبلٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يكره فوق سمائه أن يخطئ أبو بكر ".
عن يعقوب الأنصاري قال: إن كانت حلقة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتشتبك حتى تصير كالإسوار، وإن مجلس أبي بكرٍ منها لفارغ ما يطمع فيه أحد من الناس، فإذا جاء أبو بكر جلس ذلك المجلس، وأقبل عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوجهه، وألقى إليه حديثه، وسمع الناس.
قال الزبير بن العوام: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك: " اللهم بارك لأمتي في أصحابي، فلا تسلبهم البركة، وبارك لأصحابي في أبي بكر الصديق، فلا تسلبه البركة، واجمعهم عليه، ولا تشتت أمره؛ فإنه لم يزل يؤثر أمرك على أمره، اللهم وأعز عمر بن الخطاب، وصبّر عثمان بن عفان، ووفق علي بن أبي
طالب، وثبت الزبير واغفر لطلحة، وسلم سعداً، ووقّر عبد الرحمن، وألحق بي السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والتابعين بإحسانٍ ".
عن سهل بن مالك الأنصاري قال: قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرجعه من حجته، اجتمع الناس إليه، فقال: " يا أيها الناس، إن أبا بكر لم يسؤني طرفة عين، فاعرفوا ذلك له، يا أيها الناس، إن الله راضٍ عن عمر بن الخطاب، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن، وسعد، فاعرفوا ذلك لهم، يا أيها الناس، إن الله قد غفر لأهل بدر والحديبية، يا أيها الناس دعوا لي أختاني وأصهاري، لا يطلبنكم الله بمظلمة أحدٍ منهم، فيعذبكم بها، فإنها مما لا يوهب، يا أيها الناس ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين، وإذا مات أحد منكم فاذكروا منه خيراً ".
عن أنسٍ قال: قالوا: يا رسول الله، أي الناس أحب إليك؟ قال: " عائشة " قالوا: إنما نعني من الرجال، قال: " أبوها ".
عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إني لمشتاق إلى إخواني " فقلنا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: " كلا أنتم أصحابي، وإخواني قوم يؤمنون بي ولم يروني " فجاء أبو بكر الصديق، فقال عمر: إنه قال: " إني لمشتاق إلى إخواني " فقلنا: ألسنا إخوانك؟ قال: " لا، إخواني قوم يؤمنون بي ولم يروني " فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا بكر، ألا تحب قوماً بلغهم أنك تحبني، فأحبوك بحبك إياي، فأحبهم أحبهم الله ".
وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متكئاً على عليٍ، وإذا أبو بكر وعمر قد أقبلا، فقال: " يا أبا الحسن، أحبهما، فبحبهما تدخل الجنة ".
عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يتكئ على يدي علي بن أبي طالبٍ، فاستقبله أبو بكر وعمر، فقال: " يا علي، أتحب هذين الشيخين؟ " قال: نعم يا رسول الله، قال: " حبهما يُدخِل الجنة ".
عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حبُّ أبي بكرٍ وشكره واجب على أمتي " - وفي رواية أخرى: " أمنُّ الناس عليّ في صحبته وذات يده أبو بكر الصديق، فحبه وشكره وحفظه واجب على أمتي ".
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حب أبي بكرٍ وعمر إيمان، وبغضهما كفر ".
عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يُبغِض أبا بكر وعمر مؤمن، ولا يحبهما منافق ".
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لما ولد أبو بكر الصديق أقبل الله تعالى على جنة عدنٍ، فقال: وعزتي وجلالي لا أُدخِلك إلا من يحب هذا المولود ".
عن أنسٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لما عرج بي جبريل رأيت في السماء خيلاً موقفةً مسرجةً ملجمةً، لا تروث ولا تبول، ولا تعرق، رؤوسها من الياقوت الأحمر، وحوافرها من الزمرد الأخضر، وأبدانها من العِقيان الأصفر، ذوات أجنحة، فقلت: لمن هذه؟ فقال جبريل: هذه لمحبي أبي بكر وعمر، يزورون الله عليها يوم القيامة ".
قال الخطيب: منكر.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن في السماء الدنيا ثمانين ألف ملكٍ يستغفرون الله لمن أحب أبا بكر وعمر، وفي السماء الثانية ثمانين ألف ملكٍ بلعنون من أبغض أبا بكر وعمر ".
عن ابن عباس قال:
كان أبو بكر الصديق مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الغار، فعطش أبو بكر عطشاً شديداً، فشكا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذهب إلى صدر الغار، واشرب " فانطلق أبو بكر إلى صدر الغار، وشرب منه ماء أحلى من العسل، وأبيض من اللبن، وأزكى رائحةً من المسك، ثم عاد إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: شربت يا رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا أبشرك يا أبا بكر؟ " قال: بلى، فداك أبي وأمي يا رسول الله، قال: " إن الله تعالى أمر الملك الموكل بأنهار الجنة أن خرق نهراً من جنة الفردوس إلى صدر الغار ليشرب أبو بكر " فقال أبو بكر: ولي عند الله هذه المنزلة؟ قال: " نعم، وأفضل، والذي بعثني بالحق نبياً لا يدخل الجنة مبغضك ولو كان له عمل سبعين نبياً ".
عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لكل نبي رفيق، وإن رفيقي في الجنة أبو بكر ".
وعن الزبير بن العوام قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم إنك جعلت أبا بكرٍ رفيقي في الغار فاجعله رفيقي في الجنة " عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا وأبو بكر في الجنة كهاتين " وضم السبابة والوسطى.
عن ابن مليكة قال: دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه غديراً، فقال: " ليسبح كل رجل إلى صاحبه "،
قال: فسبح كل رجلٍ منهم إلى صاحبه حتى بقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر، قال: فسبح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى اعتنقه، وقال: " لو كنت متخذاً خليلاً حتى ألقى الله لاتخذت أبا بكرٍ خليلاً، ولكنه صاحبي ".
عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الناس كلهم يحاسبون إلا أبا بكر " وفي رواية قالت: قلت: يا رسول الله أكل الناس تقف يوم القيامة للحساب؟ قال: " نعم، إلا أبا بكر فإن شاء مضى، وإن شاء وقف ".
عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أول من يعطى كتابه بيمينه من هذه الأمة عمر بن الخطاب، وله شعاع كشعاع الشمس، قيل: - وفي رواية فقيل له -: فأين أبو بكر يا رسول الله؟ قال: " هيهات! زفته الملائكة إلى الجنة زفاً - وفي رواية: تزفه الملائكة إلى الجنان ".
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كأني بك يا أبا بكرٍ على باب الجنة تشفع لأمتي ".
عن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يطلع عليكم رجل لم يخلق الله بعدي أحداً هو خير منه، ولا أفضل، وله شفاعة مثل شفاعة النبيين " فما برحنا حتى طلع أبو بكر الصديق فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقبله والتزمه.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من تحت العرش: ألا هاتوا أصحاب محمد، قال: فيؤتى بأبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، قال: فيقال لأبي بكر:
قف على باب الجنة، فأدخل الجنة من شئت برحمة الله، ودع من شئت بعلم الله، ويقال لعمر بن الخطاب: قف على الميزان، فثقِّل من شئت برحمة الله عز وجل وخفف من شئت بعلم الله، ويعطى عثمان بن عفان عصا آس التي غرسها الله عز وجل في الجنة ويقال له: ذد الناس عن الحوض ".
عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن على حوضي أربعة أركانٍ، فأول ركن منها في يد أبي بكرٍ، والركن الثاني في يد عمر، والركن الثالث في يد عثمان، والركن الرابع في يد عليٍ، فمن أحب أبا بكر وأبغض عمر، لم يسقه أبو بكر، ومن أحب عمر وأبغض أبا بكر لم يسقه عثمان، ومن أحب عثمان وأبغض علياَ لم يسقه عثمان، ومن أحب علياً وأبغض عثمان لم يسقه علي، ومن أحسن القول في أبي بكر فقد أقام الدين، ومن أحسن القول في عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحسن القول في عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحسن القول في علي فقد استمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن أحسن القول في أصحابي فهو مؤمن ".
عن معاذ بن جبلٍ قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان يوم القيامة نصب لإبراهيم منبر أما العرش، ونصب لي منبر أمام العرش، ونصب لأبي بكرٍ كرسي فيجلس عليها، وينادي منادٍ: يا لك من صديقٍ بين خليلٍ وحبيب ".
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" دخلت الجنة ليلة أسري بي، نظرت إلى برجٍ أعلاه نور، ووسطه نور، وأسفله نور، فقلت لحبيبي جبريل: لمن هذا البرج؟ فقال: هذا لأبي بكر الصديق ".
عن البراء بن عازب، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله اتخذ لإبراهيم في أعلى عليين قبةً من ياقوتةٍ بيضاء، معلقة بالقدرة،
تخترقها رياح الرحمة، للقبة أربعة آلاف باب، كلما اشتاق أبو بكر إلى الله انفتح منها باب ينظر إلى الله عز وجل ".
عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يتجلى للمؤمنين عامة ويتجلى لأبي بكرٍ خاصة ".
عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا بكرٍ، أعطاك الله الرضوان الأكبر " فقال أبو بكر: يا رسول الله، وما الرضوان الأكبر؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا بكر، إذا كان يوم القيامة يتجلى الجبار لأهل الجنة، فتراه وتراه أهل الجنة، ويتجلى لك خاصةً، فلا يراه مخلوق غيرك ".
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن في الجنة لطيراً كأشباه البُخْت " فقال أبو بكر: إن هذه لطير ناعمة! قال: " آكلها أنعم منها، وإني لأرجو أن تأكلها يا أبا بكر ".
عن علي قال: كنت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقبل أبو بكر وعمر، فقال: " يا علي، هذان سيدا كهول أهل الجنة وشبابها بعد النبيين والمرسلين، لا تخبرهما يا علي ".
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع في أفقٍ من آفاق السماء، ألا وإن أبا بكر وعمر منهم، وأنعما ".
قال محمد بن الجهم السمري: سألت الفراء عن قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث الدرجات العلى: " وأنعما " لم أدخلت الألف في آخر حرفٍ؟ فقال: معناه: وقد أنعما أي صارا إلى النعيم، وأنشد الفراء عن
بعض العرب يصف راعياً: من الطويل
سمين الضواحي لم تؤرّقه ليلةً ... وأنعم أبكار الهموم وعُونُها
معناه: لم تؤرقه أبكار الهموم وعونها ليلةً، وقد أنعم: صار إلى النعيم.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما مررت بسماء إلا رأيت فيها، مكتوب: محمد رسول الله، أبو بكرٍ الصديق ".
عن أنس بن مالك قال: جاء جبريل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عند الله عز وجل فقال له: يا محمد، إن الله يقرأ عليك السلام، فقال: " منه بدأ السلام " قال: إن الله يقول لك: " قل للعتيق ابن أبي قحافة إني عنه راضٍ ".
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى ".
عن أبي هريرة قال: لما نزلت: " لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي " قال أبو بكر: لا أرفع صوتي إلا كأخي السرار.
عن سعد بن زُرارة قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب، فالتفت التفاتةً، فلم يرَ أبا بكر، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبو بكر، أبو بكر أما إن روح القدس أخبرني آنفاً أن خير أمتك بعدك أبو بكر ".
عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله تعالى اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين، واختار لي من أصحابي أربعةً: أبا بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلياً، فجعلهم خير أصحابي، وفي كل أصحابي خير، واختار أمتي على سائر الأمم، واختار من أمتي أربعة قرون بعد أصحابي: القرن الأول، والثاني، والثالث تترى، والرابع فرادى ".
عن جابر بن عبد الله قال: رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا الدرداء يمشي أمام أبي بكرٍ، فقال له: " أتمشي قُدّام رجلٍ لم تطلع الشمس على أحدٍ منكم أفضل منه؟! " فما رئي أبو الدرداء بعد ذلك إلا خلف أبي بكر.
وعن أبي الدرادء أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما طلعت الشمس، ولا غربت على أحدٍ أفضل - أو خيرٍ - من أبي بكر إلا أن يكون نبياً ".
عن جابرٍ قال: كنا جماعة من المهاجرين والأنصار، فتذاكرنا الفضائل بيننا، فارتفعت أصواتنا، فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " لا تفضلن أحداً منكم على أبي بكر؛ فإنه أفضلكم في الدنيا والآخرة ".
عن أبي بكرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذات يوم:
" من رأى منكم رؤيا؟ " فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزاناً نزل من السماء،
فوزنت أنت بأبي بكر، فرجحت أنت بأبي بكر، ووزن عمر وأبو بكر فرجح أبو بكر، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم ارتفع الميزان، فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن عرفجة الأشجعي قال: صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفجر، ثم جلس: فقال: " وزن أصحابنا الليلة، وزن أبو بكر فوزن، ثم وزن عمر فوزن، ثم وزن عثمان فخف، وهو صالح ".
عن جابر بن عبد الله قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يدفن المرء في تربته التي خلق منها " فلما دفن أبو بكرٍ وعمر إلى جانب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمنا أنهما خلقا من تربته.
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أول من تنشق الأرض عنه أنا، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم آتي البقيع، فتنشق عنهم، ثم أنتظر أهل مكة، فتنشق عنهم، فأُبعث بينهم ".
عن عائشة قالت: كان بيني وبين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلام، فقال: " من ترضين أن يكون بيني وبينك، أترضين بأبي عبيدة بن الجراح؟ " قلت: لا، ذلك رجل هين لين، يقضي لك، قال: " فترضين بأبيك؟ " قال: فأرسل إلى أبي بكر، فجاء فقال: " اقصصي "، قالت: قلت: اقصص أنت، فقال: " هي كذا وكذا " قالت: فقلت: اقصد! فرفع أبو بكر يده فلطمني، قال: تقولين يا بنت فلانة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقصد! من يقصد إذا لم يقصد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قال: وجعل الدم يسيل من أنفها على ثيابها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنا لم نرد هذا " قال: وجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغسل الدم بيده من ثيابها ويقول: " رأيتِ كيف أنقذتك منه؟ ".
عن ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث أبا بكرٍ فأقام للناس حجهم - أو قال: فحج - ثم حج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالناس العام المقبل حجة الوداع، ثم قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستخلف أبو بكرٍ، فبعث أبو بكرٍ عمر بن الخطاب، فحج بالناس، ثم حج أبو بكرٍ في العام المقبل، ثم استخلف عمر، فبعث عبد الرحمن بن عوف، ثم حج عمر إمارته كلها، ثم استخلف عثمان، فبعث عبد الرحمن بن عوف، ثم حج عثمان إمارته كلها.
عن أبي جعفر قال: بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي بن أبي طالب ب " براءة " لما نزلت، فقرأها على أهل مكة، وبعث أبا بكر على الموسم.
قال الزبير بن بكار: ودفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سنة تسعٍ إلى أبي بكر الصديق رايته العظمى، وكانت سوداء، ولواؤه أبيض.
عن محمد بن إسحاق: أن أبا بكرٍ أقام للناس الحج سنة ثنتي عشرة، وبعض الناس يقول: لم يحج أبو بكر في خلافته، وأنه بعث في سنة ثنتي عشرة على الموسم عمر بن الخطاب، أو عبد الرحمن بن عوف.
عن عروة بن الزبير: أن أبا بكر الصديق أحج على الناس سنةً عمر بن الخطاب، والسنة الثانية عتاب بن أسيد القرشي.
عن ابن شهاب قال: رأى النبي رؤيا، فقصها على أبي بكرٍ، فقال: " يا أبا بكر، رأيت كأني استبقت أنا وأنت درجة، فسبقتك بمرقاتين ونصف " قال: خير يا رسول الله، يبقيك الله حتى
ترى ما يسرك، ويقر عينك، قال: فأعاد عليه مثل ذلك ثلاث مراتٍ، فأعاد عليه مثل ذلك، قال: فقال له في الثالثة: " يا أبا بكر، رأيت كأني استبقت أنا وأنت درجة، فسبقتك بمرقاتين ونصف " قال: يا رسول الله، يقبضك الله إلى رحمته ومغفرته، وأعيش بعدك سنتين ونصف.
عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمرت أن أؤول الرؤيا أبا بكر ".
عن سفينة قال: لما بنى النبي المسجد وضع حجراً، ثم قال: " ليضع أبو بكر حجراً إلى جنب حجري " ثم قال: " ليضع عمر حجراً إلى جنب أبي بكر " ثم قال: " ليضع عثمان حجره إلى جنب حجر عمر " ثم قال: " هؤلاء الخلفاء بعدي ".
عن زرعة بن عمرو، عن أبيه قال:
لما قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة قال لأصحابه: " انطلقوا بنا إلى أهل قباء نسلم عليهم " فلما أتاهم سلم عليهم، ورحبوا به، فقال: " يا أهل قباء، إيتوني بحجارة من هذه الحرة " فجمعت عنده، فخط بها قبلتهم، فأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجراً، فوضعه، ثم قال: " يا أبا بكر، خذ حجراً فضعه إلى جنب حجري " ففعل، ثم قال: " يا عمر، خذ حجراً فضعه إلى جنب حجر أبي بكر " ففعل، ثم قال: " يا عثمان خذ حجراً فضعه إلى جنب حجر عمر "، ففعل ثم التفت إلى الناس بأخرة فقال: " وضع رجل حجره حيث أحب على هذا الخط ".
عن جبير بن مطعم: أن امرأة أتت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسأله شيئاً، فقال لها: " ارجعي إلي " قالت: فإن
رجعت فلم أجدك يا رسول الله - تعرِّض بالموت -؟ فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإن رجعت فلم تجديني فالقي أبا بكر ".
قال الزبير بن العوام - وذكر عنده أبو بكر -: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الخليفة بعدي أبو بكر، ثم عمر " قال: فقمنا سنة حتى دخلنا على علي بن أبي طالب فقلنا: يا أمير المؤمنين إنا سمعنا الزبير بن العوام يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الخليفة بعدي أبو بكر، ثم عمر " فقال: صدق، سمعت ذاك من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حائط، فاستفتح رجل، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائذن له، وبشره بالجنة، وأخبره أنه سيلي أمتي من بعدي " ففعلت، فإذا هو أبو بكر، ثم استفتح رجل، فقال: " قم يا أنس، فافتح له، وبشره بالجنة، وأخبره أنه سيلي أمتي من بعدي ومن بعد أبي بكر " فإذا هو عمر، فأخبرته، ثم جاء آخر، فدق فقال: " يا أنس فافتح له وبشره بالجنة، وأخبره أنه سيلي أمتي من بعد عمر، وأنه سيلقى من الرعية الشدة، حتى يبلغوا دمه، وأمره عند ذلك بالكف " فقمت، فإذا هو عثمان، فأخبرته فحمد الله، فلما أخبرته أنهم سيبلغون دمه استرجع.
عن ابن عباس قال: والله إن إمارة أبي بكر وعمر لفي الكتاب " وإذ أسر النبي لبعض أزواجه حديثاً " فقال لحفصة: " أبوك وأبو عائشة واليا الناس بعدي ".
عن ميمون بن مهران: في قوله تعالى: " وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه، وجبريل، وصالح المؤمنين " أبو بكر وعمر.
عن عبد الله بن جراد قال: أتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفرسٍ، فركبه، وقال: " يركب هذا الفرس من يكون الخليفة من بعدي " فركبه أبو بكر الصديق.
عن عبد الله بن عباس قال: لما نزلت: " إذا جاء نصر الله والفتح " جاء العباس إلى علي، فقال: قم بنا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصار إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسألاه عن ذلك، فقال: " يا عباس، يا عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله ووحيه فاسمعوا له تفلحوا، وأطيعوه ترشدوا " قال العباس: فأطاعوه والله فرشدوا.
عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقتدوا باللذين من بعدي: أبو بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد ".
عن عبد الله بن مسعود، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لو كنت متخذاً أحداً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله، وإن القرآن أنزل على سبعة أحرف، ولكل آيةٍ منها ظهر وبطن، ولكل حرف حد، ولكل حد مطلع ".
وعن ابن عباس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال وهو على المنبر في مرضه الذي توفي فيه: " لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكرٍ خليلاً، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا علي كل خوخةٍ غير خوخة أبي بكر ".
عن سعيد بن جبير قال: كتب عبد الله بن عتبة إلى ابن الزبير يستفتيه في الجد، فقال سعيد: فقرأت كتابه إليه: أما بعد، فإنك كتبت إلي تستفتني في الجد، وإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لو كنت متخذاً خليلاً من أمتي لاتخذت أبا بكر، ولكنه أخي في الدين، وصاحبي في الغار " وإن أبا بكر كان ينزله بمنزلة الوالد، وإن أحق من اقتدينا به بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر.
عن أبي سعيد الخدري قال:
خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه الذي مات فيه، وهو عاصب رأسه، قال: فأتبعته حتى صعد المنبر فقال: " إني الساعة لقائم على الحوض " قال: ثم قال: " إن عبداً عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة " فلم يفطن لها أحد من القوم إلا أبو بكر، فقال: بأبي أنت وأمي، بل نفديك بأموالنا وأنفسنا وأولادنا، قال: ثم هبط رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المنبر فما رئي عليه حتى الساعة.
عن كعب بن مالك قال: إن أحدث عهدي بنبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل وفاته بخمس ليالٍ، دخلت عليه وهو يقلب يديه وهو يقول: " لم يكن نبي كان قبلي إلا وقد اتخذ من أمته خليلاً، وإن خليلي من أمتي أبو بكر بن أبي قحافة، ألا وإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ".
عن عائشة قالت: أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نغسله بسبع قرب من سبع آبار، ففعلنا ذلك، فوجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راحة، فخرج فصلى بالناس، فاستغفر لأهل أُحُدٍ، ودعا لهم، وأوصى بالأنصار فقال: " أما بعد، يا معشر المهاجرين فإنكم تزيدون وأصبحت الأنصار لا تزيد، على هيئتها التي هي عليها اليوم، وإن الأنصار عيبتي التي أويت إليها،
فأكرموا كريمهم - يعني محسنهم - وتجاوزوا عن مسيئهم " ثم قال: " إن عبداً من عباد الله خير ما بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله " فبكى أبو بكر، وظن أنه يريد نفسه، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " على رسلك يا أبا بكر! سدوا هذه الأبواب الشوارع في المسجد إلا باب أبي بكر، فإني لا أعلم امرأً أفضل عندي يداً في الصحبة من أبي بكر ".
وعن أبي الأحوص حكيم بن عمير العنسي: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال عندما أمر به من سد تلك الأبواب إلا باب أبي بكر، وقال: " ليس منها باب إلا وعليه ظلمة إلا ما كان من باب أبي بكر، فإن عليه نوراً ".
وعن عائشة قالت: لما ثَقُل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء بلال يؤذنه بالصلاة، قالت: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مروا أبا بكرٍ فليصل بالناس " قالت: فقلت: يا رسول الله إن أبا بكرٍ رجل أسيف، فلو أمرت عمر! قالت: فقال: " مروا أبا بكر فليصل بالناس " قالت: فقلت لحفصة: قولي له: إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر، قالت: فقالت له حفصة، قالت: فقال: " إنكن لأنتن صواحبات يوسف " فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيراً! قالت: وأمر أبا بكر فصلى بالناس، فلما دخل أبو بكرٍ في الصلاة وجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نفسه خِفةً، فقام يُهادى بين رجلين، وإن رجليه لتخُطان في الأرض حتى دخل المسجد، فلما سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر، فأومأ إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أقم مكانك، قالت: فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى جلس عن يسار أبي بكرٍ، قالت: فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي بالناس قاعداً وأبو بكر قائماً، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والناس يقتدون بصلاة أبي بكر.
وعن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليصل أبو بكر بالناس " قالوا: يا رسول الله، لو أمرت غيره أن يصلي، قال: " لا ينبغي لأمتي أن يؤمهم إمام وفيهم أبو بكر ".
عن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد قال: لما استعز برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنا عنده في نفرٍ من المسلمين قال: دعا بلال للصلاة، فقال: " مروا من يصلي بالناس " قال: فخرجت، فإذا عمر في الناس، وكان أبو بكرٍ غائباً، فقال: قم يا عمر فصل بالناس، قال: فقام، فلما كبر عمر سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوته، وكان عمر رجلاً مُجهراً، قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فأين أبو بكر؟ يأبى الله ذلك والمسلمون، يأبى الله ذلك والمسلمون " قال: فبعث إلى أبي بكر، فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة، فصلى بالناس.
قال: وقال عبد الله بن زمعة: قال لي عمر: ويحك! ماذا صنعت بي يا بن زمعة؟ والله ما ظننت حين أمرتني إلا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرك بذلك، ولولا ذلك ما صليت بالناس! قال: قلت: والله ما أمرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق من حضر بالصلاة.
عن أنس بن مالك قال:
لم يخرج إلينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثاً، فأقيمت الصلاة، فذهب أبو بكرٍ يصلي بالناس، فرفع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحجاب، فما رأينا منظراً أعجب إلينا منه، حيث وضح لنا وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأومأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أبي بكر أن تقدم، وأرخى نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحجاب، فلم يوصل إليه حتى مات.
قالت حفصة بنت عمر لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا أنت مرضت قدَّمت أبا بكر، قال: " لست أنا الذي أقدمه ولكن الله يقدمه ".
عن الشعبي أنه قال: خص الله تبارك وتعالى أبا بكرٍ الصديق بأربع خصالٍ لم يخصص بها أحداً من الناس: سماه الصديق ولم يسم أحداً الصديق غيره، وهو صاحب الغار مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورفيقه في الهجرة، وأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصلاة، والمسلمون شهود.
قالت عائشة: وارأساه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن كان وأنا حي، فأستغفر لكِ وأدعو لكِ " قالت عائشة: واثكلاه، والله إني لأظنك تحب موتي، ولو كان ذلك لظللت معرِّساً ببعض أزواجك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بل أنا وارأساه، لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكرٍ وابنه، فأعهد إليه: أن يقول القائلون، ويتمناه المتمنون ".
عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائتوني بأديمٍ ودواةٍ - أو كتفٍ ودواةٍ - فأكتب لأبي بكرٍ كتاباً لا يختلف عليه اثنان " ثم قال: " دعوه، معاذ الله أن يختلفوا في أبي بكرٍ - مرتين ".
وعن عائشة قالت: قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يستخلف أحداً، ولو كان مستخلفاً أحداً لاستخلف أبا بكرٍ أو عمر.
عن عبد الله قال: لما قُبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت الأنصار: منا أمير، ومنكم أمير، فأتاهم عمر ابن الخطاب، فقال: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أمر أبا بكرٍ أن يؤم الناس؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكرٍ؟ ".
عن حميد بن عبد الرحمن قال: توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكرٍ في طائفةٍ من المدينة، قال: فجاء فكشف عن وجهه فقبله، وقال: فداك أبي وأمي، ما أطيبك حياً وميتاً! مات محمد، ورب الكعبة.
قال: فانطلق أبو بكر وعمر يتقاودان، حتى أتوهم، فتكلم أبو بكرٍ، فلم يترك شيئاً أنزل في الأنصار، ولا ذكره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من شأنهم إلا ذكره، وقال: لقد علمتم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لو سلك الناس وادياً، وسلكت الأنصار وادياً سلكت وادي الأنصار " ولقد علمتَ يا سعد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال وأنت قاعد: " قريش ولاة هذا الأمر فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم "، فقال له سعد: صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء.
وفي رواية عن عائشة: قال عمر: والله ما مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاء أبو بكر، فكشف عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقبله وقال: بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً، وقال: أيها الحالف على رسلك، فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقال " إنك ميت وإنهم ميتون " وقال " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " فنشج الناس يبكون.
عن أبي البختري قال: قال عمر لأبي عبيدة بن الجراح: ابسط يدك حتى أبايعك، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أنت أمين هذه الأمة " فقال أبو عبيدة: ما كنت لأتقدم بين يدي رجلٍ أمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يؤمنا، فأمنا حتى مات.
عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مات، وأبو بكر بالسنخ - يعني بالعالية - واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقال أبو بكر: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، فقال عمر: نبايعك، أنت سيدنا، وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبايعه وبايعه الناس.
نا ابن عون عن محمد: أن أبا بكر قال لعمر: ابسط يدك نبايع لك، فقال له عمر: أنت أفضل مني، فقال له أبو بكر: أنت أقوى مني، فقال له عمر: فإن قوتي لك مع فضلك، فبايعه.
قال القاسم بن محمد:
فلما اجتمع الناس على أبي بكرٍ قسم بين الناس قسماً، فبعث إلى عجوز من بني عدي بن النجار بقسمها مع زيد بن ثابت، فقالت: ما هذا؟ قال: قسم قسمه أبو بكر للنساء، فقالت: أتراشوني عن ديني؟ فقالوا: لا، فقالت: أتخافون أن أدع ما أنا عليه؟ فقالوا: لا، قالت: فوالله لا آخذ منه شيئاً أبداً! فرجع زيد إلى أبي بكر فأخبره بما قالت، فقال أبو بكر: ونحن لا نأخذ مما أعطيناها شيئاً أبداً.
قال عمر بن الخطاب: وكنت أول الناس أخذ بيد أبي بكر، فبايعته إلا رجل من الأنصار أدخل يده من خلفي، من بين يدي ويده، فبايعه قبلي.
قال عثمان بن عفان: إن أبا بكر الصديق أحق الناس بها - يعني بالخلافة - إنه لصدّيق، وثاني اثنين، وصاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن أبي سعيد الخدري قال: قُبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واجتمع الناس في دار سعد بن عبادة، وفيهم أبو بكر وعمر، قال: فقام خطيب الأنصار فقال: أتعلمون أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان من المهاجرين، وخليفته من المهاجرين، ونحن كنا أنصار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنحن أنصار خليفته، كما كنا أنصاره، قال: فقام عمر بن الخطاب، فقال: صدق قائلكم، أما لو قلتم غير هذا لم نتابعكم، فأخذ بيد أبي بكر، وقال: هذا صاحبكم فبايعوه، وبايعه عمر، وبايعه المهاجرون والأنصار.
قال: فصعد أبو بكرٍ المنبر، فنظر في وجوه القوم، فلم ير الزبير، قال: فدعا الزبير، فجاء، فقال: قلت: ابن عمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحواريه، أردت أن تشق عصا المسلمين، قال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقام، فبايعه، ثم نظر في وجوه
القوم، فلم ير علياً، فدعا بعلي بن أبي طالب، فجاء، فقال: قلت: ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وختنه على ابنته، أردت أن تشق عصا المسلمين، قال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبايعه.
قال محمد بن إسحاق بن خزيمة: جاءني مسلم بن الحجاج، فسألني عن هذا الحديث، فكتبت له في رقعة، وقرأت عليه، وقال: هذا حديث يسوى بدنة، فقلت: يسوى بدنة؟! بل هذا يسوى بدرة.
وفي رواية أخرى عن أبي سعيد الخدري، في صدر الحديث: لما توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام خطباء الأنصار، فجعل منهم من يقول - وفي رواية: فجعل الرجل منهم يقول: - يا معشر المهاجرين، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا استعمل رجلاً منكم قرن معه رجلاً منا، فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان؛ أحدهما منكم، والآخر منا، قال: فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك.
عن عبد الله بن عباس قال: كنت أقرئ عبد الرحمن بن عوف، فالتسمته يوماً، فلم أجده، فانتظرته في بيته حتى رجع من عند عمر، فلما رجع قال: لو رأيت رجلاً آنفاً قال لعمر كذا وكذا، وهو يومئذٍ بمنى في آخر حجةٍ حجها عمر، فذكر عبد الرحمن لابن عباس أن رجلاً أتى عمر؛ فأخبره أن رجلاً قال: والله لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً، قال عمر حين بلغه ذلك: إني لقائم - إن شاء الله - في الناس، فمحذرهم الذين يغصبون الأمة أمرهم، قال عبد الرحمن: قلت: يا أمير المؤمنين، لا تفعل ذلك يومك، فإن الموسم يجمع رعاع الناس، وغوغائهم، وإنهم هم الذين يغلبون على مجلسك، فأخشى إن قلت فيهم اليوم مقالةً أن يطيروا بها، ولا يعوها، ولا يضعوها على مواضعها، أمهل حتى تقدم المدينة؛ فإنها دار الهجرة والسنة، وتخلص بعلماء الناس وأشرافهم، فتقول ما قلت متمكناً، فيعوا مقالتك، ويضعوها مواضعها.
فقال عمر: والله لئن قدمت المدينة صالحاً لأكلمن بها الناس في أول مقامٍ أقومه.
قال ابن عباس:
فلما قدمنا المدينة في عقب ذي الحجة، وذاك يوم الجمعة هجرت، فوجدت سعيد بن
زيد قد سبقني بالتهجير، فجلست إلى ركنٍ جانب المنبر، فجلس إلى جنبي تمس ركبتي ركبته، فلم ينشب عمر أن خرج، فأقبل يوم المنبر، فقلت لسعيد بن زيد، وعمر مقبل: أما والله ليقولن أمير المؤمنين على هذا المنبر مقالةً لم يقلها أحد قبله، فأنكر ذلك سعيد، وقال: ما عسى أن يقول أحد قبله!؟ فلما جلس على المنبر أذّن المؤذن، فلما أن سكت قام عمر، فتشهد، وأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإني قائل لكم مقالة قد قُدِّر لي أن أقولها، ولعلها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي ألا يعيها فلا أحل له أن يكذب علي: إن الله بعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنزل عليه الكتاب، وكان مما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها، وعقلناها، ووعيناها، ورجم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله عز وجل، فتُترك فريضة أنزلها الله عز وجل، فإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أُحصن من الرجال والنساء، إذا قامت عليه بينة، أو كان الحَبَل، أو الاعتراف، ثم إنا قد كنا نقرأ ألا ترغبوا عن آبائكم، فإن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم، ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تطروني كما أُطري ابن مريم عليه السلام، فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله "، ثم إنه بلغني أن فلاناً منكم يقول: والله لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً، فلا يغترن امرؤ أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتةً فتمت فإنها قد كانت كذلك إلا أن الله عز وجل وقى شرها، وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر، وإنه كان من خيرنا حين توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إن علياً، والزبير، ومن معهما تخلفوا عنا، وتخلفت الأنصار عنا بأسرها، فاجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فبينا نحن في منزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رجل ينادي من وراء الجدار: اخرج إلي يابن الخطاب، فقلت: إليك عني فإنا عنك مشاغيل، فقال: إنه قد حدث أمر لا بد منك فيه، إن الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، فأدركوهم قبل أن يحدثوا أمراً يكون بيننا وبينهم فيه
حرب، فقلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا من هؤلاء الأنصار، فانطلقنا نؤمهم، فلقيت أبا عبيدة بن الجراح، فأخذ أبو بكر بيده، فمشى بيني وبينه، حتى إذا دنونا منهم لقينا رجلان صالحان، فذكرا الذي صنع القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلت: نريد إخواننا من هؤلاء الأنصار، فقالا: لا عليكم ألا تقربوهم يا معشر المهاجرين، اقضوا أمركم، فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى أتيناهم، فإذا هم جميع في سقيفة بني ساعدة، وإذا بين أظهارهم رجل مزمل، قلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة، قلت: ماله؟ قالوا: هو وَجِع، فلما جلس تكلم خطيب الأنصار، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فنحن أنصار الله، وكتيبة الإسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهط منا، فقد دفت دافة من قومكم.
قال عمر: فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا، ويحصنونا من الأمر، فلما قضى مقالته أردت أن أتكلم، قال: وكنت قد زوَّرت مقالة أعجبتني أريد أن أقوم بها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحدة، فلما أردت أن أتكلم، قال أبو بكر: على رسلك، فكرهت أن أغضبه - فتكلم أبو بكر، وهو كان أحلم مني، وأوقر، والله ما ترك من كلمةٍ أعجبتني في تزويري إلا تكلم بمثلها، أو أفضل في بديهته حتى سكت - فتشهد أبو بكرٍ، وأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال:
أما بعد، أيها الأنصار، فما ذكرتم فيكم من خيرٍ فأنتم أهله، ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم، فأخذ بيدي، وبيد أبي عبيدة بن الجراح، فلم أكره مما قال غيرها، كان والله أن أقدم، فتضرب عنقي، لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من
أن أؤمر على قومٍ فيهم أبو بكر، إلا أن تغتر نفسي عند الموت، فلما قضى أبو بكر مقالته قال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، منا أمير، ومنكم أمير، يا معشر قريش، قال عمر: فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى أشفقت الاختلاف، قلت: ابسط يدك يا أبا بكرٍ، فبسط أبو بكر يده، فبايعته، وبايعه المهاجرون، والأنصار، فنزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل من الأنصار: قتلتم سعداً، قال عمر: فقلت وأنا مغضب: قتل الله سعداً، فإنه صاحب فتنة وشرٍّ، وإنا ما رأينا فيما حضر من أمرنا أمراً أقوى من بيعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم قبل أن تكون بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعةً، فإما أن نبايعهم على ما لا نرضى، وإما أن نخالفهم فيكون فساداً، فلا يغترن امرؤ أن يقول: إن بيعة أبي بكرٍ كانت فلتةً فتمت، فقد كانت فلتة ولكن الله وقى شرها، ألا وإنه ليس فيكم اليوم مثل أبي بكر.
عن حميد بن منهب قال: زرت الحسن بن أبي الحسن، فخلوت به، فقلت له: يا أبا سعيد، أما ترى ما الناس فيه من الاختلاف؟ فقال لي: يا أبا بحير، أصلح أمر الناس أربعة، وأفسده اثنان، أما الذين أصلحوا أمر الناس: فعمر بن الخطاب يوم سقيفة ساعدة حيث قالت قريش: منا أمير، وقالت الأنصار: منا أمير، فقال لهم عمر بن الخطاب: ألستم تعلمون أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الأئمة من قريش؟ " قالوا: بلى، قال: أولستم تعلمون أنه أمر أبا بكر يصلي بالناس؟ قالوا: بلى، قال: فأيكم يتقدم أبا بكر؟ قالوا: لا أحد، فسلمت لهم الأنصار، ولولا ما احتج به عمر من ذلك لتنازع الناس هذه الخلافة إلى يوم القيامة! وأبو بكر الصديق حيث ارتدت العرب، فشاور فيهم الناس، فكلهم أشار عليه بأن يقبل
منهم الصلاة، ويدع الزكاة، فقال: والله لو منعوني عقالاً مما كانوا يعطونه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجاهدتهم، ولولا ما فعل أبو بكر من ذلك لألحد الناس في الزكاة إلى يوم القيامة! وعثمان بن عفان حيث جمع الناس على هذه القراءة، وقد كانوا يقرؤونه على سبعة أحرفٍ؛ فكان هؤلاء يلقون هؤلاء، فيقولون: قراءتنا أفضل من قراءتكم، حتى كاد بعضهم أن يكفر بعضاً، فجمعهم عثمان على هذا الحرف، ولولا ما فعل عثمان من ذلك لألحد الناس في القرآن إلى يوم القيامة، وعلي بن أبي طالب حيث قاتل أهل البصرة، فلما فرغ منهم قسم بين أصحابه ما حوى عسكرهم، فقالوا له: يا أمير المؤمنين، ألا تقسم بيننا إماءهم ونساءهم؟ فقال: أيكم يأخذ عائشة في سهمه؟ قالوا: ومن يأخذ أم المؤمنين في سهمه؟! قال: أفرأيتم هؤلاء اللواتي قتل عنهن أزواجهن، أيعتددن أربعة أشهرٍ وعشراً، ويورَّثن الربع والثمن؟ قالوا: نعم، قال: فما أراهن إماءً؟ ولو كن إماءً لم يعتددن، ولم يورَّثن. ولولا ما فعل علي من ذلك لم تعلم الناس كيف تقاتل أهل القبلة.
وأما اللذان أفسدا أمر الناس: فعمرو بن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف، فحكمت الخوارج، فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة، والمغيرة بن شعبة، فإنه كان عامل معاوية على الكوفة، فكتب إليه معاوية: إذا قرأت كتابي هذا فأقبل معزولاً، فأبطأ في مسيره، فلما ورد عليه قال له: يا مغيرة، ما الذي أبطأ بك؟ قال: أمر، والله كنت أوطئه وأهّيئه، قال: وما هو؟ قال: البيعة ليزيد من بعدك، قال: أوفعلت؟ قال: نعم، قال: ارجع إلى عملك! فلما خرج من عند معاوية قال له أصحابه: ما وراءك يا مغيرة؟ قال: ورائي، والله أني وضعت رجل معاوية في غرز بغيٍ لا يزال فيه إلى يوم القيامة.
قال الحسن: فمن أجل ذلك بايع هؤلاء لآبائهم، ولولا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة.
عن أنس بن مالك قال: لقد رأيت عمر يزعج أبا بكرٍ إلى المنبر إزعاجاً.
عن عائشة قالت:
توفيت فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد وفاة أبيها بستة أشهرٍ، فاجتمع إلى علي أهل بيته، فبعثوا إلى أبي بكرٍ: ائتنا، فقال عمر: والله لا تأتيهم، فقال أبو بكر: والله لأتينهم، وما تخاف علي منهم؟ فجاءهم حتى دخل عليهم، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى عليه، ثم قال: إني قد عرفت أنكم قد وجدتم عليَّ في أنفسكم من هذه الصدقات التي وليت عليكم، ووالله ما صنعت ذلك إلا لأني لم أكن أريد أن أكل شيئاً من أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كنت أرى أثرة فيه وعمله، إلى غيري حتى أسلك به سبيله، وأنفذه فيما جعله الله، ووالله لأن أصلكم أحب إلي من أن أصل أهل قرابتي، لقرابتكم من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولعظيم حقه الذي جعله له على كل مسلم.
ثم تشهد علي، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: يا أبا بكر والله ما نفسنا عليك خيراً قسمه الله لك ألاّ أن تكون أهلاً لما أسند إليك في صحبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسنك، وفضلك؛ ولكنا قد كنا من الأمر حيث قد علمت، فتقوّل به علينا، فوجدنا في أنفسنا. وقد رأيت أن أبايع، وأدخل فيما دخل فيه الناس، وإذا كان العشية، فصلِّ بالناس الظهر، واجلس على المنبر حتى آتيك، فأبايعك.
فلما صلى أبو بكر الظهر ركب المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر الذي كان من أمر علي وما دخل فيه من أمر الجماعة والبيعة، وها هو ذا فاسمعوا منه.
فقام علي فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر أبا بكرٍ، وفضله وسنه، وأنه أهل لما ساق الله إليه من خيرٍ، ثم قام إلى أبي بكرٍ، فبايعه، فلا ترى مثلما قال الناس: جزاك الله يا أبا حسنٍ خيراً؛ فقد أحسنت وأجملت حتى لم تصدع عصا المسلمين، ولم تفرق جماعتهم، فدخل فيما دخلوا فيه، ثم انصرف.
عن صعصعة بن صوحان قال: دخلنا على علي بن أبي طالب حين ضربه ابن ملجم، فقلنا: يا أمير المؤمنين، استخلف علينا، قال: لا، ولكن أترككم كما تركنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ دخلنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلنا: يا رسول الله، استخلف علينا، فقال: " لا، إن يعلم الله عز وجل فيكم خيراً يول عليكم خياركم " قال علي: فعلم الله فينا خيراً فولى علينا أبا بكر.
عن أبي الزناد قال: أقبل رجل يتخلص الناس حتى وقف على علي بن أبي طالب، فقال: يا أمير المؤمنين ما بال المهاجرين والأنصار قدموا أبا بكرٍ، وأنت أوفى منه منقبة، وأقدم منه سلماً، وأسبق سابقةً، قال: إن كنت قرشياً فأحسبك من عائذة، قال: نعم، قال: لولا أن المؤمن عائذ الله لقتلتك، إن أبا بكر سبقني إلى أربع، لم أبزهن ولم أعتض منهن: سبقني إلى الإمامة، وتقديم الهجرة، وإلى الغار، وإفشاء الإسلام.
عن عمرو بن شقيق الثقفي قال: لما فرغ علي من الجمل قال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعهد إلينا في الإمارة شيئاً، ولكنه رأي رأيناه، فإن يك صواباً فمن الله، وإن يكن خطأً من قبلنا: ولي أبو بكرٍ، فأقام واستقام، ثم ولي عمر، فأقام واستقام حتى ضرب الإسلام بجرانه، ثم إن أقواماً طلبوا الدنيا فيعفو الله عمن يشاء، ويعذب الله من يشاء.
عن عبد الله بن مسعود: إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمدٍ خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد بعد قلبه، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رآه المؤمنون حسناً، فهو عند الله حسن، وما رآه المؤمنون سيئاً فهو عند الله سيئ.
قال ابن عياش: وأنا أقول: إنهم قد رأوا أن يولوا أبا بكرٍ بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن ابن أبي مليكة قال: قيل لأبي بكر: يا خليفة الله، قال: أنا خليفة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنا راضٍ بذلك، وكره أن يقال: خليفة الله تعالى.
قال عبد الله بن محمد بن عثمان الحافظ:
الذين وقع عليهم اسم الخلافة ثلاثة، قال الله عز وجل لآدم: " إني جاعل في الأرض خليفة " قال ابن عباس: فأخرجه الله من الجنة قبل أن يدخله فيها، لأنه خليفة الأرض، خليفة فيها، وقوله تعالى لداود: " يا داود إنا جعلناك خليفةً في الأرض " وأجمع المهاجرون والأنصار على خلافة أبي بكر، وقالوا له: يا خليفة رسول الله، ولم يسم أحد بعده خليفةً، ويقال: إنه قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ثلاثين ألف مسلم، كل قال لأبي بكر: يا خليفة رسول الله، ورضوا به ومن بعده، رضي الله عنهم.
قال أبو بكرة: أتيت عمر وبين يديه قوم يأكلون، فرمي ببصره في مؤخر القوم إلى رجلٍ، فقال: ما تجد فيما تقرأ قبلك من الكتب؟ قال: خليفة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدّيقه.
عن ابن عباس قال: أبو بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على كل مؤمنٍ ومؤمنة.
وقال الحسن: والله الذي لا إله إلا هو لقد استخلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر.
قال أبو بكر بن عياش: أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القرآن، لأن الله تعالى يقول: " للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، وينصرون
الله ورسوله أولئك هم الصادقون " فمن سماه صادقاً فليس يكذب، هم قالوا: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن معاوية بن قرة قال: ما كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشكون أن أبا بكرٍ خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما كانوا يسمونه إلا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما كانوا يجتمعون على خطأ أو ضلالة، وما كانوا يكتبون إلا إلى أبي بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما كان يكتب إلا من أبي بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما زالوا كذلك حتى توفي، فلما كان عمر بن الخطاب أرادوا أن يقولوا خليفة خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال عمر: هذا يطول، قالوا: لا، ولكنا أمرناك علينا، فأنت أميرنا، قال: نعم، أنتم المؤمنون، وأنا أميركم، فكتب: أمير المؤمنين.
قال سفيان: ما أحسب أن الله يقبل لمن أساء الظن بالمهاجرين الأولين من تقدمة أبي بكر وعمر صوماً، ولا صلاة ولا يصعد له إلى السماء عمل.
عن شيخ من أهل الكوفة قال: لما بويع أبو بكر واستقام أمور الناس أنشأ رجل من قريشٍ يكنى أبا عمرة يقول في ذلك: من الكامل
شكراً لمن هو بالثناء حقيق ... ذهب الحِجاج، وبويع الصديق
من بعدما دحضت بسعدٍ بغلة ... ورجا رجاءً دونه العيوق
حفت به الأنصار عاصب رأسه ... فأتاهم الصديق والفاروق
وأبو عبيدة والذين إليهم ... نفس المؤمل للبقاء تتوق
بالحق إذ طلبوا الخلافة زلة ... لم يخط مثل خطائهم مخلوق
فتداركوها بالصواب فبايعوا ... بعد التي فيها لنا تحقيق
إن الخلافة في قريشٍ ما لكم ... فيها ورب محمدٍ تعريق
عن رافع بن أبي رافع قال:
كنت رجلاً أغير على الناس، وأدفن الماء في أدحي النعام، فأستافه حتى أمر عليه بالفلاة، فأستثيره فلما كانت غزوة ذات السلاسل بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيشاً، واستعمل عليهم عمرو بن العاص - وهي التي يفخر بها أهل الشام - وفيهم أبو بكر الصديق وأمرهم أن يستنفروا من مروا عليه من المسلمين، فمروا علينا في منازلنا، فاستنفرونا، فقلت: والله لأختارن لنفسي رجلاً فلأصحبنه، قال: فصحبت أبا بكر، قال: وكان له كساء فدكي، كان إذا ركب خله عليه، وإذا نزل لبسناه جميعاً، وهو الذي عيرته به هوازن، فقالوا: إذا الخلال نبايع بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!؟ قال: فقضينا غزاتنا، ثم رجعت، فقلت: يا أبا بكر، إني قد صحبتك، وإن لي عليك حقاً، فأحب أن توصيني؛ فإني لست كل ساعة أستطيع أن آتي المدينة، قال: قد أردت أن أفعل ذلك، ولو لم تقله؛ اعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وأقم الصلاة، وآتي الزكاة، وحج البيت وصم رمضان، ولا تأمرن على رجلين، قال: قلت: هذا: أعبُد الله وأقيم الصلاة وأؤتي الزكاة وأحج البيت وأصوم رمضان، أرأيت قولك: ولا تأمرن على رجلين؟ فوالله ما يصيب الناس الخير والشرف إلا في الإمارة في الدنيا! قال: إنك استجهدتني فجهدت لك؛ إن الناس دخلوا في الإسلام طوعاً وكرهاً، فهم عواذ الله، وجيران الله، وفي ذمة الله، فمن ظلم أحداً منهم فإنما يخفر ذمة الله، وإن أحدكم لتؤخذ شاة جاره وبعير جاره فيظل ناتئ عضله لجاره، والله من وراء جاره.
فلما قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستخلف أبو بكر. قال: قلت: صاحبي الذي قال لي ما قال
لآتينه، قال: فأتيت المدينة، فالتمست خلوته حتى أتيته، قال: فسلمت عليه، وتعرفت إليه، فعرفني، فقلت له: أما تذكر قولاً قلته لي؟ قال: وما هو؟ قال: قلت: قولك ولا تأمرن على رجلين! قال: بلى، إن الناس كانوا حديث عهد بكفر وإني خشيت عليهم، وإن أصحابي لم يزالوا بي، قال: فوالله ما زال يعتذر إلي حتى عذرته.
عن عروة بن الزبير قال: قام أبو بكر خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني وليت أمركم، ولست بخيركم، ولكن نزل القرآن، وبيّن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلَّمنا فعلمنا فأعلمنا أن أكيس الكيس التُّقى، وأن أحمق الحمق الفجور، وإن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق؛ أيها الناس إنما أنا متبع، ولست بمبتدعٍ، فإن أحسنت فاتبعوني، وإن زُغت فقوموني.
قال حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي: في حديث أبي بكر أنه قال: وليتكم، ولست بخيركم: مذهب هذا الكلام وطريقه مذهب التواضع وترك الاعتداد بالولاية، والتباعد من كبرياء السلطنة، ولم يزل من شيم الأبرار، ومذاهب الصالحين الأخيار أن يهتضموا أنفسهم وأن يسوغوا في حقوقهم، وقد كان له برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسوة حين يقول: " ليس لأحدٍ أن يقول: أنا خير من يونس بن متّى " وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيد ولد آدم، أحمرهم وأسودهم.
عن الحسن قال: لما بويع أبو بكر قام خطيباً، فلا والله ما خطب خطبته أحد بعد؛ فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني وليت هذا الأمر، وأنا له كاره، ووالله لوددت أن بعضكم كفانيه، ألا وإنكم إن كلفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم أقم به، كان
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبداً أكرمه الله بالوحي، وعصمه به، ألا وإنما أنا بشر، ولست بخيرٍ من أحدٍ منكم فراعوني؛ فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني، وإذا رأيتموني زغت فقوموني، واعلموا أن لي شيطاناً يغيّرني، فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني، لا أؤثّر في أشعاركم وأبشاركم.
عن أبي هريرة قال:
والله الذي لا إله إلا هو، لولا أن أبا بكر استخلف ما عُبِدَ الله، ثم قال الثانية، ثم قال الثالثة، فقيل له: مه يا أبا هريرة، فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجه أسامة بن زيدٍ في سبعمائة إلى الشام، فلما نزل بذي خشب قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وارتدت العرب حول المدينة، فاجتمع إليه أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يا أبا بكر، رد هؤلاء، توجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة؟ فقال: والذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما رددت جيشاً وجهه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا حللت لواءً عقده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوجه أسامة فجعل لا يمر بقبيلٍ يريدون الارتداد ألاّ قالوا: لولا أن لهؤلاء قوةً ما خرج مثل هؤلاء من عندهم، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم، فلقوا الروم فهزموهم، وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام.
وعن عائشة قالت: خرج أبي شاهراً سيفه، راكباً على راحلته إلى ذي القَصَّة، فجاء علي بن أبي طالب، فأخذ بزمام راحلته، فقال: إلى أين يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أقول لك ما قال لك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد: " أشمر سيفك، ولا تفجعنا بنفسك " فوالله لئن أُصِبنا بك لا يكون للإسلام بعدك نظام أبداً، فرجع وأمضى الجيش.
عن يزيد الضخم قال: قلت لأبي بكر: ما أراك تنحاش لما قد بلغ من الناس، ولما يتوقع من إغارة
العدو؟ فقال: ما دخلني إشفاق من شيءٍ، ولا دخلني في الدين وحشة إلى أحد بعد ليلة الغار؛ فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رأى إشفاقي عليه وعلى الدين، قال لي: " هون عليك، فإن الله قد قضى لهذا الأمر بالنصر والتمام ".
عن ابن شهاب قال: من فضل أبي أنه لم يشك في الله ساعة قط.
عن علي قال: قام أبو بكر بعدما استخلف بثلاث، فقال: من يَستَقيلُني بيعتي فأقيله؟ فقلت: والله لا نقيلك، ولا نستقيلك، من ذا الذي يؤخرك وقد قدمك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كان نقش خاتم أبي بكر الصديق: نعم القادر الله.
عن الحسن: " فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه " قال: أبو بكر وأصحابه.
وقرأ الحسن: " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه " حتى قرأ الآية، قال: فقال الحسن: فولاها أبا بكر الصديق وأصحابه.
عن عبد الرحمن الأصبهاني قال: جاء الحسن بن علي إلى أبي بكر وهو على منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: انزل عن مجلس أبي! فقال: صدقت، إنه لمجلس أبيك، قال: ثم أجلسه في حجره وبكى، فقال علي: والله ما هذا عن أمري، قال: صدقت والله ما اتهمتك.
وقد روي هذا للحسين بن علي مع عمر.
وعن الضحاك: في قوله: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " قال: مع أبي بكر وعمر وأصحابهما.
عن عائشة قالت: توفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوالله لو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها؛ اشرأب النفاق بالمدينة، وارتدت العرب من كل جانب، فما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي في خطتها وعنانها؛ قالوا: أين ندفن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فما وجدنا عند أحدٍ من ذلك علماً، فقال أبو بكر: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما من نبي يقبض إلا دفن تحت مضجعه الذي مات فيه " قالت: واختلفوا في ميراثه، فما وجدوا عند أحدٍ من ذاك علماً، فقال أبو بكر: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنا - معشر الأنبياء - لا نورث، ما تركنا صدقة ".
وقالت: من رأى عمر عرف أنه خلق عتّالاً للإسلام، كان والله أحْوَزِياً، نسيج وحده، قد أعد للأمور أقرانها.
عن صالح بن كيسان قال: لما كانت الردة قام أبو بكر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
الحمد لله الذي هدى، فكفى وأعطى فأغنى، إن الله بعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والعلم شريد والإسلام غريب طريد، قد رث حبله، وخلق عهده، وضل أهله منه، ومقت الله أهل الكتاب، فلا يعطيهم خيراً لخيرٍ عندهم، ولا يصرف عنهم شراً، لشرٍّ عندهم، قد غيروا كتابهم، وأتوا عليه ما ليس فيه، والعرب الأميون صِفْر من الله، لا يعبدونه، ولا يدعونه، أجهدهم عيشاً، وأضلهم ديناً، في ظلفٍ من الأرض مع قلة السحاب، فجمعهم الله بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجعلهم الأمة الوسطى، نصرهم بمن اتبعهم ونصرهم على غيرهم، حتى قبض الله نبيه، فركب منهم الشيطان مركبه الذي أنزله الله عنه، وأخذ بأيديهم،
وبغى هلكتهم " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين " إن من حولكم من العرب منعوا شاتهم وبعيرهم، ولم يكونوا في دينهم، وإن رجعوا إليه، أزهد منهم يومهم هذا، ولم تكونوا في دينكم أقوى منكم يومكم هذا، على ما قد فقدتم من بركة نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولقد وكلكم إلى الكافي الذي وجده ضالاً فهداه، وعائلاً فأغناه، " وكنتم على شفا حفرةٍ من النار فأنقذكم منها " والله لا أدع أقاتل على أمر الله حتى ينجز الله وعده، ويوفي لنا عهده، ويقتل من قتل منا شهيداً من أهل الجنة، ويبقى من بقي منا خليفته، وورثته في أرضه قضاء الله الحق، وقوله الذي لا خلف له " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض " الآية، ثم نزل رحمه الله.
عن زيد بن علي قال: أبو بكر الصديق إمام الشاكرين، ثم قرأ " وسيجزي الله الشاكرين ".
عن قتادة قال: لما توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتدت العرب كلها إلا ثلاثة مساجد: مكة والمدينة والبحرين، فقالوا: أما الصلاة فإنا سنصلي، وأما الزكاة فوالله لا نُغصب أموالنا، فكلموا أبا بكرٍ أن يخلي عنهم؛ فإنهم لو قد فقهوا أدوا الزكاة طائعين، فقال: لا أفرق بين شيء جمعه الله، فوالله لو منعوني عقالاً فما سوى ذلك مما فرض الله ورسوله لقاتلتهم عليه.
فبعث الله معه عصابةً، فقاتلوا على ما قاتل عليه رسول الله حتى أقروا بالماعون، وهو الزكاة المفروضة، فسارت إليه وفود العرب، فخيرهم بين خطة مخزية، أو حرب مجلية، فاختاروا الخطة المخزية، وذلك أنهم يشهدون على قتلاهم، أنهم في النار، وأن قتلى المسلمين في الجنة، وأن ما أصابوا من أموال المسلمين ردوه عليهم، وما أصاب المسلمون من أموالهم لم يردوه عليهم.
ومن طريق ابن سعد: أن أبا بكرٍ الصديق كان له بيت مالٍ بالسنح معروف ليس يحرسه أحد، فقيل له: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ألا تجعل على بيت المال من يحرسه، فقال: لا يخاف، قلت: لم؟ قال: عليه قفل، وكان يعطي ما فيه لا يبقى فيه شيء، فلما تحول أبو بكر إلى المدينة حوله، فجعل بيت ماله في الدار التي كان فيها، وكان قدم عليه مال من معدن القبلية ومن معادن جهينة كثير - انفتح معدن بني سُليم في خلافة أبي بكر - فَقُدم عليه منه بصدقته، فكان يوضع ذلك في بيت المال، فكان أبو بكر يقسمه على الناس نقراً نقراً، فيصيب كل مائة إنسان كذا وكذا، وكان يسوي بين الناس في القسم: الحر، والعبد، والذكر، والأنثى، والصغير، والكبير فيه سواء. وكان يشتري الإبل والخيل والسلاح فيحمل في سبيل الله، واشترى عاماً قطائف أتى بها من البادية، ففرّقها في أرامل أهل المدينة في الشتاء، فلما توفي أبو بكر، ودفن دعا عمر الأمناء، ودخل بهم بيت مال أبي بكر، ففتحوا بيت المال، فلم يجدوا فيه لا ديناراً، ولا درهماً، ووجدوا خيشةً للمال، فنفضت فوجدوا فيها درهماً، فترحموا على أبي بكر، وكان بالمدينة وزّان على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان يزن ما كان عند أبي بكر من مالٍ، فسئل الوزّان: كم بلغ ذلك المال الذي ورد على أبي بكر؟ قال: مائتي ألف.
عن عائشة: أن أبا بكر حين استخلف ألقى كل دينارٍ ودرهمٍ عنده في بيت مال المسلمين، وقال: قد كنت أتجر فيه، وألتمس به فلما وليتهم شغلوني.
ومن طريق ابن سعد قال:
لما استخلف أبو بكر أصبح غادياً إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها، فلقيه عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، فقالا له: أين تريد يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: السوق، قالا: تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي؟
قالا: انطلق حتى نفرض لك شيئاً، فانطلق معهما، ففرضوا له كل يوم شطر شاةٍ، وما كسوه في الرأس والبطن، فقال عمر: إليَّ القضاء، وقال أبو عبيدة: وإليَّ الفيء.
قال عمر: فلقد كان يأتي عليَّ الشهر ما يختصم إليَّ فيه اثنان.
عن حميد بن هلال قال: لما ولي أبو بكرٍ قال أصحاب رسول الله: افرضوا لخليفة رسول الله ما يغنيه، قالوا: نعم، برداه إذا أخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما، وظهره إذا سافر، ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف، قال أبو بكر رضيت.
وعن عمرو بن ميمون، عن أبيه قال: لما استخلف أبو بكر جعلوا له ألفين، فقال: زيدوني فإن لي عيالاً وقد شغلتموني عن التجارة، قال: فزادوه خمسمائة، قال: إما أن تكون ألفين فزادوه خمسمائة، أو كانت ألفين وخمسمائة فزادوه خمسمائة.
ومن طريق ابن سعد أيضاً: بويع أبو بكر الصديق يوم قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلةً خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من مهاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان منزله بالسُّنح عند زوجته حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير من بني الحارث بن الخزرج، وكان قد حجر عليه حجرةً من شعْرٍ، فما زاد على ذلك حتى تحول إلى منزله بالمدينة، فأقام هناك بالسنح بعد ما بويع له ستة أشهر يغدو على رجليه إلى المدينة، وربما ركب على فرسٍ له، وعليه إزار، ورداء ممشق، فيوافي المدينة، فيصلي الصلوات بالناس، فإذا صلى العشاء رجع إلى أهله بالسنح، فكان إذا حضر صلى بالناس، وإذا لم يحضر صلى بهم عمر بن الخطاب. وكان يقيم يوم الجمعة في صدر النهار بالسنح، يصبغ رأسه ولحيته، ثم يروح لقدر الجمعة، فيُجَمِّع بالناس، وكان رجلاً تاجراً، فكان يغدو كل يوم السوق، فيبيع ويبتاع، وكانت له قطعة غنم تروح عليه، وربما خرج هو بنفسه فيها، وربما كفيها، فرُعيت له، وكان يحلب للحي أغنامهم، فلما بويع له بالخلافة قالت جارية من
الحي: الآن لا تُحلَبُ لنا منائح دارنا، فسمعها أبو بكر فقال: بلى لعمري لأحلبنّها لكم، وإني لأرجو ألا يغيرني ما دخلت فيه عن خُلقٍ كنت عليه؛ فكان يحلب لهم، فربما قال للجارية من الحي: يا جارية، أتحبين أن أرغي لك، أو أصرح؟ فربما قالت: ارغ، وربما قالت: صرح، فأي ذلك قالت فعل، فمكث كذلك بالسنح ستة أشهرٍ، ثم نزل إلى المدينة، فأقام بها، ونظر في أمره فقال: لا والله، ما يصلح أمر الناس التجارة، وما يصلح لهم إلا التفرغ، والنظر في شأنهم.
ثم اعتمر أبو بكر في رجب سنة اثنتي عشرة، فدخل مكة ضحوةً، فأتى منزله وأبو قحافة جالس على باب داره، ومعه فتيان أحداث إلى أن قيل له: هذا ابنك، فنهض قائماً، وعجل أبو بكر أن ينيخ راحلته، فنزل عنها وهي قائمة، فجعل يقول: يا أبه لا تقم! ثم لاقاه، فالتزمه وقبل بين عينيه، وجعل الشيخ يبكي فرحاً بقدومه. وجاء إلى مكة عتاب بن أسيد، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، والحارث بن هشام، فسلموا عليه: سلام عليك يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصافحوه جميعاً فجعل أبو بكر يبكي حين يذكرون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم سلموا على أبي قحافة، فقال أبو قحافة: يا عتيق، هؤلاء الملأ، فأحسن صحبتهم، فقال أبو بكر: إنه لا حول ولا قوة إلا بالله؛ طوقت عظيماً من الأمر، ولا قوة لي به، ولا يدان إلا بالله، ولقيه الناس يعزونه بنبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يبكي، حتى انتهى إلى البيت فاضطبع بردائه، ثم استلم الركن، ثم طاف سبعاً، وركع ركعتين، ثم انصرف إلى منزله فلما كان الظهر خرج، فطاف أيضاً بالبيت، ثم جلس قريباً من دار الندوة، فقال: هل من أحدٍ يتشكى من ظلامة، أو يطلب حقاً؟ فما أتاه أحد، وأثنى الناس على واليهم خيراً، ثم صلى العصر، وجلس، فودعه الناس ثم خرج راجعاً إلى المدينة، فلما كان وقت الحج سنة اثنتي عشرة حج أبو بكر بالناس تلك السنة، وأفرد الحج، واستخلف على المدينة عثمان ابن عفان.
عن محمد بن سيرين قال:
لم يكن أحد بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهيب لما لا يعلم من أبي بكر، ولم يكن أحد بعد أبي
بكر لما لا يعلم من عمر، وإن أبا بكر نزلت به قضية فلم يجد لها في كتاب الله أصلاً ولا في السنة أثراً، فقال: أجتهد برأيي، فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأً فمني، وأستغفر الله.
عن زيد بن أرقم قال: دعا أبو بكر بشرابٍ، فأُتي بماءٍ وعسل، فلما أدناه من فيه نحاه ثم بكى حتى بكى أصحابه، فسكتوا وما سكت، ثم عاد فبكى حتى ظنوا أنهم لا يقوون على مسكته، ثم أفاق، فقالوا: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أبكاك؟ قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأيته يدفع عن نفسه شيئاً، ولم أر أحداً معه، فقلت: يا رسول الله، ما هذا الذي تدفع، ولا أرى معك أحداً، قال: " هذه الدنيا تمثلت لي، فقلت لها: إليك عني، فتنحت، ثم رجعت، فقالت: أما إنك إن أفلتَّ فلن يفلت مني من بعدك " فذكرت ذلك، فخفت أن تلحقني.
عن الضحاك بن مزاحم قال: قال أبو بكر يوماً: ورأى الطير واقعاً على شجرةٍ، فقال - طوبى لك يا طائر! لوددت أني كنت مثلك! تقع على الشجر، وتأكل الثمر ثم تطير ولا حساب عليك ولا عذاب؛ والله لوددت أني كنت شجرة إلى جانب الطريق، فمر علي بعير، فأخذني وأدخلني فاه فلاكني، ثم ازْدَردَني فأخرجني بعراً، ولم أكن بشراً.
عن ابن مُليكة قال: كان ربما سقط الخطام من أبي بكرٍ الصديق، قال: فيضرب بذراع ناقته، فينيخها فيأخذه، قال: فقالوا له: أفلا أمرتنا نناولكه؟ فقال: إن حِبّي أمرني ألا أسأل الناس شيئاً.
عن ابن العالية الرياحي قال: قيل لأبي بكرٍ الصديق في جمعٍ من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل شربت الخمر في
الجاهلية؟ فقال: أعوذ بالله، فقيل: ولم؟ قال: كنت أصون عرضي وأحفظ مروءتي؛ فإن من شرب الخمر كان مضيعاً في عرضه ومروءته، قال: فبلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " صدق أبو بكر، صدق أبو بكر " مرتين.
عن عبد الله بن الزبير قال: ما قال أبو بكرٍ شعراً قط، ولكنكم تكذبون عليه.
عن معروف بن خربوذ: أن أبا بكر الصديق أحد عشرةٍ من قريش اتصل لهم شرف الجاهلية بشرف الإسلام.
قال الزبير بن بكار سمعت بعض أهل العلم يقول: خطباء أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب.
عن موسى بن عقبة أن أبا بكر الصديق كان يخطب فيقول: الحمد لله رب العالمين، أحمده وأستعينه، ونسأله الكرامة فيما بعد الموت، فإنه قد دنا أجلي وأجلكم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق مبشراً ونذيراً، وسراجاً منيراً " لينذر من كان حياً ويَحِقَّ القول على الكافرين " ومن يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد ضل ضلالاً مبيناً أوصيكم بتقوى الله، والاعتصام بأمر الله الذي شرع لكم، وهداكم به، فإن جوامع هدى الإسلام بعد كلمة الإخلاص السمع والطاعة لمن ولاه الله أمركم، فإنه من يطع والي الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فقد أفلح، وأدى الذي عليه من الحق، وإياكم وإتباع الهوى، فقد أفلح من حُفظ من الهوى، والطمع، والغضب، وإياكم والفخر، وما فخر من خلق من ترابٍ، ثم إلى التراب يعود، ثم يأكله الدود، ثم هو اليوم حي، وغداً ميتاً، فاعملوا يوماً بيوم، وساعةً بساعةٍ، وتوقوا دعاء المظلوم، وعدوا أنفسكم في الموتى، واصبروا: فإن العمل كله بالصبر، واحذروا فالحذر ينفع، واعملوا فالعمل يقبل، واحذروا ما حذركم الله من عذابه، وسارعه فيما وعدكم الله من رحمته، وافهموا أو تفهموا واتقوا أو تَوَقُّوا: فإن الله قد بين لكم ما أهلك به من كان قبلكم، وما نجى به من
نجى قبلكم، قد بين لكم في كتابه حلاله وحرامه، وما يحب من الأعمال، وما يكره؛ فإني لا ألوكم ونفسي، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، واعلموا أنكم ما أخلصتم لله من أعمالكم فربكم أطعتم، وحظكم حفظتم، وما تطوعتم به فاجعلوه نوافل بين أيديكم، وإن الله ليس له شريك، وليس بينه وبين أحدٍ من خلقه نسب يعطيه به خيراً، ولا يصرف عنه سوءاً إلا بطاعته، وإتباع أمره، فإنه لا خير في خير بعده النار، ولا شر بشرٍ بعده الجنة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلوات الله على نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عن عبد الله بن عُكَيم قال: خطبنا أبو بكر الصديق فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل ثم قال: أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو له أهل، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، فإن الله عز وجل أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: " إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رَغَباً ورَهَباً، وكانوا لنا خاشعين " ثم اعلموا عباد الله أن الله قد ارتهن بحقّه أنفسكم، وأخذ على ذلك مواثيقكم، واشترى منكم القليل الفاني بالكثير الباقي، وهذا كتاب الله فيكم، لا يُطفأ نوره، ولا تنقضي عجائبه، فاستضيئوا بنوره، وانتصحوا كتابه، واستضيئوا منه ليوم الظلمة فإنه إنما خلقكم لعبادته، ووكل بكم كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون، ثم اعلموا عباد الله أنكم تغدون وتروحون في أجلٍ قد غيب عنكم علمه، فإن استطعتم أن تنقضي الآجال وأنتم في عمل الله فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله، فسابقوا في آجالكم قبل أن تنقضي آجالكم، وتردكم إلى أسوأ أعمالكم؛ فإن قوماً جعلوا آجالهم لغيرهم ونسوا أنفسهم، فأنهاكم أن تكونوا أمثالهم، فالوَحَى الوَحَى، ثم النجاءَ النجاءَ؛ فإن وراءكم طالباً حثيثاً مره سريع.
عن ابن عيينة قال: كان أبو بكر الصديق إذا عزى رجلاً قال: ليس مع العزاء مصيبة، ولا مع الجزع
فائدة، الموت أهون ما قبله، وأشد ما بعده، اذكروا فقد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تصغر مصيبتكم، وأعظم الله أجركم.
عن ابن عباس: " ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ. " قال: نزلت في عشرة: في أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وعبد الله بن مسعود.
وقال: نزلت في أبي بكر الصديق: " ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً " إلى قوله: " وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ".
عن الضحاك في قوله: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " قال: مع أبي بكر وعمر وأصحابهما.
عن عكرمة: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " قال: أبو بكر وعمر.
عن الربيع بن أنس قال: مكتوب في الكتاب الأول: مثل أبي بكر الصديق مثل القطر أينما وقع نفع.
عن عبد الله بن حسن قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبو بكر منا أهل البيت ".
قال عمر: إن أبا بكر كان سابقاً مبرزاً، وقال: وددت أني من الجنة حيث أرى أبا بكر.
ورأى رجل عمر وهو يتصدق عام الرمادة، فقال: إن هذا لحبر هذه الأمة بعد نبيها، قال: فعمد عمر، وجعل يضرب صلعة الرجل بالدرة، ويقول: كذب الآخر، أبو بكر خير مني، ومن أبي، ومنك، ومن أبيك.
وقال رجل لعمر: يا خير الناس - أو ما رأيت أميراً خيراً منك - فقال: هل رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لا، قال: فهل رأيت أبا بكر؟ قال: لا، قال: لو أخبرتني أنك رأيت واحداً منهما لأوجعتك!.
وقال نفر لعمر: ما رأينا رجلاً أقضى بالقسط ولا أقول بالحق، ولا أشد على المنافقين منك يا أمير المؤمنين، فأنت خير الناس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال عوف بن مالك: كذبتم لقد رأيت خيراً منه غير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقبل إليه عمر، فقال: من هو يا عوف؟ فقال: أبو بكر، فقال عمر: صدق عوف وكذبتم، لقد كان أبو بكر أطيب من المسك، وإني لمثل بعير أهلي.
وقال عمر: ليتني شعرةً في صدر أبي بكر.
وقال عبد الله بن عمر: كنا نقول ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حي: أفضل أمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعده: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان - وزاد في رواية: فيبلغ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا ينكر.
وعن محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي: يا أبتِ، من خير هذه الأمة بعد نبيها؟ قال: أبو بكر يا بني، قلت: ثم من؟ قال: عمر، فخفت من أن قلت: ثم من؟ أن يقول عثمان: قلت: ثم أنت يا أبه؟ قال: ما أبوك إلا رجل من المسلمين.
عن عبد خير الهمداني - وكان أمير شرطة علي - قال: سمعت علياً يقول على المنبر: ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيها؟ قال: فذكر أبا بكر، ثم قال: ألا أخبركم
بالثاني؟ قال: فذكر عمر، ثم قال: لو شئت لأنبأتكم بالثالث، قال: وسكت، فرأينا أنه يعني نفسه، فقيل: أنت سمعته يقول هذا؟ قال: نعم ورب الكعبة، وإلا فَصُمّتا.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أنا الأول، وأبو بكر المصلي، وعمر الثالث، والناس من بعدنا الأول فالأول ".
عن قيس الخارفي قال: سمعت علياً يقول: سبق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصلّى أبو بكر، وثلّث عمر.
عن أبي سريحة قال: سمعت علياً يقول على المنبر: ألا إن أبا بكر أوّاه منيب القلب، ألا إن عمر ناصح الله فنصحه.
عن علي قال: إن أعظم الناس أجراً في المصاحف أبو بكر الصديق، كان أول من جمع القرآن بين اللوحين.
وسئل علي عن أبي بكر وعمر، فقال: كانا إمامَي هدىً، راشدَين مرشدين مفلحين منجحين خرجا من الدنيا خميصين.
وقال: إن الله عز وجل جعل أبا بكرٍ وعمر حجةً على من بعدهم من الولاة إلى يوم القيامة، سبقا والله سبقاً بعيداً، وأتعبا من بعدهم إتعاباً شديداً، فذكرهما حرب للأمة، وطعن على الأئمة.
وقال: لا أجد أحداً يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري.
وقال: وهل أنا إلا حسنة من حسنات أبي بكر.
مر رجل من التابعين يقال له سويد بن غفلة برجلين من أصحاب علي، وهما ينتقصان أبا بكرٍ وعمر، فلم يملك نفسه أن ذهب إلى عليٍّ، فقرع الباب، فخرج فقال: يا أبا حسن، إني مررت بفلانٍ وفلان صاحبيك، وهما ينتقصان أبا بكرٍ، وعمر، وايم الله، لو لم تضمر مثل ما أبديا ما اجترأ على ذلك! قال: فغضب علي غضباً شديداً حتى استُدِرَّ عرق بين عينيه، ونودي بالصلاة جامعةً، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: تجندت عليَّ الجنود، ووردت علي الوفود عند مستقر الخطوب، وعند نوائب الدهر: ما بال أقوامٍ يذكرون سيدي قريشٍ، أبوي المؤمنين بما ليسا من هذه الأمة بأهل، وبما أنا عنه منزه، ومنه بريء، وعليه معاقب؟! أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة لا يحبهما إلا مؤمن تقي، ولا يبغضهما إلا منافق ردي.
عن ابن عباس: أنه سئل عن أبي بكرٍ، فقال: كان والله خيراً كله، وسئل عن عمر، فقال: كان والله كالطير الحذر الذي ينصب له في كل طريقٍ شرك، وكان يعمل على ما يرى مع العنف، وشدة النشاط، وسئل عن عثمان، فقال: كان والله صواماً قواماً، قارئاً للقرآن، من رجل غرته نومته من يقظته، وسئل عن علي، فقال: كان والله مزكوناً علماً وحلماً، من رجل غرته سابقته من أن لن يمد يده إلى شيءٍ إلا اتبعه، فوالله ما رأيته مد يده إلى شيء إلا خالفه.
عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: ولينا أبو بكر فخير خليفة؛ أرحمه بنا، وأحناه علينا.
عن عائشة:
أنها بلغها أن قوماً تكلموا في أبيها، فبعثت إلى أزفلةٍ من الناس، وعلت وسادتها، وأرخت ستارتها، ثم قالت: أبي، وما أبيه، أبي والله لا تعطوه الأيدي، ذاك طود
منيف، وظل مديد، هيهات! كذبت الظنون أنجح إذ أكديتم، وسبق إذ ونيتم، سبق الجواد إذا استولى على الأمد، فتى قريش ناشئاً، وكهفها كهلاً، يريش مملقها، ويرأب شعبها، ويلم شعثها حتى حليته قلوبها، ثم استشرى في دين الله فما برحت شكيمته، في ذات الله حتى اتخذ بفنائه مسجداً يحيى فيه ما أمات المبطلون، وكان - رضي الله عنه - غزير الدمعة، وقيذ الجوانح، شجي النشيج، فانقصفت عليه نسوان أهل مكة، وولدانهم يسخرون منه، ويستهزئون به " الله يستهزئ بهم، ويمدهم في طغيانهم يعمهون " وأكبرت ذلك رجالات قريشٍ فحنت قسيها، وفوقت سهامها، وامتثلوه غرضاً، فما فلوا له صفاة، ولا قصموا له
قناةً، ومضى على سيسائه، حتى إذا ضرب الدين بجرانه، ورست أوتاده، ودخل الناس فيه أفواجاً، ومن كل فرقةٍ أرسالاً وأشتاتاً اختار الله لنفسه ما عنده، فلما قبض الله نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اضطرب حبل الدين، ومرج أهله، وبغى الغوائل، وظنت رجال أن قد أكثبت نُهَزُها، ولات حين يظنون، وأنى، والصديق بين أظهرهم؟! فقام حاسراً مشمراً، فرقع حاشيتيه بطبه، وأقام أوده بثقافه حتى امذقر النفاق، فلما انتاش الدين بنعشه، وأراح الحق على أهله، وقرت الرؤوس في كواهلها، وحقن الدماء في أهبها حضرت منيته فسد ثلمته بنظيره في السيرة والمرحمة، ذاك ابن الخطاب، لله در أم حملت به ودرت عليه! لقد أوجدت به، فديّخ الكفرة وفنخها، وشرد الشرك شذر مذر، وبعج الأرض فنجعها حتى قاءت أكلها، ترأمه ويصد عنها، وتصدّى له، فيأباها، وتريده ويصدف عنها، ثم فرغ فيئها، ثم تركها كما
صحبها، فأروني ماذا ترتؤون؟ وأي يومي أبي تنقمون؟ أيوم إقامته إذ عدل فيكم، أم يوم ظعنه إذ نظر لكم؟ أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
ثم التفتت إلى الناس، فقالت: سألتكم بالله، هل أنكرتم مما قلت شيئاً؟ قالوا: اللهم لا!.
عن أبي عبد الرحمن الأزدي قال: لما انقضى الجمل قامت عائشة، فتكلمت، فقالت: أيها الناس إن لي عليكم حرمة الأمومة، وحق الموعظة لا يتهمني إلا من عصى ربه، قُبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين سحري ونحري، وأنا إحدى نسائه في الجنة، ادخرني ربي، وحصنني من كل بضاعة، وبي مُيّز مؤمنكم من منافقكم، وفيّ رخص لكم في صعيد الأقواء وأبي رابع أربعةٍ من المسلمين، وأول من سمي صديقاً، قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنه راضٍ، فطوقه وهف الأمانة، ثم اضطرب حبل الدين، فأخذ بطرفيه، وربق لكم أثناءه، فوقد النفاق وأغاض نبع الردة، وأطفأ ما حشت يهود، وأنتم
حينئذٍ جحظ، تنتظرون العدوة، وتستمعون الصيحة، فرأب الثأي، وأؤذم العطلة، وامتاح من المهواة، واجتهر دفن الرواء، فقبضه الله واطئاً على هامة النفاق، مذكياً نار الحرب للمشركين، يقظان في نصرة الإسلام صفوحاً عن الجاهلين.
عن مسروق قال: حب أبي بكر وعمر، ومعرفة فضلهما من السنة.
وقد روي هذا القول عن عبد الله بن مسعود.
عن أنس قال: رحم الله أبا بكر وعمر أمرهما سُنة.
وقال الحسن: قدمهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمن ذا الذي يؤخرهما.
وقال: ثلاثة لا يربعهم أحد أبداً: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وعمر.
وقال الأعمش: ما كنت أرى أني أعيش في زمانٍ أسمعهم يفضلون فيه على أبي بكر وعمر.
عن طلحة اليامي قال: كان يقال: الشاك في أبي بكر وعمر كالشاك في السنة.
وقال أبو أسامة: أتدرون من أبو بكر وعمر؟ هما أبوا الإسلام وأمه.
فذكر ذلك لأبي أيوب الشاذكوني، فقال: صدق.
وقال أبو حسين: ما ولد لآدم في ذريته بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكرٍ الصديق ولقد قام ليوم الردة مقام نبي من الأنبياء.
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني لأرجو لأمتي في حب أبي بكر وعمر ما أرجو لهم في قول: لا إله إلا الله ".
عن مالك بن أنس قال: قال أمير المؤمنين هارون لي: يا مالك، صف لي مكان أبي بكر وعمر من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: يا أمير المؤمنين قربهما منه في حياته كقرب قبرهما من قبره، فقال: شفيتني يا مالك، شفيتني يا مالك!
عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى قال: قلت لأبي: ما تقول في رجل سب أبا بكرٍ؟ قال: يُقتل، قلت: سب عمر؟ قال: يُقتل.
قال ربعي بن خراش: قذف المحصنة يهدم عمل سبعين سنةً، وشتم أبي بكر وعمر يهدم عمل مائة سنةٍ.
قال جعفر بن محمد: برئ الله ممن تبرأ من أبي بكرٍ وعمر.
عن حيان الهجري قال: كان لي جليس يذكر أبا بكرٍ وعمر، فأنهاه فيُغْرَى، فأقوم عنه، فذكرهما يوماً، فقمت عنه مغضباً، واغتممت مما سمعت، إذ لم أرد عليه الرد الذي ينبغي فنمت، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منامي كأنه أقبل ومعه أبو بكر وعمر، فقلت: يا رسول الله، إن لي جليساً يؤذيني في هذين، فأنهاه فيغرى، ويزداد، قال: فالتفت صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رجلٍ قريب منه، فقال: " اذهب إليه فاذبحه " فذهب الرجل إليه، وأصبحت، فقلت: إنها لرؤيا، فلو أتيته فخبرته لعله ينتهي، قال: فمضيت أريده، فلما صرت قريباً من داره إذا الصراخ، قلت: ما هذا؟ قالوا: فلان، طرقته الذبحة في هذه الليلة فمات.
عن إسماعيل بن أبي خالد قال: جاءنا يزيد بن النعمان بن بشير إلى حلقة القاسم بن عبد الرحمن بكتاب أبيه النعمان بن بشير: بسم الله الرحمن الرحيم: من النعمان بن بشير إلى أم عبد الله بنت أبي هاشم: سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، فإنك كتبت إلي لأكتب إليك بشأن زيد بن خارجة؛ وإنه كان من شأنه أنه أخذه وجع في حلقه، وهو يومئذ من أصح أهل المدينة، فتوفي بين صلاة الأولى، وصلاة العصر، فأضجعناه لظهره، وغشيناه بردين وكساء، فأتاني آتٍ وأنا أسبح بعد المغرب، فقال: إن زيداً قد تكلم بعد وفاته، فانصرفت إليه مسرعاً، وقد حضره قوم من الأنصار، وهو يقول - أو يقال على لسانه -: الأوسط أجلد القوم، الذي كان لا يبالي في الله لومة لائمٍ، كان لا يأمر الناس أن يأكل قويهم ضعيفهم، عبد الله أمير المؤمنين، صدق، صدق، كان ذلك في الكتاب الأول، قال: ثم قال: عثمان أمير المؤمنين وهو يعافي الناس من ذنوب كثيرة، خلت اثنتان، وبقي أربع، واختلف الناس، وأكل بعضهم بعضاً فلا نظام، وأبيحت الأحماء، ثم ارعوى المؤمنون فقالوا: كتاب الله وقدره، أيها الناس أقبلوا على أميركم، واسمعوا وأطيعوا فمن تولى فلا يعهدن دماً، كان أمر الله قدراً مقدوراً، الله أكبر، هذه الجنة، وهذه النار، ويقول النبيون والصديقون: سلام عليك يا عبد الله بن رواحة، هل أحسست لي خارجة؟ - لأبيه - وسعداً اللذين قتلا يوم أحد " كلا إنها لظى، نزاعة للشوى، تدعو من أدبر وتولى، وجمع فأوعى " ثم خفت صوته فسألت الرهط عما سبقني من كلامه، فقالوا: سمعناه يقول: أنصتوا أنصتوا فنظر بعضنا إلى بعضٍ فإذا الصوت من تحت الثياب فكشفنا عن وجهه، فقال: هذا أحمد رسول الله، سلام عليك، يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، ثم قال: أبو بكر الصديق الأمين، خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ضعيفاً في جسمه، قوياً في أمر الله عز وجل صدق، صدق، وكان في الكتاب الأول.
وكان زيد بن خارجة من سروات الأنصار، وكان أبوه خارجة بن سعد حيث هاجر
أبو بكر نزل عليه في داره، وتزوج ابنته، وقتل أبوه وأخوه سعد بن خارجة يوم أحد، فمكث بعدهم حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خلافة أبي بكر وعمر، وشيئاً من خلافة عثمان؛ فبينا هو يمشي في طريق من طرق المدينة بين الظهر والعصر إذ خر، فتوفي، فأعلمت به الأنصار، فأتوه، فاحتملوه إلى بيته.
عن مسلم الطبين قال: من الكامل
أنى تعاتب، لا أبا لك، عصبةً ... علقوا الفرى، وبروا من الصديق
وبروا سفاهاً من وزير نبيهم ... تباً لمن يبرا من الفاروق
إني على رغم العداة لقائل ... دانا بدين الصادق المصدوق
عن زياد بن حنظلة قال: كان سبب موت أبي بكر الكمد على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، على قوته في أمر الله، فمرض بعد خروج خالد من العراق إلى الشام، وثقل بعد قدوم خالد على أهل اليرموك، ومات قبل الفتح بأيامٍ.
وعن ابن شهاب:
أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان خزيرة أهديت لأبي بكر، فقال الحارث لأبي بكر: ارفع يدك يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والله إن فيها لسم سنةٍ، وأنا وأنت نموت في يومٍ واحدٍ! قال: فرفع يده، فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يومٍ واحدٍ عند انقضاء السنة.
قالوا: كان أول بدء مرض أبي بكرٍ أنه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة، وكان يوماً بارداً، فحُمَّ خمسة عشر يوماً، لا يخرج إلى صلاةٍ، وكان يأمر عمر بن
الخطاب يصلي بالناس، ويدخل الناس عليه يعودونه، وهو يثقل كل يومٍ، وهو نازل يومئذٍ في داره التي قطع له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجاه دار عثمان بن عفان اليوم، وكان عثمان ألزمهم له في مرضه.
قال أبو السفر: دخلوا على أبي بكر في مرضه، فقالوا: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ألا ندعو لك طبيباً ينظر إليك؟ قال: قد نظرت إلي، قالوا: ما قال لك؟ قال: قال: " إني فعال لما أريد ".
وروى ابن سعد من طرق: أن أبا بكرٍ الصديق لما استعز به دعا عبد الرحمن بن عوف فقال: أخبرني عن عمر بن الخطاب، فقال عبد الرحمن: ما تسألني عن أمرٍ إلا وأنت أعلم به مني، فقال أبو بكر: وإن، فقال عبد الرحمن: هو والله أفضل من رأيك فيه، ثم دعا عثمان بن عفان، فقال: أخبرني عن عمر، فقال: أنت أخبرنا به - فقال: على ذلك أبا عبد الله، فقال عثمان: اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأن ليس فينا مثله، فقال أبو بكر: يرحمك الله، والله لو تركته ما عدوتك، وشاور معهما سعيد بن زيد أبا الأعور، وأسيد بن الحضير، وغيرهما من المهاجرين والأنصار، فقال أسيد: اللهم أعلمه الخيرة بعدك، يرضى للرضى، ويسخط للسخط، الذي يُسِرُّ خير من الذي يعلن، ولن يلي هذا الأمر أحد أقوى عليه منه.
وسمع بعض أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدخول عبد الرحمن وعثمان على أبي بكر، وخلوتهما به، فدخلوا على أبي بكرٍ، فقال له قائل منهم: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا، وقد ترى غلظته؟! فقال أبو بكر: أجلسوني، أبالله تخوفوني!؟ خاب من تزود من أمركم بظلمٍ! أقول: اللهم استخلفت عليهم خير أهلك، أبلغ عني ما قلت من وراءك! ثم اضطجع، ودعا عثمان، فقال اكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب، إني أستخلف عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا، وإني لم أل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيراً، فإن عدل فذلك ظني به، وعلمي فيه، وإن بدل فلكل امرئٍ ما اكتسب، والخير أردت، ولا أعلم الغيب، " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون " والسلام عليكم ورحمة الله.
ثم أمر بالكتاب، فختمه، فقال بعضهم: لما أملى أبو بكر صدر هذا الكتاب بقي ذكر عمر، فذهب به قبل أن يسمي أحداً، فكتب عثمان: إني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، ثم أفاق أبو بكر، فقال: اقرأ علي ما كتبت، فقرأ عليه ذكر عمر، فكبر أبو بكر، وقال: أراك خفت أن أفتلت نفسي في غشيتي تلك، فيختلف الناس، فجزاك الله عن الإسلام وأهله خيراً، والله إن كنت لها أهلاً، ثم أمره، فخرج بالكتاب مختوماً ومعه عمر بن الخطاب، وأسيد بن سعية القرظي، فقال عثمان للناس: أتبايعون لمن في هذا الكتاب؟ فقالوا: نعم، وقال بعضهم: قد علمنا به، فأقروا بذلك جميعاً ورضوا به وبايعوا. ثم دعا أبو بكر عمر خالياً، فأوصاه بما أوصاه، ثم خرج من عنده، فرفع أبو بكر يديه مداً، فقال: اللهم إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم، وخفت عليهم الفتنة، فعملت فيهم بما أنت أعلم به، واجتهدت لهم برأيي، فوليت عليهم خيرهم، وأقواه عليهم، وأحرصهم على ما أرشدهم، وقد حضرني من أمرك ما حضر فاخلفني فيهم، فهم عبادك، ونواصيهم بيدك، أصلح لهم واليهم، واجعله من خلفائك الراشدين، يتبع هدى نبي الرحمة، وهدى الصالحين بعده، وأصلح له رعيته.
عن زبيد أن أبا بكر قال لعمر بن الخطاب:
إني موصيك بوصية - إن حفظتها - إن لله حقاً بالنهار لا يقبله بالليل، ولله في الليل حقاً لا يقبله في النهار، وإنه لا يقبل نافلةً حتى تؤدى الفريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة بإتباعهم في الدنيا الحق، وثقله عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلاً، ولإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة بإتباعهم في الدنيا الباطل، وخفته عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يخف، وإن الله عز وجل ذكر أهل الجنة وصالح ما عملوا، وتجاوز عن سيئاتهم، فيقول قائل: أنا أفضل من هؤلاء، وذكر آية الرحمة، وآية العذاب، ليكون المؤمن راغباً راهباً ولا يتمنى على الله غير الحق، ولا يلقي بيده إلى التهلكة.
فإن حفظت قولي فلا يكونن غائب أحب إليك من الموت، ولا بد لك منه، وإن ضيعت وصيتي فلا يكونن أمر أبغض إليك من الموت، ولن تعجزه! وعن الأعرابي مالك قال: لما أراد أبو بكر أن يستخلف عمر بعث إليه، فدعاه، فقال: إني أدعوك إلى أمرٍ متعب لمن وليه، فاتق الله يا عمر بطاعته، وأطعه بتقواه، فإن المتقي آمن محفوظ، ثم إن الأمر معروض لا يستوجبه إلا من عمل به، فمن أمر بالحق، وعمل بالباطل، وأمر بالمعروف وعمل بالمنكر يوشك أن تنقطع أمنيته، وأن يحبط عمله، فإن أنت وليت عليهم أمرهم فإن استطعت أن تخف يدك من دمائهم، وأن تصم بطنك من أموالهم، وان يخف لسانك عن أعراضهم فافعل، ولا قوة إلا بالله.
عن عبد الرحمن بن عوف: أنه دخل على أبي في مرضه الذي توفي فيه، فأصابه مفيقاً، فقال له عبد الرحمن: أصبحت والحمد لله بارئاً، فقال أبو بكر: تراه؟ قال: نعم، قال: إني على ذلك لشديد الوجع، وما لقيت منكم، يا معشر المهاجرين، أشد علي من وجعي إني ولّيت أمركم خيركم في نفسي، فكلكم ورم من ذلك أنفه، يريد أن يكون الأمر له، ورأيتم الدنيا قد أقبلت، ولما تقبل، ولهي مقبلة حتى تتخذوا ستور الحرير، ونضائد الديباج، وتألمون بالانضجاع على الصوف الأذربي كما يألم أحدكم أن ينام على حسك السعدان، والله لأن يقدم أحدكم فتضرب رقبته في غير حدٍّ خير له من أن يخوض غمرة الدنيا! وأنتم أول ضال بالناس غداً، فيصفقون عن الطريق يميناً وشمالاً يا هادي الطريق، إنما هو الفجر أو البحر.
فقال له عبد الرحمن: خَفِّض عليك يرحمك الله، فإن هذا يهيضك على ما بك، إنما الناس في أمرك رجلان: إما رجل رأى ما رأيت، فهو معك، وإما رجل رأى ما لم ترَ، فهو يشير عليك بما يعلم، وصاحبك كما تحب، ولا نعلمك أردت إلا الخير، ولم تزل صالحاً مصلحاً مع أنك لا تأسى على شيء من الدنيا، فقال أبو بكر: أجل، لا آسى على شيء من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن وددت أني لو تركتهن، وثلاث تركتهن وددت أني لو فعلتهن، وثلاث وددت لو أني سألت عنهن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأما التي وددت أني تركتهن: يوم سقيفة بني ساعدة وددت لو أني ألقيت هذا الأمر في عنق أحد هذين الرجلين - يعني عمر وأبا عبيدة - فكان أحدهما أميراً وكنت وزيراً، ووددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة عن شيء، مع أنهم أغلقوه على الحرب، ووددت أني لو لم أكن
حرقت الفجاءة السلمي، وأني كنت قتلته سريحاً، أو خليته نجيحاً، وأما الثلاث التي تركتهن ووددت أني كنت فعلتهن: وددت لو أني حين سيرت خالد بن الوليد إلى أهل الردة كنت أقمت بذي القصة، ووددت أني يوم وجهت خالد بن الوليد إلى الشام وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق، فكنت قد بسطت كلتا يدي في سبيل الله، ووددت أني حين أُتيت بالأشعث بن قيس أسيراً ضربت عنقه، فإنه يخيل إلي أنه لا يرى شراً إلا أعان عليه، ووددت أني سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن هذا الأمر بعده؟ فلا ينازعه أحد، ووددت أني سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل للأنصار فيه شيء؟ ووددت أني سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ميراث بنت الأخ والعمة، فإن في نفسي منها شيء.
عن محمد بن سيرين: أن أم المؤمنين عائشة كانت عند أبي بكر وهو في الموت، فقالت: من الطويل
أماوي ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
فقال أبو بكر: بل هكذا قولي " وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ".
عن أنسٍ قال:
أطفنا بغرفة أبي بكر الصديق في مرضته التي قبض فيها، قال: فقلنا: كيف أصبح، أو كيف أمسى خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فاطلع علينا اطلاعةً فقال: ألستم ترضون بما أصنع؟ قلنا: بلى قد رضينا، قال: وكانت عائشة هي تمرضه، قال: فقال: أما إني قد كنت حريصاً على أن أوفر في المسلمين فيئهم مع أني قد أصبت من اللحم
واللبن، فانظروا إذا رجعتم مني، فانظروا ما كان عندنا فأبلغنه عمر، قال: فذاك حيث عرفوا أنه استخلف عمر، قال: وما كان عنده ديناراً ولا درهم، ما كان إلا خادم، ولقحة، ومحلب، فلما رأى ذلك عمر يُحمل إليه قال: يرحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده.
وعن محمد قال: توفي أبو بكر الصديق وعليه ستة آلاف درهم كان أخذها من بيت المال، فلما حضرته الوفاة قال: إن عمر لم يدعني حتى أصبت من بيت المال ستة آلاف درهم، وإن حائطي الذي بمكان كذا وكذا فيها، فلما توفي أبو بكر ذكر ذلك لعمر، فقال: يرحم الله أبا بكر لقد أحب ألا يدع لأحدٍ بعده مقالاً، وأنا والي الأمر بعده، وقد رددتها عليكم.
عن عائشة قالت: قال أبو بكر: انظروا إلى ما زاد في مالي منذ دخلت في هذه الإمارة فردوه إلى الخليفة من بعدي، فإني قد كنت أسلخه جهدي إلا الودك فإني قد كنت أصبت منه نحواً مما كنت أصيب من التجارة، قالت: فنظرنا، فوجدنا زاد فيه ناضح، وغلام نوبي كان يحمل صبياً له، قالت: فأرسلت به إلى عمر، قالت: فأخبرني جدي أنه بكى، ثم قال: رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده إتعاباً شديداً.
ولما اشتد مرض أبي بكر، وأغمي عليه، فأفاق، قال: أي يومٍ توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلت: يوم الاثنين، قال: إني لأرجو من الله عز وجل ما بيني وبين الليل، فمات ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح وقال: في كم كفنتم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: كفناه في ثلاثة أثواب بيض يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة، فقال: اغسلي ثوبي هذا، وبه ردع زعفرانٍ أو مشقٍ، واجعلوه مع ثوبين جديدين،
قلت: إنه خلق، قال الحي أحوج إلى الجديد من الميت، إنما هو للمهلة، - يعني ما يخرج منه - فكفن في ثلاثة أثواب سحولٍ يمانية.
عن ابن أبزى في قوله تعالى: " يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضية " قال: قال أبو بكر: ما أحسنها يا رسول الله! قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما إنها ستقال لك يا أبا بكر ".
عن عطاء أن أبا بكر الصديق أوصى أن تغسله امرأته أسماء، فإن لم تستطع استعانت بعبد الرحمن بن أبي بكر.
وفي رواية: فإن عجزت أعانها ابنه منه محمد، ولا يصح ذلك، لأنه كان له يوم توفي أبو بكر ثلاث سنين أو نحوها.
عن حبة العرني، عن علي بن أبي طالب قال: لما حضرت أبا بكرٍ الوفاة أقعدني عند رأسه، وقال لي: يا علي، إذا أنا مت فغسلني بالكف الذي غسلت به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحنطوني، واذهبوا بي إلى البيت الذي فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستأذنوا، فإن رأيتم الباب قد تفتح فادخلوا بي، وإلا فردوني إلى مقابر المسلمين حتى يحكم الله بين عباده، قال: فغُسل وكفن، وكنت أول من بادر إلى الباب، فقلت: يا رسول الله، هذا أبو بكر يستأذن، فرأيت الباب قد تفتح، فسمعت قائلاً يقول: أدخلوا الحبيب إلى حبيبه، فإن الحبيب إلى الحبيب مشتاق.
قال الحافظ: هذا منكر، والمحفوظ أن الذي غسل أبا بكر امرأته أسماء بنت عميس.
عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعدان: أن أبا بكر أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس، وعزم عليها أن تفطر ليكون أقوى لها، ففعلت، فلما كان من آخر النهار دعت بماء، فأفطرت عليه، وقالت: لا أتبعه اليوم حنثاً.
عن أسيد بن صفوان - وكانت له صحبة من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
لما كان اليوم الذي قبض فيه أبو بكر رجَّت المدينة بالبكاء، ودهش الناس كيوم قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجاء علي بن أبي طالب باكياً مسرعاً وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة، حتى وقفت على البيت الذي فيه أبو بكر مسجى، فقال: رحمك الله يا أبا بكر، كنت أول القوم إسلاماً، وأكملهم إيماناً، وأخوفهم لله، وأشدهم يقيناً، وأعظمهم عناءً، وأحوطهم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأحدبهم على الإسلام، وآمنهم على أصحابه، وأحسنهم صحبةً، وأفضلهم مناقب، وأكثرهم سوابق، وأرفعهم درجةً، وأقربهم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مجلساً، وأشبههم به هدياً، وخلقاً، وسمتاً، وفعلاً، وأشرفهم منزلةً، وأكرمهم عليه، وأوثقهم عنده، فجزاك الله عن الإسلام، وعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيراً؛ صدقته حين كذبوه، فسماك الله صديقاً، فقال: " والذي جاء بالصدق " محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وصدَّق به " أبو بكر الصديق، أعطيته حين بخلوا وقمت معه حين عنه قعدوا، وصحبته بأحسن الصحبة، ثاني اثنين صاحبه، والمنزل عليه السكينة، ورفيقه في الهجرة، ومواطن الكره، خلفته في أمته أحسن خلافة حين ارتد الناس، وقمت بدين الله قياماً لم يقمه خليفة نبيٍّ؛ قويت حين ضعف أصحابه، ونهضت حين وهنوا، ولزمت منهاج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ كنت خليفته حقاً، لم تنازع، ولم تصد برغم المنافقين، وصغر الفاسقين، وغيظ الكافرين، وكره الحاسدين، قمت بالأمر حين فشلوا، ونطقت حين تقبَّضوا ومضيت بنور الله إذ وقفوا، واتبعوك فهدوا، كنت أخفضهم صوتاً، وأعلاهم فوقاً وأطولهم صمتاً، وأصوبهم نطقاً، وأبلغهم كلاماً، وأكثرهم أناةً، وأشرحهم قلباً، وأشدهم نفساً، وأسدهم عقلاً، وأعرفهم بالأمور كنت أولاً حين تفرق عنه، وآخراً حين فشلوا، كنت للمؤمنين أباً رحيماً، صاروا عليك عيالاً،
تحملت أثقال ما عنه ضعفوا، وحفظت ما أضاعوا، ورعيت ما أهملوا، وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ جزعوا، فأدركت آثار ما طلبوا، وناولوا بك ما لم يحتسبوا كنت على الكفار عذاباً واصباً، وللمسلمين غناءً وحصناً، فطرت بغنائها وذهبت بفضائلها، وأحرزت سوابقها: لم تفلل حجتك، ولم يرع قلبك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك، كنت كالجبل لا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف، كنت كما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آمن الناس في صحبتك وذات يدك، عوناً في أمر الله، متواضعاً في نفسك، عظيماً عند الله، خليلاً في الأرض، كبيراً عند المؤمنين، لم يكن لأحد فيك مطمعاً، ولا لقائل مغمز، ولا لأحدٍ عندك هوادة: الضعيف الذليل عندك قوي حتى تأخذ له بحقه، والقوي العزيز عندك ذليل حتى تأخذ منه الحق، فالعزيز والضعيف عندك سواء في ذلك، شأنك الحق والرفق، قولك حق وحتم، وأمرك احتياط وحزم.
أقلعت وقد نهج السبيل، وسهل العسير، وأطفئت النيران، وقوي الإسلام، وظهر أمر الله ولو كره المشركون، وسبقت والله سبقاً بعيداً، وأتعبت من بعدك إتعاباً شديداً، وفزت بالحق فوزاً مبيناً، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضينا عن الله قضاءه، وسلمنا له أمره، لن يصاب المسلمون بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثلك أبداً، كنت للدين عزاً وكهفاً، وللمسلمين حصناً، وعلى المنافقين غيظاً، فالحمد لله، لا حرمنا الله أجرك، ولا أضلنا بعدك.
وسكت القوم حتى انقضى كلامه، وبكوا، وقالوا: صدقت يابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن أبي جعفر محمد بن علي قال: دخل علي على أبي بكر بعدما سُجي قال: ما أحد ألقى الله بصحبته أحب إلي من هذا المسجى.
عن جد الأصمعي قال: وقفت عائشة على قبر أبيها فقالت: رحمك الله يا أبه، لقد قمت بالدين حين وهى سعيه، وتفاقم صدعه، ورحبت جوانبه، وبغضت ما أصغوا إليه، شمرت فيما ونوا عنه، واستخففت من دنياك ما استوطنوا، وصغرت منها ما عظموا، ولم تهضم دينك، ولم تنسى غدك، ففاز عند المساهمة قدحك، وخف مما استوزروا ظهرك حتى قررت الرؤوس على كواهلها، وحقنت الدماء في أهبها - يعني في الأجساد - فنضر الله وجهك يا أبه، فلقد كنت للدنيا مذلاً بإدبارك عنها، وللآخرة معزاً بإقبالك عليها، ولكأن أجل الرزايا بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رزؤك، وأكبر المصائب فقدك، فعليك سلام الله ورحمته غير قالية لحياتك، ولا زارية على القضاء فيك.
عن الأصمعي:
أن قوم خفاف بن ندبة السلمي ارتدوا، وأبى أن يرتد، وحسن ثباته على الإسلام، فقال في أبي بكر شعراً قوافيه ممدودة مقيدة: من السريع
ليس لشيءٍ غير تقوى الله جداء ... وكل خلق عمره للفناءْ
إن أبا بكرٍ هو الغيث إذ ... لم تزرع الأمطار بقلاً بماء
المصطفي الجرد بأرسانها ... والناعجات المسرعات النجاء
والله لا يدرك أيامه ... ذو طرةٍ ناش ولا ذو رداء
من يسع كي يدرك أيامه ... يجتهد الشد بأرض فضاء
الشد: العدو.
عن البجلي: أن أبا بكر الصديق لما مات حمل على السرير الذي كان ينام عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصلى عليه عمر بن الخطاب، ودفن مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيت عائشة، ونزل في قبره: عمر، وعثمان، وطلحة، وعبد الرحمن بن أبي بكر.
وسئل سعيد بن المسيب: أين صلي على أبي بكر؟ فقال: بين القبر والمنبر، وكبر عليه عمر أربعاً.
وقبر أبو بكر ليلاً.
وعن عروة والقاسم بن محمد: أوصى أبو بكر عائشة أن يدفن إلى جنب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما توفي حفر له، وجُعل رأسه عند كتفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وألصق اللحد بقبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقبر هناك.
وتوفي أبو بكر مساء الاثنين، ودفن ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، وكانت ولايته سنتين وثلاثة أشهر وأياماً، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة، هذا هو الصحيح المتواتر، وقيل غيره.
ووهم الحافظ من قال: إنه توفي وهو ابن ستين سنة.
عن سعيد بن المسيب قال: لما قُبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتجت مكة بصوتٍ عالٍ، فقال أبو قحافة: ما هذا؟ قالوا: قُبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فمن استخلف الناس بعده؟ قالوا: ابنك، قال: فهل رضيت بذلك بنو عبد شمس، وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم، قال: فإنه لا مانع لما
أعطى الله، ولا معطي لما منع الله، فلما قبض أبو بكر ارتجت مكة بصوتٍ عالٍ دون ذلك، فقال أبو قحافة: ما هذا؟ قالوا: ابنك مات، فقال أبو قحافة: هذا خبر جليل - أو قال: رزء جليل - من قام بالأمر بعده؟ قالوا: عمر، قال: صاحبه.
عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: ورث أبا بكرٍ أبوه أبو قحافة السدس، وورثه معه ولده: عبد الرحمن، ومحمد، وعائشة، وأسماء، وأم كلثوم بنو أبي بكر، وامرأتاه: أسماء بنت عميس، وحبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير من بلحارث بن الخزرج، وهي أم أم كلثوم.
وعن مجاهد: كُلِّم أبو قحافة في ميراثه من أبي بكر الصديق، فقال: قد رددت ذلك على ولد أبي بكر، قالوا: ثم لم يعش أبو قحافة بعد أبي بكر إلا ستة أشهر وأياماً، وتوفي في المحرم سنة أربع عشرة بمكة، وهو ابن سبع وتسعين سنة.
ابن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لوي أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصاحبه في الغار.
قدم تاجراً إلى بصرى من الشام في الجاهلية، وفي الإسلام.
عن أنس أن أبا بكر حدثه قال: قلت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحن بالغار: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه! فقال: " يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ".
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح، ورواه الترمذي.
عن قيس بن أبي حازم قال: قرأ أبو بكر هذه الآية: " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم "، ثم قال: إن الناس يضعون هذه الآية على غير موضعها، ألا وإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن القوم إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، والمنكر فلم يغيروه عمّهم الله بعقابه ".
وفي رواية: " إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمّهم الله بعقابه ".
عن عائشة أم المؤمنين قالت: اسم أبي بكرٍ الذي سماه به أهله: عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو، ولكنه غلب عليه اسم عتيق.
قالت: والله إني لفي بيتي ذات يومٍ ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه في الفناء والستر بيني وبينهم - زاد في رواية: دونهم - إذا أقبل أبو بكر، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سره أن ينظر إلى عتيقٍ من النار فلينظر إلى أبي بكر ".
ومن رواية عن عائشة: أن أبا قحافة كان له ثلاثة أولادٍ سمى واحداً عَتيقاً، والآخر معتقاً، والآخر عُتيقاً، - وفي رواية: عتيقاً ومعتقاً ومعيتيقاً.
وقال موسى بن طلحة: بينا عائشة بنت طلحة تقول لأمها أم كلثوم بنتا أبي بكر: أنا خير منك، وأبي خير من أبيك، فقالت: أبوك خير من أبي؟ فقالت عائشة أم المؤمنين: ألا أقضي بينكما؟ إن أبا بكر دخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا أبا بكر أنت عتيق الله من النار " فمن يومئذ سمي عتيقاً، قال: ودخل طلحة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا طلحة أنت ممن قضى نحبه ".
وقال: سألت أبي طلحة بن عبيد الله، قلت له: يا أبه، لأي شيءٍ سمي أبو بكر عتيق؟ قال: كانت أمه لا يعيش لها ولد، فلما ولدته استقبلت به البيت، وقالت: اللهم إن هذا عتيقك من الموت، فهبه لي.
وقال مصعب: سمي أبو بكر عتيقاً لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به، قال ابن الأعرابي: العرب تقول للشيء قد بلغ النهاية في الجودة: عتيق.
عن عبد الله بن الزبير قال: كان اسم أبي بكر: عبد الله بن عثمان، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنت عتيق الله من النار " فسمي عتيقاً.
قال مغيرة بن زياد: أرسلت إلى ابن أبي مليكة أسأله عن أبي بكر الصديق ما كان اسمه؟ قال: فأتيته فسألته، فقال: كان اسمه عبد الله بن عثمان، وإنما كان عتيق لقباً.
وعن الليث بن سعد قال: إنما سمي أبو بكر عتيقاً لجمال وجهه.
وعن أبي نعيم الفضل بن دكين: إنما سمي عتيقاً لأنه عتيق، قديم في الخير.
عن عبد الله بن الزبير قال: سميت باسم جدي أبي بكر، وكنيت بكنيته.
وفي أبي بكر نزلت: " فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى ".
وعن ابن إسحاق: كان أبو بكر أنسب العرب للعرب.
قال الزبير بن بكار: فولد عامر بن عمرو أبا قحافة، واسمه عثمان، وأمه قيلة بنت أذاة بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب، فولد أبو قحافة أبا بكر الصديق، وأمه أم الخير، واسمها سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب - وفي رواية: ابن عامر بن عمرو بن كعب - بن سعد ابن تيم بن مرة، وأبو بكر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الغار، الذي قال الله عز وجل: " إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا " وهاجر مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة إلى المدينة ليس معهما أحد إلا مولى أبي بكر عامر بن فهيرة الذي رفع إلى السماء حين استشهد يوم بئر معونة، وكان دليل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الطريق إلى المدينة، وأعتق أبو بكر سبعة ممن كان يعذب في الله، منهم: بلال مؤذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شهد بدراً والمشاهد كلها، وشهد عامر بن فهيرة بدراً وغيرها حتى استشهد يوم بئر معونة.
وأبو بكر أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجنة.
قال ابن سعد: دفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رايته العظمى يوم تبوك إلى أبي بكر، وكانت سوداء، وأطعمه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر مائة وسق، وكان فيمن ثبت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد حين ولّى الناس.
قال إسماعيل بن علي الخطبي: وقد أدرك أبواه الإسلام وأسلما.
قال أبو أحمد الحاكم: أدرك أبو بكر بن أبي قحافة، الصديق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبوه أبو قحافة عثمان بن عامر، وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وابن ابنه أبو عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، أربعتهم ولاءً، رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليست هذه المنقبة لأحدٍ من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيره، وأدرك من أولاده وأهل بيته ومواليه سواهم، نفر من الرجال والنساء، رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، منهم بنوه عبد الله وعبد الرحمن، صَحِبا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وابنه الثالث محمد، ولد عام حجة الوداع، ولدته أسماء بقباء، فوجهت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أمرها، فأمرها أن تغتسل، وتهل، وعائشة، وأسماء بنت أبي بكر، وأم أبي بكر الصديق أم الخير، واسمها سلمى بنت صخر، وامرأة أبي بكر الصديق أم رومان بنت عمير بن عبد مناة بن دهمان بن غنم بن مالك بن كنانة بن خزيمة، وابن خالته أم مسطح بنت أبي رُهم بن المطلب بن عبد مناف، وبلال بن رباح، وعامر بن فهيرة، وسعد، والقاسم، موالي أبي بكر.
قال أبو عبد الله بن منده: ولد أبو بكر بعد الفيل بسنتين وأربعة أشهرٍ إلا أيام، ومات بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين
وأشهر بالمدينة، وهو ابن ثلاث وستين، وكان رجلاً أبيض نحيفاً، خفيف العارضين، معروق الوجه، غائر العينين، ناتئ الجبهة، يخضب بالحناء والكتم، وكان أول من أسلم من الرجال.
عن الزهري قال: لما كان يوم فتح مكة أُتي بأبي قحافة إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكأن رأسه ثغامة بيضاء، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هلا أقررتم الشيخ في بيته حتى كنا نأتيه؟ " تكرمة لأبي بكر، وأمرهم أن يغيروا شعره، وبايعه، وأتى المدينة، وبقي حتى أدرك خلافة أبي بكر، ومات أبو بكر قبله، وورثه أبو قحافة السدس، فرده على ولد أبي بكر، وكانت وفاته سنة أربع عشرة في خلافة عمر بن الخطاب، وله يومئذ سبع وتسعون سنة.
قال أنس بن مالك:
قدم علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان أسن أصحابه أبو بكر.
وقالت عائشة: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكبر من أبي بسنتين وشيءٍ.
عن يزيد بن الأصم: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبي بكر: " أينا أكبر، أنا أو أنت؟ " قال: أنت أكبر وأكرم، وخير مني، وأنا أسن منك.
كذا في هذه الرواية، والمحفوظ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أسن من أبي بكر، وأن أبا بكر استكمل بخلافته سن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت أبا بكر كأن رأسه ولحيته ضرام عرفجٍ.
وقال: دخلت على أبي بكر وهو مريض، فإذا هو أبيض قضيف.
عن ابن شهاب قال: كان أبو بكر الصديق أبيض أصفر لطيفاً جعداً، كأنما خرج من صدع حجر، مسترق الوركين، لا يثبت إزاره على وركيه.
ووصفته عائشة فقالت: كان أبيض نحيفاً خفيف العارضين أجنأ، لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقويه، مقرون الحاجب، غائر العينين، ناتئ الجبهة، عاري الأشاجع، معوق الوجه، وكان يخضب بالحناء والكتم.
وعن الزهري في صفة أبي بكر: كان أبيض يخالط بياضه الصفرة، جعد، حسن القامة، رقيق، حمش الساقين، قليل اللحم، حسن الثغر.
وعن ربيعة بن كعب قال: كان إسلام أبي بكر الصديق بوحي من السماء، وذلك أنه كان تاجراً بالشام، فرأى رؤيا، فقصها على بحيرا الراهب، فقال له: من أين أنت؟ قال: من مكة، قال: من أيها؟ قال: من قريش، قال: فأيش أنت؟ قال: تاجر، قال: صدق الله رؤياك، فإنه سيبعث نبي من قومك، تكون وزيره في حياته، وخليفته بعد موته، فأسر أبو بكر حتى بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاءه، فقال: يا محمد، ما الدليل على ما تدعي؟ قال: الرؤيا التي رأيت بالشام، فعانقه، وقبل عينيه، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك محمداً رسول الله.
قال أبو بكر الصديق: إنه خرج إلى اليمن قبل أن يبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فنزلت على شيخٍ من الأزد، عالم قد قرأ الكتب، وعلم من علم الناس علماً كثيراً، وأتت عليه أربعمائة سنة إلا عشر سنين، فلما رآني قال: أحسبك حرمياً؟ قال أبو بكر: قلت: نعم أنا من أهل الحرم،
قال: وأحسبك قرشياً؟ قال: قلت: نعم، أنا من قريش، قال: وأحسبك تيمياً؟ قال: قلت: نعم، أنا من تيم بن مرة، أنا عبد الله بن عثمان بن كعب بن تيم بن مرة، قال: بقيت لي منك واحدة، قلت: ما هي؟ قال: تكشف لي عن بطنك، قلت: لا أفعل أو تخبرني لم ذاك؟ قال: أجد في العلم الصحيح الزكي الصادق أن نبياً يبعث في الحرم تعاون على أمره فتى وكهل، فأما الفتى فخواض غمرات، ودفاع معضلات، وأما الكهل فأبيض نحيف، على بطنه شامة، وعلى فخذه اليسرى علامة، وما عليك أن تريني ما سألتك، فقد تكاملت لي فيك الصفة إلا ما خفي علي.
قال أبو بكر: فكشفت له عن بطني، فرأى شامة سوداء فوق سرتي، فقال: أنت هو ورب الكعبة، وإني متقدم إليك في أمرٍ، فاحذره، قال أبو بكر: قلت: وما هو؟ قال: إياك والميل عن الهدى، وتمسك بالطريقة الوسطى، وخف الله فيما خولك وأعطاك.
قال أبو بكر: فقضيت باليمن أربي، ثم أتيت الشيخ لأودعه، فقال: أحامل أنت مني أبياتاً قلتها في ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قلت: نعم، فأنشأ يقول: من الطويل
ألم تر أني قد وهنت معاشري ... ونفسي وقد أصبحت في الحي واهنا
حييت، وفي الأيام للمرء عبرة ... ثلاث مئين، ثم تسعين آمنا
وصاحبت أحباراً أبانوا بعلمهم ... غياهيب في سدٍّ ترى فيه طامنا
فما زلت أدعو الله في كل حاضر ... حللت بها سراً وجهراً معالنا
وقد خمدت مني شرارة قوتي ... وألفيت شيخاً لا أطيق الشواجنا
وأنت، ورب البيت تلقى محمداً ... بعامك هذا قد أقام البراهنا
فحي رسول الله عني فإنني ... على دينه أحيا وإن كنت داكنا
فيا ليتني أدركته في شبابتي ... فكنت له عبداً وإلا العجاهنا
قال أبو بكر: فحفظت وصيته وشِعره، وقدمت مكة وقد بُعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاءني عقبة بن أبي معيط، وشيبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وأبو البختري بن هشام، وصناديد قريشٍ، فقلت لهم: هل نابتكم نائبة، أو ظهر فيكم أمر؟ قالوا: يا أبا بكر، أعظم الخطب، وأجل النوائب! يتيم أبي طالب، يزعم أنه نبي، ولولا أنت ما انتظرنا به، فإذ قد جئت فأنت الغاية والكفاية لنا.
قال أبو بكر: فصرفتهم، وسألت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقيل: إنه في منزل خديجة، فقرعت عليه الباب، فخرج إلي، فقلت: يا محمد، بعدت من منازل أهلك، واتهموك بالفتنة، وتركت دين آبائك وأجدادك؟ قال: " يا أبا بكر، إني رسول الله إليك، وإلى الناس كلهم، فآمن بالله " فقلت: وما دليلك على ذلك؟ قال: " الشيخ الذي لقيته باليمن " قلت: وكم من مشايخ لقيت، واشتريت، وأخذت وأعطيت، قال: " الشيخ الذي أفادك الأبيات " قلت: ومن خبرك بهذا يا حبيبي؟ قال: " الملك العظيم الذي يأتي الأنبياء قبلي " قلت: مد يدك، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنت رسول الله.
قال أبو بكر: فانصرفت وما بين لابتيها أشد سروراً من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسلامي.
قال طلحة بن عبيد الله: كان إسلام أبي بكر فتحاً، وذلك أن ورقة بن نوفل جاء إلى أبي بكرٍ، فقال له: يابن أخي، إني أراك متبدلاً بمكة، ولا أراك في شيءٍ، فأخبرني كم معك من المال؟ قال: عندي كذا وكذا من العير، قال: فأنا آتيك غداً بكذا وكذا فأضعف لك حتى تخرج إلى الشام، فتصيب فيه خيراً، فتعطيني ما شئت، وتمسك ما شئت، فانقلب أبو بكر إلى زوجته، فقال لها: اذبحي من تلك الغنم شاة سفِّرينا بها، قالت: وأين تريد؟ قال: الشام، قالت: ولم؟ قال: إن ورقة بن نوفل قارضني أن أخرج مالي كله ويعطيني كذا وكذا ألف دينار، قالت: أفلا أخبرك خبراً يسرك؟ قال: وما هو؟ قالت: جاء محمد يطلبك منذ اليوم ثلاث مرات، فما حبسك عنه؟ قال: ما حبسني عنه إلا ما ذكرت؛
قالت: سمعته يقول: " أنا رسول الله حقاً " قال: ويحك! فإنه هذا خير لي من الدنيا وما فيها! فانطلق إليه من ليلته، فقرع الباب، فقال: " من هذا؟ " قال: أبو بكر، ففتح له الباب، ثم قال: " ما جاء بك هذه الساعة، فإني قد كنت أبتغيك ثلاث مرات؟ " قال: إني كنت مع ورقة بن نوفل، فعرض علي قراضاً، فقلت لزوجتي: سفرينا، قالت: وأين تريد؟ فقلت: قارضني ورقة بن نوفل على أن أخرج إلى الشام، قالت: أفلا أخبرك خبراً يسرك؟ فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وما أخبرتك؟ " قال: أخبرتني أنك تقول: إني رسول الله. ثم انصرف من عنده مسروراً بما نال من الخير والإسلام، فأصبح، وجاء إليه ورقة بن نوفل بالمال ليدفع إليه، فقال له: يابن أخي، هذا المال، قال: وجدت تجارة خيراً من تجارتك، وربحاً خير من ربحك، قال: وما هو؟ قال: قال لي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني رسول الله " فصدقته وآمنت به، وشهدت أنه رسول الله، قال: فوالله لئن كنت صادقاً لا آكل ما ذبح على النصب، ولا ما ذبحت قريش لآلهتها، ولا ما ذبحت يهود لكنائسها، ولأستقبلن هذا البيت الحرام الذي أسسه إبراهيم وإسماعيل، ولا أزال أصلي أبداً، ولأحرمن ما ذبح لغير الله - عز وجل - فتوفي ورقة قبل أن يظهر أمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن محمد بن إسحاق قال: ثم إن أبا بكر لقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أحق ما تقول قريش يا محمد من تركك آلهتنا، وتسفيهك عقولنا، وتكفيرك آباءنا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني رسول الله يا أبا بكر ونبيه، بعثني لأبلّغ رسالته، وأدعوك إلى الله بالحق، فوالله إنه للحق أدعوك إلى الله يا أبا بكر، وحده لا شريك له، ولا نعبد غيره، والموالاة على طاعته أهل طاعته " وقرأ عليه القرآن، فلم يقر، ولم ينكر، فأسلم، وكفر بالأصنام، وخلع الأنداد، وأقر بحق الإسلام، ورجع أبو بكر وهو مؤمن مصدق.
وابتدأ أبو بكر أمره، وأظهر إسلامه، ودعا الناس، وأظهر علي وزيد بن حارثة إسلامها، فكبُر ذلك على قريش، وكان أول من اتبع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خديجة بنت خويلد
زوجته، ثم كان أول ذكرٍ آمن به علي، وهو يومئذ ابن عشر سنين، ثم زيد بن حارثة ثم أبو بكر الصديق، فلما أسلم أبو بكر أظهر إسلامه، ودعا إلى الله ورسوله، وكان أبو بكر رجلاً مألفاً لقومه محبباً سهلاً، وكان أنسب قريش لقريش وأعلم قريش بما كان فيها من خيرٍ أو شر، وكان رجلاً تاجراً ذا خلقٍ ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحدٍ من الأمر لعلمه وتجارته، وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه، ويجلس إليه فأسلم على يديه: الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وسعد ابن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف.
عن عائشة قالت: قال أبو بكر: كنت أول من آمن.
وعن ابن سيرين قال: أول من أسلم من الرجال أبو بكر، وأول من أسلم من النساء خديجة.
قال عمار: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر.
سئل سعد بن مالك: أكان أبو بكر الصديق أولكم إسلاماً؟ قال: لا، ولكن أسلم قبله أكثر من خمسة، ولكن كان خيرنا إسلاماً.
عن أبي سعيد قال: لما بويع أبو بكر رأى من الناس بعض الانقباض، فقال: أيها الناس، ما يمنعكم؟ ألست أحقكم بهذا الأمر ألست أول من أسلم؟ قال أبو بكر: أنا أول من صلى مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفي رواية: أول من صلى مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الرجال علي بن أبي طالب.
قال قائل لابن عباس: أي الناس كان أول إسلاماً؟ قال: أبو بكر، أما سمعت بقول حسان بن ثابت - رضي الله عنهما -: من البسيط
إذا تذكرت شجواً من أخي ثقةٍ ... فاذكر أخاك أبا بكرٍ بما فعلا
خير البرية أوفاها وأعدلها ... إلا النبي وأوفاها بما حملا
والثاني التالي المحمود مشهدة ... وأول الناس منهم صدق الرسلا
وفي رواية: أتقاها وأعدلها.
عاش حميداً لأمر الله متبعاً ... بهدي صاحبه الماضي وما انتقلا
وفي رواية: عاشا جميعاً لأمر الله متبعاً لهدي.
وسئل ميمون بن مهران: كان علي أول إسلاماً أو أبو بكر؟ فقال: والله لقد آمن أبو بكر بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمن بحيرا الراهب، واختلف فيما بينه وبين خديجة حتى أنكحها إياه، وذلك كله قبل أن يولد علي بن أبي طالب.
وقيل له: علي أفضل عندك أم أبو بكر وعمر؟ قال: فارتعد حتى سقطت عصاه من يده، ثم قال: ما كنت أظن أن أبقى إلى زمان يعدل بهما، لله درهماً كانا رأسي الإسلام، ورأسي الجماعة.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما كلمت في الإسلام أحداً إلا أبى علي، وراجعني الكلام إلا ابن أبي قحافة - يعني أبا بكر - فإني لم أكلمه في شيءٍ إلا قبله واستقام عليه ".
عن محمد بن عبد الرحمن: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوة وتردد ونظر إلا أبا بكر، ما عتم عنه حين ذكرته له، وما تردد فيه ".
وعن عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت:
فلما أن اجتمع أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكانوا تسعة وثلاثين رجلاً ألح أبو بكر على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الظهور، فقال: " يا أبا بكر، إنا قليل " فلم يزل يلح على رسول الله حتى ظهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتفرق المسلمون في نواحي المسجد، وكل رجلٍ معه، وقام أبو بكر في الناس خطيباً، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس، وكان أول خطيبٍ دعا إلى الله - عز وجل - وإلى رسوله، وثار المشركون على أبي بكر، وعلى المسلمين يضربونهم في نواحي المسجد ضرباً شديداً، ووطئ أبو بكر، وضرب ضرباً شديداً، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة، فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين، وأثّر على وجه أبي بكر لا يعرف أنفه من وجهه، وجاءت بنو تميم تتعادى، فأجلوا المشركين عن أبي بكر، وحملوا أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه ولا يشكون في موته، ورجعوا بيوتهم، فدخلوا المسجد، فقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة، ورجعوا إلى أبي بكر، فجعل أبو قحافة، وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجابهم، فتكلم آخر النهار: ما فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فنالوه بألسنتهم وعذلوه، ثم قاموا، وقالوا لأم الخير بنت صخر: انظري أن تطعميه شيئاً، أو تسقيه إياه، فلما خلت به جعل يقول: ما فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: والله ما لي علم بصاحبك، قال: فاذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه، فخرجت حتى جاءت أم جميل، فقالت: إن أبا بكر يسألك عن محمد عبد الله، قالت: ما أعرف أبا بكر، ولا محمد بن عبد الله، وإن تحبي أن أمضي معك إلى ابنك فعلت، قالت: نعم، فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعاً دنفاً، فدنت أم جميل، وأعلنت بالصياح، وقالت: إن قوماً نالوا منك هذا لأهل فسق، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك. قال: فما فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: هذه أمك تسمع، قال: قال: فلا عين عليك منها، قالت: سالم صالح، قال: فأين هو؟ قالت: في دار الأرقم، قال: فإن لله علي أَلِيّة ألا أذوق طعاماً أو شراباً أو آتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمهلتا حتى إذا هدأت الرِّجل، وسكن الناس خرجتا به يتكئ عليهما حتى دخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت: فانكب عليه فقبله، وانكب عليه
المسلمون، ورق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رقة شديدة، فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي ليس بي إلا ما نال الفاسق من وجهي، هذه أمي برة بوالديها، وأنت مبارك فادعها إلى الله، وادعُ الله لها عسى أن يستنقذها بك من النار، فدعا لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم دعاها إلى الله - عز وجل - فأسلمت، فأقاموا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدار شهراً، وهم تسعة وثلاثون رجلاً.
وكان حمزة بن عبد المطلب أسلم يوم ضرب أبو بكر، فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمر بن الخطاب، وأبي جهل بن هشام، فأصبح عمر، وكانت الدعوة يوم الأربعاء، فأسلم عمر يوم الخميس، فكبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأهل البيت تكبيرة سمعت بأعلى مكة. فقال عمر: يا رسول الله، علام نخفي ديننا، ونحن على الحق، وهم على الباطل؟ فقال: " يا عمر، إنا قليل قد رأيت ما لقينا " فقال عمر: والذي بعثك بالحق لا يبقى مجلس جلست فيه بالكفر إلا جلست فيه بالإيمان، ثم خرج، فطاف بالبيت، ثم مر بقريش وهم ينظرونه، فقال أبو جهل بن هشام: زعم فلان أنك صبوت، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فوثب المشركون إليه، فوثب على عتبة، فبرك عليه، فجعل يضربه، وأدخل إصبعه في عينه، فجعل عتبة يصيح، فتنحى الناس عنه، فقام عمر، فجعل لا يدنو منه أحد إلا أخذ شريف من دنا منه حتى أحجم الناس عنه، واتبع المجالس التي كان فيها، فأظهر الإيمان، ثم انصرف إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو ظاهر عليهم، فقال: ما يجلسك بأبي أنت وأمي، فوالله ما بقي مجلس كنت أجلس فيه بالكفر إلا أظهرت فيه الإيمان غير هائب ولا خائف؛ فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعمر أمامه، وحمزة بن عبد المطلب حتى طاف بالبيت، وصلى الظهر معلناً، ثم انصرف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى دار الأرقم ومن معه.
قيل لعمر بن العاص: ما أشد ما رأيتهم بلغوا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال عمرو: أشد شيءٍ بلغ من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما رأيت - أنهم تآمروا عليه حين مر بهم ضحىً عند الكعبة، فقالوا: يا محمد، أنت تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟ فقال لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا ذلكم " فأخذ أحدهم بتلابيبه، وأبو بكر آخذ بحضن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ورائه،
يريد أن ينتزعه منهم، وهو يصيح: يا قوم " أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذباً فعليه كذبة، وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب " قال: يردد أبو بكر هذه الآية وعيناه تسفحان، فلم يزل على ذلك حتى انفرجوا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن عاشة قالت: لما أسري بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المسجد الأقصى أصبح يحدث بذاك الناس، فارتد ناس ممن كان آمن، وصدق به، وفتنوا، فقال أبو بكر: إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوه أو رواحه، فلذلك سمي أبو بكر الصديق.
عن محمد بن كعب قال: لما رجع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أسري به، فبلغ ذا طوى، فقال: " يا جبريل، إني أخاف أن يكذبوني " قال: كيف يكذبونك وفيهم أبو بكر الصديق؟ عن أبي هريرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر فبكى أبو بكر وقال: ما نفعني الله إلا بك - وفي رواية: " مال أحدٍ ما نفعني مال أبي بكر " قال: فبكى أبو بكر وقال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟ وعن عائشة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما نفعنا مال ما نفعنا مال أبي بكر ".
وعن ابن المسيب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما مال رجلٍ من المسلمين أنفع لي من مال أبي بكر ".
قال: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقضي في مال أبي بكر كما يقضي في مال نفسه.
وعن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أحد أمنُّ علي في صحبته وذات يده من أبي بكر، وما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ".
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أحد أعظم عندي من أبي بكر، واساني بنفسه وماله، وأنكحني ابنته ".
وعن ابن عباس قال: سألت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أحب إليه؟ فقال لي: " عائشة " فقلت: ليس عن النساء سألتك، قال: " فأبوها إذاً " قال: قلت: فلم يا رسول الله؟ قال: " لأنه أنفق ماله كله غير مقطبٍ بين عينيه حتى بقي بعباءة تخللها بريشة، لا تملك سواها، ووالله ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر، وزوجني ابنته، ووهب لي غلامه، وواساني بنفسه، وكلما هبط جبريل علي قال: يا محمد، الله يقرئك السلام ويقول لك: أقرئ أبا بكرٍ السلام وقل له: " أساخطٍ فأرضيك؟ " فقال: على من أسخط يا رسول الله، أنا عنه راض، فهل هو عني راضٍ؟ فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هو عنك راضٍ " فقال أبو بكر: الحمد لله.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن من أعظم الناس علينا مناً أبو بكر، زوجني ابنته، وواساني بنفسه، وإن خير المسلمين مالاً أبو بكر، أعتق منه بلالاً، وحملني إلى دار الهجرة ".
وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي بكر: " ما أطيب مالك! منه بلال مؤذني، وناقتي التي هاجرت عليها، وزوجتني ابنتك، وواسيتني بنفسك ومالك، كأني أنظر إليك على باب الجنة تشفع لأمتي ".
عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رحم الله أبا بكرٍ زوجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالاً من ماله،
رحم الله عمر يقول الحق وإن كان مراً، تركه الحق وما له من صديقٍ، رحم الله عثمان تستحي منه الملائكة، رحم الله علياً، اللهم أدر عليه الحق حيث دار ".
عن ابن عمر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بالصدقة، فقال عمر بن الخطاب: وعندي مال كثير، فقلت: والله لأفضلن أبا بكر هذه المرة، فأخذت نصف مالي، وتركت نصفه، فأتيت به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " هذا مال كثير، فما تركت لأهلك؟ " قال: تركت لهم نصفه.
وجاء أبو بكر بمالٍ كثير، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما تركت لأهلك؟ " قال: تركت لهم الله ورسوله - زاد في رواية: قال عمر: فقلت: لا أسابقك إلى شيءٍ أبداً! وفي رواية مرسلة عن الشعبي قال: لما نزلت هذه الآية: " إن تبدوا الصدقات فنعما هي " إلى آخر الآية جاء عمر بنصف ماله يحمله إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحمله على رؤوس الناس، وجاء أبو بكر بماله أجمع يكاد أن يخفيه من نفسه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما تركت لأهلك؟ " قال: عدة الله، وعدة رسوله، قال: يقول عمر لأبي بكر: بنفسي أنت - أو بأهلي أنت - ما سبقنا باب خيرٍ قط إلا سبقتنا إليه.
عن عروة: أن أبا بكر الصديق أسلم يوم أسلم وله أربعون ألف درهم، قال عروة: قالت عائشة: توفي أبو بكر وما ترك ديناراً ولا درهماً.
وعن عروة قال: أعتق أبو بكر الصديق ممن كان يعذَّب في الله بمكة سبعة أنفسٍ: بلالاً الحبشي الأسود، وعامر بن فهيرة، والنهدية وابنتها، وأم عبيس، وزنِّيرة، وجارية بني المؤمل.
وعن ابن عمر قال: أسلم أبو بكر يوم أسلم وفي منزله أربعون ألف درهم، فخرج إلى المدينة من مكة في الهجرة وماله غير خمسة آلاف، كل ذلك ينفق في الرقاب، والعون على الإسلام.
عن عبد الله: أن أبا بكر اشترى بلالاً من أمية بن خلف، وأُبيّ بن خلف ببردةٍ وعشر أواقٍ، فأعتقه لله - عز وجل - فانزل الله - عز وجل - " والليل إذا يغشى " إلى قوله: " إن سعيكم لشتى " سعي أبي بكر وأمية وأُبي.
وعن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن بعض أهله قال: قال أبو قحافة لابنه أبي بكر: يا بني، أراك تعتق رقاباً ضعافاً؟ فلو أنك إذ فعلت ما فعلت أعتقت رجالاً جلداً يمنعونك، ويقومون دونك! فقال أبو بكر: يا أبه، إني إنما أريد ما أريد. قال: فيتحدث: ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيه، وفيما قاله أبوه " فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى " إلى آخر السورة.
وعن ابن عباس في قوله: " فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى "، قال أبو بكر " وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى " قال: أبو سفيان بن حرب.
عن عبد الله بن الزبير قال: أنزلت هذه الآية في أبي بكر: " وسيجنبها الأتقى، الذي يؤتي ماله يتزكى، وما لأحدٍ عنده من نعمةٍ تجزى، إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى، ولسوف يرضى ".
عن ابن عمر قال: كنت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعنده: أبو بكر الصديق، وعليه عباءة قد خلها في صدره بخلال، فنزل عليه جبريل، فقال: يا محمد، ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في
صدره بخلال؟ فقال: " يا جبريل، أنفق ماله علي قبل الفتح " قال: فإن الله عز وجل يقرأ عليه السلام ويقول: " قل له: أراضٍ أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ " فقال أبو بكر: أسخط على ربي؟ أنا عن ربي راضٍ، أنا عن ربي راضٍ، أنا عن ربي راضٍ.
وعن ابن عباس: عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " هبط علي جبريل، وعليه طنفسة، وهو متخلل بها، فقلت: يا جبريل ما نزلت إلي في مثل هذا الزي! قال: إن الله أمر الملائكة أن تخلل في السماء كتخلل أبي بكرٍ في الأرض ".
عن أنس بن مالك: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له جبريل: هاجر، قال: ومن يهاجر معي؟ " قال أبو بكر، وهو الصديق.
وعن أنس: أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صعد أحداً، فتبعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم، فقال: " اسكن! نبي، وصديق، وشهيدان - وفي رواية: ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم الجبل، فضربه برجله، وقال: " اثبت أحد! فإنما عليك نبي، وصديق، وشهيدان " وفي رواية " اثبت حراء، عليك نبي، وصديق، وشهيد " فالصديق أبو بكر، والشهيدان: عمر وعثمان.
عن النزال بن سبرة الهلالي قال: وافقنا من علي بن أبي طالب ذات يوم طيب نفسٍ، ومزاح، فقلنا له: يا أمير المؤمنين حدثنا عن أصحابك، قال: كل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابي، قال: حدثنا عن أصحابك خاصةً، قال: ما كان لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صاحب إلا كان لي صاحباً، قلنا: حدثنا عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: سلوني، قلنا: حدثنا عن أبي بكر الصديق،
قال: ذاك امرؤ سماه الله صديقاً على لسان جبريل ومحمد صلى الله عليهما، كان خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رضيه لديننا فرضيناه لدنيانا.
عن حكيم بن سعد قال:
سمعت علياً يحلف لأنزل الله عز وجل اسم أبي بكر من السماء الصديق.
وعن عائشة قالت: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر - وفي رواية: فما مر - علينا يوم إلا ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتينا فيه طرفي النهار بكرةً وعشياً، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكرٍ مهاجراً قبل أرض الحبشة، حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال: أخرجني قومي، فأريد أن أسيح في الأرض، وأعبد ربي، فقال: فإن مثلك يا أبا بكر لا يُخرج، ولا يَخرج؛ إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار، فارجع، فاعبد ربك في بلدك، فارتحل ابن الدغنة، فرجع مع أبي بكر، فطاف ابن الدغنة في كفار قريشٍ، فقال: إن أبا بكر لا يَخرج ولا يُخرج، أتخرجون رجلاً يُكسِب المعدم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق؟ فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة، وآمنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكرٍ فليعبد ربه في داره، وليصل فيها ما شاء، وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا، ولا يستعلن بالصلاة والقراءة في غير داره، ففعل.
قال: ثم بدا لأبي بكر فابتني مسجداً بفناء داره، فكان يصلي فيه ويقرأ، فتنقصف عليه نساء قريش، وأبناؤهم يتعجبون منه، وينظرون إليه.
وكان أبو بكر رجلاً بكاءً، لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فافزع ذلك أشراف قريشٍ، فأرسلوا إلى ابن الدغنة، فقدم عليهم، فقالوا: إنا إنما أجرنا أبا بكر على أن يعبد
ربه في داره، وإنه قد جاوز ذلك، فابتني مسجداً بفناء داره، وأعلن الصلاة والقراءة، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يستعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا قد كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان.
قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة أبا بكر، فقال: يا أبا بكر، قد علمت الذي عقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترجع إلي ذمتي؛ فإني لا أحب أن يسمع العرب أني أخفرت في عقد رجلٍ عقدت له، فقال أبو بكر: فإني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله ورسوله، ورسول الله يومئذ بمكة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمسلمين: " قد أريت دار هجرتكم، أريت سبخةً ذات نخلٍ بين لابتين - وهما حرتان " فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة، وتجهز أبو بكر مهاجراً، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " على رسلك، فإني أرجو أن يؤذن لي " فقال أبو بكر: أو ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: " نعم "، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لصحبته، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر.
قالت عائشة: فبينا نحن جلوس في بيتنا، في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقبلاً مقنعاً في ساعة لم يكن يأتينا فيها. قال أبو بكر: فداه أبي وأمي إن جاء به في هذه الساعة لأمر، قال: فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستأذن، فدخل، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين دخل لأبي بكر: " أخرج من عندك " فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإنه قد أذن لي في الخروج " فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم " فقال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بالثمن ".
قالت: فجهزناهما أحب الجهاز، فصنعنا لهما سفرةً في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر من نطاقها، فأوكت به الجراب، فلذلك كانت تسمى ذات النطاقين - وفي
رواية: النطاق - ثم لحق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر بغارٍ في جبل يقال له ثور، فمكثا فيه ثلاث ليالٍ يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، وهو غلام شاب لقن ثقف، فيدخل، فيخرج من عندهما بسحرٍ، فيصبح بمكة مع قريش كبائت، لا يسمع أمراً يُكادون - وفي رواية: يُكادان - به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذاك إذا اختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحةً من غنم، فيريحها عليهما حين تذهب ساعةً من العشاء، فيبيتان في رسلها حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس يفعل ذلك عامر تلك الليالي الثلاث، واستأجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر رجلاً من بني الدئل من بني عبد بن عدي هادياً خريتاً - والخريت الماهر بالهداية - قد غمس يمين حلفٍ في آل عاص بن وائل، وهو على دين كفار قريش، فأمناه، فدفعا إليه راحلتيهما، ووعداه غار ثورٍ بعد ثلاث ليالٍ، فأتاهما براحلتيهما صبيحة ليالٍ ثلاث، فارتحل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وعامر، والدليل الدئلي، فأخذ بهم طريق الساحل، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على راحلته، وأبو بكر على راحلته، وعامر ابن فهيرة يمشي مع أبي بكر مرة، وربما أردفه.
وكانت أسماء تقول: لما صنعت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي سفرتهما وجد أبو قحافة ريح الخبز، فقال: ما هذا، لأي شيء هذا؟ فقلت: لا شيء، هذا خبز عملناه نأكله، فلما خرج أبو بكر جعل أبو قحافة يلتمسه ويقول: أقد فعلها؟! خرج وترك عياله علي، ولعله قد ذهب بماله - وكان قد عمي - فقلت: لا، فأخذت بيده، فذهبت به إلى جلد فيه أقط فمسسته، فقلت: هذا ماله! عن ضبة بن محصن العنزي قال: كان علينا أبو موسى الأشعري أميراً بالبصرة، فوجهني في بعثه عمر بن الخطاب، فقدمت على عمر، فضربت عليه الباب، فخرج إلي، فقال: من أنت؟ فقلت: أنا ضبة بن محصن العنزي، قال: فأدخلني منزله، وقدم إلي طعاماً، فأكلت، ثم ذكرت له
أبا بكر الصديق، فبكى، فقلت له: أنت خير من أبي بكر، فازداد بكاءً لذلك، ثم قال وهو يبكي: والله لليلة من أبي بكر ويوم خير من عمر وآل عمر، هل لك أن أحدثك بيومه وليلته؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: فإنه لما خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هارباً من أهل مكة خرج ليلاً، فاتبعه أبو بكر، فجعل مرة يمشي أمامه، ومرة خلفه، ومرة عن يمينه، ومرة عن يساره، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما هذا يا أبا بكر؟ ما أعرف هذا فعلك! " فقال: يا رسول الله، أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون خلفك، ومرةً عن يمينك، ومرةً عن يسارك، لا آمن عليك، قال: فمشى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليله كله، حتى أدغل أطراف أصابعه، فلما رآه أبو بكر حمله على عاتقه، وجعل يشتد به حتى أتى به فم الغار، فأنزله، ثم قال: والذي بعثك بالحق، لا تدخله حتى أدخله قبلك، فإن يك فيه شيء نزل بي دونك، قال: فدخل أبو بكر؛ فلم ير شيئاً، فقال له: اجلس، فإن في الغار خرقاً أسده، وكان عليه رداء، فمزقه، وجعل يسد به خرقاً خرقاً، فبقي جحران، فأخذ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحمله، فأدخله الغار، ثم ألقم قدميه الجحرين، فجعل الأفاعي والحيات يضربنه ويلسعنه إلى الصباح، وجعل هو يتقلى من شدة الألم، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعلم بذلك، ويقول له: " يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا " فأنزل الله عليه وعلى رسوله السكينة، والطمأنينة فهذه ليلته.
وأما يومه فلما توفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتدت العرب؛ فقال بعضهم: نصلي ولا نزكي، وقال بعضهم: نزكي ولا نصلي، فأتيته لا ألوه نصحاً، فقلت: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ارفق بالناس! وقال غيري ذلك. فقال أبو بكر: قد قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وارتفع الوحي، ووالله لو منعوني عقالاً مما كانوا يعطون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقاتلتهم عليه، قال: فقاتلنا فكان والله سديد الأمر، فهذا يومه.
عن أنس بن مالك أن أبا بكر الصديق حدثه قال:
نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار، وهم على رؤوسنا، فقلت:
يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه! فقال: " يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ ".
عن ابن عباس قال: إن الذين طلبوهم صعدوا الجبل، فلم يبق إلا أن يدخلوا، فقال أبو بكر: أُتينا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا بكر، لا تحزن إن الله معنا " وانقطع الأثر، فذهبوا يميناً وشمالاً.
عن علي بن أبي طالب قال: لقد صنع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأبي بكر أمراً ما صنعه بي، فقال له رجل: ما صنع به يا أمير المؤمنين؟ قال: يوم المَلْحم، قلنا: وما يوم الملحم؟ قال: يوم جاء المشركون يقتلون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج، وخرج بأبي بكر معه، لم يأمن على نفسه أحداً غيره حتى دخلا الغار.
عن حبيب بن أبي ثابت: في قوله عز وجل: " فانزل الله سكينته عليه " قال: على أبي بكر، فأما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد نزلت عليه السكينة قبل ذلك.
قال الحسن بن عرفة: " فأنزل السكينة عليهم " قال: على أبي بكر.
عن ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبي بكر: " أنت صاحبي على الحوض، وصاحبي في الغار ".
عن الزهري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحسان بن ثابت: " هل قلت في أبي بكر شيئاً؟ " قال: نعم يا رسول الله، قال: " فقل حتى أسمع " فقال: من البسيط
وثاني اثنين في الغار المنيف وقد ... طاف العدو به إذ يصعد الجبلا
وكان ردف رسول الله قد علموا ... من البرية لم يعدل به رجلا
فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بدت نواجذه، وقال: " صدقت يا حسان، هو كما قلت ".
قال ابن عيينة: عاتب الله المسلمين كلهم في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير أبي بكر وحده؛ فإنه خرج من المعاتبة، وتلا قوله تعالى: " إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار ".
عن أنس بن مالك قال: لما هاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان رسول الله يركب، وأبو بكر رديفه، وكان أبو بكر يعرف في الطريق باختلافه إلى الشام، فكان يمر بالقوم فيقولون: من هذا بين يديك؟ فيقول: هادٍ يهدي - وفي رواية: هذا رجل يهديني السبيل.
عن عبد الرحمن ومحمد ابني جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري ثم السلمي: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين آخى بين المهاجرين والأنصار آخى بين أبي بكر الصديق، وخارجة بن زيد بن أبي زهير الخزرجي.
وعن محمد بن عمر بن علي: آخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة بين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، فلما قدم
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة نقض تلك المؤاخاة إلا اثنتين: المؤاخاة التي بينه وبين علي بن أبي طالب، والتي بين حمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة.
عن أبي هريرة قال: تباشرت الملائكة يوم بدرٍ فقالوا: أما ترون أبا بكر الصديق جاء مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العريش.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أصبح منكم صائماً اليوم؟ " قال أبو بكر: أنا، قال: " من أطعم اليوم مسكيناً؟ " قال أبو بكر: أنا، قال: " من عاد اليوم مريضاً؟ " قال أبو بكر: أنا، فقال: " من شهد منكم اليوم جنازة؟ " قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما اجتمعن - هذه الخصال - في رجلٍ قط إلا دخل الجنة " وفي رواية: " من جمعهن في يومٍ واحد وجبت له، أو قال: غُفر له ".
وعن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال:
صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الصبح، ثم أقبل على أصحابه بوجهه، فقال: " من أصبح منكم اليوم صائماً؟ " قال عمر: يا رسول الله، لم أحدث نفسي بالصوم البارحة، فأصبحت مفطراً، فقال أبو بكر: لكن حدثت نفسي بالصوم البارحة فأصبحت صائماً، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل منكم أحد اليوم عاد مريضاً؟ " قال عمر: يا رسول الله، صلينا ثم لم نبرح، فكيف نعود المريض؟! فقال أبو بكر: بلغني أن أخي عبد الرحمن بن عوف شاكٍ، فجعلت طريقي عليه لأنظر كيف أصبح، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل منكم أحد أطعم اليوم مسكيناً؟ " فقال عمر: يا رسول الله، صلينا ثم لم نبرح، فقال أبو بكر: دخلت المسجد، فإذا أنا بسائلٍ، فوجدت كسرة خبز الشعير في يد عبد الرحمن، فأخذتها فدفعتها إليه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنت فابشر بالجنة " فتنفس عمر، فقال: واها للجنة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلمة أرضى بها عمر.
عن سعيد بن المسيب أن عمر قال: ما سبقت أبا بكر إلى خير قط إلا سبقني إليه.
عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة: يا عبد الله، هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي - وفي رواية: نودي - من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي - وفي رواية: نودي - من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان " فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما على أحدٍ ممن دعي من تلك الأبواب - وفي رواية فقال أبو بكر: ما على من يدعى من هذه الأبواب - من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب - وفي رواية من هذه الأبواب - كلها؟ قال: " نعم، وأرجو أن تكون منهم ".
عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يدخل الجنة رجل لا يبقى فيها أهل دار ولا غرفة إلا قالوا: مرحباً مرحباً، إلينا إلينا "، فقال أبو بكر: يا رسول الله، ما توى هذا الرجل في ذلك اليوم، قال: " أجل، وأنت هو يا أبا بكر ".
عن ابن أبي أوفى قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: وأقبل على أبي بكر فقال: " إني لأعرف اسم رجل، واسم أبيه، واسم أمه إذا دخل الجنة لم يبق غرفة من غرفها، ولا شرفة من شرفها إلا قالت: مرحباً مرحباً " فقال سلمان: إن هذا لغير خائب، فقال: " ذاك أبو بكر بن أبي قحافة ".
عن سليمان بن يسار قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبو بكر وعمر خير أهل الأرض إلا أن يكون نبياً ".
قال: وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الخير ثلاثمائة وستون خصلة، إذا أراد الله عز وجل بعبدٍ خيراً جعل فيه واحدة منهن يدخله بها الجنة ".
قال: وقال أبو بكر: يا رسول الله، هل فيّ شيء منهن؟ قال: " نعم جميعاً " وفي رواية: " كلهن فيك، وهنيئاً لك يا أبا بكر ".
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بينما جبريل يطوف بي أبواب الجنة قلت: يا جبريل، أرني الباب الذي تدخل منه أمتي " قال: " فأرانيه " قال: فقال أبو بكر: يا رسول الله، ليتني كنت معك حتى أنظر إليه، قال: فقال: " يا أبا بكر، أما إنك أول من يدخله من أمتي ".
عن أبي الدرداء قال: إني لجالس عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ أقبل أبو بكر، فأخذ بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فأقبل حتى سلم، ثم قال: يا رسول الله، كان بيني وبين ابن الخطاب شيء حتى أسرعت إليه، وندمت، فسألته أن يستغفر لي، فأبى علي، وتحرز مني بفراره، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يغفر الله لك يا أبا بكرٍ - ثلاثاً " ثم إن عمر ندم، فأتى منزل أبي بكرٍ، فسأل: أثم أبو بكرٍ؟ فقالوا: لا، فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما نظر إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تغير وجهه حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله، أنا والله كنت أظلم، مرتين، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أيها الناس إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟ " فما أوذي بعدها.
عن ابن عباس قال:
ذكر أبو بكر عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كذبني الناس وصدقني، وآمن بي، وزوجني ابنته، وجهزني بماله، وجاهد معي في جيش العسرة، ألا إنه سيأتي يوم القيامة على ناقةٍ من نوق الجنة، قوائمها من المسك والعنبر، ورحلها من الزمرد الأخضر وزمامها من اللؤلؤ الرطب، عليها جلان خضراوان من سندس واستبرق، ويجاء بأبي بكر يوم القيامة وإياي، فيقال: هذا محمد رسول الله، وهذا أبو بكر الصديق ".
عن ربيعة الأسلمي قال: كنت أخدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لي: " يا ربيعة ألا تزوج؟ " قال: قلت: لا والله يا رسول الله، ما أريد أن أتزوج، ما عندي ما يقيم المرأة، وما احب أن يشغلني عنك شيء، فأعرض عني، فخدمته ما خدمته، ثم قال لي الثانية: " يا ربيع ألا تزوج؟ " فقلت: ما أريد أن أتزوج ما عندي ما يقيم المرأة، وما أحب أن يشغلني عنك شيء، فأعرض عني، ثم رجعت إلى نفسي، فقلت: والله لرسول الله بما يصلحني في الدنيا والآخرة أعلم مني والله، لئن قال لي: تزوج لأقولن: نعم يا رسول الله، مرني بما شئت. قال فقال: " يا ربيعة ألا تزوج؟ " فقلت: بلى مرني بما شئت، قال: " انطلق إلى آل فلان - حي من الأنصار، وكان فيهم تراخٍ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقل لهم: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسلني إليكم يأمركم أن تزوجوني فلانة - لامرأةٍ منهم - فذهبت، فقلت لهم: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسلني إليكم، يأمركم أن تزوجوني فلانة، فقالوا: مرحباً برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبرسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا والله، لا يرجع رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بحاجته،
فزوجوني وألطفوني، وما سألوني البينة، فرجعت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حزيناً، فقال لي: " مالك يا ربيعة؟ " فقلت: يا رسول الله، أتيت قوماً كراماً، فزوجوني وأكرموني وألطفوني وما سألوني بينة، وليس عندي صداق، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا بريدة الأسلمي، اجمعوا له وزن نواةٍ من ذهبٍ " قال: فجمعوا لي وزن نواةٍ من ذهب، فأخذت ما جمعوا لي، فأتيت به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " اذهب بهذا إليهم، فقل: هذا صداقها " فأتيتهم فقلت: هذا صداقها، فرضوه وقبلوه وقالوا: كثير طيب. قال: ثم رجعت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حزيناً فقال: " يا ربيعة مالك حزين؟ " فقلت: يا رسول الله، ما رأيت قوماً أكرم منهم، رضوا بما آتيتهم، وأحسنوا وقالوا: كثير طيب وليس عندي ما أولم، قال: " يا بريدة، اجمعوا له شاة " قال: فجمعوا لي كبشاً عظيماً سميناً، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذهب إلى عائشة، فقل لها فلتبعث بالمكتل الذي فيه الطعام " قال: فأتيتها، فقلت لها ما أمرني به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: هذا المكتل فيه تسعة آصع شعيرٍ، لا والله إن أصبح لنا طعام غيره، خذه، قال: فأخذته، فأتيت به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخبرته بما قالت عائشة، فقال: " اذهب بهذا إليهم، فقل لهم: ليصبح هذا عندكم خبزاً " فذهبت إليهم، وذهبت بالكبش ومعي أناس من أسلم، فقال: ليصبح هذا عندكم خبزاً، وهذا طبيخاً.
فقالوا: أما الخبز فسنكفيكموه، وأما الكبش فاكفوناه أنتم، فأخذنا الكبش أنا وأناس من أسلم، فذبحناه وسلخناه وطبخناه، فأصبح عندنا خبز ولحم، فأولمت، ودعوت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثم قال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاني بعد ذلك أرضاً، وأعطى أبا بكرٍ أرضاً، وجاءت الدنيا، فاختلفنا في عذق نخلةٍ، فقلت أنا: هي في حدي، وقال أبو بكر: هي في حدي، فكان بيني وبين أبي بكر كلام، فقال لي أبو بكر كلمةً أكرهها، وندم، فقال لي: يا ربيعة رد علي مثلها حتى تكون قصاصاً، قال: قلت: لا أفعل، فقال أبو بكر: لتقولن، أو لأستعدين عليك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فقلت: ما أنا بفاعل، قال: ورفض الأرض، وانطلق أبو بكر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وانطلقت أتلوه، فجاء أناس من أسلم، فقالوا لي: رحم الله أبا بكر، في أي شيءٍ يستعدي عليك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الذي قال لك ما قال؟ قال: فقلت: أتدرون من هذا؟ هذا أبو بكر الصديق، هذا ثاني اثنين وهذا ذو شيبة المسلمين! إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب، فيأتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيغضب لغضبه، فيغضب الله لغضبهما، فيُهلك ربيعة! قالوا: فما تأمرنا؟ قال: ارجعوا، قال: وانطلق أبو بكر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتبعته وحدي حتى أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحدثه الحديث كما كان، فرفع إلي رأسه، فقال: " يا ربيعة مالك وللصديق؟ " قلت: يا رسول الله، كان كذا، كان كذا، فقال لي كلمة كرهها، فقال لي: قل كما قلت حتى يكون قصاصاً، فأبيت، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أجل فلا ترد عليه، ولكن قل: غفر الله لك يا أبا بكر " فقلت: غفر الله لك يا أبا بكر، فولّى أبو بكر وهو يبكي.
قال حذيفة بن اليمان: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لقد هممت أن أبعث رجالاً يعلمون الناس السنة والفرائض كما بعث عيسى بن مريم الحواريين في بني إسرائيل "، فقيل له: فأين أنت عن أبي بكر وعمر؟ قال: " لا غنى لي عنهما - أو بي عنهما - فإنهما من الدين كالسمع من البصر ".
عن أبي أروى الدوسي قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالساً، فطلع أبو بكر وعمر، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحمد لله الذي أيدني بكما ".
عن علي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لأبي بكر: " يا أبا بكر، إن الله أعطاني ثواب من آمن بي منذ خلق آدم إلى أن بعثني، وإن الله أعطاك يا أبا بكر ثواب من أمن بي منذ بعثني إلى أن تقوم الساعة ".
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لي وزيران من أهل السماء: جبريل وميكائيل، ووزيران من أهل الأرض: أبو بكر وعمر ".
عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبي بكر وعمر: " ألا أخبركما بمثلكما في الملائكة، ومثلكما في الأنبياء: مثلك يا أبا بكر في الملائكة مثل ميكائيل ينزل بالرحمة، ومثلك من الأنبياء مثل إبراهيم إذ كذّبه قومه، فصنعوا به ما صنعوا قال " فمن تبعني فإنه مني، ومن عصاني فإنك غفور رحيم " ومثلك يا عمر في الملائكة مثل جبريل، ينزل بالبأس والشدة على أعداء الله، ومثلك في الأنبياء مثل نوح إذ قال: " رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً ".
عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتاني جبريل آنفاً، فقلت له: يا جبريل حدثني بفضائل عمر بن الخطاب في السماء، قال: يا محمد، لو حدثتك بفضائل عمر بن الخطاب في السماء مثلما لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، ما نفدت فضائل عمر، وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر ".
عن عبد الله قال:
كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً جالساً ومعه جبريل إذ أقبل أبو بكر، فقال جبريل: يا محمد هذا أبو بكر قد أقبل، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل له اسم في السماوات تعرفونه به كما تعرفه أهل الأرض؟ " قال: إي والذي بعثك بالحق بشيراً ونذيراً لاسمه في السماوات أشهر من اسمه في الأرض، من أحب منكم أن ينظر إلى شيبة خليل الرحمن فلينظر إلى شيبة أبي بكر، فبينا هو كذلك إذ أقبل عمر، فقال جبريل: يا رسول الله هذا عمر أقبل، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا جبريل، هل له اسم في السماوات تعرفونه كما تعرفه أهل الأرض؟ " قال: والذي بعثك بالحق بشيراً ونذيراً لاسمه في السماوات أشهر من اسمه في الأرض، من أحب منكم أن ينظر إلى شيبة نوحٍ في المرسلين فلينظر إلى شيبة عمر بن الخطاب، فبينا هو كذلك إذ أقبل عثمان بن عفان، فقال له جبريل: هذا عثمان قد أقبل، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا جبريل هل له اسم في السماوات تعرفونه كما تعرفه أهل الأرض؟ " قال: إي والذي بعثك بالحق بشيراً لاسمه في السموات أشهر من اسمه في الأرض، من أحب منكم أن ينظر إلى شيبة موسى كليم الرحمن فلينظر إلى شيبة عثمان بن عفان، فبينا هو كذلك إذ أقبل علي بن أبي طالب، فقال له جبريل: يا رسول الله هذا علي قد أقبل، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا جبريل هل له اسم في السماوات تعرفونه كما تعرفه أهل الأرض؟ " فقال: إي والذي بعثك بالحق بشيراً ونذيراً لاسمه في السموات أشهر من اسمه في الأرض، من أحب منكم أن ينظر إلى شيبة هارون فلينظر إلى شيبة علي بن أبي طالب. ثم ارتفع جبريل، فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائماً على قدميه، قال: " يا أيها الناس، قد أخبرني الروح الأمين بما هو كائن بعدي إلى يوم القيامة، ألا أيها الشاتم أبا بكرٍ فكأني بك قد جئتني تخوض بحار النيران، وقد سالت حدقتاك على خديك، فأُعْرِض عنك بوجهي،
وأنت أيها الشاتم عمر، أنت وربي بريء من الإسلام، وأنت أيها الشاتم عثمان بن عفان، وخَتَني على ابنتيّ، والذي قلت له: اللهم لا تنس له هذا اليوم، كأني بك قد جئتني في الأهوال المهيلة المهيبة، فأعرض بوجهي عنك، وأنت أيها الشاتم علياً، أخي وابن عمي، وخَتَني على بنتي والضارب بسيفي بين يدي لا نالتك شفاعتي ".
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو وزن إيمان أبي بكرٍ بإيمان أهل الأرض لرجح ".
والمحفوظ عن عمر قوله: لو وزن إيمان أبي بكرٍ بإيمان أهل الأرض لرجح بهم - وفي رواية: لرجح به.
عن الربيع بن أنس قال: نظرنا في صحابة الأنبياء، فما وجدنا نبياً كان له صاحب مثل أبي بكر الصديق.
عن ابن سيرين: أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق كان يوم بدرٍ مع المشركين، فلما أسلم قال لأبيه: لقد أهدفت لي يوم بدرٍ، فصدّقت عنك، ولم أقتلك، فقال أبو بكر: لكنك لو أهدفت لي لم أنصرف عنك.
قال عبد الله بن مسلم بن قتيبة: بتفسير هذا الحديث يقال: قوله أهدفت لي معناه: أشرفت لي، ومنه قيل للبناء المرتفع: هدف، وهدف الرامي منه، لأنه شيء ارتفع للرامي حتى يراه، وإن عبد الرحمن كره أن يقاتل أباه،
أو انصرف عنه هيبة له. وقول أبي بكر: لو أهدفت لي لم أصرف وجهي عنك؛ وهذا من أكبر فضائله؛ لأنه كان لا تأخذه في الله لومة لائم لما جعل الله في قلبه من جلالة الإيمان، وبهذا وصف الله أصحاب محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر. " الآية.
عن علي قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدرٍ ولأبي بكر: " مع أحدكما جبريل ومع الآخر ميكائيل، وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال، أو يكون في القتال " وفي رواية " في الصف ".
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أتاني جبريل، فقال لي: يا محمد، إن الله يأمرك أن تستشير أبا بكر ".
وعن معاذ بن جبلٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يكره فوق سمائه أن يخطئ أبو بكر ".
عن يعقوب الأنصاري قال: إن كانت حلقة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتشتبك حتى تصير كالإسوار، وإن مجلس أبي بكرٍ منها لفارغ ما يطمع فيه أحد من الناس، فإذا جاء أبو بكر جلس ذلك المجلس، وأقبل عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوجهه، وألقى إليه حديثه، وسمع الناس.
قال الزبير بن العوام: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك: " اللهم بارك لأمتي في أصحابي، فلا تسلبهم البركة، وبارك لأصحابي في أبي بكر الصديق، فلا تسلبه البركة، واجمعهم عليه، ولا تشتت أمره؛ فإنه لم يزل يؤثر أمرك على أمره، اللهم وأعز عمر بن الخطاب، وصبّر عثمان بن عفان، ووفق علي بن أبي
طالب، وثبت الزبير واغفر لطلحة، وسلم سعداً، ووقّر عبد الرحمن، وألحق بي السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والتابعين بإحسانٍ ".
عن سهل بن مالك الأنصاري قال: قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرجعه من حجته، اجتمع الناس إليه، فقال: " يا أيها الناس، إن أبا بكر لم يسؤني طرفة عين، فاعرفوا ذلك له، يا أيها الناس، إن الله راضٍ عن عمر بن الخطاب، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن، وسعد، فاعرفوا ذلك لهم، يا أيها الناس، إن الله قد غفر لأهل بدر والحديبية، يا أيها الناس دعوا لي أختاني وأصهاري، لا يطلبنكم الله بمظلمة أحدٍ منهم، فيعذبكم بها، فإنها مما لا يوهب، يا أيها الناس ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين، وإذا مات أحد منكم فاذكروا منه خيراً ".
عن أنسٍ قال: قالوا: يا رسول الله، أي الناس أحب إليك؟ قال: " عائشة " قالوا: إنما نعني من الرجال، قال: " أبوها ".
عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إني لمشتاق إلى إخواني " فقلنا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: " كلا أنتم أصحابي، وإخواني قوم يؤمنون بي ولم يروني " فجاء أبو بكر الصديق، فقال عمر: إنه قال: " إني لمشتاق إلى إخواني " فقلنا: ألسنا إخوانك؟ قال: " لا، إخواني قوم يؤمنون بي ولم يروني " فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا بكر، ألا تحب قوماً بلغهم أنك تحبني، فأحبوك بحبك إياي، فأحبهم أحبهم الله ".
وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متكئاً على عليٍ، وإذا أبو بكر وعمر قد أقبلا، فقال: " يا أبا الحسن، أحبهما، فبحبهما تدخل الجنة ".
عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يتكئ على يدي علي بن أبي طالبٍ، فاستقبله أبو بكر وعمر، فقال: " يا علي، أتحب هذين الشيخين؟ " قال: نعم يا رسول الله، قال: " حبهما يُدخِل الجنة ".
عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حبُّ أبي بكرٍ وشكره واجب على أمتي " - وفي رواية أخرى: " أمنُّ الناس عليّ في صحبته وذات يده أبو بكر الصديق، فحبه وشكره وحفظه واجب على أمتي ".
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حب أبي بكرٍ وعمر إيمان، وبغضهما كفر ".
عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يُبغِض أبا بكر وعمر مؤمن، ولا يحبهما منافق ".
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لما ولد أبو بكر الصديق أقبل الله تعالى على جنة عدنٍ، فقال: وعزتي وجلالي لا أُدخِلك إلا من يحب هذا المولود ".
عن أنسٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لما عرج بي جبريل رأيت في السماء خيلاً موقفةً مسرجةً ملجمةً، لا تروث ولا تبول، ولا تعرق، رؤوسها من الياقوت الأحمر، وحوافرها من الزمرد الأخضر، وأبدانها من العِقيان الأصفر، ذوات أجنحة، فقلت: لمن هذه؟ فقال جبريل: هذه لمحبي أبي بكر وعمر، يزورون الله عليها يوم القيامة ".
قال الخطيب: منكر.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن في السماء الدنيا ثمانين ألف ملكٍ يستغفرون الله لمن أحب أبا بكر وعمر، وفي السماء الثانية ثمانين ألف ملكٍ بلعنون من أبغض أبا بكر وعمر ".
عن ابن عباس قال:
كان أبو بكر الصديق مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الغار، فعطش أبو بكر عطشاً شديداً، فشكا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذهب إلى صدر الغار، واشرب " فانطلق أبو بكر إلى صدر الغار، وشرب منه ماء أحلى من العسل، وأبيض من اللبن، وأزكى رائحةً من المسك، ثم عاد إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: شربت يا رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا أبشرك يا أبا بكر؟ " قال: بلى، فداك أبي وأمي يا رسول الله، قال: " إن الله تعالى أمر الملك الموكل بأنهار الجنة أن خرق نهراً من جنة الفردوس إلى صدر الغار ليشرب أبو بكر " فقال أبو بكر: ولي عند الله هذه المنزلة؟ قال: " نعم، وأفضل، والذي بعثني بالحق نبياً لا يدخل الجنة مبغضك ولو كان له عمل سبعين نبياً ".
عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لكل نبي رفيق، وإن رفيقي في الجنة أبو بكر ".
وعن الزبير بن العوام قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم إنك جعلت أبا بكرٍ رفيقي في الغار فاجعله رفيقي في الجنة " عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا وأبو بكر في الجنة كهاتين " وضم السبابة والوسطى.
عن ابن مليكة قال: دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه غديراً، فقال: " ليسبح كل رجل إلى صاحبه "،
قال: فسبح كل رجلٍ منهم إلى صاحبه حتى بقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر، قال: فسبح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى اعتنقه، وقال: " لو كنت متخذاً خليلاً حتى ألقى الله لاتخذت أبا بكرٍ خليلاً، ولكنه صاحبي ".
عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الناس كلهم يحاسبون إلا أبا بكر " وفي رواية قالت: قلت: يا رسول الله أكل الناس تقف يوم القيامة للحساب؟ قال: " نعم، إلا أبا بكر فإن شاء مضى، وإن شاء وقف ".
عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أول من يعطى كتابه بيمينه من هذه الأمة عمر بن الخطاب، وله شعاع كشعاع الشمس، قيل: - وفي رواية فقيل له -: فأين أبو بكر يا رسول الله؟ قال: " هيهات! زفته الملائكة إلى الجنة زفاً - وفي رواية: تزفه الملائكة إلى الجنان ".
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كأني بك يا أبا بكرٍ على باب الجنة تشفع لأمتي ".
عن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يطلع عليكم رجل لم يخلق الله بعدي أحداً هو خير منه، ولا أفضل، وله شفاعة مثل شفاعة النبيين " فما برحنا حتى طلع أبو بكر الصديق فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقبله والتزمه.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من تحت العرش: ألا هاتوا أصحاب محمد، قال: فيؤتى بأبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، قال: فيقال لأبي بكر:
قف على باب الجنة، فأدخل الجنة من شئت برحمة الله، ودع من شئت بعلم الله، ويقال لعمر بن الخطاب: قف على الميزان، فثقِّل من شئت برحمة الله عز وجل وخفف من شئت بعلم الله، ويعطى عثمان بن عفان عصا آس التي غرسها الله عز وجل في الجنة ويقال له: ذد الناس عن الحوض ".
عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن على حوضي أربعة أركانٍ، فأول ركن منها في يد أبي بكرٍ، والركن الثاني في يد عمر، والركن الثالث في يد عثمان، والركن الرابع في يد عليٍ، فمن أحب أبا بكر وأبغض عمر، لم يسقه أبو بكر، ومن أحب عمر وأبغض أبا بكر لم يسقه عثمان، ومن أحب عثمان وأبغض علياَ لم يسقه عثمان، ومن أحب علياً وأبغض عثمان لم يسقه علي، ومن أحسن القول في أبي بكر فقد أقام الدين، ومن أحسن القول في عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحسن القول في عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحسن القول في علي فقد استمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن أحسن القول في أصحابي فهو مؤمن ".
عن معاذ بن جبلٍ قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان يوم القيامة نصب لإبراهيم منبر أما العرش، ونصب لي منبر أمام العرش، ونصب لأبي بكرٍ كرسي فيجلس عليها، وينادي منادٍ: يا لك من صديقٍ بين خليلٍ وحبيب ".
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" دخلت الجنة ليلة أسري بي، نظرت إلى برجٍ أعلاه نور، ووسطه نور، وأسفله نور، فقلت لحبيبي جبريل: لمن هذا البرج؟ فقال: هذا لأبي بكر الصديق ".
عن البراء بن عازب، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله اتخذ لإبراهيم في أعلى عليين قبةً من ياقوتةٍ بيضاء، معلقة بالقدرة،
تخترقها رياح الرحمة، للقبة أربعة آلاف باب، كلما اشتاق أبو بكر إلى الله انفتح منها باب ينظر إلى الله عز وجل ".
عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يتجلى للمؤمنين عامة ويتجلى لأبي بكرٍ خاصة ".
عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا بكرٍ، أعطاك الله الرضوان الأكبر " فقال أبو بكر: يا رسول الله، وما الرضوان الأكبر؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا بكر، إذا كان يوم القيامة يتجلى الجبار لأهل الجنة، فتراه وتراه أهل الجنة، ويتجلى لك خاصةً، فلا يراه مخلوق غيرك ".
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن في الجنة لطيراً كأشباه البُخْت " فقال أبو بكر: إن هذه لطير ناعمة! قال: " آكلها أنعم منها، وإني لأرجو أن تأكلها يا أبا بكر ".
عن علي قال: كنت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقبل أبو بكر وعمر، فقال: " يا علي، هذان سيدا كهول أهل الجنة وشبابها بعد النبيين والمرسلين، لا تخبرهما يا علي ".
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع في أفقٍ من آفاق السماء، ألا وإن أبا بكر وعمر منهم، وأنعما ".
قال محمد بن الجهم السمري: سألت الفراء عن قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث الدرجات العلى: " وأنعما " لم أدخلت الألف في آخر حرفٍ؟ فقال: معناه: وقد أنعما أي صارا إلى النعيم، وأنشد الفراء عن
بعض العرب يصف راعياً: من الطويل
سمين الضواحي لم تؤرّقه ليلةً ... وأنعم أبكار الهموم وعُونُها
معناه: لم تؤرقه أبكار الهموم وعونها ليلةً، وقد أنعم: صار إلى النعيم.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما مررت بسماء إلا رأيت فيها، مكتوب: محمد رسول الله، أبو بكرٍ الصديق ".
عن أنس بن مالك قال: جاء جبريل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عند الله عز وجل فقال له: يا محمد، إن الله يقرأ عليك السلام، فقال: " منه بدأ السلام " قال: إن الله يقول لك: " قل للعتيق ابن أبي قحافة إني عنه راضٍ ".
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى ".
عن أبي هريرة قال: لما نزلت: " لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي " قال أبو بكر: لا أرفع صوتي إلا كأخي السرار.
عن سعد بن زُرارة قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب، فالتفت التفاتةً، فلم يرَ أبا بكر، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبو بكر، أبو بكر أما إن روح القدس أخبرني آنفاً أن خير أمتك بعدك أبو بكر ".
عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله تعالى اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين، واختار لي من أصحابي أربعةً: أبا بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلياً، فجعلهم خير أصحابي، وفي كل أصحابي خير، واختار أمتي على سائر الأمم، واختار من أمتي أربعة قرون بعد أصحابي: القرن الأول، والثاني، والثالث تترى، والرابع فرادى ".
عن جابر بن عبد الله قال: رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا الدرداء يمشي أمام أبي بكرٍ، فقال له: " أتمشي قُدّام رجلٍ لم تطلع الشمس على أحدٍ منكم أفضل منه؟! " فما رئي أبو الدرداء بعد ذلك إلا خلف أبي بكر.
وعن أبي الدرادء أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما طلعت الشمس، ولا غربت على أحدٍ أفضل - أو خيرٍ - من أبي بكر إلا أن يكون نبياً ".
عن جابرٍ قال: كنا جماعة من المهاجرين والأنصار، فتذاكرنا الفضائل بيننا، فارتفعت أصواتنا، فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " لا تفضلن أحداً منكم على أبي بكر؛ فإنه أفضلكم في الدنيا والآخرة ".
عن أبي بكرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذات يوم:
" من رأى منكم رؤيا؟ " فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزاناً نزل من السماء،
فوزنت أنت بأبي بكر، فرجحت أنت بأبي بكر، ووزن عمر وأبو بكر فرجح أبو بكر، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم ارتفع الميزان، فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن عرفجة الأشجعي قال: صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفجر، ثم جلس: فقال: " وزن أصحابنا الليلة، وزن أبو بكر فوزن، ثم وزن عمر فوزن، ثم وزن عثمان فخف، وهو صالح ".
عن جابر بن عبد الله قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يدفن المرء في تربته التي خلق منها " فلما دفن أبو بكرٍ وعمر إلى جانب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمنا أنهما خلقا من تربته.
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أول من تنشق الأرض عنه أنا، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم آتي البقيع، فتنشق عنهم، ثم أنتظر أهل مكة، فتنشق عنهم، فأُبعث بينهم ".
عن عائشة قالت: كان بيني وبين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلام، فقال: " من ترضين أن يكون بيني وبينك، أترضين بأبي عبيدة بن الجراح؟ " قلت: لا، ذلك رجل هين لين، يقضي لك، قال: " فترضين بأبيك؟ " قال: فأرسل إلى أبي بكر، فجاء فقال: " اقصصي "، قالت: قلت: اقصص أنت، فقال: " هي كذا وكذا " قالت: فقلت: اقصد! فرفع أبو بكر يده فلطمني، قال: تقولين يا بنت فلانة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقصد! من يقصد إذا لم يقصد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قال: وجعل الدم يسيل من أنفها على ثيابها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنا لم نرد هذا " قال: وجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغسل الدم بيده من ثيابها ويقول: " رأيتِ كيف أنقذتك منه؟ ".
عن ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث أبا بكرٍ فأقام للناس حجهم - أو قال: فحج - ثم حج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالناس العام المقبل حجة الوداع، ثم قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستخلف أبو بكرٍ، فبعث أبو بكرٍ عمر بن الخطاب، فحج بالناس، ثم حج أبو بكرٍ في العام المقبل، ثم استخلف عمر، فبعث عبد الرحمن بن عوف، ثم حج عمر إمارته كلها، ثم استخلف عثمان، فبعث عبد الرحمن بن عوف، ثم حج عثمان إمارته كلها.
عن أبي جعفر قال: بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي بن أبي طالب ب " براءة " لما نزلت، فقرأها على أهل مكة، وبعث أبا بكر على الموسم.
قال الزبير بن بكار: ودفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سنة تسعٍ إلى أبي بكر الصديق رايته العظمى، وكانت سوداء، ولواؤه أبيض.
عن محمد بن إسحاق: أن أبا بكرٍ أقام للناس الحج سنة ثنتي عشرة، وبعض الناس يقول: لم يحج أبو بكر في خلافته، وأنه بعث في سنة ثنتي عشرة على الموسم عمر بن الخطاب، أو عبد الرحمن بن عوف.
عن عروة بن الزبير: أن أبا بكر الصديق أحج على الناس سنةً عمر بن الخطاب، والسنة الثانية عتاب بن أسيد القرشي.
عن ابن شهاب قال: رأى النبي رؤيا، فقصها على أبي بكرٍ، فقال: " يا أبا بكر، رأيت كأني استبقت أنا وأنت درجة، فسبقتك بمرقاتين ونصف " قال: خير يا رسول الله، يبقيك الله حتى
ترى ما يسرك، ويقر عينك، قال: فأعاد عليه مثل ذلك ثلاث مراتٍ، فأعاد عليه مثل ذلك، قال: فقال له في الثالثة: " يا أبا بكر، رأيت كأني استبقت أنا وأنت درجة، فسبقتك بمرقاتين ونصف " قال: يا رسول الله، يقبضك الله إلى رحمته ومغفرته، وأعيش بعدك سنتين ونصف.
عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمرت أن أؤول الرؤيا أبا بكر ".
عن سفينة قال: لما بنى النبي المسجد وضع حجراً، ثم قال: " ليضع أبو بكر حجراً إلى جنب حجري " ثم قال: " ليضع عمر حجراً إلى جنب أبي بكر " ثم قال: " ليضع عثمان حجره إلى جنب حجر عمر " ثم قال: " هؤلاء الخلفاء بعدي ".
عن زرعة بن عمرو، عن أبيه قال:
لما قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة قال لأصحابه: " انطلقوا بنا إلى أهل قباء نسلم عليهم " فلما أتاهم سلم عليهم، ورحبوا به، فقال: " يا أهل قباء، إيتوني بحجارة من هذه الحرة " فجمعت عنده، فخط بها قبلتهم، فأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجراً، فوضعه، ثم قال: " يا أبا بكر، خذ حجراً فضعه إلى جنب حجري " ففعل، ثم قال: " يا عمر، خذ حجراً فضعه إلى جنب حجر أبي بكر " ففعل، ثم قال: " يا عثمان خذ حجراً فضعه إلى جنب حجر عمر "، ففعل ثم التفت إلى الناس بأخرة فقال: " وضع رجل حجره حيث أحب على هذا الخط ".
عن جبير بن مطعم: أن امرأة أتت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسأله شيئاً، فقال لها: " ارجعي إلي " قالت: فإن
رجعت فلم أجدك يا رسول الله - تعرِّض بالموت -؟ فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإن رجعت فلم تجديني فالقي أبا بكر ".
قال الزبير بن العوام - وذكر عنده أبو بكر -: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الخليفة بعدي أبو بكر، ثم عمر " قال: فقمنا سنة حتى دخلنا على علي بن أبي طالب فقلنا: يا أمير المؤمنين إنا سمعنا الزبير بن العوام يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الخليفة بعدي أبو بكر، ثم عمر " فقال: صدق، سمعت ذاك من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حائط، فاستفتح رجل، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائذن له، وبشره بالجنة، وأخبره أنه سيلي أمتي من بعدي " ففعلت، فإذا هو أبو بكر، ثم استفتح رجل، فقال: " قم يا أنس، فافتح له، وبشره بالجنة، وأخبره أنه سيلي أمتي من بعدي ومن بعد أبي بكر " فإذا هو عمر، فأخبرته، ثم جاء آخر، فدق فقال: " يا أنس فافتح له وبشره بالجنة، وأخبره أنه سيلي أمتي من بعد عمر، وأنه سيلقى من الرعية الشدة، حتى يبلغوا دمه، وأمره عند ذلك بالكف " فقمت، فإذا هو عثمان، فأخبرته فحمد الله، فلما أخبرته أنهم سيبلغون دمه استرجع.
عن ابن عباس قال: والله إن إمارة أبي بكر وعمر لفي الكتاب " وإذ أسر النبي لبعض أزواجه حديثاً " فقال لحفصة: " أبوك وأبو عائشة واليا الناس بعدي ".
عن ميمون بن مهران: في قوله تعالى: " وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه، وجبريل، وصالح المؤمنين " أبو بكر وعمر.
عن عبد الله بن جراد قال: أتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفرسٍ، فركبه، وقال: " يركب هذا الفرس من يكون الخليفة من بعدي " فركبه أبو بكر الصديق.
عن عبد الله بن عباس قال: لما نزلت: " إذا جاء نصر الله والفتح " جاء العباس إلى علي، فقال: قم بنا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصار إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسألاه عن ذلك، فقال: " يا عباس، يا عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله ووحيه فاسمعوا له تفلحوا، وأطيعوه ترشدوا " قال العباس: فأطاعوه والله فرشدوا.
عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقتدوا باللذين من بعدي: أبو بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد ".
عن عبد الله بن مسعود، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لو كنت متخذاً أحداً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله، وإن القرآن أنزل على سبعة أحرف، ولكل آيةٍ منها ظهر وبطن، ولكل حرف حد، ولكل حد مطلع ".
وعن ابن عباس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال وهو على المنبر في مرضه الذي توفي فيه: " لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكرٍ خليلاً، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا علي كل خوخةٍ غير خوخة أبي بكر ".
عن سعيد بن جبير قال: كتب عبد الله بن عتبة إلى ابن الزبير يستفتيه في الجد، فقال سعيد: فقرأت كتابه إليه: أما بعد، فإنك كتبت إلي تستفتني في الجد، وإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لو كنت متخذاً خليلاً من أمتي لاتخذت أبا بكر، ولكنه أخي في الدين، وصاحبي في الغار " وإن أبا بكر كان ينزله بمنزلة الوالد، وإن أحق من اقتدينا به بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر.
عن أبي سعيد الخدري قال:
خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه الذي مات فيه، وهو عاصب رأسه، قال: فأتبعته حتى صعد المنبر فقال: " إني الساعة لقائم على الحوض " قال: ثم قال: " إن عبداً عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة " فلم يفطن لها أحد من القوم إلا أبو بكر، فقال: بأبي أنت وأمي، بل نفديك بأموالنا وأنفسنا وأولادنا، قال: ثم هبط رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المنبر فما رئي عليه حتى الساعة.
عن كعب بن مالك قال: إن أحدث عهدي بنبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل وفاته بخمس ليالٍ، دخلت عليه وهو يقلب يديه وهو يقول: " لم يكن نبي كان قبلي إلا وقد اتخذ من أمته خليلاً، وإن خليلي من أمتي أبو بكر بن أبي قحافة، ألا وإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ".
عن عائشة قالت: أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نغسله بسبع قرب من سبع آبار، ففعلنا ذلك، فوجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راحة، فخرج فصلى بالناس، فاستغفر لأهل أُحُدٍ، ودعا لهم، وأوصى بالأنصار فقال: " أما بعد، يا معشر المهاجرين فإنكم تزيدون وأصبحت الأنصار لا تزيد، على هيئتها التي هي عليها اليوم، وإن الأنصار عيبتي التي أويت إليها،
فأكرموا كريمهم - يعني محسنهم - وتجاوزوا عن مسيئهم " ثم قال: " إن عبداً من عباد الله خير ما بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله " فبكى أبو بكر، وظن أنه يريد نفسه، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " على رسلك يا أبا بكر! سدوا هذه الأبواب الشوارع في المسجد إلا باب أبي بكر، فإني لا أعلم امرأً أفضل عندي يداً في الصحبة من أبي بكر ".
وعن أبي الأحوص حكيم بن عمير العنسي: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال عندما أمر به من سد تلك الأبواب إلا باب أبي بكر، وقال: " ليس منها باب إلا وعليه ظلمة إلا ما كان من باب أبي بكر، فإن عليه نوراً ".
وعن عائشة قالت: لما ثَقُل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء بلال يؤذنه بالصلاة، قالت: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مروا أبا بكرٍ فليصل بالناس " قالت: فقلت: يا رسول الله إن أبا بكرٍ رجل أسيف، فلو أمرت عمر! قالت: فقال: " مروا أبا بكر فليصل بالناس " قالت: فقلت لحفصة: قولي له: إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر، قالت: فقالت له حفصة، قالت: فقال: " إنكن لأنتن صواحبات يوسف " فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيراً! قالت: وأمر أبا بكر فصلى بالناس، فلما دخل أبو بكرٍ في الصلاة وجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نفسه خِفةً، فقام يُهادى بين رجلين، وإن رجليه لتخُطان في الأرض حتى دخل المسجد، فلما سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر، فأومأ إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أقم مكانك، قالت: فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى جلس عن يسار أبي بكرٍ، قالت: فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي بالناس قاعداً وأبو بكر قائماً، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والناس يقتدون بصلاة أبي بكر.
وعن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليصل أبو بكر بالناس " قالوا: يا رسول الله، لو أمرت غيره أن يصلي، قال: " لا ينبغي لأمتي أن يؤمهم إمام وفيهم أبو بكر ".
عن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد قال: لما استعز برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنا عنده في نفرٍ من المسلمين قال: دعا بلال للصلاة، فقال: " مروا من يصلي بالناس " قال: فخرجت، فإذا عمر في الناس، وكان أبو بكرٍ غائباً، فقال: قم يا عمر فصل بالناس، قال: فقام، فلما كبر عمر سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوته، وكان عمر رجلاً مُجهراً، قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فأين أبو بكر؟ يأبى الله ذلك والمسلمون، يأبى الله ذلك والمسلمون " قال: فبعث إلى أبي بكر، فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة، فصلى بالناس.
قال: وقال عبد الله بن زمعة: قال لي عمر: ويحك! ماذا صنعت بي يا بن زمعة؟ والله ما ظننت حين أمرتني إلا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرك بذلك، ولولا ذلك ما صليت بالناس! قال: قلت: والله ما أمرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق من حضر بالصلاة.
عن أنس بن مالك قال:
لم يخرج إلينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثاً، فأقيمت الصلاة، فذهب أبو بكرٍ يصلي بالناس، فرفع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحجاب، فما رأينا منظراً أعجب إلينا منه، حيث وضح لنا وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأومأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أبي بكر أن تقدم، وأرخى نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحجاب، فلم يوصل إليه حتى مات.
قالت حفصة بنت عمر لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا أنت مرضت قدَّمت أبا بكر، قال: " لست أنا الذي أقدمه ولكن الله يقدمه ".
عن الشعبي أنه قال: خص الله تبارك وتعالى أبا بكرٍ الصديق بأربع خصالٍ لم يخصص بها أحداً من الناس: سماه الصديق ولم يسم أحداً الصديق غيره، وهو صاحب الغار مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورفيقه في الهجرة، وأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصلاة، والمسلمون شهود.
قالت عائشة: وارأساه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن كان وأنا حي، فأستغفر لكِ وأدعو لكِ " قالت عائشة: واثكلاه، والله إني لأظنك تحب موتي، ولو كان ذلك لظللت معرِّساً ببعض أزواجك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بل أنا وارأساه، لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكرٍ وابنه، فأعهد إليه: أن يقول القائلون، ويتمناه المتمنون ".
عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائتوني بأديمٍ ودواةٍ - أو كتفٍ ودواةٍ - فأكتب لأبي بكرٍ كتاباً لا يختلف عليه اثنان " ثم قال: " دعوه، معاذ الله أن يختلفوا في أبي بكرٍ - مرتين ".
وعن عائشة قالت: قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يستخلف أحداً، ولو كان مستخلفاً أحداً لاستخلف أبا بكرٍ أو عمر.
عن عبد الله قال: لما قُبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت الأنصار: منا أمير، ومنكم أمير، فأتاهم عمر ابن الخطاب، فقال: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أمر أبا بكرٍ أن يؤم الناس؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكرٍ؟ ".
عن حميد بن عبد الرحمن قال: توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكرٍ في طائفةٍ من المدينة، قال: فجاء فكشف عن وجهه فقبله، وقال: فداك أبي وأمي، ما أطيبك حياً وميتاً! مات محمد، ورب الكعبة.
قال: فانطلق أبو بكر وعمر يتقاودان، حتى أتوهم، فتكلم أبو بكرٍ، فلم يترك شيئاً أنزل في الأنصار، ولا ذكره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من شأنهم إلا ذكره، وقال: لقد علمتم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لو سلك الناس وادياً، وسلكت الأنصار وادياً سلكت وادي الأنصار " ولقد علمتَ يا سعد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال وأنت قاعد: " قريش ولاة هذا الأمر فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم "، فقال له سعد: صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء.
وفي رواية عن عائشة: قال عمر: والله ما مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاء أبو بكر، فكشف عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقبله وقال: بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً، وقال: أيها الحالف على رسلك، فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقال " إنك ميت وإنهم ميتون " وقال " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " فنشج الناس يبكون.
عن أبي البختري قال: قال عمر لأبي عبيدة بن الجراح: ابسط يدك حتى أبايعك، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أنت أمين هذه الأمة " فقال أبو عبيدة: ما كنت لأتقدم بين يدي رجلٍ أمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يؤمنا، فأمنا حتى مات.
عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مات، وأبو بكر بالسنخ - يعني بالعالية - واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقال أبو بكر: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، فقال عمر: نبايعك، أنت سيدنا، وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبايعه وبايعه الناس.
نا ابن عون عن محمد: أن أبا بكر قال لعمر: ابسط يدك نبايع لك، فقال له عمر: أنت أفضل مني، فقال له أبو بكر: أنت أقوى مني، فقال له عمر: فإن قوتي لك مع فضلك، فبايعه.
قال القاسم بن محمد:
فلما اجتمع الناس على أبي بكرٍ قسم بين الناس قسماً، فبعث إلى عجوز من بني عدي بن النجار بقسمها مع زيد بن ثابت، فقالت: ما هذا؟ قال: قسم قسمه أبو بكر للنساء، فقالت: أتراشوني عن ديني؟ فقالوا: لا، فقالت: أتخافون أن أدع ما أنا عليه؟ فقالوا: لا، قالت: فوالله لا آخذ منه شيئاً أبداً! فرجع زيد إلى أبي بكر فأخبره بما قالت، فقال أبو بكر: ونحن لا نأخذ مما أعطيناها شيئاً أبداً.
قال عمر بن الخطاب: وكنت أول الناس أخذ بيد أبي بكر، فبايعته إلا رجل من الأنصار أدخل يده من خلفي، من بين يدي ويده، فبايعه قبلي.
قال عثمان بن عفان: إن أبا بكر الصديق أحق الناس بها - يعني بالخلافة - إنه لصدّيق، وثاني اثنين، وصاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن أبي سعيد الخدري قال: قُبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واجتمع الناس في دار سعد بن عبادة، وفيهم أبو بكر وعمر، قال: فقام خطيب الأنصار فقال: أتعلمون أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان من المهاجرين، وخليفته من المهاجرين، ونحن كنا أنصار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنحن أنصار خليفته، كما كنا أنصاره، قال: فقام عمر بن الخطاب، فقال: صدق قائلكم، أما لو قلتم غير هذا لم نتابعكم، فأخذ بيد أبي بكر، وقال: هذا صاحبكم فبايعوه، وبايعه عمر، وبايعه المهاجرون والأنصار.
قال: فصعد أبو بكرٍ المنبر، فنظر في وجوه القوم، فلم ير الزبير، قال: فدعا الزبير، فجاء، فقال: قلت: ابن عمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحواريه، أردت أن تشق عصا المسلمين، قال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقام، فبايعه، ثم نظر في وجوه
القوم، فلم ير علياً، فدعا بعلي بن أبي طالب، فجاء، فقال: قلت: ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وختنه على ابنته، أردت أن تشق عصا المسلمين، قال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبايعه.
قال محمد بن إسحاق بن خزيمة: جاءني مسلم بن الحجاج، فسألني عن هذا الحديث، فكتبت له في رقعة، وقرأت عليه، وقال: هذا حديث يسوى بدنة، فقلت: يسوى بدنة؟! بل هذا يسوى بدرة.
وفي رواية أخرى عن أبي سعيد الخدري، في صدر الحديث: لما توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام خطباء الأنصار، فجعل منهم من يقول - وفي رواية: فجعل الرجل منهم يقول: - يا معشر المهاجرين، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا استعمل رجلاً منكم قرن معه رجلاً منا، فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان؛ أحدهما منكم، والآخر منا، قال: فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك.
عن عبد الله بن عباس قال: كنت أقرئ عبد الرحمن بن عوف، فالتسمته يوماً، فلم أجده، فانتظرته في بيته حتى رجع من عند عمر، فلما رجع قال: لو رأيت رجلاً آنفاً قال لعمر كذا وكذا، وهو يومئذٍ بمنى في آخر حجةٍ حجها عمر، فذكر عبد الرحمن لابن عباس أن رجلاً أتى عمر؛ فأخبره أن رجلاً قال: والله لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً، قال عمر حين بلغه ذلك: إني لقائم - إن شاء الله - في الناس، فمحذرهم الذين يغصبون الأمة أمرهم، قال عبد الرحمن: قلت: يا أمير المؤمنين، لا تفعل ذلك يومك، فإن الموسم يجمع رعاع الناس، وغوغائهم، وإنهم هم الذين يغلبون على مجلسك، فأخشى إن قلت فيهم اليوم مقالةً أن يطيروا بها، ولا يعوها، ولا يضعوها على مواضعها، أمهل حتى تقدم المدينة؛ فإنها دار الهجرة والسنة، وتخلص بعلماء الناس وأشرافهم، فتقول ما قلت متمكناً، فيعوا مقالتك، ويضعوها مواضعها.
فقال عمر: والله لئن قدمت المدينة صالحاً لأكلمن بها الناس في أول مقامٍ أقومه.
قال ابن عباس:
فلما قدمنا المدينة في عقب ذي الحجة، وذاك يوم الجمعة هجرت، فوجدت سعيد بن
زيد قد سبقني بالتهجير، فجلست إلى ركنٍ جانب المنبر، فجلس إلى جنبي تمس ركبتي ركبته، فلم ينشب عمر أن خرج، فأقبل يوم المنبر، فقلت لسعيد بن زيد، وعمر مقبل: أما والله ليقولن أمير المؤمنين على هذا المنبر مقالةً لم يقلها أحد قبله، فأنكر ذلك سعيد، وقال: ما عسى أن يقول أحد قبله!؟ فلما جلس على المنبر أذّن المؤذن، فلما أن سكت قام عمر، فتشهد، وأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإني قائل لكم مقالة قد قُدِّر لي أن أقولها، ولعلها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي ألا يعيها فلا أحل له أن يكذب علي: إن الله بعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنزل عليه الكتاب، وكان مما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها، وعقلناها، ووعيناها، ورجم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله عز وجل، فتُترك فريضة أنزلها الله عز وجل، فإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أُحصن من الرجال والنساء، إذا قامت عليه بينة، أو كان الحَبَل، أو الاعتراف، ثم إنا قد كنا نقرأ ألا ترغبوا عن آبائكم، فإن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم، ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تطروني كما أُطري ابن مريم عليه السلام، فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله "، ثم إنه بلغني أن فلاناً منكم يقول: والله لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً، فلا يغترن امرؤ أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتةً فتمت فإنها قد كانت كذلك إلا أن الله عز وجل وقى شرها، وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر، وإنه كان من خيرنا حين توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إن علياً، والزبير، ومن معهما تخلفوا عنا، وتخلفت الأنصار عنا بأسرها، فاجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فبينا نحن في منزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رجل ينادي من وراء الجدار: اخرج إلي يابن الخطاب، فقلت: إليك عني فإنا عنك مشاغيل، فقال: إنه قد حدث أمر لا بد منك فيه، إن الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، فأدركوهم قبل أن يحدثوا أمراً يكون بيننا وبينهم فيه
حرب، فقلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا من هؤلاء الأنصار، فانطلقنا نؤمهم، فلقيت أبا عبيدة بن الجراح، فأخذ أبو بكر بيده، فمشى بيني وبينه، حتى إذا دنونا منهم لقينا رجلان صالحان، فذكرا الذي صنع القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلت: نريد إخواننا من هؤلاء الأنصار، فقالا: لا عليكم ألا تقربوهم يا معشر المهاجرين، اقضوا أمركم، فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى أتيناهم، فإذا هم جميع في سقيفة بني ساعدة، وإذا بين أظهارهم رجل مزمل، قلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة، قلت: ماله؟ قالوا: هو وَجِع، فلما جلس تكلم خطيب الأنصار، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فنحن أنصار الله، وكتيبة الإسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهط منا، فقد دفت دافة من قومكم.
قال عمر: فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا، ويحصنونا من الأمر، فلما قضى مقالته أردت أن أتكلم، قال: وكنت قد زوَّرت مقالة أعجبتني أريد أن أقوم بها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحدة، فلما أردت أن أتكلم، قال أبو بكر: على رسلك، فكرهت أن أغضبه - فتكلم أبو بكر، وهو كان أحلم مني، وأوقر، والله ما ترك من كلمةٍ أعجبتني في تزويري إلا تكلم بمثلها، أو أفضل في بديهته حتى سكت - فتشهد أبو بكرٍ، وأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال:
أما بعد، أيها الأنصار، فما ذكرتم فيكم من خيرٍ فأنتم أهله، ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم، فأخذ بيدي، وبيد أبي عبيدة بن الجراح، فلم أكره مما قال غيرها، كان والله أن أقدم، فتضرب عنقي، لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من
أن أؤمر على قومٍ فيهم أبو بكر، إلا أن تغتر نفسي عند الموت، فلما قضى أبو بكر مقالته قال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، منا أمير، ومنكم أمير، يا معشر قريش، قال عمر: فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى أشفقت الاختلاف، قلت: ابسط يدك يا أبا بكرٍ، فبسط أبو بكر يده، فبايعته، وبايعه المهاجرون، والأنصار، فنزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل من الأنصار: قتلتم سعداً، قال عمر: فقلت وأنا مغضب: قتل الله سعداً، فإنه صاحب فتنة وشرٍّ، وإنا ما رأينا فيما حضر من أمرنا أمراً أقوى من بيعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم قبل أن تكون بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعةً، فإما أن نبايعهم على ما لا نرضى، وإما أن نخالفهم فيكون فساداً، فلا يغترن امرؤ أن يقول: إن بيعة أبي بكرٍ كانت فلتةً فتمت، فقد كانت فلتة ولكن الله وقى شرها، ألا وإنه ليس فيكم اليوم مثل أبي بكر.
عن حميد بن منهب قال: زرت الحسن بن أبي الحسن، فخلوت به، فقلت له: يا أبا سعيد، أما ترى ما الناس فيه من الاختلاف؟ فقال لي: يا أبا بحير، أصلح أمر الناس أربعة، وأفسده اثنان، أما الذين أصلحوا أمر الناس: فعمر بن الخطاب يوم سقيفة ساعدة حيث قالت قريش: منا أمير، وقالت الأنصار: منا أمير، فقال لهم عمر بن الخطاب: ألستم تعلمون أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الأئمة من قريش؟ " قالوا: بلى، قال: أولستم تعلمون أنه أمر أبا بكر يصلي بالناس؟ قالوا: بلى، قال: فأيكم يتقدم أبا بكر؟ قالوا: لا أحد، فسلمت لهم الأنصار، ولولا ما احتج به عمر من ذلك لتنازع الناس هذه الخلافة إلى يوم القيامة! وأبو بكر الصديق حيث ارتدت العرب، فشاور فيهم الناس، فكلهم أشار عليه بأن يقبل
منهم الصلاة، ويدع الزكاة، فقال: والله لو منعوني عقالاً مما كانوا يعطونه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجاهدتهم، ولولا ما فعل أبو بكر من ذلك لألحد الناس في الزكاة إلى يوم القيامة! وعثمان بن عفان حيث جمع الناس على هذه القراءة، وقد كانوا يقرؤونه على سبعة أحرفٍ؛ فكان هؤلاء يلقون هؤلاء، فيقولون: قراءتنا أفضل من قراءتكم، حتى كاد بعضهم أن يكفر بعضاً، فجمعهم عثمان على هذا الحرف، ولولا ما فعل عثمان من ذلك لألحد الناس في القرآن إلى يوم القيامة، وعلي بن أبي طالب حيث قاتل أهل البصرة، فلما فرغ منهم قسم بين أصحابه ما حوى عسكرهم، فقالوا له: يا أمير المؤمنين، ألا تقسم بيننا إماءهم ونساءهم؟ فقال: أيكم يأخذ عائشة في سهمه؟ قالوا: ومن يأخذ أم المؤمنين في سهمه؟! قال: أفرأيتم هؤلاء اللواتي قتل عنهن أزواجهن، أيعتددن أربعة أشهرٍ وعشراً، ويورَّثن الربع والثمن؟ قالوا: نعم، قال: فما أراهن إماءً؟ ولو كن إماءً لم يعتددن، ولم يورَّثن. ولولا ما فعل علي من ذلك لم تعلم الناس كيف تقاتل أهل القبلة.
وأما اللذان أفسدا أمر الناس: فعمرو بن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف، فحكمت الخوارج، فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة، والمغيرة بن شعبة، فإنه كان عامل معاوية على الكوفة، فكتب إليه معاوية: إذا قرأت كتابي هذا فأقبل معزولاً، فأبطأ في مسيره، فلما ورد عليه قال له: يا مغيرة، ما الذي أبطأ بك؟ قال: أمر، والله كنت أوطئه وأهّيئه، قال: وما هو؟ قال: البيعة ليزيد من بعدك، قال: أوفعلت؟ قال: نعم، قال: ارجع إلى عملك! فلما خرج من عند معاوية قال له أصحابه: ما وراءك يا مغيرة؟ قال: ورائي، والله أني وضعت رجل معاوية في غرز بغيٍ لا يزال فيه إلى يوم القيامة.
قال الحسن: فمن أجل ذلك بايع هؤلاء لآبائهم، ولولا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة.
عن أنس بن مالك قال: لقد رأيت عمر يزعج أبا بكرٍ إلى المنبر إزعاجاً.
عن عائشة قالت:
توفيت فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد وفاة أبيها بستة أشهرٍ، فاجتمع إلى علي أهل بيته، فبعثوا إلى أبي بكرٍ: ائتنا، فقال عمر: والله لا تأتيهم، فقال أبو بكر: والله لأتينهم، وما تخاف علي منهم؟ فجاءهم حتى دخل عليهم، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى عليه، ثم قال: إني قد عرفت أنكم قد وجدتم عليَّ في أنفسكم من هذه الصدقات التي وليت عليكم، ووالله ما صنعت ذلك إلا لأني لم أكن أريد أن أكل شيئاً من أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كنت أرى أثرة فيه وعمله، إلى غيري حتى أسلك به سبيله، وأنفذه فيما جعله الله، ووالله لأن أصلكم أحب إلي من أن أصل أهل قرابتي، لقرابتكم من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولعظيم حقه الذي جعله له على كل مسلم.
ثم تشهد علي، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: يا أبا بكر والله ما نفسنا عليك خيراً قسمه الله لك ألاّ أن تكون أهلاً لما أسند إليك في صحبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسنك، وفضلك؛ ولكنا قد كنا من الأمر حيث قد علمت، فتقوّل به علينا، فوجدنا في أنفسنا. وقد رأيت أن أبايع، وأدخل فيما دخل فيه الناس، وإذا كان العشية، فصلِّ بالناس الظهر، واجلس على المنبر حتى آتيك، فأبايعك.
فلما صلى أبو بكر الظهر ركب المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر الذي كان من أمر علي وما دخل فيه من أمر الجماعة والبيعة، وها هو ذا فاسمعوا منه.
فقام علي فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر أبا بكرٍ، وفضله وسنه، وأنه أهل لما ساق الله إليه من خيرٍ، ثم قام إلى أبي بكرٍ، فبايعه، فلا ترى مثلما قال الناس: جزاك الله يا أبا حسنٍ خيراً؛ فقد أحسنت وأجملت حتى لم تصدع عصا المسلمين، ولم تفرق جماعتهم، فدخل فيما دخلوا فيه، ثم انصرف.
عن صعصعة بن صوحان قال: دخلنا على علي بن أبي طالب حين ضربه ابن ملجم، فقلنا: يا أمير المؤمنين، استخلف علينا، قال: لا، ولكن أترككم كما تركنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ دخلنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلنا: يا رسول الله، استخلف علينا، فقال: " لا، إن يعلم الله عز وجل فيكم خيراً يول عليكم خياركم " قال علي: فعلم الله فينا خيراً فولى علينا أبا بكر.
عن أبي الزناد قال: أقبل رجل يتخلص الناس حتى وقف على علي بن أبي طالب، فقال: يا أمير المؤمنين ما بال المهاجرين والأنصار قدموا أبا بكرٍ، وأنت أوفى منه منقبة، وأقدم منه سلماً، وأسبق سابقةً، قال: إن كنت قرشياً فأحسبك من عائذة، قال: نعم، قال: لولا أن المؤمن عائذ الله لقتلتك، إن أبا بكر سبقني إلى أربع، لم أبزهن ولم أعتض منهن: سبقني إلى الإمامة، وتقديم الهجرة، وإلى الغار، وإفشاء الإسلام.
عن عمرو بن شقيق الثقفي قال: لما فرغ علي من الجمل قال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعهد إلينا في الإمارة شيئاً، ولكنه رأي رأيناه، فإن يك صواباً فمن الله، وإن يكن خطأً من قبلنا: ولي أبو بكرٍ، فأقام واستقام، ثم ولي عمر، فأقام واستقام حتى ضرب الإسلام بجرانه، ثم إن أقواماً طلبوا الدنيا فيعفو الله عمن يشاء، ويعذب الله من يشاء.
عن عبد الله بن مسعود: إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمدٍ خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد بعد قلبه، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رآه المؤمنون حسناً، فهو عند الله حسن، وما رآه المؤمنون سيئاً فهو عند الله سيئ.
قال ابن عياش: وأنا أقول: إنهم قد رأوا أن يولوا أبا بكرٍ بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن ابن أبي مليكة قال: قيل لأبي بكر: يا خليفة الله، قال: أنا خليفة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنا راضٍ بذلك، وكره أن يقال: خليفة الله تعالى.
قال عبد الله بن محمد بن عثمان الحافظ:
الذين وقع عليهم اسم الخلافة ثلاثة، قال الله عز وجل لآدم: " إني جاعل في الأرض خليفة " قال ابن عباس: فأخرجه الله من الجنة قبل أن يدخله فيها، لأنه خليفة الأرض، خليفة فيها، وقوله تعالى لداود: " يا داود إنا جعلناك خليفةً في الأرض " وأجمع المهاجرون والأنصار على خلافة أبي بكر، وقالوا له: يا خليفة رسول الله، ولم يسم أحد بعده خليفةً، ويقال: إنه قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ثلاثين ألف مسلم، كل قال لأبي بكر: يا خليفة رسول الله، ورضوا به ومن بعده، رضي الله عنهم.
قال أبو بكرة: أتيت عمر وبين يديه قوم يأكلون، فرمي ببصره في مؤخر القوم إلى رجلٍ، فقال: ما تجد فيما تقرأ قبلك من الكتب؟ قال: خليفة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدّيقه.
عن ابن عباس قال: أبو بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على كل مؤمنٍ ومؤمنة.
وقال الحسن: والله الذي لا إله إلا هو لقد استخلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر.
قال أبو بكر بن عياش: أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القرآن، لأن الله تعالى يقول: " للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، وينصرون
الله ورسوله أولئك هم الصادقون " فمن سماه صادقاً فليس يكذب، هم قالوا: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن معاوية بن قرة قال: ما كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشكون أن أبا بكرٍ خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما كانوا يسمونه إلا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما كانوا يجتمعون على خطأ أو ضلالة، وما كانوا يكتبون إلا إلى أبي بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما كان يكتب إلا من أبي بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما زالوا كذلك حتى توفي، فلما كان عمر بن الخطاب أرادوا أن يقولوا خليفة خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال عمر: هذا يطول، قالوا: لا، ولكنا أمرناك علينا، فأنت أميرنا، قال: نعم، أنتم المؤمنون، وأنا أميركم، فكتب: أمير المؤمنين.
قال سفيان: ما أحسب أن الله يقبل لمن أساء الظن بالمهاجرين الأولين من تقدمة أبي بكر وعمر صوماً، ولا صلاة ولا يصعد له إلى السماء عمل.
عن شيخ من أهل الكوفة قال: لما بويع أبو بكر واستقام أمور الناس أنشأ رجل من قريشٍ يكنى أبا عمرة يقول في ذلك: من الكامل
شكراً لمن هو بالثناء حقيق ... ذهب الحِجاج، وبويع الصديق
من بعدما دحضت بسعدٍ بغلة ... ورجا رجاءً دونه العيوق
حفت به الأنصار عاصب رأسه ... فأتاهم الصديق والفاروق
وأبو عبيدة والذين إليهم ... نفس المؤمل للبقاء تتوق
بالحق إذ طلبوا الخلافة زلة ... لم يخط مثل خطائهم مخلوق
فتداركوها بالصواب فبايعوا ... بعد التي فيها لنا تحقيق
إن الخلافة في قريشٍ ما لكم ... فيها ورب محمدٍ تعريق
عن رافع بن أبي رافع قال:
كنت رجلاً أغير على الناس، وأدفن الماء في أدحي النعام، فأستافه حتى أمر عليه بالفلاة، فأستثيره فلما كانت غزوة ذات السلاسل بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيشاً، واستعمل عليهم عمرو بن العاص - وهي التي يفخر بها أهل الشام - وفيهم أبو بكر الصديق وأمرهم أن يستنفروا من مروا عليه من المسلمين، فمروا علينا في منازلنا، فاستنفرونا، فقلت: والله لأختارن لنفسي رجلاً فلأصحبنه، قال: فصحبت أبا بكر، قال: وكان له كساء فدكي، كان إذا ركب خله عليه، وإذا نزل لبسناه جميعاً، وهو الذي عيرته به هوازن، فقالوا: إذا الخلال نبايع بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!؟ قال: فقضينا غزاتنا، ثم رجعت، فقلت: يا أبا بكر، إني قد صحبتك، وإن لي عليك حقاً، فأحب أن توصيني؛ فإني لست كل ساعة أستطيع أن آتي المدينة، قال: قد أردت أن أفعل ذلك، ولو لم تقله؛ اعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وأقم الصلاة، وآتي الزكاة، وحج البيت وصم رمضان، ولا تأمرن على رجلين، قال: قلت: هذا: أعبُد الله وأقيم الصلاة وأؤتي الزكاة وأحج البيت وأصوم رمضان، أرأيت قولك: ولا تأمرن على رجلين؟ فوالله ما يصيب الناس الخير والشرف إلا في الإمارة في الدنيا! قال: إنك استجهدتني فجهدت لك؛ إن الناس دخلوا في الإسلام طوعاً وكرهاً، فهم عواذ الله، وجيران الله، وفي ذمة الله، فمن ظلم أحداً منهم فإنما يخفر ذمة الله، وإن أحدكم لتؤخذ شاة جاره وبعير جاره فيظل ناتئ عضله لجاره، والله من وراء جاره.
فلما قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستخلف أبو بكر. قال: قلت: صاحبي الذي قال لي ما قال
لآتينه، قال: فأتيت المدينة، فالتمست خلوته حتى أتيته، قال: فسلمت عليه، وتعرفت إليه، فعرفني، فقلت له: أما تذكر قولاً قلته لي؟ قال: وما هو؟ قال: قلت: قولك ولا تأمرن على رجلين! قال: بلى، إن الناس كانوا حديث عهد بكفر وإني خشيت عليهم، وإن أصحابي لم يزالوا بي، قال: فوالله ما زال يعتذر إلي حتى عذرته.
عن عروة بن الزبير قال: قام أبو بكر خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني وليت أمركم، ولست بخيركم، ولكن نزل القرآن، وبيّن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلَّمنا فعلمنا فأعلمنا أن أكيس الكيس التُّقى، وأن أحمق الحمق الفجور، وإن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق؛ أيها الناس إنما أنا متبع، ولست بمبتدعٍ، فإن أحسنت فاتبعوني، وإن زُغت فقوموني.
قال حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي: في حديث أبي بكر أنه قال: وليتكم، ولست بخيركم: مذهب هذا الكلام وطريقه مذهب التواضع وترك الاعتداد بالولاية، والتباعد من كبرياء السلطنة، ولم يزل من شيم الأبرار، ومذاهب الصالحين الأخيار أن يهتضموا أنفسهم وأن يسوغوا في حقوقهم، وقد كان له برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسوة حين يقول: " ليس لأحدٍ أن يقول: أنا خير من يونس بن متّى " وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيد ولد آدم، أحمرهم وأسودهم.
عن الحسن قال: لما بويع أبو بكر قام خطيباً، فلا والله ما خطب خطبته أحد بعد؛ فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني وليت هذا الأمر، وأنا له كاره، ووالله لوددت أن بعضكم كفانيه، ألا وإنكم إن كلفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم أقم به، كان
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبداً أكرمه الله بالوحي، وعصمه به، ألا وإنما أنا بشر، ولست بخيرٍ من أحدٍ منكم فراعوني؛ فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني، وإذا رأيتموني زغت فقوموني، واعلموا أن لي شيطاناً يغيّرني، فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني، لا أؤثّر في أشعاركم وأبشاركم.
عن أبي هريرة قال:
والله الذي لا إله إلا هو، لولا أن أبا بكر استخلف ما عُبِدَ الله، ثم قال الثانية، ثم قال الثالثة، فقيل له: مه يا أبا هريرة، فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجه أسامة بن زيدٍ في سبعمائة إلى الشام، فلما نزل بذي خشب قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وارتدت العرب حول المدينة، فاجتمع إليه أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يا أبا بكر، رد هؤلاء، توجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة؟ فقال: والذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما رددت جيشاً وجهه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا حللت لواءً عقده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوجه أسامة فجعل لا يمر بقبيلٍ يريدون الارتداد ألاّ قالوا: لولا أن لهؤلاء قوةً ما خرج مثل هؤلاء من عندهم، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم، فلقوا الروم فهزموهم، وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام.
وعن عائشة قالت: خرج أبي شاهراً سيفه، راكباً على راحلته إلى ذي القَصَّة، فجاء علي بن أبي طالب، فأخذ بزمام راحلته، فقال: إلى أين يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أقول لك ما قال لك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد: " أشمر سيفك، ولا تفجعنا بنفسك " فوالله لئن أُصِبنا بك لا يكون للإسلام بعدك نظام أبداً، فرجع وأمضى الجيش.
عن يزيد الضخم قال: قلت لأبي بكر: ما أراك تنحاش لما قد بلغ من الناس، ولما يتوقع من إغارة
العدو؟ فقال: ما دخلني إشفاق من شيءٍ، ولا دخلني في الدين وحشة إلى أحد بعد ليلة الغار؛ فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رأى إشفاقي عليه وعلى الدين، قال لي: " هون عليك، فإن الله قد قضى لهذا الأمر بالنصر والتمام ".
عن ابن شهاب قال: من فضل أبي أنه لم يشك في الله ساعة قط.
عن علي قال: قام أبو بكر بعدما استخلف بثلاث، فقال: من يَستَقيلُني بيعتي فأقيله؟ فقلت: والله لا نقيلك، ولا نستقيلك، من ذا الذي يؤخرك وقد قدمك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كان نقش خاتم أبي بكر الصديق: نعم القادر الله.
عن الحسن: " فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه " قال: أبو بكر وأصحابه.
وقرأ الحسن: " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه " حتى قرأ الآية، قال: فقال الحسن: فولاها أبا بكر الصديق وأصحابه.
عن عبد الرحمن الأصبهاني قال: جاء الحسن بن علي إلى أبي بكر وهو على منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: انزل عن مجلس أبي! فقال: صدقت، إنه لمجلس أبيك، قال: ثم أجلسه في حجره وبكى، فقال علي: والله ما هذا عن أمري، قال: صدقت والله ما اتهمتك.
وقد روي هذا للحسين بن علي مع عمر.
وعن الضحاك: في قوله: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " قال: مع أبي بكر وعمر وأصحابهما.
عن عائشة قالت: توفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوالله لو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها؛ اشرأب النفاق بالمدينة، وارتدت العرب من كل جانب، فما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي في خطتها وعنانها؛ قالوا: أين ندفن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فما وجدنا عند أحدٍ من ذلك علماً، فقال أبو بكر: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما من نبي يقبض إلا دفن تحت مضجعه الذي مات فيه " قالت: واختلفوا في ميراثه، فما وجدوا عند أحدٍ من ذاك علماً، فقال أبو بكر: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنا - معشر الأنبياء - لا نورث، ما تركنا صدقة ".
وقالت: من رأى عمر عرف أنه خلق عتّالاً للإسلام، كان والله أحْوَزِياً، نسيج وحده، قد أعد للأمور أقرانها.
عن صالح بن كيسان قال: لما كانت الردة قام أبو بكر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
الحمد لله الذي هدى، فكفى وأعطى فأغنى، إن الله بعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والعلم شريد والإسلام غريب طريد، قد رث حبله، وخلق عهده، وضل أهله منه، ومقت الله أهل الكتاب، فلا يعطيهم خيراً لخيرٍ عندهم، ولا يصرف عنهم شراً، لشرٍّ عندهم، قد غيروا كتابهم، وأتوا عليه ما ليس فيه، والعرب الأميون صِفْر من الله، لا يعبدونه، ولا يدعونه، أجهدهم عيشاً، وأضلهم ديناً، في ظلفٍ من الأرض مع قلة السحاب، فجمعهم الله بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجعلهم الأمة الوسطى، نصرهم بمن اتبعهم ونصرهم على غيرهم، حتى قبض الله نبيه، فركب منهم الشيطان مركبه الذي أنزله الله عنه، وأخذ بأيديهم،
وبغى هلكتهم " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين " إن من حولكم من العرب منعوا شاتهم وبعيرهم، ولم يكونوا في دينهم، وإن رجعوا إليه، أزهد منهم يومهم هذا، ولم تكونوا في دينكم أقوى منكم يومكم هذا، على ما قد فقدتم من بركة نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولقد وكلكم إلى الكافي الذي وجده ضالاً فهداه، وعائلاً فأغناه، " وكنتم على شفا حفرةٍ من النار فأنقذكم منها " والله لا أدع أقاتل على أمر الله حتى ينجز الله وعده، ويوفي لنا عهده، ويقتل من قتل منا شهيداً من أهل الجنة، ويبقى من بقي منا خليفته، وورثته في أرضه قضاء الله الحق، وقوله الذي لا خلف له " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض " الآية، ثم نزل رحمه الله.
عن زيد بن علي قال: أبو بكر الصديق إمام الشاكرين، ثم قرأ " وسيجزي الله الشاكرين ".
عن قتادة قال: لما توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتدت العرب كلها إلا ثلاثة مساجد: مكة والمدينة والبحرين، فقالوا: أما الصلاة فإنا سنصلي، وأما الزكاة فوالله لا نُغصب أموالنا، فكلموا أبا بكرٍ أن يخلي عنهم؛ فإنهم لو قد فقهوا أدوا الزكاة طائعين، فقال: لا أفرق بين شيء جمعه الله، فوالله لو منعوني عقالاً فما سوى ذلك مما فرض الله ورسوله لقاتلتهم عليه.
فبعث الله معه عصابةً، فقاتلوا على ما قاتل عليه رسول الله حتى أقروا بالماعون، وهو الزكاة المفروضة، فسارت إليه وفود العرب، فخيرهم بين خطة مخزية، أو حرب مجلية، فاختاروا الخطة المخزية، وذلك أنهم يشهدون على قتلاهم، أنهم في النار، وأن قتلى المسلمين في الجنة، وأن ما أصابوا من أموال المسلمين ردوه عليهم، وما أصاب المسلمون من أموالهم لم يردوه عليهم.
ومن طريق ابن سعد: أن أبا بكرٍ الصديق كان له بيت مالٍ بالسنح معروف ليس يحرسه أحد، فقيل له: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ألا تجعل على بيت المال من يحرسه، فقال: لا يخاف، قلت: لم؟ قال: عليه قفل، وكان يعطي ما فيه لا يبقى فيه شيء، فلما تحول أبو بكر إلى المدينة حوله، فجعل بيت ماله في الدار التي كان فيها، وكان قدم عليه مال من معدن القبلية ومن معادن جهينة كثير - انفتح معدن بني سُليم في خلافة أبي بكر - فَقُدم عليه منه بصدقته، فكان يوضع ذلك في بيت المال، فكان أبو بكر يقسمه على الناس نقراً نقراً، فيصيب كل مائة إنسان كذا وكذا، وكان يسوي بين الناس في القسم: الحر، والعبد، والذكر، والأنثى، والصغير، والكبير فيه سواء. وكان يشتري الإبل والخيل والسلاح فيحمل في سبيل الله، واشترى عاماً قطائف أتى بها من البادية، ففرّقها في أرامل أهل المدينة في الشتاء، فلما توفي أبو بكر، ودفن دعا عمر الأمناء، ودخل بهم بيت مال أبي بكر، ففتحوا بيت المال، فلم يجدوا فيه لا ديناراً، ولا درهماً، ووجدوا خيشةً للمال، فنفضت فوجدوا فيها درهماً، فترحموا على أبي بكر، وكان بالمدينة وزّان على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان يزن ما كان عند أبي بكر من مالٍ، فسئل الوزّان: كم بلغ ذلك المال الذي ورد على أبي بكر؟ قال: مائتي ألف.
عن عائشة: أن أبا بكر حين استخلف ألقى كل دينارٍ ودرهمٍ عنده في بيت مال المسلمين، وقال: قد كنت أتجر فيه، وألتمس به فلما وليتهم شغلوني.
ومن طريق ابن سعد قال:
لما استخلف أبو بكر أصبح غادياً إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها، فلقيه عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، فقالا له: أين تريد يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: السوق، قالا: تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي؟
قالا: انطلق حتى نفرض لك شيئاً، فانطلق معهما، ففرضوا له كل يوم شطر شاةٍ، وما كسوه في الرأس والبطن، فقال عمر: إليَّ القضاء، وقال أبو عبيدة: وإليَّ الفيء.
قال عمر: فلقد كان يأتي عليَّ الشهر ما يختصم إليَّ فيه اثنان.
عن حميد بن هلال قال: لما ولي أبو بكرٍ قال أصحاب رسول الله: افرضوا لخليفة رسول الله ما يغنيه، قالوا: نعم، برداه إذا أخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما، وظهره إذا سافر، ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف، قال أبو بكر رضيت.
وعن عمرو بن ميمون، عن أبيه قال: لما استخلف أبو بكر جعلوا له ألفين، فقال: زيدوني فإن لي عيالاً وقد شغلتموني عن التجارة، قال: فزادوه خمسمائة، قال: إما أن تكون ألفين فزادوه خمسمائة، أو كانت ألفين وخمسمائة فزادوه خمسمائة.
ومن طريق ابن سعد أيضاً: بويع أبو بكر الصديق يوم قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلةً خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من مهاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان منزله بالسُّنح عند زوجته حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير من بني الحارث بن الخزرج، وكان قد حجر عليه حجرةً من شعْرٍ، فما زاد على ذلك حتى تحول إلى منزله بالمدينة، فأقام هناك بالسنح بعد ما بويع له ستة أشهر يغدو على رجليه إلى المدينة، وربما ركب على فرسٍ له، وعليه إزار، ورداء ممشق، فيوافي المدينة، فيصلي الصلوات بالناس، فإذا صلى العشاء رجع إلى أهله بالسنح، فكان إذا حضر صلى بالناس، وإذا لم يحضر صلى بهم عمر بن الخطاب. وكان يقيم يوم الجمعة في صدر النهار بالسنح، يصبغ رأسه ولحيته، ثم يروح لقدر الجمعة، فيُجَمِّع بالناس، وكان رجلاً تاجراً، فكان يغدو كل يوم السوق، فيبيع ويبتاع، وكانت له قطعة غنم تروح عليه، وربما خرج هو بنفسه فيها، وربما كفيها، فرُعيت له، وكان يحلب للحي أغنامهم، فلما بويع له بالخلافة قالت جارية من
الحي: الآن لا تُحلَبُ لنا منائح دارنا، فسمعها أبو بكر فقال: بلى لعمري لأحلبنّها لكم، وإني لأرجو ألا يغيرني ما دخلت فيه عن خُلقٍ كنت عليه؛ فكان يحلب لهم، فربما قال للجارية من الحي: يا جارية، أتحبين أن أرغي لك، أو أصرح؟ فربما قالت: ارغ، وربما قالت: صرح، فأي ذلك قالت فعل، فمكث كذلك بالسنح ستة أشهرٍ، ثم نزل إلى المدينة، فأقام بها، ونظر في أمره فقال: لا والله، ما يصلح أمر الناس التجارة، وما يصلح لهم إلا التفرغ، والنظر في شأنهم.
ثم اعتمر أبو بكر في رجب سنة اثنتي عشرة، فدخل مكة ضحوةً، فأتى منزله وأبو قحافة جالس على باب داره، ومعه فتيان أحداث إلى أن قيل له: هذا ابنك، فنهض قائماً، وعجل أبو بكر أن ينيخ راحلته، فنزل عنها وهي قائمة، فجعل يقول: يا أبه لا تقم! ثم لاقاه، فالتزمه وقبل بين عينيه، وجعل الشيخ يبكي فرحاً بقدومه. وجاء إلى مكة عتاب بن أسيد، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، والحارث بن هشام، فسلموا عليه: سلام عليك يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصافحوه جميعاً فجعل أبو بكر يبكي حين يذكرون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم سلموا على أبي قحافة، فقال أبو قحافة: يا عتيق، هؤلاء الملأ، فأحسن صحبتهم، فقال أبو بكر: إنه لا حول ولا قوة إلا بالله؛ طوقت عظيماً من الأمر، ولا قوة لي به، ولا يدان إلا بالله، ولقيه الناس يعزونه بنبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يبكي، حتى انتهى إلى البيت فاضطبع بردائه، ثم استلم الركن، ثم طاف سبعاً، وركع ركعتين، ثم انصرف إلى منزله فلما كان الظهر خرج، فطاف أيضاً بالبيت، ثم جلس قريباً من دار الندوة، فقال: هل من أحدٍ يتشكى من ظلامة، أو يطلب حقاً؟ فما أتاه أحد، وأثنى الناس على واليهم خيراً، ثم صلى العصر، وجلس، فودعه الناس ثم خرج راجعاً إلى المدينة، فلما كان وقت الحج سنة اثنتي عشرة حج أبو بكر بالناس تلك السنة، وأفرد الحج، واستخلف على المدينة عثمان ابن عفان.
عن محمد بن سيرين قال:
لم يكن أحد بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهيب لما لا يعلم من أبي بكر، ولم يكن أحد بعد أبي
بكر لما لا يعلم من عمر، وإن أبا بكر نزلت به قضية فلم يجد لها في كتاب الله أصلاً ولا في السنة أثراً، فقال: أجتهد برأيي، فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأً فمني، وأستغفر الله.
عن زيد بن أرقم قال: دعا أبو بكر بشرابٍ، فأُتي بماءٍ وعسل، فلما أدناه من فيه نحاه ثم بكى حتى بكى أصحابه، فسكتوا وما سكت، ثم عاد فبكى حتى ظنوا أنهم لا يقوون على مسكته، ثم أفاق، فقالوا: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أبكاك؟ قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأيته يدفع عن نفسه شيئاً، ولم أر أحداً معه، فقلت: يا رسول الله، ما هذا الذي تدفع، ولا أرى معك أحداً، قال: " هذه الدنيا تمثلت لي، فقلت لها: إليك عني، فتنحت، ثم رجعت، فقالت: أما إنك إن أفلتَّ فلن يفلت مني من بعدك " فذكرت ذلك، فخفت أن تلحقني.
عن الضحاك بن مزاحم قال: قال أبو بكر يوماً: ورأى الطير واقعاً على شجرةٍ، فقال - طوبى لك يا طائر! لوددت أني كنت مثلك! تقع على الشجر، وتأكل الثمر ثم تطير ولا حساب عليك ولا عذاب؛ والله لوددت أني كنت شجرة إلى جانب الطريق، فمر علي بعير، فأخذني وأدخلني فاه فلاكني، ثم ازْدَردَني فأخرجني بعراً، ولم أكن بشراً.
عن ابن مُليكة قال: كان ربما سقط الخطام من أبي بكرٍ الصديق، قال: فيضرب بذراع ناقته، فينيخها فيأخذه، قال: فقالوا له: أفلا أمرتنا نناولكه؟ فقال: إن حِبّي أمرني ألا أسأل الناس شيئاً.
عن ابن العالية الرياحي قال: قيل لأبي بكرٍ الصديق في جمعٍ من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل شربت الخمر في
الجاهلية؟ فقال: أعوذ بالله، فقيل: ولم؟ قال: كنت أصون عرضي وأحفظ مروءتي؛ فإن من شرب الخمر كان مضيعاً في عرضه ومروءته، قال: فبلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " صدق أبو بكر، صدق أبو بكر " مرتين.
عن عبد الله بن الزبير قال: ما قال أبو بكرٍ شعراً قط، ولكنكم تكذبون عليه.
عن معروف بن خربوذ: أن أبا بكر الصديق أحد عشرةٍ من قريش اتصل لهم شرف الجاهلية بشرف الإسلام.
قال الزبير بن بكار سمعت بعض أهل العلم يقول: خطباء أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب.
عن موسى بن عقبة أن أبا بكر الصديق كان يخطب فيقول: الحمد لله رب العالمين، أحمده وأستعينه، ونسأله الكرامة فيما بعد الموت، فإنه قد دنا أجلي وأجلكم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق مبشراً ونذيراً، وسراجاً منيراً " لينذر من كان حياً ويَحِقَّ القول على الكافرين " ومن يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد ضل ضلالاً مبيناً أوصيكم بتقوى الله، والاعتصام بأمر الله الذي شرع لكم، وهداكم به، فإن جوامع هدى الإسلام بعد كلمة الإخلاص السمع والطاعة لمن ولاه الله أمركم، فإنه من يطع والي الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فقد أفلح، وأدى الذي عليه من الحق، وإياكم وإتباع الهوى، فقد أفلح من حُفظ من الهوى، والطمع، والغضب، وإياكم والفخر، وما فخر من خلق من ترابٍ، ثم إلى التراب يعود، ثم يأكله الدود، ثم هو اليوم حي، وغداً ميتاً، فاعملوا يوماً بيوم، وساعةً بساعةٍ، وتوقوا دعاء المظلوم، وعدوا أنفسكم في الموتى، واصبروا: فإن العمل كله بالصبر، واحذروا فالحذر ينفع، واعملوا فالعمل يقبل، واحذروا ما حذركم الله من عذابه، وسارعه فيما وعدكم الله من رحمته، وافهموا أو تفهموا واتقوا أو تَوَقُّوا: فإن الله قد بين لكم ما أهلك به من كان قبلكم، وما نجى به من
نجى قبلكم، قد بين لكم في كتابه حلاله وحرامه، وما يحب من الأعمال، وما يكره؛ فإني لا ألوكم ونفسي، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، واعلموا أنكم ما أخلصتم لله من أعمالكم فربكم أطعتم، وحظكم حفظتم، وما تطوعتم به فاجعلوه نوافل بين أيديكم، وإن الله ليس له شريك، وليس بينه وبين أحدٍ من خلقه نسب يعطيه به خيراً، ولا يصرف عنه سوءاً إلا بطاعته، وإتباع أمره، فإنه لا خير في خير بعده النار، ولا شر بشرٍ بعده الجنة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلوات الله على نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عن عبد الله بن عُكَيم قال: خطبنا أبو بكر الصديق فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل ثم قال: أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو له أهل، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، فإن الله عز وجل أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: " إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رَغَباً ورَهَباً، وكانوا لنا خاشعين " ثم اعلموا عباد الله أن الله قد ارتهن بحقّه أنفسكم، وأخذ على ذلك مواثيقكم، واشترى منكم القليل الفاني بالكثير الباقي، وهذا كتاب الله فيكم، لا يُطفأ نوره، ولا تنقضي عجائبه، فاستضيئوا بنوره، وانتصحوا كتابه، واستضيئوا منه ليوم الظلمة فإنه إنما خلقكم لعبادته، ووكل بكم كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون، ثم اعلموا عباد الله أنكم تغدون وتروحون في أجلٍ قد غيب عنكم علمه، فإن استطعتم أن تنقضي الآجال وأنتم في عمل الله فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله، فسابقوا في آجالكم قبل أن تنقضي آجالكم، وتردكم إلى أسوأ أعمالكم؛ فإن قوماً جعلوا آجالهم لغيرهم ونسوا أنفسهم، فأنهاكم أن تكونوا أمثالهم، فالوَحَى الوَحَى، ثم النجاءَ النجاءَ؛ فإن وراءكم طالباً حثيثاً مره سريع.
عن ابن عيينة قال: كان أبو بكر الصديق إذا عزى رجلاً قال: ليس مع العزاء مصيبة، ولا مع الجزع
فائدة، الموت أهون ما قبله، وأشد ما بعده، اذكروا فقد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تصغر مصيبتكم، وأعظم الله أجركم.
عن ابن عباس: " ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ. " قال: نزلت في عشرة: في أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وعبد الله بن مسعود.
وقال: نزلت في أبي بكر الصديق: " ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً " إلى قوله: " وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ".
عن الضحاك في قوله: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " قال: مع أبي بكر وعمر وأصحابهما.
عن عكرمة: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " قال: أبو بكر وعمر.
عن الربيع بن أنس قال: مكتوب في الكتاب الأول: مثل أبي بكر الصديق مثل القطر أينما وقع نفع.
عن عبد الله بن حسن قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبو بكر منا أهل البيت ".
قال عمر: إن أبا بكر كان سابقاً مبرزاً، وقال: وددت أني من الجنة حيث أرى أبا بكر.
ورأى رجل عمر وهو يتصدق عام الرمادة، فقال: إن هذا لحبر هذه الأمة بعد نبيها، قال: فعمد عمر، وجعل يضرب صلعة الرجل بالدرة، ويقول: كذب الآخر، أبو بكر خير مني، ومن أبي، ومنك، ومن أبيك.
وقال رجل لعمر: يا خير الناس - أو ما رأيت أميراً خيراً منك - فقال: هل رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لا، قال: فهل رأيت أبا بكر؟ قال: لا، قال: لو أخبرتني أنك رأيت واحداً منهما لأوجعتك!.
وقال نفر لعمر: ما رأينا رجلاً أقضى بالقسط ولا أقول بالحق، ولا أشد على المنافقين منك يا أمير المؤمنين، فأنت خير الناس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال عوف بن مالك: كذبتم لقد رأيت خيراً منه غير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقبل إليه عمر، فقال: من هو يا عوف؟ فقال: أبو بكر، فقال عمر: صدق عوف وكذبتم، لقد كان أبو بكر أطيب من المسك، وإني لمثل بعير أهلي.
وقال عمر: ليتني شعرةً في صدر أبي بكر.
وقال عبد الله بن عمر: كنا نقول ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حي: أفضل أمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعده: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان - وزاد في رواية: فيبلغ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا ينكر.
وعن محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي: يا أبتِ، من خير هذه الأمة بعد نبيها؟ قال: أبو بكر يا بني، قلت: ثم من؟ قال: عمر، فخفت من أن قلت: ثم من؟ أن يقول عثمان: قلت: ثم أنت يا أبه؟ قال: ما أبوك إلا رجل من المسلمين.
عن عبد خير الهمداني - وكان أمير شرطة علي - قال: سمعت علياً يقول على المنبر: ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيها؟ قال: فذكر أبا بكر، ثم قال: ألا أخبركم
بالثاني؟ قال: فذكر عمر، ثم قال: لو شئت لأنبأتكم بالثالث، قال: وسكت، فرأينا أنه يعني نفسه، فقيل: أنت سمعته يقول هذا؟ قال: نعم ورب الكعبة، وإلا فَصُمّتا.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أنا الأول، وأبو بكر المصلي، وعمر الثالث، والناس من بعدنا الأول فالأول ".
عن قيس الخارفي قال: سمعت علياً يقول: سبق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصلّى أبو بكر، وثلّث عمر.
عن أبي سريحة قال: سمعت علياً يقول على المنبر: ألا إن أبا بكر أوّاه منيب القلب، ألا إن عمر ناصح الله فنصحه.
عن علي قال: إن أعظم الناس أجراً في المصاحف أبو بكر الصديق، كان أول من جمع القرآن بين اللوحين.
وسئل علي عن أبي بكر وعمر، فقال: كانا إمامَي هدىً، راشدَين مرشدين مفلحين منجحين خرجا من الدنيا خميصين.
وقال: إن الله عز وجل جعل أبا بكرٍ وعمر حجةً على من بعدهم من الولاة إلى يوم القيامة، سبقا والله سبقاً بعيداً، وأتعبا من بعدهم إتعاباً شديداً، فذكرهما حرب للأمة، وطعن على الأئمة.
وقال: لا أجد أحداً يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري.
وقال: وهل أنا إلا حسنة من حسنات أبي بكر.
مر رجل من التابعين يقال له سويد بن غفلة برجلين من أصحاب علي، وهما ينتقصان أبا بكرٍ وعمر، فلم يملك نفسه أن ذهب إلى عليٍّ، فقرع الباب، فخرج فقال: يا أبا حسن، إني مررت بفلانٍ وفلان صاحبيك، وهما ينتقصان أبا بكرٍ، وعمر، وايم الله، لو لم تضمر مثل ما أبديا ما اجترأ على ذلك! قال: فغضب علي غضباً شديداً حتى استُدِرَّ عرق بين عينيه، ونودي بالصلاة جامعةً، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: تجندت عليَّ الجنود، ووردت علي الوفود عند مستقر الخطوب، وعند نوائب الدهر: ما بال أقوامٍ يذكرون سيدي قريشٍ، أبوي المؤمنين بما ليسا من هذه الأمة بأهل، وبما أنا عنه منزه، ومنه بريء، وعليه معاقب؟! أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة لا يحبهما إلا مؤمن تقي، ولا يبغضهما إلا منافق ردي.
عن ابن عباس: أنه سئل عن أبي بكرٍ، فقال: كان والله خيراً كله، وسئل عن عمر، فقال: كان والله كالطير الحذر الذي ينصب له في كل طريقٍ شرك، وكان يعمل على ما يرى مع العنف، وشدة النشاط، وسئل عن عثمان، فقال: كان والله صواماً قواماً، قارئاً للقرآن، من رجل غرته نومته من يقظته، وسئل عن علي، فقال: كان والله مزكوناً علماً وحلماً، من رجل غرته سابقته من أن لن يمد يده إلى شيءٍ إلا اتبعه، فوالله ما رأيته مد يده إلى شيء إلا خالفه.
عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: ولينا أبو بكر فخير خليفة؛ أرحمه بنا، وأحناه علينا.
عن عائشة:
أنها بلغها أن قوماً تكلموا في أبيها، فبعثت إلى أزفلةٍ من الناس، وعلت وسادتها، وأرخت ستارتها، ثم قالت: أبي، وما أبيه، أبي والله لا تعطوه الأيدي، ذاك طود
منيف، وظل مديد، هيهات! كذبت الظنون أنجح إذ أكديتم، وسبق إذ ونيتم، سبق الجواد إذا استولى على الأمد، فتى قريش ناشئاً، وكهفها كهلاً، يريش مملقها، ويرأب شعبها، ويلم شعثها حتى حليته قلوبها، ثم استشرى في دين الله فما برحت شكيمته، في ذات الله حتى اتخذ بفنائه مسجداً يحيى فيه ما أمات المبطلون، وكان - رضي الله عنه - غزير الدمعة، وقيذ الجوانح، شجي النشيج، فانقصفت عليه نسوان أهل مكة، وولدانهم يسخرون منه، ويستهزئون به " الله يستهزئ بهم، ويمدهم في طغيانهم يعمهون " وأكبرت ذلك رجالات قريشٍ فحنت قسيها، وفوقت سهامها، وامتثلوه غرضاً، فما فلوا له صفاة، ولا قصموا له
قناةً، ومضى على سيسائه، حتى إذا ضرب الدين بجرانه، ورست أوتاده، ودخل الناس فيه أفواجاً، ومن كل فرقةٍ أرسالاً وأشتاتاً اختار الله لنفسه ما عنده، فلما قبض الله نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اضطرب حبل الدين، ومرج أهله، وبغى الغوائل، وظنت رجال أن قد أكثبت نُهَزُها، ولات حين يظنون، وأنى، والصديق بين أظهرهم؟! فقام حاسراً مشمراً، فرقع حاشيتيه بطبه، وأقام أوده بثقافه حتى امذقر النفاق، فلما انتاش الدين بنعشه، وأراح الحق على أهله، وقرت الرؤوس في كواهلها، وحقن الدماء في أهبها حضرت منيته فسد ثلمته بنظيره في السيرة والمرحمة، ذاك ابن الخطاب، لله در أم حملت به ودرت عليه! لقد أوجدت به، فديّخ الكفرة وفنخها، وشرد الشرك شذر مذر، وبعج الأرض فنجعها حتى قاءت أكلها، ترأمه ويصد عنها، وتصدّى له، فيأباها، وتريده ويصدف عنها، ثم فرغ فيئها، ثم تركها كما
صحبها، فأروني ماذا ترتؤون؟ وأي يومي أبي تنقمون؟ أيوم إقامته إذ عدل فيكم، أم يوم ظعنه إذ نظر لكم؟ أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
ثم التفتت إلى الناس، فقالت: سألتكم بالله، هل أنكرتم مما قلت شيئاً؟ قالوا: اللهم لا!.
عن أبي عبد الرحمن الأزدي قال: لما انقضى الجمل قامت عائشة، فتكلمت، فقالت: أيها الناس إن لي عليكم حرمة الأمومة، وحق الموعظة لا يتهمني إلا من عصى ربه، قُبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين سحري ونحري، وأنا إحدى نسائه في الجنة، ادخرني ربي، وحصنني من كل بضاعة، وبي مُيّز مؤمنكم من منافقكم، وفيّ رخص لكم في صعيد الأقواء وأبي رابع أربعةٍ من المسلمين، وأول من سمي صديقاً، قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنه راضٍ، فطوقه وهف الأمانة، ثم اضطرب حبل الدين، فأخذ بطرفيه، وربق لكم أثناءه، فوقد النفاق وأغاض نبع الردة، وأطفأ ما حشت يهود، وأنتم
حينئذٍ جحظ، تنتظرون العدوة، وتستمعون الصيحة، فرأب الثأي، وأؤذم العطلة، وامتاح من المهواة، واجتهر دفن الرواء، فقبضه الله واطئاً على هامة النفاق، مذكياً نار الحرب للمشركين، يقظان في نصرة الإسلام صفوحاً عن الجاهلين.
عن مسروق قال: حب أبي بكر وعمر، ومعرفة فضلهما من السنة.
وقد روي هذا القول عن عبد الله بن مسعود.
عن أنس قال: رحم الله أبا بكر وعمر أمرهما سُنة.
وقال الحسن: قدمهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمن ذا الذي يؤخرهما.
وقال: ثلاثة لا يربعهم أحد أبداً: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وعمر.
وقال الأعمش: ما كنت أرى أني أعيش في زمانٍ أسمعهم يفضلون فيه على أبي بكر وعمر.
عن طلحة اليامي قال: كان يقال: الشاك في أبي بكر وعمر كالشاك في السنة.
وقال أبو أسامة: أتدرون من أبو بكر وعمر؟ هما أبوا الإسلام وأمه.
فذكر ذلك لأبي أيوب الشاذكوني، فقال: صدق.
وقال أبو حسين: ما ولد لآدم في ذريته بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكرٍ الصديق ولقد قام ليوم الردة مقام نبي من الأنبياء.
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني لأرجو لأمتي في حب أبي بكر وعمر ما أرجو لهم في قول: لا إله إلا الله ".
عن مالك بن أنس قال: قال أمير المؤمنين هارون لي: يا مالك، صف لي مكان أبي بكر وعمر من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: يا أمير المؤمنين قربهما منه في حياته كقرب قبرهما من قبره، فقال: شفيتني يا مالك، شفيتني يا مالك!
عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى قال: قلت لأبي: ما تقول في رجل سب أبا بكرٍ؟ قال: يُقتل، قلت: سب عمر؟ قال: يُقتل.
قال ربعي بن خراش: قذف المحصنة يهدم عمل سبعين سنةً، وشتم أبي بكر وعمر يهدم عمل مائة سنةٍ.
قال جعفر بن محمد: برئ الله ممن تبرأ من أبي بكرٍ وعمر.
عن حيان الهجري قال: كان لي جليس يذكر أبا بكرٍ وعمر، فأنهاه فيُغْرَى، فأقوم عنه، فذكرهما يوماً، فقمت عنه مغضباً، واغتممت مما سمعت، إذ لم أرد عليه الرد الذي ينبغي فنمت، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منامي كأنه أقبل ومعه أبو بكر وعمر، فقلت: يا رسول الله، إن لي جليساً يؤذيني في هذين، فأنهاه فيغرى، ويزداد، قال: فالتفت صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رجلٍ قريب منه، فقال: " اذهب إليه فاذبحه " فذهب الرجل إليه، وأصبحت، فقلت: إنها لرؤيا، فلو أتيته فخبرته لعله ينتهي، قال: فمضيت أريده، فلما صرت قريباً من داره إذا الصراخ، قلت: ما هذا؟ قالوا: فلان، طرقته الذبحة في هذه الليلة فمات.
عن إسماعيل بن أبي خالد قال: جاءنا يزيد بن النعمان بن بشير إلى حلقة القاسم بن عبد الرحمن بكتاب أبيه النعمان بن بشير: بسم الله الرحمن الرحيم: من النعمان بن بشير إلى أم عبد الله بنت أبي هاشم: سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، فإنك كتبت إلي لأكتب إليك بشأن زيد بن خارجة؛ وإنه كان من شأنه أنه أخذه وجع في حلقه، وهو يومئذ من أصح أهل المدينة، فتوفي بين صلاة الأولى، وصلاة العصر، فأضجعناه لظهره، وغشيناه بردين وكساء، فأتاني آتٍ وأنا أسبح بعد المغرب، فقال: إن زيداً قد تكلم بعد وفاته، فانصرفت إليه مسرعاً، وقد حضره قوم من الأنصار، وهو يقول - أو يقال على لسانه -: الأوسط أجلد القوم، الذي كان لا يبالي في الله لومة لائمٍ، كان لا يأمر الناس أن يأكل قويهم ضعيفهم، عبد الله أمير المؤمنين، صدق، صدق، كان ذلك في الكتاب الأول، قال: ثم قال: عثمان أمير المؤمنين وهو يعافي الناس من ذنوب كثيرة، خلت اثنتان، وبقي أربع، واختلف الناس، وأكل بعضهم بعضاً فلا نظام، وأبيحت الأحماء، ثم ارعوى المؤمنون فقالوا: كتاب الله وقدره، أيها الناس أقبلوا على أميركم، واسمعوا وأطيعوا فمن تولى فلا يعهدن دماً، كان أمر الله قدراً مقدوراً، الله أكبر، هذه الجنة، وهذه النار، ويقول النبيون والصديقون: سلام عليك يا عبد الله بن رواحة، هل أحسست لي خارجة؟ - لأبيه - وسعداً اللذين قتلا يوم أحد " كلا إنها لظى، نزاعة للشوى، تدعو من أدبر وتولى، وجمع فأوعى " ثم خفت صوته فسألت الرهط عما سبقني من كلامه، فقالوا: سمعناه يقول: أنصتوا أنصتوا فنظر بعضنا إلى بعضٍ فإذا الصوت من تحت الثياب فكشفنا عن وجهه، فقال: هذا أحمد رسول الله، سلام عليك، يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، ثم قال: أبو بكر الصديق الأمين، خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ضعيفاً في جسمه، قوياً في أمر الله عز وجل صدق، صدق، وكان في الكتاب الأول.
وكان زيد بن خارجة من سروات الأنصار، وكان أبوه خارجة بن سعد حيث هاجر
أبو بكر نزل عليه في داره، وتزوج ابنته، وقتل أبوه وأخوه سعد بن خارجة يوم أحد، فمكث بعدهم حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خلافة أبي بكر وعمر، وشيئاً من خلافة عثمان؛ فبينا هو يمشي في طريق من طرق المدينة بين الظهر والعصر إذ خر، فتوفي، فأعلمت به الأنصار، فأتوه، فاحتملوه إلى بيته.
عن مسلم الطبين قال: من الكامل
أنى تعاتب، لا أبا لك، عصبةً ... علقوا الفرى، وبروا من الصديق
وبروا سفاهاً من وزير نبيهم ... تباً لمن يبرا من الفاروق
إني على رغم العداة لقائل ... دانا بدين الصادق المصدوق
عن زياد بن حنظلة قال: كان سبب موت أبي بكر الكمد على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، على قوته في أمر الله، فمرض بعد خروج خالد من العراق إلى الشام، وثقل بعد قدوم خالد على أهل اليرموك، ومات قبل الفتح بأيامٍ.
وعن ابن شهاب:
أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان خزيرة أهديت لأبي بكر، فقال الحارث لأبي بكر: ارفع يدك يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والله إن فيها لسم سنةٍ، وأنا وأنت نموت في يومٍ واحدٍ! قال: فرفع يده، فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يومٍ واحدٍ عند انقضاء السنة.
قالوا: كان أول بدء مرض أبي بكرٍ أنه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة، وكان يوماً بارداً، فحُمَّ خمسة عشر يوماً، لا يخرج إلى صلاةٍ، وكان يأمر عمر بن
الخطاب يصلي بالناس، ويدخل الناس عليه يعودونه، وهو يثقل كل يومٍ، وهو نازل يومئذٍ في داره التي قطع له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجاه دار عثمان بن عفان اليوم، وكان عثمان ألزمهم له في مرضه.
قال أبو السفر: دخلوا على أبي بكر في مرضه، فقالوا: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ألا ندعو لك طبيباً ينظر إليك؟ قال: قد نظرت إلي، قالوا: ما قال لك؟ قال: قال: " إني فعال لما أريد ".
وروى ابن سعد من طرق: أن أبا بكرٍ الصديق لما استعز به دعا عبد الرحمن بن عوف فقال: أخبرني عن عمر بن الخطاب، فقال عبد الرحمن: ما تسألني عن أمرٍ إلا وأنت أعلم به مني، فقال أبو بكر: وإن، فقال عبد الرحمن: هو والله أفضل من رأيك فيه، ثم دعا عثمان بن عفان، فقال: أخبرني عن عمر، فقال: أنت أخبرنا به - فقال: على ذلك أبا عبد الله، فقال عثمان: اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأن ليس فينا مثله، فقال أبو بكر: يرحمك الله، والله لو تركته ما عدوتك، وشاور معهما سعيد بن زيد أبا الأعور، وأسيد بن الحضير، وغيرهما من المهاجرين والأنصار، فقال أسيد: اللهم أعلمه الخيرة بعدك، يرضى للرضى، ويسخط للسخط، الذي يُسِرُّ خير من الذي يعلن، ولن يلي هذا الأمر أحد أقوى عليه منه.
وسمع بعض أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدخول عبد الرحمن وعثمان على أبي بكر، وخلوتهما به، فدخلوا على أبي بكرٍ، فقال له قائل منهم: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا، وقد ترى غلظته؟! فقال أبو بكر: أجلسوني، أبالله تخوفوني!؟ خاب من تزود من أمركم بظلمٍ! أقول: اللهم استخلفت عليهم خير أهلك، أبلغ عني ما قلت من وراءك! ثم اضطجع، ودعا عثمان، فقال اكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب، إني أستخلف عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا، وإني لم أل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيراً، فإن عدل فذلك ظني به، وعلمي فيه، وإن بدل فلكل امرئٍ ما اكتسب، والخير أردت، ولا أعلم الغيب، " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون " والسلام عليكم ورحمة الله.
ثم أمر بالكتاب، فختمه، فقال بعضهم: لما أملى أبو بكر صدر هذا الكتاب بقي ذكر عمر، فذهب به قبل أن يسمي أحداً، فكتب عثمان: إني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، ثم أفاق أبو بكر، فقال: اقرأ علي ما كتبت، فقرأ عليه ذكر عمر، فكبر أبو بكر، وقال: أراك خفت أن أفتلت نفسي في غشيتي تلك، فيختلف الناس، فجزاك الله عن الإسلام وأهله خيراً، والله إن كنت لها أهلاً، ثم أمره، فخرج بالكتاب مختوماً ومعه عمر بن الخطاب، وأسيد بن سعية القرظي، فقال عثمان للناس: أتبايعون لمن في هذا الكتاب؟ فقالوا: نعم، وقال بعضهم: قد علمنا به، فأقروا بذلك جميعاً ورضوا به وبايعوا. ثم دعا أبو بكر عمر خالياً، فأوصاه بما أوصاه، ثم خرج من عنده، فرفع أبو بكر يديه مداً، فقال: اللهم إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم، وخفت عليهم الفتنة، فعملت فيهم بما أنت أعلم به، واجتهدت لهم برأيي، فوليت عليهم خيرهم، وأقواه عليهم، وأحرصهم على ما أرشدهم، وقد حضرني من أمرك ما حضر فاخلفني فيهم، فهم عبادك، ونواصيهم بيدك، أصلح لهم واليهم، واجعله من خلفائك الراشدين، يتبع هدى نبي الرحمة، وهدى الصالحين بعده، وأصلح له رعيته.
عن زبيد أن أبا بكر قال لعمر بن الخطاب:
إني موصيك بوصية - إن حفظتها - إن لله حقاً بالنهار لا يقبله بالليل، ولله في الليل حقاً لا يقبله في النهار، وإنه لا يقبل نافلةً حتى تؤدى الفريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة بإتباعهم في الدنيا الحق، وثقله عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلاً، ولإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة بإتباعهم في الدنيا الباطل، وخفته عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يخف، وإن الله عز وجل ذكر أهل الجنة وصالح ما عملوا، وتجاوز عن سيئاتهم، فيقول قائل: أنا أفضل من هؤلاء، وذكر آية الرحمة، وآية العذاب، ليكون المؤمن راغباً راهباً ولا يتمنى على الله غير الحق، ولا يلقي بيده إلى التهلكة.
فإن حفظت قولي فلا يكونن غائب أحب إليك من الموت، ولا بد لك منه، وإن ضيعت وصيتي فلا يكونن أمر أبغض إليك من الموت، ولن تعجزه! وعن الأعرابي مالك قال: لما أراد أبو بكر أن يستخلف عمر بعث إليه، فدعاه، فقال: إني أدعوك إلى أمرٍ متعب لمن وليه، فاتق الله يا عمر بطاعته، وأطعه بتقواه، فإن المتقي آمن محفوظ، ثم إن الأمر معروض لا يستوجبه إلا من عمل به، فمن أمر بالحق، وعمل بالباطل، وأمر بالمعروف وعمل بالمنكر يوشك أن تنقطع أمنيته، وأن يحبط عمله، فإن أنت وليت عليهم أمرهم فإن استطعت أن تخف يدك من دمائهم، وأن تصم بطنك من أموالهم، وان يخف لسانك عن أعراضهم فافعل، ولا قوة إلا بالله.
عن عبد الرحمن بن عوف: أنه دخل على أبي في مرضه الذي توفي فيه، فأصابه مفيقاً، فقال له عبد الرحمن: أصبحت والحمد لله بارئاً، فقال أبو بكر: تراه؟ قال: نعم، قال: إني على ذلك لشديد الوجع، وما لقيت منكم، يا معشر المهاجرين، أشد علي من وجعي إني ولّيت أمركم خيركم في نفسي، فكلكم ورم من ذلك أنفه، يريد أن يكون الأمر له، ورأيتم الدنيا قد أقبلت، ولما تقبل، ولهي مقبلة حتى تتخذوا ستور الحرير، ونضائد الديباج، وتألمون بالانضجاع على الصوف الأذربي كما يألم أحدكم أن ينام على حسك السعدان، والله لأن يقدم أحدكم فتضرب رقبته في غير حدٍّ خير له من أن يخوض غمرة الدنيا! وأنتم أول ضال بالناس غداً، فيصفقون عن الطريق يميناً وشمالاً يا هادي الطريق، إنما هو الفجر أو البحر.
فقال له عبد الرحمن: خَفِّض عليك يرحمك الله، فإن هذا يهيضك على ما بك، إنما الناس في أمرك رجلان: إما رجل رأى ما رأيت، فهو معك، وإما رجل رأى ما لم ترَ، فهو يشير عليك بما يعلم، وصاحبك كما تحب، ولا نعلمك أردت إلا الخير، ولم تزل صالحاً مصلحاً مع أنك لا تأسى على شيء من الدنيا، فقال أبو بكر: أجل، لا آسى على شيء من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن وددت أني لو تركتهن، وثلاث تركتهن وددت أني لو فعلتهن، وثلاث وددت لو أني سألت عنهن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأما التي وددت أني تركتهن: يوم سقيفة بني ساعدة وددت لو أني ألقيت هذا الأمر في عنق أحد هذين الرجلين - يعني عمر وأبا عبيدة - فكان أحدهما أميراً وكنت وزيراً، ووددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة عن شيء، مع أنهم أغلقوه على الحرب، ووددت أني لو لم أكن
حرقت الفجاءة السلمي، وأني كنت قتلته سريحاً، أو خليته نجيحاً، وأما الثلاث التي تركتهن ووددت أني كنت فعلتهن: وددت لو أني حين سيرت خالد بن الوليد إلى أهل الردة كنت أقمت بذي القصة، ووددت أني يوم وجهت خالد بن الوليد إلى الشام وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق، فكنت قد بسطت كلتا يدي في سبيل الله، ووددت أني حين أُتيت بالأشعث بن قيس أسيراً ضربت عنقه، فإنه يخيل إلي أنه لا يرى شراً إلا أعان عليه، ووددت أني سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن هذا الأمر بعده؟ فلا ينازعه أحد، ووددت أني سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل للأنصار فيه شيء؟ ووددت أني سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ميراث بنت الأخ والعمة، فإن في نفسي منها شيء.
عن محمد بن سيرين: أن أم المؤمنين عائشة كانت عند أبي بكر وهو في الموت، فقالت: من الطويل
أماوي ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
فقال أبو بكر: بل هكذا قولي " وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ".
عن أنسٍ قال:
أطفنا بغرفة أبي بكر الصديق في مرضته التي قبض فيها، قال: فقلنا: كيف أصبح، أو كيف أمسى خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فاطلع علينا اطلاعةً فقال: ألستم ترضون بما أصنع؟ قلنا: بلى قد رضينا، قال: وكانت عائشة هي تمرضه، قال: فقال: أما إني قد كنت حريصاً على أن أوفر في المسلمين فيئهم مع أني قد أصبت من اللحم
واللبن، فانظروا إذا رجعتم مني، فانظروا ما كان عندنا فأبلغنه عمر، قال: فذاك حيث عرفوا أنه استخلف عمر، قال: وما كان عنده ديناراً ولا درهم، ما كان إلا خادم، ولقحة، ومحلب، فلما رأى ذلك عمر يُحمل إليه قال: يرحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده.
وعن محمد قال: توفي أبو بكر الصديق وعليه ستة آلاف درهم كان أخذها من بيت المال، فلما حضرته الوفاة قال: إن عمر لم يدعني حتى أصبت من بيت المال ستة آلاف درهم، وإن حائطي الذي بمكان كذا وكذا فيها، فلما توفي أبو بكر ذكر ذلك لعمر، فقال: يرحم الله أبا بكر لقد أحب ألا يدع لأحدٍ بعده مقالاً، وأنا والي الأمر بعده، وقد رددتها عليكم.
عن عائشة قالت: قال أبو بكر: انظروا إلى ما زاد في مالي منذ دخلت في هذه الإمارة فردوه إلى الخليفة من بعدي، فإني قد كنت أسلخه جهدي إلا الودك فإني قد كنت أصبت منه نحواً مما كنت أصيب من التجارة، قالت: فنظرنا، فوجدنا زاد فيه ناضح، وغلام نوبي كان يحمل صبياً له، قالت: فأرسلت به إلى عمر، قالت: فأخبرني جدي أنه بكى، ثم قال: رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده إتعاباً شديداً.
ولما اشتد مرض أبي بكر، وأغمي عليه، فأفاق، قال: أي يومٍ توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلت: يوم الاثنين، قال: إني لأرجو من الله عز وجل ما بيني وبين الليل، فمات ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح وقال: في كم كفنتم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: كفناه في ثلاثة أثواب بيض يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة، فقال: اغسلي ثوبي هذا، وبه ردع زعفرانٍ أو مشقٍ، واجعلوه مع ثوبين جديدين،
قلت: إنه خلق، قال الحي أحوج إلى الجديد من الميت، إنما هو للمهلة، - يعني ما يخرج منه - فكفن في ثلاثة أثواب سحولٍ يمانية.
عن ابن أبزى في قوله تعالى: " يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضية " قال: قال أبو بكر: ما أحسنها يا رسول الله! قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما إنها ستقال لك يا أبا بكر ".
عن عطاء أن أبا بكر الصديق أوصى أن تغسله امرأته أسماء، فإن لم تستطع استعانت بعبد الرحمن بن أبي بكر.
وفي رواية: فإن عجزت أعانها ابنه منه محمد، ولا يصح ذلك، لأنه كان له يوم توفي أبو بكر ثلاث سنين أو نحوها.
عن حبة العرني، عن علي بن أبي طالب قال: لما حضرت أبا بكرٍ الوفاة أقعدني عند رأسه، وقال لي: يا علي، إذا أنا مت فغسلني بالكف الذي غسلت به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحنطوني، واذهبوا بي إلى البيت الذي فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستأذنوا، فإن رأيتم الباب قد تفتح فادخلوا بي، وإلا فردوني إلى مقابر المسلمين حتى يحكم الله بين عباده، قال: فغُسل وكفن، وكنت أول من بادر إلى الباب، فقلت: يا رسول الله، هذا أبو بكر يستأذن، فرأيت الباب قد تفتح، فسمعت قائلاً يقول: أدخلوا الحبيب إلى حبيبه، فإن الحبيب إلى الحبيب مشتاق.
قال الحافظ: هذا منكر، والمحفوظ أن الذي غسل أبا بكر امرأته أسماء بنت عميس.
عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعدان: أن أبا بكر أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس، وعزم عليها أن تفطر ليكون أقوى لها، ففعلت، فلما كان من آخر النهار دعت بماء، فأفطرت عليه، وقالت: لا أتبعه اليوم حنثاً.
عن أسيد بن صفوان - وكانت له صحبة من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
لما كان اليوم الذي قبض فيه أبو بكر رجَّت المدينة بالبكاء، ودهش الناس كيوم قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجاء علي بن أبي طالب باكياً مسرعاً وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة، حتى وقفت على البيت الذي فيه أبو بكر مسجى، فقال: رحمك الله يا أبا بكر، كنت أول القوم إسلاماً، وأكملهم إيماناً، وأخوفهم لله، وأشدهم يقيناً، وأعظمهم عناءً، وأحوطهم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأحدبهم على الإسلام، وآمنهم على أصحابه، وأحسنهم صحبةً، وأفضلهم مناقب، وأكثرهم سوابق، وأرفعهم درجةً، وأقربهم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مجلساً، وأشبههم به هدياً، وخلقاً، وسمتاً، وفعلاً، وأشرفهم منزلةً، وأكرمهم عليه، وأوثقهم عنده، فجزاك الله عن الإسلام، وعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيراً؛ صدقته حين كذبوه، فسماك الله صديقاً، فقال: " والذي جاء بالصدق " محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وصدَّق به " أبو بكر الصديق، أعطيته حين بخلوا وقمت معه حين عنه قعدوا، وصحبته بأحسن الصحبة، ثاني اثنين صاحبه، والمنزل عليه السكينة، ورفيقه في الهجرة، ومواطن الكره، خلفته في أمته أحسن خلافة حين ارتد الناس، وقمت بدين الله قياماً لم يقمه خليفة نبيٍّ؛ قويت حين ضعف أصحابه، ونهضت حين وهنوا، ولزمت منهاج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ كنت خليفته حقاً، لم تنازع، ولم تصد برغم المنافقين، وصغر الفاسقين، وغيظ الكافرين، وكره الحاسدين، قمت بالأمر حين فشلوا، ونطقت حين تقبَّضوا ومضيت بنور الله إذ وقفوا، واتبعوك فهدوا، كنت أخفضهم صوتاً، وأعلاهم فوقاً وأطولهم صمتاً، وأصوبهم نطقاً، وأبلغهم كلاماً، وأكثرهم أناةً، وأشرحهم قلباً، وأشدهم نفساً، وأسدهم عقلاً، وأعرفهم بالأمور كنت أولاً حين تفرق عنه، وآخراً حين فشلوا، كنت للمؤمنين أباً رحيماً، صاروا عليك عيالاً،
تحملت أثقال ما عنه ضعفوا، وحفظت ما أضاعوا، ورعيت ما أهملوا، وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ جزعوا، فأدركت آثار ما طلبوا، وناولوا بك ما لم يحتسبوا كنت على الكفار عذاباً واصباً، وللمسلمين غناءً وحصناً، فطرت بغنائها وذهبت بفضائلها، وأحرزت سوابقها: لم تفلل حجتك، ولم يرع قلبك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك، كنت كالجبل لا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف، كنت كما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آمن الناس في صحبتك وذات يدك، عوناً في أمر الله، متواضعاً في نفسك، عظيماً عند الله، خليلاً في الأرض، كبيراً عند المؤمنين، لم يكن لأحد فيك مطمعاً، ولا لقائل مغمز، ولا لأحدٍ عندك هوادة: الضعيف الذليل عندك قوي حتى تأخذ له بحقه، والقوي العزيز عندك ذليل حتى تأخذ منه الحق، فالعزيز والضعيف عندك سواء في ذلك، شأنك الحق والرفق، قولك حق وحتم، وأمرك احتياط وحزم.
أقلعت وقد نهج السبيل، وسهل العسير، وأطفئت النيران، وقوي الإسلام، وظهر أمر الله ولو كره المشركون، وسبقت والله سبقاً بعيداً، وأتعبت من بعدك إتعاباً شديداً، وفزت بالحق فوزاً مبيناً، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضينا عن الله قضاءه، وسلمنا له أمره، لن يصاب المسلمون بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثلك أبداً، كنت للدين عزاً وكهفاً، وللمسلمين حصناً، وعلى المنافقين غيظاً، فالحمد لله، لا حرمنا الله أجرك، ولا أضلنا بعدك.
وسكت القوم حتى انقضى كلامه، وبكوا، وقالوا: صدقت يابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن أبي جعفر محمد بن علي قال: دخل علي على أبي بكر بعدما سُجي قال: ما أحد ألقى الله بصحبته أحب إلي من هذا المسجى.
عن جد الأصمعي قال: وقفت عائشة على قبر أبيها فقالت: رحمك الله يا أبه، لقد قمت بالدين حين وهى سعيه، وتفاقم صدعه، ورحبت جوانبه، وبغضت ما أصغوا إليه، شمرت فيما ونوا عنه، واستخففت من دنياك ما استوطنوا، وصغرت منها ما عظموا، ولم تهضم دينك، ولم تنسى غدك، ففاز عند المساهمة قدحك، وخف مما استوزروا ظهرك حتى قررت الرؤوس على كواهلها، وحقنت الدماء في أهبها - يعني في الأجساد - فنضر الله وجهك يا أبه، فلقد كنت للدنيا مذلاً بإدبارك عنها، وللآخرة معزاً بإقبالك عليها، ولكأن أجل الرزايا بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رزؤك، وأكبر المصائب فقدك، فعليك سلام الله ورحمته غير قالية لحياتك، ولا زارية على القضاء فيك.
عن الأصمعي:
أن قوم خفاف بن ندبة السلمي ارتدوا، وأبى أن يرتد، وحسن ثباته على الإسلام، فقال في أبي بكر شعراً قوافيه ممدودة مقيدة: من السريع
ليس لشيءٍ غير تقوى الله جداء ... وكل خلق عمره للفناءْ
إن أبا بكرٍ هو الغيث إذ ... لم تزرع الأمطار بقلاً بماء
المصطفي الجرد بأرسانها ... والناعجات المسرعات النجاء
والله لا يدرك أيامه ... ذو طرةٍ ناش ولا ذو رداء
من يسع كي يدرك أيامه ... يجتهد الشد بأرض فضاء
الشد: العدو.
عن البجلي: أن أبا بكر الصديق لما مات حمل على السرير الذي كان ينام عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصلى عليه عمر بن الخطاب، ودفن مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيت عائشة، ونزل في قبره: عمر، وعثمان، وطلحة، وعبد الرحمن بن أبي بكر.
وسئل سعيد بن المسيب: أين صلي على أبي بكر؟ فقال: بين القبر والمنبر، وكبر عليه عمر أربعاً.
وقبر أبو بكر ليلاً.
وعن عروة والقاسم بن محمد: أوصى أبو بكر عائشة أن يدفن إلى جنب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما توفي حفر له، وجُعل رأسه عند كتفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وألصق اللحد بقبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقبر هناك.
وتوفي أبو بكر مساء الاثنين، ودفن ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، وكانت ولايته سنتين وثلاثة أشهر وأياماً، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة، هذا هو الصحيح المتواتر، وقيل غيره.
ووهم الحافظ من قال: إنه توفي وهو ابن ستين سنة.
عن سعيد بن المسيب قال: لما قُبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتجت مكة بصوتٍ عالٍ، فقال أبو قحافة: ما هذا؟ قالوا: قُبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فمن استخلف الناس بعده؟ قالوا: ابنك، قال: فهل رضيت بذلك بنو عبد شمس، وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم، قال: فإنه لا مانع لما
أعطى الله، ولا معطي لما منع الله، فلما قبض أبو بكر ارتجت مكة بصوتٍ عالٍ دون ذلك، فقال أبو قحافة: ما هذا؟ قالوا: ابنك مات، فقال أبو قحافة: هذا خبر جليل - أو قال: رزء جليل - من قام بالأمر بعده؟ قالوا: عمر، قال: صاحبه.
عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: ورث أبا بكرٍ أبوه أبو قحافة السدس، وورثه معه ولده: عبد الرحمن، ومحمد، وعائشة، وأسماء، وأم كلثوم بنو أبي بكر، وامرأتاه: أسماء بنت عميس، وحبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير من بلحارث بن الخزرج، وهي أم أم كلثوم.
وعن مجاهد: كُلِّم أبو قحافة في ميراثه من أبي بكر الصديق، فقال: قد رددت ذلك على ولد أبي بكر، قالوا: ثم لم يعش أبو قحافة بعد أبي بكر إلا ستة أشهر وأياماً، وتوفي في المحرم سنة أربع عشرة بمكة، وهو ابن سبع وتسعين سنة.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=86329&book=5518#fd6623
عبد الله بن عثمان أبو بكر الصديق صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعثمان يكنى بأبي قحافة وهو عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي روى عنه عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وعبد الله بن عباس وعبد الله ابن عمر وحذيفة بن اليماني وعبد الله بن عمرو [بن العاص - ] وزيد ابن أرقم والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وعقبة بن عامر وأبو برزة وأبو أمامة الباهلي ومعقل بن يسار وعمرو بن حريث.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=86329&book=5518#3267ab
عبد الله بن عثمان أبو بكر الصديق رضي الله عنه
- حدثنا محمد بن عبد الرحمن المقرىء نا سفيان بن عيينة عن عتبة قال: حدثني من سمع ابن الزبير يقول: كان اسم أبي بكر عبد الله بن عثمان.
أخبرت أن عتبة الذي روى هذا الحديث يقال له: عتبة اللقاط روى هذا الحديث عنه مسعر.
- حدثني به أبو بكر بن زنجويه نا الحميدي عن سفيان عن
مسعر عن عتبة قال سفيان: وقد سمعته من عتبة ولكنه عن مسعر أنفق.
حدثني سعيد//// بن يحيى الأموي قال: حدثني أبي عن ابن إسحاق ح
وحدثني هارون بن موسى الفروي نا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن الزهري قال فيمن شهد بدرا في حديث ابن إسحاق: عتيق.
وفي حديث الزهري: عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بلغني وأم أبي بكر: أم الخير سلمى بنت صخر بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة.
وقال مصعب الزبيري: سمي أبو بكر عتيقا لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به. قال: ويقال: كان له أخوان يقال لهما: عتيقا وعتيق فسمي بأحدهما رضوان الله عليه.
- حدثنا عبد الله بن سعد الكندي نا عقبة بن خالد عن شعبة عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال أبو بكر: ألست أحق الناس بها، ألست أول من أسلم ألست صاحب كذا الست
[صاحب] كذا.
- حدثني سريج بن يونس نا يوسف بن الماجشون قال: أدركت مشيختنا منهم: محمد بن المنكدر وربيعة بن أبي عبد الرحمن وصالح بن كيسان وعثمان وعمار بن محمد [لا] يشكون [أن أول القوم إسلاما] أبو بكر.
- حدثنا محمد بن عباد المكي نا سفيان وسئل: من أكبر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: حسبت ابن جدعان أظنه عن أنس قال: أبو بكر وسهيل بن [بيضاء].
- حدثني أحمد بن منصور نا أبو صالح الحراني نا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر من أبي بكر بسنتين وشيء.
- حدثنا علي بن الجعد أخبرنا شعبة عن حميد عن أنس: أن أبا بكر كان يخضب بالحناء والكتم.
- حدثنا أبو خيثمة نا جرير عن حصين عن المغيرة بن شبيل عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت أبا بكر كأن رأسه ولحيته ضرام عرفج.
- حدثنا عبد الله بن عمر نا وكيع عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن أبي جعفر الأنصاري قال: رأيت أبا بكر في غزوة السلاسل كأن رأسه ولحيته جمر الغضا.
- حدثني زهير بن محمد قال: أخبرني صدقة بن سابق نا محمد بن إسحاق قال: آخا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه فكان أبو بكر الصديق وخارجة بن زيد بن أبي زهير أحد بني الحارث بن الخزرج أخوين.
- حدثني محمد بن إسحاق نا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن ربيعة بن سيف قال: كنا عند شفي الأصبحي فقال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يكون خلفي اثنا عشر خليفة أبو بكر لا يلبث إلا قليلا.
- حدثني جدي رحمه الله نا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة نا
نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال: قيل لأبي بكر يا خليفة الله، فقال: ////أخبرنا خليفة محمد صلى الله عليه وسلم وأنا أرضى بذلك يعني وكره أن يقال: خليفة الله.
- حدثني أبو خيثمة نا يحيى بن سليم الطائفي نا جعفر بن محمد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر قال: ولينا أبو بكر رحمه الله وارحمه بنا وأحناه علينا.
- حدثنا داود بن عمر الضبي نا عبد الجبار بن الورد عن ابن أبي مليكة قال: قالت عائشة: دعاني أبي - يعني في مرضه - فقال: يا بنية إني كنت أعز قريش وأكثرهم مالا، فلما شغلتني الإمارة رأيت أن أصيب من المال فأصبت هذه العباءة القطوانية و [لقحة] وعبدا فإذا مت فأسرعي به إلى ابن الخطاب يا بنيتي ثيابي ثيابي هذه كفنيني فيها قالت: فبكيت وقلت: يا أبت نحن أيسر من ذلك فقال: غفر الله لك وهل ذلك إلا للمهل، قالت: فلما مات بعثت بذلك إلى ابن الخطاب،
فقال: يرحم الله أباك لقد أحب أن لا يترك لقائل مقالا.
- حدثنا محمد بن بكار نا أبو معشر عن زيد بن أسلم عن أبيه وعن عمر - مولى غفرة - وعن محمد بن مريفع قالوا: توفي أبو بكر لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة.
- حدثني أبو بكر بن زنجويه نا الفريابي نا سفيان عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: توفي أبو بكر يوم الاثنين عشية.
حدثني أبو بكر بن زنجويه ثني صالح قال: حدثني الليث قال: توفي أبو بكر لليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة.
حدثنا علي بن مسلم نا زياد البكائي عن محمد بن إسحاق قال: كانت خلافة أبي بكر سنتين وثلاثة أشهر واثنتين وعشرين يوما توفي في حمادى الأولى.
- حدثنا أبو خيثمة وهارون بن عبد الله وغيرهما قالوا: نا حبان بن هلال ح
ونا أبو بكر بن أبي شيبة وهارون وابن زنجويه وغيرهم قالوا: نا عفان قالا: نا همام نا ثابت نا أنس بن مالك: أن أبا بكر حدثه قال: نظرت على أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار فقلت: يا رسول الله لو أن أحدا نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه، فقال: " يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما.
وهذا لفظ حديث أبي خيثمة عن حبان.
أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي
رضيع رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته توفي سنة أربع من الهجرة بالمدينة.
حدثني عمي عن أبي عبيد: اسم أبي سلمة: عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.
حدثني هارون بن موسى الفروي نا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن الزهري في مهاجرة الحبشة وفيمن هاجر إلى المدينة وفيمن شهد بدرا: أبو سلمة بن عبد الأسد امرأته أم سلمة بنت أبي أمية ولدت له بأرض الحبشة عمر بن أبي سلمة.////.
- حدثنا منصور بن أبي مزاحم نا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى أبا سلمة يعوده وهو ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول من هاجر بظعينة إلى أرض الحبشة ثم إلى المدينة بعد.
- حدثنا أبو خيثمة نا يعقوب بن إبراهيم نا ابن أخي ابن شهاب عن عمته قال: أخبرني عروة بن الزبير قال: إن زينب بنت أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة - زوج النبي صلى الله عليه وسلم - أخبرتها قالت: قلت: يا رسول الله إنا لنتحدث أنك تريد أن تنكح درة بنت أبي سلمة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ابنة أم سلمة؟! " قالت: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وأيم الله لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن ".
- حدثنا هدبة بن خالد نا سليمان بن المغيرة عن ثابت قال: حدثني ابن أم سلمة: أن أبا سلمة جاء إلى أم سلمة فقال: لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا أحب إلي من كذا وكذا لا أدري ما أعدل به سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تصيب أحدا مصيبة فيسترجع عند ذلك ثم يقول: اللهم عندك احتسب مصيبتي هذه اللهم اخلفني فيها بخير منها إلا أعطاه الله " قالت أم سلمة: فلما أصيب أبو سلمة قلت: اللهم عندك احتسبت مصيبتي هذه ولم تطب نفسي أن أقول: اللهم اخلفني منها بخير منها ثم قالت: من خير من أبي سلمة أليس؟ أليس؟ ثم قالت ذلك فلما انقضت عدتها أرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت لابنها: زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه.
- حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي نا عجلان بن عبد الله من بني عدي عن مالك بن دينار عن أنس: أن أبا سلمة لما ثقل قالت أم سلمة: إلى من تكلني؟ قال أبو سلمة: إلى الله، اللهم أبدل أم سلمة بخير من أبي سلمة.
- حدثني جدي نا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني قال: حدثني ابن عمر بن أبي سلمة بمني عن أبيه عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أصابته مصيبة ... " فذكر الحديث.
وزاد فيه ابن عمر: ابن أبي سلمة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل عن أبي سلمة.
قال أبو بكر بن زنجويه: توفي أبو سلمة واسمه: عبد الله بن عبد الأسد في سنة أربع من الهجرة بعد منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد انتقض به جرح أصابه بأحد فمات فشهده رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- حدثنا محمد بن عبد الرحمن المقرىء نا سفيان بن عيينة عن عتبة قال: حدثني من سمع ابن الزبير يقول: كان اسم أبي بكر عبد الله بن عثمان.
أخبرت أن عتبة الذي روى هذا الحديث يقال له: عتبة اللقاط روى هذا الحديث عنه مسعر.
- حدثني به أبو بكر بن زنجويه نا الحميدي عن سفيان عن
مسعر عن عتبة قال سفيان: وقد سمعته من عتبة ولكنه عن مسعر أنفق.
حدثني سعيد//// بن يحيى الأموي قال: حدثني أبي عن ابن إسحاق ح
وحدثني هارون بن موسى الفروي نا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن الزهري قال فيمن شهد بدرا في حديث ابن إسحاق: عتيق.
وفي حديث الزهري: عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بلغني وأم أبي بكر: أم الخير سلمى بنت صخر بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة.
وقال مصعب الزبيري: سمي أبو بكر عتيقا لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به. قال: ويقال: كان له أخوان يقال لهما: عتيقا وعتيق فسمي بأحدهما رضوان الله عليه.
- حدثنا عبد الله بن سعد الكندي نا عقبة بن خالد عن شعبة عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال أبو بكر: ألست أحق الناس بها، ألست أول من أسلم ألست صاحب كذا الست
[صاحب] كذا.
- حدثني سريج بن يونس نا يوسف بن الماجشون قال: أدركت مشيختنا منهم: محمد بن المنكدر وربيعة بن أبي عبد الرحمن وصالح بن كيسان وعثمان وعمار بن محمد [لا] يشكون [أن أول القوم إسلاما] أبو بكر.
- حدثنا محمد بن عباد المكي نا سفيان وسئل: من أكبر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: حسبت ابن جدعان أظنه عن أنس قال: أبو بكر وسهيل بن [بيضاء].
- حدثني أحمد بن منصور نا أبو صالح الحراني نا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر من أبي بكر بسنتين وشيء.
- حدثنا علي بن الجعد أخبرنا شعبة عن حميد عن أنس: أن أبا بكر كان يخضب بالحناء والكتم.
- حدثنا أبو خيثمة نا جرير عن حصين عن المغيرة بن شبيل عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت أبا بكر كأن رأسه ولحيته ضرام عرفج.
- حدثنا عبد الله بن عمر نا وكيع عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن أبي جعفر الأنصاري قال: رأيت أبا بكر في غزوة السلاسل كأن رأسه ولحيته جمر الغضا.
- حدثني زهير بن محمد قال: أخبرني صدقة بن سابق نا محمد بن إسحاق قال: آخا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه فكان أبو بكر الصديق وخارجة بن زيد بن أبي زهير أحد بني الحارث بن الخزرج أخوين.
- حدثني محمد بن إسحاق نا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن ربيعة بن سيف قال: كنا عند شفي الأصبحي فقال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يكون خلفي اثنا عشر خليفة أبو بكر لا يلبث إلا قليلا.
- حدثني جدي رحمه الله نا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة نا
نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال: قيل لأبي بكر يا خليفة الله، فقال: ////أخبرنا خليفة محمد صلى الله عليه وسلم وأنا أرضى بذلك يعني وكره أن يقال: خليفة الله.
- حدثني أبو خيثمة نا يحيى بن سليم الطائفي نا جعفر بن محمد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر قال: ولينا أبو بكر رحمه الله وارحمه بنا وأحناه علينا.
- حدثنا داود بن عمر الضبي نا عبد الجبار بن الورد عن ابن أبي مليكة قال: قالت عائشة: دعاني أبي - يعني في مرضه - فقال: يا بنية إني كنت أعز قريش وأكثرهم مالا، فلما شغلتني الإمارة رأيت أن أصيب من المال فأصبت هذه العباءة القطوانية و [لقحة] وعبدا فإذا مت فأسرعي به إلى ابن الخطاب يا بنيتي ثيابي ثيابي هذه كفنيني فيها قالت: فبكيت وقلت: يا أبت نحن أيسر من ذلك فقال: غفر الله لك وهل ذلك إلا للمهل، قالت: فلما مات بعثت بذلك إلى ابن الخطاب،
فقال: يرحم الله أباك لقد أحب أن لا يترك لقائل مقالا.
- حدثنا محمد بن بكار نا أبو معشر عن زيد بن أسلم عن أبيه وعن عمر - مولى غفرة - وعن محمد بن مريفع قالوا: توفي أبو بكر لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة.
- حدثني أبو بكر بن زنجويه نا الفريابي نا سفيان عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: توفي أبو بكر يوم الاثنين عشية.
حدثني أبو بكر بن زنجويه ثني صالح قال: حدثني الليث قال: توفي أبو بكر لليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة.
حدثنا علي بن مسلم نا زياد البكائي عن محمد بن إسحاق قال: كانت خلافة أبي بكر سنتين وثلاثة أشهر واثنتين وعشرين يوما توفي في حمادى الأولى.
- حدثنا أبو خيثمة وهارون بن عبد الله وغيرهما قالوا: نا حبان بن هلال ح
ونا أبو بكر بن أبي شيبة وهارون وابن زنجويه وغيرهم قالوا: نا عفان قالا: نا همام نا ثابت نا أنس بن مالك: أن أبا بكر حدثه قال: نظرت على أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار فقلت: يا رسول الله لو أن أحدا نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه، فقال: " يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما.
وهذا لفظ حديث أبي خيثمة عن حبان.
أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي
رضيع رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته توفي سنة أربع من الهجرة بالمدينة.
حدثني عمي عن أبي عبيد: اسم أبي سلمة: عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.
حدثني هارون بن موسى الفروي نا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن الزهري في مهاجرة الحبشة وفيمن هاجر إلى المدينة وفيمن شهد بدرا: أبو سلمة بن عبد الأسد امرأته أم سلمة بنت أبي أمية ولدت له بأرض الحبشة عمر بن أبي سلمة.////.
- حدثنا منصور بن أبي مزاحم نا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى أبا سلمة يعوده وهو ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول من هاجر بظعينة إلى أرض الحبشة ثم إلى المدينة بعد.
- حدثنا أبو خيثمة نا يعقوب بن إبراهيم نا ابن أخي ابن شهاب عن عمته قال: أخبرني عروة بن الزبير قال: إن زينب بنت أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة - زوج النبي صلى الله عليه وسلم - أخبرتها قالت: قلت: يا رسول الله إنا لنتحدث أنك تريد أن تنكح درة بنت أبي سلمة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ابنة أم سلمة؟! " قالت: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وأيم الله لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن ".
- حدثنا هدبة بن خالد نا سليمان بن المغيرة عن ثابت قال: حدثني ابن أم سلمة: أن أبا سلمة جاء إلى أم سلمة فقال: لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا أحب إلي من كذا وكذا لا أدري ما أعدل به سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تصيب أحدا مصيبة فيسترجع عند ذلك ثم يقول: اللهم عندك احتسب مصيبتي هذه اللهم اخلفني فيها بخير منها إلا أعطاه الله " قالت أم سلمة: فلما أصيب أبو سلمة قلت: اللهم عندك احتسبت مصيبتي هذه ولم تطب نفسي أن أقول: اللهم اخلفني منها بخير منها ثم قالت: من خير من أبي سلمة أليس؟ أليس؟ ثم قالت ذلك فلما انقضت عدتها أرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت لابنها: زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه.
- حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي نا عجلان بن عبد الله من بني عدي عن مالك بن دينار عن أنس: أن أبا سلمة لما ثقل قالت أم سلمة: إلى من تكلني؟ قال أبو سلمة: إلى الله، اللهم أبدل أم سلمة بخير من أبي سلمة.
- حدثني جدي نا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني قال: حدثني ابن عمر بن أبي سلمة بمني عن أبيه عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أصابته مصيبة ... " فذكر الحديث.
وزاد فيه ابن عمر: ابن أبي سلمة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل عن أبي سلمة.
قال أبو بكر بن زنجويه: توفي أبو سلمة واسمه: عبد الله بن عبد الأسد في سنة أربع من الهجرة بعد منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد انتقض به جرح أصابه بأحد فمات فشهده رسول الله صلى الله عليه وسلم.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=86329&book=5518#0e084e
عبد الله بن عثمان أبو بكر الصديق
ب د ع: عَبْد اللَّه بْن عثمان بْن عَامِر بْن عَمْرو بْن كعب بْن سعد بْن تيم بْن مرة بْن كعب بْن لؤي الْقُرَشِيّ التيمي، أَبُو بَكْر الصديق بْن أَبِي قُحافة، واسم أَبِي قحافة: عثمان وأمه أم الخير سلمى بِنْت صخر بْن عَامِر بْن كعب بْن سعد بْن تيم بْن مرة، وهي ابْنَة عم أَبِي قحافة، وقيل اسمها: ليلى بِنْت صخر بْن عَامِر، قاله مُحَمَّد بْن سعد، وقَالَ غيره: اسمها سلمى بِنْت صخر بْن عَامِر بْن عَمْرو بْن كعب بْن سعد بْن تيم، وهذا ليس بشيء، فإنها تكون ابْنَة أخيه، ولم تكن العرب تنكح بنات الإخوة، والأول أصح، وهو صاحبُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الغار وفي الهجرة، والخليفة بعده.
روى عن: النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ: عُمَر، وعثمان، وعلي، وعبد الرَّحْمَن بْن عوف، وابن مَسْعُود، وابن عُمَر، وابن عَبَّاس، وحذيفة، وزيد بْن ثابت، وغيرهم.
وَقَدْ اختلف فِي اسمه، فقيل: كَانَ عَبْد الكعبة، فسماه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد اللَّه، وقيل: إن أهله سموه عَبْد اللَّه، وَيُقَالُ لَهُ: عتيق أيضًا، واختلفوا فِي السبب الَّذِي قيل لَهُ لأجله عتيق، فَقَالَ بعضهم، قيل لَهُ: عتيق لحسن وجهه وجماله، قاله الليث بْن سعد وجماعة معه، وقَالَ الزُّبَيْر بْن بكار، وجماعة معه، إنَّما قيل لَهُ: عتيق لأنَّه لم يكن فِي نسبه شيء يعاب بِهِ، وقيل: إنَّما سمي عتيقًا، لأن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: " أنت عتيق اللَّه من النار ".
(792) أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مِهْرَانَ الْفَقِيهُ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا: بِإِسْنَادِهِمْ إِلَى أَبِي عِيسَى التِّرْمِذِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَمِّهِ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: " أَنْتَ عَتِيقٌ مِنَ النَّارِ "، فَيَوْمَئِذٍ سُمِّيَ عَتِيقًا، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ مَعْنٍ، وَقَالَ: مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ
(793) وَقِيلَ لَهُ: الصِّدِّيقُ أَيْضًا، لِمَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ الدِّمَشْقِيُّ، إِذْنًا، أَنْبَأَنَا أَبِي، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمُطَرِّزُ وَأَبُو عَلِيٍّ الْحَدَّادُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ غَسَّانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى، أَصْبَحَ يُحَدِّثُ بِذَلِكَ النَّاسَ، فَارْتَدَّ نَاسٌ مِمَّنْ كَانَ آمَنَ وَصَدَّقَ بِهِ وَفُتِنُوا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي لأُصَدِّقُهُ فِيمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ، أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ غَدْوَةً أَوْ رَوْحَةً، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقَ " وقَالَ أَبُو محجن الثقفي:
وسميت صديقًا وكل مهاجر سواك يسمى باسمه غير منكر
سبقت إلى الْإِسْلَام والله شاهد وكنت جليسًا فِي العريش المشهر
[إسلامه]
كَانَ أَبُو بَكْر رَضِي اللَّه عَنْهُ، من رؤساء قريش فِي الجاهلية، محببًا فيهم، مألفًا لهم، وكان إِلَيْه الأشناق فِي الجاهلية، والأشناق: الديات، وكان إِذَا حمل شيئًا صدقته قريش وأمضوا حمالته وحمالة من قام معه، وإن احتملها غيره خذلوه ولم يصدقوه.
فلما جاء الْإِسْلَام سبق إِلَيْه، وأسلم عَلَى يده جماعة لمحبتهم لَهُ، وميلهم إِلَيْه، حتَّى إنه أسلم عَلَى يده خمسة من العشرة، وَقَدْ ذكرناه عند أسمائهم، وَقَدْ ذهب جماعة من العلماء إلى أَنَّهُ أول من أسلم، منهم ابْنُ عَبَّاس، من رواية الشَّعْبِيّ، عَنْهُ، وقَالَ حسان بْن ثابت فِي شعره، وعمرو بْن عبسة، وإبراهيم النخعي، وغيرهم.
(794) أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ السَّمِينِ، بِإِسْنَادِهِ إِلَى يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُصَيْنِ التَّمِيمِيُّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا دَعَوْتُ أَحَدًا إِلَى الإِسْلامِ إِلا كَانَتْ لَهُ عَنْهُ كَبْوَةٌ، وَتَرَدُّدٌ وَنَظَرٌ، إِلا أَبَا بَكْرٍ مَا عَتَمَ حِينَ ذَكَرْتُهُ لَهُ، مَا تَرَدَّدَ فِيهِ "
(795) أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ الْقَاسِمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ، كِتَابَةً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَيَانٍ، قَالَ عَلِيٌّ: ثُمَّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْبَرَكَاتِ الأَنْمَاطِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُونٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الصَّوَّافِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الْمِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا خَلَفٌ الْعُرْفُطِيُّ أَبُو أُمَيَّةَ، مِنْ وَلَدِ خَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ، عَنِ ابْنِ دَابٍ، يَعْنِي عِيسَى بْنَ يَزِيدَ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ " كُنْتُ جَالِسًا بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَاعِدًا، فَمَرَّ بِهِ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ، فَقَالَ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ؟ قَالَ: بِخَيْرٍ، قَالَ: هَلْ وَجَدْتَ؟ قَالَ: لا، وَلَمْ آلُ مِنْ طَلَبٍ، فَقَالَ:
كُلُّ دِينٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلا مَا قَضَى اللَّهُ وَالْحَنِيفَةُ بُورُ
أما إن هَذَا النَّبِيّ الَّذِي ينتظر منا، أَوْ منكم، أَوْ من أهل فلسطين، قَالَ: ولم أكن سَمِعْتُ قبل ذَلِكَ بنبي ينتظر، أَوْ يبعث، قَالَ: فخرجت أريد ورقة بْن نوفل، وكان كَثِير النظر فِي السماء، كَثِير همهمة الصدر، قَالَ: فاستوقفته، ثُمَّ اقتصصت عَلَيْهِ الحديث، فَقَالَ: نعم يا ابْنَ أخي، أَبَى أهل الكتاب والعلماء إلا أن هَذَا النَّبِيّ الَّذِي ينتظر من أوسط العرب نسبًا، ولي علم بالنسب، وقومك أوسط العرب نسبًا، قَالَ: قلت: يا عم، وما يَقُولُ النَّبِيّ؟ قلت: يَقُولُ ما قيل لَهُ، إلا أَنَّهُ لا ظلم ولا تظالم، فلما بعث النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمنت وصدقت "
(796) وَأَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عُمَرَ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ الْغَازِي النَّيْسَابُورِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الرَّازِيُّ، بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوبَ الْقَزْوِينِيُّ الصُّوفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الرَّاسِبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنُ حُمَيْدٍ التِّكَكِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْجَرَّاحِ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، مِنْ وَلَدِ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: إِنَّهُ خَرَجَ إِلَى الْيَمَنِ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ عَلَى شَيْخٍ مِنَ الأَزْدِ عَالِمٍ قَدْ قَرَأَ الْكُتُبَ، وَعَلِمَ مِنْ عِلْمِ النَّاسِ كَثِيرًا، فَلَمَّا رَآنِي، قَالَ: أَحْسَبُكَ حَرَمِيًا؟ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ، قَالَ: وَأَحْسَبُكَ قُرَشِيًّا؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَ: وَأَحْسَبُكَ تَيْمِيًّا، قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا مِنْ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، مِنْ وَلَدِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: بَقِيَتْ لِي فِيكَ وَاحِدَةٌ، قُلْتُ: مَا هِيَ؟ قَالَ: تَكْشِفُ عَنْ بَطْنِكَ، قُلْتُ: لا أَفْعَلُ أَوْ تُخْبِرُنِي لِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَجِدُ فِي الْعِلْمِ الصَّحِيحِ الصَّادِقِ أَنَّ نَبِيًّا يُبْعَثُ فِي الْحَرَمِ، يُعَاوِنُ عَلَى أَمْرِهِ فَتًى وَكَهْلٌ، فَأَمَّا الْفَتَى فَخَوَّاضُ غَمَرَاتٍ وَدَفَّاعُ مُعْضِلاتٍ، وَأَمَّا الْكَهْلُ فَأَبْيَضُ نَحِيفٌ، عَلَى بَطْنِهِ شَامَةٌ، وَعَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى عَلامَةٌ، وَمَا عَلَيْكَ أَنْ تُرِيَنِي مَا سَأَلْتُكَ، فَقَدْ تَكَامَلَتْ لِي فِيكَ الصِّفَةُ إِلا مَا خَفِيَ عَلَيَّ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَكَشَفْتُ لَهُ عَنْ بَطْنِي، فَرَأَى شَامَةً سَوْدَاءَ فَوْقَ سُرَّتِي، فَقَالَ: أَنْتَ هُوَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، وَإِنِّي مُتَقَدِّمٌ إِلَيْكَ فِي أَمْرٍ فَاحْذَرْهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ، قُلْتُ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: إِيَّاكَ وَالْمَيْلَ عَنِ الْهُدَى، وَتَمَسَّكْ بِالطَّرِيقَةِ الْمُثْلَى الْوُسْطَى، وَخَفِ اللَّهَ فِيمَا خَوَّلَكَ وَأَعْطَاكَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَقَضَيْتُ بِالْيَمَنِ أُرَبِّي، ثُمَّ أَتَيْتُ الشَّيْخَ لأُوَدِّعَهُ، فَقَالَ: أَحَامِلٌ عَنِّي أَبْيَاتًا مِنَ الشِّعْرِ قُلْتُهَا فِي ذَلِكَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: نَعَمْ، فَذَكَرَ أَبْيَاتًا،
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَقَدِمْتُ مَكَّةَ، وَقَدْ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَنِي عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَشَيْبَةُ، وَرَبِيعَةُ، وَأَبُو جَهْلٍ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ، وَصَنَادِيدُ قُرَيْشٍ، فَقُلْتُ لَهُمْ: هَلْ نَابَتْكُمْ نَائِبَةٌ، أَوْ ظَهَرَ فِيكُمْ أَمْرٌ؟ قَالُوا: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَعْظَمُ الْخَطْبِ: يَتِيمُ أَبِي طَالِبٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَلَوْلا أَنْتَ مَا انْتَظَرْنَا بِهِ، فَإِذْ قَدْ جِئْتَ، فَأَنْتَ الْغَايَةُ وَالْكِفَايَةُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَصَرَفْتُهُمْ عَلَى أَحْسَنِ مَسٍّ، وَسَأَلْتُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ: فِي مَنْزِلِ خَدِيجَةَ، فَقَرَعْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ، فَخَرَجَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَدْتَ مِنْ مَنَازِلِ أَهْلِكَ، وَتَرَكْتَ دِينَ آبَائِكَ وَأَجْدَادِكَ؟ قَالَ: " يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ وَإِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ، فَآمِنْ بِاللَّهِ "، فَقُلْتُ: مَا دَلِيلُكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: " الشَّيْخُ الَّذِي لَقِيتُ بِالْيَمَنِ "، قُلْتُ: وَكَمْ مِنْ شَيْخٍ لَقِيتَ بِالْيَمَنِ؟ قَالَ: " الشَّيْخُ الَّذِي أَفَادَكَ الأَبْيَاتَ "، قُلْتُ: وَمَنْ خَبَّرَكَ بِهَذَا يَا حَبِيبِي؟ قَالَ: " الْمَلِكُ الْمُعَظَّمُ الَّذِي يَأْتِي الأَنْبِيَاءَ قَبْلِي "، قُلْتُ: مُدَّ يَدَكَ، فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّه،
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَانْصَرَفْتُ وَمَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أَشَدَّ سُرُورًا مِنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْلامِي
(797) أَخْبَرَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ إِجَازَةً، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبِ بْنُ الْبَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ الْمُجَدَّرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مِغْرَاءٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ مَنْ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ؟ قَالَ: " أَبُو بَكْرٍ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ حَسَّانٍ:
إِذَا تَذَكَّرْتَ شَجْوًا مِنْ أَخِي ثِقَةٍ فَاذْكُرْ أَخَاكَ أَبَا بَكْرٍ بِمَا فَعَلا
خَيْرَ الْبَرِيَّةِ أَتْقَاهَا وَأَعْدَلَهَا بَعْدَ النَّبِيِّ وَأَوْفَاهَا بِمَا حَمَلا
وَالثَّانِيَ التَّالِيَ الْمَحْمُودَ مَشْهَدُهُ وَأَوَّلَ النَّاسِ مِنْهُمْ صَدَّقَ الرُّسُلا "
(798) أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ مَحْمُودِ بْنِ سَعْدٍ، إِجَازَةً بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفًّى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلامٍ الْحَبَشِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ عَنْبَسَةَ السُّلَمِيَّ، يَقُولُ: أُلْقِيَ فِي رَوْعِي أَنَّ عِبَادَةَ الأَوْثَانِ بَاطِلٌ، فَسَمِعَنِي رَجُلٌ وَأَنَا أَتَكَلَّمُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: يَا عَمْرُو بِمَكَّةَ رَجُلٌ يَقُولُ كَمَا تَقُولُ، قَالَ: فَأَقْبَلْتُ إِلَى مَكَّةَ أَسْأَلُ عَنْهُ، فَأُخْبِرْتُ أَنَّهُ مُخْتَفٍ لا أَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلا بِاللَّيْلِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقُمْتُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا، فَمَا عَلِمْتُ إِلا بِصَوْتِهِ يُهَلِّلُ اللَّهَ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: " رَسُولُ اللَّهِ "، فَقُلْتُ: وَبِمَ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: " أَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ وَلا يُشْرَكَ بِهِ شَيْءٌ، وَتُحْقَنُ الدِّمَاءُ، وَتُوصَلُ الأَرْحَامُ "، قَالَ: قُلْتُ: وَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: " حُرٌّ، وَعَبْدٌ "، فَقُلْتُ: أَبْسِطْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ، فَلَقْد رَأَيْتُنِي وَإِنِّي رَابِعُ الإِسْلامِ
(799) وَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ بِإِسْنَادِهِمْ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى السُّلَمِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ " أَلَسْتَ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَا؟ يَعْنِيَ الْخِلافَةَ، أَلَسْتَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ؟ أَلَسْتَ صَاحِبَ كَذَا؟ أَلَسْتَ صَاحِبَ كَذَا "؟ ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
[هجرته مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
هاجر أَبُو بَكْر الصديق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصحبه فِي الغار لما سارا مهاجرين، وآنسه فِيهِ، ووقاه بنفسه، قَالَ بعض العلماء: لو قَالَ قائل: إن جميع الصحابة، ما عدا أبا بَكْر ليست، لَهُ صحبة لم يكفر، ولو قَالَ: إن أبا بَكْر لم يكن صاحب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفر، فإن القرآن العزيز قَدْ نطق أَنَّهُ صاحبه.
(800) أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ، بِإِسْنَادِهِ إِلَى يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ يَنْتَظِرُ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَجَاءَ جِبْرِيلُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ فِي الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ، فَمَكَرَتْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَأَمَرَهُ أَنْ لا يَبِيتَ مَكَانَهُ فَفَعَلَ، وَخَرَجَ عَلَى الْقَوْمِ وَهُمْ عَلَى بَابِهِ، وَمَعَهُ حَفْنَةٌ مِنْ تُرَابٍ، فَجَعَلَ يَنْثُرُهَا عَلَى رُءُوسِهِمْ، وَأَخَذَ اللَّهُ أَبْصَارَهُمْ،
وَكَانَ مَخْرَجُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْعَقَبَةِ بِشَهْرَيْنِ، وَأَيَّامَ بُويِعَ أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَخَرَجَ لِهِلالِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْخُرُوجِ، فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَعْجَلْ، لَعَلَّ اللَّهَ يَجْعَلُ لَكَ صَاحِبًا "، فَلَمَّا كَانَتِ الْهِجْرَةُ جَاءَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ نَائِمٌ فَأَيْقَظَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَدْ أَذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ "، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَقْد رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ يَبْكَي مِنَ الْفَرَحِ، ثُمَّ خَرَجَا حَتَّى دَخَلَ الْغَارَ، فَأَقَامَا فِيهِ ثَلاثًا
(801) أَخْبَرَنَا أَبُو يَاسِرٍ، بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَهُ، قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْغَارِ، وَقَالَ مَرَّةً: وَنَحْنُ فِي الْغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى تَحْتِ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا! قَالَ، فَقَالَ: " يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا "
(802) أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ مَحْفُوظِ بْنِ صَصَرَى التَّغْلِبِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو طَالِبٍ عَلِيُّ بْنُ حَيْدَرَةَ بْنِ جَعْفَرٍ الْعَلَوِيُّ الْحُسَيْنِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَسَدِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا الْفَقِيهُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ الْمِصِّيصِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن خَيْثَمَةُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ حَيْدَرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ، كَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعَهُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْرَفَ بِذَلِكَ الطَّرِيقِ، وَكَانَ الرَّجُلُ لا يَزَالُ قَدْ عَرَفَ أَبَا بَكْرٍ مَعَهُ، فَيَقُولُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ فَيُقوُل: هَذَا يَهْدِينِي السَّبِيلَ "
(803) أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَدْرَانَ الْحُلْوَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطِيعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ مِنْ عَازِبٍ سَرْجًا بِثَلاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَازِبٍ: مُرِ الْبَرَاءَ فَلْيَحْمِلْهُ إِلَى مَنْزِلِي، فَقَالَ: لا حَتَّى تُحَدِّثَنَا كَيْفَ صَنَعْتَ حَيْثُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتَ مَعَهُ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: " خَرَجْنَا فَأَدْلَجْنَا فَأَحْيَيْنَا يَوْمَنَا وَلَيْلَتَنَا، حَتَّى أَظْهَرْنَا وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، فَضَرَبْتُ بِبَصَرِي: هَلْ أَرَى ظِلا نَأْوِي إِلَيْه؟ فَإِذَا أَنَا بِصَخْرَةٍ، فَأَهْوَيْتُ إِلَيْهَا فَإِذَا بَقِيَّةُ ظِلِّهَا، فَسَوَّيْتُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَرَشْتُ لَهُ فَرْوَةً، وَقُلْتُ: اضْطَجِعْ يَا رَسُولَ اللَّه فَاضْطَجَعَ، ثُمَّ خَرَجْتُ أَنْظُرُ هَلْ أَرَى أَحَدًا مِنَ الطَّلَبِ؟ فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرْتُهُ فَاعْتَقِلْ شَاةً مِنْهَا، ثُمَّ أَمَرْتُهُ فَنَفِّضْ ضَرْعَهَا، ثُمَّ أَمَرْتُهُ فَنَفِّضْ كَفَّيْهِ مِنَ الْغُبَّارِ، وَمَعِي إِدَاوَةٌ عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ، فَحَلَبَ لِي كُثْبَةً مِنَ اللَّبَنِ، فَصَبَبْتُ عَلَى الْقَدَحِ، حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَافَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ قُلْتُ: هَلْ آنَ الرَّحِيلُ؟ قَالَ: فَارْتَحَلْنَا، وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَنَا، فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه، هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا؟ قَالَ: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَّا، فَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَدْرُ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ، أَوْ قَالَ: رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه، هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا وَبَكَيْتُ، قَالَ: لِمَ تَبْكِي؟، قَالَ: قُلْتُ: وَاللَّهِ مَا عَلَى نَفْسِي أَبْكِي، وَلَكِنِّي أَبْكِي عَلَيْكَ، قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ، فَسَاخَتْ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا فِي أَرْضٍ صَلْدٍ، وَوَثَبَ عَنْهَا، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا عَمَلُكَ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُنَجِّيَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ، فَوَاللَّهِ لأَعْمِيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي مِنَ الطَّلَبِ، وَهَذِهِ كِنَانَتِي فَخُذْ مِنْهَا سَهْمًا، فَإِنَّكَ سَتَمُرُّ عَلَى إِبِلِي وَغَنَمِي فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا حَاجَةَ لِي فِيهَا، قَالَ: وَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَطْلَقَ وَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ، وَمَضَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ، حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَتَلَقَّاهُ النَّاسُ فِي الطَّرِيقِ عَلَى الأَجَاجِيرِ، وَاشْتَدَّ الْخَدَمُ وَالصِّبْيَانُ فِي الطَّرِيقِ، يَقُولُونَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، جَاءَ رَسُولُ اللَّه، جَاءَ مُحَمَّدٌ، قَالَ: وَتَنَازَعَ الْقَوْمُ أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْزِلُ اللَّيْلَةَ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ، أَخْوَالِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أُكْرِمُهُمْ بِذَلِكَ، قَالَ: وَقَالَ الْبَرَاءُ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى، أَخُو بَنِي فِهْرٍ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ رَاكِبًا، فَقُلْنَا: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: هُوَ عَلَى أَثَرِي، ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ، قَالَ الْبَرَاءُ: وَلَمْ يَقْدَمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَرَأْتُ سُوَرًا مِنَ الْمُفَصَّلِ، قَالَ إِسْرَائِيلُ: وَكَانَ الْبَرَاءُ مِنَ الأَنْصَارِ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ
(804) أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ، بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي عِيسَى التِّرْمِذِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ الْبَغَّداِدُّي، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ، قَالَ: حَدَّثَنِي كَثِيرٌ أَبُو إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جُمَيْعِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: " أَنْتَ أَخِي، وَصَاحِبِي فِي الْغَارِ "
[شهوده بدرًا وغيرها]
(805) أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ مَحْفُوظِ بْنِ صَصَرَى التَّغْلِبِيُّ، أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو طَالِبٍ عَلِيُّ بْنُ حَيْدَرَةَ بْنِ جَعْفَرٍ الْحُسَيْنِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَسْدِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ الْمِصِّيصِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَيْدَرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأُبَلِّيُّ الْعَطَّارُ بِالْبَصْرَةِ، أَخْبَرَنَا الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسْدِيُّ، أَخْبَرَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ يَوْمَ بَدْرٍ: " مَعَ أَحَدِكُمَا جِبْرِيلُ، وَمَعَ الآخَرِ مِيكَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ، مَلِكٌ عَظِيمٌ، يَشْهَدُ الْقِتَالَ، وَيَكُونُ فِي الصَّفِّ "
(806) أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ السَّمِينِ، بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا الْتَقَى النَّاسُ يَوْمَ بَدْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَبْنِي لَكَ عَرِيشًا، فَتَكُونُ فِيهِ وَنُنِيخُ إِلَيْكَ رَكَائِبَكَ، وَنَلْقَى عَدُوَّنَا، فَإِنْ أَظْفَرَنَا اللَّهُ وَأَعَزَّنَا، فَذَاكَ أَحَبُّ إِلَيْنَا، وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى تَجْلِسْ عَلَى رَكَائِبِكَ، فَتَلْحَقْ بِمَنْ وَرَاءَنَا؟ فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا، وَدَعَا لَهُ، فَبُنِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرِيشٌ، فَكَانَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ، مَا مَعَهُمَا غَيْرُهُمَا، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاشِدُ رَبَّهُ وَعْدَهُ وَنَصْرَهُ، وَيَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلَكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ لا تُعْبَدْ "، وَأَبُو بَكْرٍ، يَقُولُ: بَعْضُ مُنَاشَدَتِكَ رَبَّكَ، فَإِنَّ اللَّهَ مُوَفِّيكَ مَا وَعَدَ مِنْ نَصْرِهِ
وقَالَ مُحَمَّد بْن سعد: قَالُوا: وشهد أَبُو بَكْر بدرًا، وأحدًا، والخندق، والحديبية والمشاهد كلها مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودفع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاَيْته العظمى يَوْم تبوك إِلَى أَبِي بَكْر، وكانت سوداء، وأطعمه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خيبر مائة وسق، وكان فيمن ثبت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أحد، ويوم حنين حين ولى النَّاس،
ولم يختلف أهل السير فِي أن أبا بَكْر الصديق رَضِي اللَّه عَنْهُ، لم يتخلف عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مشهد من مشاهده كلها.
[فضائله رَضِي اللَّه عَنْهُ]
(807) أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَطِيبُ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَّاجُ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاهِينَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جُنْدُبٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُتَوَفَّى بِيَوْمٍ: " قَدْ كَانَ لِي فِيكُمْ أُخْوَةٌ وَأَصْدِقَاءُ، وَإِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ أَكُونَ اتَّخَذْتُ مِنْكُمْ خَلِيلا، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلا لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلا، وَإِنَّ رَبِّي اتَّخَذَنِي خَلِيلا، كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلا "
(808) قَالَ: وَأَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْمُحَسِّنِ التَّنُوخِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَضَّاحِ الْحُرْفِيُّ السِّمْسَارُ، حَدَّثَنَا أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَابُلُتِّيُّ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ شَيْءٍ رَأَيْتَهُ صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَلَوَى ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَخَذَ مَنْكِبَهُ فَدَفَعَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: " يَا قَوْمُ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ}
الحرفي: بضم الحاء المهملة، وسكون الراء، وبالفاء
(809) أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُسْلِمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ السِّيحِيُّ الْعَدْلُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْبَرَكَاتِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَمِيسٍ الْجُهَنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ طَوْقٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْخَلِيلِ الْمَرْجِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْجَنَّةً، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ فِي الْجَنَّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ "
(810) أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُعَمَّرِ بْنِ طَبَرْزَدَ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَرِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُخَيْتٍ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَلَطِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ مَعْدَانَ الْكَرَابِيسِيُّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ رُوَيْدٍ الْكِنْدِيُّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَحْيٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ، وَيَقُولُ لَكَ: قُلْ لِعَتِيقِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ: إِنَّهُ عَنْهُ رَاضٍ
(811) قال: وأَخْبَرَنَا ابْنُ بخيت، حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن دَاوُد بْن كَثِير بْن وقدان، حَدَّثَنَا سوار بْن عَبْد اللَّه العنبري، قَالَ: قَالَ ابْنُ عيينة عاتب اللَّه سبحانه المسلمين كلهم فِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أبا بَكْر، فإنه خرج من المعاتبة: {إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ}
(812) أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يَعِيشُ بْنُ صَدَقَةَ بْنِ عَلِيٍّ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الطّراحِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُهْتَدِي، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ حُبَابَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْجَهْمِ الْعَلاءُ بْنُ مُوسَى الْبَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ مُصْعَبٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ لِي وَزِيرَيْنِ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ، وَوَزِيرَيْنِ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، فَأَمَّا وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ فَجِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ فَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ "، ثُمَّ رَفَعَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: " إِنَّ أَهْلَ عِلِّييَن لَيَرَاهُمْ مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُمْ كَمَا تَرَوْنَ النُّجُومَ، أَوِ الْكَوَكْبَ فِي السَّمَاءِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ وَأَنْعَمَا "، قُلْتُ لأَبِي سَعِيدٍ: وَمَا أَنْعَمَا؟ قَالَ: أَهْلُ ذَاكَ هُمَا
وأسلم عَلَى يد أَبِي بَكْر: الزُّبَيْر، وعثمان، وعبد الرَّحْمَن بْن عوف، وطلحة، وأعتق سبعةً كانوا يعذبون فِي اللَّه تَعَالَى، منهم: بلال، وعامر بْنُ فهيرة، وغيرهما يذكرون فِي مواضعهم، وكان رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِير الثقة إِلَيْه وبما عنده من الْإِيمَان واليقين، ولهذا لما قيل لَهُ: إن البقرة تكلمت، قَالَ: " آمنت بذلك أَنَا، وَأَبُو بَكْر، وعمر "، وما هُماَ فِي القوم.
(813) أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَغَيْرُهُ، بِإِسْنَادِهِمْ إِلَى أَبِي عِيسَى مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَرْكَبُ بَقَرَةً إِذْ قَالَتْ: لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ "، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " آمَنْتُ بِذَلِكَ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ "، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَمَا هُمَا فِي الْقَوْمِ
(814) أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورِ بْنُ مُكَارِمِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سَعْدٍ الْمُؤَدِّبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ صَفْوَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ السَّرَّاجُ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَنَسٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ طَوْقٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَابِرٍ زَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَسِيدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، وَلَقْد أُعْطَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ثَلاثَةَ خِصَالٍ، لأَنْ أَكُونَ أُعْطِيتُهُنَّ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ: زَوَّجَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ، وَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَسَدَّ الأَبْوَابَ مِنَ الْمَسْجِدِ إِلا بَابَ عَلِيٍّ "
(815) أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ بْنُ أَبِي الرَّجَاءِ الثَّقَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلادٍ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ.
ح قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ بُنْدَارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، قَالا: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُحُدًا، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ، فَقَالَ: " اثْبُتْ فَمَا عَلَيْكَ إِلا نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ "
(816) أَخْبَرَنَا أَبُو الْبَرَكَاتِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هِبَةَ الدِّمَشْقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَشَائِرِ مُحَمَّدُ بْنُ الْخَلِيلِ بْنِ فَارِسٍ الْقَيْسِيُّ، أَخْبَرَنَا الْفَقِيهُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ الْقَنْطَرِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: " هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، إِلا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، لا تُخْبِرْهُمَا يَا عَلِيُّ "
(817) قال: وأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد عَبْد الرَّحْمَن بْن عثمان، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن خيثمة بْن سُلَيْمَان بْن حيدرة الأطرابلسي، حَدَّثَنَا يَحيى بْن أَبِي طَالِب، حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن مَنْصُور، حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد المحاربي، عَنْ جويبر، عَنِ الضحاك فِي قولُه تَعَالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} " مَعَ أَبِي بَكْر وعمر
(818) قَالَ: وَأَخْبَرَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ السُّوَائِيِّ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: " يَا وَهْبُ، أَلا أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا؟ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَرَجُلٌ آخَرُ "، وَقَدْ رَوَى نَحْوَ هَذَا مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِيهِ
(819) قَالَ: وَأَخْبَرَنَا خَيْثَمَةُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الصٍّورِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفًّى، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْقَافْلانِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " تَنَاوَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الأَرْضِ سَبْعَ حَصَيَاتٍ فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ نَاوَلَهُنَّ أَبَا بَكْرٍ فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ، كَمَا سَبَّحْنَ فِي يَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَاوَلَهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ، فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ كَمَا سَبَّحْنَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ نَاوَلَهُنَّ عُثْمَانَ، فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ كَمَا سَبَّحْنَ فِي يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ "
(820) أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ مَحْفُوظِ بْنِ صَصَرَى التَّغْلِبِيُّ، أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو طَالِبٍ عَلِيُّ بْنُ حَيْدَرَةَ الْعَلَوِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الأَسْدِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ الْمِصِّيصِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَلانِسِيُّ، بِالرَّمْلَةِ، أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ مصححٍ، أَخْبَرَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ صَائِمًا؟ "، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: " مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ؟ "، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: " مَنْ شَهِدَ جِنَازَةً؟ "، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: " مَنْ أَطْعَمَ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟ "، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: " مَنْ جَمَعَهُنَّ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَجَبَتْ لَهُ، أَوْ غُفِرَ لَهُ "
(821) قَالَ: وَحَدَّثَنَا خَيْثَمَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحُنَيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: وَفَدَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: فَلَمَّا نَزَلُوا الْمَدِينَةَ تَحَدَّثَ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ إِلَى أَنْ ذَكَرُوا أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، فَفَضَّلَ بَعْضُ الْقَوْمِ أَبَا بَكْرٍ عَلَى عُمَرَ، وَفَضَّلَ بَعْضُ الْقَوْمِ عُمَرَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ الْجَارُودُ بْنُ الْمُعَلَّى مِمَّنْ فَضَّلَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى عُمَرَ، فَجَاءَ عُمَرُ، وَمَعَهُ دِرَّتُهُ، فَأَقْبَلَ عَلَى الَّذِينَ فَضَّلُوهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَجَعَلَ يَضْرِبُهُمْ بِالدِّرَّةِ، حَتَّى مَا يَتَّقِي أَحَدُهُمْ إِلا بِرِجْلِهِ، فَقَالَ لَهُ الْجَارُودُ: أَفِقْ أَفِقْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَكُنْ يَرَانَا نُفَضِّلُكَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، أَبُو بَكْرٍ أَفْضَلُ مِنْكَ فِي كَذَا، وَأَفْضَلُ مِنْكَ فِي كَذَا، فَسُرِّيَ عَنْ عُمَرَ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَشِيِّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " أَلا إِنَّ أَفْضَلَ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، فَمَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ بَعْدَ مُقَامِي هَذَا فَهُوَ مُفْتَرٍ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُفْتَرِي "
(822) قَالَ: وَحَدَّثَنَا خَيْثَمَةُ، حَدَّثَنَا هِلالُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، حَدَّثَنَا أَبُو سِنَانٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ الْهِلالِيِّ، قَالَ: وَافَقْنَا مِنْ عَلِيٍّ طِيبَ نَفْسٍ وَمُزَاحٍ، فَقُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، حَدِّثْنَا عَنْ أَصْحَابِكَ، قَالَ: " كُلُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابِي، قُلْنَا: حَدِّثْنَا عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ، قَالَ: سَلُونِي، قُلْنَا: حَدِّثْنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: ذَاكَ امْرُؤٌ سَمَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صِدِّيقًا عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ وَلِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّلاةِ، رَضِيَهُ لِدِينِنَا، فَرَضِينَاهُ لِدُنْيَانَا "
[علمه رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]
(823) أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَاسِبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حَيُّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ وَاقِدٍ الأَسْلَمِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ سُئِلَ: مَنْ كَانَ يُفْتِي النَّاسَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، مَا أَعْلَمُ غَيْرَهُمَا "
(824) أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي عَلِيٍّ الْمُقْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو رُشَيْدٍ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَسْعُودٍ سُلَيْمَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيْهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ وَبُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمًا، فَقَالَ: " إِنَّ رَجُلا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ "، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، فَتَعَجَّبْنَا لِبُكَائِهِ، أَنْ يُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ قَدْ خُيِّرَ، وَكَانَ هُوَ الْمُخَيَّرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ، فَقَالَ: " لا تَبْكِ يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلا لاتَّخَذْتُهُ خَلِيلا، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلامِ وَمَوَدَّتُهُ، لا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلا سُدَّ، إِلا بَابَ أَبِي بَكْرٍ "
[زهده وتواضعه وَإِنفاقه رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]
(825) أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ الْهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ خَلِيلُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ الْخَلِيلِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ دُرُسْتُوَيْهِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ، حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنِي أَسْلَمُ الْكُوفِيُّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: دَعَا أَبُو بَكْرٍ بِشَرَابٍ، فَأُتِيَ بِمَاءٍ وَعَسَلٍ، فَلَمَّا أَدْنَاهُ مِنْ فِيهِ نَحَّاهُ، ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَكَّى أَصْحَابُهُ، فَسَكَتُوا وَمَا سَكَتَ، ثُمَّ عَادَ فَبَكَى حتَّى ظَنُّوا أَنَّهُمْ لا يَقْوُونَ عَلَى مَسْأَلَتِهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالُوا: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، مَا أَبْكَاكَ؟ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُهُ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ شَيْئًا، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مَعَهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا الَّذِي تَدْفَعُ، وَلا أَرَى أَحَدًا مَعَكَ؟ قَالَ: " هَذِهِ الدُّنْيَا تَمَثَّلَتْ فَقُلْتُ لَهَا: إِلَيْكِ عَنِّي، فَتَنَحَّتْ ثُمَّ رَجَعَتْ، فَقَالَتْ: أَمَا إِنَّكَ إِنْ أَفْلَتَّ فَلَنْ يُفْلِتَ مَنْ بَعْدَكَ "، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ فَمَقَتُّ أَنْ تَلْحَقَنِيَ
(826) قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو السّعُودِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمجْلِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْعُكْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَلَفِ بْنِ خَاقَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ دُرَيْدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَاتِمٍ، عَنِ الأَصْمَعِيِّ، قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا مُدِحَ، قَالَ: " اللَّهُمَّ أَنْتَ أَعْلَمُ بِي مِنْ نَفْسِي، وَأَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْهُمْ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي خَيْرًا مِمَّا يَظُنُّونَ، وَاغْفِرْ لِي مَا لا يَعْلَمُونَ، وَلا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ "
(827) قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ السَّمَرْقَنْدِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّبَرِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ السَّكُونِيُّ، وَغَيْرُهُ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، سَمِعَ أَبَا السَّفَرِ، قَالَ: دَخَلُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي مَرَضِهِ، فَقَالُوا: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ أَلا نَدْعُوا لَكَ طَبِيبًا يَنْظُرُ إِلَيْكَ؟ قَالَ: " قَدْ نُظِرَ إِلَيَّ "، قَالُوا: مَا قَالَ لَكَ؟، قَالَ: " إِنِّي فَعَّالٌ لِمَا أُرِيدُ "
(828) أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو رُشَيْدٍ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَسْعُودٍ سُلَيْمَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ مَرْدُوَيْهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا مَيْمُونُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ الْحَسَنِ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ "، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: وَهَلْ أَنَا وَمَالِي إِلا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
(829) قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيْهِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُمَيْرٍ الْقُرَشِيُّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} ...
إِلَى آخِرِ الآيَةِ، قَالَ: جَاءَ عُمَرُ بِنِصْفِ مَالِهِ يَحْمِلُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ، وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِمَالِهِ أَجْمَعَ يَكَادُ يُخْفِيهِ مِنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا تَرَكْتَ لأَهْلِكَ؟ "، قَالَ: عِدَّةُ اللَّهِ وَعِدَّةُ رَسُولِهِ، قَالَ: يَقُولُ عُمَرُ لأَبِي بَكْرٍ: بِنَفْسِي أَنْتَ وَبِأَهْلِي أَنْتَ، مَا اسْتَبَقْنَا بَابَ خَيْرٍ قَطُّ إِلا سَبَقْتَنَا إِلَيْهِ
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَزَّازِ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَصَدَّقَ، وَوَافَقَ ذَلِكَ مَالا عِنْدِي، فَقُلْتُ، الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ، قَالَ: فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ: " مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟ "، قُلْتُ: مِثْلُهُ، وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: " يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟ "، قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ: لا أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا.
(830) أَخْبَرَنَا الْقَاسِم بْن عليّ بْن الْحَسَن الدمشقي، إجازة، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِم بْن السَّمَرْقَنْدِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر بْن الطبري، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن بْن الفضل، حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر، حَدَّثَنَا يعقوب، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر الحميدي، حَدَّثَنَا سُفْيَان، عَنْ هشام بْن عروة، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أسلم أَبُو بَكْر، وله أربعون ألفًا، فأنفقها فِي اللَّه، وأعتق سبعة كلهم يعذب فِي اللَّه: أعتق بلالًا، وعامر بْن فهيرة، وزنيرة، والنهدية وابنتها، وجارية بني مؤمل، وأم عبيس زنيرة: بكسر الزاي، والنون المشددة، وبعدها ياء تحتها نقطتها، ثُمَّ راء وهاء، وعبيس: بضم العين المهملة، وفتح الباء الموحدة، والياء الساكنة تحتها نقطتان، وآخره سين مهملة.
(831) قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْوَاسِطِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ، حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْوَاعِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَبِيبٍ الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَايِحِ بْنِ قوامَةَ، بِبُخَارَى، أَخْبَرَنَا جِبْرِيلُ بْنُ منجَاعٍ الْكُشَانِيُّ بِهَا، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا رِشْدِينُ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ شَدَّادٍ الْمُرَادِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْغِفَارِيِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَتَعَاهَدُ عَجُوزًا كَبِيرَةً عَمْيَاءَ، فِي بَعْضِ حَوَاشِي الْمَدِينَةِ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَسْتَقِي لَهَا وَيَقُومُ بِأَمْرِهَا، فَكَانَ إِذَا جَاءَ وَجَدَ غَيْرَهُ قَدْ سَبَقَهُ إِلَيْهَا، فَأَصْلَحَ مَا أَرَادَتْ، فَجَاءَهَا غَيْرَ مَرَّةٍ كَيْلا يُسْبَقَ إِلَيْهَا، فَرَصَدَهُ عُمَرُ، فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ الَّذِي يَأْتِيهَا، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةٌ، فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ هُوَ لَعَمْرِي
(832) قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَقِيلِ بْنِ الأَزْهَرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعَ عَمَّتَهُ أُنَيْسَةَ، قَالَتْ: نَزَلَ فِينَا أَبُو بَكْرٍ ثَلاثَ سِنِينَ: سَنَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَخْلَفَ، وَسَنَةً بَعْدَ مَا اسْتُخْلِفَ، فَكَانَ جَوَارِي الْحَيِّ يَأْتِينَهُ بِغَنَمِهِنَّ، فَيَحْلِبْهُنَّ لَهُنَّ
(833) قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مُوَرِّقٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صبيحَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
ح، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يَوْمَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ، لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ بِالسُّنُحِ عِنْدَ زَوْجَتِهِ حَبِيبَةَ بِنْتِ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ، مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَكَانَ قَدْ حُجِرَ عَلَيْهِ حَجْرَةٌ مِنْ شِعْرٍ، فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَحَوَّلَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَقَامَ هُنَاكَ بِالسُّنُحِ، بَعْدَمَا بُويِعَ لَهُ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ، يَغْدُو عَلَى رِجْلَيْهِ وَرُبَّمَا رَكِبَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَيُوَافِي الْمَدِينَةَ فَيُصَلِّي الصَّلَوَاتِ بِالنَّاسِ، فَإِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ الآخِرَةَ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَكَانَ يَحْلِبُ لِلْحَيِّ أَغْنَامَهُمْ، فَلَمَّا بُويِعَ لَهُ بِالْخِلافَةِ، قَالَتْ جَارِيَةٌ مِنَ الْحَيِّ: الآنَ لا يُحْلَبُ لَنَا مَنَائِحُنَا، فَسَمِعَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: بَلَى، لَعَمْرِي لأَحْلِبَنَّهَا لَكُمْ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ لا يُغَيِّرَنِي مَا دَخَلْتُ فِيهِ عَنْ خُلُقٍ كُنْتُ عَلَيْهِ، فَكَانَ يَحْلِبُ لَهُمْ، فَرُبَّمَا قَالَ لِلْجَارِيَةِ: أَتُحِبِّينَ أَنْ أُرْغِيَ لَكُمْ أَوْ أَنْ أُصَرِّحَ؟ فَرُبَّمَا قَالَتْ: أَرْغِ، وَرُبَّمَا، قَالَتْ: صَرِّحْ فَأَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ فَعَلَ
وله فِي تواضعه أخبار كثيرة، نقتصر منها عَلَى هَذَا القدر
[خلافته]
(834) أَخْبَرَنَا أَبُو الْبَرَكَاتِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَشَائِرِ مُحَمَّدُ بْنُ الْخَلِيلِ بْنِ فَارِسٍ الْقَيْسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ الْمِصِّيصِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مَعْرُوفِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ بَكْرَوَيْهِ الْبَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَدَنِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " رَأَيْتُنِي عَلَى حَوْضٍ، فَوَرَدَتْ عَلَيَّ غَنَمٌ سُودٌ وَبِيضٌ، فَأَوَّلْتُ السُّودَ: الْعَجَمَ، وَالْعُفْرَ: الْعَرَبُ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ الدَّلْوَ مِنِّي، فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، فَجَاءَ عُمَرُ فَمَلأَ الْحَوْضَ وَأَرْوَى الْوَارِدَ "
(835) قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَيْدَرَةَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْخَزَّازُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقْتَدُوا بِالَّذِينَ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ "
(836) قال: وحَدَّثَنَا خيثمة، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن ملاعب الْبَغْدَادِيّ، أَخْبَرَنَا خلف بْن الْوَلِيد، أَخْبَرَنَا المبارك بْن فضالة، حَدَّثَني مُحَمَّد بْن الزُّبَيْر، قَالَ: أرسلني عُمَر بْن عَبْد العزيز إِلَى الْحَسَن الْبَصْرِيّ أسأله عَنْ أشياء، فصعدت إِلَيْه، فإذا هُوَ متكئٌ عَلَى وسادة من أدم، فقلت: أرسلني إليك عُمَر أسألك عَنْ أشياء، فأجابني فيما سَأَلْتُهُ عَنْهُ، وقلت: اشفني فيما اختلف النَّاس فِيهِ: هَلْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استخلف أبا بَكْر؟ فاستوى الْحَسَن قاعدًا، فَقَالَ: أَوْ فِي شك هُوَ لا أبا لَكَ؟ إي والله الَّذِي لا إله إلا هُوَ، لقد استخلفه، ولهو كَانَ أعلم بالله، وأتقى لَهُ، وأشد مخافة من أن يموت عليها لو لم يأمره
(837) أَخْبَرَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الطَّبَرِيُّ، بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي يَعْلَى، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دِينَارٍ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِيُصَلِّ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ "، قَالُوا: لَوْ أَمَرْتَ غَيْرَهُ؟ قَالَ: " لا يَنْبَغِي لأُمَّتِي أَنْ يَؤُمَّهُمْ إِمَامٌ، وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ "
(838) أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَغَيْرُهُمَا، بِإِسْنَادِهِمْ إِلَى أَبِي عِيسَى السُّلَمِيِّ، حَدَّثَنَا النَّصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيِّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَنْبَغِي لِقَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ "
(839) قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، أَنَّ أَبَاهُ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ، فَأَمَرَهَا بِأَمْرٍ، فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ أَجِدْكَ؟ قَالَ: " إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ "
(840) أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي عَلِيٍّ الْمُقْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو رُشَيْدٍ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَسْعُودٍ سُلَيْمَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ مَرْدُوَيْهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَالِكِيُّ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: " قَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، وَإِنِّي لَشَاهِدٌ غَيْرُ غَائِبٍ، وَإِنِّي لَصَحِيحٌ غَيْرُ مَرِيضٍ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُقَدِّمَنِي لَقَدَّمَنِي، فَرَضِينَا لِدُنْيَانَا مَنْ رَضِيَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لِدِينِنَا "
(841) أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يَعِيشُ بْنُ صَدَقَةَ بْنِ عَلِيٍّ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْبَزَّازُ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى الْوَزِيرُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ نُبَيْطٍ يَعْنِيَ ابْنَ شُرَيْطٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا اشْتَدَّ مَرَضُهُ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ، قَال: " مُرُوا بِلالا فَلْيُؤَذِّنْ، وَمُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ "، قَالَ: ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ أَبِي رَجُلٌ أَسِيفٌ، فَلَوْ أَمَرْتَ غَيْرَهُ، فَقَالَ: " أُقِيمَتِ الصَّلاةُ؟ "، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبِي رَجُلٌ أَسِيفٌ، فَلَوْ أَمَرْتَ غَيْرَهُ؟، قَالَ: " إِنَّكُنَّ صَوَاحِبَاتُ يُوسُفَ، مُرُوا بِلالا فَلْيُؤَذِّنْ، وَمُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: " أُقِيمَتِ الصَّلاةُ؟ "، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: " ادْعُوا إِلَيَّ إِنْسَانًا أَعْتَمِدُ عَلَيْهِ "، فَجَاءَتْ بُرَيْرَةُ، وَإِنْسَانٌ آخَرُ، فَانْطَلَقُوا يَمْشُونَ بِهِ، وَإِنَّ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ فِي الأَرْضِ، قَالَ: " فَأَجْلِسُوهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَأَخَّرُ، فَحَبَسَهُ حتَّى فَرَغَ النَّاسُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ، قَالَ: وَكَانُوا قَوْمًا أُمِّيِّينَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ نَبِيٌّ قَبْلَهُ، قَالَ عُمَرُ: لا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ بِمَوْتِهِ إِلا ضَرَبْتُهُ بِسَيْفِي هَذَا، قَالَ: فَقَالُوا لَهُ: اذْهَبْ إِلَى صَاحِبِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَادْعُهُ، يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ، قَالَ: فَذَهَبْتُ فَوَجَدْتُهُ فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ: فَأَجْهَشْتُ أَبْكِي، قَالَ: لَعَلَّ نَبِيَّ اللَّهِ تُوُفِّيَ؟ قُلْتُ: إِنَّ عُمَرَ، قَالَ: لا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ بِمَوْتِهِ إِلا ضَرَبْتُهُ بِسَيْفِي هَذَا! قَالَ: فَأَخَذَ بِسَاعِدِي ثُمَّ أَقْبَلَ يَمْشِي، حَتَّى دَخَلَ، فَأَوْسَعُوا لَهُ، فَأَكَبَّ عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَادَ وَجْهُهُ يَمَسُّ وَجْهَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ نَفْسَهُ حَتَّى اسْتَبَانَ أَنَّهُ تُوُفِّيَ، فَقَالَ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} ، قَالُوا: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نَعَمْ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ كَمَا قَالَ، قَالُوا: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ، هَلْ يُصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: يَجِيءُ نَفَرٌ مِنْكُمْ، فَيُكَبِّرُونَ فَيَدْعُونَ وَيَذْهَبُونَ حَتَّى يَفْرَغَ النَّاسُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ كَمَا قَالَ، قَالُوا: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ، هَلْ يُدْفَنُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: أَيْنَ يُدْفَنُ؟ قَالَ: حَيْثُ قَبَضَ اللَّهُ رُوحَهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ، إِلا فِي مَوْضِعٍ طَيِّبٍ، قَالَ: فَعَرَفُوا أَنَّهُ كَمَا قَالَ، ثُمَّ قَالَ: عِنْدَكُمْ صَاحِبُكُمْ، ثُمَّ خَرَجَ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْه الْمُهَاجِرُونَ أَوْ مَنِ اجْتَمَعَ إِلَيْه مِنْهُمْ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا إِلَى إِخْوَانِنَا مِنَ الأَنْصَارِ، فَإِنَّ لَهُمْ فِي هَذَا الْحَقِّ نَصِيبًا، قَالَ: فَذَهَبُوا حَتَّى أَتَوُا الأَنْصَارَ، قَالَ: فَإِنَّهُمْ لَيَتَآمَرُونَ إِذْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَقَامَ عُمَرُ وَأَخَذَ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: سَيْفَانِ فِي غِمْدٍ إِذَنْ لا يَصْطَحِبَانِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ لَهُ هَذِهِ الثَّلاثَةُ: {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} مَعَ مَنْ؟ فَبُسِطَ يَدُ أَبِي بَكْرٍ، فَضُرِبَ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: بَايِعُوا، فَبَايَعَ النَّاسُ أَحْسَنَ بَيْعَةً
(842) أَخْبَرَنَا أَبُو يَاسِرِ بْنُ أَبِي حَبَّةَ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتِ الأَنْصَارُ: مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُم أَمِيرٌ، فَأَتَاهُمْ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَؤُمَّ النَّاسَ "؟ فَأَيُّكُمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ؟، فَقَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ نَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ
(843) أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَلِيٍّ الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْخِلَعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ النَّحَّاسِ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا مشرفُ بْنُ سَعِيدٍ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قال: كَانَ رُجُوعُ الأَنْصَارِ يَوْمَ سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ بِكَلامٍ، قَالَهُ عُمَرُ، قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ، " أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ "؟، قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: فَأَيُّكُمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يُزِيلَهُ عَنْ مُقَامِهِ الَّذِي أَقَامَهُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: كُلُّنَا لا تَطِيبُ أَنْفُسُنَا، نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ حَدِيثَ عُمَرَ، فِي بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ، تَرَكْنَاهُ لِطُولِهِ وَشُهْرَتِهِ
ولما توفي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتجت مكَّة، فسمع بذلك أَبُو قحافة، فَقَالَ: ما هَذَا؟ قَالُوا: قبض رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أمر جليل، فمن ولي بعده؟ قَالُوا: ابنك، قَالَ: فهل رضيت بذلك بنو عَبْد مناف، وبنو المغيرة؟ قَالُوا: نعم، قَالَ: لا مانع لما أعطى اللَّه، ولا معطي لما منع،
وكان عُمَر بْن الخطاب أول من بايعه، وكانت بيعته فِي السقيفة يَوْم وفاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ كانت بيعة العامة فِي الغد، وتخلف عَنْ بيعته: عليّ، وبنو هاشم، والزبير بْن العوام، وخالد بْن سَعِيد بْن العاص، وسعد بْن عبادة الْأَنْصَارِيّ، ثُمَّ إن الجميع بايعوا بعد موت فاطمة بِنْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا سعد بْن عبادة، فإنه لم يبايع أحدًا إِلَى أن مات، وكانت بيعتهم بعد ستة أشهر عَلَى القول الصحيح، وقيل غير ذَلِكَ،
وقام فِي قتال أهل الردة مقامًا عظيمًا، ذكرناه فِي الكامل فِي التاريخ.
(844) أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ، بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ وَسُفْيَانُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ الْحَكَمِ الْفَزَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَقُولُ: كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي، فَإِذَا حَدَّثَنِي عَنْهُ غَيْرُهُ أَسْتَحْلِفُهُ، فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ، وَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ فَيَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ قَالَ مِسْعَرٌ: وَيُصَلِّي، وَقَالَ سُفْيَانُ: ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلا غَفَرَ لَهُ "
[وفاته]
قَالَ ابْنُ إِسْحَاق: توفي أَبُو بَكْر رَضِي اللَّه عَنْهُ، يَوْم الجمعة، لسبع ليال بقين من جمادى الآخرة، سنة ثلاث عشرة، وصلى عَلَيْهِ عُمَر بْن الخطاب، وقَالَ غيره: توفي عشي يَوْم الاثنين، وقيل: ليلة الثلاثاء، وقيل: عشي يَوْم الثلاثاء، لثمان بقين من جمادى الآخرة.
(845) وأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي الْقَاسِمِ إجازة، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ يُوسُفُ بْن عَبْد الواحد، حَدَّثَنَا شجاع بْن عليّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه بْن منده، قَالَ: وُلد يعني أَبا بَكْر بعد الفيل بسنتين وأربعة أشهر إلا أيامًا، ومات بعد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين وأشهر بالمدينة، وهو ابْنُ ثلاث وستين سنة، وكان رجلًا أبيض نحيفًا، خفيف العارضين، معروق الوجه غائر العينين، ناتئ الجبهة، يخضب بالحناء والكتم، وكان أول من أسلم من الرجال، وأسلم أبواه لَهُ، ولوالديه ولولده، وولد ولده صحبة رَضِي اللَّه عَنْهُمْ
(846) قَالَ: وأَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر الفرضي، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد الجوهري، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَر بْن حيوية، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بْن القهم، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سعد، حَدَّثَنَا عَبْد العزيز بْن عَبْد اللَّه الأويسي، حَدَّثَني ليث بْن سعد، عَنْ عقيل، عَنِ ابْنِ شهاب، أن أبا بَكْر، والحارث بْن كلدة كانا يأكلان خزيرة أهديت لأبي بَكْر، فَقَالَ الحارث: ارفع يدك يا خليفة رَسُول اللَّه، والله إن فيها لسم سنة، وأنا وأنت نموت فِي يَوْم واحد، قَالَ: فرفع يده، فلم يزالا عليلين حتَّى ماتا فِي يَوْم واحد، عند انقضاء السنة
(847) قَالَ: وأَخْبَرَنَا أَبِي بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سعد، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُمَر، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه، عَنِ الزُّهْرِيّ، عَنْ عروة، عَنْ عَائِشَة، قَالَتْ: " كَانَ أول ما بدئ مرض أَبِي بَكْر، أَنَّهُ اغتسل يَوْم الاثنين، لسبع خلون من جمادى الآخرة، وكان يومًا باردًا، فحم خمسة عشر يومًا، لا يخرج إِلَى صلاة، وكان يأمر عُمَر يصلي بالناس، ويدخل النَّاس عَلَيْهِ يعودونه وهو يثقل كل يَوْم، وهو نازل يومئذ فِي داره التي قطع لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجاه دار عثمان بْن عفان اليوم، وكان عثمان ألزمهم لَهُ فِي مرضه، وتوفي مساء ليلة الثلاثاء لثمان ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، فكانت خلافته سنتين، وثلاثة أشهر وعشر ليال، وكان أَبُو معشر، يَقُولُ: سنتين وأربعة أشهر إلا أربع ليال، وتوفي وهو ابْنُ ثلاث وستين سنة، مجمع عَلَى ذَلِكَ فِي الروايات كلها، استوفى سن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان أَبُو بَكْر ولد بعد الفيل بثلاث سنين
وهو أول خليفة كَانَ فِي الْإِسْلَام، وأول من حج أميرا فِي الْإِسْلَام، فإن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتح مكَّة سنة ثمان، وسير أبا بَكْر يحج بالناس أميرًا سنة تسع، وهو أول من جمع القرآن، وقيل: عليّ بْن أَبِي طَالِب أولُ من جمعه، وكان سبب جمع أَبِي بَكْر للقرآن ما ذكرناه فِي ترجمة عثمان بْن عفان، وهو أول خليفة ورثه أَبُوهُ ".
وقَالَ زياد بْن حنظلة: كَانَ سببُ موت أَبِي بَكْر الكمد عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومثله قَالَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر،
ولما حضره الموت استخلف عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه عَنْهُمَا، وَقَدْ ذكرنا ذلك فِي ترجمة عُمَر رَضِي اللَّه عَنْهُ.
ب د ع: عَبْد اللَّه بْن عثمان بْن عَامِر بْن عَمْرو بْن كعب بْن سعد بْن تيم بْن مرة بْن كعب بْن لؤي الْقُرَشِيّ التيمي، أَبُو بَكْر الصديق بْن أَبِي قُحافة، واسم أَبِي قحافة: عثمان وأمه أم الخير سلمى بِنْت صخر بْن عَامِر بْن كعب بْن سعد بْن تيم بْن مرة، وهي ابْنَة عم أَبِي قحافة، وقيل اسمها: ليلى بِنْت صخر بْن عَامِر، قاله مُحَمَّد بْن سعد، وقَالَ غيره: اسمها سلمى بِنْت صخر بْن عَامِر بْن عَمْرو بْن كعب بْن سعد بْن تيم، وهذا ليس بشيء، فإنها تكون ابْنَة أخيه، ولم تكن العرب تنكح بنات الإخوة، والأول أصح، وهو صاحبُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الغار وفي الهجرة، والخليفة بعده.
روى عن: النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ: عُمَر، وعثمان، وعلي، وعبد الرَّحْمَن بْن عوف، وابن مَسْعُود، وابن عُمَر، وابن عَبَّاس، وحذيفة، وزيد بْن ثابت، وغيرهم.
وَقَدْ اختلف فِي اسمه، فقيل: كَانَ عَبْد الكعبة، فسماه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد اللَّه، وقيل: إن أهله سموه عَبْد اللَّه، وَيُقَالُ لَهُ: عتيق أيضًا، واختلفوا فِي السبب الَّذِي قيل لَهُ لأجله عتيق، فَقَالَ بعضهم، قيل لَهُ: عتيق لحسن وجهه وجماله، قاله الليث بْن سعد وجماعة معه، وقَالَ الزُّبَيْر بْن بكار، وجماعة معه، إنَّما قيل لَهُ: عتيق لأنَّه لم يكن فِي نسبه شيء يعاب بِهِ، وقيل: إنَّما سمي عتيقًا، لأن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: " أنت عتيق اللَّه من النار ".
(792) أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مِهْرَانَ الْفَقِيهُ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا: بِإِسْنَادِهِمْ إِلَى أَبِي عِيسَى التِّرْمِذِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَمِّهِ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: " أَنْتَ عَتِيقٌ مِنَ النَّارِ "، فَيَوْمَئِذٍ سُمِّيَ عَتِيقًا، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ مَعْنٍ، وَقَالَ: مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ
(793) وَقِيلَ لَهُ: الصِّدِّيقُ أَيْضًا، لِمَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ الدِّمَشْقِيُّ، إِذْنًا، أَنْبَأَنَا أَبِي، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمُطَرِّزُ وَأَبُو عَلِيٍّ الْحَدَّادُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ غَسَّانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى، أَصْبَحَ يُحَدِّثُ بِذَلِكَ النَّاسَ، فَارْتَدَّ نَاسٌ مِمَّنْ كَانَ آمَنَ وَصَدَّقَ بِهِ وَفُتِنُوا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي لأُصَدِّقُهُ فِيمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ، أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ غَدْوَةً أَوْ رَوْحَةً، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقَ " وقَالَ أَبُو محجن الثقفي:
وسميت صديقًا وكل مهاجر سواك يسمى باسمه غير منكر
سبقت إلى الْإِسْلَام والله شاهد وكنت جليسًا فِي العريش المشهر
[إسلامه]
كَانَ أَبُو بَكْر رَضِي اللَّه عَنْهُ، من رؤساء قريش فِي الجاهلية، محببًا فيهم، مألفًا لهم، وكان إِلَيْه الأشناق فِي الجاهلية، والأشناق: الديات، وكان إِذَا حمل شيئًا صدقته قريش وأمضوا حمالته وحمالة من قام معه، وإن احتملها غيره خذلوه ولم يصدقوه.
فلما جاء الْإِسْلَام سبق إِلَيْه، وأسلم عَلَى يده جماعة لمحبتهم لَهُ، وميلهم إِلَيْه، حتَّى إنه أسلم عَلَى يده خمسة من العشرة، وَقَدْ ذكرناه عند أسمائهم، وَقَدْ ذهب جماعة من العلماء إلى أَنَّهُ أول من أسلم، منهم ابْنُ عَبَّاس، من رواية الشَّعْبِيّ، عَنْهُ، وقَالَ حسان بْن ثابت فِي شعره، وعمرو بْن عبسة، وإبراهيم النخعي، وغيرهم.
(794) أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ السَّمِينِ، بِإِسْنَادِهِ إِلَى يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُصَيْنِ التَّمِيمِيُّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا دَعَوْتُ أَحَدًا إِلَى الإِسْلامِ إِلا كَانَتْ لَهُ عَنْهُ كَبْوَةٌ، وَتَرَدُّدٌ وَنَظَرٌ، إِلا أَبَا بَكْرٍ مَا عَتَمَ حِينَ ذَكَرْتُهُ لَهُ، مَا تَرَدَّدَ فِيهِ "
(795) أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ الْقَاسِمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ، كِتَابَةً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَيَانٍ، قَالَ عَلِيٌّ: ثُمَّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْبَرَكَاتِ الأَنْمَاطِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُونٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الصَّوَّافِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الْمِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا خَلَفٌ الْعُرْفُطِيُّ أَبُو أُمَيَّةَ، مِنْ وَلَدِ خَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ، عَنِ ابْنِ دَابٍ، يَعْنِي عِيسَى بْنَ يَزِيدَ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ " كُنْتُ جَالِسًا بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَاعِدًا، فَمَرَّ بِهِ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ، فَقَالَ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ؟ قَالَ: بِخَيْرٍ، قَالَ: هَلْ وَجَدْتَ؟ قَالَ: لا، وَلَمْ آلُ مِنْ طَلَبٍ، فَقَالَ:
كُلُّ دِينٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلا مَا قَضَى اللَّهُ وَالْحَنِيفَةُ بُورُ
أما إن هَذَا النَّبِيّ الَّذِي ينتظر منا، أَوْ منكم، أَوْ من أهل فلسطين، قَالَ: ولم أكن سَمِعْتُ قبل ذَلِكَ بنبي ينتظر، أَوْ يبعث، قَالَ: فخرجت أريد ورقة بْن نوفل، وكان كَثِير النظر فِي السماء، كَثِير همهمة الصدر، قَالَ: فاستوقفته، ثُمَّ اقتصصت عَلَيْهِ الحديث، فَقَالَ: نعم يا ابْنَ أخي، أَبَى أهل الكتاب والعلماء إلا أن هَذَا النَّبِيّ الَّذِي ينتظر من أوسط العرب نسبًا، ولي علم بالنسب، وقومك أوسط العرب نسبًا، قَالَ: قلت: يا عم، وما يَقُولُ النَّبِيّ؟ قلت: يَقُولُ ما قيل لَهُ، إلا أَنَّهُ لا ظلم ولا تظالم، فلما بعث النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمنت وصدقت "
(796) وَأَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عُمَرَ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ الْغَازِي النَّيْسَابُورِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الرَّازِيُّ، بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوبَ الْقَزْوِينِيُّ الصُّوفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الرَّاسِبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنُ حُمَيْدٍ التِّكَكِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْجَرَّاحِ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، مِنْ وَلَدِ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: إِنَّهُ خَرَجَ إِلَى الْيَمَنِ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ عَلَى شَيْخٍ مِنَ الأَزْدِ عَالِمٍ قَدْ قَرَأَ الْكُتُبَ، وَعَلِمَ مِنْ عِلْمِ النَّاسِ كَثِيرًا، فَلَمَّا رَآنِي، قَالَ: أَحْسَبُكَ حَرَمِيًا؟ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ، قَالَ: وَأَحْسَبُكَ قُرَشِيًّا؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَ: وَأَحْسَبُكَ تَيْمِيًّا، قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا مِنْ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، مِنْ وَلَدِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: بَقِيَتْ لِي فِيكَ وَاحِدَةٌ، قُلْتُ: مَا هِيَ؟ قَالَ: تَكْشِفُ عَنْ بَطْنِكَ، قُلْتُ: لا أَفْعَلُ أَوْ تُخْبِرُنِي لِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَجِدُ فِي الْعِلْمِ الصَّحِيحِ الصَّادِقِ أَنَّ نَبِيًّا يُبْعَثُ فِي الْحَرَمِ، يُعَاوِنُ عَلَى أَمْرِهِ فَتًى وَكَهْلٌ، فَأَمَّا الْفَتَى فَخَوَّاضُ غَمَرَاتٍ وَدَفَّاعُ مُعْضِلاتٍ، وَأَمَّا الْكَهْلُ فَأَبْيَضُ نَحِيفٌ، عَلَى بَطْنِهِ شَامَةٌ، وَعَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى عَلامَةٌ، وَمَا عَلَيْكَ أَنْ تُرِيَنِي مَا سَأَلْتُكَ، فَقَدْ تَكَامَلَتْ لِي فِيكَ الصِّفَةُ إِلا مَا خَفِيَ عَلَيَّ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَكَشَفْتُ لَهُ عَنْ بَطْنِي، فَرَأَى شَامَةً سَوْدَاءَ فَوْقَ سُرَّتِي، فَقَالَ: أَنْتَ هُوَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، وَإِنِّي مُتَقَدِّمٌ إِلَيْكَ فِي أَمْرٍ فَاحْذَرْهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ، قُلْتُ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: إِيَّاكَ وَالْمَيْلَ عَنِ الْهُدَى، وَتَمَسَّكْ بِالطَّرِيقَةِ الْمُثْلَى الْوُسْطَى، وَخَفِ اللَّهَ فِيمَا خَوَّلَكَ وَأَعْطَاكَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَقَضَيْتُ بِالْيَمَنِ أُرَبِّي، ثُمَّ أَتَيْتُ الشَّيْخَ لأُوَدِّعَهُ، فَقَالَ: أَحَامِلٌ عَنِّي أَبْيَاتًا مِنَ الشِّعْرِ قُلْتُهَا فِي ذَلِكَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: نَعَمْ، فَذَكَرَ أَبْيَاتًا،
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَقَدِمْتُ مَكَّةَ، وَقَدْ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَنِي عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَشَيْبَةُ، وَرَبِيعَةُ، وَأَبُو جَهْلٍ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ، وَصَنَادِيدُ قُرَيْشٍ، فَقُلْتُ لَهُمْ: هَلْ نَابَتْكُمْ نَائِبَةٌ، أَوْ ظَهَرَ فِيكُمْ أَمْرٌ؟ قَالُوا: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَعْظَمُ الْخَطْبِ: يَتِيمُ أَبِي طَالِبٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَلَوْلا أَنْتَ مَا انْتَظَرْنَا بِهِ، فَإِذْ قَدْ جِئْتَ، فَأَنْتَ الْغَايَةُ وَالْكِفَايَةُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَصَرَفْتُهُمْ عَلَى أَحْسَنِ مَسٍّ، وَسَأَلْتُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ: فِي مَنْزِلِ خَدِيجَةَ، فَقَرَعْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ، فَخَرَجَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَدْتَ مِنْ مَنَازِلِ أَهْلِكَ، وَتَرَكْتَ دِينَ آبَائِكَ وَأَجْدَادِكَ؟ قَالَ: " يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ وَإِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ، فَآمِنْ بِاللَّهِ "، فَقُلْتُ: مَا دَلِيلُكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: " الشَّيْخُ الَّذِي لَقِيتُ بِالْيَمَنِ "، قُلْتُ: وَكَمْ مِنْ شَيْخٍ لَقِيتَ بِالْيَمَنِ؟ قَالَ: " الشَّيْخُ الَّذِي أَفَادَكَ الأَبْيَاتَ "، قُلْتُ: وَمَنْ خَبَّرَكَ بِهَذَا يَا حَبِيبِي؟ قَالَ: " الْمَلِكُ الْمُعَظَّمُ الَّذِي يَأْتِي الأَنْبِيَاءَ قَبْلِي "، قُلْتُ: مُدَّ يَدَكَ، فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّه،
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَانْصَرَفْتُ وَمَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أَشَدَّ سُرُورًا مِنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْلامِي
(797) أَخْبَرَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ إِجَازَةً، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبِ بْنُ الْبَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ الْمُجَدَّرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مِغْرَاءٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ مَنْ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ؟ قَالَ: " أَبُو بَكْرٍ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ حَسَّانٍ:
إِذَا تَذَكَّرْتَ شَجْوًا مِنْ أَخِي ثِقَةٍ فَاذْكُرْ أَخَاكَ أَبَا بَكْرٍ بِمَا فَعَلا
خَيْرَ الْبَرِيَّةِ أَتْقَاهَا وَأَعْدَلَهَا بَعْدَ النَّبِيِّ وَأَوْفَاهَا بِمَا حَمَلا
وَالثَّانِيَ التَّالِيَ الْمَحْمُودَ مَشْهَدُهُ وَأَوَّلَ النَّاسِ مِنْهُمْ صَدَّقَ الرُّسُلا "
(798) أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ مَحْمُودِ بْنِ سَعْدٍ، إِجَازَةً بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفًّى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلامٍ الْحَبَشِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ عَنْبَسَةَ السُّلَمِيَّ، يَقُولُ: أُلْقِيَ فِي رَوْعِي أَنَّ عِبَادَةَ الأَوْثَانِ بَاطِلٌ، فَسَمِعَنِي رَجُلٌ وَأَنَا أَتَكَلَّمُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: يَا عَمْرُو بِمَكَّةَ رَجُلٌ يَقُولُ كَمَا تَقُولُ، قَالَ: فَأَقْبَلْتُ إِلَى مَكَّةَ أَسْأَلُ عَنْهُ، فَأُخْبِرْتُ أَنَّهُ مُخْتَفٍ لا أَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلا بِاللَّيْلِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقُمْتُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا، فَمَا عَلِمْتُ إِلا بِصَوْتِهِ يُهَلِّلُ اللَّهَ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: " رَسُولُ اللَّهِ "، فَقُلْتُ: وَبِمَ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: " أَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ وَلا يُشْرَكَ بِهِ شَيْءٌ، وَتُحْقَنُ الدِّمَاءُ، وَتُوصَلُ الأَرْحَامُ "، قَالَ: قُلْتُ: وَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: " حُرٌّ، وَعَبْدٌ "، فَقُلْتُ: أَبْسِطْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ، فَلَقْد رَأَيْتُنِي وَإِنِّي رَابِعُ الإِسْلامِ
(799) وَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ بِإِسْنَادِهِمْ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى السُّلَمِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ " أَلَسْتَ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَا؟ يَعْنِيَ الْخِلافَةَ، أَلَسْتَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ؟ أَلَسْتَ صَاحِبَ كَذَا؟ أَلَسْتَ صَاحِبَ كَذَا "؟ ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
[هجرته مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
هاجر أَبُو بَكْر الصديق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصحبه فِي الغار لما سارا مهاجرين، وآنسه فِيهِ، ووقاه بنفسه، قَالَ بعض العلماء: لو قَالَ قائل: إن جميع الصحابة، ما عدا أبا بَكْر ليست، لَهُ صحبة لم يكفر، ولو قَالَ: إن أبا بَكْر لم يكن صاحب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفر، فإن القرآن العزيز قَدْ نطق أَنَّهُ صاحبه.
(800) أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ، بِإِسْنَادِهِ إِلَى يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ يَنْتَظِرُ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَجَاءَ جِبْرِيلُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ فِي الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ، فَمَكَرَتْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَأَمَرَهُ أَنْ لا يَبِيتَ مَكَانَهُ فَفَعَلَ، وَخَرَجَ عَلَى الْقَوْمِ وَهُمْ عَلَى بَابِهِ، وَمَعَهُ حَفْنَةٌ مِنْ تُرَابٍ، فَجَعَلَ يَنْثُرُهَا عَلَى رُءُوسِهِمْ، وَأَخَذَ اللَّهُ أَبْصَارَهُمْ،
وَكَانَ مَخْرَجُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْعَقَبَةِ بِشَهْرَيْنِ، وَأَيَّامَ بُويِعَ أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَخَرَجَ لِهِلالِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْخُرُوجِ، فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَعْجَلْ، لَعَلَّ اللَّهَ يَجْعَلُ لَكَ صَاحِبًا "، فَلَمَّا كَانَتِ الْهِجْرَةُ جَاءَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ نَائِمٌ فَأَيْقَظَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَدْ أَذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ "، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَقْد رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ يَبْكَي مِنَ الْفَرَحِ، ثُمَّ خَرَجَا حَتَّى دَخَلَ الْغَارَ، فَأَقَامَا فِيهِ ثَلاثًا
(801) أَخْبَرَنَا أَبُو يَاسِرٍ، بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَهُ، قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْغَارِ، وَقَالَ مَرَّةً: وَنَحْنُ فِي الْغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى تَحْتِ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا! قَالَ، فَقَالَ: " يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا "
(802) أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ مَحْفُوظِ بْنِ صَصَرَى التَّغْلِبِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو طَالِبٍ عَلِيُّ بْنُ حَيْدَرَةَ بْنِ جَعْفَرٍ الْعَلَوِيُّ الْحُسَيْنِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَسَدِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا الْفَقِيهُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ الْمِصِّيصِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن خَيْثَمَةُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ حَيْدَرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ، كَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعَهُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْرَفَ بِذَلِكَ الطَّرِيقِ، وَكَانَ الرَّجُلُ لا يَزَالُ قَدْ عَرَفَ أَبَا بَكْرٍ مَعَهُ، فَيَقُولُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ فَيُقوُل: هَذَا يَهْدِينِي السَّبِيلَ "
(803) أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَدْرَانَ الْحُلْوَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطِيعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ مِنْ عَازِبٍ سَرْجًا بِثَلاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَازِبٍ: مُرِ الْبَرَاءَ فَلْيَحْمِلْهُ إِلَى مَنْزِلِي، فَقَالَ: لا حَتَّى تُحَدِّثَنَا كَيْفَ صَنَعْتَ حَيْثُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتَ مَعَهُ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: " خَرَجْنَا فَأَدْلَجْنَا فَأَحْيَيْنَا يَوْمَنَا وَلَيْلَتَنَا، حَتَّى أَظْهَرْنَا وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، فَضَرَبْتُ بِبَصَرِي: هَلْ أَرَى ظِلا نَأْوِي إِلَيْه؟ فَإِذَا أَنَا بِصَخْرَةٍ، فَأَهْوَيْتُ إِلَيْهَا فَإِذَا بَقِيَّةُ ظِلِّهَا، فَسَوَّيْتُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَرَشْتُ لَهُ فَرْوَةً، وَقُلْتُ: اضْطَجِعْ يَا رَسُولَ اللَّه فَاضْطَجَعَ، ثُمَّ خَرَجْتُ أَنْظُرُ هَلْ أَرَى أَحَدًا مِنَ الطَّلَبِ؟ فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرْتُهُ فَاعْتَقِلْ شَاةً مِنْهَا، ثُمَّ أَمَرْتُهُ فَنَفِّضْ ضَرْعَهَا، ثُمَّ أَمَرْتُهُ فَنَفِّضْ كَفَّيْهِ مِنَ الْغُبَّارِ، وَمَعِي إِدَاوَةٌ عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ، فَحَلَبَ لِي كُثْبَةً مِنَ اللَّبَنِ، فَصَبَبْتُ عَلَى الْقَدَحِ، حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَافَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ قُلْتُ: هَلْ آنَ الرَّحِيلُ؟ قَالَ: فَارْتَحَلْنَا، وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَنَا، فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه، هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا؟ قَالَ: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَّا، فَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَدْرُ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ، أَوْ قَالَ: رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه، هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا وَبَكَيْتُ، قَالَ: لِمَ تَبْكِي؟، قَالَ: قُلْتُ: وَاللَّهِ مَا عَلَى نَفْسِي أَبْكِي، وَلَكِنِّي أَبْكِي عَلَيْكَ، قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ، فَسَاخَتْ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا فِي أَرْضٍ صَلْدٍ، وَوَثَبَ عَنْهَا، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا عَمَلُكَ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُنَجِّيَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ، فَوَاللَّهِ لأَعْمِيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي مِنَ الطَّلَبِ، وَهَذِهِ كِنَانَتِي فَخُذْ مِنْهَا سَهْمًا، فَإِنَّكَ سَتَمُرُّ عَلَى إِبِلِي وَغَنَمِي فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا حَاجَةَ لِي فِيهَا، قَالَ: وَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَطْلَقَ وَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ، وَمَضَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ، حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَتَلَقَّاهُ النَّاسُ فِي الطَّرِيقِ عَلَى الأَجَاجِيرِ، وَاشْتَدَّ الْخَدَمُ وَالصِّبْيَانُ فِي الطَّرِيقِ، يَقُولُونَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، جَاءَ رَسُولُ اللَّه، جَاءَ مُحَمَّدٌ، قَالَ: وَتَنَازَعَ الْقَوْمُ أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْزِلُ اللَّيْلَةَ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ، أَخْوَالِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أُكْرِمُهُمْ بِذَلِكَ، قَالَ: وَقَالَ الْبَرَاءُ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى، أَخُو بَنِي فِهْرٍ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ رَاكِبًا، فَقُلْنَا: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: هُوَ عَلَى أَثَرِي، ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ، قَالَ الْبَرَاءُ: وَلَمْ يَقْدَمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَرَأْتُ سُوَرًا مِنَ الْمُفَصَّلِ، قَالَ إِسْرَائِيلُ: وَكَانَ الْبَرَاءُ مِنَ الأَنْصَارِ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ
(804) أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ، بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي عِيسَى التِّرْمِذِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ الْبَغَّداِدُّي، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ، قَالَ: حَدَّثَنِي كَثِيرٌ أَبُو إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جُمَيْعِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: " أَنْتَ أَخِي، وَصَاحِبِي فِي الْغَارِ "
[شهوده بدرًا وغيرها]
(805) أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ مَحْفُوظِ بْنِ صَصَرَى التَّغْلِبِيُّ، أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو طَالِبٍ عَلِيُّ بْنُ حَيْدَرَةَ بْنِ جَعْفَرٍ الْحُسَيْنِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَسْدِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ الْمِصِّيصِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَيْدَرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأُبَلِّيُّ الْعَطَّارُ بِالْبَصْرَةِ، أَخْبَرَنَا الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسْدِيُّ، أَخْبَرَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ يَوْمَ بَدْرٍ: " مَعَ أَحَدِكُمَا جِبْرِيلُ، وَمَعَ الآخَرِ مِيكَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ، مَلِكٌ عَظِيمٌ، يَشْهَدُ الْقِتَالَ، وَيَكُونُ فِي الصَّفِّ "
(806) أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ السَّمِينِ، بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا الْتَقَى النَّاسُ يَوْمَ بَدْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَبْنِي لَكَ عَرِيشًا، فَتَكُونُ فِيهِ وَنُنِيخُ إِلَيْكَ رَكَائِبَكَ، وَنَلْقَى عَدُوَّنَا، فَإِنْ أَظْفَرَنَا اللَّهُ وَأَعَزَّنَا، فَذَاكَ أَحَبُّ إِلَيْنَا، وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى تَجْلِسْ عَلَى رَكَائِبِكَ، فَتَلْحَقْ بِمَنْ وَرَاءَنَا؟ فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا، وَدَعَا لَهُ، فَبُنِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرِيشٌ، فَكَانَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ، مَا مَعَهُمَا غَيْرُهُمَا، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاشِدُ رَبَّهُ وَعْدَهُ وَنَصْرَهُ، وَيَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلَكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ لا تُعْبَدْ "، وَأَبُو بَكْرٍ، يَقُولُ: بَعْضُ مُنَاشَدَتِكَ رَبَّكَ، فَإِنَّ اللَّهَ مُوَفِّيكَ مَا وَعَدَ مِنْ نَصْرِهِ
وقَالَ مُحَمَّد بْن سعد: قَالُوا: وشهد أَبُو بَكْر بدرًا، وأحدًا، والخندق، والحديبية والمشاهد كلها مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودفع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاَيْته العظمى يَوْم تبوك إِلَى أَبِي بَكْر، وكانت سوداء، وأطعمه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خيبر مائة وسق، وكان فيمن ثبت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أحد، ويوم حنين حين ولى النَّاس،
ولم يختلف أهل السير فِي أن أبا بَكْر الصديق رَضِي اللَّه عَنْهُ، لم يتخلف عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مشهد من مشاهده كلها.
[فضائله رَضِي اللَّه عَنْهُ]
(807) أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَطِيبُ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَّاجُ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاهِينَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جُنْدُبٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُتَوَفَّى بِيَوْمٍ: " قَدْ كَانَ لِي فِيكُمْ أُخْوَةٌ وَأَصْدِقَاءُ، وَإِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ أَكُونَ اتَّخَذْتُ مِنْكُمْ خَلِيلا، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلا لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلا، وَإِنَّ رَبِّي اتَّخَذَنِي خَلِيلا، كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلا "
(808) قَالَ: وَأَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْمُحَسِّنِ التَّنُوخِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَضَّاحِ الْحُرْفِيُّ السِّمْسَارُ، حَدَّثَنَا أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَابُلُتِّيُّ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ شَيْءٍ رَأَيْتَهُ صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَلَوَى ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَخَذَ مَنْكِبَهُ فَدَفَعَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: " يَا قَوْمُ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ}
الحرفي: بضم الحاء المهملة، وسكون الراء، وبالفاء
(809) أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُسْلِمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ السِّيحِيُّ الْعَدْلُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْبَرَكَاتِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَمِيسٍ الْجُهَنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ طَوْقٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْخَلِيلِ الْمَرْجِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْجَنَّةً، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ فِي الْجَنَّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ "
(810) أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُعَمَّرِ بْنِ طَبَرْزَدَ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَرِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُخَيْتٍ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَلَطِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ مَعْدَانَ الْكَرَابِيسِيُّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ رُوَيْدٍ الْكِنْدِيُّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَحْيٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ، وَيَقُولُ لَكَ: قُلْ لِعَتِيقِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ: إِنَّهُ عَنْهُ رَاضٍ
(811) قال: وأَخْبَرَنَا ابْنُ بخيت، حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن دَاوُد بْن كَثِير بْن وقدان، حَدَّثَنَا سوار بْن عَبْد اللَّه العنبري، قَالَ: قَالَ ابْنُ عيينة عاتب اللَّه سبحانه المسلمين كلهم فِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أبا بَكْر، فإنه خرج من المعاتبة: {إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ}
(812) أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يَعِيشُ بْنُ صَدَقَةَ بْنِ عَلِيٍّ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الطّراحِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُهْتَدِي، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ حُبَابَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْجَهْمِ الْعَلاءُ بْنُ مُوسَى الْبَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ مُصْعَبٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ لِي وَزِيرَيْنِ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ، وَوَزِيرَيْنِ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، فَأَمَّا وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ فَجِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ فَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ "، ثُمَّ رَفَعَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: " إِنَّ أَهْلَ عِلِّييَن لَيَرَاهُمْ مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُمْ كَمَا تَرَوْنَ النُّجُومَ، أَوِ الْكَوَكْبَ فِي السَّمَاءِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ وَأَنْعَمَا "، قُلْتُ لأَبِي سَعِيدٍ: وَمَا أَنْعَمَا؟ قَالَ: أَهْلُ ذَاكَ هُمَا
وأسلم عَلَى يد أَبِي بَكْر: الزُّبَيْر، وعثمان، وعبد الرَّحْمَن بْن عوف، وطلحة، وأعتق سبعةً كانوا يعذبون فِي اللَّه تَعَالَى، منهم: بلال، وعامر بْنُ فهيرة، وغيرهما يذكرون فِي مواضعهم، وكان رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِير الثقة إِلَيْه وبما عنده من الْإِيمَان واليقين، ولهذا لما قيل لَهُ: إن البقرة تكلمت، قَالَ: " آمنت بذلك أَنَا، وَأَبُو بَكْر، وعمر "، وما هُماَ فِي القوم.
(813) أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَغَيْرُهُ، بِإِسْنَادِهِمْ إِلَى أَبِي عِيسَى مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَرْكَبُ بَقَرَةً إِذْ قَالَتْ: لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ "، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " آمَنْتُ بِذَلِكَ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ "، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَمَا هُمَا فِي الْقَوْمِ
(814) أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورِ بْنُ مُكَارِمِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سَعْدٍ الْمُؤَدِّبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ صَفْوَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ السَّرَّاجُ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَنَسٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ طَوْقٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَابِرٍ زَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَسِيدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، وَلَقْد أُعْطَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ثَلاثَةَ خِصَالٍ، لأَنْ أَكُونَ أُعْطِيتُهُنَّ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ: زَوَّجَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ، وَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَسَدَّ الأَبْوَابَ مِنَ الْمَسْجِدِ إِلا بَابَ عَلِيٍّ "
(815) أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ بْنُ أَبِي الرَّجَاءِ الثَّقَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلادٍ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ.
ح قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ بُنْدَارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، قَالا: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُحُدًا، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ، فَقَالَ: " اثْبُتْ فَمَا عَلَيْكَ إِلا نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ "
(816) أَخْبَرَنَا أَبُو الْبَرَكَاتِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هِبَةَ الدِّمَشْقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَشَائِرِ مُحَمَّدُ بْنُ الْخَلِيلِ بْنِ فَارِسٍ الْقَيْسِيُّ، أَخْبَرَنَا الْفَقِيهُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ الْقَنْطَرِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: " هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، إِلا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، لا تُخْبِرْهُمَا يَا عَلِيُّ "
(817) قال: وأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد عَبْد الرَّحْمَن بْن عثمان، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن خيثمة بْن سُلَيْمَان بْن حيدرة الأطرابلسي، حَدَّثَنَا يَحيى بْن أَبِي طَالِب، حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن مَنْصُور، حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد المحاربي، عَنْ جويبر، عَنِ الضحاك فِي قولُه تَعَالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} " مَعَ أَبِي بَكْر وعمر
(818) قَالَ: وَأَخْبَرَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ السُّوَائِيِّ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: " يَا وَهْبُ، أَلا أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا؟ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَرَجُلٌ آخَرُ "، وَقَدْ رَوَى نَحْوَ هَذَا مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِيهِ
(819) قَالَ: وَأَخْبَرَنَا خَيْثَمَةُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الصٍّورِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفًّى، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْقَافْلانِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " تَنَاوَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الأَرْضِ سَبْعَ حَصَيَاتٍ فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ نَاوَلَهُنَّ أَبَا بَكْرٍ فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ، كَمَا سَبَّحْنَ فِي يَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَاوَلَهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ، فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ كَمَا سَبَّحْنَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ نَاوَلَهُنَّ عُثْمَانَ، فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ كَمَا سَبَّحْنَ فِي يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ "
(820) أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ مَحْفُوظِ بْنِ صَصَرَى التَّغْلِبِيُّ، أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو طَالِبٍ عَلِيُّ بْنُ حَيْدَرَةَ الْعَلَوِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الأَسْدِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ الْمِصِّيصِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَلانِسِيُّ، بِالرَّمْلَةِ، أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ مصححٍ، أَخْبَرَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ صَائِمًا؟ "، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: " مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ؟ "، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: " مَنْ شَهِدَ جِنَازَةً؟ "، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: " مَنْ أَطْعَمَ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟ "، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: " مَنْ جَمَعَهُنَّ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَجَبَتْ لَهُ، أَوْ غُفِرَ لَهُ "
(821) قَالَ: وَحَدَّثَنَا خَيْثَمَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحُنَيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: وَفَدَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: فَلَمَّا نَزَلُوا الْمَدِينَةَ تَحَدَّثَ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ إِلَى أَنْ ذَكَرُوا أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، فَفَضَّلَ بَعْضُ الْقَوْمِ أَبَا بَكْرٍ عَلَى عُمَرَ، وَفَضَّلَ بَعْضُ الْقَوْمِ عُمَرَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ الْجَارُودُ بْنُ الْمُعَلَّى مِمَّنْ فَضَّلَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى عُمَرَ، فَجَاءَ عُمَرُ، وَمَعَهُ دِرَّتُهُ، فَأَقْبَلَ عَلَى الَّذِينَ فَضَّلُوهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَجَعَلَ يَضْرِبُهُمْ بِالدِّرَّةِ، حَتَّى مَا يَتَّقِي أَحَدُهُمْ إِلا بِرِجْلِهِ، فَقَالَ لَهُ الْجَارُودُ: أَفِقْ أَفِقْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَكُنْ يَرَانَا نُفَضِّلُكَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، أَبُو بَكْرٍ أَفْضَلُ مِنْكَ فِي كَذَا، وَأَفْضَلُ مِنْكَ فِي كَذَا، فَسُرِّيَ عَنْ عُمَرَ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَشِيِّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " أَلا إِنَّ أَفْضَلَ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، فَمَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ بَعْدَ مُقَامِي هَذَا فَهُوَ مُفْتَرٍ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُفْتَرِي "
(822) قَالَ: وَحَدَّثَنَا خَيْثَمَةُ، حَدَّثَنَا هِلالُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، حَدَّثَنَا أَبُو سِنَانٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ الْهِلالِيِّ، قَالَ: وَافَقْنَا مِنْ عَلِيٍّ طِيبَ نَفْسٍ وَمُزَاحٍ، فَقُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، حَدِّثْنَا عَنْ أَصْحَابِكَ، قَالَ: " كُلُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابِي، قُلْنَا: حَدِّثْنَا عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ، قَالَ: سَلُونِي، قُلْنَا: حَدِّثْنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: ذَاكَ امْرُؤٌ سَمَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صِدِّيقًا عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ وَلِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّلاةِ، رَضِيَهُ لِدِينِنَا، فَرَضِينَاهُ لِدُنْيَانَا "
[علمه رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]
(823) أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَاسِبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حَيُّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ وَاقِدٍ الأَسْلَمِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ سُئِلَ: مَنْ كَانَ يُفْتِي النَّاسَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، مَا أَعْلَمُ غَيْرَهُمَا "
(824) أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي عَلِيٍّ الْمُقْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو رُشَيْدٍ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَسْعُودٍ سُلَيْمَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيْهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ وَبُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمًا، فَقَالَ: " إِنَّ رَجُلا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ "، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، فَتَعَجَّبْنَا لِبُكَائِهِ، أَنْ يُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ قَدْ خُيِّرَ، وَكَانَ هُوَ الْمُخَيَّرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ، فَقَالَ: " لا تَبْكِ يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلا لاتَّخَذْتُهُ خَلِيلا، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلامِ وَمَوَدَّتُهُ، لا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلا سُدَّ، إِلا بَابَ أَبِي بَكْرٍ "
[زهده وتواضعه وَإِنفاقه رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]
(825) أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ الْهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ خَلِيلُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ الْخَلِيلِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ دُرُسْتُوَيْهِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ، حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنِي أَسْلَمُ الْكُوفِيُّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: دَعَا أَبُو بَكْرٍ بِشَرَابٍ، فَأُتِيَ بِمَاءٍ وَعَسَلٍ، فَلَمَّا أَدْنَاهُ مِنْ فِيهِ نَحَّاهُ، ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَكَّى أَصْحَابُهُ، فَسَكَتُوا وَمَا سَكَتَ، ثُمَّ عَادَ فَبَكَى حتَّى ظَنُّوا أَنَّهُمْ لا يَقْوُونَ عَلَى مَسْأَلَتِهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالُوا: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، مَا أَبْكَاكَ؟ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُهُ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ شَيْئًا، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مَعَهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا الَّذِي تَدْفَعُ، وَلا أَرَى أَحَدًا مَعَكَ؟ قَالَ: " هَذِهِ الدُّنْيَا تَمَثَّلَتْ فَقُلْتُ لَهَا: إِلَيْكِ عَنِّي، فَتَنَحَّتْ ثُمَّ رَجَعَتْ، فَقَالَتْ: أَمَا إِنَّكَ إِنْ أَفْلَتَّ فَلَنْ يُفْلِتَ مَنْ بَعْدَكَ "، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ فَمَقَتُّ أَنْ تَلْحَقَنِيَ
(826) قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو السّعُودِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمجْلِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْعُكْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَلَفِ بْنِ خَاقَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ دُرَيْدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَاتِمٍ، عَنِ الأَصْمَعِيِّ، قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا مُدِحَ، قَالَ: " اللَّهُمَّ أَنْتَ أَعْلَمُ بِي مِنْ نَفْسِي، وَأَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْهُمْ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي خَيْرًا مِمَّا يَظُنُّونَ، وَاغْفِرْ لِي مَا لا يَعْلَمُونَ، وَلا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ "
(827) قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ السَّمَرْقَنْدِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّبَرِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ السَّكُونِيُّ، وَغَيْرُهُ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، سَمِعَ أَبَا السَّفَرِ، قَالَ: دَخَلُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي مَرَضِهِ، فَقَالُوا: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ أَلا نَدْعُوا لَكَ طَبِيبًا يَنْظُرُ إِلَيْكَ؟ قَالَ: " قَدْ نُظِرَ إِلَيَّ "، قَالُوا: مَا قَالَ لَكَ؟، قَالَ: " إِنِّي فَعَّالٌ لِمَا أُرِيدُ "
(828) أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو رُشَيْدٍ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَسْعُودٍ سُلَيْمَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ مَرْدُوَيْهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا مَيْمُونُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ الْحَسَنِ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ "، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: وَهَلْ أَنَا وَمَالِي إِلا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
(829) قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيْهِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُمَيْرٍ الْقُرَشِيُّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} ...
إِلَى آخِرِ الآيَةِ، قَالَ: جَاءَ عُمَرُ بِنِصْفِ مَالِهِ يَحْمِلُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ، وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِمَالِهِ أَجْمَعَ يَكَادُ يُخْفِيهِ مِنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا تَرَكْتَ لأَهْلِكَ؟ "، قَالَ: عِدَّةُ اللَّهِ وَعِدَّةُ رَسُولِهِ، قَالَ: يَقُولُ عُمَرُ لأَبِي بَكْرٍ: بِنَفْسِي أَنْتَ وَبِأَهْلِي أَنْتَ، مَا اسْتَبَقْنَا بَابَ خَيْرٍ قَطُّ إِلا سَبَقْتَنَا إِلَيْهِ
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَزَّازِ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَصَدَّقَ، وَوَافَقَ ذَلِكَ مَالا عِنْدِي، فَقُلْتُ، الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ، قَالَ: فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ: " مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟ "، قُلْتُ: مِثْلُهُ، وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: " يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟ "، قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ: لا أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا.
(830) أَخْبَرَنَا الْقَاسِم بْن عليّ بْن الْحَسَن الدمشقي، إجازة، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِم بْن السَّمَرْقَنْدِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر بْن الطبري، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن بْن الفضل، حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر، حَدَّثَنَا يعقوب، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر الحميدي، حَدَّثَنَا سُفْيَان، عَنْ هشام بْن عروة، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أسلم أَبُو بَكْر، وله أربعون ألفًا، فأنفقها فِي اللَّه، وأعتق سبعة كلهم يعذب فِي اللَّه: أعتق بلالًا، وعامر بْن فهيرة، وزنيرة، والنهدية وابنتها، وجارية بني مؤمل، وأم عبيس زنيرة: بكسر الزاي، والنون المشددة، وبعدها ياء تحتها نقطتها، ثُمَّ راء وهاء، وعبيس: بضم العين المهملة، وفتح الباء الموحدة، والياء الساكنة تحتها نقطتان، وآخره سين مهملة.
(831) قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْوَاسِطِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ، حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْوَاعِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَبِيبٍ الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَايِحِ بْنِ قوامَةَ، بِبُخَارَى، أَخْبَرَنَا جِبْرِيلُ بْنُ منجَاعٍ الْكُشَانِيُّ بِهَا، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا رِشْدِينُ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ شَدَّادٍ الْمُرَادِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْغِفَارِيِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَتَعَاهَدُ عَجُوزًا كَبِيرَةً عَمْيَاءَ، فِي بَعْضِ حَوَاشِي الْمَدِينَةِ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَسْتَقِي لَهَا وَيَقُومُ بِأَمْرِهَا، فَكَانَ إِذَا جَاءَ وَجَدَ غَيْرَهُ قَدْ سَبَقَهُ إِلَيْهَا، فَأَصْلَحَ مَا أَرَادَتْ، فَجَاءَهَا غَيْرَ مَرَّةٍ كَيْلا يُسْبَقَ إِلَيْهَا، فَرَصَدَهُ عُمَرُ، فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ الَّذِي يَأْتِيهَا، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةٌ، فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ هُوَ لَعَمْرِي
(832) قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَقِيلِ بْنِ الأَزْهَرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعَ عَمَّتَهُ أُنَيْسَةَ، قَالَتْ: نَزَلَ فِينَا أَبُو بَكْرٍ ثَلاثَ سِنِينَ: سَنَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَخْلَفَ، وَسَنَةً بَعْدَ مَا اسْتُخْلِفَ، فَكَانَ جَوَارِي الْحَيِّ يَأْتِينَهُ بِغَنَمِهِنَّ، فَيَحْلِبْهُنَّ لَهُنَّ
(833) قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مُوَرِّقٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صبيحَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
ح، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يَوْمَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ، لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ بِالسُّنُحِ عِنْدَ زَوْجَتِهِ حَبِيبَةَ بِنْتِ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ، مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَكَانَ قَدْ حُجِرَ عَلَيْهِ حَجْرَةٌ مِنْ شِعْرٍ، فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَحَوَّلَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَقَامَ هُنَاكَ بِالسُّنُحِ، بَعْدَمَا بُويِعَ لَهُ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ، يَغْدُو عَلَى رِجْلَيْهِ وَرُبَّمَا رَكِبَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَيُوَافِي الْمَدِينَةَ فَيُصَلِّي الصَّلَوَاتِ بِالنَّاسِ، فَإِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ الآخِرَةَ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَكَانَ يَحْلِبُ لِلْحَيِّ أَغْنَامَهُمْ، فَلَمَّا بُويِعَ لَهُ بِالْخِلافَةِ، قَالَتْ جَارِيَةٌ مِنَ الْحَيِّ: الآنَ لا يُحْلَبُ لَنَا مَنَائِحُنَا، فَسَمِعَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: بَلَى، لَعَمْرِي لأَحْلِبَنَّهَا لَكُمْ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ لا يُغَيِّرَنِي مَا دَخَلْتُ فِيهِ عَنْ خُلُقٍ كُنْتُ عَلَيْهِ، فَكَانَ يَحْلِبُ لَهُمْ، فَرُبَّمَا قَالَ لِلْجَارِيَةِ: أَتُحِبِّينَ أَنْ أُرْغِيَ لَكُمْ أَوْ أَنْ أُصَرِّحَ؟ فَرُبَّمَا قَالَتْ: أَرْغِ، وَرُبَّمَا، قَالَتْ: صَرِّحْ فَأَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ فَعَلَ
وله فِي تواضعه أخبار كثيرة، نقتصر منها عَلَى هَذَا القدر
[خلافته]
(834) أَخْبَرَنَا أَبُو الْبَرَكَاتِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَشَائِرِ مُحَمَّدُ بْنُ الْخَلِيلِ بْنِ فَارِسٍ الْقَيْسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ الْمِصِّيصِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مَعْرُوفِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ بَكْرَوَيْهِ الْبَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَدَنِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " رَأَيْتُنِي عَلَى حَوْضٍ، فَوَرَدَتْ عَلَيَّ غَنَمٌ سُودٌ وَبِيضٌ، فَأَوَّلْتُ السُّودَ: الْعَجَمَ، وَالْعُفْرَ: الْعَرَبُ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ الدَّلْوَ مِنِّي، فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، فَجَاءَ عُمَرُ فَمَلأَ الْحَوْضَ وَأَرْوَى الْوَارِدَ "
(835) قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَيْدَرَةَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْخَزَّازُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقْتَدُوا بِالَّذِينَ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ "
(836) قال: وحَدَّثَنَا خيثمة، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن ملاعب الْبَغْدَادِيّ، أَخْبَرَنَا خلف بْن الْوَلِيد، أَخْبَرَنَا المبارك بْن فضالة، حَدَّثَني مُحَمَّد بْن الزُّبَيْر، قَالَ: أرسلني عُمَر بْن عَبْد العزيز إِلَى الْحَسَن الْبَصْرِيّ أسأله عَنْ أشياء، فصعدت إِلَيْه، فإذا هُوَ متكئٌ عَلَى وسادة من أدم، فقلت: أرسلني إليك عُمَر أسألك عَنْ أشياء، فأجابني فيما سَأَلْتُهُ عَنْهُ، وقلت: اشفني فيما اختلف النَّاس فِيهِ: هَلْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استخلف أبا بَكْر؟ فاستوى الْحَسَن قاعدًا، فَقَالَ: أَوْ فِي شك هُوَ لا أبا لَكَ؟ إي والله الَّذِي لا إله إلا هُوَ، لقد استخلفه، ولهو كَانَ أعلم بالله، وأتقى لَهُ، وأشد مخافة من أن يموت عليها لو لم يأمره
(837) أَخْبَرَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الطَّبَرِيُّ، بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي يَعْلَى، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دِينَارٍ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِيُصَلِّ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ "، قَالُوا: لَوْ أَمَرْتَ غَيْرَهُ؟ قَالَ: " لا يَنْبَغِي لأُمَّتِي أَنْ يَؤُمَّهُمْ إِمَامٌ، وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ "
(838) أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَغَيْرُهُمَا، بِإِسْنَادِهِمْ إِلَى أَبِي عِيسَى السُّلَمِيِّ، حَدَّثَنَا النَّصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيِّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَنْبَغِي لِقَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ "
(839) قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، أَنَّ أَبَاهُ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ، فَأَمَرَهَا بِأَمْرٍ، فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ أَجِدْكَ؟ قَالَ: " إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ "
(840) أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي عَلِيٍّ الْمُقْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو رُشَيْدٍ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَسْعُودٍ سُلَيْمَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ مَرْدُوَيْهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَالِكِيُّ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: " قَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، وَإِنِّي لَشَاهِدٌ غَيْرُ غَائِبٍ، وَإِنِّي لَصَحِيحٌ غَيْرُ مَرِيضٍ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُقَدِّمَنِي لَقَدَّمَنِي، فَرَضِينَا لِدُنْيَانَا مَنْ رَضِيَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لِدِينِنَا "
(841) أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يَعِيشُ بْنُ صَدَقَةَ بْنِ عَلِيٍّ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْبَزَّازُ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى الْوَزِيرُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ نُبَيْطٍ يَعْنِيَ ابْنَ شُرَيْطٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا اشْتَدَّ مَرَضُهُ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ، قَال: " مُرُوا بِلالا فَلْيُؤَذِّنْ، وَمُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ "، قَالَ: ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ أَبِي رَجُلٌ أَسِيفٌ، فَلَوْ أَمَرْتَ غَيْرَهُ، فَقَالَ: " أُقِيمَتِ الصَّلاةُ؟ "، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبِي رَجُلٌ أَسِيفٌ، فَلَوْ أَمَرْتَ غَيْرَهُ؟، قَالَ: " إِنَّكُنَّ صَوَاحِبَاتُ يُوسُفَ، مُرُوا بِلالا فَلْيُؤَذِّنْ، وَمُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: " أُقِيمَتِ الصَّلاةُ؟ "، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: " ادْعُوا إِلَيَّ إِنْسَانًا أَعْتَمِدُ عَلَيْهِ "، فَجَاءَتْ بُرَيْرَةُ، وَإِنْسَانٌ آخَرُ، فَانْطَلَقُوا يَمْشُونَ بِهِ، وَإِنَّ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ فِي الأَرْضِ، قَالَ: " فَأَجْلِسُوهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَأَخَّرُ، فَحَبَسَهُ حتَّى فَرَغَ النَّاسُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ، قَالَ: وَكَانُوا قَوْمًا أُمِّيِّينَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ نَبِيٌّ قَبْلَهُ، قَالَ عُمَرُ: لا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ بِمَوْتِهِ إِلا ضَرَبْتُهُ بِسَيْفِي هَذَا، قَالَ: فَقَالُوا لَهُ: اذْهَبْ إِلَى صَاحِبِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَادْعُهُ، يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ، قَالَ: فَذَهَبْتُ فَوَجَدْتُهُ فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ: فَأَجْهَشْتُ أَبْكِي، قَالَ: لَعَلَّ نَبِيَّ اللَّهِ تُوُفِّيَ؟ قُلْتُ: إِنَّ عُمَرَ، قَالَ: لا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ بِمَوْتِهِ إِلا ضَرَبْتُهُ بِسَيْفِي هَذَا! قَالَ: فَأَخَذَ بِسَاعِدِي ثُمَّ أَقْبَلَ يَمْشِي، حَتَّى دَخَلَ، فَأَوْسَعُوا لَهُ، فَأَكَبَّ عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَادَ وَجْهُهُ يَمَسُّ وَجْهَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ نَفْسَهُ حَتَّى اسْتَبَانَ أَنَّهُ تُوُفِّيَ، فَقَالَ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} ، قَالُوا: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نَعَمْ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ كَمَا قَالَ، قَالُوا: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ، هَلْ يُصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: يَجِيءُ نَفَرٌ مِنْكُمْ، فَيُكَبِّرُونَ فَيَدْعُونَ وَيَذْهَبُونَ حَتَّى يَفْرَغَ النَّاسُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ كَمَا قَالَ، قَالُوا: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ، هَلْ يُدْفَنُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: أَيْنَ يُدْفَنُ؟ قَالَ: حَيْثُ قَبَضَ اللَّهُ رُوحَهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ، إِلا فِي مَوْضِعٍ طَيِّبٍ، قَالَ: فَعَرَفُوا أَنَّهُ كَمَا قَالَ، ثُمَّ قَالَ: عِنْدَكُمْ صَاحِبُكُمْ، ثُمَّ خَرَجَ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْه الْمُهَاجِرُونَ أَوْ مَنِ اجْتَمَعَ إِلَيْه مِنْهُمْ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا إِلَى إِخْوَانِنَا مِنَ الأَنْصَارِ، فَإِنَّ لَهُمْ فِي هَذَا الْحَقِّ نَصِيبًا، قَالَ: فَذَهَبُوا حَتَّى أَتَوُا الأَنْصَارَ، قَالَ: فَإِنَّهُمْ لَيَتَآمَرُونَ إِذْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَقَامَ عُمَرُ وَأَخَذَ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: سَيْفَانِ فِي غِمْدٍ إِذَنْ لا يَصْطَحِبَانِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ لَهُ هَذِهِ الثَّلاثَةُ: {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} مَعَ مَنْ؟ فَبُسِطَ يَدُ أَبِي بَكْرٍ، فَضُرِبَ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: بَايِعُوا، فَبَايَعَ النَّاسُ أَحْسَنَ بَيْعَةً
(842) أَخْبَرَنَا أَبُو يَاسِرِ بْنُ أَبِي حَبَّةَ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتِ الأَنْصَارُ: مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُم أَمِيرٌ، فَأَتَاهُمْ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَؤُمَّ النَّاسَ "؟ فَأَيُّكُمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ؟، فَقَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ نَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ
(843) أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَلِيٍّ الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْخِلَعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ النَّحَّاسِ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا مشرفُ بْنُ سَعِيدٍ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قال: كَانَ رُجُوعُ الأَنْصَارِ يَوْمَ سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ بِكَلامٍ، قَالَهُ عُمَرُ، قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ، " أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ "؟، قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: فَأَيُّكُمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يُزِيلَهُ عَنْ مُقَامِهِ الَّذِي أَقَامَهُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: كُلُّنَا لا تَطِيبُ أَنْفُسُنَا، نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ حَدِيثَ عُمَرَ، فِي بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ، تَرَكْنَاهُ لِطُولِهِ وَشُهْرَتِهِ
ولما توفي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتجت مكَّة، فسمع بذلك أَبُو قحافة، فَقَالَ: ما هَذَا؟ قَالُوا: قبض رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أمر جليل، فمن ولي بعده؟ قَالُوا: ابنك، قَالَ: فهل رضيت بذلك بنو عَبْد مناف، وبنو المغيرة؟ قَالُوا: نعم، قَالَ: لا مانع لما أعطى اللَّه، ولا معطي لما منع،
وكان عُمَر بْن الخطاب أول من بايعه، وكانت بيعته فِي السقيفة يَوْم وفاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ كانت بيعة العامة فِي الغد، وتخلف عَنْ بيعته: عليّ، وبنو هاشم، والزبير بْن العوام، وخالد بْن سَعِيد بْن العاص، وسعد بْن عبادة الْأَنْصَارِيّ، ثُمَّ إن الجميع بايعوا بعد موت فاطمة بِنْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا سعد بْن عبادة، فإنه لم يبايع أحدًا إِلَى أن مات، وكانت بيعتهم بعد ستة أشهر عَلَى القول الصحيح، وقيل غير ذَلِكَ،
وقام فِي قتال أهل الردة مقامًا عظيمًا، ذكرناه فِي الكامل فِي التاريخ.
(844) أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ، بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ وَسُفْيَانُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ الْحَكَمِ الْفَزَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَقُولُ: كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي، فَإِذَا حَدَّثَنِي عَنْهُ غَيْرُهُ أَسْتَحْلِفُهُ، فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ، وَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ فَيَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ قَالَ مِسْعَرٌ: وَيُصَلِّي، وَقَالَ سُفْيَانُ: ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلا غَفَرَ لَهُ "
[وفاته]
قَالَ ابْنُ إِسْحَاق: توفي أَبُو بَكْر رَضِي اللَّه عَنْهُ، يَوْم الجمعة، لسبع ليال بقين من جمادى الآخرة، سنة ثلاث عشرة، وصلى عَلَيْهِ عُمَر بْن الخطاب، وقَالَ غيره: توفي عشي يَوْم الاثنين، وقيل: ليلة الثلاثاء، وقيل: عشي يَوْم الثلاثاء، لثمان بقين من جمادى الآخرة.
(845) وأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي الْقَاسِمِ إجازة، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ يُوسُفُ بْن عَبْد الواحد، حَدَّثَنَا شجاع بْن عليّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه بْن منده، قَالَ: وُلد يعني أَبا بَكْر بعد الفيل بسنتين وأربعة أشهر إلا أيامًا، ومات بعد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين وأشهر بالمدينة، وهو ابْنُ ثلاث وستين سنة، وكان رجلًا أبيض نحيفًا، خفيف العارضين، معروق الوجه غائر العينين، ناتئ الجبهة، يخضب بالحناء والكتم، وكان أول من أسلم من الرجال، وأسلم أبواه لَهُ، ولوالديه ولولده، وولد ولده صحبة رَضِي اللَّه عَنْهُمْ
(846) قَالَ: وأَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر الفرضي، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد الجوهري، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَر بْن حيوية، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بْن القهم، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سعد، حَدَّثَنَا عَبْد العزيز بْن عَبْد اللَّه الأويسي، حَدَّثَني ليث بْن سعد، عَنْ عقيل، عَنِ ابْنِ شهاب، أن أبا بَكْر، والحارث بْن كلدة كانا يأكلان خزيرة أهديت لأبي بَكْر، فَقَالَ الحارث: ارفع يدك يا خليفة رَسُول اللَّه، والله إن فيها لسم سنة، وأنا وأنت نموت فِي يَوْم واحد، قَالَ: فرفع يده، فلم يزالا عليلين حتَّى ماتا فِي يَوْم واحد، عند انقضاء السنة
(847) قَالَ: وأَخْبَرَنَا أَبِي بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سعد، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُمَر، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه، عَنِ الزُّهْرِيّ، عَنْ عروة، عَنْ عَائِشَة، قَالَتْ: " كَانَ أول ما بدئ مرض أَبِي بَكْر، أَنَّهُ اغتسل يَوْم الاثنين، لسبع خلون من جمادى الآخرة، وكان يومًا باردًا، فحم خمسة عشر يومًا، لا يخرج إِلَى صلاة، وكان يأمر عُمَر يصلي بالناس، ويدخل النَّاس عَلَيْهِ يعودونه وهو يثقل كل يَوْم، وهو نازل يومئذ فِي داره التي قطع لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجاه دار عثمان بْن عفان اليوم، وكان عثمان ألزمهم لَهُ فِي مرضه، وتوفي مساء ليلة الثلاثاء لثمان ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، فكانت خلافته سنتين، وثلاثة أشهر وعشر ليال، وكان أَبُو معشر، يَقُولُ: سنتين وأربعة أشهر إلا أربع ليال، وتوفي وهو ابْنُ ثلاث وستين سنة، مجمع عَلَى ذَلِكَ فِي الروايات كلها، استوفى سن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان أَبُو بَكْر ولد بعد الفيل بثلاث سنين
وهو أول خليفة كَانَ فِي الْإِسْلَام، وأول من حج أميرا فِي الْإِسْلَام، فإن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتح مكَّة سنة ثمان، وسير أبا بَكْر يحج بالناس أميرًا سنة تسع، وهو أول من جمع القرآن، وقيل: عليّ بْن أَبِي طَالِب أولُ من جمعه، وكان سبب جمع أَبِي بَكْر للقرآن ما ذكرناه فِي ترجمة عثمان بْن عفان، وهو أول خليفة ورثه أَبُوهُ ".
وقَالَ زياد بْن حنظلة: كَانَ سببُ موت أَبِي بَكْر الكمد عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومثله قَالَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر،
ولما حضره الموت استخلف عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه عَنْهُمَا، وَقَدْ ذكرنا ذلك فِي ترجمة عُمَر رَضِي اللَّه عَنْهُ.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=86329&book=5518#5b7b99
عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فِي الْعَشَرَةِ
- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى ثَعْلَبٌ النَّحْوِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ الْجُمَحِيُّ، ثنا أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعْتُ أَبَا رِفَاعَةَ الْفَهْمِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ»
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْمِصِّيصِيُّ، ثنا الْهَيْثَمُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا عَبْدُ الْكَبِيرِ بْنُ الْمُعَافَى، ثنا صَالِحُ بْنُ مُوسَى الطَّلْحِيُّ، ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: أَقْبَلَ أَبِي فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَتِيقٍ مِنَ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ» وَاسْمُهُ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ يَوْمَ وُلِدَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ فَغَلَبَ عَلَيْهِ اسْمُ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى ثَعْلَبٌ النَّحْوِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ الْجُمَحِيُّ، ثنا أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعْتُ أَبَا رِفَاعَةَ الْفَهْمِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ»
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْمِصِّيصِيُّ، ثنا الْهَيْثَمُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا عَبْدُ الْكَبِيرِ بْنُ الْمُعَافَى، ثنا صَالِحُ بْنُ مُوسَى الطَّلْحِيُّ، ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: أَقْبَلَ أَبِي فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَتِيقٍ مِنَ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ» وَاسْمُهُ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ يَوْمَ وُلِدَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ فَغَلَبَ عَلَيْهِ اسْمُ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=133960&book=5518#61cf62
عبد اللَّه بن المبارك، أبو عبد الرحمن الْمَرْوَزِيّ مولى بني حنظلة:
سمع هشام بْن عروة، وإِسْمَاعِيل بْن أبي خَالِد، وسليمان الأعمش، وسليمان التيمي، وحميد الطويل، وعبد اللَّه بن عون، ويَحْيَى بن سعيد الأنصاريّ، وموسى
ابن عقبة، وسعيد الجريري، ومعمر بن راشد، وابن جريج، وابن أَبِي ذئب، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري، وشعبة، والأوزاعي، والليث بن سعد، ويونس بن يزيد، وإِبْرَاهِيم بن سعد، وزهير بن معاوية، وأبا عوانة.
وكان من الربانيين في العلم، الموصوفين بالحفظ، ومن المذكورين بالزهد.
حدث عنه داود بن عبد الرحمن العطار، وسفيان بن عيينة، وأبو إسحاق الفزاري، ومعتمر بن سُلَيْمَان، ويحيى بن سعيد الْقَطَّان، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد اللَّه بن وهب، ويَحْيَى بن آدم، وعبد الرزاق بن همام، وأبو أسامة، ومكي بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وموسى بن إِسْمَاعِيل، ومسلم بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وعبدان بن عثمان، ويعمر بن بشر، وأبو النضر هاشم بن القاسم، ويَحْيَى بْن معين، وأبو بَكْر بْن أبي شيبة، والْحَسَن بْن الربيع البوراني، والْحَسَن بن عرفة، ويعقوب الدورقي، وإِبْرَاهِيم بن مجشر، وغيرهم.
قدم عبد اللَّه بغداد غير مرة وحدث بها.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بن الْحُسَيْن بن العباس، أخبرنا جدي إسحاق بن محمّد النعالي، أخبرنا عبد الله بن إسحاق المدائنيّ، حَدَّثَنَا قعنب بن المحرر الباهلي قَالَ: عبد اللَّه بن المبارك الخراساني مولى بني عبد شمس، من بني سعد تميم.
أَخْبَرَنَا ابن الفضل القطّان، أخبرنا علي بن إبراهيم المستملي، حدّثنا أبو أحمد ابن فارس، حَدَّثَنَا البخاري قَالَ: عبد اللَّه بن المبارك أبو عبد الرحمن مولى بني حنظلة.
أَخْبَرَنِي محمّد بن أحمد بن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم الضّبّيّ، أخبرنا أبو العبّاس السّيّاري، حَدَّثَنَا عِيسَى بْن مُحَمَّد بْن عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا العباس بن مصعب قَالَ: كانت أم عبد اللَّه بن المبارك خوارزمية، وأبوه تركي، وكان عبد الرجل من التجار من همذان من بني حنظلة، وكان عبد اللَّه إذا قدم همذان يخضع لولده ويعظمهم.
حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن علي بن السيبي، حدّثنا محمّد بن أحمد ابن حمّاد بن سفيان الكوفيّ- بها- حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد، حَدَّثَنَا عبد اللَّه بْنُ إِبْرَاهِيمَ بن قتيبة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رزمة قَالَ:
سمعتُ أبي يَقُول: سمعتُ عَبْد اللَّهِ بْن المبارك يَقُول: نظر أبو حنيفة إلى أبي فَقَال:
أدت أمه إليك الأمانة، وكان أشبه الناس بعبد الله.
حدّثنا محمّد بن أحمد بن رزق، أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقّاق، حدثنا حنبل بن إسحاق قال: حدثني أبو عبد اللَّه قَالَ: ابن المبارك ثمان عشرة- يعني ولد سنة ثَمان عشرة-.
أَخْبَرَنَا علي بن أحمد الرّزّاز، حدّثنا أبو علي بن الصّوّاف، حدّثنا بشر بن موسى، حدثنا عمرو بن علي قال: ولد عبد اللَّه بن المبارك سنة ثمان عشرة ومائة.
أَخْبَرَنِي محمد بن أحمد بن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم، أَخْبَرَنِي أبو أَحْمَد بن أبي عبد اللَّه الحمادي قَالَ: سمعت مُحَمَّد بن موسى بن حاتم الباشاني يَقُول: سمعت عبدان بن عثمان يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن المبارك يَقُول: ولدت سنة تسع عشرة ومائة.
أَخْبَرَنَا ابْن الْفَضْل، أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن جعفر بن درستويه، حَدَّثَنَا يعقوب بن سفيان قَالَ: سمعت بشر بن أبي الأزهر قَالَ: قَالَ ابن المبارك: ذاكرني عبد اللَّه بن إدريس السن فقَالَ: ابن كم أنت؟ فقلت: إن العجم لا يكادون يَحفظون ذلك، ولكن أذكر أني لبست السواد وأنا صغير عند ما خرج أبو مسلم. قَالَ: فقَال لي: وقد ابتليت بلبس السواد؟ قلت: إني كنت أصغر من ذلك، كان أبو مسلم أخذ الناس كلهم بلبس السواد. الصغار، والكبار.
أَخْبَرَنَا أبو حازم عمر بن أَحْمَد بْنُ إِبْرَاهِيمَ العبدوي- بنيسابور- أَخْبَرَنَا أبو الطيب مُحَمَّد بن أَحْمَد بن حمدون الذهلي، حَدَّثَنِي أَحْمَد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ سَعِيدٍ يَقُول: سَمِعْتُ نعيم بن حماد يَقُول: كان عبد اللَّه بن المبارك يكثر الجلوس في بيته، فقيل له: ألا تستوحش؟ فَقَالَ: كيف أستوحش وأنا مع النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه.
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمّد الخلّال، حدّثنا أحمد بن إبراهيم، أخبرنا الحسين بن محمّد بن عفير، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن سنان قَالَ: بلغني أن ابن المبارك أتى حماد بن زيد
في أول الأمر، قَالَ: فنظر إليه فأعجبه نحوه، قَالَ له من أين أنت؟ قَالَ: من أهل خراسان، قَالَ: من أي خراسان؟ قَالَ: من مرو، قَالَ: تعرف رجلًا يقَالُ له عبد الله ابن المبارك؟ قَالَ: نعم! قَالَ: ما فعل؟ قَالَ: هو الذي تخاطب، قَالَ: فسلم عليه ورحب به، وحسن الذي بينهم.
أَخْبَرَنَا عبيد اللَّه بن عمر الواعظ، حَدَّثَنَا أبي قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بن علي بن إِسْمَاعِيل قَالَ: بلغني عن ابن المبارك أنه حضر عند حماد بن زيد مسلمًا عليه فقَال أصحاب الحديث لِحماد بن زيد: يا أبا إِسْمَاعِيل تسأل أبا عبد الرحمن أن يُحدِّثَنَا؟
فَقَالَ: يا أبا عبد الرحمن تحدثهم، فإنهم قد سألوني قَالَ: سبحان اللَّه يا أبا إِسْمَاعِيل، أحدث وأنت حاضر! قَالَ: فَقَالَ أقسمت لتفعلن- أو نحوه- قَالَ: فَقَالَ ابن المبارك خذوا؛ حَدَّثَنَا أبو إِسْمَاعِيل حماد بن زيد، فما حدث بحرف إلا عن حماد بن زيد.
أجاز لي مُحَمَّد بن أسد الكاتب- وَحَدَّثَنِي أبو مُحَمَّد الخلال عنه- قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن نصير، حدّثنا أحمد بن مسروق، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن حميد قَالَ:
عطس رجلٌ عند ابن المبارك قَالَ: فقَالَ له ابن المبارك: أيش يَقُول الرجل إذا عطس؟
قَالَ: يَقُول الحمد لله، قَالَ: فَقَال له ابن المبارك: يرحمك اللَّه، قَالَ فعجبنا كلنا من حسن أدبه.
أَخْبَرَنَا حمزة بن مُحَمَّد بن طاهر، حدّثنا الوليد بن بكر، حدثنا علي بن أحمد بن زكريا الهاشمي، حدثنا أبو مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله العجلي، حَدَّثَنِي أبي قَالَ: عبد اللَّه بن المبارك خراساني ثقة، ثبت في الحديث، رجل صالح، وكان يَقُول الشعر، وكان جامعًا للعلم.
أَخْبَرَنِي أَحْمَد بن مُحَمَّد بن عبد الواحد المروروذي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد الحافظ- بنيسابور- أخبرنا أبو العبّاس السّيّاري، حدّثنا عيسى بن محمّد بن عيسى، حَدَّثَنَا العباس بن مصعب قَالَ: جمع عبد اللَّه بن المبارك، الحديث، والفقه، والعربية، وأيام الناس، والشجاعة، والتجارة، والسخاء، والمحبة عند الْفِرَق.
وأخبرنا أبو حازم العبدوي، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ أَحْمَد بْنِ مُحَمَّد بْنِ عُمَر، أَخْبَرَنَا عمرو بن عبد اللَّه الغازي قَالَ: سمعت مُحَمَّد بن عبد الوهاب الفراء يَقُول:
ما أخرجت خراسان مثل هؤلاء الثلاثة، ابن المبارك، والنّضر بن شميل، ويحيى بن معين.
أخبرني ابن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم، أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن عبد اللَّه بن الجراح المعدل- بمرو- حدّثنا يحيى بن ساسويه، حَدَّثَنَا عبد الكريم بن أبي عبد الكريم السّكّري، حدّثنا وهب بن زمعة عن فضالة النوسي قال: كنت أجالس أصحاب الحديث بالكوفة، وكانوا إذا تشاجروا في حديث قَالُوا مروا بنا إلى هذا الطبيب حتى نسأله، يعنون عبد اللَّه بن المبارك.
وقَالَ ابن نعيم: أَخْبَرَنِي أبو النّضر الفقيه، حَدَّثَنَا عُثْمَان بن سعيد الدارمي قَالَ:
سمعت نعيم بن حماد يَقُول: سمعت يَحْيَى بن آدم يَقُول: كنت إذا طلبت الدقيق من المسائل فلم أجده في كتب ابن المبارك، آيست منه.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن التوزي، أَخْبَرَنَا يوسف بن عمر القواس، حدّثنا أحمد بن العبّاس البغوي، حدّثنا علي بن زيد- يعني الفرائضيّ- حَدَّثَنِي علي بن صدقة قَالَ: سمعت شعيب بن حرب قَالَ: ما لقي ابن المبارك رجل إلا زين. والمراد أفضل منه.
وقَالَ علي بن صدقة: سمعت أبا أسامة يَقُول: ابن المبارك في أصحاب الحديث مثل أمير المؤمنين في الناس.
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيُّ- بساوة- حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد بن جعفر المعروف بصاحب الخان- بارمية- حدّثنا محمّد بن إبراهيم الديبلي، حدّثنا علي ابن زيد، حَدَّثَنَا علي بن صدقة قَالَ: سمعت أبا أسامة يَقُول: كان ابن المبارك في أصحاب الحديث مثل أمير المؤمنين في الناس.
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ الطَّيِّبِ الدَّسْكَرِيُّ- بِحُلْوَانَ- أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد بْنُ إِبْرَاهِيمَ الإسماعيلي- بجرجان- أَخْبَرَنَا أبو الْحُسَيْن الرازي عبيد اللَّه بْنُ إبراهيم، حدّثنا محمّد بن علي الهمذاني- بهمذان- حدّثنا أبو حفص عمر بن مدرك، حدّثنا ابن عبد الرّحمن، حَدَّثَنَا أشعث بن شعبة المصيصي قَالَ: قدم هارون الرشيد أمير المؤمنين الرقة، فانجفل الناس خلف عبد اللَّه بن المبارك، وتقطعت النعال، وارتفعت الغبرة، فأشرفت أم ولد لأمير المؤمنين من برج من قصر الخشب، فلما رأت الناس قَالت: ما هذا؟ قَالُوا: عالم من أهل خراسان قدم الرقة يقَالُ له عبد اللَّه بن المبارك، فقَالت: هذا واللَّه الملك لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشرط وأعوان.
أخبرني أبو القاسم الأزهري، أخبرنا محمّد بن المظفر، حدّثنا الحسن بن آدم، حدّثنا عثمان بن خرزاذ، حدّثنا محمّد بن حسّان، حدّثنا عبد الرّحمن بن يزيد الجهضمي قَالَ: قَالَ الأوزاعي: رأيت ابن المبارك؟ قلت: لا، قَالَ: لو رأيته لقرت عينك.
أخبرنا أبو بكر البرقاني، حدّثني محمّد بن العبّاس الخزّاز، حدّثنا محمّد بن هارون ابن حميد، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي رَزْمَةَ.
وأَخْبَرَنِي أَبُو الْفَرَجِ الْحُسَيْن بْن عَلِيّ الطناجيري، حدّثنا عمر بن أحمد الواعظ، حدّثنا الحسين بن أحمد بن صدقة، حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَزْمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: عَرَفْتَ ابْنَ الْمُبَارَكِ؟ قُلْتُ:
نَعَمْ! قَالَ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ نَاحِيَتِكُمْ مِثْلُهُ، وَلَمْ يَقُلِ الْبَرْقَانِيُّ عَلَيْنَا.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْن الْحُسَيْن المحاملي، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّغُولِيُّ، حدّثنا عبد المجيد بن إبراهيم، حدّثنا وهب بن زمعة، حَدَّثَنَا معاذ بن خالد قَالَ: تعرفت إلى إِسْمَاعِيل بن عياش بعبد اللَّه بن المبارك، قَالَ: فقَال إِسْمَاعِيل بن عياش: ما على وجه الأرض مثل عبد اللَّه بن المبارك، ولا أعلم أن اللَّه خلق خصلة من خصال الخير إلا وقد جعلها في عبد اللَّه بن المبارك، ولقد حَدَّثَنِي أصحابي أنهم صحبوه من مصر إلى مكة فكان يطعمهم الخبيص، وهو الدهر صائم.
أَخْبَرَنَا ابن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم، أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن أَحْمَد بن عمر، حدّثنا محمّد بن المنذر، حدّثني عمر بن سعيد الطائي، حَدَّثَنَا عمر بن حفص الصوفي- بِمنبج- قَالَ: خرج ابن المبارك من بغداد يريد المصيصة، فصحبه الصوفية فقَال لَهم:
أنتم لكم أنفس تحتشمون أن ينفق عليكم، يا غلام هات الطست، فألقى على الطست منديلًا ثم قَالَ: يلقي كل رجل منكم تحت المنديل ما معه، قال: فجعل الرجل يلقي عشرة دراهم والرجل يلقي عشرين، فأنفق عليهم إلى المصيصة، فلما بلغ المصيصة قَالَ: هذه بلاد نفير، فنقسم ما بقي، فجعل يعطي الرجل عشرين دينارًا. فيَقُول: يا أبا عبد الرحمن إنما أعطيت عشرين درهمًا، فيَقُول: وما تنكر أن يبارك اللَّه للغازي في نفقته!!
أخبرنا أبو طالب عمر بن إبراهيم الفقيه، وأبو مُحَمَّد الْحَسَن بن مُحَمَّد الخلال قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْكَاتِبُ، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن الْحَسَن المقرئ قَالَ: سمعت عبد اللَّه بن أَحْمَد الدورقي قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحَسَن بن شقيق قَالَ: سمعت أبي قَالَ: كان ابن المبارك إذا كان وقت الحج اجتمع عليه إخوانه من أهل مرو، فيَقُولون نصحبك يا أبا عبد الرحمن؟ فيَقُول لهم: هاتوا نفقاتكم، فيأخذ نفقاتهم فيجعلها في صندوق فيقفل عليها، ثم يكتري لَهم ويخرجهم من مرو إلى بغداد، فلا يزال ينفق عليهم ويطعمهم أطيب الطعام. وأطيب الحلواء ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي وأجمل مروءة، حتى يصلوا إِلَى مدينة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا صاروا إلى المدينة قَالَ لكل رجل منهم: ما أمروك عيالك أن تشتري لهم من المدينة من طرفها؟ فيَقُول كذا فيشتري لهم ثم يخرجهم إلى مكة فإذا وصلوا إلى مكة وقضوا حجهم قَالَ لكل واحد منهم ما أمروك عيالك أن تشتري لهم من متاع مكة؟ فيَقُول كذا وكذا، فيشتري لهم، ثم يخرجهم من مكة فلا يزال ينفق عليهم إلى أن يصيروا إلى مرو، فإذا وصل إلى مرو جصص أبوابهم ودورهم، فإذا كان بعد ثلاثة أيام صنع لهم وليمة وكساهم، فإذا أكلوا وسروا، دعا بالصندوق ففتحه ودفع إلى كل رجل منهم صرته بعد أن كتب عليها اسمه.
قَالَ أبي: أَخْبَرَنِي خادمه أنه عمل آخر سفرة سافرها دعوة، فقدم إلى الناس خمسة وعشرين خوانًا فالوذج. قال أبي: وبلغنا أنه قَالَ للفضيل بن عياض: لولاك وأصحابك ما اتجرت، قَالَ أبي: وكان ينفق على الفقراء في كل سنة مائة ألف درهم.
أخبرني ابن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم، حدّثني محمّد بن علي النّحويّ، حدّثنا أحمد بن علي بن رزين، أَخْبَرَنَا علي بن خشرم قَالَ: حَدَّثَنِي سلمة بن سليمان قَالَ: جاء رجل إلى عبد اللَّه بن المبارك فسأله أن يقضي دينًا عليه، فكتب له إلى وكيل له، فلما ورد عليه الكتاب قَال له الوكيل- كم الدين الذي سألت فيه عبد اللَّه أن يقضيه عنك؟ قال: سبعمائة درهم، فكتب إلى عبد اللَّه إن هذا الرجل سألك أن تقضي عنه سبعمائة درهم، وكتبت له سبعة آلاف درهم، وقد فنيت الغلات، فكتب إليه عبد اللَّه: إن كانت الغلات قد فنيت فإن العمر أيضًا قد فني، فأجز له ما سبق به قلمي.
وقَالَ ابن نعيم: أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن أَحْمَد بن عمر، حدّثنا محمّد بن المنذر، حدثني يعقوب بن إسحاق، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن عيسى قَالَ: كان عبد اللَّه بن المبارك كثير الاختلاف إلى طرسوس وكان ينزل الرقة في خان فكان شاب يختلف إليه ويقوم بحوائجه، ويسمع منه الحديث، قال: فقدم عبد الله: الرقة مرة فلم ير ذلك الشاب، وكان مستعجلًا فخرج في النفير فلما قفل من غزوته، ورجع الرقة سأل عن الشاب قَالَ: فقَالُوا إنه محبوس لدين ركبه، فقَال عبد اللَّه وكم مبلغ دينه؟ فقَالُوا: عشرة آلاف درهم، فلم يزل يستقصي حتى دل على صاحب المال، فدعا به ليلًا ووزن له عشرة آلاف درهم، وحلفه أن لا يخبر أحدًا ما دام عبد اللَّه حيًّا، وقَالَ إذا أصبحت فأخرج الرجل من الحبس، وأدلج عبد اللَّه، فأخرج الفتى من الحبس، وقيل له عبد اللَّه بن المبارك كان هاهنا، وكان يذكرك، وقد خرج. فخرج الفتى في أثره فلحقه على مرحلتين- أو ثلاث- من الرقة، فقَال: يا فتى أين كنت، لم أرك في الخان؟ قَالَ: نعم يا أبا عبد الرحمن، كنت محبوسًا بدين قَالَ: فكيف كان سبب خلاصك؟ قَالَ: جاء رجل فقضى ديني ولم أعلم به حتى أخرجت من الحبس، فقَالَ له عبد اللَّه: يا فتى احمد اللَّه على ما وفق لك من قضاء دينك. فلم يخبر ذلك الرجل أحدًا إلا بعد موت عبد اللَّه.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّد الْحَسَن بْن الْحُسَيْنِ بْنِ رامين الأستراباذي، حَدَّثَنَا عبد الرحمن بْن مُحَمَّد بْن جعفر الجرجاني، حَدَّثَنَا السراج وَهُوَ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بْن إسحاق النيسابوري قَالَ: سمعت إِبْرَاهِيم بن بشار يَقُول: حَدَّثَنِي علي بن الفضيل قَالَ: سمعت أبي وهو يقول لابن المبارك: أنت تأمرنا بالزهد، والتقلل، والبلغة، ونراك تأتي بالبضائع من بلاد خراسان إلى البلد الحرام، كيف ذا؟ فقَالَ ابن المبارك: يا أبا علي إنما أفعل ذا لأصون به وجهي، وأكرم به عرضي، واستعين به على طاعة ربي، لا أرى لله حقًا إلا سارعت إليه حتى أقوم به. فقَالَ له الفضيل: يا ابن المبارك ما أحسن ذا، إن تم ذا.
أَخْبَرَنِي أبو القاسم منصور بن عمر الكرخي قَالَ: حَدَّثَنَا عبيد اللَّه بن مُحَمَّد بن أَحْمَد المقرئ. وأَخْبَرَنَا عبيد الله بن عمر الواعظ، حَدَّثَنِي أبي قَالَا: حَدَّثَنَا عثمان بن أَحْمَد، حَدَّثَنَا الفتح بن شخرف قَالَ: حَدَّثَنِي عباس بن يزيد، حَدَّثَنَا حبان بن موسى قَالَ: عوتب ابن المبارك فيما يفرق المال في البلدان ولا يفعل في أهل بلده، قَالَ: إني
أعرف مكان قوم لَهم فضل وصدق، طلبوا الحديث فأحسنوا الطلب للحديث، بحاجة الناس إليهم احتاجوا، فإن تركناهم ضاع عليهم، وإن أعناهم بثوا العلم لأمة مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أعلم بعد النبوة أفضل من بث العلم.
أَخْبَرَنَا هبة اللَّه بن الحسن الطبري، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حامد، أخبرنا محمّد بن عمر بن يزيد، أَخْبَرَنَا الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد قَالَ: سمعتُ يَحْيَى بْن معين يَقُول: ما رأيت أحدًا يحدث لله إلا ستة نفر، منهم عبد اللَّه بن المبارك.
وأخبرنا هبة الله الطبري، أخبرنا علي بن محمّد بن عمر، حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي حاتم، حَدَّثَنَا أبي قَالَ: سمعت ابن الطباع يحدث عن عبد الرحمن بن مهدي قَالَ: الأئمة أربعة، سفيان الثوري، ومالك بن أنس، وحماد بن زيد، وابن المبارك.
أَخْبَرَنَا علي بن أبي علي البصري، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن إسحاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصفار، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شعيب المدائنيّ- بمصر- حدّثنا محمّد بن عمر- وهو ابن نافع المعدل- حدّثنا أحمد بن محمّد بن شبويه، حَدَّثَنَا الثقة عن ابن مهدي قَالَ: ما رأيت رجلًا أعلم بالحديث من سفيان الثوري، ولا أحسن عقلًا من مالك، ولا أقشف من شعبة، ولا أنصح لِهذه الأمة من عبد اللَّه بن المبارك.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أبو العلاء مُحَمَّد بن علي الواسطيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَليّ الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن حبش المقرئ- بالدينور- حَدَّثَنَا الْحَسَن بن عَليّ بن زيد البَزَّاز قَالَ: سمعت أبا موسى مُحَمَّد بن المثنى يَقُولُ: سمعت عَبْد الرَّحْمَن بْن مهدي يَقُولُ: ما رأت عيناي مثل أربعة؛ ما رأيت أحفظ للحديث من الثوري، ولا أشد تقشفًا من شعبة، ولا أعقل من مالك بن أنس، ولا أنصح للأمة من عبد اللَّه بن المبارك.
أَنْبَأَنَا أَبُو زُرعة رَوح بْن مُحَمَّد الرازي، أَخْبَرَنَا علي بن مُحَمَّد بن عمر الفقيه، أخبرنا عبد الرّحمن بن أبي حاتم، حَدَّثَنَا أبو نشيط مُحَمَّد بْن هارون قَالَ: سمعت نعيم بن حماد قَالَ: قلت لعبد الرحمن بن مهدي أيهما أفضل عندك ابن المبارك، أو سفيان الثوري؟ فقَالَ: ابن المبارك، فقلت: إن الناس يخالفونك قَالَ: إن الناس لم يجربوا، ما رأيت مثل ابن المبارك.
أخبرني ابن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم، أخبرنا علي بن حمشاذ المعدل، حدّثنا محمّد بن أيّوب، حدّثنا نوح بن حبيب، حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديّ، حَدَّثَنِي ابن المبارك- وكان نسيج وحده-.
قرأت على أبي بكر الْبَرْقَانِيّ عن مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد ابن مسعدة الفزاريّ، حدّثنا جعفر بن درستويه، حَدَّثَنَا أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز قَالَ: سمعت يحيى بن معين يقول: سمعت ابن مهدي يَقُول: كان ابن المبارك أعلم من سفيان الثوري.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن الحسين القطّان، أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق، حدثنا محمد ابن إِبْرَاهِيمَ بن يوسف الْمَرْوَزِيّ قَالَ: سمعت أبا الوزير مُحَمَّد بن أعين يَقُول: سمعت عَبْد الرَّحْمَن بْن مهدي يَقُولُ- وقدم بغداد في بيع دار له- فاجتمع إليه أصحاب الحديث فقَالُوا له جالست سفيان الثوري وسمعت منه، وسمعت من عبد اللَّه، فأيهما أرجح؟ فقَالَ: ما تقولون! لو أن سفيان جهد جهده على أن يكون يومًا مثل عبد اللَّه لم يقدر.
أخبرنا البرقاني، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْهَيْثَمِ الْبُنْدَارُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الْعَوَّامِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ شُعَيْبَ بْنَ حَرْبٍ يَقُولُ. قَالَ سُفْيَانُ: إِنِّي لأَشْتَهِي مِنْ عُمُرِي كُلِّهِ أَنْ أَكُونَ سَنَةً وَاحِدَةً مِثْلَ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، فَمَا أَقْدِرُ أَنْ أَكُونَ وَلا ثَلاثَةَ أيام.
أخبرني ابن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم، أخبرنا محمّد بن أحمد بن عمر، حدّثنا محمّد بن المنذر، حدّثنا إبراهيم بن بحر الدّمشقيّ، حدّثنا عمران بن موسى الطرسوسي قَالَ: جاء رجل فسأل سفيان الثوري عن مسألة، فقَالَ له: من أين أنت؟
فقَالَ من أهل المشرق، قَالَ: أو ليس عندكم أعلم أهل المشرق! قَالَ: ومن هو يا أبا عبد اللَّه؟ قَالَ: عبد اللَّه بن المبارك، قَالَ: وهو أعلم أهل المشرق؟ قَالَ: نعم وأهل المغرب.
وقال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن المنذر، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن أَحْمَد بن الْحُسَيْن القرشي، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن عبدة قَالَ: كان فضيل وسفيان ومشيخة جلوسًا في المسجد الحرام، فطلع ابن المبارك من الثنية، فقَالَ سفيان: هذا رجل أهل المشرق، فقَالَ فضيل: هذا رجل أهل المشرق والمغرب وما بينهما.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن علي المحتسب، أخبرنا يوسف بن عمر القواس، حدّثنا أحمد بن العبّاس البغوي- إملاء- حدّثنا علي بن زيد- يعني الفرائضيّ- حدّثني عبد الرّحمن
ابن أبي جَميل قَالَ: كنا حول ابن المبارك بمكة، فقلنا له: يا عالم المشرق حَدِّثْنَا، وسفيان قريب منا فسمع، قَالَ: ويحكم عالم المشرق والمغرب وما بينهما.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن عبد الله الكاتب، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي، حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن الدغولي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قهزاذ قَالَ: سمعت أبا الوزير يَقُول: قدمت على سفيان بن عيينة فقَالُوا له: هذا وصي عبد اللَّه، فقَالَ: رحم اللَّه عبد اللَّه، ما خلف بِخراسان مثله، قَالَ: فقَالُوا لا يرضون، قَالَ: ما يَقُولون قَالَ: يَقُولون ولا بالعراق، قَالَ: ما أخلق، ما أخلق، ما أخلق، ثلاثًا.
أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ المقرئ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ، حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن السكري، حدّثنا أحمد بن يوسف التغلبي، حدّثنا أحمد بن أبي الحواري، حَدَّثَنَا أبو عصمة قَالَ: شهدت سفيان وفضيل بن عياض، فقَالَ سفيان لفضيل، يا أبا علي أي رجل ذهب- يعني ابن المبارك- فقَالَ له فضيل: يا أبا مُحَمَّد وبقي بعد ابن المبارك من يستحيى منه؟! أَخْبَرَنِي حمزة بْن مُحَمَّد بْن طاهر الدقاق، أخبرنا علي بن عمر الحافظ، حدّثنا محمّد بن مخلد، حَدَّثَنِي عبد الصمد بن حميد قَالَ: سمعت أبا الحسن عبد الوهاب ابن عبد الحكم يَقُول: لَمَّا مات ابن المبارك بلغني أن هارون أمير المؤمنين قَالَ: مات سيد العلماء.
أَخْبَرَنَا البرقاني قَالَ: قرأتُ عَلَى أبي حاتِم بن أبي الفضل الهروي أخبركم الحسين ابن إدريس قَالَ: سمعت المسيب بن واضح يَقُول: سمعت أبا إسحاق الفزاري يَقُول:
ابن المبارك إمام المسلمين أجمعين.
أَخْبَرَنَا هبة اللَّه بن الحسن الطبري، أخبرنا علي بن محمّد بن عمر، حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي حاتم، حدثني أبي، حدّثنا المسيّب بن واضح قال: سمعت أبا إسحاق الفزاري يَقُول: ابن المبارك إمام المسلمين. ورأيت أبا إسحاق بين يدي ابن المبارك قاعدًا يسائله.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن علي المقرئ، أخبرنا محمد بن عبد الله النيسابوري الحافظ، أَخْبَرَنَا أبو حامد أَحْمَد بن مُحَمَّد الخطيب- بمرو- حَدَّثَنَا أبو وهب أَحْمَد بن رافع- وراق سويد بن نصر- قَالَ: سمعت علي بن إسحاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ يَقُول: قَالَ ابن
عيينة: نظرت في أمر الصحابة، وأمر ابن المبارك، فما رأيت لهم عليه فضلًا إلا بصحبتهم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وغزوهم معه.
أخبرنا أحمد بن محمّد العتيقي، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الفضل الكرابيسي الْمَرْوَزِيّ قَالَ: سمعت عمر بْن أَحْمَد الجوهري يَقُول: سمعت محمود بن والان يَقُول: سمعت عمار بن الْحَسَن يَمدح ابن المبارك ويَقُول:
إذا سار عبد اللَّه من مرو ليلة ... فقد سار منها نورها وجمالها
إذا ذكر الأحبار في كل بلدة ... فهم أنجم فيها وأنت هلالُها
حَدَّثَنِي مكي بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشيرازي، أَخْبَرَنَا عبد الرحمن بْن عمر التجيبي- بِمصر- أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد بن أبي الأصبغ، أخبرنا هاشم بن مرثد، حَدَّثَنَا عثمان بن طالوت قَالَ: سمعت علي بن المديني يَقُول: انتهى العلم إلى رجلين؛ إلى عبد اللَّه بن المبارك ثم من بعده إلى يَحْيَى بن معين.
أَخْبَرَنَا منصور بن ربيعة الزّهريّ الخطيب- بالدينور- أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ راشد، أخبرنا علي بْن يَحْيَى بْن الجارود قَالَ: قَالَ عَلِيّ بن المدينيّ: عبد الله ابن المبارك هو أوسع علمًا من عبد الرحمن بن مهدي، ويَحْيَى بن آدم.
أَخْبَرَنِي أَبُو الفرج الطناجيري، حَدَّثَنَا عُمَر بْن أحمد الواعظ، حدّثنا الحسين بن أحمد بن صدقة، حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة، حَدَّثَنَا موسى بن إِسْمَاعِيل قَالَ:
سمعت سلام بن أَبِي مطيع يَقُول: ما خلف ابن المبارك بالمشرق مثله.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بن علي الجوهريّ، أخبرنا محمّد بن العبّاس، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْقَاسِم بْن جَعْفَر الكوكبي، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد قال: سمعت يحيى ابن معين- وذكروا عبد اللَّه بن المبارك- فقَالَ رجل: إنه لم يكن حافظًا، فقَالَ يَحْيَى ابن معين: كان عبد اللَّه بن المبارك رحمه اللَّه كيسًا مستثبتًا ثقة، وكان عالِمًا صحيح الحديث وكانت كتبه التي حدث بِها عشرين ألفًا- أو واحدًا وعشرين ألفًا-.
أَخْبَرَنِي الأزهري، حَدَّثَنَا أبو سعد عبد الرحمن بن مُحَمَّد الإدريسي قَالَ: سمعت مُحَمَّد بن خالد المطوعي البخاري يَقُول: سمعت الْحَسَن بْن الْحُسَيْن البخاري يَقُول:
سمعت أبا معشر حمدويه بن الخطاب يَقُول: سمعت أبا السري نصر بن المغيرة البخاري يَقُول: سمعت إِبْرَاهِيم بن شماس يَقُول: رأيت أفقه الناس، وأورع الناس،
وأحفظ الناس، فأما أفقه الناس فابن المبارك، وأما أورع الناس ففضيل بن عياض، وأما أحفظ الناس فوكيع بن الجراح.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بن أبي بكر، أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطّان، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي خيثمة قَالَ: سمعت يَحْيَى بن معين يَقُول: وذكر أصحاب سفيان فذكر ابن المبارك فبدأ به، وقَالَ هم خمسة، ابن المبارك، ووكيع، ويَحْيَى، وعبد الرحمن، وأبو نعيم.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بن أَبِي بكر، أخبرنا أبو سهل بن زياد، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي عُثْمَان الطيالسي قَالَ: قلت ليَحْيَى بن معين: إذا اختلف يَحْيَى القطان ووكيع؟ قَالَ: القول قول يَحْيَى، قلت: إذا اختلف عبد الرحمن ويَحْيَى؟ قَالَ: يحتاج من يفضل بينهما، قلت: أبو نعيم وعبد الرحمن؟ قَالَ: يحتاج من يفضل بينهما. قلت الأشجعي؟ قَالَ:
مات الأشجعي ومات حديثه معه. قلت: ابن المبارك؟ قَالَ: ذاك أمير المؤمنين.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن علي المقرئ، أخبرنا محمّد بن عبد الله النّيسابوريّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن العباس الخطيب- بِمرو- قَالَ: سمعت محمود بن والان يَقُول:
سمعت مُحَمَّد بن موسى يَقُول: سمعت إِبْرَاهِيم بن موسى يقول: كنت عند يحيى ابن معين فجاءه رجل فقَالَ: يا أبا زكريا من كان أثبت في معمر، عبد الرزاق، أو عبد اللَّه بن المبارك؟ وكان متكئًا فاستوى جالسًا فَقَال: كان ابن المبارك خيرًا من عبد الرزاق، ومن أهل قريته، ثم قَالَ: تضم عبد الرزاق إلى عبد اللَّه! قَالَ: وقَالَ يَحْيَى- وذكر عنده ابن المبارك- فَقَالَ: سيد من سادات المسلمين.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن أَبِي جعفر القطيعي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس، أَخْبَرَنَا أَبُو أَيُّوب سُلَيْمَان بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيمَ بن الخليل الجلاب قَالَ: سئل إِبْرَاهِيم الحربي إذا اختلف أصحاب معمر فالقول قول من؟ قَالَ: القول قول ابن المبارك.
أَخْبَرَنَا أحمد بن محمد بن عبد الله الكاتب، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي، حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن الدغولي، حدّثنا يحيى بن زكريا، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن النضر بن مساور قَالَ: قَالَ أبي: قلت لعبد اللَّه- يعني ابن المبارك- يا أبا عبد الرحمن هل تحفظ الحديث؟ قال: فتغير لونه وقَالَ: ما تحفظت حديثًا قط، إنما آخذ الكتاب فأنظر فيه، فما أشتهيه علق بقلبي.
أخبرني ابن يعقوب، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن نعيم قَالَ: قرأت بِخط إبراهيم بن علي الذهلي، حَدَّثَنِي أَحْمَد بن الخليل قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بن عيسى، أَخْبَرَنِي صخر- صديق ابن المبارك- قَالَ: كنا غلمانًا في الكتاب، فمررت أنا وابن المبارك ورجل يخطب، فخطب خطبة طويلة، فلما فرغ قَالَ لي ابن المبارك قد حفظتها، فسمعه رجل من القوم، فقَالَ هاتها، فأعادها عليهم ابن المبارك، وقد حفظها.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن علي المقرئ، أخبرنا محمّد بن عبد الله النّيسابوريّ، أَخْبَرَنِي أبو جعفر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبيد الله البغداديّ، حدّثنا يحيى بن عثمان بن صالح، حَدَّثَنَا نعيم بن حماد قَالَ: سمعت عبد اللَّه بن المبارك قَالَ: قَالَ لي أبي: لئن وجدت كتبك لأحرقتها، قَالَ: فقلت له وما علي من ذلك وهو في صدري.
أخبرني ابن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم، أخبرنا أبو العبّاس السّيّاري، حدّثنا عيسى بن محمّد، حَدَّثَنَا العباس بن مصعب قَالَ: قَالَ أبو وهب مُحَمَّد بن مزاحم:
العجب مِمن يسمع الحديث من ابن المبارك عن رجل ثم يأتي ذلك الرجل حتى يحدثه به.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن طلحة بْن مُحَمَّد الْمُقْرِئ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يزيد الغازي، أخبرنا محمد بن محمد بن داود الكرجي، حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن يوسف بن خراش قَالَ: عبد اللَّه بن المبارك مروزي ثقة.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّد الْحَسَن بْن الْحُسَيْنِ بْنِ رَامِينَ الإِسْتَرَابَاذِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاضِي أَبَا بَكْرٍ يُوسُفُ بْنُ الْقَاسِمِ الْمَيَانِجِيُّ- بِدِمَشْقَ- يَقُولُ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ- بِالْبَصْرَةِ- قَالَ: سَمِعْتُ سُوَيْدَ بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ بِمَكَّةَ أَتَى زَمْزَمَ فاستقى منه شربة، ثم استقبل الكعبة، ثم قال: اللَّهُمَّ إِنَّ ابْنَ أَبِي الْموال حَدَّثَنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» وَهَذَا أَشْرَبُهُ لِعَطَشِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ شَرِبَهُ.
أَخْبَرَنَا عَليّ بن أَحْمَد الرّزّاز، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن يَحْيَى النيسابوري، أَخْبَرَنَا بكر بن مُحَمَّد بن إسحاق بن خزيمة، حَدَّثَنَا أبو أَحْمَد مُحَمَّد بن عبد الوهاب قَالَ: سمعت الخليل أبا مُحَمَّد قَالَ: كان ابن المبارك إذا خرج إلى مكة يَقُول:
بغض الحياة وخوف اللَّه أخرجني ... وبيع نفسي بما ليست له ثمنا
إني وزنت الذي يبقى ليعدله ... ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا
أخبرنا محمّد بن علي المقرئ، أخبرنا محمّد بن عبد الله النّيسابوريّ، أخبرني أحمد بن محمّد العنزي، حَدَّثَنَا عُثْمَان بن سعيد الدارمي قَالَ: سمعت نعيم بن حماد يَقُول: كان ابن المبارك إذا قرأ كتاب الرقاق يصير كأنه ثور منحور، أو بقرة منحورة من البكاء، لا يجترئ أحد منا أن يدنو منه، أو يسأله عن شيء إلا دفعه.
أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّيِّبِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْن عَلِيِّ بْن مُحَمَّد القرشي، أخبرنا عمر بن أحمد ابن هارون المقرئ، حدّثنا حمد بن حمدويه المروزيّ، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن سعيد بن مسعود الْمَرْوَزِيّ، حَدَّثَنَا أبو حاتم الرازي قَالَ: سمعت عبدة بن سليمان- يعني الْمَرْوَزِيّ- يَقُول: كنا في سرية مع عبد اللَّه بن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو، فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو فدعا إلى البراز، فخرج إليه رجل فقتله، ثم آخر فقتله، ثم دعا إلى البراز فخرج إليه فطارده ساعة فطعنه فقتله، فازدحم إليه الناس، فكنت فيمن ازدحم إليه فإذا هو يلثم وجهه بكمه فأخذت بطرف كمه فمددته فإذا هو عبد اللَّه بن المبارك فَقَالَ: وأنت يا أبا عمرو مِمن يشنع علينا!! أَخْبَرَنِي ابن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاس قاسم بْن الْقَاسِم السياري، حدّثنا عيسى بن محمّد بن عيسى، حَدَّثَنَا العباس بن مصعب قَالَ: حَدَّثَنِي بعض أصحابنا قَالَ: سمعت أبا وهب يَقُول: مر ابن المبارك برجل أعمى، قَالَ: فَقَالَ أسألك أن تدعو اللَّه أن يرد اللَّه عَليّ بصري، قَالَ: فدعا اللَّه فرد عليه بصره وأنا أنظر.
أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيّ عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدِ بن أحمد بن فضالة النيسابوري- بالري- أَخْبَرَنَا أبو الفضل مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مجاهد- بالشاش- حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن جبريل بن الحارث التونكسي- في مجلس الأرزناني- قَالَ: سمعت أبا حسان البصري عيسى بن عبد اللَّه يَقُول: سمعت الْحَسَن بن عرفة يَقُول: قَالَ لي ابن المبارك: استعرت قلمًا بأرض الشام فذهب عَليّ أن أرده إلى صاحبه، فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي، فرجعت يا أبا علي الْحَسَن بن عرفة إلى أرض الشام حتى رددته على صاحبه.
قرأت على البرقاني عن أبي إسحاق المزكي قال: أخبرنا محمد بن إسحاق السّرّاج، حدّثنا حاتم الجوهريّ، حَدَّثَنَا أسود بن سالِم قَالَ: كان ابن المبارك إمامًا يُقتدى به، كان من أثبت الناس في السنة، إذا رأيت رجلًا يغمز ابن المبارك بشيء فاتهمه على الإسلام.
أخبرني ابن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم، أخبرنا علي بن محمّد المروزيّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن موسى بن حاتم قَالَ: سمعت عبدان بن عثمان يَقُول: خرج عبد اللَّه إلى العراق أول ما خرج سنة إحدى وأربعين ومائة، ومات بهيت وعانات لثلاث عشر خلت من رمضان سنة إحدى وثمانين ومائة.
أَخْبَرَنَا منصور بن ربيعة الزهري- بالدينور- أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ راشد، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن يَحْيَى بْن الجارود قَالَ: قال علي بن المديني: وعبد اللَّه بن المبارك مولى لبني حنظلة، ويكنى أبا عبد الرحمن، مات سنة إحدى وثَمانين ومائة بِهيت.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد بن رزق، أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقّاق، حدّثنا حنبل بن إسحاق، حدّثني أبو عبد الله، حَدَّثَنَا حسن بن الربيع قَالَ: وسألت ابن المبارك قبل أن يموت قال: أنا ابن ثلاث وستين، ومات سنة إحدى وثمانين. وقَالَ أبو عبد اللَّه:
ذهبت لأسمع منه فلم أدركه، وكان قدم فخرج إلى الثغر فلم أسمع منه، ولم أره.
أَخْبَرَنَا ابْن الْفَضْل، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يعقوب بْن سفيان قَالَ:
سَمعت الْحَسَن بن الربيع يَقُول: شهدت موت ابن المبارك، مات سنة إحدى وثمانين ومائة في رمضان لعشر مضين منه، مات سحرًا ودفناه بهيت، وسألت ابن المبارك قبل أن يموت، قال: أنا ابن ثلاث وستين.
أَخْبَرَنَا عليّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بشران المعدل، أخبرنا الحسين بن صفوان البرذعي، حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدّنيا، حدّثنا محمّد بن علي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بن الأشعث قَالَ: سمعت مُحَمَّد بن فضيل بن عياض قَالَ: رأيت عبد اللَّه بن المبارك في المنام، فقلت: أي الأعمال وجدت أفضل؟ قَالَ: الأمر الذي كنت فيه، قلت الرباط والجهاد؟ قَالَ: نعم! قلت: وأي شيء صنع بك؟ قَالَ: غفر لي مغفرة ما بعدها مغفرة، وكلمتني امرأة من أهل الجنة أو امرأة من الحور العين.
وَقَالَ ابْن أَبِي الدنيا: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن، حدّثني علي بن إسحاق، حَدَّثَنِي صخر بن راشد قَالَ: رأيت عبد اللَّه بن المبارك في منامي بعد موته، فقلت: أليس قد مت؟ قَالَ: بلى! قلت: فما صنع بك ربك؟ قَالَ: غفر لي مغفرة أحاطت بكل ذنب، قلت: فسفيان الثوري؟ قَالَ: بخ بخ ذاك: مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً
[النساء 69] .
أخبرني ابن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم، أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن أَحْمَد بن عمر، حدّثنا محمّد بن المنذر، حدّثني شعيب بن محمّد، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْفِرْيَابِيَّ يَقُولُ: رَأَيْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فَعَلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ؟ فَقَالَ: مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً
[النساء 69] قلت: ما فعل وكيع؟ فحرك يديه فقال: أَكْثَرَ أَكْثَرَ- يَعْنِي فِي الْحَدِيثِ-.
530 عبد اللَّه بن المبارك، مولى بني هاشم:
حدث عن همام بن يَحْيَى العوذي، وعيسى بن ميمون. روى عنه عمر بن حفص السدوسي.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ الخوّاص المعروف بالخلدي- إملاء- حدّثنا عمر بن حفص السدوسي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ الْبَغْدَادِيُّ- مَوْلَى العبّاس سنة تسع عشرة- حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ صَالِحٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ: «اتَّقُوا اللَّهُ فِي الصَّلاةِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» وَجَعَلَ يُكَرِّرُهَا.
وحدث عن هذا الشيخ أَحْمَد بن القاسم بن مساور الجوهري فَقَالَ: حَدَّثَنَا عبد اللَّه بن المبارك الخراساني- ببغداد- في مسجد الجامع حَدَّثَنَا همام بن يَحْيَى
سمع هشام بْن عروة، وإِسْمَاعِيل بْن أبي خَالِد، وسليمان الأعمش، وسليمان التيمي، وحميد الطويل، وعبد اللَّه بن عون، ويَحْيَى بن سعيد الأنصاريّ، وموسى
ابن عقبة، وسعيد الجريري، ومعمر بن راشد، وابن جريج، وابن أَبِي ذئب، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري، وشعبة، والأوزاعي، والليث بن سعد، ويونس بن يزيد، وإِبْرَاهِيم بن سعد، وزهير بن معاوية، وأبا عوانة.
وكان من الربانيين في العلم، الموصوفين بالحفظ، ومن المذكورين بالزهد.
حدث عنه داود بن عبد الرحمن العطار، وسفيان بن عيينة، وأبو إسحاق الفزاري، ومعتمر بن سُلَيْمَان، ويحيى بن سعيد الْقَطَّان، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد اللَّه بن وهب، ويَحْيَى بن آدم، وعبد الرزاق بن همام، وأبو أسامة، ومكي بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وموسى بن إِسْمَاعِيل، ومسلم بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وعبدان بن عثمان، ويعمر بن بشر، وأبو النضر هاشم بن القاسم، ويَحْيَى بْن معين، وأبو بَكْر بْن أبي شيبة، والْحَسَن بْن الربيع البوراني، والْحَسَن بن عرفة، ويعقوب الدورقي، وإِبْرَاهِيم بن مجشر، وغيرهم.
قدم عبد اللَّه بغداد غير مرة وحدث بها.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بن الْحُسَيْن بن العباس، أخبرنا جدي إسحاق بن محمّد النعالي، أخبرنا عبد الله بن إسحاق المدائنيّ، حَدَّثَنَا قعنب بن المحرر الباهلي قَالَ: عبد اللَّه بن المبارك الخراساني مولى بني عبد شمس، من بني سعد تميم.
أَخْبَرَنَا ابن الفضل القطّان، أخبرنا علي بن إبراهيم المستملي، حدّثنا أبو أحمد ابن فارس، حَدَّثَنَا البخاري قَالَ: عبد اللَّه بن المبارك أبو عبد الرحمن مولى بني حنظلة.
أَخْبَرَنِي محمّد بن أحمد بن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم الضّبّيّ، أخبرنا أبو العبّاس السّيّاري، حَدَّثَنَا عِيسَى بْن مُحَمَّد بْن عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا العباس بن مصعب قَالَ: كانت أم عبد اللَّه بن المبارك خوارزمية، وأبوه تركي، وكان عبد الرجل من التجار من همذان من بني حنظلة، وكان عبد اللَّه إذا قدم همذان يخضع لولده ويعظمهم.
حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن علي بن السيبي، حدّثنا محمّد بن أحمد ابن حمّاد بن سفيان الكوفيّ- بها- حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد، حَدَّثَنَا عبد اللَّه بْنُ إِبْرَاهِيمَ بن قتيبة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رزمة قَالَ:
سمعتُ أبي يَقُول: سمعتُ عَبْد اللَّهِ بْن المبارك يَقُول: نظر أبو حنيفة إلى أبي فَقَال:
أدت أمه إليك الأمانة، وكان أشبه الناس بعبد الله.
حدّثنا محمّد بن أحمد بن رزق، أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقّاق، حدثنا حنبل بن إسحاق قال: حدثني أبو عبد اللَّه قَالَ: ابن المبارك ثمان عشرة- يعني ولد سنة ثَمان عشرة-.
أَخْبَرَنَا علي بن أحمد الرّزّاز، حدّثنا أبو علي بن الصّوّاف، حدّثنا بشر بن موسى، حدثنا عمرو بن علي قال: ولد عبد اللَّه بن المبارك سنة ثمان عشرة ومائة.
أَخْبَرَنِي محمد بن أحمد بن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم، أَخْبَرَنِي أبو أَحْمَد بن أبي عبد اللَّه الحمادي قَالَ: سمعت مُحَمَّد بن موسى بن حاتم الباشاني يَقُول: سمعت عبدان بن عثمان يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن المبارك يَقُول: ولدت سنة تسع عشرة ومائة.
أَخْبَرَنَا ابْن الْفَضْل، أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن جعفر بن درستويه، حَدَّثَنَا يعقوب بن سفيان قَالَ: سمعت بشر بن أبي الأزهر قَالَ: قَالَ ابن المبارك: ذاكرني عبد اللَّه بن إدريس السن فقَالَ: ابن كم أنت؟ فقلت: إن العجم لا يكادون يَحفظون ذلك، ولكن أذكر أني لبست السواد وأنا صغير عند ما خرج أبو مسلم. قَالَ: فقَال لي: وقد ابتليت بلبس السواد؟ قلت: إني كنت أصغر من ذلك، كان أبو مسلم أخذ الناس كلهم بلبس السواد. الصغار، والكبار.
أَخْبَرَنَا أبو حازم عمر بن أَحْمَد بْنُ إِبْرَاهِيمَ العبدوي- بنيسابور- أَخْبَرَنَا أبو الطيب مُحَمَّد بن أَحْمَد بن حمدون الذهلي، حَدَّثَنِي أَحْمَد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ سَعِيدٍ يَقُول: سَمِعْتُ نعيم بن حماد يَقُول: كان عبد اللَّه بن المبارك يكثر الجلوس في بيته، فقيل له: ألا تستوحش؟ فَقَالَ: كيف أستوحش وأنا مع النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه.
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمّد الخلّال، حدّثنا أحمد بن إبراهيم، أخبرنا الحسين بن محمّد بن عفير، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن سنان قَالَ: بلغني أن ابن المبارك أتى حماد بن زيد
في أول الأمر، قَالَ: فنظر إليه فأعجبه نحوه، قَالَ له من أين أنت؟ قَالَ: من أهل خراسان، قَالَ: من أي خراسان؟ قَالَ: من مرو، قَالَ: تعرف رجلًا يقَالُ له عبد الله ابن المبارك؟ قَالَ: نعم! قَالَ: ما فعل؟ قَالَ: هو الذي تخاطب، قَالَ: فسلم عليه ورحب به، وحسن الذي بينهم.
أَخْبَرَنَا عبيد اللَّه بن عمر الواعظ، حَدَّثَنَا أبي قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بن علي بن إِسْمَاعِيل قَالَ: بلغني عن ابن المبارك أنه حضر عند حماد بن زيد مسلمًا عليه فقَال أصحاب الحديث لِحماد بن زيد: يا أبا إِسْمَاعِيل تسأل أبا عبد الرحمن أن يُحدِّثَنَا؟
فَقَالَ: يا أبا عبد الرحمن تحدثهم، فإنهم قد سألوني قَالَ: سبحان اللَّه يا أبا إِسْمَاعِيل، أحدث وأنت حاضر! قَالَ: فَقَالَ أقسمت لتفعلن- أو نحوه- قَالَ: فَقَالَ ابن المبارك خذوا؛ حَدَّثَنَا أبو إِسْمَاعِيل حماد بن زيد، فما حدث بحرف إلا عن حماد بن زيد.
أجاز لي مُحَمَّد بن أسد الكاتب- وَحَدَّثَنِي أبو مُحَمَّد الخلال عنه- قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن نصير، حدّثنا أحمد بن مسروق، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن حميد قَالَ:
عطس رجلٌ عند ابن المبارك قَالَ: فقَالَ له ابن المبارك: أيش يَقُول الرجل إذا عطس؟
قَالَ: يَقُول الحمد لله، قَالَ: فَقَال له ابن المبارك: يرحمك اللَّه، قَالَ فعجبنا كلنا من حسن أدبه.
أَخْبَرَنَا حمزة بن مُحَمَّد بن طاهر، حدّثنا الوليد بن بكر، حدثنا علي بن أحمد بن زكريا الهاشمي، حدثنا أبو مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله العجلي، حَدَّثَنِي أبي قَالَ: عبد اللَّه بن المبارك خراساني ثقة، ثبت في الحديث، رجل صالح، وكان يَقُول الشعر، وكان جامعًا للعلم.
أَخْبَرَنِي أَحْمَد بن مُحَمَّد بن عبد الواحد المروروذي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد الحافظ- بنيسابور- أخبرنا أبو العبّاس السّيّاري، حدّثنا عيسى بن محمّد بن عيسى، حَدَّثَنَا العباس بن مصعب قَالَ: جمع عبد اللَّه بن المبارك، الحديث، والفقه، والعربية، وأيام الناس، والشجاعة، والتجارة، والسخاء، والمحبة عند الْفِرَق.
وأخبرنا أبو حازم العبدوي، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ أَحْمَد بْنِ مُحَمَّد بْنِ عُمَر، أَخْبَرَنَا عمرو بن عبد اللَّه الغازي قَالَ: سمعت مُحَمَّد بن عبد الوهاب الفراء يَقُول:
ما أخرجت خراسان مثل هؤلاء الثلاثة، ابن المبارك، والنّضر بن شميل، ويحيى بن معين.
أخبرني ابن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم، أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن عبد اللَّه بن الجراح المعدل- بمرو- حدّثنا يحيى بن ساسويه، حَدَّثَنَا عبد الكريم بن أبي عبد الكريم السّكّري، حدّثنا وهب بن زمعة عن فضالة النوسي قال: كنت أجالس أصحاب الحديث بالكوفة، وكانوا إذا تشاجروا في حديث قَالُوا مروا بنا إلى هذا الطبيب حتى نسأله، يعنون عبد اللَّه بن المبارك.
وقَالَ ابن نعيم: أَخْبَرَنِي أبو النّضر الفقيه، حَدَّثَنَا عُثْمَان بن سعيد الدارمي قَالَ:
سمعت نعيم بن حماد يَقُول: سمعت يَحْيَى بن آدم يَقُول: كنت إذا طلبت الدقيق من المسائل فلم أجده في كتب ابن المبارك، آيست منه.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن التوزي، أَخْبَرَنَا يوسف بن عمر القواس، حدّثنا أحمد بن العبّاس البغوي، حدّثنا علي بن زيد- يعني الفرائضيّ- حَدَّثَنِي علي بن صدقة قَالَ: سمعت شعيب بن حرب قَالَ: ما لقي ابن المبارك رجل إلا زين. والمراد أفضل منه.
وقَالَ علي بن صدقة: سمعت أبا أسامة يَقُول: ابن المبارك في أصحاب الحديث مثل أمير المؤمنين في الناس.
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيُّ- بساوة- حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد بن جعفر المعروف بصاحب الخان- بارمية- حدّثنا محمّد بن إبراهيم الديبلي، حدّثنا علي ابن زيد، حَدَّثَنَا علي بن صدقة قَالَ: سمعت أبا أسامة يَقُول: كان ابن المبارك في أصحاب الحديث مثل أمير المؤمنين في الناس.
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ الطَّيِّبِ الدَّسْكَرِيُّ- بِحُلْوَانَ- أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد بْنُ إِبْرَاهِيمَ الإسماعيلي- بجرجان- أَخْبَرَنَا أبو الْحُسَيْن الرازي عبيد اللَّه بْنُ إبراهيم، حدّثنا محمّد بن علي الهمذاني- بهمذان- حدّثنا أبو حفص عمر بن مدرك، حدّثنا ابن عبد الرّحمن، حَدَّثَنَا أشعث بن شعبة المصيصي قَالَ: قدم هارون الرشيد أمير المؤمنين الرقة، فانجفل الناس خلف عبد اللَّه بن المبارك، وتقطعت النعال، وارتفعت الغبرة، فأشرفت أم ولد لأمير المؤمنين من برج من قصر الخشب، فلما رأت الناس قَالت: ما هذا؟ قَالُوا: عالم من أهل خراسان قدم الرقة يقَالُ له عبد اللَّه بن المبارك، فقَالت: هذا واللَّه الملك لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشرط وأعوان.
أخبرني أبو القاسم الأزهري، أخبرنا محمّد بن المظفر، حدّثنا الحسن بن آدم، حدّثنا عثمان بن خرزاذ، حدّثنا محمّد بن حسّان، حدّثنا عبد الرّحمن بن يزيد الجهضمي قَالَ: قَالَ الأوزاعي: رأيت ابن المبارك؟ قلت: لا، قَالَ: لو رأيته لقرت عينك.
أخبرنا أبو بكر البرقاني، حدّثني محمّد بن العبّاس الخزّاز، حدّثنا محمّد بن هارون ابن حميد، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي رَزْمَةَ.
وأَخْبَرَنِي أَبُو الْفَرَجِ الْحُسَيْن بْن عَلِيّ الطناجيري، حدّثنا عمر بن أحمد الواعظ، حدّثنا الحسين بن أحمد بن صدقة، حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَزْمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: عَرَفْتَ ابْنَ الْمُبَارَكِ؟ قُلْتُ:
نَعَمْ! قَالَ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ نَاحِيَتِكُمْ مِثْلُهُ، وَلَمْ يَقُلِ الْبَرْقَانِيُّ عَلَيْنَا.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْن الْحُسَيْن المحاملي، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّغُولِيُّ، حدّثنا عبد المجيد بن إبراهيم، حدّثنا وهب بن زمعة، حَدَّثَنَا معاذ بن خالد قَالَ: تعرفت إلى إِسْمَاعِيل بن عياش بعبد اللَّه بن المبارك، قَالَ: فقَال إِسْمَاعِيل بن عياش: ما على وجه الأرض مثل عبد اللَّه بن المبارك، ولا أعلم أن اللَّه خلق خصلة من خصال الخير إلا وقد جعلها في عبد اللَّه بن المبارك، ولقد حَدَّثَنِي أصحابي أنهم صحبوه من مصر إلى مكة فكان يطعمهم الخبيص، وهو الدهر صائم.
أَخْبَرَنَا ابن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم، أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن أَحْمَد بن عمر، حدّثنا محمّد بن المنذر، حدّثني عمر بن سعيد الطائي، حَدَّثَنَا عمر بن حفص الصوفي- بِمنبج- قَالَ: خرج ابن المبارك من بغداد يريد المصيصة، فصحبه الصوفية فقَال لَهم:
أنتم لكم أنفس تحتشمون أن ينفق عليكم، يا غلام هات الطست، فألقى على الطست منديلًا ثم قَالَ: يلقي كل رجل منكم تحت المنديل ما معه، قال: فجعل الرجل يلقي عشرة دراهم والرجل يلقي عشرين، فأنفق عليهم إلى المصيصة، فلما بلغ المصيصة قَالَ: هذه بلاد نفير، فنقسم ما بقي، فجعل يعطي الرجل عشرين دينارًا. فيَقُول: يا أبا عبد الرحمن إنما أعطيت عشرين درهمًا، فيَقُول: وما تنكر أن يبارك اللَّه للغازي في نفقته!!
أخبرنا أبو طالب عمر بن إبراهيم الفقيه، وأبو مُحَمَّد الْحَسَن بن مُحَمَّد الخلال قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْكَاتِبُ، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن الْحَسَن المقرئ قَالَ: سمعت عبد اللَّه بن أَحْمَد الدورقي قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحَسَن بن شقيق قَالَ: سمعت أبي قَالَ: كان ابن المبارك إذا كان وقت الحج اجتمع عليه إخوانه من أهل مرو، فيَقُولون نصحبك يا أبا عبد الرحمن؟ فيَقُول لهم: هاتوا نفقاتكم، فيأخذ نفقاتهم فيجعلها في صندوق فيقفل عليها، ثم يكتري لَهم ويخرجهم من مرو إلى بغداد، فلا يزال ينفق عليهم ويطعمهم أطيب الطعام. وأطيب الحلواء ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي وأجمل مروءة، حتى يصلوا إِلَى مدينة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا صاروا إلى المدينة قَالَ لكل رجل منهم: ما أمروك عيالك أن تشتري لهم من المدينة من طرفها؟ فيَقُول كذا فيشتري لهم ثم يخرجهم إلى مكة فإذا وصلوا إلى مكة وقضوا حجهم قَالَ لكل واحد منهم ما أمروك عيالك أن تشتري لهم من متاع مكة؟ فيَقُول كذا وكذا، فيشتري لهم، ثم يخرجهم من مكة فلا يزال ينفق عليهم إلى أن يصيروا إلى مرو، فإذا وصل إلى مرو جصص أبوابهم ودورهم، فإذا كان بعد ثلاثة أيام صنع لهم وليمة وكساهم، فإذا أكلوا وسروا، دعا بالصندوق ففتحه ودفع إلى كل رجل منهم صرته بعد أن كتب عليها اسمه.
قَالَ أبي: أَخْبَرَنِي خادمه أنه عمل آخر سفرة سافرها دعوة، فقدم إلى الناس خمسة وعشرين خوانًا فالوذج. قال أبي: وبلغنا أنه قَالَ للفضيل بن عياض: لولاك وأصحابك ما اتجرت، قَالَ أبي: وكان ينفق على الفقراء في كل سنة مائة ألف درهم.
أخبرني ابن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم، حدّثني محمّد بن علي النّحويّ، حدّثنا أحمد بن علي بن رزين، أَخْبَرَنَا علي بن خشرم قَالَ: حَدَّثَنِي سلمة بن سليمان قَالَ: جاء رجل إلى عبد اللَّه بن المبارك فسأله أن يقضي دينًا عليه، فكتب له إلى وكيل له، فلما ورد عليه الكتاب قَال له الوكيل- كم الدين الذي سألت فيه عبد اللَّه أن يقضيه عنك؟ قال: سبعمائة درهم، فكتب إلى عبد اللَّه إن هذا الرجل سألك أن تقضي عنه سبعمائة درهم، وكتبت له سبعة آلاف درهم، وقد فنيت الغلات، فكتب إليه عبد اللَّه: إن كانت الغلات قد فنيت فإن العمر أيضًا قد فني، فأجز له ما سبق به قلمي.
وقَالَ ابن نعيم: أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن أَحْمَد بن عمر، حدّثنا محمّد بن المنذر، حدثني يعقوب بن إسحاق، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن عيسى قَالَ: كان عبد اللَّه بن المبارك كثير الاختلاف إلى طرسوس وكان ينزل الرقة في خان فكان شاب يختلف إليه ويقوم بحوائجه، ويسمع منه الحديث، قال: فقدم عبد الله: الرقة مرة فلم ير ذلك الشاب، وكان مستعجلًا فخرج في النفير فلما قفل من غزوته، ورجع الرقة سأل عن الشاب قَالَ: فقَالُوا إنه محبوس لدين ركبه، فقَال عبد اللَّه وكم مبلغ دينه؟ فقَالُوا: عشرة آلاف درهم، فلم يزل يستقصي حتى دل على صاحب المال، فدعا به ليلًا ووزن له عشرة آلاف درهم، وحلفه أن لا يخبر أحدًا ما دام عبد اللَّه حيًّا، وقَالَ إذا أصبحت فأخرج الرجل من الحبس، وأدلج عبد اللَّه، فأخرج الفتى من الحبس، وقيل له عبد اللَّه بن المبارك كان هاهنا، وكان يذكرك، وقد خرج. فخرج الفتى في أثره فلحقه على مرحلتين- أو ثلاث- من الرقة، فقَال: يا فتى أين كنت، لم أرك في الخان؟ قَالَ: نعم يا أبا عبد الرحمن، كنت محبوسًا بدين قَالَ: فكيف كان سبب خلاصك؟ قَالَ: جاء رجل فقضى ديني ولم أعلم به حتى أخرجت من الحبس، فقَالَ له عبد اللَّه: يا فتى احمد اللَّه على ما وفق لك من قضاء دينك. فلم يخبر ذلك الرجل أحدًا إلا بعد موت عبد اللَّه.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّد الْحَسَن بْن الْحُسَيْنِ بْنِ رامين الأستراباذي، حَدَّثَنَا عبد الرحمن بْن مُحَمَّد بْن جعفر الجرجاني، حَدَّثَنَا السراج وَهُوَ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بْن إسحاق النيسابوري قَالَ: سمعت إِبْرَاهِيم بن بشار يَقُول: حَدَّثَنِي علي بن الفضيل قَالَ: سمعت أبي وهو يقول لابن المبارك: أنت تأمرنا بالزهد، والتقلل، والبلغة، ونراك تأتي بالبضائع من بلاد خراسان إلى البلد الحرام، كيف ذا؟ فقَالَ ابن المبارك: يا أبا علي إنما أفعل ذا لأصون به وجهي، وأكرم به عرضي، واستعين به على طاعة ربي، لا أرى لله حقًا إلا سارعت إليه حتى أقوم به. فقَالَ له الفضيل: يا ابن المبارك ما أحسن ذا، إن تم ذا.
أَخْبَرَنِي أبو القاسم منصور بن عمر الكرخي قَالَ: حَدَّثَنَا عبيد اللَّه بن مُحَمَّد بن أَحْمَد المقرئ. وأَخْبَرَنَا عبيد الله بن عمر الواعظ، حَدَّثَنِي أبي قَالَا: حَدَّثَنَا عثمان بن أَحْمَد، حَدَّثَنَا الفتح بن شخرف قَالَ: حَدَّثَنِي عباس بن يزيد، حَدَّثَنَا حبان بن موسى قَالَ: عوتب ابن المبارك فيما يفرق المال في البلدان ولا يفعل في أهل بلده، قَالَ: إني
أعرف مكان قوم لَهم فضل وصدق، طلبوا الحديث فأحسنوا الطلب للحديث، بحاجة الناس إليهم احتاجوا، فإن تركناهم ضاع عليهم، وإن أعناهم بثوا العلم لأمة مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أعلم بعد النبوة أفضل من بث العلم.
أَخْبَرَنَا هبة اللَّه بن الحسن الطبري، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حامد، أخبرنا محمّد بن عمر بن يزيد، أَخْبَرَنَا الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد قَالَ: سمعتُ يَحْيَى بْن معين يَقُول: ما رأيت أحدًا يحدث لله إلا ستة نفر، منهم عبد اللَّه بن المبارك.
وأخبرنا هبة الله الطبري، أخبرنا علي بن محمّد بن عمر، حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي حاتم، حَدَّثَنَا أبي قَالَ: سمعت ابن الطباع يحدث عن عبد الرحمن بن مهدي قَالَ: الأئمة أربعة، سفيان الثوري، ومالك بن أنس، وحماد بن زيد، وابن المبارك.
أَخْبَرَنَا علي بن أبي علي البصري، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن إسحاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصفار، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شعيب المدائنيّ- بمصر- حدّثنا محمّد بن عمر- وهو ابن نافع المعدل- حدّثنا أحمد بن محمّد بن شبويه، حَدَّثَنَا الثقة عن ابن مهدي قَالَ: ما رأيت رجلًا أعلم بالحديث من سفيان الثوري، ولا أحسن عقلًا من مالك، ولا أقشف من شعبة، ولا أنصح لِهذه الأمة من عبد اللَّه بن المبارك.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أبو العلاء مُحَمَّد بن علي الواسطيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَليّ الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن حبش المقرئ- بالدينور- حَدَّثَنَا الْحَسَن بن عَليّ بن زيد البَزَّاز قَالَ: سمعت أبا موسى مُحَمَّد بن المثنى يَقُولُ: سمعت عَبْد الرَّحْمَن بْن مهدي يَقُولُ: ما رأت عيناي مثل أربعة؛ ما رأيت أحفظ للحديث من الثوري، ولا أشد تقشفًا من شعبة، ولا أعقل من مالك بن أنس، ولا أنصح للأمة من عبد اللَّه بن المبارك.
أَنْبَأَنَا أَبُو زُرعة رَوح بْن مُحَمَّد الرازي، أَخْبَرَنَا علي بن مُحَمَّد بن عمر الفقيه، أخبرنا عبد الرّحمن بن أبي حاتم، حَدَّثَنَا أبو نشيط مُحَمَّد بْن هارون قَالَ: سمعت نعيم بن حماد قَالَ: قلت لعبد الرحمن بن مهدي أيهما أفضل عندك ابن المبارك، أو سفيان الثوري؟ فقَالَ: ابن المبارك، فقلت: إن الناس يخالفونك قَالَ: إن الناس لم يجربوا، ما رأيت مثل ابن المبارك.
أخبرني ابن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم، أخبرنا علي بن حمشاذ المعدل، حدّثنا محمّد بن أيّوب، حدّثنا نوح بن حبيب، حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديّ، حَدَّثَنِي ابن المبارك- وكان نسيج وحده-.
قرأت على أبي بكر الْبَرْقَانِيّ عن مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد ابن مسعدة الفزاريّ، حدّثنا جعفر بن درستويه، حَدَّثَنَا أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز قَالَ: سمعت يحيى بن معين يقول: سمعت ابن مهدي يَقُول: كان ابن المبارك أعلم من سفيان الثوري.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن الحسين القطّان، أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق، حدثنا محمد ابن إِبْرَاهِيمَ بن يوسف الْمَرْوَزِيّ قَالَ: سمعت أبا الوزير مُحَمَّد بن أعين يَقُول: سمعت عَبْد الرَّحْمَن بْن مهدي يَقُولُ- وقدم بغداد في بيع دار له- فاجتمع إليه أصحاب الحديث فقَالُوا له جالست سفيان الثوري وسمعت منه، وسمعت من عبد اللَّه، فأيهما أرجح؟ فقَالَ: ما تقولون! لو أن سفيان جهد جهده على أن يكون يومًا مثل عبد اللَّه لم يقدر.
أخبرنا البرقاني، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْهَيْثَمِ الْبُنْدَارُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الْعَوَّامِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ شُعَيْبَ بْنَ حَرْبٍ يَقُولُ. قَالَ سُفْيَانُ: إِنِّي لأَشْتَهِي مِنْ عُمُرِي كُلِّهِ أَنْ أَكُونَ سَنَةً وَاحِدَةً مِثْلَ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، فَمَا أَقْدِرُ أَنْ أَكُونَ وَلا ثَلاثَةَ أيام.
أخبرني ابن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم، أخبرنا محمّد بن أحمد بن عمر، حدّثنا محمّد بن المنذر، حدّثنا إبراهيم بن بحر الدّمشقيّ، حدّثنا عمران بن موسى الطرسوسي قَالَ: جاء رجل فسأل سفيان الثوري عن مسألة، فقَالَ له: من أين أنت؟
فقَالَ من أهل المشرق، قَالَ: أو ليس عندكم أعلم أهل المشرق! قَالَ: ومن هو يا أبا عبد اللَّه؟ قَالَ: عبد اللَّه بن المبارك، قَالَ: وهو أعلم أهل المشرق؟ قَالَ: نعم وأهل المغرب.
وقال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن المنذر، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن أَحْمَد بن الْحُسَيْن القرشي، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن عبدة قَالَ: كان فضيل وسفيان ومشيخة جلوسًا في المسجد الحرام، فطلع ابن المبارك من الثنية، فقَالَ سفيان: هذا رجل أهل المشرق، فقَالَ فضيل: هذا رجل أهل المشرق والمغرب وما بينهما.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن علي المحتسب، أخبرنا يوسف بن عمر القواس، حدّثنا أحمد بن العبّاس البغوي- إملاء- حدّثنا علي بن زيد- يعني الفرائضيّ- حدّثني عبد الرّحمن
ابن أبي جَميل قَالَ: كنا حول ابن المبارك بمكة، فقلنا له: يا عالم المشرق حَدِّثْنَا، وسفيان قريب منا فسمع، قَالَ: ويحكم عالم المشرق والمغرب وما بينهما.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن عبد الله الكاتب، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي، حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن الدغولي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قهزاذ قَالَ: سمعت أبا الوزير يَقُول: قدمت على سفيان بن عيينة فقَالُوا له: هذا وصي عبد اللَّه، فقَالَ: رحم اللَّه عبد اللَّه، ما خلف بِخراسان مثله، قَالَ: فقَالُوا لا يرضون، قَالَ: ما يَقُولون قَالَ: يَقُولون ولا بالعراق، قَالَ: ما أخلق، ما أخلق، ما أخلق، ثلاثًا.
أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ المقرئ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ، حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن السكري، حدّثنا أحمد بن يوسف التغلبي، حدّثنا أحمد بن أبي الحواري، حَدَّثَنَا أبو عصمة قَالَ: شهدت سفيان وفضيل بن عياض، فقَالَ سفيان لفضيل، يا أبا علي أي رجل ذهب- يعني ابن المبارك- فقَالَ له فضيل: يا أبا مُحَمَّد وبقي بعد ابن المبارك من يستحيى منه؟! أَخْبَرَنِي حمزة بْن مُحَمَّد بْن طاهر الدقاق، أخبرنا علي بن عمر الحافظ، حدّثنا محمّد بن مخلد، حَدَّثَنِي عبد الصمد بن حميد قَالَ: سمعت أبا الحسن عبد الوهاب ابن عبد الحكم يَقُول: لَمَّا مات ابن المبارك بلغني أن هارون أمير المؤمنين قَالَ: مات سيد العلماء.
أَخْبَرَنَا البرقاني قَالَ: قرأتُ عَلَى أبي حاتِم بن أبي الفضل الهروي أخبركم الحسين ابن إدريس قَالَ: سمعت المسيب بن واضح يَقُول: سمعت أبا إسحاق الفزاري يَقُول:
ابن المبارك إمام المسلمين أجمعين.
أَخْبَرَنَا هبة اللَّه بن الحسن الطبري، أخبرنا علي بن محمّد بن عمر، حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي حاتم، حدثني أبي، حدّثنا المسيّب بن واضح قال: سمعت أبا إسحاق الفزاري يَقُول: ابن المبارك إمام المسلمين. ورأيت أبا إسحاق بين يدي ابن المبارك قاعدًا يسائله.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن علي المقرئ، أخبرنا محمد بن عبد الله النيسابوري الحافظ، أَخْبَرَنَا أبو حامد أَحْمَد بن مُحَمَّد الخطيب- بمرو- حَدَّثَنَا أبو وهب أَحْمَد بن رافع- وراق سويد بن نصر- قَالَ: سمعت علي بن إسحاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ يَقُول: قَالَ ابن
عيينة: نظرت في أمر الصحابة، وأمر ابن المبارك، فما رأيت لهم عليه فضلًا إلا بصحبتهم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وغزوهم معه.
أخبرنا أحمد بن محمّد العتيقي، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الفضل الكرابيسي الْمَرْوَزِيّ قَالَ: سمعت عمر بْن أَحْمَد الجوهري يَقُول: سمعت محمود بن والان يَقُول: سمعت عمار بن الْحَسَن يَمدح ابن المبارك ويَقُول:
إذا سار عبد اللَّه من مرو ليلة ... فقد سار منها نورها وجمالها
إذا ذكر الأحبار في كل بلدة ... فهم أنجم فيها وأنت هلالُها
حَدَّثَنِي مكي بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشيرازي، أَخْبَرَنَا عبد الرحمن بْن عمر التجيبي- بِمصر- أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد بن أبي الأصبغ، أخبرنا هاشم بن مرثد، حَدَّثَنَا عثمان بن طالوت قَالَ: سمعت علي بن المديني يَقُول: انتهى العلم إلى رجلين؛ إلى عبد اللَّه بن المبارك ثم من بعده إلى يَحْيَى بن معين.
أَخْبَرَنَا منصور بن ربيعة الزّهريّ الخطيب- بالدينور- أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ راشد، أخبرنا علي بْن يَحْيَى بْن الجارود قَالَ: قَالَ عَلِيّ بن المدينيّ: عبد الله ابن المبارك هو أوسع علمًا من عبد الرحمن بن مهدي، ويَحْيَى بن آدم.
أَخْبَرَنِي أَبُو الفرج الطناجيري، حَدَّثَنَا عُمَر بْن أحمد الواعظ، حدّثنا الحسين بن أحمد بن صدقة، حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة، حَدَّثَنَا موسى بن إِسْمَاعِيل قَالَ:
سمعت سلام بن أَبِي مطيع يَقُول: ما خلف ابن المبارك بالمشرق مثله.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بن علي الجوهريّ، أخبرنا محمّد بن العبّاس، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْقَاسِم بْن جَعْفَر الكوكبي، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد قال: سمعت يحيى ابن معين- وذكروا عبد اللَّه بن المبارك- فقَالَ رجل: إنه لم يكن حافظًا، فقَالَ يَحْيَى ابن معين: كان عبد اللَّه بن المبارك رحمه اللَّه كيسًا مستثبتًا ثقة، وكان عالِمًا صحيح الحديث وكانت كتبه التي حدث بِها عشرين ألفًا- أو واحدًا وعشرين ألفًا-.
أَخْبَرَنِي الأزهري، حَدَّثَنَا أبو سعد عبد الرحمن بن مُحَمَّد الإدريسي قَالَ: سمعت مُحَمَّد بن خالد المطوعي البخاري يَقُول: سمعت الْحَسَن بْن الْحُسَيْن البخاري يَقُول:
سمعت أبا معشر حمدويه بن الخطاب يَقُول: سمعت أبا السري نصر بن المغيرة البخاري يَقُول: سمعت إِبْرَاهِيم بن شماس يَقُول: رأيت أفقه الناس، وأورع الناس،
وأحفظ الناس، فأما أفقه الناس فابن المبارك، وأما أورع الناس ففضيل بن عياض، وأما أحفظ الناس فوكيع بن الجراح.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بن أبي بكر، أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطّان، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي خيثمة قَالَ: سمعت يَحْيَى بن معين يَقُول: وذكر أصحاب سفيان فذكر ابن المبارك فبدأ به، وقَالَ هم خمسة، ابن المبارك، ووكيع، ويَحْيَى، وعبد الرحمن، وأبو نعيم.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بن أَبِي بكر، أخبرنا أبو سهل بن زياد، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي عُثْمَان الطيالسي قَالَ: قلت ليَحْيَى بن معين: إذا اختلف يَحْيَى القطان ووكيع؟ قَالَ: القول قول يَحْيَى، قلت: إذا اختلف عبد الرحمن ويَحْيَى؟ قَالَ: يحتاج من يفضل بينهما، قلت: أبو نعيم وعبد الرحمن؟ قَالَ: يحتاج من يفضل بينهما. قلت الأشجعي؟ قَالَ:
مات الأشجعي ومات حديثه معه. قلت: ابن المبارك؟ قَالَ: ذاك أمير المؤمنين.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن علي المقرئ، أخبرنا محمّد بن عبد الله النّيسابوريّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن العباس الخطيب- بِمرو- قَالَ: سمعت محمود بن والان يَقُول:
سمعت مُحَمَّد بن موسى يَقُول: سمعت إِبْرَاهِيم بن موسى يقول: كنت عند يحيى ابن معين فجاءه رجل فقَالَ: يا أبا زكريا من كان أثبت في معمر، عبد الرزاق، أو عبد اللَّه بن المبارك؟ وكان متكئًا فاستوى جالسًا فَقَال: كان ابن المبارك خيرًا من عبد الرزاق، ومن أهل قريته، ثم قَالَ: تضم عبد الرزاق إلى عبد اللَّه! قَالَ: وقَالَ يَحْيَى- وذكر عنده ابن المبارك- فَقَالَ: سيد من سادات المسلمين.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن أَبِي جعفر القطيعي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس، أَخْبَرَنَا أَبُو أَيُّوب سُلَيْمَان بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيمَ بن الخليل الجلاب قَالَ: سئل إِبْرَاهِيم الحربي إذا اختلف أصحاب معمر فالقول قول من؟ قَالَ: القول قول ابن المبارك.
أَخْبَرَنَا أحمد بن محمد بن عبد الله الكاتب، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي، حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن الدغولي، حدّثنا يحيى بن زكريا، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن النضر بن مساور قَالَ: قَالَ أبي: قلت لعبد اللَّه- يعني ابن المبارك- يا أبا عبد الرحمن هل تحفظ الحديث؟ قال: فتغير لونه وقَالَ: ما تحفظت حديثًا قط، إنما آخذ الكتاب فأنظر فيه، فما أشتهيه علق بقلبي.
أخبرني ابن يعقوب، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن نعيم قَالَ: قرأت بِخط إبراهيم بن علي الذهلي، حَدَّثَنِي أَحْمَد بن الخليل قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بن عيسى، أَخْبَرَنِي صخر- صديق ابن المبارك- قَالَ: كنا غلمانًا في الكتاب، فمررت أنا وابن المبارك ورجل يخطب، فخطب خطبة طويلة، فلما فرغ قَالَ لي ابن المبارك قد حفظتها، فسمعه رجل من القوم، فقَالَ هاتها، فأعادها عليهم ابن المبارك، وقد حفظها.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن علي المقرئ، أخبرنا محمّد بن عبد الله النّيسابوريّ، أَخْبَرَنِي أبو جعفر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبيد الله البغداديّ، حدّثنا يحيى بن عثمان بن صالح، حَدَّثَنَا نعيم بن حماد قَالَ: سمعت عبد اللَّه بن المبارك قَالَ: قَالَ لي أبي: لئن وجدت كتبك لأحرقتها، قَالَ: فقلت له وما علي من ذلك وهو في صدري.
أخبرني ابن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم، أخبرنا أبو العبّاس السّيّاري، حدّثنا عيسى بن محمّد، حَدَّثَنَا العباس بن مصعب قَالَ: قَالَ أبو وهب مُحَمَّد بن مزاحم:
العجب مِمن يسمع الحديث من ابن المبارك عن رجل ثم يأتي ذلك الرجل حتى يحدثه به.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن طلحة بْن مُحَمَّد الْمُقْرِئ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يزيد الغازي، أخبرنا محمد بن محمد بن داود الكرجي، حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن يوسف بن خراش قَالَ: عبد اللَّه بن المبارك مروزي ثقة.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّد الْحَسَن بْن الْحُسَيْنِ بْنِ رَامِينَ الإِسْتَرَابَاذِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاضِي أَبَا بَكْرٍ يُوسُفُ بْنُ الْقَاسِمِ الْمَيَانِجِيُّ- بِدِمَشْقَ- يَقُولُ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ- بِالْبَصْرَةِ- قَالَ: سَمِعْتُ سُوَيْدَ بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ بِمَكَّةَ أَتَى زَمْزَمَ فاستقى منه شربة، ثم استقبل الكعبة، ثم قال: اللَّهُمَّ إِنَّ ابْنَ أَبِي الْموال حَدَّثَنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» وَهَذَا أَشْرَبُهُ لِعَطَشِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ شَرِبَهُ.
أَخْبَرَنَا عَليّ بن أَحْمَد الرّزّاز، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن يَحْيَى النيسابوري، أَخْبَرَنَا بكر بن مُحَمَّد بن إسحاق بن خزيمة، حَدَّثَنَا أبو أَحْمَد مُحَمَّد بن عبد الوهاب قَالَ: سمعت الخليل أبا مُحَمَّد قَالَ: كان ابن المبارك إذا خرج إلى مكة يَقُول:
بغض الحياة وخوف اللَّه أخرجني ... وبيع نفسي بما ليست له ثمنا
إني وزنت الذي يبقى ليعدله ... ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا
أخبرنا محمّد بن علي المقرئ، أخبرنا محمّد بن عبد الله النّيسابوريّ، أخبرني أحمد بن محمّد العنزي، حَدَّثَنَا عُثْمَان بن سعيد الدارمي قَالَ: سمعت نعيم بن حماد يَقُول: كان ابن المبارك إذا قرأ كتاب الرقاق يصير كأنه ثور منحور، أو بقرة منحورة من البكاء، لا يجترئ أحد منا أن يدنو منه، أو يسأله عن شيء إلا دفعه.
أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّيِّبِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْن عَلِيِّ بْن مُحَمَّد القرشي، أخبرنا عمر بن أحمد ابن هارون المقرئ، حدّثنا حمد بن حمدويه المروزيّ، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن سعيد بن مسعود الْمَرْوَزِيّ، حَدَّثَنَا أبو حاتم الرازي قَالَ: سمعت عبدة بن سليمان- يعني الْمَرْوَزِيّ- يَقُول: كنا في سرية مع عبد اللَّه بن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو، فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو فدعا إلى البراز، فخرج إليه رجل فقتله، ثم آخر فقتله، ثم دعا إلى البراز فخرج إليه فطارده ساعة فطعنه فقتله، فازدحم إليه الناس، فكنت فيمن ازدحم إليه فإذا هو يلثم وجهه بكمه فأخذت بطرف كمه فمددته فإذا هو عبد اللَّه بن المبارك فَقَالَ: وأنت يا أبا عمرو مِمن يشنع علينا!! أَخْبَرَنِي ابن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاس قاسم بْن الْقَاسِم السياري، حدّثنا عيسى بن محمّد بن عيسى، حَدَّثَنَا العباس بن مصعب قَالَ: حَدَّثَنِي بعض أصحابنا قَالَ: سمعت أبا وهب يَقُول: مر ابن المبارك برجل أعمى، قَالَ: فَقَالَ أسألك أن تدعو اللَّه أن يرد اللَّه عَليّ بصري، قَالَ: فدعا اللَّه فرد عليه بصره وأنا أنظر.
أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيّ عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدِ بن أحمد بن فضالة النيسابوري- بالري- أَخْبَرَنَا أبو الفضل مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مجاهد- بالشاش- حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن جبريل بن الحارث التونكسي- في مجلس الأرزناني- قَالَ: سمعت أبا حسان البصري عيسى بن عبد اللَّه يَقُول: سمعت الْحَسَن بن عرفة يَقُول: قَالَ لي ابن المبارك: استعرت قلمًا بأرض الشام فذهب عَليّ أن أرده إلى صاحبه، فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي، فرجعت يا أبا علي الْحَسَن بن عرفة إلى أرض الشام حتى رددته على صاحبه.
قرأت على البرقاني عن أبي إسحاق المزكي قال: أخبرنا محمد بن إسحاق السّرّاج، حدّثنا حاتم الجوهريّ، حَدَّثَنَا أسود بن سالِم قَالَ: كان ابن المبارك إمامًا يُقتدى به، كان من أثبت الناس في السنة، إذا رأيت رجلًا يغمز ابن المبارك بشيء فاتهمه على الإسلام.
أخبرني ابن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم، أخبرنا علي بن محمّد المروزيّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن موسى بن حاتم قَالَ: سمعت عبدان بن عثمان يَقُول: خرج عبد اللَّه إلى العراق أول ما خرج سنة إحدى وأربعين ومائة، ومات بهيت وعانات لثلاث عشر خلت من رمضان سنة إحدى وثمانين ومائة.
أَخْبَرَنَا منصور بن ربيعة الزهري- بالدينور- أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ راشد، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن يَحْيَى بْن الجارود قَالَ: قال علي بن المديني: وعبد اللَّه بن المبارك مولى لبني حنظلة، ويكنى أبا عبد الرحمن، مات سنة إحدى وثَمانين ومائة بِهيت.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد بن رزق، أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقّاق، حدّثنا حنبل بن إسحاق، حدّثني أبو عبد الله، حَدَّثَنَا حسن بن الربيع قَالَ: وسألت ابن المبارك قبل أن يموت قال: أنا ابن ثلاث وستين، ومات سنة إحدى وثمانين. وقَالَ أبو عبد اللَّه:
ذهبت لأسمع منه فلم أدركه، وكان قدم فخرج إلى الثغر فلم أسمع منه، ولم أره.
أَخْبَرَنَا ابْن الْفَضْل، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يعقوب بْن سفيان قَالَ:
سَمعت الْحَسَن بن الربيع يَقُول: شهدت موت ابن المبارك، مات سنة إحدى وثمانين ومائة في رمضان لعشر مضين منه، مات سحرًا ودفناه بهيت، وسألت ابن المبارك قبل أن يموت، قال: أنا ابن ثلاث وستين.
أَخْبَرَنَا عليّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بشران المعدل، أخبرنا الحسين بن صفوان البرذعي، حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدّنيا، حدّثنا محمّد بن علي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بن الأشعث قَالَ: سمعت مُحَمَّد بن فضيل بن عياض قَالَ: رأيت عبد اللَّه بن المبارك في المنام، فقلت: أي الأعمال وجدت أفضل؟ قَالَ: الأمر الذي كنت فيه، قلت الرباط والجهاد؟ قَالَ: نعم! قلت: وأي شيء صنع بك؟ قَالَ: غفر لي مغفرة ما بعدها مغفرة، وكلمتني امرأة من أهل الجنة أو امرأة من الحور العين.
وَقَالَ ابْن أَبِي الدنيا: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن، حدّثني علي بن إسحاق، حَدَّثَنِي صخر بن راشد قَالَ: رأيت عبد اللَّه بن المبارك في منامي بعد موته، فقلت: أليس قد مت؟ قَالَ: بلى! قلت: فما صنع بك ربك؟ قَالَ: غفر لي مغفرة أحاطت بكل ذنب، قلت: فسفيان الثوري؟ قَالَ: بخ بخ ذاك: مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً
[النساء 69] .
أخبرني ابن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم، أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن أَحْمَد بن عمر، حدّثنا محمّد بن المنذر، حدّثني شعيب بن محمّد، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْفِرْيَابِيَّ يَقُولُ: رَأَيْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فَعَلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ؟ فَقَالَ: مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً
[النساء 69] قلت: ما فعل وكيع؟ فحرك يديه فقال: أَكْثَرَ أَكْثَرَ- يَعْنِي فِي الْحَدِيثِ-.
530 عبد اللَّه بن المبارك، مولى بني هاشم:
حدث عن همام بن يَحْيَى العوذي، وعيسى بن ميمون. روى عنه عمر بن حفص السدوسي.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ الخوّاص المعروف بالخلدي- إملاء- حدّثنا عمر بن حفص السدوسي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ الْبَغْدَادِيُّ- مَوْلَى العبّاس سنة تسع عشرة- حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ صَالِحٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ: «اتَّقُوا اللَّهُ فِي الصَّلاةِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» وَجَعَلَ يُكَرِّرُهَا.
وحدث عن هذا الشيخ أَحْمَد بن القاسم بن مساور الجوهري فَقَالَ: حَدَّثَنَا عبد اللَّه بن المبارك الخراساني- ببغداد- في مسجد الجامع حَدَّثَنَا همام بن يَحْيَى
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=67095&book=5518#da76a6
ومن العلماء الجهابذة [والثقات - 4] بخراسان من الطبقة الثانية عبد الله بن المبارك رحمة الله عليه.
ما ذكر من علم عبد الله بن المبارك (5) وفقهه حدثنا عبد الرحمن حدثني أبي قال حدثني إسحاق بن محمد بن إبراهيم المروزي (6) قال نعى ابن المبارك إلى سفيان بن عيينة فقال: رحمه الله (7) لقد كان فقيها عالما عابدا زاهدا سخيا شجاعا شاعرا.
حدثنا عبد الرحمن نا أبي نا إسماعيل بن مسلمة القعنبي قال حدثني محمد
ابن المعتمر (8) بن سليمان قال قلت لأبي يا أبه من فقيه العرب؟ قال: سفيان الثوري - فلما مات سفيان قلت يا أبة (9) من فقيه العرب؟ قال: عبد الله بن المبارك.
حدثنا عبد الرحمن نا حجاج بن حمزة ثنا علي بن الحسن بن شقيق قال كان عبد الله - يعني ابن المبارك - لا يفتي إلا بقوة وأثر.
حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن حمويه بن الحسن قال سمعت أبا طالب احمد ابن حميد قال سمعت أحمد [بن محمد - 10] بن حنبل يقول: لم يكن في زمان
ابن المبارك أحد اطلب للعلم منه، لحل إلى اليمن وإلى مصر والشام والبصرة
والكوفة وكان من رواة العلم، وكان أهل ذاك، كتب عن الصغار والكبار كتب عن عبد الرحمن بن مهدي (72 د) وكتب عن الفزاري وجمع أمرا عظيما.
حدثنا عبد الرحمن نا ابي نا عمر وبن محمد الناقد قال سمعت سفيان ابن عيينة يقول: ما قدم علينا أحد يشبه عبد الله بن المبارك ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة أراه قال - في الكيس والمعرفة.
حدثنا عبد الرحمن نا أبو بكر بن الأسدي (1) عبد الله بن محمد بن الفضل الصيداوي قال مسعت ابن شنبويه (؟) قال سئل ابن (123 م) المبارك مسألة في المسجد الحرام فجعل يقول: مثلي يفتي في المسجد الحرام؟ أو أنا أهل أن أفتي في المسجد الحرام.
حدثنا عبد الرحمن نا سهل بن يحيى (2) العسكري نا محمد بن عبد المجيد نا عبد الله بن المبارك قال كتب إلى سفيان بن سعيد: إلى عبد الله [ابن المبارك - 3] أما بعد فانشر في الناس مما علمك الله وإياك والسلطان.
حدثنا عبد الرحمن حدثني أبي نا المسيب بن واضح قال سمعت المعتمر بن سليمان يقول: ما رأيت مثل ابن المبارك نصيب عنده الشئ الذي لا يصاب عند أحد.
حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن يحيى قال أخبرني عبد الله بن احمد ابن شبويه قال سمعت أبا الوليد الطيالسي يقول: ما رأيت أجمع من عبد الله بن المبارك.
حدثنا عبد الرحمن [نا أبي - 1] نا علي بن محمد الطنافسي نا محمد بن أبي خالد قال لما أتى ابن المبارك ابن جريج فاستنطقه فسمع كلامه فقال له: أين نشأت؟ قال: بخراسان، قال: ما ظننت خراسان تخرج مثلك - قال وأمكنه من كتبه.
حدثنا عبد الرحمن نا أبي قال سمعت عبدة بن سليمان قال قال ابن المبارك كان الربيع بن أنس مختفيا عند حائك فأتيته فجهدت أن يأذن لي عليه فأبى فأعطيته أربعين درهما فأذن لي فدخلت عليه فسمعت منه أربعين حديثا، ثم عدت فجهدت أن يأذن لي فأبى فتركته.
قال عبدة لو كان بعض أصحاب الحديث لسعى به.
حدثنا عبد الرحمن سمعت أبي يقول: كان (2) ابن المبارك ربع الدنيا بالرحلة في طلب الحديث لم يدع اليمن ولا مصر ولا الشام ولا الجزيرة ولا البصرة ولا الكوفة.
حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبا زرعة يقول: عبد الله بن المبارك اجتمع فيه فقه وسخاء وشجاعة وغزو وأشياء.
حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن أحمد بن البراء قال قال علي ابن المديني نظرت فإذا الإسناد يدور على ستة (3) ثم صار [علم - 4] هؤلاء الستة إلى اثني عشر ثم انتهى علم الاثني عشر إلى ستة - إلى يحيى بن سعيد
وعبد الرحمن بن مهدي ووكيع وعبد الله بن المبارك ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة ويحيى بن آدم.
(124 م) باب ما ذكر في ابن المبارك أنه كان إمام أهل زمانه حدثنا عبد الرحمن نا أبي رحمه الله قال سمعت ابن الطباع يحدث عن عبد الرحمن بن مهدي قال: الأئمة أربعة، سفيان الثوري ومالك بن أنس وحماد بن زيد وابن المبارك.
حدثنا عبد الرحمن حدثني أبي نا المسيب بن واضح قال سمعت أبا إسحاق الفزاري (73 ك) يقول: ابن المبارك إمام المسلمين - ورأيت أبا إسحاق بين يدي ابن المبارك قاعدا يسائله.
حدثنا عبد الرحمن قال ذكره أبي نا محمود (1) بن إبراهيم بن سميع قال قال مسيب بن واضح سمعت أبا إسحاق - يعني إبراهيم بن محمد الفزاري - يقول: ابن المبارك إمام العالمين.
حدثنا عبد الرحمن سمعت أبي يقول: عبد الله بن المبارك ثقة إمام باب ما ذكر من فضل ابن المبارك في نفسه وصلاحه
حدثنا عبد الرحمن أنا أبو بكر بن أبي خيثمة فيما كتب إلي قال نا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة قال سمعت أبي يقول قال لي شعبة: عرفت ابن المبارك؟ قلت: نعم، قال: ما قدم علينا من ناحيته مثله.
حدثنا عبد الرحمن نا أبو نشيط محمد بن هارون قال سمعت نعيم بن
حماد قال قلت لعبد الرحمن بن مهدي: أيهما أفضل عندك ابن المبارك أو سفيان الثوري؟ فقال: ابن المبارك، فقلت: إن الناس يخالفونك، قال، إن الناس لم يجربوا، ما رأيت مثل ابن المبارك.
حدثنا عبد الرحمن نا الفضل بن محمد النيسابوري نا سنيد بن داود قال سمعت شعيب بن حرب يقول سمعت سفيان الثوري يقول: لو جهدت جهدي أن أكون في السنة ثلاثة أيام على ما عليه ابن المبارك لم أقدر.
حدثنا عبد الرحمن نا الحجاج بن حمزة الخشابي نا علي بن الحسن ابن شقيق عن شيخ بنيسابور أن ابن المبارك حضر يوما عند الثوري فلم يتكلم بحرف حتى قام، فلما قام قال لأصحابه: وددت أني أقدر أن أكون مثله.
حدثنا عبد الرحمن نا حجاج بن حمزة قال قال علي بن الحسن بن شقيق: لم أر أحدا من الناس اقرأ من ابن المبارك، ولا احسن (125 م) قراءة ولا أكثر صلاة منه، كان يصلي الليل كله في السفر وغيره، وكان يرتل القراءة ويمدها، وإنما ترك النوم في المحمل لأنه كان يصلي وكان الناس لا يدرون.
حدثنا عبد الرحمن نا حجاج بن حمزة قال قال علي بن الحسن بن شقيق أخبرني محمد بن أعين وكان صاحب ابن المبارك في الأسفار وكان كريما عليه، قال كان ذات ليلة ونحن في غزاة الروم ذهب ليضع رأسه ليريني أنه ينام فقلت أنا برمحي في يدي قبضت عليه ووضعت رأسي على الرمح كأني أنام كذلك قال فظن إني قد نمت فقام فأخذ في صلاته فلم يزل كذلك حتى طلع الفجر وأنا أرمقه فلما طلع الفجر جاء
فأيقظني وظن إني نائم وقال يا محمد فقلت إني لم أنم قال فلما سمعها مني ما رأيته بعد ذلك يكلمني ولا ينبسط الي في شئ من غزاته كلها كأنه لم يعجبه ذاك مني لما فطنت له (73 د) من العمل فلم أزل أعرفها فيه (1) حتى مات ولم أر رجلا قط أسر بالخير منه.
حدثنا عبد الرحمن نا أبو بكر بن أبي الدنيا قال حدثني محمد بن حسان السمتي قال حدثني أبو عثمان الكلبي قال قال لي الأوزاعي: رأيت عبد الله ابن المبارك؟ قلت: لا، قال: لو رأيته لقرت عينك.
حدثنا عبد الرحمن نا أبو نشيط محمد بن هارون قال سمعت نعيم ابن حماد يقول سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما رأيت مثل ابن المبارك.
[نا الحسن بن محمد بن سلمة النحوي قال قال حبان بن موسى سمعت عثمان يقول: لم أر مثل عبد الله بن المبارك - 2] .
حدثنا عبد الرحمن نا أحمد بن سنان الواسطي قال بلغني أن ابن المبارك أتى حماد بن زيد في أول الأمر قال فنظر إليه فأعجبه نحوه فقال [له - 3] :
من أين أنت؟ قال: من أهل خراسان، قال: من أي
خراسان؟ قال: من مرو: قال: تعرف رجلا - أو فتى يقال - له عبد الله بن المبارك؟ قال: نعم قال: ما فعل؟ قال: هو الذي تخاطب، قال فسلم عليه ورحب به.
حدثنا عبد الرحمن قال (126 م) ذكره أبي نا محمود (3) بن ابراهيم ابن سميع نا عبيد بن جناد قال قال لي عطاء بن مسلم: يا عبيد هل رأيت ابن المبارك؟ قلت: نعم، قال: [ما - 4] رأيت بعينيك مثله ولا ترى
بعينيك مثله حتى تموت.
حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن يحيى أنا يوسف بن واقد قال: ما رأيت العيون مثل ابن المبارك.
حدثنا عبد الرحمن نا أحمد بن سنان الواسطي قال سمعت عبد الله ابن سنان الخراساني يقول كان لعبد الله بن المبارك أخوات وكان لأبيه المبارك بستان بمرو فنحله عبد الله فلما كبر عبد الله وترعرع وجالس أهل العلم وطلب العلم جاء إلى أخواته فقال لهن إن أبانا كان صنع أمرا لم ينبغ له أن يصنعه نحلني هذا البستان دونكم (1) وليس أحد أحق أن يخرج أباه مما جعل فيه مني فقد رددت هذا البستان وجعلته ميراثا بيننا [على كتاب الله عزوجل فحللوا أبانا مما كان دخل فيه - 2] ، فقلن له أنت في حل وأبونا في حل وهو لك كما كان والدنا نحلك،
قال: لا، ولكنه ميراث بيننا فحللوه: فحللوه، قال فتزوج عبد الله فولد له ابن فنحلن الأخوات ابن عبد الله حصصهن من البستان قال فمات الغلام فورثه عبد الله فرجع إليه البستان كما كان أبوه نحله.
حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن يحيى أنا نوح بن حبيب نا عبد الرحمن ابن مهدي قال: حدثني ابن المبارك وكان نسيج وحده.
حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن مسلم قال قال أبو سلمة: ما رأيت مثل عبد الله بن المبارك.
حدثنا عبد الرحمن نا أحمد بن سنان قال سمعت عبد الله بن سنان الخراساني (74 ك) قال غدوت أنا وصاحب لي إلى عبد الله [بن المبارك في يوم شديد البرد فاستأذنا - 3] فخرج إلينا وعليه قباء طاق فقال جئتم من
موضع كذا هذه الساعة فقعد معنا فظننا أنه قعد مقدار ما جئنا من موضعا حتى بلغناه ليصيبه من البرد كما أصابنا.
حدثنا عبد الرحمن قال ذكره أبي قال كتب إلى عبد الله بن خبيق قال سمعت يوسف يعني (127 م) ابن أسباط - يقول: ابن المبارك سيد القراء وهو أحب إلي من أبي.
حدثنا عبد الرحمن نا الحجاج بن حمزة نا علي بن الحسن بن شقيق قال: لم أر رجلا قط أسر بالخير من عبد الله - يعني ابن المبارك.
حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول سمعت عبدة بن سليمان
يقول: كان ابن المبارك إذا صلى العصر أتى مسجد المصيصة - يعني مسجد الجامع - فاستقبل القبلة يذكر الله ولم يكلم أحدا حتى تغرب الشمس.
حدثنا عبد الرحمن نا أبي قال سمعت الحسن بن الربيع يقول قال لي ابن المبارك: ما حرفتك؟ قلت أنا بوراني، قال وما بوراني؟ قلت لي غلمان يصنعون البواري، قال: لو لم تكن لك صناعة ما صحبتني.
ما ذكر من معرفة ابن المبارك برواة الآثار وناقلة الأخبار وكلامه فيهم حدثنا عبد الرحمن قال قرئ على العباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول في حديث قرة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: حذف السلام سنة، قال يحيى: كان عيسى بن يونس يرفعه فقال له ابن المبارك: لا ترفعه فكان بعد لا يرفعه.
حدثنا عبد الرحمن نا أبو الفضل الهروي محمد بن أبي الحسين نا احمد ابن علي الأبار البغدادي نا محمد بن علي الشقيقي قال أخبرني أبو عمرو نوح (1) المروزي عن سفيان بن عبد الملك قال قال عبد الله - يعني ابن المبارك - إبراهيم بن طهمان والسكري - يعني أبا حمزة (2) صحيحا الكتب.
حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن سعيد المقرئ نا عبد الرحمن بن الحكم ابن بشير عن نوفل - يعني ابن مطهر - قال كان بالكوفة رجل يقال له حبيب المالكي وكان رجلا (3) له فضل وصحبة فذكرناه لابن المبارك فأثنينا (4) عليه - قلت عنده حديث غريب، قال: ما هو؟ قلت
: الأعمش عن زيد بن وهب قال سألت حذيفة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (128 م) فقال: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [لحسن - 5] ولكن ليس من السنة أن تخرج على المسلمين بالسيف، فقال: هذا حديث ليس بشئ، قلت له أنه وأنه، فأبى، فلما أكثرت عليه في ثنائي عليه فقال: عافاه الله في كل شئ الا في هذا الحديث هذا حديث كنا نستحسنه من حديث سفيان عن حبيب عن أبي البختري عن حذيفة.
(74 د) حدثنا عبد الرحمن حدثني أبي قال سمعت نعيم بن حماد يقول: كان ابن المبارك لا يترك حديث الرجل حتى يبلغه عنه الشئ الذي لا يستطيع أن يدفعه.
حدثنا عبد الرحمن نا أبي قال سمعت يوسف بن يعقوب الصفار
قال: ذكر لابن المبارك حديث رواه حبيب بن خالد المالكي (1) فقال:: ليس بشئ، فقيل لابن المبارك: أنه شيخ صالح، فقال ابن المبارك: هو صالح في كل شئ إلا في هذا الحديث.
حدثنا عبد الرحمن نا أبي قال سمعت إبراهيم بن موسى يحكى عن بعض المراوزة عن ابن المبارك أنه سمع رجلا يذكر ابن لهيعة فقال:
قد أراب ابن لهيعة - يعني قد ظهرت عورته.
حدثنا عبد الرحمن نا أبو زرعة قال سمعت إبراهيم بن موسى قال سمعت رباح بن خالد قال مسعت ابن المبارك يقول: إذا اجتمع اسماعيل ابن عياش وبقية في الحديث فبقية أحب إلي.
حدثنا عبد الرحمن نا أبي نا إبراهيم بن موسى نا بقية قال قال لي ابن المبارك: أخرج إلى حديث ثابت بن عجلان، قلت أنها متفرقة، قال اجمعها [لي - 2] ، فجعلت أتذكرها وأملى عليه.
حدثنا عبد الرحمن حدثني أبي نا نعيم بن حماد قال رأيت ابن المبارك يقول: اطرح حديث محمد بن سالم.
حدثنا عبد الرحمن نا أحمد بن منصور بن راشد المروزي قال سمعت سلمة بن سليمان يقول قال عبد الله -[يعني - 3] ابن المبارك: إذا اختلف الناس في حديث شعبة فكتاب غندر حكم فيما بينهم.
حدثنا عبد الرحمن أنا أبو الحسين الرهاوي [أحمد بن سليمان - 3] فيما كتب إلي قال سمعت منصور بن موسى قال سمعت يحيى بن آدم يقول لعبد الله بن المبارك (29 ام) أيهما أحب إليك نصر بن طريف أو عثمان البري؟ قال: لاذا ولاذا.
حدثنا عبد الرحمن نا أبي قال سمعت هشام بن عبيد الله الرازي قال سألت ابن المبارك: من أروى الناس - أو أحسن الناس رواية - عن
المغيرة؟ أجرير؟ قال: أبو عوانة.
حدثنا عبد الرحمن نا أبو عبد الله الطهراني أنا عبد الرزاق قال قال ابن المبارك: ما رأيت أحدا أروى للزهري من معمر إلا أن يونس كان آخذ للسند لأنه كان يكتب.
حدثنا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد بن حنبل نا علي [يعني - 1] ابن المديني - قال سألت عبد الرحمن بن مهدي عن يونس الأيلي قال: كان ابن (75 ك) المبارك يقول: كتابه صحيح.
قال عبد الرحمن (2) وأنا أقول: كتابه صحيح.
حدثنا عبد الرحمن نا أبي نا علي بن محمد الطنافسي قال سمعت سعيد بن صالح قال رأيت ابن المبارك مر على رجل بهمذان يحدث عن يزيد بن زريع فقال: عن مثله فحدث.
حدثنا عبد الرحمن أنا أبو بكر بن أبي خيثمة فيما كتب إلي نا محمد ابن عبد العزيز بن أبي رزمة قال أخبرني أبي عن عبد الله بن المبارك عن عمار بن يوسف، وأثنى عليه خيرا.
حدثنا عبد الرحمن نا عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إلي نا الحسن بن عيسى بن ما سرجس قال سمعت ابن المبارك يقول: لا يكتب عن جرير بن عبد الحميد حديث السري بن إسماعيل، وترك ابن المبارك حديثه.
حدثنا عبد الرحمن نا علي بن الحسن قال سمعت نعيم بن حماد قال سمعت ابن المبارك وذكر [عنده - 1] حديث سلم (2) بن سالم فقال: هذا من عقارب سلم (2) .
حدثنا عبد الرحمن قال ذكره أبي نا عبد الرحمن بن عمر الزهري نا إبراهيم بن عيسى الطالقاني قال قلت لابن المبارك: شهاب بن خراش؟ فقال: ثقة.
حدثنا عبد الرحمن نا علي بن الحسن الهسنجاني قال سمعت يحيى ابن معين قال سمعت ابن المبارك يغمز عمر بن هارون في سماعه من جعفر ابن محمد، وكان عمر يروي عنه ستين حديثا أو نحو ذلك.
حدثنا عبد الرحمن أنا عمار بن رجاء فيما كتب إلي (130 م) نا يحيى بن إسحاق السالحيني قال قال ابن المبارك: لم أر رجلا أفضل من يحيى بن أيوب.
حدثنا عبد الرحمن أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إلي قال حدثني الحسن بن عيسى قال: ترك ابن المبارك حديث ايوب ابن خوط، وترك عمرو بن ثابت.
حدثنا عبد الرحمن سمعت أبي يذكر عن بعض مشيخته عن ابن المبارك قال: لم يكن بالمدينة (3) أحد أشبه بأهل العلم من ابن عجلان، كنت اشبهه بالياقوته [بين العلماء - 4] .
حدثنا عبد الرحمن ثنا علي بن الحسن الهسنجاني نا نعيم بن حماد قال قلت لابن المبارك: لأي شئ تركوا عمرو بن عبيد؟ قال إن عمرا كان يدعو - يعني إلى القدر.
حدثنا عبد الرحمن قال ذكره أبي نا عبد الرحمن بن عمر رستة نا إبراهيم بن عيسى الطالقاني قال قلت لابن المبارك: أيصلي أحد عن أحد أو يصوم أحد عن أحد؟ قال: الصدقة ليس فيه اختلاف، قلت فالحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن من البر بعد البر أن تصلي لهما مع صلاتك وتصوم لهما مع صيامك -؟ قال: الحديث عمن؟ قلت: عن شهاب بن خراش، قال: ثقة عمن؟ قلت: عن الحجاج ابن دينار، قال: ثقة عمن؟ قلت: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: فقال: يا أبا إسحاق بين الحجاج وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفازة تقطع فيها أعناق المطي.
[حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول سمعت نعيم بن حماد يقول: كان ابن المبارك لا يطرح حديث الرجل حتى يبلغه عنه الشئ الذي لا يستطيع أن يدفعه - 1] .
حدثنا عبد الرحمن نا علي بن الحسن الهسنجاني قال سمعت أحمد بن سعيد الدارمي يقول قال ابن المبارك: حديث الزهري (75 د) عندنا كأخذ (2) باليد.
حدثنا عبد الرحمن نا أبي نا نعيم بن حماد نا ابن المبارك عن زكريا ابن إسحاق المكي: وكان صدوقا.
[نا أبي عن أبي قدامة قال أراد ابن المبارك أن يأتي أبا المنيب العتكي
المروزي فأخبر أنه روى عن عكرمة قال: لا يجمع الخراج والعشر فلم ياته - 3] .
باب ما ذكر من إتقان ابن المبارك وحفظه وصحة حديثه حدثنا عبد الرحمن نا أبي قال سمعت إبراهيم بن موسى يقول: لوددت أن جميع ما عندي من (131 م) حديث الصنعانيين - يعني عبد الرزاق وهشام بن يوسف وابن ثور - عند رجل بقومس ثقة مثل عبد الرحمن بن مهدي عن ابن المبارك عن معمر فكنت أعيده عنه.
حدثنا عبد الرحمن: قال سمعت أبي يقول قال علي ابن المديني: عبد الله بن المبارك ثقة.
باب ما أنشد في عبد الله بن المبارك رحمه الله حدثنا عبد الرحمن نا أحمد بن سلمة النيسابوري قال سمعت ابا بكر ابن أسلم بن سليمان يقول رحل أبي من نيسابور إلى مرو ليكتب عن ابن المبارك فقال أبيات شعر أنشدها لابن المبارك.
خلفت عرسي يوم السير باكية * يا ابن المبارك تبكيني برنات
خلفتها سحرا في النوم لم أرها * ففي فؤادي منها شبه كيات
أهلي وعرسى وصبياني رفضتهم * وسرت نحوك في تلك المفازات
اخاف والله قطاع الطريق به * وما آمنت بها من لدغ حيات
مستوفزات بها رقش مشوهة * أخاف صولتها في كل ساعاتي
اجلس لنا كل يوم ساعة بكرا * إن خف ذاك وإلا بالعشيات
يا أهل مرو أعينونا بكفكم * عنا وإلا رميناكم بأبيات
لا تضجرونا فإنا معشر صبر * وليس نرجو سوى رب السموات
[باب ما ذكر في دخول الخلل على الإسلام بموت ابن المبارك (1) ] حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن يحيى الواسطي حدثني محمد بن الحسين نا زكريا بن عدي قال سمعت (76 ك) أبا خالد الأحمر وذكر ابن المبارك فقال: ما هدت الأرض منذ مات سفيان هدتها لموت ابن المبارك.
باب ما ذكر من جلالة ابن المبارك عند العلماء حدثنا عبد الرحمن قال ذكره أبي نا محمود بن إبراهيم بن سميع قال قال المسيب بن واضح: رأيت أبا إسحاق الفزاري بين يدي ابن المبارك وأبو إسحاق أكبر منه بعشر سنين (132 م) أو أكثر.
حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبا زرعة يقول نا محمد بن عباد المكي نا سفيان بن عيينة نا ابن المبارك يعني عن ابن طاوس عن أبيه قال: ليس في القلس وضوء.
قال أبو محمد وقد روى سفيان بن عيينة
عن ابن المبارك.
باب ما ذكر من سخاء ابن المبارك وطهارة خلقه حدثنا عبد الرحمن نا أبي نا أحمد بن أبي الحواري قال سمعت عبد الله بن أحمد نا عبد الرحمن الأحول قال سمعت ابن المبارك يقول:
لما أردت أن ارتحل من عند معمر بعثت إليه بوصيف وألف درهم فلما شددت متاعي لأرتحل جاءني شاب من أصحاب الحديث فذكر لي حديثا عن معمر لم أسمعه فقال لي سله قبل أن ترتحل فقلت لا آتي الشيخ بعد ما وصلته أسأله فيحدثني به على غير ما كان يحدثني به قبل أن أصله (1) - فارتحل وما سأله عنه.
حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول سمعت الحسن بن الربيع يقول: ما رأينا الزما ورد إلا عند ابن المبارك بالكوفة [كان - 2] يتخذ طعاما ويدعو أصحاب الحديث ويمد (3) كرباسة (4) بالطول ويلقى عليه الثياب ويؤكل عليه، وكان يتخذ الفالوذجات المعقدة ويطعم أصحاب الحديث.
حدثنا عبد الرحمن حدثني أبي نا (5) موسى بن المبارك الرازي قال شكا أبو أسامة إلى ابن المبارك دينا عليه وسأله أن يكلم له بعض إخوانه، قال فعمد ابن المبارك إلى خمسمائة درهم من ماله فوجهها ليلا مع رسول له وتقدم إلى الرسول أن لا يعلمه من وجهه إليه، قال فأتاه الرسول فدفع إليه الخمسمائة فقبضها منه وظن أنها جاءته من مكان آخر، قال
ثم إن أبا أسامة لقي عبد الله بن المبارك بعد ذلك فذكره الحاجة فسكت عنه ابن المبارك فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا فقال له ابن المبارك: فلعلها قد أتتك.
حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول سمعت عبدة بن سليمان قال
كنا مع ابن المبارك (133 م) بالمصيصة قال فأول ما جاء [الليل - 1] أهديت إليه جام لبأ على يد بني لي فقبل منه وصر في كفه دينارا ثم لقيته في السوق فقلت با أبا عبد الرحمن وجهت إليك - فقال اسكت لا تتكلم بشئ (2) ، وكنت قد كتبت [عنه - 3] قبل ذلك حديثا كثيرا.
حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبا زرعة رحمه الله يقول بلغني أن ابن المبارك قال لأبي نعيم: اخرج إلى صنعاء في نفقتي، فامتنع.
باب ما ذكر من تواضع ابن المبارك رحمه الله حدثنا عبد الرحمن نا حجاج بن حمزة قال أخبرني زنيج صاحب الطيالسة قال أخبرني فلان - رجل صالح - قال رأيت ابن المبارك وعلى عاتقه طن من حطب يدخل خان قريش.
حدثنا عبد الرحمن نا حجاج بن حمزة قال أخبرني محمد بن حماد الطلاس قال أخبرني من رأى ابن المبارك حافيا بلا خف ولا نعل في شرى حوائجه في السوق.
حدثنا عبد الرحمن قال ذكره عبد الله بن ابي عمر البكري (76 د) نا عبد الملك الميموني قال حدثني أبو جعفر الحراني قال سمعت عيسى بن يونس يقول: كنا بأرض الروم أنا وابن المبارك فربما استحييت من خدمة ابن المبارك إياي يأخذ بركابي فإذا نزلنا قدم لنا الخبيص
فيلقمي ويقعد فيسألني عن الحديث ويكتب فأقول [يا شيخ - من صنعه وبره - 1] [لي - 2] [لله أبوك - 3] أما آن لك أن تشبع؟ فيقول: ومن يشبع من هذا الشأن.
باب ما ذكر من ورع ابن المبارك وزهده حدثنا عبد الرحمن نا أبي نا أحمد بن أبي الحواري قال سمعت عبد الله بن أحمد أنا عبد الرحمن [الأحول - 1] قال سمعت ابن المبارك يقول [بينا - 1] أنا في مرحلة بين الكوفة ومكة إذ جاءني رجل معه
حبل قت فجلس بين يدي فقال يا أبا عبد الرحمن أنا في هذه القرية ليس فيها حانوت غير حانوتي يمر بي المار فلو أبيت بهذا الحبل إلا مائة درهم لم يجد بدا من أن يشتريه مني أفأبيعه؟ قال فالتفت إلى رفقائي فقلت شدوا متاعكم قال فارتحلت ولم اجبه بشئ (134 م) قال فلما صرنا في المرحلة الأخرى قلت لرفقائي: تدرون لم سكت عن صاحب الحبل؟ قالوا: لا، قال كرهت أن أقول له لا تبعه، فأحرم عليه شيئا قد احله الله عزوجل [له - 1] وكرهت أن أقول له بعه فيقطع أيدي الناس وأرجلهم بكلامي، فارتحلت وسكت.
حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن مسلم قال سمعت محمد بن (77 ك) عبد الله بن حوشب الطائفي قال سمعت أبي يقول: زاملت (4) ابن المبارك - أو قال كنت رفيقا له - شك أبو عبد الله - فذكر يوما قصيدة لسليمان العدوي فقال لي يا أبا محمد هذه أحب إلى من قصر ابن طاهر، ثم ذكر يوما كلاما من هذه الرقائق فقال [لي - 5] يا أبا محمد ضيعنا
أيامنا في الإيلاء والظهار وتركنا هذا العلم.
حدثنا عبد الرحمن قال ذكره أبي قال كتب إلى (1) عبد الله بن خبيق قال قيل لابن المبارك كم تكتب؟ قال: لعل الكلمة التي أنتفع
بها لم أكتبها بعد.
وقيل لابن المبارك ما التواضع؟ قال: التكبر على الأغنياء وقيل لابن المبارك أوصني، قال: اعرف قدرك.
حدثنا عبد الرحمن نا أبي نا محمد بن عمرو زنيج نا أبو إسحاق الطالقاني قال سمعت ابن المبارك قال لأن أتصدق بدرهم من حلال أحب إلي من أن أتصدق بستين درهما من شبهة.
حدثنا عبد الرحمن نا أبي نا أحمد بن أبي الحواري نا عمران بن هارون عن عبدة - يعني ابن سليمان - قال قيل لابن المبارك لو أتيت هذا الرجل فوعظته؟ قال: لا، ليس الآمر الناهي (2) من دخل عليهم، إنما الآمر الناهي (2) من جانبهم.
حدثنا عبد الرحمن نا أبي قال سمعت (3) عبدة بن سليمان قال كنا مع ابن المبارك في أرض الروم فبينا نحن نسير ذات ليلة والسماء (4) من فوقنا والبلة من تحتنا فقال ابن المبارك: يا أبا محمد أفنينا أيامنا في الإيلاء والظهار عن مثل هذه الليالي، فلما أصبحنا نزلنا على عيني (5) ماء فجعل الناس يتبادرون ويسقون دوابهم فقدم ابن المبارك دابته فضرب رجل من [أهل - 6] الثغر (7) وجه دابة ابن المبارك وقدم دابته، فقال:
يا أبا محمد المنافسة في مثل هذا الموضع (135 م) ليس في الموضع الذي إذا رأونا قالوا وسعوا (1) لأبي عبد الرحمن، ارتفع يا أبا عبد الرحمن.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=67095&book=5518#17c7e6
- وعبد الله بن المبارك. يكنى أبا عبد الرحمن. مات سنة إحدى وثمانين ومائة.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=67095&book=5518#09c63c
عبد الله بن الْمُبَارك
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=67095&book=5518#c22e35
عبد الله بن المبارك مولى بنى حنظلة من أهل مرو أبو عبد الرحمن كان مولده سنة ثماني عشرة ومائة وكان أحد الائمة فقها وورعا وعلما وفضلا وشجاعة ونجدة ممن رحل وجمع وصنف وحدث وحفظ وذاكر ولزم الورع الخفى والصلابة في الدين والعبادة الدائمة مع حسن العشرة واستعمال الادب إلى أن مات منصرفا من طرسوس في شهر رمضان سنة إحدى وثمانين ومائة وقبره بهيت مدينة على الفرات مشهور يزار
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=67095&book=5518#476232
عبد الله بن المبارك:
روى حكايةً عن إسماعيل بن عُليّة.
وروى عنه: أبو بكر أحمد بن محمَّد بن هانئ الأثرم.
ذكره الخطيب في المتفق والمفترق (3/ 1453 رقم 762).
وانظر الترجمة السابقة رقم (85).
روى حكايةً عن إسماعيل بن عُليّة.
وروى عنه: أبو بكر أحمد بن محمَّد بن هانئ الأثرم.
ذكره الخطيب في المتفق والمفترق (3/ 1453 رقم 762).
وانظر الترجمة السابقة رقم (85).
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=67095&book=5518#8e4e94
عَبْد اللَّهِ بْن الْمُبَارك مولى بني حَنْظَلَة من أهل مرو كنيته أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ يروي عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد وَحميد الطَّوِيل وَعَاصِم الْأَحول روى عَنهُ أهل الْعرَاق وخراسان كَانَ مولده سنة ثَمَانِي عشرَة وَمِائَة وَمَات فِي رَمَضَان منصرفا من طرسوس سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة وقبره بهيت مَدِينَة على الْفُرَات مَشْهُور يزار وَالْأَخْبَار فِي مَنَاقِب بن الْمُبَارك وشمائله أشهر وَأكْثر من أَن تذكر أَو تحْتَاج إِلَى الإغراق فِي ذكرهَا وَكَانَ بن الْمُبَارك رَحمَه الله فِيهِ
خِصَال مجتمعة لم يجْتَمع فِي أحد من أهل الْعلم فِي زَمَانه فِي الدُّنْيَا كلهَا كَانَ فَقِيها ورعا عَالما بالاختلاف حَافِظًا يعرف السّنَن رحالا فِي جمع الْعلم شجاعا ينازل الأقران ويكابت الْأَبْطَال أديبا يَقُول الشّعْر فيجيد سخيا بِمَا ملك من الدُّنْيَا وَكَانَ إِذا سَافر يحمل سفرته على عجلة من كبرها فَإِذا نزل طرحها ثمَّ يردهَا من احْتَاجَ إِلَيْهِ وَكَانَ يَقُول لَوْلَا فُضَيْل مَا اتجرت حَدثنَا بن قُتَيْبَة قَالَ ثَنَا بْنُ أَبِي السَّرِي قَالَ ثَنَا مُعْتَمر بْن سُلَيْمَان قَالَ حَدثنَا بن الْمُبَارك عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ سَأَلت يحيى بْن سعيد وَالزهْرِيّ وَعَطَاء بْن أبي رَبَاح عَن الرجل يُجَامع امْرَأَته فِيمَا دون الْفرج فَينزل فيسيل المَاء حَتَّى يدْخل فِي الْفرج قَالُوا عَلَيْهَا أَن تَغْتَسِل
خِصَال مجتمعة لم يجْتَمع فِي أحد من أهل الْعلم فِي زَمَانه فِي الدُّنْيَا كلهَا كَانَ فَقِيها ورعا عَالما بالاختلاف حَافِظًا يعرف السّنَن رحالا فِي جمع الْعلم شجاعا ينازل الأقران ويكابت الْأَبْطَال أديبا يَقُول الشّعْر فيجيد سخيا بِمَا ملك من الدُّنْيَا وَكَانَ إِذا سَافر يحمل سفرته على عجلة من كبرها فَإِذا نزل طرحها ثمَّ يردهَا من احْتَاجَ إِلَيْهِ وَكَانَ يَقُول لَوْلَا فُضَيْل مَا اتجرت حَدثنَا بن قُتَيْبَة قَالَ ثَنَا بْنُ أَبِي السَّرِي قَالَ ثَنَا مُعْتَمر بْن سُلَيْمَان قَالَ حَدثنَا بن الْمُبَارك عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ سَأَلت يحيى بْن سعيد وَالزهْرِيّ وَعَطَاء بْن أبي رَبَاح عَن الرجل يُجَامع امْرَأَته فِيمَا دون الْفرج فَينزل فيسيل المَاء حَتَّى يدْخل فِي الْفرج قَالُوا عَلَيْهَا أَن تَغْتَسِل
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=67095&book=5518#1b7272
عبد الله بن الْمُبَارك مولى بني حَنْظَلَة من أهل مرو كنيته أَبُو عبد الرحمن
كَانَ مولده سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَة وَمَات فِي رَمَضَان منصرفا من طرسوس سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة وقبره بهيت مَدِينَة على الْفُرَات مشهوا يزار
روى عَن عَمْرو بن مَيْمُون فِي الْوضُوء وَيُونُس بن يزِيد فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا وَهِشَام بن حسان وَملك بن مغول فِي الصَّلَاة وَمعمر فِي الصَّلَاة وَالنِّكَاح وَالْجهَاد وَغَيرهَا وَالْأَوْزَاعِيّ وَمَالك بن أنس وَأبي بكر بن عُثْمَان بن سهل بن حنيف وَسَعِيد الْجريرِي فِي الصَّلَاة وعبد الملك بن أبي سُلَيْمَان وَسَلام عَن أبي مُطِيع فِي الْجَنَائِز وحسين الْمعلم فِي الْجَنَائِز وعبد الرحمن بن يزِيد بن جَابر فِي الْجَنَائِز وَإِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد فِي الصَّوْم وَسعد بن سعيد بن قيس فِي الصَّوْم وعبيد الله بن عمر فِي الْحَج وَإِبْرَاهِيم بن عقبَة فِي الْحَج وَمُحَمّد بن أبي حَفْصَة فِي الْحَج وَعَاصِم الْأَحول وَسليمَان التَّيْمِيّ فِي الْبيُوع وَالدُّعَاء وَسَعِيد بن يزِيد أبي شُجَاع ومُوسَى بن عقبَة فِي الْجِهَاد وَسَعِيد بن أبي أَيُّوب فِي الْجِهَاد وحيوة بن شُرَيْح فِي الْجِهَاد وَالصَّيْد وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ فِي الْجِهَاد ووهيب بن الْورْد الْمَكِّيّ فِي الْجِهَاد وَعمر بن أبي سعيد بن أبي حُسَيْن فِي فَضَائِل عمر وبريد بن أبي بردة فِي الصَّلَاة
روى عَنهُ أَبُو كريب سَلمَة بن سُلَيْمَان وَالْحكم بن مُوسَى وَالْحسن بن عِيسَى وَالْحسن بن الرّبيع وَمَنْصُور بن أبي مُزَاحم فِي الصَّلَاة
وَابْن أبي شيبَة وَعلي بن حجر وَعلي بن الْحسن بن شَقِيق فِي الصَّوْم وعبد الله بن عمر بن أبان وَمُحَمّد بن عبد الرحمن بن سهم وَسَعِيد بن مَنْصُور وهناد بن السّري وزَكَرِيا بن عبد وَيحيى بن أَيُّوب وعبد الله بن عُثْمَان وَسَعِيد بن عَمْرو الأشعثي وَأَبُو الرّبيع الزهْرَانِي وَجبير بن مُوسَى السّلمِيّ
كَانَ مولده سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَة وَمَات فِي رَمَضَان منصرفا من طرسوس سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة وقبره بهيت مَدِينَة على الْفُرَات مشهوا يزار
روى عَن عَمْرو بن مَيْمُون فِي الْوضُوء وَيُونُس بن يزِيد فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا وَهِشَام بن حسان وَملك بن مغول فِي الصَّلَاة وَمعمر فِي الصَّلَاة وَالنِّكَاح وَالْجهَاد وَغَيرهَا وَالْأَوْزَاعِيّ وَمَالك بن أنس وَأبي بكر بن عُثْمَان بن سهل بن حنيف وَسَعِيد الْجريرِي فِي الصَّلَاة وعبد الملك بن أبي سُلَيْمَان وَسَلام عَن أبي مُطِيع فِي الْجَنَائِز وحسين الْمعلم فِي الْجَنَائِز وعبد الرحمن بن يزِيد بن جَابر فِي الْجَنَائِز وَإِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد فِي الصَّوْم وَسعد بن سعيد بن قيس فِي الصَّوْم وعبيد الله بن عمر فِي الْحَج وَإِبْرَاهِيم بن عقبَة فِي الْحَج وَمُحَمّد بن أبي حَفْصَة فِي الْحَج وَعَاصِم الْأَحول وَسليمَان التَّيْمِيّ فِي الْبيُوع وَالدُّعَاء وَسَعِيد بن يزِيد أبي شُجَاع ومُوسَى بن عقبَة فِي الْجِهَاد وَسَعِيد بن أبي أَيُّوب فِي الْجِهَاد وحيوة بن شُرَيْح فِي الْجِهَاد وَالصَّيْد وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ فِي الْجِهَاد ووهيب بن الْورْد الْمَكِّيّ فِي الْجِهَاد وَعمر بن أبي سعيد بن أبي حُسَيْن فِي فَضَائِل عمر وبريد بن أبي بردة فِي الصَّلَاة
روى عَنهُ أَبُو كريب سَلمَة بن سُلَيْمَان وَالْحكم بن مُوسَى وَالْحسن بن عِيسَى وَالْحسن بن الرّبيع وَمَنْصُور بن أبي مُزَاحم فِي الصَّلَاة
وَابْن أبي شيبَة وَعلي بن حجر وَعلي بن الْحسن بن شَقِيق فِي الصَّوْم وعبد الله بن عمر بن أبان وَمُحَمّد بن عبد الرحمن بن سهم وَسَعِيد بن مَنْصُور وهناد بن السّري وزَكَرِيا بن عبد وَيحيى بن أَيُّوب وعبد الله بن عُثْمَان وَسَعِيد بن عَمْرو الأشعثي وَأَبُو الرّبيع الزهْرَانِي وَجبير بن مُوسَى السّلمِيّ
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=67095&book=5518#73084e
عبد الله بن المبارك
- عبد الله بن المبارك. ويكنى أبا عبد الرحمن. ولد سنة ثماني عشرة ومائة وطلب العلم فروى رواية كثيرة وصنف كتبًا كثيرة في أبواب العلم وصنوفه حملها عنه قوم وكتبها الناس عنهم. وقال الشعر في الزهد والحث على الجهاد. وقدم العراق والحجاز والشام ومصر واليمن وسمع علمًا كثيرًا. وكان ثقة مأمونًا إمامًا حجة كثير الحديث. ومات بهيت منصرفًا من الغزو سنة إحدى وثمانين ومائة وله ثلاث وستون سنة.
- عبد الله بن المبارك. ويكنى أبا عبد الرحمن. ولد سنة ثماني عشرة ومائة وطلب العلم فروى رواية كثيرة وصنف كتبًا كثيرة في أبواب العلم وصنوفه حملها عنه قوم وكتبها الناس عنهم. وقال الشعر في الزهد والحث على الجهاد. وقدم العراق والحجاز والشام ومصر واليمن وسمع علمًا كثيرًا. وكان ثقة مأمونًا إمامًا حجة كثير الحديث. ومات بهيت منصرفًا من الغزو سنة إحدى وثمانين ومائة وله ثلاث وستون سنة.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=67095&book=5518#f0d341
عبد الله بن المبارك: "خراساني"، ثقة، ثبت في الحديث، رجل صالح، وكان يقول الشعر، وكان جامعًا للعلم.
حدثنا أبي: عَبْدُ الله، قال: حضرت ابن المبارك بالكوفة، وعنده إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، وعلي بن صالح صاحب المصلى، فسألاه عن شيء فلم يجبهما، فقال. أحدهما: ما سفيان الثوري ههنا بشيء. فأقبل ابن المبارك في أضعف أهل المجلس = عبد الرحمن بن شكيل، فقال: سل يا أبا عبد الله.
وحدثني أبي: عبد الله، قال: لما حضر ابن المبارك جعل رجل يلقنه قل: لا إله إلا الله وأكثر عليه، فقال: إنك لست تحسن، أخاف أن يؤذي بها رجلا مسلمًا بعدي. إذ لقنتني فقلت: لا إله إلا الله، ثم لم أحدث كلامًا بعدها. فدعني فإذا أحدثت كلاما بعدها فلقني حتى يكون آخر كلامي.
حدثني أبي: عبد الله، قال: قلت لابن المبارك: {كَصَيِّبٍ} واحد، أو جمع؟ قال: واحد. قال قلت: فما جماعه؟ قال: صيائب.
حدثني أبي: عبد الله بن صالح، قال: قلت لابن إدريس: كلمت ابن المبارك في النبيذ؟ قال: نعم، فوجدته ضعيفًا، قال: أشك فيه. قال قلت: فما تقول في مائدة وضعت بين يديك عليها نبيذ، تأكل منها وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤكل على مائدة عليها خمر؟ قال: آكل! قال: قلت: فهلا شككت في طعام "ذلك الشراب الذي شككت" في شربه؟ قال: يرعب رأس
الإنسان فلا أجعله كالخمر.
حدثني أبي: عبد الله، قال: قلت لابن المبارك: كيف استجزت أن تخالف سفيان الثوري في النبيذ، فلنعم الحجيج كان لك فيما بينك وبين الله. قال: صدقت، ولكن عمار بن سيف الضبي ايش هو عندك؟ قال: قلت: هو أفضل أهل الكوفة. قال: أخبرني أنه سأل سفيان الثوري عن النبيذ، فقال: لا نشربه.
حدثني أسد بن موسى، حدثنا عبد الله بن إدريس، عن عمار بن سيف، أنه سأل سفيان الثوري، فقال: لا نشربه.
قلت: هذا يدل على رجوع ابن المبارك عن شرب النبيذ، والله أعلم.
حدثنا أبي: عَبْدُ الله، قال: حضرت ابن المبارك بالكوفة، وعنده إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، وعلي بن صالح صاحب المصلى، فسألاه عن شيء فلم يجبهما، فقال. أحدهما: ما سفيان الثوري ههنا بشيء. فأقبل ابن المبارك في أضعف أهل المجلس = عبد الرحمن بن شكيل، فقال: سل يا أبا عبد الله.
وحدثني أبي: عبد الله، قال: لما حضر ابن المبارك جعل رجل يلقنه قل: لا إله إلا الله وأكثر عليه، فقال: إنك لست تحسن، أخاف أن يؤذي بها رجلا مسلمًا بعدي. إذ لقنتني فقلت: لا إله إلا الله، ثم لم أحدث كلامًا بعدها. فدعني فإذا أحدثت كلاما بعدها فلقني حتى يكون آخر كلامي.
حدثني أبي: عبد الله، قال: قلت لابن المبارك: {كَصَيِّبٍ} واحد، أو جمع؟ قال: واحد. قال قلت: فما جماعه؟ قال: صيائب.
حدثني أبي: عبد الله بن صالح، قال: قلت لابن إدريس: كلمت ابن المبارك في النبيذ؟ قال: نعم، فوجدته ضعيفًا، قال: أشك فيه. قال قلت: فما تقول في مائدة وضعت بين يديك عليها نبيذ، تأكل منها وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤكل على مائدة عليها خمر؟ قال: آكل! قال: قلت: فهلا شككت في طعام "ذلك الشراب الذي شككت" في شربه؟ قال: يرعب رأس
الإنسان فلا أجعله كالخمر.
حدثني أبي: عبد الله، قال: قلت لابن المبارك: كيف استجزت أن تخالف سفيان الثوري في النبيذ، فلنعم الحجيج كان لك فيما بينك وبين الله. قال: صدقت، ولكن عمار بن سيف الضبي ايش هو عندك؟ قال: قلت: هو أفضل أهل الكوفة. قال: أخبرني أنه سأل سفيان الثوري عن النبيذ، فقال: لا نشربه.
حدثني أسد بن موسى، حدثنا عبد الله بن إدريس، عن عمار بن سيف، أنه سأل سفيان الثوري، فقال: لا نشربه.
قلت: هذا يدل على رجوع ابن المبارك عن شرب النبيذ، والله أعلم.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=134008&book=5518#2b60c9
عبد الرحمن بن سليمان بن عَبْد الرَّحْمَن بن عبد اللَّه بن حنظلة الغسيل، الْأَنْصَارِيّ المديني :
رأى سهل بن سعد الساعدي، وأنس بن مالك. وسمع عكرمة مولى ابن عباس، وعاصم بن عمر بن قتادة، وحمزة بن أسيد الساعدي، وسعد بن المنذر. روى عنه أبو نعيم الفضل بن دكين، وأبو غسان مالك بن إِسْمَاعِيل، وأبو أَحْمَد الزبيري، والْحُسَيْن ابن الوليد النيسابوري، وأبو الوليد الطيالسي، وغيرهم. وكان ممن قدم بغداد فيما ذكر يَحْيَى بن معين وسكن الكوفة.
أخبرنا محمّد بن عبد الواحد الأكبر، أخبرنا محمّد بن العبّاس، أخبرنا أحمد بن سعيد السوسي، حَدَّثَنَا عباس بن محمد قَالَ: سمعت يحيى بن معين يَقُول: ابن الغسيل كان مدينيًا، قدم الكوفة، وقدم بغداد.
أخبرنا الأزهري، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس، أَخْبَرَنَا أَبُو أَيُّوب سليمان بن إسحاق الخليل الجلاب، حدّثنا الحارث بن محمّد، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سعد قَالَ: عبد الرحمن ابن سليمان بن عَبْد الرَّحْمَن بن عبد اللَّه بن حنظلة الغسيل بن أبي عامر الراهب، كان قد أتى الكوفة وأقام بها وروى عنه الكوفيون.
أَخْبَرَنَا أبو سعيد مُحَمَّد بن موسى الصيرفي قَالَ: سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب الأصم يقول: سمعت العباس بْن مُحَمَّد الدوري يقول: سمعت يَحْيَى بْن معين يقول: عَبْد الرحمن بن الغسيل ثقة، وقَالَ مرة أخرى: عبد الرحمن بن الغسيل ليس به بأس.
أَخْبَرَنَا أَبُو بكر الأشناني قَالَ: سمعت أَحْمَد بن محمد بن عبدوس يقول: سمعت عُثْمَان بن سعيد يقول: وسألته- يعني يَحْيَى بن معين- عن عبد الرحمن بن الغسيل فقَالَ: صويلح.
أخبرنا البرقاني، أخبرنا أحمد بن سعيد، حدثنا عبد الكريم بن أحمد بن شعيب النسائي، حَدَّثَنَا أبي قَالَ: عبد الرحمن بن الغسيل ليس بالقوي.
أخبرنا الأزهري، أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال: عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل ثقة.
أَخْبَرَنَا ابن الفضل، أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير الخلدي، حَدَّثَنَا محمد بن عبد الله الحضرمي قَالَ: مات حبان بْن علي العنزي سنة إحدى وسبعين ومائة، ومات عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل في اليوم الذي مات فيه حبان بن علي.
أخبرنا السّمسار، أخبرنا الصّفّار، حدثنا ابن قانع: أن عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل مدني مات في سنة إحدى وَسبعين وَمائة.
أَخْبَرَنِي الْحَسَن بْن أبي بكر، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن إبراهيم الجوري- في كتابه- حدّثنا أحمد بن حمدان بن الخضر، حدّثنا أحمد بن يونس الضّبّيّ، حَدَّثَنِي أَبُو حسان الزيادي قَالَ: سنة اثنتين وَسبعين ومائة؛ فيها مات عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل الكوفي
رأى سهل بن سعد الساعدي، وأنس بن مالك. وسمع عكرمة مولى ابن عباس، وعاصم بن عمر بن قتادة، وحمزة بن أسيد الساعدي، وسعد بن المنذر. روى عنه أبو نعيم الفضل بن دكين، وأبو غسان مالك بن إِسْمَاعِيل، وأبو أَحْمَد الزبيري، والْحُسَيْن ابن الوليد النيسابوري، وأبو الوليد الطيالسي، وغيرهم. وكان ممن قدم بغداد فيما ذكر يَحْيَى بن معين وسكن الكوفة.
أخبرنا محمّد بن عبد الواحد الأكبر، أخبرنا محمّد بن العبّاس، أخبرنا أحمد بن سعيد السوسي، حَدَّثَنَا عباس بن محمد قَالَ: سمعت يحيى بن معين يَقُول: ابن الغسيل كان مدينيًا، قدم الكوفة، وقدم بغداد.
أخبرنا الأزهري، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس، أَخْبَرَنَا أَبُو أَيُّوب سليمان بن إسحاق الخليل الجلاب، حدّثنا الحارث بن محمّد، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سعد قَالَ: عبد الرحمن ابن سليمان بن عَبْد الرَّحْمَن بن عبد اللَّه بن حنظلة الغسيل بن أبي عامر الراهب، كان قد أتى الكوفة وأقام بها وروى عنه الكوفيون.
أَخْبَرَنَا أبو سعيد مُحَمَّد بن موسى الصيرفي قَالَ: سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب الأصم يقول: سمعت العباس بْن مُحَمَّد الدوري يقول: سمعت يَحْيَى بْن معين يقول: عَبْد الرحمن بن الغسيل ثقة، وقَالَ مرة أخرى: عبد الرحمن بن الغسيل ليس به بأس.
أَخْبَرَنَا أَبُو بكر الأشناني قَالَ: سمعت أَحْمَد بن محمد بن عبدوس يقول: سمعت عُثْمَان بن سعيد يقول: وسألته- يعني يَحْيَى بن معين- عن عبد الرحمن بن الغسيل فقَالَ: صويلح.
أخبرنا البرقاني، أخبرنا أحمد بن سعيد، حدثنا عبد الكريم بن أحمد بن شعيب النسائي، حَدَّثَنَا أبي قَالَ: عبد الرحمن بن الغسيل ليس بالقوي.
أخبرنا الأزهري، أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال: عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل ثقة.
أَخْبَرَنَا ابن الفضل، أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير الخلدي، حَدَّثَنَا محمد بن عبد الله الحضرمي قَالَ: مات حبان بْن علي العنزي سنة إحدى وسبعين ومائة، ومات عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل في اليوم الذي مات فيه حبان بن علي.
أخبرنا السّمسار، أخبرنا الصّفّار، حدثنا ابن قانع: أن عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل مدني مات في سنة إحدى وَسبعين وَمائة.
أَخْبَرَنِي الْحَسَن بْن أبي بكر، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن إبراهيم الجوري- في كتابه- حدّثنا أحمد بن حمدان بن الخضر، حدّثنا أحمد بن يونس الضّبّيّ، حَدَّثَنِي أَبُو حسان الزيادي قَالَ: سنة اثنتين وَسبعين ومائة؛ فيها مات عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل الكوفي
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=156170&book=5518#dca68c
عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ بنِ وَاضِحٍ الحَنْظَلِيُّ
الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، عَالِمُ زَمَانِهِ، وَأَمِيْرُ الأَتْقِيَاءِ فِي وَقْتِهِ،
أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَنْظَلِيُّ مَوْلاَهُم، التُّرْكِيُّ، ثُمَّ المَرْوَزِيُّ، الحَافِظُ، الغَازِي، أَحَدُ الأَعْلاَمِ، وَكَانَتْ أُمُّهُ خُوَارِزْميَّةٌ.مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
فَطَلَبَ العِلْمَ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً.
فَأَقْدَمُ شَيْخٍ لَقِيَهُ: هُوَ الرَّبِيْعُ بنُ أَنَسٍ الخُرَاسَانِيُّ، تَحَيَّلَ وَدَخَلَ إِلَيْهِ إِلَى السِّجنِ، فَسمِعَ مِنْهُ نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً، ثُمَّ ارْتَحَلَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، وَأَخَذَ عَنْ بقَايَا التَّابِعِيْنَ، وَأَكْثَرَ مِنَ التَّرْحَالِ وَالتَّطْوَافِ، وَإِلَى أَنْ مَاتَ فِي طَلَبِ العِلْمِ، وَفِي الغَزْوِ، وَفِي التِّجَارَةِ، وَالإِنفَاقِ عَلَى الإِخْوَانِ فِي اللهِ، وَتَجهِيزِهِم مَعَهُ إِلَى الحَجِّ.
سَمِعَ مِنْ: سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالجُرَيْرِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَالأَعْمَشِ، وَبُرِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُردَةَ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَوْنٍ، وَمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَأَجْلَحَ الكِنْدِيِّ، وَحُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، وَحَنْظَلَةَ السَّدُوْسِيِّ، وَحَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ المِصْرِيِّ، وَكَهْمَسٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَيُوْنُسَ الأَيْلِيِّ، وَالحَمَّادَيْنِ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ،
وَهُشَيْمٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَبَقِيَّةَ بنِ الوَلِيْدِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.وَصنَّفَ التَّصَانِيْفَ النَّافِعَةَ الكَثِيْرَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مَعْمَرٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَطَائِفَةٌ مِنْ شُيُوْخِه، وَبَقِيَّةُ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَقرَانِهِ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ، وَالقَطَّانُ، وَعَفَّانُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَحِبَّانُ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَأَبُو سَلَمَةَ المِنْقَرِيُّ، وَمُسْلِمٌ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَبْدَانُ، وَالحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ البُوْرَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَالحَسَنُ بنُ عِيْسَى بنِ مَاسَرْجِسَ، وَالحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ المَرْوَزِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُجَشِّرٍ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَأُمَمٌ يَتَعَذَّرُ إِحصَاؤُهُم، وَيَشُقُّ اسْتِقصَاؤُهُم.
وَحَدِيْثُهُ حُجَّةٌ بِالإِجْمَاعِ، وَهُوَ فِي المَسَانِيْدِ وَالأُصُوْلِ.
وَيقعُ لَنَا حَدِيْثُهُ عَالِياً، وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ بِالإِجَازَةِ العَالِيَةِ سِتَّةُ أَنْفُسٍ.
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَعِدَّةٌ، عَنْ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ كُلَيْبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ بَيَانٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ الأَيْلِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، قَالَ: إِنَّمَا كَانَتِ الفُتْيَا فِي (المَاءُ مِنَ المَاءِ) رُخصَةً فِي أَوَّلِ الإِسْلاَمِ، ثُمَّ نُهِيَ عَنْهَا.
أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مَنِيْعٍ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَرُوَاتُهُ
ثِقَاتٌ، لَكِنْ لَهُ عِلَّةٌ، لَمْ يَسْمَعْهُ ابْنُ شِهَابٍ مِنْ سَهْلٍ.ارْتَحَلَ ابْنُ المُبَارَكِ إِلَى: الحَرَمَيْنِ، وَالشَّامِ، وَمِصْرَ، وَالعِرَاقَ، وَالجَزِيْرَةِ، وَخُرَاسَانَ، وَحَدَّثَ بِأَمَاكِنَ.
قَالَ قَعْنَبُ بنُ المُحَرِّرِ: ابْنُ المُبَارَكِ مَوْلَى بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، مِنْ تَمِيْمٍ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: وَلاَؤُهُ لِبَنِي حَنْظَلَةَ.
وَقَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ فِي (تَارِيْخِ مَرْوَ) : كَانَتْ أُمُّ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ خُوَارِزمِيَّةً، وَأَبُوْهُ تُرْكِيٌّ، وَكَانَ عَبداً لِرَجُلٍ تَاجِرٍ مِنْ هَمَذَانَ، مِنْ بَنِي حَنْظَلَةَ، فَكَانَ عَبْدُ اللهِ إِذَا قَدِمَ هَمَذَانَ، يَخضَعُ لِوَالِدَيْهِ وَيُعَظِّمُهُم.
أَخْبَرَنَا أَبُو الغَنَائِمِ المُسْلِمُ بنُ مُحَمَّدٍ القَيْسِيُّ، وَغَيْرُهُ كِتَابَةً، أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ السِّيْبِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَمَّادِ بنِ سُفْيَانَ بِالكُوْفَةِ، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رِزْمَةَ، سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:
نَظَرَ أَبُو حَنِيْفَةَ إِلَى أَبِي، فَقَالَ: أَدَّتْ أُمُّهُ
إِلَيْكَ الأَمَانَةَ، وَكَانَ أَشْبَهَ النَّاسِ بعَبْدِ اللهِ.قَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: وُلِدَ ابْنُ المُبَارَكِ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
وَأَمَّا الحَاكِمُ، فَرَوَى عَنْ: أَبِي أَحْمَدَ الحَمَّادِيِّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُوْسَى البَاشَانِيَّ، سَمِعْتُ عَبْدَانَ بنَ عُثْمَانَ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ، قَالَ:
قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: ذَاكَرَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ السُّننَ، فَقُلْتُ: إِنَّ العَجَمَ لاَ يَكَادُوْنَ يَحفَظُوْنَ ذَلِكَ، لَكِنِّي أَذْكُرُ أَنِّي لَبِستُ السَّوَادَ وَأَنَا صَغِيْرٌ، عِنْدَمَا خَرَجَ أَبُو مُسْلِمٍ، وَكَانَ أَخَذَ النَّاسَ كُلَّهُم بِلبسِ السَّوَادِ، الصِّغَارَ وَالكِبَارَ.
نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يُكثِرُ الجُلُوْسَ فِي بَيْتِهِ، فَقِيْلَ لَهُ: أَلاَ تَسْتَوحِشُ؟
فَقَالَ: كَيْفَ أَسْتَوحِشُ وَأَنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ؟!
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ أَتَى حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَأَعْجَبَهُ سَمْتُهُ، فَقَالَ: مَنْ أَيْنَ أَنْتَ؟
قَالَ: مَنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ، مِنْ مَرْوَ.
قَالَ: تَعْرِفُ رَجُلاً يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: مَا فَعَلَ؟
قَالَ: هُوَ الَّذِي يُخَاطِبُكَ.
قَالَ: فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَرَحَّبَ بِهِ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ الخُطَبِيُّ: بَلَغَنِي عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ:
أَنَّهُ حضَرَ عِنْدَ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، فَقَالَ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ لِحَمَّادٍ: سَلْ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنْ يُحَدِّثَنَا.
فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! تُحِدِّثُهُم، فَإِنَّهُم قَدْ سَأَلُوْنِي؟
قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! يَا أَبَا إِسْمَاعِيْلَ، أُحَدِّثُ وَأَنْتَ حَاضِرٌ.
فَقَالَ: أَقسَمتُ عَلَيْكَ لَتَفْعَلَنَّ.
فَقَالَ: خُذُوا، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، فَمَا حَدَّثَ بِحَرْفٍ إِلاَّ عَنْ حَمَّادٍ.قَالَ أَبُو العَبَّاسِ بنُ مَسْرُوْقٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ:
عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ المُبَارَكِ: أَيش يَقُوْلُ الرَّجُلُ إِذَا عَطَسَ؟
قَالَ: الحَمْدُ للهِ.
فَقَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ.
قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ابْنُ المُبَارَكِ ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، رَجُلٌ صَالِحٌ، يَقُوْلُ الشِّعْرَ، وَكَانَ جَامِعاً لِلْعِلْمِ.
قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ: جَمَعَ عَبْدُ اللهِ الحَدِيْثَ، وَالفِقْهَ، وَالعَرَبِيَّةَ، وَأَيَّامَ النَّاسِ، وَالشَّجَاعَةَ، وَالسَّخَاءَ، وَالتِّجَارَةَ، وَالمَحَبَّةَ عِنْدَ الفَرْقِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ: مَا أَخْرَجَتْ خُرَاسَانُ مِثْلَ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَالنَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى.
عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ آدَمَ يَقُوْلُ:
كُنْتُ إِذَا طَلَبتُ دَقِيْقَ المَسَائِلِ، فَلَمْ أَجِدْهُ فِي كُتُبِ ابْنِ المُبَارَكِ، أَيِسْتُ مِنْهُ.
عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ الفَرَائِضِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ صَدَقَةَ، سَمِعْتُ شُعَيْبَ بنَ حَرْبٍ، قَالَ:مَا لَقِيَ ابْنُ المُبَارَكِ رَجُلاً إِلاَّ وَابْنُ المُبَارَكِ أَفْضَلُ مِنْهُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا أُسَامَةَ يَقُوْلُ: ابْنُ المُبَارَكِ فِي المُحَدِّثِيْنَ مِثْلُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ فِي النَّاسِ.
عُمَرُ بنُ مُدْرِكٍ: حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بنُ شُعْبَةَ المَصِّيْصِيُّ، قَالَ:
قَدِمَ الرَّشِيْدُ الرَّقَّةَ، فَانْجَفَلَ النَّاسُ خَلْفَ ابْنِ المُبَارَكِ، وَتَقَطَّعَتِ النِّعَالُ، وَارتَفَعَتِ الغَبَرَةُ، فَأَشرَفَتْ أُمُّ وَلَدٍ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ مِنْ بُرْجٍ مِنْ قَصْرِ الخَشَبِ، فَقَالَتْ: مَا هَذَا؟
قَالُوا: عَالِمٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ قَدِمَ.
قَالَتْ: هَذَا -وَاللهِ- المُلْكُ، لاَ مُلْكَ هَارُوْنَ الَّذِي لاَ يَجْمَعُ النَّاسَ إِلاَّ بِشُرَطٍ وَأَعْوَانٍ.
قَالَ عُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زَيْدٍ الجَهْضَمِيُّ، قَالَ:
قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: رَأَيْتَ ابْنَ المُبَارَكِ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: لَوْ رَأْيْتَهُ لَقَرَّتْ عَيْنُكَ.
وَقَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رِزمَةَ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ نَاحِيتِكُم مِثْلُ ابْنِ المُبَارَكِ.
الدَّغُوْلِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بنُ زَمْعَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ خَالِدٍ، قَالَ:
تَعَرَّفْتُ إِلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ بِعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ، فَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ: مَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مِثْلُ ابْنِ المُبَارَكِ، وَلاَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ خَلَقَ خَصْلَةً مِنْ خِصَالِ الخَيْرِ، إِلاَّ وَقَدْ جَعَلَهَا فِي عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ.
وَلَقَدْ حَدَّثَنِي أَصْحَابِي أَنَّهُم صَحِبُوهُ مِنْ مِصْرَ إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ يُطْعِمُهُمُ
الخَبِيْصَ، وَهُوَ الدَّهْرَ صَائِمٌ.قَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بنُ سَعِيْدٍ الطَّائِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ الصُّوْفِيُّ بِمَنْبِجَ، قَالَ:
خَرَجَ ابْنُ المُبَارَكِ مِنْ بَغْدَادَ يُرِيْدُ المَصِّيْصَةَ، فَصَحِبَهُ الصُّوفِيَّةُ،
فَقَالَ لَهُم: أَنْتُم لَكُم أَنْفُسٌ تَحْتَشِمُوْنَ أَنْ يُنفَقَ عَلَيْكُم، يَا غُلاَمُ! هَاتِ الطَّسْتَ.
فَأَلْقَى عَلَيْهِ مِنْدِيلاً، ثُمَّ قَالَ: يُلقِي كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُم تَحْتَ المِندِيلِ مَا مَعَهُ.
فَجَعَلَ الرَّجُلُ يُلقِي عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، وَالرَّجُلُ يُلقِي عِشْرِيْنَ، فَأَنفَقَ عَلَيْهِم إِلَى المَصِّيْصَةِ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ بِلاَدُ نَفِيرٍ، فَنَقْسِمُ مَا بَقِيَ، فَجَعَلَ يُعطِي الرَّجُلَ عِشْرِيْنَ دِيْنَاراً، فَيَقُوْلُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! إِنَّمَا أَعْطَيْتُ عِشْرِيْنَ دِرْهَماً.
فَيَقُوْلُ: وَمَا تُنْكِرُ أَنْ يُبَارِكَ اللهُ لِلْغَازِي فِي نَفَقَتِهِ.
قَالَ الخَطِيْبُ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الخَلاَّلُ، قَالُوا:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الكَاتِبُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ المُقْرِئُ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ:
كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ إِذَا كَانَ وَقْتُ الحجِّ، اجْتَمَعَ إِلَيْهِ إِخْوَانُهُ مِنْ أَهْلِ مَرْوَ، فَيَقُوْلُوْنَ: نَصْحَبُكَ.
فَيَقُوْلُ: هَاتُوا نَفَقَاتِكُم.
فَيَأْخُذُ نَفَقَاتِهِم، فَيَجْعَلُهَا فِي صُنْدُوْقٍ، وَيُقْفِلُ عَلَيْهَا، ثُمَّ يَكتَرِي لَهُم، وَيُخْرِجُهُم مِنْ مَرْوَ إِلَى بَغْدَادَ، فَلاَ يَزَالُ يُنفِقُ عَلَيْهِم، وَيُطعِمُهُم أَطْيَبَ الطَّعَامِ، وَأَطْيَبَ الحَلوَى، ثُمَّ يُخْرِجُهُم مِنْ بَغْدَادَ بِأَحْسَنِ زِيٍّ، وَأَكمَلِ مُرُوءةٍ، حَتَّى يَصِلُوا إِلَى مَدِيْنَةِ الرَّسُوْلِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَقُوْلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ: مَا أَمَرَكَ عِيَالُكَ أَنْ تَشتَرِيَ لَهُم مِنَ المَدِيْنَةِ مِنْ طُرَفِهَا؟
فَيَقُوْلُ: كَذَا وَكَذَا. ثُمَّ
يُخْرِجُهُم إِلَى مَكَّةَ، فَإِذَا قَضَوْا حَجَّهُم، قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم: مَا أَمَرَكَ عِيَالُكَ أَنْ تَشتَرِيَ لَهُم مِنْ مَتَاعِ مَكَّةَ؟فَيَقُوْلُ: كَذَا وَكَذَا.
فَيَشْتَرِي لَهُم، ثُمَّ يُخْرِجهُم مِنْ مَكَّةَ، فَلاَ يَزَالُ يُنْفِقُ عَلَيْهِم إِلَى أَنْ يَصِيْرُوا إِلَى مَرْوَ، فَيُجَصِّصُ بُيُوْتَهُم وَأَبْوَابَهُم، فَإِذَا كَانَ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، عَمِلَ لَهُم وَلِيمَةً وَكَسَاهُم، فَإِذَا أَكَلُوا وَسُرُّوا، دَعَا بِالصُّنْدُوقِ، فَفَتَحَهُ، وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُم صُرَّتَهُ عَلَيْهَا اسْمُهُ.
قَالَ أَبِي: أَخْبَرَنِي خَادمُهُ أَنَّهُ عَملَ آخرَ سَفْرَةٍ سَافَرَهَا دَعْوَةً، فَقَدَّمَ إِلَى النَّاسِ خَمْسَةً وَعِشْرِيْنَ خِوَاناً فَالُوْذَجَ، فَبَلَغَنَا أَنَّهُ قَالَ لِلْفُضَيْلِ: لَوْلاَكَ وَأَصْحَابَكَ مَا اتَّجَرْتُ.
وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى الفُقَرَاءِ، فِي كُلِّ سَنَةٍ مائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ: حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ المُبَارَكِ، فَسَأَلَهُ أَنْ يَقضِيَ دَيْناً عَلَيْهِ، فَكَتَبَ لَهُ إِلَى وَكِيلٍ لَهُ.
فَلَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ الكِتَابُ، قَالَ لَهُ الوَكِيلُ: كَمِ الدَّيْنُ الَّذِي سَأَلتَهُ قَضَاءهُ؟
قَالَ: سَبْعُ مائَةِ دِرْهَمٍ.
وَإِذَا عَبْدُ اللهِ قَدْ كَتَبَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ سَبْعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَرَاجَعَهُ الوَكِيلُ، وَقَالَ: إِنَّ الغَلاَّتِ قَدْ فَنِيَتْ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ: إِنْ كَانَتِ الغَلاَّتُ قَدْ فَنِيَتْ، فَإِنَّ العُمْرَ أَيْضاً قَدْ فَنِيَ، فَأَجِزْ لَهُ مَا سَبَقَ بِهِ قَلمِي.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ: حَدَّثَنِي يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى، قَالَ:
كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ كَثِيْرَ الاختِلاَفِ إِلَى طَرَسُوْسَ، وَكَانَ يَنْزِلُ الرَّقَّةَ فِي خَانٍ، فَكَانَ شَابٌّ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ، وَيَقُوْمُ بِحَوَائِجِهِ، وَيَسْمَعُ مِنْهُ الحَدِيْثَ، فَقَدِمَ عَبْدُ اللهِ مَرَّةً، فَلَمْ يَرَهُ، فَخَرَجَ فِي النَّفِيْرِ مُسْتَعجِلاً، فَلَمَّا
رَجَعَ، سَأَلَ عَنِ الشَّابِّ، فَقَالَ: مَحْبُوْسٌ عَلَى عَشْرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ.فَاسْتَدَلَّ عَلَى الغَرِيْمِ، وَوَزَنَ لَهُ عَشْرَةَ آلاَفٍ، وَحَلَّفَهُ أَلاَّ يُخْبِرَ أَحَداً مَا عَاشَ، فَأُخْرِجَ الرَّجُلُ، وَسَرَى ابْنُ المُبَارَكِ، فَلَحِقَهُ الفَتَى عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنَ الرَّقَّةِ، فَقَالَ لِي: يَا فَتَى أَيْنَ كُنْتَ؟ لَمْ أَرَكَ!
قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! كُنْتُ مَحْبُوْساً بِدَيْنٍ.
قَالَ: وَكَيْفَ خَلصتَ؟
قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَضَى دَيْنِي، وَلَمْ أَدرِ.
قَالَ: فَاحْمَدِ اللهَ، وَلَمْ يَعْلَمِ الرَّجُلُ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عَبْدِ اللهِ.
أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ بَشَّارٍ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ الفُضَيْلِ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ لابْنِ المُبَارَكِ:
أَنْتَ تَأْمُرُنَا بِالزُّهْدِ وَالتَّقَلُّلِ وَالبُلْغَةِ، وَنَرَاكَ تَأْتِي بِالبَضَائِعِ، كَيْفَ ذَا؟
قَالَ: يَا أَبَا عَلِيٍّ، إِنَّمَا أَفْعَلُ ذَا لأَصُوْنَ وَجْهِي، وَأُكرِمَ عِرضِي، وَأَسْتَعِيْنَ بِهِ عَلَى طَاعَةِ رَبِّي.
قَالَ: يَا ابْنَ المُبَارَكِ مَا أَحْسَنَ ذَا إِنْ تَمَّ ذَا.
الفَتْحُ بنُ سُخْرُفٍ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بنُ يَزِيْدَ، حَدَّثَنَا حِبَّانُ بنُ مُوْسَى، قَالَ:
عُوتِبَ ابْنُ المُبَارَكِ فِيْمَا يُفَرِّقُ مِنَ المَالِ فِي البُلْدَانِ دُوْنَ بَلَدِهِ، قَالَ: إِنِّيْ أَعْرِفُ مَكَانَ قَوْمٍ لَهُم فَضْلٌ وَصِدْقٌ، طَلَبُوا الحَدِيْثَ، فَأَحْسَنُوا طَلَبَهُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِم، احْتَاجُوا، فَإِنْ تَرَكْنَاهُم، ضَاعَ عِلْمُهُم، وَإِنْ أَعَنَّاهُم، بَثُّوا العِلْمَ لأُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ أَعْلَمُ بَعْدَ النُّبُوَّةِ أَفْضَلَ مِنْ بَثِّ العِلْمِ.
عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ:
مَا رَأَيْتُ أَحَداً يُحَدِّثُ للهِ إِلاَّ سِتَّةُ نَفَرٍ، مِنْهُم ابْنُ المُبَارَكِ.
أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ الطَّبَّاعِ، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: الأَئِمَّةُ أَرْبَعَةٌ:
سُفْيَانُ، وَمَالِكٌ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ.وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَعْلَمَ بِالحَدِيْثِ مِنْ سُفْيَانَ، وَلاَ أَحْسَنَ عَقْلاً مِنْ مَالِكٍ، وَلاَ أَقشَفَ مِنْ شُعْبَةَ، وَلاَ أَنصَحَ لِلأُمَّةِ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ:
مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَ أَرْبَعَةٍ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ لِلْحَدِيْثِ مِنَ الثَّوْرِيِّ، وَلاَ أَشَدَّ تَقَشُّفاً مِنْ شُعْبَةَ، وَلاَ أَعقَلَ مِنْ مَالِكٍ، وَلاَ أَنصَحَ لِلأُمَّةِ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ.
أَبُو نَشِيْطٍ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ:
قُلْتُ لابْنِ مَهْدِيٍّ: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ، ابْنُ المُبَارَكِ أَوْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ؟
فَقَالَ: ابْنُ المُبَارَكِ.
قُلْتُ: إِنَّ النَّاسَ يُخَالِفُوْنَكَ.
قَالَ: إِنَّهُم لَمْ يُجَرِّبُوا، مَا رَأَيْتُ مِثْلَ ابْنِ المُبَارَكِ.
نُوْحُ بنُ حَبِيْبٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، وَكَانَ نَسِيْجَ وَحْدِهِ.
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ بنِ مُحْرِزٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: ابْنُ المُبَارَكِ أَعْلَمُ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَعْيَنَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَقَالُوا لَهُ: جَالَسْتَ الثَّوْرِيَّ، وَسَمِعْتَ مِنْهُ، وَمِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، فَأَيُّهُمَا أَرْجَحُ؟
قَالَ: لَوْ أَنَّ سُفْيَانَ جَهِدَ عَلَى أَنْ يَكُوْنَ يَوْماً مِثْلَ عَبْدِ اللهِ، لَمْ يَقْدِرْ.
ابْنُ أَبِي العَوَّامِ: حَدَّثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ شُعَيْبَ بنَ حَرْبٍ يَقُوْلُ:قَالَ سُفْيَانُ: إِنِّيْ لأَشتَهِي مِنْ عُمُرِي كُلِّهِ أَنْ أَكُوْنَ سَنَةً مِثْلَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَمَا أَقْدِرُ أَنْ أَكُوْنَ وَلاَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ.
مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ بَحْرٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ مُوْسَى الطَّرَسُوْسِيُّ، قَالَ:
سَأَلَ رَجُلٌ سُفْيَانَ، فَقَالَ: مَنْ أَيْنَ أَنْتَ؟
قَالَ: مَنْ أَهْلِ المَشْرِقِ.
قَالَ: أَوَلَيْسَ عِنْدَكُم أَعْلَمُ أَهْلِ المَشْرِقِ؟
قَالَ: وَمَنْ هُوَ؟
قَالَ: عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ.
قَالَ: وَهُوَ أَعْلَمُ أَهْلِ المَشْرِقِ؟!
قَالَ: نَعَمْ، وَأَهْلِ المَغْرِبِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ القُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ قَالَ:
كَانَ فُضَيْلٌ وَسُفْيَانُ وَمَشْيَخَةٌ جُلُوْساً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، فَطَلَعَ ابْنُ المُبَارَكِ مِنَ الثَّنِيَّةِ، فَقَالَ سُفْيَانُ: هَذَا رَجُلُ أَهْلِ المَشْرِقِ.
فَقَالَ فُضَيْلٌ: رَجُلُ أَهْلِ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي جَمِيْلٍ، قَالَ:
كُنَّا حَوْلَ ابْنِ المُبَارَكِ بِمَكَّةَ، فَقُلْنَا لَهُ: يَا عَالِمَ الشَّرقِ، حَدِّثْنَا - وَسُفْيَانُ قَرِيْبٌ مِنَّا يَسْمَعُ - فَقَالَ: وَيْحَكُمْ! عَالِمَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُهْزَاذَ: سَمِعْتُ أَبَا الوَزِيْرِ يَقُوْلُ: قَدِمْتُ عَلَى سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، فَقَالُوا لَهُ: هَذَا وَصِيُّ عَبْدِ اللهِ.
فَقَالَ: رَحِمَ اللهُ عَبْدَ اللهِ، مَا خَلَّفَ بِخُرَاسَانَ مِثْلَهُ.
أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: حَدَّثَنَا أَبُو عِصْمَةَ قَالَ:شَهِدتُ سُفْيَانَ وَفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ، قَالَ سُفْيَانُ لِفُضَيْلٍ: يَا أَبَا عَلِيٍّ! أَيُّ رَجُلٍ ذَهَبَ!
يَعْنِي: ابْنَ المُبَارَكِ.
قَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! وَبَقِيَ بَعْدَ ابْنِ المُبَارَكِ مَنْ يُسْتَحْيَى مِنْهُ ؟!
مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ حُمَيْدٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ بنَ عَبْدِ الحَكَمِ يَقُوْلُ:
لَمَّا مَاتَ ابْنُ المُبَارَكِ، بَلَغَنِي أَنَّ هَارُوْنَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَالَ: مَاتَ سَيِّدُ العُلَمَاءِ.
المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الفَزَارِيَّ يَقُوْلُ: ابْنُ المُبَارَكِ إِمَامُ المُسْلِمِيْنَ أَجْمَعِيْنَ.
قُلْتُ: هَذَا الإِطلاَقُ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ مَعْنِيٌّ بِمُسْلِمِي زَمَانِهِ.
قَالَ المُسَيَّبُ: وَرَأَيْتُ أَبَا إِسْحَاقَ بَيْنَ يَدَيِ ابْنِ المُبَارَكِ قَاعِداً يَسْأَلُهُ.
قَالَ أَبُو وَهْبٍ أَحْمَدُ بنُ رَافِعٍ - وَرَّاقُ سُوَيْدِ بنِ نَصْرٍ -: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ:
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: نَظَرْتُ فِي أَمرِ الصَّحَابَةِ وَأَمرِ عَبْدِ اللهِ، فَمَا رَأَيْتُ لَهُم عَلَيْهِ فَضْلاً، إِلاَّ بِصُحْبَتِهِمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَغَزْوِهِم مَعَهُ.
مَحْمُودُ بنُ وَالاَن، قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارَ بنَ الحَسَنِ يَمدَحُ ابْنَ المُبَارَكِ، وَيَقُوْلُ:
إِذَا سَارَ عَبْدُ اللهِ مِنْ مَرْوَ لَيْلَةَ ... فَقَدْ سَارَ مِنْهَا نُوْرُهَا وَجَمَالُهَاإِذَا ذُكِرَ الأَحْبَارُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ ... فَهُم أَنْجُمٌ فِيْهَا وَأَنْتَ هِلاَلُهَا
هَاشِمُ بنُ مَرْثَدٍ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ طَالُوْتَ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ:
انْتَهَى العِلْمُ إِلَى رَجُلَيْنِ: إِلَى ابْنِ المُبَارَكِ، ثُمَّ إِلَى ابْنِ مَعِيْنٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ الجَارُوْدِ: قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ:
عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ أَوسَعُ عِلْماً مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ.
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيُّ: سَمِعْتُ سَلاَّمَ بنَ أَبِي مُطِيْعٍ يَقُوْلُ: مَا خَلَّفَ ابْنُ المُبَارَكِ بِالمَشْرِقِ مِثْلَهُ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجُنَيْدِ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَذَكَرُوا عَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَافِظاً.
فَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ عَبْدُ اللهِ -رَحِمَهُ اللهُ- كَيِّساً، مُسْتَثْبِتاً، ثِقَةً، وَكَانَ عَالِماً، صَحِيْحَ الحَدِيْثِ، وَكَانَتْ كُتُبُهُ الَّتِي يُحَدِّثُ بِهَا عِشْرِيْنَ أَلْفاً أَوْ وَاحِداً وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً.
قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ حَمْدَوَيْه بنُ الخَطَّابِ البُخَارِيُّ: سَمِعْتُ نَصْرَ بنَ المُغِيْرَةِ البُخَارِيَّ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ شَمَّاسٍ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ أَفقَهَ النَّاسِ ابْنَ المُبَارَكِ، وَأَورَعَ النَّاسِ الفُضَيْلَ، وَأَحْفَظَ النَّاسِ وَكِيْعَ بنَ الجَرَّاحِ.
أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ - وَذَكَرَ أَصْحَابَ سُفْيَانَ - فَقَالَ:خَمْسَةٌ: ابْنُ المُبَارَكِ - فَبَدَأَ بِهِ - وَوَكِيْعٌ، وَيَحْيَى، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ.
قَالَ جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: اخْتَلَفَ القَطَّانُ، وَوَكِيْعٌ؟
قَالَ: القَوْلُ قَوْلُ يَحْيَى.
قَالَ: فَإِذَا اخْتَلَفَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَيَحْيَى؟
قَالَ: يَحتَاجُ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا.
قُلْتُ: فَأَبُو نُعَيْمٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ؟
قَالَ: يَحتَاجُ مَنْ يَفصِلُ بَيْنَهُمَا.
قُلْتُ: الأَشْجَعِيُّ؟
قَالَ: مَاتَ الأَشْجَعِيُّ، وَمَاتَ حَدِيْثُهُ مَعَهُ.
قُلْتُ: ابْنُ المُبَارَكِ؟
قَالَ: ذَاكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ.
مَحْمُودُ بنُ وَالاَنَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُوْسَى، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُوْسَى يَقُوْلُ:
كُنْتُ عِنْدَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، فَجَاءهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَنْ أَثْبَتُ فِي مَعْمَرٍ، ابْنُ المُبَارَكِ أَوْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ؟
وَكَانَ يَحْيَى مُتَّكِئاً، فَجَلَسَ، وَقَالَ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ خَيْراً مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَمِنْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ، كَانَ عَبْدُ اللهِ سَيِّداً مِنْ سَادَاتِ المُسْلِمِيْنَ.
وَسُئِلَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: إِذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَعْمَرٍ؟
قَالَ: القَوْلُ قَوْلُ ابْنِ المُبَارَكِ.
الدَّغُوْلِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ النَّضْرِ بنِ مُسَاوِرٍ، قَالَ:
قَالَ أَبِي: قُلْتُ لابْنِ المُبَارَكِ: هَلْ تَتَحَفَّظُ الحَدِيْثَ؟
فَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَقَالَ: مَا تَحَفَّظْتُ حَدِيْثاً قَطُّ، إِنَّمَا آخُذُ الكِتَابَ، فَأَنظُرُ فِيْهِ، فَمَا اشْتَهَيْتُهُ، عَلِقَ بِقَلْبِي.
قَالَ الحَسَنُ بنُ عِيْسَى: أَخْبَرَنِي صَخْرٌ - صَدِيْقُ ابْنِ المُبَارَكِ - قَالَ:كُنَّا غِلْمَاناً فِي الكُتَّابِ، فَمَرَرْتُ أَنَا وَابْنُ المُبَارَكِ، وَرَجُلٌ يَخطُبُ، فَخَطَبَ خُطْبَةً طَوِيْلَةً، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ لِي ابْنُ المُبَارَكِ: قَدْ حَفِظتُهَا.
فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ، فَقَالَ: هَاتِهَا.
فَأَعَادهَا وَقَدْ حَفِظَهَا.
نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ، قَالَ:
قَالَ لِي أَبِي: لَئِنْ وَجَدْتُ كُتُبَكَ، لأُحَرِقَنَّهَا.
قُلْتُ: وَمَا عَلَيَّ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ فِي صَدْرِي.
وَقَالَ أَبُو وَهْبٍ مُحَمَّدُ بنُ مُزَاحِمٍ: العَجَبُ مِمَّنْ يَسْمَعُ الحَدِيْثَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ رَجُلٍ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الرَّجُلَ حَتَّى يُحَدِّثُه بِهِ.
قَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: ابْنُ المُبَارَكِ مَرْوَزِيٌّ، ثِقَةٌ.
قَالَ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبَّادٍ: سَمِعْتُ سُوَيْدَ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ بِمَكَّةَ أَتَى زَمْزَمَ، فَاسْتَقَى شُربَةً، ثُمَّ اسْتَقبَلَ القِبْلَةَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ ابْنَ أَبِي المَوَّالِ حَدَّثَنَا، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ) وَهَذَا أَشرَبُهُ لِعَطَشِ القِيَامَةِ، ثُمَّ شَرِبَهُ.
كَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي المَوَّالِ، وَصَوَابُهُ: ابْنُ المُؤَمَّلِ عَبْدُ اللهِ المَكِّيُّ، وَالحَدِيْثُ بِهِ يُعْرَفُ، وَهُوَ مِنَ الضُّعَفَاءِ، لَكِنْ يَرْوِيْهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، فَعَلَى كُلِّ حَالٍ خَبَرُ ابْنِ المُبَارَكِ فَرْدٌ مُنْكَرٌ، مَا أَتَى بِهِ سِوَى سُوَيْدٍ، رَوَاهُ: المَيَانَجِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّادٍ.أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ: سَمِعْتُ الخَلِيْلَ أَبَا مُحَمَّدٍ قَالَ:
كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، قَالَ:
بُغْضُ الحَيَاةِ وَخَوْفُ اللهِ أَخْرَجَنِي ... وَبَيْعُ نَفْسِي بِمَا لَيْسَتْ لَهُ ثَمَنَا
إِنِّيْ وَزَنْتُ الَّذِي يَبْقَى لِيَعْدِلَهُ ... مَا لَيْسَ يَبْقَى فَلاَ وَاللهِ مَا اتَّزَنَا
قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ إِذَا قَرَأَ كِتَابَ (الرِّقَاقِ) ، يَصِيْرُ كَأَنَّهُ ثَوْرٌ مَنْحُوْرٌ، أَوْ بَقَرَةٌ مَنْحُوْرَةٌ مِنَ البُكَاءِ، لاَ يَجْتَرِئُ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ دَفَعَهُ.
أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ المَرْوَزِيُّ، قَالَ:
كُنَّا سَرِيَّةً مَعَ ابْنِ المُبَارَكِ فِي بِلاَدِ الرُّوْمِ، فَصَادَفْنَا العَدُوَّ، فَلَمَّا التَقَى الصَّفَّانِ، خَرَجَ رَجُلٌ مِنَ العَدُوِّ، فَدَعَا إِلَى البِرَازِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ آخَرُ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ آخَرُ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ دَعَا إِلَى البِرَازِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَطَارَدَهُ سَاعَةً، فَطَعَنَهُ، فَقَتَلَهُ، فَازدَحَمَ إِلَيْهِ النَّاسُ، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَإِذَا هُوَ يَكْتُمُ وَجْهَهُ بِكُمِّهِ، فَأَخَذْتُ بِطَرَفِ كُمِّهِ، فَمَدَدْتُهُ، فَإِذَا هُوَ هُوَ، فَقَالَ: وَأَنْتَ
يَا أَبَا عَمْرٍو مِمَّنْ يُشَنِّعُ عَلَيْنَا !!قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا وَهْبٍ يَقُوْلُ: مَرَّ ابْنُ المُبَارَكِ بِرَجُلٍ أَعْمَى، فَقَالَ لَهُ: أَسْأَلُكَ أَنْ تَدعُوَ لِي أَنْ يَرُدَّ اللهَ عَلَيَّ بَصَرِي.
فَدَعَا اللهَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ بَصَرَهُ وَأَنَا أَنْظُرُ.
وَقَالَ أَبُو حَسَّانٍ عِيْسَى بنُ عَبْدِ اللهِ البَصْرِيُّ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ عَرَفَةَ يَقُوْلُ:
قَالَ لِي ابْنُ المُبَارَكِ: اسْتَعَرتُ قَلَماً بِأَرْضِ الشَّامِ، فَذَهَبتُ عَلَى أَنْ أَرُدَّهُ، فَلَمَّا قَدِمْتُ مَرْوَ، نَظَرْتُ، فَإِذَا هُوَ مَعِي، فَرَجَعتُ إِلَى الشَّامِ حَتَّى رَدَدْتُهُ عَلَى صَاحِبِهِ.
قَالَ أَسْوَدُ بنُ سَالِمٍ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ إِمَاماً يُقْتَدَى بِهِ، كَانَ مِنْ أَثبَتِ النَّاسِ فِي السُّنَّةِ، إِذَا رَأَيْتَ رَجُلاً يَغمِزُ ابْنَ المُبَارَكِ، فَاتَّهِمْهُ عَلَى الإِسْلاَمِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدٍ المِصْرِيُّ بِهَا، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الكَاتِبُ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، وَأَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الدَّايَةِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِفِيُّ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ كِتَابَةً، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ المُقْرِئُ، وَأَنْبَأَنَا يَحْيَى، أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ عَلِيِّ بنِ الطَّرَّاحِ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَأَبُو غَالِبٍ بنُ البَنَّاءِ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو المُرْهفِ المِقْدَادُ بنُ أَبِي القَاسِمِ القَيْسِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ الرَّزَازُ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلاَّنَ فِي كِتَابِهِ، وَغَيْرُهُ، أَنَّ دَاوُدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الوَكِيْلَ أَخْبَرَهُم، قَالُوا:أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الأُرْمَوِيُّ، وَكَتَبَ إِلَيْنَا الفَخْرُ عَلِيُّ بنُ البُخَارِيِّ، قَالَ:
أَخْبَرَتْنَا نِعْمَةُ بِنْتُ عَلِيِّ بنِ يَحْيَى بنِ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي، قَالَ سبْعَتُهُم:
أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المُعَدِّلُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ البَلْخِيُّ بِسَمَرْقَنْدَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمَائَتَيْنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو المُصْعَبِ مِشْرَحُ بنُ هَاعَانَ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ الجُهَنِيِّ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَكْثَرُ مُنَافِقِي أُمَّتِي قُرَّاؤُهَا ) .
وَبِهِ: إِلَى الفِرْيَابِيِّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ مِشْرَحٍ، ... فَذَكَرَهُ.
وَبِهِ: إِلَى الفِرْيَابِيِّ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ سَعِيْدُ بنُ يَعْقُوْبَ الطَّالْقَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ هَارُوْنَ بنِ رِئَابٍ:
أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو لَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، قَالَ: انْظُرُوا فُلاَناً لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَإِنِّي كُنْتُ قُلْتُ لَهُ فِي ابْنَتِي قَوْلاً كَشَبِيْهِ العِدَةِ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَلْقَى الله -تَعَالَى- بِثُلُثِ النِّفَاقِ، وَأُشْهِدُكُم أَنِّي قَدْ زَوَّجْتُهُ.
هَارُوْنُ ثِقَةٌ، لَكِنَّهُ لَمْ يَلْحَقْ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي زَمَانِ ابْنِ المُبَارَكِ أَطْلَبَ لِلْعِلْمِ مِنْهُ.وَعَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا أَحَدٌ مِثْلُ ابْنِ المُبَارَكِ.
وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَطْلَبَ لِلْعِلْمِ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَهُوَ فِي المُحَدِّثِيْنَ مِثْلُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ فِي النَّاسِ.
قَالَ الحَسَنُ بنُ عِيْسَى بنِ مَاسَرْجِسَ مَوْلَى ابْنِ المُبَارَكِ: اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِثْلُ الفَضْلِ بنِ مُوْسَى، وَمَخْلَدِ بنِ الحُسَيْنِ، فَقَالُوا:
تَعَالَوْا نَعُدُّ خِصَالَ ابْنِ المُبَارَكِ مِنْ أَبْوَابِ الخَيْرِ، فَقَالُوا: العِلْمُ، وَالفِقْهُ، وَالأَدَبُ، وَالنَّحْوُ، وَاللُّغَةُ، وَالزُّهْدُ، وَالفَصَاحَةُ، وَالشِّعْرُ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ، وَالعِبَادَةُ، وَالحَجُّ، وَالغَزْوُ، وَالشَّجَاعَةُ، وَالفُرُوْسِيَّةُ، وَالقُوَّةُ، وَتَرْكُ الكَلاَمِ فِيْمَا لاَ يَعْنِيْهِ، وَالإِنصَافُ، وَقِلَّةُ الخِلاَفِ عَلَى أَصْحَابِهِ.
قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: قَالَ رَجُلٌ لابْنِ المُبَارَكِ: قَرَأْتُ البَارِحَةَ القُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ.
فَقَالَ: لَكِنِّي أَعْرِفُ رَجُلاً لَمْ يَزَلِ البَارِحَةَ يُكَرِّرُ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} إِلَى الصُّبْحِ، مَا قَدِرَ أَنْ يَتَجَاوَزَهَا -يَعْنِي نَفْسَهُ-.
قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ إِسْحَاقَ البُنَانِيِّ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ:
حَمَلتُ العِلْمَ عَنْ أَرْبَعَةِ آلاَفِ شَيْخٍ، فَرَويتُ عَنْ أَلفِ شَيْخٍ.
ثُمَّ قَالَ العَبَّاسُ: فَتَتَبَّعْتُهُم حَتَّى وَقَعَ لِي ثَمَانُ مائَةِ شَيْخٍ لَهُ.
قَالَ حَبِيْبٌ الجَلاَّبُ: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ: مَا خَيْرُ مَا أُعْطِيَ الإِنْسَانُ؟
قَالَ: غَرِيْزَةُ عَقْلٍ.
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ؟
قَالَ: حُسْنُ أَدَبٍ.
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ؟
قَالَ: أَخٌ شَفِيْقٌ يَسْتَشِيْرُهُ.
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ؟
قَالَ: صَمْتٌ طَوِيْلٌ.
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ؟
قَالَ: مَوْتٌ عَاجِلٌ.
وَرَوَى: عَبْدَانُ بنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:إِذَا غَلَبَتْ مَحَاسِنُ الرَّجُلِ عَلَى مَسَاوِئِهِ، لَمْ تُذْكَرِ المَسَاوِئُ، وَإِذَا غَلَبَتِ المَسَاوِئُ عَنِ المَحَاسِنِ، لَمْ تُذْكَرِ المَحَاسِنُ.
قَالَ نُعَيْمٌ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:
عَجِبتُ لِمَنْ لَمْ يَطلُبِ العِلْمَ، كَيْفَ تَدعُوْهُ نَفْسُهُ إِلَى مَكْرُمَةٍ؟!
قَالَ عُبَيْدُ بنُ جَنَّادٍ: قَالَ لِي عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ: رَأَيْتَ ابْنَ المُبَارَكِ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: مَا رَأَيْتَ وَلاَ تَرَى مِثْلَهُ.
قَالَ عُبَيْدُ بنُ جَنَّادٍ: وَسَمِعْتُ العُمَرِيَّ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيْتُ فِي دَهْرِنَا هَذَا مَنْ يَصلُحُ لِهَذَا الأَمْرِ -يَعْنِي: الإِمَامَةَ- إِلاَّ ابْنَ المُبَارَكِ.
قَالَ مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ ابْنِ المُبَارَكِ، تُصِيْبُ عِنْدَهُ الشَّيءَ الَّذِي لاَ تُصِيْبُهُ عِنْدَ أَحَدٍ.
قَالَ شَقِيْقٌ البَلْخِيُّ: قِيْلَ لابْنِ المُبَارَكِ: إِذَا أَنْتَ صَلَّيْتَ لِمَ لاَ تَجْلِسُ مَعَنَا؟
قَالَ: أَجلِسُ مَعَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ، أَنْظُرُ فِي كُتُبِهِم وَآثَارِهِم، فَمَا أَصْنَعُ مَعَكُم؟ أَنْتُم تَغْتَابُوْنَ النَّاسَ.
وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: لِيَكُنْ عُمْدَتُكُم الأَثَرُ، وَخُذُوا مِنَ الرَّأْيِ مَا يُفَسِّرُ لَكُمُ الحَدِيْثَ.
مَحْبُوبُ بنُ الحَسَنِ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:
مَنْ بَخِلَ بِالعِلْمِ، ابْتُلِي بِثَلاَثٍ: إِمَّا مَوْتٌ يُذْهِبُ عِلْمَهُ، وَإِمَّا يَنْسَى، وَإِمَّا يَلْزَمُ السُّلْطَانَ، فَيَذْهَبُ عِلْمُهُ.
وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْفَعَةِ العِلْمِ أَنْ يُفِيْدَ بَعْضُهُم بَعْضاً.
المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ قِيْلَ لَهُ: الرَّجُلُ يَطلُبُ الحَدِيْثَ للهِ، يَشتَدُّ فِي سَنَدِهِ.قَالَ: إِذَا كَانَ للهِ، فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يَشتَدَّ فِي سَنَدِهِ.
وَعَنْهُ، قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا فِي القَلْبِ، وَالذُّنُوْبُ فَقَدِ احْتَوَشَتْهُ، فَمَتَى يَصِلُ الخَيْرُ إِلَيْهِ؟
وَعَنْهُ، قَالَ: لَوِ اتَّقَى الرَّجُلُ مائَةَ شَيْءٍ، وَلَمْ يَتَّقِ شَيْئاً وَاحِداً، لَمْ يَكُ مِنَ المُتَّقِيْنَ، وَلَو تَوَرَّعَ عَنْ مائَةِ شَيْءٍ، سِوَى وَاحِدٍ، لَمْ يَكُنْ وَرِعاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيْهِ خُلَّةٌ مِنَ الجَهْلِ، كَانَ مِنَ الجَاهِلِيْنَ، أَمَا سَمِعْتَ اللهَ يَقُوْلُ لِنُوْحٍ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- مِنْ أَجْلِ ابْنِهِ: {إِنِّيْ أَعِظُكَ أَنْ تَكُوْنَ مِنَ الجَاهِلِيْنَ} [هُوْدُ: 460] .
إِسْنَادُهَا لاَ يَصِحُّ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ خِلاَفُ هَذَا، وَأَنَّ الاعْتِبَارَ بِالكَثْرَةِ، وَمُرَادُهُ بِالخُلَّةِ مِنَ الجَهْلِ: الإِصرَارُ عَلَيْهَا.
وَجَاءَ أَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ سُئِلَ: مَنِ النَّاسُ؟
فَقَالَ: العُلَمَاءُ.
قِيْلَ: فَمَنِ المُلُوْكُ؟
قَالَ: الزُّهَّادُ.
قِيْلَ: فَمَنِ الغَوْغَاءُ؟
قَالَ: خُزَيْمَةُ وَأَصْحَابُهُ -يَعْنِي: مِنْ أُمَرَاءِ الظَّلَمَةِ-.
قِيْلَ: فَمَنِ السَّفِلَةُ؟
قَالَ: الَّذِيْنَ يَعِيْشُوْنَ بِدِيْنِهِم.
وَعَنْهُ، قَالَ: لِيَكُنْ مَجْلِسُكَ مَعَ المَسَاكِيْنِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَجلِسَ مَعَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ.
وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: إِذَا عَرَفَ الرَّجُلُ قَدْرَ نَفْسِهِ، يَصِيْرُ عِنْدَ نَفْسِهِ أَذَلَّ مِنْ كَلْبٍ.
وَعَنْهُ، قَالَ: لاَ يَقَعُ مَوقِعَ الكَسْبِ عَلَى العِيَالِ شَيْءٌ، وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبِيْلِ اللهِ.
وَقَالَ: رُبَّ عَمَلٍ صَغِيْرٍ تُكَثِّرُهُ النِّيَّةُ، وَرُبَّ عَمَلٍ كَثِيْرٍ تُصَغِّرُهُ النِّيَّةُ.أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ إِجَازَةً، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ الكَاغِدِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيُّ، قَالَ:
سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي عَنْ أَبَوَيهِ، فَقَالَ: مَنْ يَرْوِيْهِ؟
قُلْتُ: شِهَابُ بنُ خِرَاشٍ.
قَالَ: ثِقَةٌ، عَمَّنْ؟
قُلْتُ: عَنِ الحَجَّاجِ بنِ دِيْنَارٍ.
قَالَ: ثِقَةٌ، عَمَّنْ؟
قُلْتُ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قَالَ: بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَفَاوِزُ تَنْقَطِعُ فِيْهَا أَعْنَاقُ الإِبِلِ.
أَخْبَرَنَا بِيْبَرْسُ بنُ عَبْدِ اللهِ المَجْدِيُّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الدَّوَامِيُّ، أَخْبَرَتْنَا تَجَنِّي مَوْلاَةُ ابْنِ وَهْبَانَ، وَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْدَاوِيُّ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الخَطِيْبُ، وَتَجَنِّي الوَهْبَانِيَّةُ، وَفَخْرُ النِّسَاءِ شُهْدَةُ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ تَاجِ الأُمَنَاءِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ (ح) .
وَأَخْبَرَتْنَا سِتُّ الأَهْلِ بِنْتُ النَّاصِحِ، أَخْبَرَنَا البَهَاءُ عَبْد الرَّحْمَنِ، قَالاَ:
أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا طِرَادُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الأَغْلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُخْتَارٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا هِلاَلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ الحَفَّارُ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ يَحْيَى القَطَّانُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُجَشِّرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ
عَاصِمٍ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ - وَمَرَرْتُ مَعَهُ بِبُقْعَةٍ - فَقَالَ:سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (رُبَّ يَمِيْنٍ لاَ تَصْعَدُ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي هَذِهِ البُقْعَةِ ) .
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَرَأَيْتُ فِيْهَا النَّخَّاسِيْنَ.
وَبِهِ: إِلَى ابْنِ المُبَارَكِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَجْلاَنَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَكُلُّ مُسْكرٍ خَمْرٌ ) .
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ الأَسَدِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ الكَاغِدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي رِزْمَةَ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:
إِنَّا لَنَحكِي كَلاَمَ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارِى، وَلاَ نَستَطِيْعُ أَنْ نَحكِيَ كَلاَمَ الجَهْمِيَّةِ.
وَبِهِ: إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ السَّرَّاجِ: سَمِعْتُ أَبَا يَحْيَى يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ يَقُوْلُ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ: كَيْفَ يُعْرَفُ رَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ-؟قَالَ: فِي السَّمَاءِ عَلَى العَرْشِ.
قُلْتُ لَهُ: إِنَّ الجَهْمِيَّةَ تَقُوْلُ هَذَا.
قَالَ: لاَ نَقُوْلُ كَمَا قَالَتِ الجَهْمِيَّةُ، هُوَ مَعَنَا هَا هُنَا.
قُلْتُ: الجَهْمِيَّةُ يَقُوْلُوْنَ: إِنَّ البَارِي -تَعَالَى- فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَالسَّلَفُ يَقُوْلُوْنَ: إِنَّ عِلْمَ البَارِي فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ -تَعَالَى-: {وَهُوَ مَعَكُم أَيْنَمَا كُنْتُمْ} [الحَدِيْدُ: 4] يَعْنِي: بِالعِلْمِ، وَيَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ عَلَى عَرْشِهِ اسْتَوَى، كَمَا نَطَقَ بِهِ القُرْآنُ وَالسُّنَّةُ.
وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ - وَهُوَ إِمَام وَقْتِهِ -: كُنَّا - وَالتَّابِعُوْنَ مُتَوَافِرُوْنَ - نَقُوْلُ:
إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- فَوْقَ عَرْشِهِ، وَنُؤمِنُ بِمَا وَردَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ صِفَاتِهِ، وَمَعْلُوْمٌ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ الطَّوَائِفِ أَنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ إِمرَارُ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيْثِهَا كَمَا جَاءتْ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ وَلاَ تَحرِيْفٍ، وَلاَ تَشْبِيْهٍ وَلاَ تَكْيِيفٍ، فَإِنَّ الكَلاَمَ فِي الصِّفَاتِ فَرْعٌ عَلَى الكَلاَمِ فِي الذَّاتِ المُقَدَّسَةِ.
وَقَدْ عَلِمَ المُسْلِمُوْنَ أَنَّ ذَاتَ البَارِي مَوْجُوْدَةٌ حَقِيْقَةٌ، لاَ مِثْلَ لَهَا، وَكَذَلِكَ صِفَاتُهُ -تَعَالَى- مَوْجُوْدَةٌ، لاَ مِثْلَ لَهَا.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ الفَقِيْهُ إِجَازَةً، أَخْبَرَنَا عَبْدُ القَادِرِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي نَصْرٍ بِأَصْبَهَانَ، أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ شَبِيْبٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ اللُّبْنَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فِي كِتَابِ (الرَّدِّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ ) لَهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ
الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، قَالَ:سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ: كَيْفَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَعْرِفَ رَبَّنَا؟
قَالَ: عَلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى عَرْشِه، وَلاَ نَقُوْلُ كَمَا تَقُوْلُ الجَهْمِيَّةُ: إِنَّهُ هَا هُنَا فِي الأَرْضِ.
وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ فِي هَذَا الكِتَاب بِإِسْنَادِهِ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ:
أَنَّ رَجُلاً قَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَدْ خِفْتُ اللهَ -تَعَالَى- مِنْ كَثْرَةِ مَا أَدْعُو عَلَى الجَهْمِيَّةِ.
قَالَ: لاَ تَخَفْ، فَإِنَّهُم يَزْعُمُوْنَ أَنَّ إِلَهَكَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ لَيْسَ بِشَيْءٍ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: كُلُّ حَدِيْثٍ لاَ يَعْرِفُهُ ابْنُ المُبَارَكِ، فَنَحْنُ مِنْهُ بَرَاءٌ.
وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: فِي صَحِيْحِ الحَدِيْثِ شُغْلٌ عَنْ سَقِيْمِهِ.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَحْمَدَ الجُذَامِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِمَادٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ رِفَاعَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الخِلعِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الحَاجِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثنَا العَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ الأَسْفَاطِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ:
سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ قَرَأَ شَيْئاً مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا مَخْلُوْقٌ، فَقَدْ كَفَرَ بِاللهِ العَظِيْمِ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ: قُمْتُ لأَخْرُجَ مَعَ ابْنِ المُبَارَكِ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَذَاكَرَنِي عِنْد البَابِ بِحَدِيْثٍ - أَوْ ذَاكَرْتُهُ - فَمَا زِلْنَا نَتَذَاكَرُ حَتَّى جَاءَ المُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ.وَقَالَ فَضَالَةُ النَّسَائِيُّ: كُنْتُ أُجَالِسُهُم بِالكُوْفَةِ، فَإِذَا تَشَاجَرُوا فِي حَدِيْثٍ، قَالُوا: مُرُّوا بِنَا إِلَى هَذَا الطَّبِيْبِ حَتَّى نَسْأَلَه - يَعنُوْنَ: ابْنَ المُبَارَكِ -.
قَالَ وَهْبُ بنُ زَمْعَةَ المَرْوَزِيُّ: حَدَّثَ جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ بِحَدِيْثٍ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الحَمِيْدِ! تُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ، وَقَدْ لَقِيْتَ مَنْصُوْرَ بنَ المُعْتَمِرِ؟
فَغَضِبَ، وَقَالَ: أَنَا مِثْلُ عَبْدِ اللهِ، أَحْمِلُ عِلْمَ أَهْلِ خُرَاسَانَ، وَعِلمَ أَهْلِ العِرَاقِ، وَأَهْلِ الحِجَازِ، وَأَهْلِ اليَمَنِ، وَأَهْلِ الشَّامِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ لِيَسْمَعَ مِنْهُ، فَأَبَى أَنْ يُحَدِّثَهُ.
فَقَالَ الشَّرِيْفُ لِغُلاَمِهِ: قُمْ، فَإِنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لاَ يَرَى أَنْ يُحَدِّثَنَا.
فَلَمَّا قَامَ لِيَركَبَ، جَاءَ ابْنُ المُبَارَكِ لِيُمْسِكَ بِرِكَابِه، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، تَفْعَلُ هَذَا، وَلاَ تَرَى أَنْ تُحَدِّثَنِي؟
فَقَالَ: أَذِلُّ لَكَ بَدَنِي، وَلاَ أَذِلُّ لَكَ الحَدِيْثَ.
رَوَى المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ المُبَارَكِ - وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَمَّنْ يَأْخُذُ - فَقَالَ:
قَدْ يَلقَى الرَّجُلُ ثِقَةً، وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ، وَقَدْ يَلْقَى الرَّجُلُ غَيْرَ ثِقَةٍ يُحَدِّثُ عَنْ ثِقَةٍ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ: ثِقَةٌ عَنْ ثِقَةٍ.
عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ
ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ قَطُّ: (حَدَّثَنَا) ، كَانَ يَرَى (أَخْبَرَنَا) أَوْسَعَ، وَكَانَ لاَ يَرُدُّ عَلَى أَحَدٍ حَرفاً إِذَا قَرَأَ.وَقَالَ نُعَيْمٌ: مَا رَأَيْتُ أَعقَلَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَلاَ أَكْثَرَ اجْتِهَاداً فِي العِبَادَةِ.
الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ: قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ فِي حَدِيْثِ ثَوْبَانَ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اسْتَقِيْمُوا لِقُرَيْشٍ مَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ ) : يُفَسِّرُهُ حَدِيْثُ أُمِّ سَلَمَةَ: (لاَ تَقْتُلُوْهُمْ مَا صَلَّوْا ) .
وَاحْتَجَّ ابْنُ المُبَارَكِ فِي مَسْأَلَةِ الإِرْجَاءِ، وَأَنَّ الإِيْمَانَ يَتَفَاوَتُ، بِمَا رَوَى عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، عَنْ هُزَيْلِ بنِ شُرَحْبِيْلَ، قَالَ:
قَالَ عُمَرُ: لَوْ وُزِنَ إِيْمَانُ أَبِي بَكْرٍ بِإِيْمَانِ أَهْلِ الأَرْضِ، لَرَجَحَ.
قُلْتُ: مُرَادُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَهْلُ أَرْضِ زَمَانِهِ.
نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:
السَّيْفُ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فِتْنَةٌ، وَلاَ أَقُوْلُ لأَحَدٍ مِنْهُم هُوَ مَفْتُونٌ.
وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَسُئِلَ: مَنِ السِّفْلَةُ؟قَالَ: الَّذِي يَدُورُ عَلَى القُضَاةِ يَطلُبُ الشَّهَادَاتِ.
وَعَنْهُ، قَالَ: إِنَّ البُصرَاءَ لاَ يَأْمنُوْنَ مِنْ أَرْبَعٍ: ذَنْبٍ قَدْ مَضَى لاَ يُدْرَى مَا يَصْنَعُ فِيْهِ الرَّبُّ -عَزَّ وَجَلَّ- وَعُمُرٍ قَدْ بَقِيَ لاَ يُدْرَى مَا فِيْهِ مِنَ الهَلَكَةِ، وَفَضْلٍ قَدْ أُعْطِيَ العَبْدُ لَعَلَّهُ مَكْرٌ وَاسْتِدْرَاجٌ، وَضَلاَلَةٌ قَدْ زُيِّنَتْ، يَرَاهَا هُدَىً، وَزَيْغِ قَلْبٍ سَاعَةً فَقَدْ يُسلَبُ المَرْءُ دِيْنَهُ وَلاَ يَشعُرُ.
قَالَ مَنْصُوْرُ بنُ دِيْنَارٍ؛ صَاحِبُ ابْنِ المُبَارَكِ:
إِنَّ عَبْدَ اللهِ كَانَ يَتَصَدَّقُ لِمُقَامِهِ بِبَغْدَادَ كُلَّ يَوْمٍ بِدِيْنَارٍ.
وَعَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ السُّكَّرِيِّ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ يُعجِبُه إِذَا خَتَمَ القُرْآنَ أَنْ يَكُوْنَ دُعَاؤُهُ فِي السُّجُودِ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ نُوْحٍ المَوْصِلِيُّ: قَدِمَ الرَّشِيْدُ عَيْنَ زَرْبَةَ، فَأَمَرَ أَبَا سُلَيْمٍ أَنْ يَأْتِيَهُ بَابْنِ المُبَارَكِ.
قَالَ: فَقُلْتُ: لاَ آمَنُ أَنْ يُجِيْبَ ابْنُ المُبَارَكِ بِمَا يَكرَهُ، فَيَقتُلُهُ، فَقُلْتُ:
يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! هُوَ رَجُلٌ غَلِيْظُ الطِّبَاعِ، جِلْفٌ.
فَأَمسَكَ الرَّشِيْدُ.
الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَجُلاً يَسْأَلُ ابْنَ المُبَارَكِ عَنِ الرَّجُلِ يَصُوْمُ يَوْماً وَيُفطِرُ يَوْماً.
قَالَ: هَذَا رَجُل يُضِيعُ نِصْفَ عُمُرِهِ، وَهُوَ لاَ يَدْرِي.
يَعْنِي: لِمَ لاَ يَصُوْمُهَا.
قُلْتُ: أَحسِبُ ابْنَ المُبَارَكِ لَمْ يَذْكُرْ حِيْنَئِذٍ حَدِيْثَ: (أَفْضَلُ
الصَّوْمِ صَوْمُ دَاوُدَ ) ، وَلاَ حَدِيْثَ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ.قَالَ أَبُو وَهْبٍ المَرْوَزِيُّ: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ: مَا الكِبْرُ؟
قَالَ: أَنْ تَزْدَرِيَ النَّاسَ.
فَسَأَلْتُهُ عَنِ العُجْبِ؟
قَالَ: أَنْ تَرَى أَنَّ عِنْدَكَ شَيْئاً لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِك، لاَ أَعْلَمُ فِي المُصَلِّيْنَ شَيْئاً شَرّاً مِنَ العُجْبِ.
قَالَ حَاتِمُ بنُ الجَرَّاحِ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ قَرْحَةٍ خَرَجتْ فِي رُكبَتِهِ مُنْذُ سَبْعِ سِنِيْنَ، وَقَدْ عَالَجتُهَا بِأَنْوَاعِ العِلاَجِ، وَسَأَلْتُ الأَطِبَّاءَ، فَلَمْ أَنْتَفِعْ بِهِ.
فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ، فَاحفِرْ بِئْراً فِي مَكَانِ حَاجَةٍ إِلَى المَاءِ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يَنبُعَ هُنَاكَ عَيْنٌ، وَيُمْسِكَ عَنْكَ الدَّمَ.
فَفَعَلَ الرَّجُلُ، فَبَرَأَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يُحَدِّثُ مِنَ الكِتَابِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ سَقطٌ كَثِيْرٌ، وَكَانَ وَكِيْعٌ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ، فَكَانَ يَكُوْنُ لَهُ سَقطٌ كَمْ يَكُوْنُ حَفِظُ الرَّجُلِ.
وَرَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ قِيْلَ لَهُ: إِلَى مَتَى تَكتُبُ العِلْمَ؟
قَالَ: لَعَلَّ الكَلِمَةَ الَّتِي أَنْتَفِعُ بِهَا لَمْ أَكتُبْهَا بَعْدُ.
قَالَ عَمْرٌو النَّاقِدُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ:
مَا قَدِمَ عَلَيْنَا أَحَدٌ يُشْبِهُ ابْنَ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنَ أَبِي زَائِدَةَ.
وَقَالَ مَخْلَدُ بنُ الحُسَيْنِ: جَالَسْتُ أَيُّوْبَ، وَابْنَ عَوْنٍ، فَلَمْ أَجِدْ فِيْهِم مَنْ أُفَضِّلُهُ عَلَى ابْنِ المُبَارَكِ.قَالَ عَبْدَانُ: قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ - وَذَكَرَ التَّدْلِيسَ - فَقَالَ فِيْهِ قَوْلاً شَدِيْداً، ثُمَّ أَنْشَدَ:
دَلَّسَ لِلنَّاسِ أَحَادِيْثَهُ ... وَاللهُ لاَ يَقْبَلُ تَدْلِيْسَا
عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: مَنِ اسْتَخَفَّ بِالعُلَمَاءِ، ذَهَبتْ آخِرَتُهُ، وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِالأُمَرَاءِ، ذَهَبتْ دُنْيَاهُ، وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِالإِخْوَانِ، ذَهَبتْ مُرُوءتُهُ.
قَدْ أَسلَفْنَا لِعَبْدِ اللهِ مَا يَدلُّ عَلَى فُرُوْسِيَّتِه.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سِنَانٍ، قَالَ:
كُنْتُ مَعَ ابْنِ المُبَارَكِ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ بِطَرَسُوْسَ، فَصَاحَ النَّاسُ: النَّفِيرُ.
فَخَرَجَ ابْنُ المُبَارَكِ، وَالنَّاسُ، فَلَمَّا اصطَفَّ الجَمْعَانِ، خَرَجَ رُوْمِيٌّ، فَطَلَبَ البِرَازَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَشَدَّ العِلْجُ عَلَيْهِ، فَقَتَلَهُ، حَتَّى قَتَلَ سِتَّةً مِنَ المُسْلِمِيْنَ، وَجَعَلَ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ يَطلُبُ المُبَارَزَةَ، وَلاَ يَخْرُجُ إِلَيْهِ أَحَدٌ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ ابْنُ المُبَارَكِ، فَقَالَ: يَا فُلاَنُ! إِنْ قُتِلْتُ، فَافعَلْ كَذَا وَكَذَا.
ثُمَّ حَرَّكَ دَابَّتَه، وَبَرَزَ لِلْعِلْجِ، فَعَالَجَ مَعَهُ سَاعَةً، فَقَتَلَ العِلْجَ، وَطَلَبَ المُبَارَزَةَ، فَبَرَزَ لَهُ عِلْجٌ آخَرُ، فَقَتَلَهُ، حَتَّى قَتَلَ سِتَّةَ عُلُوجٍ، وَطَلَبَ البِرَازَ، فَكَأَنَّهُم كَاعُوا عَنْهُ،
فَضَرَبَ دَابَّتَه، وَطَرَدَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، ثُمَّ غَابَ، فَلَمْ نَشْعُرْ بِشَيْءٍ، وَإِذَا أَنَا بِهِ فِي المَوْضِعِ الَّذِي كَانَ، فَقَالَ لِي:يَا عَبْدَ اللهِ! لَئِنْ حَدَّثتَ بِهَذَا أَحَداً، وَأَنَا حَيٌّ ... ، فَذَكَرَ كَلِمَةً.
قَالَ أَبُو صَالِحٍ الفَرَّاءُ: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ عَنْ كِتَابَةِ العِلْمِ، فَقَالَ: لَوْلاَ الكِتَابُ مَا حَفِظْنَا.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: الحِبْرُ فِي الثَّوْبِ خَلُوْقُ العُلَمَاءِ.
وَقَالَ: تَوَاطُؤُ الجِيْرَانِ عَلَى شَيْءٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ ابْنَ المُبَارَكِ مَرَّ بِرَاهِبٍ عِنْدَ مَقْبُرَةٍ وَمَزْبَلَةٍ، فَقَالَ:
يَا رَاهِبُ، عِنْدَكَ كَنْزُ الرِّجَالِ، وَكَنْزُ الأَمْوَالِ، وَفِيْهِمَا مُعْتَبَرٌ.
وَقَدْ تَفَقَّهَ ابْنُ المُبَارَكِ بِأَبِي حَنِيْفَةَ، وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِي تَلاَمِذَتِهِ.
وَكَانَ عَبْدُ اللهِ غَنِيّاً، شَاكِراً، رَأْسُ مَالِهِ نَحْوُ الأَرْبَعِ مائَةِ أَلْفٍ.
قَالَ حِبَّانُ بنُ مُوْسَى: رَأَيْتُ سُفرَةَ ابْنِ المُبَارَكِ حُمِلَتْ عَلَى عَجَلَةٍ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيُّ: رَأَيْتُ بَعِيْرَيْنِ مُحَمَّلَيْنِ دَجَاجاً مَشْوِياً لِسُفْرَةِ ابْنِ المُبَارَكِ.
وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَهْمٍ، قَالَ:
كُنْتُ مَعَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَكَانَ يَأْكُلُ كُلَّ يَوْمٍ، فَيُشْوَى لَهُ جَدْيٌ، وَيُتَّخَذُ لَهُ فَالُوذَقُ، فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ:
إِنِّيْ دَفَعتُ إِلَى وَكِيلِي أَلْفَ دِيْنَارٍ، وَأَمَرتُهُ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْنَا.
قَالَ الحَسَنُ بنُ حَمَّادٍ: دَخَلَ أَبُو أُسَامَةَ عَلَى ابْنِ المُبَارَكِ، فَوَجَدَ فِي
وَجْهِه عَبْدُ اللهِ أَثَرَ الضُّرِّ، فَلَمَّا خَرَجَ، بَعَثَ إِلَيْهِ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ:وَفَتَىً خَلاَ مِنْ مَالِهِ ... وَمِنَ المُرُوءةِ غَيْرُ خَالِ
أَعْطَاكَ قَبْلَ سُؤَالِهِ ... وَكَفَاكَ مَكْرُوهَ السُّؤَالِ
وَقَالَ المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: أَرْسَلَ ابْنُ المُبَارَكِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: سُدَّ بِهَا فِتْنَةَ القَوْمِ عَنْكَ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَمَ: قُلْتُ لِعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ:
كَيْفَ فَضَلَكُمُ ابْنُ المُبَارَكِ، وَلَمْ يَكُنْ بِأَسَنَّ مِنْكُم؟
قَالَ: كَانَ يَقْدَمُ، وَمَعَهُ الغِلْمَةُ الخُرَاسَانِيَّةُ، وَالبِزَّةُ الحَسَنَةُ، فَيَصِلُ العُلَمَاءَ، وَيُعْطِيْهِم، وَكُنَّا لاَ نَقدِرُ عَلَى هَذَا.
قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: قَدِمَ ابْنُ المُبَارَكِ أَيْلَةَ عَلَى يُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ، وَمَعَهُ غُلاَمٌ مُفرَّغٌ لِعَمَلِ الفَالُوذَجِ، يَتَّخِذُهُ لِلْمُحَدِّثِيْنَ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي الخَيْرِ فِي كِتَابِهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (البَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ ) .
فَقُلْتُ لِلْوَلِيْدِ: أَيْنَ سَمِعْتَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ؟
قَالَ: فِي الغَزْوِ.
عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: لِيَكُنْ مَجْلِسُكَ مَعَ المَسَاكِيْنِ، وَاحْذَرْ أَنْ تَجلِسَ مَعَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ.قَالَ الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ: لَمَّا احْتُضِرَ ابْنُ المُبَارَكِ فِي السَّفَرِ، قَالَ: أَشْتَهِي سَوِيْقاً.
فَلَمْ نَجِدْه إِلاَّ عِنْدَ رَجُلٍ كَانَ يَعْمَلُ لِلسُّلْطَانِ، وَكَانَ مَعَنَا فِي السَّفِيْنَةِ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِعَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: دَعُوْهُ.
فَمَاتَ وَلَمْ يَشْرَبْهُ.
قَالَ العَلاَءُ بنُ الأَسْوَدِ: ذُكِرَ جَهْمٌ عِنْدَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَقَالَ:
عَجِبتُ لِشَيْطَانٍ أَتَى النَّاسَ دَاعِياً ... إِلَى النَّارِ وَانشَقَّ اسْمُهُ مِنْ جَهَنَّمِ
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا نَزَلَ بِأَهْلِهِ الضِّيْقُ، أَمَرَهُمْ بِالصَّلاَةِ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا، لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً، نَحْنُ نَرْزُقُكَ}.
هَذَا مُرْسَلٌ، قَدِ انْقَطَع فِيْهِ مَا بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَجَدِّ أَبِيْهِ عَبْدِ اللهِ.
وَقَدْ كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ -رَحِمَهُ اللهُ- شَاعِراً، مُحْسِناً، قَوَّالاً بِالحَقِّ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ جَمِيْلٍ المَرْوَزِيُّ: قِيْلَ لابْنِ المُبَارَكِ:
إِنَّ إِسْمَاعِيْلَ بنَ عُلَيَّةَ قَدْ وَلِي القَضَاءَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ:
يَا جَاعِلَ العِلْمِ لَهُ بَازِياً ... يَصْطَادُ أَمْوَالَ المَسَاكِيْنِ
احْتَلْتَ لِلدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا ... بِحِيْلَةٍ تَذْهَبُ بِالدِّيْنِفِصِرتَ مَجْنُوْناً بِهَا بَعْد مَا ... كُنْتَ دَوَاءً لِلمَجَانِيْنِ
أَيْنَ رِوَايَاتُكَ فِي سَرْدِهَا ... عَنِ ابْنِ عَوْنٍ وَابْنِ سِيْرِيْنِ
أَيْنَ رِوَايَاتُكَ فِيْمَا مَضَى ... فِي تَرْكِ أَبْوَابِ السَّلاَطِيْنِ
إِنْ قُلْتَ: أُكْرِهْتُ، فَمَاذَا كَذَا ... زَلَّ حِمَارُ العِلْمِ فِي الطِّيْنِ
وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ قَاضِي نَصِيْبِيْنَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي سُكَيْنَةَ، قَالَ:
أَمْلَى عَلَيَّ ابْنُ المُبَارَكِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَأَنفَذَهَا مَعِي إِلَى الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ مِنْ طَرَسُوْسَ:
يَا عَابِدَ الحَرَمِيْنِ لَوْ أَبْصَرْتَنَا ... لَعَلِمْتَ أَنَّكَ فِي العِبَادَةِ تَلْعَبُ
مَنْ كَانَ يَخْضِبُ جِيْدَهُ بِدُمُوْعِهِ ... فَنُحُوْرُنَا بِدِمَائِنَا تَتَخَضَّبُ
أَوْ كَانَ يُتْعِبُ خَيْلَهُ فِي بَاطِلٍ ... فَخُيُوْلُنَا يَوْمَ الصَّبِيْحَةِ تَتْعَبُ
رِيْحُ العَبِيْرِ لَكُمْ وَنَحْنُ عَبِيْرُنَا ... رَهَجُ السَّنَابِكِ وَالغُبَارُ الأَطْيَبُ
وَلَقَدْ أَتَانَا مِنْ مَقَالِ نَبِيِّنَا ... قَوْلٌ صَحِيْحٌ صَادِقٌ لاَ يُكْذَبُ:
لاَ يَسْتَوِي وَغُبَارُ خَيْلِ اللهِ فِي ... أَنْفِ امْرِئٍ وَدُخَانُ نَارٍ تَلهبُ
هَذَا كِتَابُ اللهِ يَنْطِقُ بَيْنَنَا ... لَيْسَ الشَّهِيْدُ بِمَيِّتٍ لاَ يُكْذَبُ
فَلَقِيْتُ الفُضَيْلَ بِكِتَابِهِ فِي الحَرَمِ، فَقَرَأَهُ، وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَنَصَحَ.قَالَ ابْنُ سَهْمٍ الأَنْطَاكِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يُنْشِدُ:
فَكَيْفَ قَرَّتْ لأَهْلِ العِلْمِ أَعْيُنُهُم ... أَوِ اسْتَلَذُّوا لَذِيذَ النَّوْمِ أَوْ هَجَعُوا
وَالنَّارُ ضَاحِيَةٌ لاَ بُدَّ مَوْرِدُهَا ... وَلَيْسَ يَدْرُوْنَ مَنْ يَنْجُو وَمَنْ يَقَعُ
وَطَارَتِ الصُّحْفُ فِي الأَيْدِي مُنَشَّرَةً ... فِيْهَا السَّرَائِرُ وَالجَبَّارُ مُطَّلِعُ
إِمَّا نَعِيْمٌ وَعَيْشٌ لاَ انْقِضَاءَ لَهُ ... أَوِ الجَحِيمُ فَلاَ تُبْقِي وَلاَ تَدَعُ
تَهْوِي بِسَاكِنِهَا طَوْراً وَتَرْفَعُهُ ... إِذَا رَجَوْا مَخْرَجاً مِنْ غَمِّهَا قُمِعُوا
لِيَنْفَعِ العِلْمُ قَبْلَ المَوْتِ عَالِمَهُ ... قَدْ سَالَ قَوْمٌ بِهَا الرُّجْعَى فَمَا رَجَعُوا
وَرَوَى: إِسْحَاقُ بنُ سُنَيْنٍ لابْنِ المُبَارَكِ:
إِنِّيْ امْرُؤٌ لَيْسَ فِي دِيْنِي لِغَامِزِه ... لِيْنٌ، وَلَسْتُ عَلَى الإِسْلاَمِ طَعَّانَا
فَلاَ أَسُبُّ أَبَا بَكْرٍ وَلاَ عُمَراً ... وَلَنْ أَسُبَّ - مَعَاذَ اللهِ - عُثْمَانَا
وَلاَ ابْنَ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ أَشْتِمُهُ ... حَتَّى أُلَبَّسَ تَحْتَ التُّربِ أَكْفَانَا
وَلاَ الزُّبَيْرَ حَوَارِيَّ الرَّسُوْلِ، وَلاَ ... أُهْدِي لِطَلْحَةَ شَتْماً عَزَّ أَوْ هَانَاوَلاَ أَقُوْلُ: عَلِيٌّ فِي السَّحَابِ، إِذاً ... قَدْ قُلْتُ -وَاللهِ- ظُلْماً ثُمَّ عُدْوَانَا
وَلاَ أَقُوْلُ بِقَوْلِ الجَهْمِ، إِنَّ لَهُ ... قَوْلاً يُضَارِعُ أَهْلَ الشِّركِ أَحْيَانَا
وَلاَ أَقُوْلُ: تَخَلَّى مِنْ خَلِيقَتِهِ ... رَبُّ العِبَادِ وَوَلَّى الأَمْرَ شَيْطَانَا
مَا قَالَ فِرْعَوْنُ هَذَا فِي تَمَرُّدِهِ ... فِرْعَوْنُ مُوْسَى وَلاَ هَامَانُ طُغْيَانَا
اللهُ يَدْفَعُ بِالسُّلْطَانِ مُعْضِلَةً ... عَنْ دِيْنِنَا رَحْمَةً مِنْهُ وَرِضْوَانَا
لَوْلاَ الأَئِمَّةُ لَمْ تَأْمَنْ لَنَا سُبُلٌ ... وَكَانَ أَضْعَفُنَا نَهْباً لأَقْوَانَا
فَيُقَالُ: إِنَّ الرَّشِيْدَ أَعْجَبَهُ هَذَا، فَلَمَّا أَن بَلَغَهُ مَوْتُ ابْنِ المُبَارَكِ بِهِيْتَ، قَالَ:
إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ، يَا فَضْلُ! إِيْذَنْ لِلنَّاسِ يُعَزُّونَا فِي ابْنِ المُبَارَكِ.
وَقَالَ: أَمَا هُوَ القَائِلُ:
اللهُ يَدفَعُ بِالسُّلْطَان مُعْضِلَةً ... ...
فَمَنِ الَّذِي يَسْمَعُ هَذَا مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَلاَ يَعْرِفُ حَقَّنَا؟
قَالَ الكُدَيْمِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ فُضَيلِ
بنِ عِيَاضٍ وَعِنْدَهُ ابْنُ المُبَارَكِ، فَقَالَ قَائِلٌ: إِنَّ أَهْلَكَ وَعِيَالَكَ قَدِ احْتَاجُوا مَجْهُوْدِيْنَ مُحْتَاجِينَ إِلَى هَذَا المَالِ، فَاتَّقِ اللهَ، وَخُذْ مِنْ هَؤُلاَءِ القَوْمِ.فَزَجَرَهُ ابْنُ المُبَارَكِ، وَأَنْشَأَ يَقُوْلُ:
خُذْ مِنَ الجَارُوْشِ وَال ـ ... آرُزِّ وَالخُبْزِ الشَّعِيْرِ
وَاجْعَلَنْ ذَاكَ حَلاَلاً ... تَنْجُ مِنْ حَرِّ السَّعِيْرِ
وَانْأَ مَا اسْطَعْتَ هَدَا ... كَ اللهُ عَنْ دَارِ الأَمِيْرِ
لاَ تَزُرْهَا وَاجْتَنِبْهَا ... إِنَّهَا شَرُّ مَزُورِ
تُوهِنُ الدِّيْنَ وَتُدْ ... نِيْكَ مِنَ الحُوبِ الكَبِيْرِ
قَبْلَ أَنْ تَسْقُطَ يَا ... مَغْرُوْرُ فِي حُفْرَةِ بِيْرِ
وَارْضَ - يَا وَيْحَكَ! - مِنْ ... دُنْيَاكَ بِالقُوتِ اليَسِيْرِ
إِنَّهَا دَارُ بَلاَءٍ ... وَزَوَالٍ وَغُرُوْرِ
مَا تَرَى قَدْ صَرَعَتْ ... قَبْلَكَ أَصْحَابَ القُصُوْرِ؟
كَمْ بِبَطْنِ الأَرْضِ مِنْ ... ثَاوٍ شَرِيْفٍ وَوَزِيْرِ؟
وَصَغِيْرِ الشَّأْنِ عَبْدٍ ... خَامِلِ الذِّكرِ حَقِيْرِ؟
لَوْ تَصَفَّحتَ وُجُو ... هَ القَوْمِ فِي يَوْمٍ نَضِيْرِ
لَمْ تُمَيِّزْهُم، وَلَم ... تَعْرِفْ غَنِيّاً مِنْ فَقِيْرِ
خَمَدُوا فَالقَوْمُ صَرْعَى ... تَحْتَ أَشقَاقِ الصُّخُورِ
وَاسْتَوَوْا عِنْدَ مَلِيكٍ ... بِمَسَاوِيهِم خَبِيْرِ
احْذَرِ الصَّرْعَةَ يَا ... مِسْكِيْنُ مِنْ دَهْرٍ عَثُورِ
أَيْنَ فِرْعَوْنُ وَهَا ... مَانُ وَنُمْرُودُ النُّسُورِ؟
أَوَ مَا تَخْشَاهُ أَنْ ... يَرْمِيكَ بِالمَوْتِ المُبِيْرِ؟
أَوَ مَا تَحْذَرُ مِنْ ... يَوْمٍ عَبُوْسٍ قَمْطَرِيْرِ؟
اقْمَطرَّ الشَّرُّ فِيْهِ ... بِعَذَابِ الزَّمْهرِيْرِ
قَالَ: فَغُشِيَ عَلَى الفُضَيْلِ، فَردَّ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْخُذْه.وَلابْنِ المُبَارَكِ:
جَرَّبتُ نَفْسِي فَمَا وَجَدْتُ لَهَا ... مِنْ بَعْدِ تَقْوَى الإِلَهِ كَالأَدَبِ
فِي كُلِّ حَالاَتِهَا وَإِنْ كَرِهَتْ ... أَفْضَلَ مِنْ صَمْتِهَا عَنِ الكَذِبِ
أَوْ غِيْبَةِ النَّاسِ إِنَّ غِيْبَتَهُم ... حَرَّمَهَا ذُو الجَلاَلِ فِي الكُتُبِ
قُلْتُ لَهَا طَائِعاً وَأُكْرِهُهَا ... : الحِلْمُ وَالعِلْمُ زَيْنُ ذِي الحَسَبِ
إِنْ كَانَ مِنْ فِضَّةٍ كَلاَمُكِ يَا ... نَفْسُ، فَإِنَّ السُّكُوتَ مِنْ ذَهَبِ
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: أَنْشَدَنِي يَعْقُوْبُ بنُ مُحَمَّدٍ لابْنِ المُبَارَكِ:
أَبِإِذْنٍ نَزَلْتَ بِي يَا مَشِيْبُ ... أَيُّ عَيْشٍ وَقَدْ نَزَلْتَ يَطِيْبُ؟
وَكَفَى الشَّيْبُ وَاعِظاً غَيْرَ أَنِّي ... آمُلُ العَيْشَ وَالمَمَاتُ قَرِيْبُ
كَمْ أُنَادِي الشَّبَابَ إِذْ بَانَ مِنِّي ... وَنِدَائِي مُوَلِّياً مَا يُجِيْبُ
وَبِهِ:
يَا عَائِبَ الفَقْرِ أَلاَ تَزْدَجِرْ؟ ... عَيْبُ الغِنَى أَكْثَرُ لَوْ تَعْتَبِرْ
مِنْ شَرَفِ الفَقْرِ وَمِنْ فَضْلِهِ ... عَلَى الغِنَى لَوْ صَحَّ مِنْكَ النَّظَرْ
أَنَّكَ تَعْصِي لِتَنَالَ الغِنَى ... وَلَيْسَ تَعْصِي اللهَ كِي تَفْتَقِرْ
قَالَ حِبَّانُ بنُ مُوْسَى: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يُنشِدُ:
كَيْفَ القَرَارُ وَكَيْفَ يَهْدَأُ مُسْلِمٌ ... وَالمُسْلِمَاتُ مَعَ العَدُوِّ المُعْتَدِي؟
الضَّارِبَاتُ خُدُوْدَهُنَّ بِرَنَّةٍ ... الدَّاعِيَاتُ نَبِيَّهُنَّ مُحَمَّدِ
القَائِلاَتُ إِذَا خَشِيْنَ فَضِيحَةً ... جَهدَ المَقَالَةِ: لَيْتَنَا لَمْ نُولَدِ
مَا تَسْتَطِيْعُ وَمَا لَهَا مِنْ حِيْلَةٍ ... إِلاَّ التَّسَتُّرُ مِنْ أَخِيْهَا بِاليَدِ
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيُّ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَانْهَدَّ القَهَنْدَزُ، فَأَتَى بِسِنَّيْنِ، فَوُجِدَ وَزْنُ أَحَدِهِمَا مَنَوَانِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ:أَتَيْتُ بِسِنَّيْنِ قَدْ رُمَّتَا ... مِنَ الحِصْنِ لَمَّا أَثَارُوا الدَّفِيْنَا
عَلَى وَزْنِ مَنَوَيْنِ، إِحْدَاهُمَا ... تُقِلُّ بِهِ الكَفُّ شَيْئاً رَزِيْنَا
ثَلاَثُوْنَ سِنّاً عَلَى قَدْرِهَا ... تَبَارَكْتَ يَا أَحسَنَ الخَالِقِيْنَا!
فَمَاذَا يَقُوْمُ لأَفْوَاهِهَا ... وَمَا كَانَ يَمْلأُ تِلْكَ البُطُونَا
إِذَا مَا تَذَكَّرْتُ أَجسَامَهُم ... تَصَاغَرَتِ النَّفْسُ حَتَّى تَهُوْنَا
وَكُلٌّ عَلَى ذَاكَ ذَاقَ الرَّدَى ... فَبَادُوا جَمِيْعاً، فَهُم هَامِدُوْنَا
وَجَاءَ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ - وَيُقَالُ: بَلْ هِيَ لِحَمِيْدٍ النَّحْوِيِّ -:
اغْتَنِمْ رَكْعَتَيْنِ زُلفَى إِلَى اللهِ ... إِذَا كُنْتَ فَارِغاً مُسْتَرِيْحَا
وَإِذَا مَا هَمَمْتَ بِالنُّطْقِ بِالبَاطِلِ ... فَاجْعلْ مَكَانَهُ تَسْبِيْحَا
فَاغْتِنَامُ السُّكُوتِ أَفْضَلُ مِنْ ... خَوْضٍ، وَإِنْ كُنْتَ بِالكَلاَمِ فَصِيْحَا
وَسَمِعَ بَعْضُهُم ابْنَ المُبَارَكِ وَهُوَ يُنْشِدُ عَلَى سُوْرِ طَرَسُوْسَ:
وَمِنَ البَلاَءِ وَلِلْبَلاَءِ عَلاَمَةٌ ... أَنْ لاَ يُرَى لَكَ عَنْ هَوَاكَ نُزُوعُ
العَبْدُ عَبْدُ النَّفْسِ فِي شَهَوَاتِهَا ... وَالحُرُّ يَشْبَعُ مَرَّةً وَيَجُوْعُ
قَالَ أَبُو أُمَيَّةَ الأَسْوَدُ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:
أُحِبُّ الصَّالِحِيْنَ وَلَسْتُ مِنْهُم، وَأُبْغِضُ الطَّالِحِيْنَ وَأَنَا شَرٌّ مِنْهُم، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُوْلُ:
الصَّمْتُ أَزْيَنُ بِالفَتَى ... مِنْ مَنْطِقٍ فِي غَيْرِ حِيْنِهِوَالصِّدْقُ أَجْمَلُ بِالفَتَى ... فِي القَوْلِ عِنْدِي مِنْ يَمِيْنِهِ
وَعَلَى الفَتَى بِوَقَارِهِ ... سِمَةٌ تَلُوحُ عَلَى جَبِيْنِهِ
فَمَنِ الَّذِي يَخفَى عَلَي ـ ... ـكَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَى قَرِيْنِهِ
رُبَّ امْرِئٍ مُتَيَقِّنٍ ... غَلَبَ الشَّقَاءُ عَلَى يَقِيْنِهِ
فَأَزَالَهُ عَنْ رَأْيِهِ ... فَابْتَاعَ دُنْيَاهُ بِدِيْنِهِ
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:
لَمَّا احْتُضِرَ ابْنُ المُبَارَكِ، جَعَلَ رَجُلٌ يُلَقِّنُهُ، قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ.
فَأَكْثَرَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: لَسْتَ تُحْسِنُ، وَأَخَافُ أَنْ تُؤْذِيَ مُسْلِماً بَعْدِي، إِذَا لَقَّنْتَنِي، فَقُلْتُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، ثُمَّ لَمْ أُحْدِثْ كَلاَماً بَعْدَهَا، فَدَعْنِي، فَإِذَا أَحْدَثْتُ كَلاَماً، فَلَقِّنِّي حَتَّى تَكُوْنَ آخِرَ كَلاَمِي.
يُقَالُ: إِنَّ الرَّشِيْدَ لَمَّا بَلَغَهُ مَوْتُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: مَاتَ اليَوْمَ سَيِّدُ العُلَمَاءِ.
قَالَ عَبْدَانُ بنُ عُثْمَانَ: مَاتَ ابْنُ المُبَارَكِ بِهِيْتَ وَعَانَاتَ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ حَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ: قَالَ لِي ابْنُ المُبَارَكِ قَبْلَ أَنْ يَمُوْتَ: أَنَا ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ذَهَبْتُ لأَسْمَعَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، فَلَمْ أُدْرِكْهُ، وَكَانَ قَدْ قَدِمَ بَغْدَادَ، فَخَرَجَ إِلَى الثَّغْرِ، وَلَمْ أَرَهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ: رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ فِي النَّومِ، فَقُلْتُ: أَيُّ العَمْلِ أَفْضَلُ؟قَالَ: الأَمْرُ الَّذِي كُنْتُ فِيْهِ.
قُلْتُ: الرِّبَاطُ وَالجِهَادُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَمَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟
قَالَ: غَفَرَ لِي مَغْفِرَةً مَا بَعْدَهَا مَغْفِرَةٌ.
رَوَاهَا: رَجُلاَنِ، عَنْ مُحَمَّدٍ.
وَقَالَ العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّسَفِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ وَاقِفاً عَلَى بَابِ الجَنَّةِ، بِيَدِهِ مِفْتَاحٌ، فَقُلْتُ: مَا يُوقِفُكَ هَهُنَا؟
قَالَ: هَذَا مِفْتَاحُ الجَنَّةِ، دَفَعَهُ إِلَيَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: حَتَّى أَزُورَ الرَّبَّ، فَكُنْ أَمِيْنِي فِي السَّمَاءِ، كَمَا كُنْتَ أَمِيْنِي فِي الأَرْضِ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَصِّيْصِيُّ: رَأَيْتُ الحَارِثَ بنَ عَطِيَّةَ فِي النَّومِ، فَسَأَلتُهُ، فَقَالَ: غَفَر لِي.
قُلْتُ: فَابْنُ المُبَارَكِ؟
قَالَ: بَخٍ بَخٍ، ذَاكَ فِي عِلِّيِّينَ، مِمَّنْ يَلِجُ عَلَى اللهِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ.
وَعَنْ نَوْفَلٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ فِي النَّومِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟
قَالَ: غَفَرَ لِي بِرِحْلَتِي فِي الحَدِيْثِ، عَلَيْكَ بِالقُرْآنِ، عَلَيْكَ بِالقُرْآنِ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ السَّوَاقُ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، قَالَ:
رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟
قَالَ: غَفَرَ لِي بِرِحْلَتِي.
قَالَ النَّسَائِيُّ: أَثْبَتُ النَّاسِ فِي الأَوْزَاعِيِّ: عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ.
قَالَ الفَسَوِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) : سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الرَّبِيْعِ يَقُوْلُ:
شَهِدْتُ مَوْتَ ابْنِ المُبَارَكِ، مَاتَ لِعَشْرٍ مَضَى مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَمَاتَ سَحَراً، وَدَفَنَّاهُ بِهِيْتَ.
وَلبَعْضِ الفُضَلاَءِ:
مَرَرْتُ بِقَبْرِ ابْنِ المُبَارَكِ غَدْوَةً ... فَأَوْسَعَنِي وَعْظاً وَلَيْسَ بِنَاطِقِ
وَقَدْ كُنْتُ بِالعِلْمِ الَّذِي فِي جَوَانِحِي ... غَنِيّاً وَبِالشَّيْبِ الَّذِي فِي مَفَارِقِيوَلَكِنْ أَرَى الذِّكْرَى تُنَبِّهُ عَاقِلاً ... إِذَا هِيَ جَاءتْ مِنْ رِجَالِ الحَقَائِقِ
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ الطَّائِيِّ، أَخْبَرَكُمُ القَاضِي أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ مُميلٍ الشَّافِعِيُّ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ بِمَنْزِلِهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيٍّ الخَرَقِيُّ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ السُّوْسِيُّ، أَخْبَرَنَا سَهْلُ بنُ بِشْرٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُنِيْرٍ الخَلاَّلُ، حَدَّثَنِي خَالِي أَحْمَدُ بنُ عَتِيْقٍ الخَشَّابُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الأَصْبَغِ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بنُ مَرْثَدٍ، سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ الفَرَّاءَ، سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:
المَرْءُ مِثْلُ هِلاَلٍ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ ... يَبدُو ضَئِيْلاً تَرَاهُ ثُمَّ يَتَّسِقُ
حَتَّى إِذَا مَا تَرَاهُ ثُمَّ أَعقَبَهُ ... كَرُّ الجَدِيْدَيْنِ نَقْصاً ثُمَّ يَمَّحِقُ
مِنْ (تَارِيْخِ أَبِي عُمَرَ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ الصَّدَفِيِّ) : مُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى اللَّيْثِيِّ، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ مَالِكٍ، فَاسْتُؤْذِنَ لِعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ بِالدُّخُولِ، فَأَذِنَ لَهُ، فَرَأَيْنَا مَالِكاً تَزَحزَحَ لَهُ فِي مَجْلِسِهِ، ثُمَّ أَقعَدَهُ بِلصْقِهِ، وَمَا رَأَيْتُ مَالِكاً تَزَحزَحَ لأَحَدٍ فِي مَجْلِسِهِ غَيْرِه، فَكَانَ القَارِئُ يَقْرَأُ عَلَى مَالِكٍ، فَرُبَّمَا مَرَّ بِشَيْءٍ، فَيَسْأَلُهُ مَالِكٌ: مَا مَذْهَبُكُم فِي هَذَا؟ أَوْ: مَا عِنْدَكُم فِي هَذَا؟
فَرَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يُجَاوِبُه، ثُمَّ قَامَ، فَخَرَجَ، فَأُعْجِبَ مَالِكٌ بِأَدَبِهِ، ثُمَّ قَالَ لَنَا مَالِكٌ: هَذَا ابْنُ المُبَارَكِ فَقِيْهُ خُرَاسَانَ.
عَنِ المُسَيَّبِ بنِ وَاضِحٍ، قَالَ: أَرْسَلَ ابْنُ المُبَارَكِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: سُدَّ بِهَذِهِ فِتْنَةَ القَوْمِ عَنْكَ.
وَسُئِلَ ابْنُ المُبَارَكِ بِحُضُوْرِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ:
إِنَّا نُهِيْنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ عِنْد أَكَابِرِنَا.
قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يُحَدِّثُ مِنْ كِتَابٍ، وَمَنْ حَدَّثَ مِنْ كِتَابٍ، لاَ يَكَادُ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ سَقطٌ كَثِيْرٌ.وَكَانَ وَكِيْعٌ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ، فَكَانَ يَكُوْنُ لَهُ سَقَطٌ، كَمْ يَكُوْنُ حِفْظُ الرَّجُلِ؟
الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، عَالِمُ زَمَانِهِ، وَأَمِيْرُ الأَتْقِيَاءِ فِي وَقْتِهِ،
أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَنْظَلِيُّ مَوْلاَهُم، التُّرْكِيُّ، ثُمَّ المَرْوَزِيُّ، الحَافِظُ، الغَازِي، أَحَدُ الأَعْلاَمِ، وَكَانَتْ أُمُّهُ خُوَارِزْميَّةٌ.مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
فَطَلَبَ العِلْمَ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً.
فَأَقْدَمُ شَيْخٍ لَقِيَهُ: هُوَ الرَّبِيْعُ بنُ أَنَسٍ الخُرَاسَانِيُّ، تَحَيَّلَ وَدَخَلَ إِلَيْهِ إِلَى السِّجنِ، فَسمِعَ مِنْهُ نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً، ثُمَّ ارْتَحَلَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، وَأَخَذَ عَنْ بقَايَا التَّابِعِيْنَ، وَأَكْثَرَ مِنَ التَّرْحَالِ وَالتَّطْوَافِ، وَإِلَى أَنْ مَاتَ فِي طَلَبِ العِلْمِ، وَفِي الغَزْوِ، وَفِي التِّجَارَةِ، وَالإِنفَاقِ عَلَى الإِخْوَانِ فِي اللهِ، وَتَجهِيزِهِم مَعَهُ إِلَى الحَجِّ.
سَمِعَ مِنْ: سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالجُرَيْرِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَالأَعْمَشِ، وَبُرِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُردَةَ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَوْنٍ، وَمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَأَجْلَحَ الكِنْدِيِّ، وَحُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، وَحَنْظَلَةَ السَّدُوْسِيِّ، وَحَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ المِصْرِيِّ، وَكَهْمَسٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَيُوْنُسَ الأَيْلِيِّ، وَالحَمَّادَيْنِ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ،
وَهُشَيْمٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَبَقِيَّةَ بنِ الوَلِيْدِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.وَصنَّفَ التَّصَانِيْفَ النَّافِعَةَ الكَثِيْرَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مَعْمَرٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَطَائِفَةٌ مِنْ شُيُوْخِه، وَبَقِيَّةُ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَقرَانِهِ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ، وَالقَطَّانُ، وَعَفَّانُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَحِبَّانُ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَأَبُو سَلَمَةَ المِنْقَرِيُّ، وَمُسْلِمٌ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَبْدَانُ، وَالحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ البُوْرَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَالحَسَنُ بنُ عِيْسَى بنِ مَاسَرْجِسَ، وَالحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ المَرْوَزِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُجَشِّرٍ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَأُمَمٌ يَتَعَذَّرُ إِحصَاؤُهُم، وَيَشُقُّ اسْتِقصَاؤُهُم.
وَحَدِيْثُهُ حُجَّةٌ بِالإِجْمَاعِ، وَهُوَ فِي المَسَانِيْدِ وَالأُصُوْلِ.
وَيقعُ لَنَا حَدِيْثُهُ عَالِياً، وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ بِالإِجَازَةِ العَالِيَةِ سِتَّةُ أَنْفُسٍ.
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَعِدَّةٌ، عَنْ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ كُلَيْبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ بَيَانٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ الأَيْلِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، قَالَ: إِنَّمَا كَانَتِ الفُتْيَا فِي (المَاءُ مِنَ المَاءِ) رُخصَةً فِي أَوَّلِ الإِسْلاَمِ، ثُمَّ نُهِيَ عَنْهَا.
أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مَنِيْعٍ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَرُوَاتُهُ
ثِقَاتٌ، لَكِنْ لَهُ عِلَّةٌ، لَمْ يَسْمَعْهُ ابْنُ شِهَابٍ مِنْ سَهْلٍ.ارْتَحَلَ ابْنُ المُبَارَكِ إِلَى: الحَرَمَيْنِ، وَالشَّامِ، وَمِصْرَ، وَالعِرَاقَ، وَالجَزِيْرَةِ، وَخُرَاسَانَ، وَحَدَّثَ بِأَمَاكِنَ.
قَالَ قَعْنَبُ بنُ المُحَرِّرِ: ابْنُ المُبَارَكِ مَوْلَى بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، مِنْ تَمِيْمٍ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: وَلاَؤُهُ لِبَنِي حَنْظَلَةَ.
وَقَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ فِي (تَارِيْخِ مَرْوَ) : كَانَتْ أُمُّ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ خُوَارِزمِيَّةً، وَأَبُوْهُ تُرْكِيٌّ، وَكَانَ عَبداً لِرَجُلٍ تَاجِرٍ مِنْ هَمَذَانَ، مِنْ بَنِي حَنْظَلَةَ، فَكَانَ عَبْدُ اللهِ إِذَا قَدِمَ هَمَذَانَ، يَخضَعُ لِوَالِدَيْهِ وَيُعَظِّمُهُم.
أَخْبَرَنَا أَبُو الغَنَائِمِ المُسْلِمُ بنُ مُحَمَّدٍ القَيْسِيُّ، وَغَيْرُهُ كِتَابَةً، أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ السِّيْبِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَمَّادِ بنِ سُفْيَانَ بِالكُوْفَةِ، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رِزْمَةَ، سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:
نَظَرَ أَبُو حَنِيْفَةَ إِلَى أَبِي، فَقَالَ: أَدَّتْ أُمُّهُ
إِلَيْكَ الأَمَانَةَ، وَكَانَ أَشْبَهَ النَّاسِ بعَبْدِ اللهِ.قَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: وُلِدَ ابْنُ المُبَارَكِ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
وَأَمَّا الحَاكِمُ، فَرَوَى عَنْ: أَبِي أَحْمَدَ الحَمَّادِيِّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُوْسَى البَاشَانِيَّ، سَمِعْتُ عَبْدَانَ بنَ عُثْمَانَ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ، قَالَ:
قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: ذَاكَرَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ السُّننَ، فَقُلْتُ: إِنَّ العَجَمَ لاَ يَكَادُوْنَ يَحفَظُوْنَ ذَلِكَ، لَكِنِّي أَذْكُرُ أَنِّي لَبِستُ السَّوَادَ وَأَنَا صَغِيْرٌ، عِنْدَمَا خَرَجَ أَبُو مُسْلِمٍ، وَكَانَ أَخَذَ النَّاسَ كُلَّهُم بِلبسِ السَّوَادِ، الصِّغَارَ وَالكِبَارَ.
نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يُكثِرُ الجُلُوْسَ فِي بَيْتِهِ، فَقِيْلَ لَهُ: أَلاَ تَسْتَوحِشُ؟
فَقَالَ: كَيْفَ أَسْتَوحِشُ وَأَنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ؟!
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ أَتَى حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَأَعْجَبَهُ سَمْتُهُ، فَقَالَ: مَنْ أَيْنَ أَنْتَ؟
قَالَ: مَنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ، مِنْ مَرْوَ.
قَالَ: تَعْرِفُ رَجُلاً يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: مَا فَعَلَ؟
قَالَ: هُوَ الَّذِي يُخَاطِبُكَ.
قَالَ: فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَرَحَّبَ بِهِ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ الخُطَبِيُّ: بَلَغَنِي عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ:
أَنَّهُ حضَرَ عِنْدَ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، فَقَالَ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ لِحَمَّادٍ: سَلْ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنْ يُحَدِّثَنَا.
فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! تُحِدِّثُهُم، فَإِنَّهُم قَدْ سَأَلُوْنِي؟
قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! يَا أَبَا إِسْمَاعِيْلَ، أُحَدِّثُ وَأَنْتَ حَاضِرٌ.
فَقَالَ: أَقسَمتُ عَلَيْكَ لَتَفْعَلَنَّ.
فَقَالَ: خُذُوا، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، فَمَا حَدَّثَ بِحَرْفٍ إِلاَّ عَنْ حَمَّادٍ.قَالَ أَبُو العَبَّاسِ بنُ مَسْرُوْقٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ:
عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ المُبَارَكِ: أَيش يَقُوْلُ الرَّجُلُ إِذَا عَطَسَ؟
قَالَ: الحَمْدُ للهِ.
فَقَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ.
قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ابْنُ المُبَارَكِ ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، رَجُلٌ صَالِحٌ، يَقُوْلُ الشِّعْرَ، وَكَانَ جَامِعاً لِلْعِلْمِ.
قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ: جَمَعَ عَبْدُ اللهِ الحَدِيْثَ، وَالفِقْهَ، وَالعَرَبِيَّةَ، وَأَيَّامَ النَّاسِ، وَالشَّجَاعَةَ، وَالسَّخَاءَ، وَالتِّجَارَةَ، وَالمَحَبَّةَ عِنْدَ الفَرْقِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ: مَا أَخْرَجَتْ خُرَاسَانُ مِثْلَ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَالنَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى.
عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ آدَمَ يَقُوْلُ:
كُنْتُ إِذَا طَلَبتُ دَقِيْقَ المَسَائِلِ، فَلَمْ أَجِدْهُ فِي كُتُبِ ابْنِ المُبَارَكِ، أَيِسْتُ مِنْهُ.
عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ الفَرَائِضِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ صَدَقَةَ، سَمِعْتُ شُعَيْبَ بنَ حَرْبٍ، قَالَ:مَا لَقِيَ ابْنُ المُبَارَكِ رَجُلاً إِلاَّ وَابْنُ المُبَارَكِ أَفْضَلُ مِنْهُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا أُسَامَةَ يَقُوْلُ: ابْنُ المُبَارَكِ فِي المُحَدِّثِيْنَ مِثْلُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ فِي النَّاسِ.
عُمَرُ بنُ مُدْرِكٍ: حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بنُ شُعْبَةَ المَصِّيْصِيُّ، قَالَ:
قَدِمَ الرَّشِيْدُ الرَّقَّةَ، فَانْجَفَلَ النَّاسُ خَلْفَ ابْنِ المُبَارَكِ، وَتَقَطَّعَتِ النِّعَالُ، وَارتَفَعَتِ الغَبَرَةُ، فَأَشرَفَتْ أُمُّ وَلَدٍ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ مِنْ بُرْجٍ مِنْ قَصْرِ الخَشَبِ، فَقَالَتْ: مَا هَذَا؟
قَالُوا: عَالِمٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ قَدِمَ.
قَالَتْ: هَذَا -وَاللهِ- المُلْكُ، لاَ مُلْكَ هَارُوْنَ الَّذِي لاَ يَجْمَعُ النَّاسَ إِلاَّ بِشُرَطٍ وَأَعْوَانٍ.
قَالَ عُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زَيْدٍ الجَهْضَمِيُّ، قَالَ:
قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: رَأَيْتَ ابْنَ المُبَارَكِ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: لَوْ رَأْيْتَهُ لَقَرَّتْ عَيْنُكَ.
وَقَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رِزمَةَ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ نَاحِيتِكُم مِثْلُ ابْنِ المُبَارَكِ.
الدَّغُوْلِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بنُ زَمْعَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ خَالِدٍ، قَالَ:
تَعَرَّفْتُ إِلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ بِعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ، فَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ: مَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مِثْلُ ابْنِ المُبَارَكِ، وَلاَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ خَلَقَ خَصْلَةً مِنْ خِصَالِ الخَيْرِ، إِلاَّ وَقَدْ جَعَلَهَا فِي عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ.
وَلَقَدْ حَدَّثَنِي أَصْحَابِي أَنَّهُم صَحِبُوهُ مِنْ مِصْرَ إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ يُطْعِمُهُمُ
الخَبِيْصَ، وَهُوَ الدَّهْرَ صَائِمٌ.قَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بنُ سَعِيْدٍ الطَّائِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ الصُّوْفِيُّ بِمَنْبِجَ، قَالَ:
خَرَجَ ابْنُ المُبَارَكِ مِنْ بَغْدَادَ يُرِيْدُ المَصِّيْصَةَ، فَصَحِبَهُ الصُّوفِيَّةُ،
فَقَالَ لَهُم: أَنْتُم لَكُم أَنْفُسٌ تَحْتَشِمُوْنَ أَنْ يُنفَقَ عَلَيْكُم، يَا غُلاَمُ! هَاتِ الطَّسْتَ.
فَأَلْقَى عَلَيْهِ مِنْدِيلاً، ثُمَّ قَالَ: يُلقِي كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُم تَحْتَ المِندِيلِ مَا مَعَهُ.
فَجَعَلَ الرَّجُلُ يُلقِي عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، وَالرَّجُلُ يُلقِي عِشْرِيْنَ، فَأَنفَقَ عَلَيْهِم إِلَى المَصِّيْصَةِ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ بِلاَدُ نَفِيرٍ، فَنَقْسِمُ مَا بَقِيَ، فَجَعَلَ يُعطِي الرَّجُلَ عِشْرِيْنَ دِيْنَاراً، فَيَقُوْلُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! إِنَّمَا أَعْطَيْتُ عِشْرِيْنَ دِرْهَماً.
فَيَقُوْلُ: وَمَا تُنْكِرُ أَنْ يُبَارِكَ اللهُ لِلْغَازِي فِي نَفَقَتِهِ.
قَالَ الخَطِيْبُ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الخَلاَّلُ، قَالُوا:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الكَاتِبُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ المُقْرِئُ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ:
كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ إِذَا كَانَ وَقْتُ الحجِّ، اجْتَمَعَ إِلَيْهِ إِخْوَانُهُ مِنْ أَهْلِ مَرْوَ، فَيَقُوْلُوْنَ: نَصْحَبُكَ.
فَيَقُوْلُ: هَاتُوا نَفَقَاتِكُم.
فَيَأْخُذُ نَفَقَاتِهِم، فَيَجْعَلُهَا فِي صُنْدُوْقٍ، وَيُقْفِلُ عَلَيْهَا، ثُمَّ يَكتَرِي لَهُم، وَيُخْرِجُهُم مِنْ مَرْوَ إِلَى بَغْدَادَ، فَلاَ يَزَالُ يُنفِقُ عَلَيْهِم، وَيُطعِمُهُم أَطْيَبَ الطَّعَامِ، وَأَطْيَبَ الحَلوَى، ثُمَّ يُخْرِجُهُم مِنْ بَغْدَادَ بِأَحْسَنِ زِيٍّ، وَأَكمَلِ مُرُوءةٍ، حَتَّى يَصِلُوا إِلَى مَدِيْنَةِ الرَّسُوْلِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَقُوْلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ: مَا أَمَرَكَ عِيَالُكَ أَنْ تَشتَرِيَ لَهُم مِنَ المَدِيْنَةِ مِنْ طُرَفِهَا؟
فَيَقُوْلُ: كَذَا وَكَذَا. ثُمَّ
يُخْرِجُهُم إِلَى مَكَّةَ، فَإِذَا قَضَوْا حَجَّهُم، قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم: مَا أَمَرَكَ عِيَالُكَ أَنْ تَشتَرِيَ لَهُم مِنْ مَتَاعِ مَكَّةَ؟فَيَقُوْلُ: كَذَا وَكَذَا.
فَيَشْتَرِي لَهُم، ثُمَّ يُخْرِجهُم مِنْ مَكَّةَ، فَلاَ يَزَالُ يُنْفِقُ عَلَيْهِم إِلَى أَنْ يَصِيْرُوا إِلَى مَرْوَ، فَيُجَصِّصُ بُيُوْتَهُم وَأَبْوَابَهُم، فَإِذَا كَانَ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، عَمِلَ لَهُم وَلِيمَةً وَكَسَاهُم، فَإِذَا أَكَلُوا وَسُرُّوا، دَعَا بِالصُّنْدُوقِ، فَفَتَحَهُ، وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُم صُرَّتَهُ عَلَيْهَا اسْمُهُ.
قَالَ أَبِي: أَخْبَرَنِي خَادمُهُ أَنَّهُ عَملَ آخرَ سَفْرَةٍ سَافَرَهَا دَعْوَةً، فَقَدَّمَ إِلَى النَّاسِ خَمْسَةً وَعِشْرِيْنَ خِوَاناً فَالُوْذَجَ، فَبَلَغَنَا أَنَّهُ قَالَ لِلْفُضَيْلِ: لَوْلاَكَ وَأَصْحَابَكَ مَا اتَّجَرْتُ.
وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى الفُقَرَاءِ، فِي كُلِّ سَنَةٍ مائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ: حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ المُبَارَكِ، فَسَأَلَهُ أَنْ يَقضِيَ دَيْناً عَلَيْهِ، فَكَتَبَ لَهُ إِلَى وَكِيلٍ لَهُ.
فَلَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ الكِتَابُ، قَالَ لَهُ الوَكِيلُ: كَمِ الدَّيْنُ الَّذِي سَأَلتَهُ قَضَاءهُ؟
قَالَ: سَبْعُ مائَةِ دِرْهَمٍ.
وَإِذَا عَبْدُ اللهِ قَدْ كَتَبَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ سَبْعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَرَاجَعَهُ الوَكِيلُ، وَقَالَ: إِنَّ الغَلاَّتِ قَدْ فَنِيَتْ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ: إِنْ كَانَتِ الغَلاَّتُ قَدْ فَنِيَتْ، فَإِنَّ العُمْرَ أَيْضاً قَدْ فَنِيَ، فَأَجِزْ لَهُ مَا سَبَقَ بِهِ قَلمِي.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ: حَدَّثَنِي يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى، قَالَ:
كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ كَثِيْرَ الاختِلاَفِ إِلَى طَرَسُوْسَ، وَكَانَ يَنْزِلُ الرَّقَّةَ فِي خَانٍ، فَكَانَ شَابٌّ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ، وَيَقُوْمُ بِحَوَائِجِهِ، وَيَسْمَعُ مِنْهُ الحَدِيْثَ، فَقَدِمَ عَبْدُ اللهِ مَرَّةً، فَلَمْ يَرَهُ، فَخَرَجَ فِي النَّفِيْرِ مُسْتَعجِلاً، فَلَمَّا
رَجَعَ، سَأَلَ عَنِ الشَّابِّ، فَقَالَ: مَحْبُوْسٌ عَلَى عَشْرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ.فَاسْتَدَلَّ عَلَى الغَرِيْمِ، وَوَزَنَ لَهُ عَشْرَةَ آلاَفٍ، وَحَلَّفَهُ أَلاَّ يُخْبِرَ أَحَداً مَا عَاشَ، فَأُخْرِجَ الرَّجُلُ، وَسَرَى ابْنُ المُبَارَكِ، فَلَحِقَهُ الفَتَى عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنَ الرَّقَّةِ، فَقَالَ لِي: يَا فَتَى أَيْنَ كُنْتَ؟ لَمْ أَرَكَ!
قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! كُنْتُ مَحْبُوْساً بِدَيْنٍ.
قَالَ: وَكَيْفَ خَلصتَ؟
قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَضَى دَيْنِي، وَلَمْ أَدرِ.
قَالَ: فَاحْمَدِ اللهَ، وَلَمْ يَعْلَمِ الرَّجُلُ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عَبْدِ اللهِ.
أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ بَشَّارٍ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ الفُضَيْلِ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ لابْنِ المُبَارَكِ:
أَنْتَ تَأْمُرُنَا بِالزُّهْدِ وَالتَّقَلُّلِ وَالبُلْغَةِ، وَنَرَاكَ تَأْتِي بِالبَضَائِعِ، كَيْفَ ذَا؟
قَالَ: يَا أَبَا عَلِيٍّ، إِنَّمَا أَفْعَلُ ذَا لأَصُوْنَ وَجْهِي، وَأُكرِمَ عِرضِي، وَأَسْتَعِيْنَ بِهِ عَلَى طَاعَةِ رَبِّي.
قَالَ: يَا ابْنَ المُبَارَكِ مَا أَحْسَنَ ذَا إِنْ تَمَّ ذَا.
الفَتْحُ بنُ سُخْرُفٍ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بنُ يَزِيْدَ، حَدَّثَنَا حِبَّانُ بنُ مُوْسَى، قَالَ:
عُوتِبَ ابْنُ المُبَارَكِ فِيْمَا يُفَرِّقُ مِنَ المَالِ فِي البُلْدَانِ دُوْنَ بَلَدِهِ، قَالَ: إِنِّيْ أَعْرِفُ مَكَانَ قَوْمٍ لَهُم فَضْلٌ وَصِدْقٌ، طَلَبُوا الحَدِيْثَ، فَأَحْسَنُوا طَلَبَهُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِم، احْتَاجُوا، فَإِنْ تَرَكْنَاهُم، ضَاعَ عِلْمُهُم، وَإِنْ أَعَنَّاهُم، بَثُّوا العِلْمَ لأُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ أَعْلَمُ بَعْدَ النُّبُوَّةِ أَفْضَلَ مِنْ بَثِّ العِلْمِ.
عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ:
مَا رَأَيْتُ أَحَداً يُحَدِّثُ للهِ إِلاَّ سِتَّةُ نَفَرٍ، مِنْهُم ابْنُ المُبَارَكِ.
أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ الطَّبَّاعِ، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: الأَئِمَّةُ أَرْبَعَةٌ:
سُفْيَانُ، وَمَالِكٌ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ.وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَعْلَمَ بِالحَدِيْثِ مِنْ سُفْيَانَ، وَلاَ أَحْسَنَ عَقْلاً مِنْ مَالِكٍ، وَلاَ أَقشَفَ مِنْ شُعْبَةَ، وَلاَ أَنصَحَ لِلأُمَّةِ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ:
مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَ أَرْبَعَةٍ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ لِلْحَدِيْثِ مِنَ الثَّوْرِيِّ، وَلاَ أَشَدَّ تَقَشُّفاً مِنْ شُعْبَةَ، وَلاَ أَعقَلَ مِنْ مَالِكٍ، وَلاَ أَنصَحَ لِلأُمَّةِ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ.
أَبُو نَشِيْطٍ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ:
قُلْتُ لابْنِ مَهْدِيٍّ: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ، ابْنُ المُبَارَكِ أَوْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ؟
فَقَالَ: ابْنُ المُبَارَكِ.
قُلْتُ: إِنَّ النَّاسَ يُخَالِفُوْنَكَ.
قَالَ: إِنَّهُم لَمْ يُجَرِّبُوا، مَا رَأَيْتُ مِثْلَ ابْنِ المُبَارَكِ.
نُوْحُ بنُ حَبِيْبٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، وَكَانَ نَسِيْجَ وَحْدِهِ.
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ بنِ مُحْرِزٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: ابْنُ المُبَارَكِ أَعْلَمُ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَعْيَنَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَقَالُوا لَهُ: جَالَسْتَ الثَّوْرِيَّ، وَسَمِعْتَ مِنْهُ، وَمِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، فَأَيُّهُمَا أَرْجَحُ؟
قَالَ: لَوْ أَنَّ سُفْيَانَ جَهِدَ عَلَى أَنْ يَكُوْنَ يَوْماً مِثْلَ عَبْدِ اللهِ، لَمْ يَقْدِرْ.
ابْنُ أَبِي العَوَّامِ: حَدَّثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ شُعَيْبَ بنَ حَرْبٍ يَقُوْلُ:قَالَ سُفْيَانُ: إِنِّيْ لأَشتَهِي مِنْ عُمُرِي كُلِّهِ أَنْ أَكُوْنَ سَنَةً مِثْلَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَمَا أَقْدِرُ أَنْ أَكُوْنَ وَلاَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ.
مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ بَحْرٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ مُوْسَى الطَّرَسُوْسِيُّ، قَالَ:
سَأَلَ رَجُلٌ سُفْيَانَ، فَقَالَ: مَنْ أَيْنَ أَنْتَ؟
قَالَ: مَنْ أَهْلِ المَشْرِقِ.
قَالَ: أَوَلَيْسَ عِنْدَكُم أَعْلَمُ أَهْلِ المَشْرِقِ؟
قَالَ: وَمَنْ هُوَ؟
قَالَ: عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ.
قَالَ: وَهُوَ أَعْلَمُ أَهْلِ المَشْرِقِ؟!
قَالَ: نَعَمْ، وَأَهْلِ المَغْرِبِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ القُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ قَالَ:
كَانَ فُضَيْلٌ وَسُفْيَانُ وَمَشْيَخَةٌ جُلُوْساً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، فَطَلَعَ ابْنُ المُبَارَكِ مِنَ الثَّنِيَّةِ، فَقَالَ سُفْيَانُ: هَذَا رَجُلُ أَهْلِ المَشْرِقِ.
فَقَالَ فُضَيْلٌ: رَجُلُ أَهْلِ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي جَمِيْلٍ، قَالَ:
كُنَّا حَوْلَ ابْنِ المُبَارَكِ بِمَكَّةَ، فَقُلْنَا لَهُ: يَا عَالِمَ الشَّرقِ، حَدِّثْنَا - وَسُفْيَانُ قَرِيْبٌ مِنَّا يَسْمَعُ - فَقَالَ: وَيْحَكُمْ! عَالِمَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُهْزَاذَ: سَمِعْتُ أَبَا الوَزِيْرِ يَقُوْلُ: قَدِمْتُ عَلَى سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، فَقَالُوا لَهُ: هَذَا وَصِيُّ عَبْدِ اللهِ.
فَقَالَ: رَحِمَ اللهُ عَبْدَ اللهِ، مَا خَلَّفَ بِخُرَاسَانَ مِثْلَهُ.
أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: حَدَّثَنَا أَبُو عِصْمَةَ قَالَ:شَهِدتُ سُفْيَانَ وَفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ، قَالَ سُفْيَانُ لِفُضَيْلٍ: يَا أَبَا عَلِيٍّ! أَيُّ رَجُلٍ ذَهَبَ!
يَعْنِي: ابْنَ المُبَارَكِ.
قَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! وَبَقِيَ بَعْدَ ابْنِ المُبَارَكِ مَنْ يُسْتَحْيَى مِنْهُ ؟!
مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ حُمَيْدٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ بنَ عَبْدِ الحَكَمِ يَقُوْلُ:
لَمَّا مَاتَ ابْنُ المُبَارَكِ، بَلَغَنِي أَنَّ هَارُوْنَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَالَ: مَاتَ سَيِّدُ العُلَمَاءِ.
المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الفَزَارِيَّ يَقُوْلُ: ابْنُ المُبَارَكِ إِمَامُ المُسْلِمِيْنَ أَجْمَعِيْنَ.
قُلْتُ: هَذَا الإِطلاَقُ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ مَعْنِيٌّ بِمُسْلِمِي زَمَانِهِ.
قَالَ المُسَيَّبُ: وَرَأَيْتُ أَبَا إِسْحَاقَ بَيْنَ يَدَيِ ابْنِ المُبَارَكِ قَاعِداً يَسْأَلُهُ.
قَالَ أَبُو وَهْبٍ أَحْمَدُ بنُ رَافِعٍ - وَرَّاقُ سُوَيْدِ بنِ نَصْرٍ -: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ:
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: نَظَرْتُ فِي أَمرِ الصَّحَابَةِ وَأَمرِ عَبْدِ اللهِ، فَمَا رَأَيْتُ لَهُم عَلَيْهِ فَضْلاً، إِلاَّ بِصُحْبَتِهِمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَغَزْوِهِم مَعَهُ.
مَحْمُودُ بنُ وَالاَن، قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارَ بنَ الحَسَنِ يَمدَحُ ابْنَ المُبَارَكِ، وَيَقُوْلُ:
إِذَا سَارَ عَبْدُ اللهِ مِنْ مَرْوَ لَيْلَةَ ... فَقَدْ سَارَ مِنْهَا نُوْرُهَا وَجَمَالُهَاإِذَا ذُكِرَ الأَحْبَارُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ ... فَهُم أَنْجُمٌ فِيْهَا وَأَنْتَ هِلاَلُهَا
هَاشِمُ بنُ مَرْثَدٍ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ طَالُوْتَ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ:
انْتَهَى العِلْمُ إِلَى رَجُلَيْنِ: إِلَى ابْنِ المُبَارَكِ، ثُمَّ إِلَى ابْنِ مَعِيْنٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ الجَارُوْدِ: قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ:
عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ أَوسَعُ عِلْماً مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ.
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيُّ: سَمِعْتُ سَلاَّمَ بنَ أَبِي مُطِيْعٍ يَقُوْلُ: مَا خَلَّفَ ابْنُ المُبَارَكِ بِالمَشْرِقِ مِثْلَهُ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجُنَيْدِ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَذَكَرُوا عَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَافِظاً.
فَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ عَبْدُ اللهِ -رَحِمَهُ اللهُ- كَيِّساً، مُسْتَثْبِتاً، ثِقَةً، وَكَانَ عَالِماً، صَحِيْحَ الحَدِيْثِ، وَكَانَتْ كُتُبُهُ الَّتِي يُحَدِّثُ بِهَا عِشْرِيْنَ أَلْفاً أَوْ وَاحِداً وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً.
قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ حَمْدَوَيْه بنُ الخَطَّابِ البُخَارِيُّ: سَمِعْتُ نَصْرَ بنَ المُغِيْرَةِ البُخَارِيَّ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ شَمَّاسٍ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ أَفقَهَ النَّاسِ ابْنَ المُبَارَكِ، وَأَورَعَ النَّاسِ الفُضَيْلَ، وَأَحْفَظَ النَّاسِ وَكِيْعَ بنَ الجَرَّاحِ.
أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ - وَذَكَرَ أَصْحَابَ سُفْيَانَ - فَقَالَ:خَمْسَةٌ: ابْنُ المُبَارَكِ - فَبَدَأَ بِهِ - وَوَكِيْعٌ، وَيَحْيَى، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ.
قَالَ جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: اخْتَلَفَ القَطَّانُ، وَوَكِيْعٌ؟
قَالَ: القَوْلُ قَوْلُ يَحْيَى.
قَالَ: فَإِذَا اخْتَلَفَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَيَحْيَى؟
قَالَ: يَحتَاجُ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا.
قُلْتُ: فَأَبُو نُعَيْمٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ؟
قَالَ: يَحتَاجُ مَنْ يَفصِلُ بَيْنَهُمَا.
قُلْتُ: الأَشْجَعِيُّ؟
قَالَ: مَاتَ الأَشْجَعِيُّ، وَمَاتَ حَدِيْثُهُ مَعَهُ.
قُلْتُ: ابْنُ المُبَارَكِ؟
قَالَ: ذَاكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ.
مَحْمُودُ بنُ وَالاَنَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُوْسَى، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُوْسَى يَقُوْلُ:
كُنْتُ عِنْدَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، فَجَاءهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَنْ أَثْبَتُ فِي مَعْمَرٍ، ابْنُ المُبَارَكِ أَوْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ؟
وَكَانَ يَحْيَى مُتَّكِئاً، فَجَلَسَ، وَقَالَ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ خَيْراً مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَمِنْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ، كَانَ عَبْدُ اللهِ سَيِّداً مِنْ سَادَاتِ المُسْلِمِيْنَ.
وَسُئِلَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: إِذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَعْمَرٍ؟
قَالَ: القَوْلُ قَوْلُ ابْنِ المُبَارَكِ.
الدَّغُوْلِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ النَّضْرِ بنِ مُسَاوِرٍ، قَالَ:
قَالَ أَبِي: قُلْتُ لابْنِ المُبَارَكِ: هَلْ تَتَحَفَّظُ الحَدِيْثَ؟
فَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَقَالَ: مَا تَحَفَّظْتُ حَدِيْثاً قَطُّ، إِنَّمَا آخُذُ الكِتَابَ، فَأَنظُرُ فِيْهِ، فَمَا اشْتَهَيْتُهُ، عَلِقَ بِقَلْبِي.
قَالَ الحَسَنُ بنُ عِيْسَى: أَخْبَرَنِي صَخْرٌ - صَدِيْقُ ابْنِ المُبَارَكِ - قَالَ:كُنَّا غِلْمَاناً فِي الكُتَّابِ، فَمَرَرْتُ أَنَا وَابْنُ المُبَارَكِ، وَرَجُلٌ يَخطُبُ، فَخَطَبَ خُطْبَةً طَوِيْلَةً، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ لِي ابْنُ المُبَارَكِ: قَدْ حَفِظتُهَا.
فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ، فَقَالَ: هَاتِهَا.
فَأَعَادهَا وَقَدْ حَفِظَهَا.
نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ، قَالَ:
قَالَ لِي أَبِي: لَئِنْ وَجَدْتُ كُتُبَكَ، لأُحَرِقَنَّهَا.
قُلْتُ: وَمَا عَلَيَّ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ فِي صَدْرِي.
وَقَالَ أَبُو وَهْبٍ مُحَمَّدُ بنُ مُزَاحِمٍ: العَجَبُ مِمَّنْ يَسْمَعُ الحَدِيْثَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ رَجُلٍ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الرَّجُلَ حَتَّى يُحَدِّثُه بِهِ.
قَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: ابْنُ المُبَارَكِ مَرْوَزِيٌّ، ثِقَةٌ.
قَالَ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبَّادٍ: سَمِعْتُ سُوَيْدَ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ بِمَكَّةَ أَتَى زَمْزَمَ، فَاسْتَقَى شُربَةً، ثُمَّ اسْتَقبَلَ القِبْلَةَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ ابْنَ أَبِي المَوَّالِ حَدَّثَنَا، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ) وَهَذَا أَشرَبُهُ لِعَطَشِ القِيَامَةِ، ثُمَّ شَرِبَهُ.
كَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي المَوَّالِ، وَصَوَابُهُ: ابْنُ المُؤَمَّلِ عَبْدُ اللهِ المَكِّيُّ، وَالحَدِيْثُ بِهِ يُعْرَفُ، وَهُوَ مِنَ الضُّعَفَاءِ، لَكِنْ يَرْوِيْهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، فَعَلَى كُلِّ حَالٍ خَبَرُ ابْنِ المُبَارَكِ فَرْدٌ مُنْكَرٌ، مَا أَتَى بِهِ سِوَى سُوَيْدٍ، رَوَاهُ: المَيَانَجِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّادٍ.أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ: سَمِعْتُ الخَلِيْلَ أَبَا مُحَمَّدٍ قَالَ:
كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، قَالَ:
بُغْضُ الحَيَاةِ وَخَوْفُ اللهِ أَخْرَجَنِي ... وَبَيْعُ نَفْسِي بِمَا لَيْسَتْ لَهُ ثَمَنَا
إِنِّيْ وَزَنْتُ الَّذِي يَبْقَى لِيَعْدِلَهُ ... مَا لَيْسَ يَبْقَى فَلاَ وَاللهِ مَا اتَّزَنَا
قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ إِذَا قَرَأَ كِتَابَ (الرِّقَاقِ) ، يَصِيْرُ كَأَنَّهُ ثَوْرٌ مَنْحُوْرٌ، أَوْ بَقَرَةٌ مَنْحُوْرَةٌ مِنَ البُكَاءِ، لاَ يَجْتَرِئُ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ دَفَعَهُ.
أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ المَرْوَزِيُّ، قَالَ:
كُنَّا سَرِيَّةً مَعَ ابْنِ المُبَارَكِ فِي بِلاَدِ الرُّوْمِ، فَصَادَفْنَا العَدُوَّ، فَلَمَّا التَقَى الصَّفَّانِ، خَرَجَ رَجُلٌ مِنَ العَدُوِّ، فَدَعَا إِلَى البِرَازِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ آخَرُ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ آخَرُ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ دَعَا إِلَى البِرَازِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَطَارَدَهُ سَاعَةً، فَطَعَنَهُ، فَقَتَلَهُ، فَازدَحَمَ إِلَيْهِ النَّاسُ، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَإِذَا هُوَ يَكْتُمُ وَجْهَهُ بِكُمِّهِ، فَأَخَذْتُ بِطَرَفِ كُمِّهِ، فَمَدَدْتُهُ، فَإِذَا هُوَ هُوَ، فَقَالَ: وَأَنْتَ
يَا أَبَا عَمْرٍو مِمَّنْ يُشَنِّعُ عَلَيْنَا !!قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا وَهْبٍ يَقُوْلُ: مَرَّ ابْنُ المُبَارَكِ بِرَجُلٍ أَعْمَى، فَقَالَ لَهُ: أَسْأَلُكَ أَنْ تَدعُوَ لِي أَنْ يَرُدَّ اللهَ عَلَيَّ بَصَرِي.
فَدَعَا اللهَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ بَصَرَهُ وَأَنَا أَنْظُرُ.
وَقَالَ أَبُو حَسَّانٍ عِيْسَى بنُ عَبْدِ اللهِ البَصْرِيُّ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ عَرَفَةَ يَقُوْلُ:
قَالَ لِي ابْنُ المُبَارَكِ: اسْتَعَرتُ قَلَماً بِأَرْضِ الشَّامِ، فَذَهَبتُ عَلَى أَنْ أَرُدَّهُ، فَلَمَّا قَدِمْتُ مَرْوَ، نَظَرْتُ، فَإِذَا هُوَ مَعِي، فَرَجَعتُ إِلَى الشَّامِ حَتَّى رَدَدْتُهُ عَلَى صَاحِبِهِ.
قَالَ أَسْوَدُ بنُ سَالِمٍ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ إِمَاماً يُقْتَدَى بِهِ، كَانَ مِنْ أَثبَتِ النَّاسِ فِي السُّنَّةِ، إِذَا رَأَيْتَ رَجُلاً يَغمِزُ ابْنَ المُبَارَكِ، فَاتَّهِمْهُ عَلَى الإِسْلاَمِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدٍ المِصْرِيُّ بِهَا، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الكَاتِبُ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، وَأَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الدَّايَةِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِفِيُّ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ كِتَابَةً، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ المُقْرِئُ، وَأَنْبَأَنَا يَحْيَى، أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ عَلِيِّ بنِ الطَّرَّاحِ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَأَبُو غَالِبٍ بنُ البَنَّاءِ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو المُرْهفِ المِقْدَادُ بنُ أَبِي القَاسِمِ القَيْسِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ الرَّزَازُ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلاَّنَ فِي كِتَابِهِ، وَغَيْرُهُ، أَنَّ دَاوُدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الوَكِيْلَ أَخْبَرَهُم، قَالُوا:أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الأُرْمَوِيُّ، وَكَتَبَ إِلَيْنَا الفَخْرُ عَلِيُّ بنُ البُخَارِيِّ، قَالَ:
أَخْبَرَتْنَا نِعْمَةُ بِنْتُ عَلِيِّ بنِ يَحْيَى بنِ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي، قَالَ سبْعَتُهُم:
أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المُعَدِّلُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ البَلْخِيُّ بِسَمَرْقَنْدَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمَائَتَيْنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو المُصْعَبِ مِشْرَحُ بنُ هَاعَانَ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ الجُهَنِيِّ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَكْثَرُ مُنَافِقِي أُمَّتِي قُرَّاؤُهَا ) .
وَبِهِ: إِلَى الفِرْيَابِيِّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ مِشْرَحٍ، ... فَذَكَرَهُ.
وَبِهِ: إِلَى الفِرْيَابِيِّ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ سَعِيْدُ بنُ يَعْقُوْبَ الطَّالْقَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ هَارُوْنَ بنِ رِئَابٍ:
أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو لَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، قَالَ: انْظُرُوا فُلاَناً لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَإِنِّي كُنْتُ قُلْتُ لَهُ فِي ابْنَتِي قَوْلاً كَشَبِيْهِ العِدَةِ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَلْقَى الله -تَعَالَى- بِثُلُثِ النِّفَاقِ، وَأُشْهِدُكُم أَنِّي قَدْ زَوَّجْتُهُ.
هَارُوْنُ ثِقَةٌ، لَكِنَّهُ لَمْ يَلْحَقْ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي زَمَانِ ابْنِ المُبَارَكِ أَطْلَبَ لِلْعِلْمِ مِنْهُ.وَعَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا أَحَدٌ مِثْلُ ابْنِ المُبَارَكِ.
وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَطْلَبَ لِلْعِلْمِ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَهُوَ فِي المُحَدِّثِيْنَ مِثْلُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ فِي النَّاسِ.
قَالَ الحَسَنُ بنُ عِيْسَى بنِ مَاسَرْجِسَ مَوْلَى ابْنِ المُبَارَكِ: اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِثْلُ الفَضْلِ بنِ مُوْسَى، وَمَخْلَدِ بنِ الحُسَيْنِ، فَقَالُوا:
تَعَالَوْا نَعُدُّ خِصَالَ ابْنِ المُبَارَكِ مِنْ أَبْوَابِ الخَيْرِ، فَقَالُوا: العِلْمُ، وَالفِقْهُ، وَالأَدَبُ، وَالنَّحْوُ، وَاللُّغَةُ، وَالزُّهْدُ، وَالفَصَاحَةُ، وَالشِّعْرُ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ، وَالعِبَادَةُ، وَالحَجُّ، وَالغَزْوُ، وَالشَّجَاعَةُ، وَالفُرُوْسِيَّةُ، وَالقُوَّةُ، وَتَرْكُ الكَلاَمِ فِيْمَا لاَ يَعْنِيْهِ، وَالإِنصَافُ، وَقِلَّةُ الخِلاَفِ عَلَى أَصْحَابِهِ.
قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: قَالَ رَجُلٌ لابْنِ المُبَارَكِ: قَرَأْتُ البَارِحَةَ القُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ.
فَقَالَ: لَكِنِّي أَعْرِفُ رَجُلاً لَمْ يَزَلِ البَارِحَةَ يُكَرِّرُ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} إِلَى الصُّبْحِ، مَا قَدِرَ أَنْ يَتَجَاوَزَهَا -يَعْنِي نَفْسَهُ-.
قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ إِسْحَاقَ البُنَانِيِّ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ:
حَمَلتُ العِلْمَ عَنْ أَرْبَعَةِ آلاَفِ شَيْخٍ، فَرَويتُ عَنْ أَلفِ شَيْخٍ.
ثُمَّ قَالَ العَبَّاسُ: فَتَتَبَّعْتُهُم حَتَّى وَقَعَ لِي ثَمَانُ مائَةِ شَيْخٍ لَهُ.
قَالَ حَبِيْبٌ الجَلاَّبُ: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ: مَا خَيْرُ مَا أُعْطِيَ الإِنْسَانُ؟
قَالَ: غَرِيْزَةُ عَقْلٍ.
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ؟
قَالَ: حُسْنُ أَدَبٍ.
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ؟
قَالَ: أَخٌ شَفِيْقٌ يَسْتَشِيْرُهُ.
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ؟
قَالَ: صَمْتٌ طَوِيْلٌ.
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ؟
قَالَ: مَوْتٌ عَاجِلٌ.
وَرَوَى: عَبْدَانُ بنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:إِذَا غَلَبَتْ مَحَاسِنُ الرَّجُلِ عَلَى مَسَاوِئِهِ، لَمْ تُذْكَرِ المَسَاوِئُ، وَإِذَا غَلَبَتِ المَسَاوِئُ عَنِ المَحَاسِنِ، لَمْ تُذْكَرِ المَحَاسِنُ.
قَالَ نُعَيْمٌ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:
عَجِبتُ لِمَنْ لَمْ يَطلُبِ العِلْمَ، كَيْفَ تَدعُوْهُ نَفْسُهُ إِلَى مَكْرُمَةٍ؟!
قَالَ عُبَيْدُ بنُ جَنَّادٍ: قَالَ لِي عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ: رَأَيْتَ ابْنَ المُبَارَكِ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: مَا رَأَيْتَ وَلاَ تَرَى مِثْلَهُ.
قَالَ عُبَيْدُ بنُ جَنَّادٍ: وَسَمِعْتُ العُمَرِيَّ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيْتُ فِي دَهْرِنَا هَذَا مَنْ يَصلُحُ لِهَذَا الأَمْرِ -يَعْنِي: الإِمَامَةَ- إِلاَّ ابْنَ المُبَارَكِ.
قَالَ مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ ابْنِ المُبَارَكِ، تُصِيْبُ عِنْدَهُ الشَّيءَ الَّذِي لاَ تُصِيْبُهُ عِنْدَ أَحَدٍ.
قَالَ شَقِيْقٌ البَلْخِيُّ: قِيْلَ لابْنِ المُبَارَكِ: إِذَا أَنْتَ صَلَّيْتَ لِمَ لاَ تَجْلِسُ مَعَنَا؟
قَالَ: أَجلِسُ مَعَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ، أَنْظُرُ فِي كُتُبِهِم وَآثَارِهِم، فَمَا أَصْنَعُ مَعَكُم؟ أَنْتُم تَغْتَابُوْنَ النَّاسَ.
وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: لِيَكُنْ عُمْدَتُكُم الأَثَرُ، وَخُذُوا مِنَ الرَّأْيِ مَا يُفَسِّرُ لَكُمُ الحَدِيْثَ.
مَحْبُوبُ بنُ الحَسَنِ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:
مَنْ بَخِلَ بِالعِلْمِ، ابْتُلِي بِثَلاَثٍ: إِمَّا مَوْتٌ يُذْهِبُ عِلْمَهُ، وَإِمَّا يَنْسَى، وَإِمَّا يَلْزَمُ السُّلْطَانَ، فَيَذْهَبُ عِلْمُهُ.
وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْفَعَةِ العِلْمِ أَنْ يُفِيْدَ بَعْضُهُم بَعْضاً.
المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ قِيْلَ لَهُ: الرَّجُلُ يَطلُبُ الحَدِيْثَ للهِ، يَشتَدُّ فِي سَنَدِهِ.قَالَ: إِذَا كَانَ للهِ، فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يَشتَدَّ فِي سَنَدِهِ.
وَعَنْهُ، قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا فِي القَلْبِ، وَالذُّنُوْبُ فَقَدِ احْتَوَشَتْهُ، فَمَتَى يَصِلُ الخَيْرُ إِلَيْهِ؟
وَعَنْهُ، قَالَ: لَوِ اتَّقَى الرَّجُلُ مائَةَ شَيْءٍ، وَلَمْ يَتَّقِ شَيْئاً وَاحِداً، لَمْ يَكُ مِنَ المُتَّقِيْنَ، وَلَو تَوَرَّعَ عَنْ مائَةِ شَيْءٍ، سِوَى وَاحِدٍ، لَمْ يَكُنْ وَرِعاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيْهِ خُلَّةٌ مِنَ الجَهْلِ، كَانَ مِنَ الجَاهِلِيْنَ، أَمَا سَمِعْتَ اللهَ يَقُوْلُ لِنُوْحٍ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- مِنْ أَجْلِ ابْنِهِ: {إِنِّيْ أَعِظُكَ أَنْ تَكُوْنَ مِنَ الجَاهِلِيْنَ} [هُوْدُ: 460] .
إِسْنَادُهَا لاَ يَصِحُّ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ خِلاَفُ هَذَا، وَأَنَّ الاعْتِبَارَ بِالكَثْرَةِ، وَمُرَادُهُ بِالخُلَّةِ مِنَ الجَهْلِ: الإِصرَارُ عَلَيْهَا.
وَجَاءَ أَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ سُئِلَ: مَنِ النَّاسُ؟
فَقَالَ: العُلَمَاءُ.
قِيْلَ: فَمَنِ المُلُوْكُ؟
قَالَ: الزُّهَّادُ.
قِيْلَ: فَمَنِ الغَوْغَاءُ؟
قَالَ: خُزَيْمَةُ وَأَصْحَابُهُ -يَعْنِي: مِنْ أُمَرَاءِ الظَّلَمَةِ-.
قِيْلَ: فَمَنِ السَّفِلَةُ؟
قَالَ: الَّذِيْنَ يَعِيْشُوْنَ بِدِيْنِهِم.
وَعَنْهُ، قَالَ: لِيَكُنْ مَجْلِسُكَ مَعَ المَسَاكِيْنِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَجلِسَ مَعَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ.
وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: إِذَا عَرَفَ الرَّجُلُ قَدْرَ نَفْسِهِ، يَصِيْرُ عِنْدَ نَفْسِهِ أَذَلَّ مِنْ كَلْبٍ.
وَعَنْهُ، قَالَ: لاَ يَقَعُ مَوقِعَ الكَسْبِ عَلَى العِيَالِ شَيْءٌ، وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبِيْلِ اللهِ.
وَقَالَ: رُبَّ عَمَلٍ صَغِيْرٍ تُكَثِّرُهُ النِّيَّةُ، وَرُبَّ عَمَلٍ كَثِيْرٍ تُصَغِّرُهُ النِّيَّةُ.أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ إِجَازَةً، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ الكَاغِدِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيُّ، قَالَ:
سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي عَنْ أَبَوَيهِ، فَقَالَ: مَنْ يَرْوِيْهِ؟
قُلْتُ: شِهَابُ بنُ خِرَاشٍ.
قَالَ: ثِقَةٌ، عَمَّنْ؟
قُلْتُ: عَنِ الحَجَّاجِ بنِ دِيْنَارٍ.
قَالَ: ثِقَةٌ، عَمَّنْ؟
قُلْتُ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قَالَ: بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَفَاوِزُ تَنْقَطِعُ فِيْهَا أَعْنَاقُ الإِبِلِ.
أَخْبَرَنَا بِيْبَرْسُ بنُ عَبْدِ اللهِ المَجْدِيُّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الدَّوَامِيُّ، أَخْبَرَتْنَا تَجَنِّي مَوْلاَةُ ابْنِ وَهْبَانَ، وَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْدَاوِيُّ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الخَطِيْبُ، وَتَجَنِّي الوَهْبَانِيَّةُ، وَفَخْرُ النِّسَاءِ شُهْدَةُ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ تَاجِ الأُمَنَاءِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ (ح) .
وَأَخْبَرَتْنَا سِتُّ الأَهْلِ بِنْتُ النَّاصِحِ، أَخْبَرَنَا البَهَاءُ عَبْد الرَّحْمَنِ، قَالاَ:
أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا طِرَادُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الأَغْلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُخْتَارٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا هِلاَلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ الحَفَّارُ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ يَحْيَى القَطَّانُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُجَشِّرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ
عَاصِمٍ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ - وَمَرَرْتُ مَعَهُ بِبُقْعَةٍ - فَقَالَ:سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (رُبَّ يَمِيْنٍ لاَ تَصْعَدُ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي هَذِهِ البُقْعَةِ ) .
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَرَأَيْتُ فِيْهَا النَّخَّاسِيْنَ.
وَبِهِ: إِلَى ابْنِ المُبَارَكِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَجْلاَنَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَكُلُّ مُسْكرٍ خَمْرٌ ) .
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ الأَسَدِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ الكَاغِدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي رِزْمَةَ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:
إِنَّا لَنَحكِي كَلاَمَ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارِى، وَلاَ نَستَطِيْعُ أَنْ نَحكِيَ كَلاَمَ الجَهْمِيَّةِ.
وَبِهِ: إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ السَّرَّاجِ: سَمِعْتُ أَبَا يَحْيَى يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ يَقُوْلُ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ: كَيْفَ يُعْرَفُ رَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ-؟قَالَ: فِي السَّمَاءِ عَلَى العَرْشِ.
قُلْتُ لَهُ: إِنَّ الجَهْمِيَّةَ تَقُوْلُ هَذَا.
قَالَ: لاَ نَقُوْلُ كَمَا قَالَتِ الجَهْمِيَّةُ، هُوَ مَعَنَا هَا هُنَا.
قُلْتُ: الجَهْمِيَّةُ يَقُوْلُوْنَ: إِنَّ البَارِي -تَعَالَى- فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَالسَّلَفُ يَقُوْلُوْنَ: إِنَّ عِلْمَ البَارِي فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ -تَعَالَى-: {وَهُوَ مَعَكُم أَيْنَمَا كُنْتُمْ} [الحَدِيْدُ: 4] يَعْنِي: بِالعِلْمِ، وَيَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ عَلَى عَرْشِهِ اسْتَوَى، كَمَا نَطَقَ بِهِ القُرْآنُ وَالسُّنَّةُ.
وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ - وَهُوَ إِمَام وَقْتِهِ -: كُنَّا - وَالتَّابِعُوْنَ مُتَوَافِرُوْنَ - نَقُوْلُ:
إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- فَوْقَ عَرْشِهِ، وَنُؤمِنُ بِمَا وَردَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ صِفَاتِهِ، وَمَعْلُوْمٌ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ الطَّوَائِفِ أَنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ إِمرَارُ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيْثِهَا كَمَا جَاءتْ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ وَلاَ تَحرِيْفٍ، وَلاَ تَشْبِيْهٍ وَلاَ تَكْيِيفٍ، فَإِنَّ الكَلاَمَ فِي الصِّفَاتِ فَرْعٌ عَلَى الكَلاَمِ فِي الذَّاتِ المُقَدَّسَةِ.
وَقَدْ عَلِمَ المُسْلِمُوْنَ أَنَّ ذَاتَ البَارِي مَوْجُوْدَةٌ حَقِيْقَةٌ، لاَ مِثْلَ لَهَا، وَكَذَلِكَ صِفَاتُهُ -تَعَالَى- مَوْجُوْدَةٌ، لاَ مِثْلَ لَهَا.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ الفَقِيْهُ إِجَازَةً، أَخْبَرَنَا عَبْدُ القَادِرِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي نَصْرٍ بِأَصْبَهَانَ، أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ شَبِيْبٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ اللُّبْنَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فِي كِتَابِ (الرَّدِّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ ) لَهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ
الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، قَالَ:سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ: كَيْفَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَعْرِفَ رَبَّنَا؟
قَالَ: عَلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى عَرْشِه، وَلاَ نَقُوْلُ كَمَا تَقُوْلُ الجَهْمِيَّةُ: إِنَّهُ هَا هُنَا فِي الأَرْضِ.
وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ فِي هَذَا الكِتَاب بِإِسْنَادِهِ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ:
أَنَّ رَجُلاً قَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَدْ خِفْتُ اللهَ -تَعَالَى- مِنْ كَثْرَةِ مَا أَدْعُو عَلَى الجَهْمِيَّةِ.
قَالَ: لاَ تَخَفْ، فَإِنَّهُم يَزْعُمُوْنَ أَنَّ إِلَهَكَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ لَيْسَ بِشَيْءٍ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: كُلُّ حَدِيْثٍ لاَ يَعْرِفُهُ ابْنُ المُبَارَكِ، فَنَحْنُ مِنْهُ بَرَاءٌ.
وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: فِي صَحِيْحِ الحَدِيْثِ شُغْلٌ عَنْ سَقِيْمِهِ.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَحْمَدَ الجُذَامِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِمَادٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ رِفَاعَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الخِلعِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الحَاجِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثنَا العَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ الأَسْفَاطِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ:
سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ قَرَأَ شَيْئاً مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا مَخْلُوْقٌ، فَقَدْ كَفَرَ بِاللهِ العَظِيْمِ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ: قُمْتُ لأَخْرُجَ مَعَ ابْنِ المُبَارَكِ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَذَاكَرَنِي عِنْد البَابِ بِحَدِيْثٍ - أَوْ ذَاكَرْتُهُ - فَمَا زِلْنَا نَتَذَاكَرُ حَتَّى جَاءَ المُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ.وَقَالَ فَضَالَةُ النَّسَائِيُّ: كُنْتُ أُجَالِسُهُم بِالكُوْفَةِ، فَإِذَا تَشَاجَرُوا فِي حَدِيْثٍ، قَالُوا: مُرُّوا بِنَا إِلَى هَذَا الطَّبِيْبِ حَتَّى نَسْأَلَه - يَعنُوْنَ: ابْنَ المُبَارَكِ -.
قَالَ وَهْبُ بنُ زَمْعَةَ المَرْوَزِيُّ: حَدَّثَ جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ بِحَدِيْثٍ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الحَمِيْدِ! تُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ، وَقَدْ لَقِيْتَ مَنْصُوْرَ بنَ المُعْتَمِرِ؟
فَغَضِبَ، وَقَالَ: أَنَا مِثْلُ عَبْدِ اللهِ، أَحْمِلُ عِلْمَ أَهْلِ خُرَاسَانَ، وَعِلمَ أَهْلِ العِرَاقِ، وَأَهْلِ الحِجَازِ، وَأَهْلِ اليَمَنِ، وَأَهْلِ الشَّامِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ لِيَسْمَعَ مِنْهُ، فَأَبَى أَنْ يُحَدِّثَهُ.
فَقَالَ الشَّرِيْفُ لِغُلاَمِهِ: قُمْ، فَإِنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لاَ يَرَى أَنْ يُحَدِّثَنَا.
فَلَمَّا قَامَ لِيَركَبَ، جَاءَ ابْنُ المُبَارَكِ لِيُمْسِكَ بِرِكَابِه، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، تَفْعَلُ هَذَا، وَلاَ تَرَى أَنْ تُحَدِّثَنِي؟
فَقَالَ: أَذِلُّ لَكَ بَدَنِي، وَلاَ أَذِلُّ لَكَ الحَدِيْثَ.
رَوَى المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ المُبَارَكِ - وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَمَّنْ يَأْخُذُ - فَقَالَ:
قَدْ يَلقَى الرَّجُلُ ثِقَةً، وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ، وَقَدْ يَلْقَى الرَّجُلُ غَيْرَ ثِقَةٍ يُحَدِّثُ عَنْ ثِقَةٍ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ: ثِقَةٌ عَنْ ثِقَةٍ.
عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ
ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ قَطُّ: (حَدَّثَنَا) ، كَانَ يَرَى (أَخْبَرَنَا) أَوْسَعَ، وَكَانَ لاَ يَرُدُّ عَلَى أَحَدٍ حَرفاً إِذَا قَرَأَ.وَقَالَ نُعَيْمٌ: مَا رَأَيْتُ أَعقَلَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَلاَ أَكْثَرَ اجْتِهَاداً فِي العِبَادَةِ.
الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ: قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ فِي حَدِيْثِ ثَوْبَانَ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اسْتَقِيْمُوا لِقُرَيْشٍ مَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ ) : يُفَسِّرُهُ حَدِيْثُ أُمِّ سَلَمَةَ: (لاَ تَقْتُلُوْهُمْ مَا صَلَّوْا ) .
وَاحْتَجَّ ابْنُ المُبَارَكِ فِي مَسْأَلَةِ الإِرْجَاءِ، وَأَنَّ الإِيْمَانَ يَتَفَاوَتُ، بِمَا رَوَى عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، عَنْ هُزَيْلِ بنِ شُرَحْبِيْلَ، قَالَ:
قَالَ عُمَرُ: لَوْ وُزِنَ إِيْمَانُ أَبِي بَكْرٍ بِإِيْمَانِ أَهْلِ الأَرْضِ، لَرَجَحَ.
قُلْتُ: مُرَادُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَهْلُ أَرْضِ زَمَانِهِ.
نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:
السَّيْفُ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فِتْنَةٌ، وَلاَ أَقُوْلُ لأَحَدٍ مِنْهُم هُوَ مَفْتُونٌ.
وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَسُئِلَ: مَنِ السِّفْلَةُ؟قَالَ: الَّذِي يَدُورُ عَلَى القُضَاةِ يَطلُبُ الشَّهَادَاتِ.
وَعَنْهُ، قَالَ: إِنَّ البُصرَاءَ لاَ يَأْمنُوْنَ مِنْ أَرْبَعٍ: ذَنْبٍ قَدْ مَضَى لاَ يُدْرَى مَا يَصْنَعُ فِيْهِ الرَّبُّ -عَزَّ وَجَلَّ- وَعُمُرٍ قَدْ بَقِيَ لاَ يُدْرَى مَا فِيْهِ مِنَ الهَلَكَةِ، وَفَضْلٍ قَدْ أُعْطِيَ العَبْدُ لَعَلَّهُ مَكْرٌ وَاسْتِدْرَاجٌ، وَضَلاَلَةٌ قَدْ زُيِّنَتْ، يَرَاهَا هُدَىً، وَزَيْغِ قَلْبٍ سَاعَةً فَقَدْ يُسلَبُ المَرْءُ دِيْنَهُ وَلاَ يَشعُرُ.
قَالَ مَنْصُوْرُ بنُ دِيْنَارٍ؛ صَاحِبُ ابْنِ المُبَارَكِ:
إِنَّ عَبْدَ اللهِ كَانَ يَتَصَدَّقُ لِمُقَامِهِ بِبَغْدَادَ كُلَّ يَوْمٍ بِدِيْنَارٍ.
وَعَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ السُّكَّرِيِّ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ يُعجِبُه إِذَا خَتَمَ القُرْآنَ أَنْ يَكُوْنَ دُعَاؤُهُ فِي السُّجُودِ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ نُوْحٍ المَوْصِلِيُّ: قَدِمَ الرَّشِيْدُ عَيْنَ زَرْبَةَ، فَأَمَرَ أَبَا سُلَيْمٍ أَنْ يَأْتِيَهُ بَابْنِ المُبَارَكِ.
قَالَ: فَقُلْتُ: لاَ آمَنُ أَنْ يُجِيْبَ ابْنُ المُبَارَكِ بِمَا يَكرَهُ، فَيَقتُلُهُ، فَقُلْتُ:
يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! هُوَ رَجُلٌ غَلِيْظُ الطِّبَاعِ، جِلْفٌ.
فَأَمسَكَ الرَّشِيْدُ.
الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَجُلاً يَسْأَلُ ابْنَ المُبَارَكِ عَنِ الرَّجُلِ يَصُوْمُ يَوْماً وَيُفطِرُ يَوْماً.
قَالَ: هَذَا رَجُل يُضِيعُ نِصْفَ عُمُرِهِ، وَهُوَ لاَ يَدْرِي.
يَعْنِي: لِمَ لاَ يَصُوْمُهَا.
قُلْتُ: أَحسِبُ ابْنَ المُبَارَكِ لَمْ يَذْكُرْ حِيْنَئِذٍ حَدِيْثَ: (أَفْضَلُ
الصَّوْمِ صَوْمُ دَاوُدَ ) ، وَلاَ حَدِيْثَ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ.قَالَ أَبُو وَهْبٍ المَرْوَزِيُّ: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ: مَا الكِبْرُ؟
قَالَ: أَنْ تَزْدَرِيَ النَّاسَ.
فَسَأَلْتُهُ عَنِ العُجْبِ؟
قَالَ: أَنْ تَرَى أَنَّ عِنْدَكَ شَيْئاً لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِك، لاَ أَعْلَمُ فِي المُصَلِّيْنَ شَيْئاً شَرّاً مِنَ العُجْبِ.
قَالَ حَاتِمُ بنُ الجَرَّاحِ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ قَرْحَةٍ خَرَجتْ فِي رُكبَتِهِ مُنْذُ سَبْعِ سِنِيْنَ، وَقَدْ عَالَجتُهَا بِأَنْوَاعِ العِلاَجِ، وَسَأَلْتُ الأَطِبَّاءَ، فَلَمْ أَنْتَفِعْ بِهِ.
فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ، فَاحفِرْ بِئْراً فِي مَكَانِ حَاجَةٍ إِلَى المَاءِ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يَنبُعَ هُنَاكَ عَيْنٌ، وَيُمْسِكَ عَنْكَ الدَّمَ.
فَفَعَلَ الرَّجُلُ، فَبَرَأَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يُحَدِّثُ مِنَ الكِتَابِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ سَقطٌ كَثِيْرٌ، وَكَانَ وَكِيْعٌ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ، فَكَانَ يَكُوْنُ لَهُ سَقطٌ كَمْ يَكُوْنُ حَفِظُ الرَّجُلِ.
وَرَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ قِيْلَ لَهُ: إِلَى مَتَى تَكتُبُ العِلْمَ؟
قَالَ: لَعَلَّ الكَلِمَةَ الَّتِي أَنْتَفِعُ بِهَا لَمْ أَكتُبْهَا بَعْدُ.
قَالَ عَمْرٌو النَّاقِدُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ:
مَا قَدِمَ عَلَيْنَا أَحَدٌ يُشْبِهُ ابْنَ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنَ أَبِي زَائِدَةَ.
وَقَالَ مَخْلَدُ بنُ الحُسَيْنِ: جَالَسْتُ أَيُّوْبَ، وَابْنَ عَوْنٍ، فَلَمْ أَجِدْ فِيْهِم مَنْ أُفَضِّلُهُ عَلَى ابْنِ المُبَارَكِ.قَالَ عَبْدَانُ: قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ - وَذَكَرَ التَّدْلِيسَ - فَقَالَ فِيْهِ قَوْلاً شَدِيْداً، ثُمَّ أَنْشَدَ:
دَلَّسَ لِلنَّاسِ أَحَادِيْثَهُ ... وَاللهُ لاَ يَقْبَلُ تَدْلِيْسَا
عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: مَنِ اسْتَخَفَّ بِالعُلَمَاءِ، ذَهَبتْ آخِرَتُهُ، وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِالأُمَرَاءِ، ذَهَبتْ دُنْيَاهُ، وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِالإِخْوَانِ، ذَهَبتْ مُرُوءتُهُ.
قَدْ أَسلَفْنَا لِعَبْدِ اللهِ مَا يَدلُّ عَلَى فُرُوْسِيَّتِه.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سِنَانٍ، قَالَ:
كُنْتُ مَعَ ابْنِ المُبَارَكِ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ بِطَرَسُوْسَ، فَصَاحَ النَّاسُ: النَّفِيرُ.
فَخَرَجَ ابْنُ المُبَارَكِ، وَالنَّاسُ، فَلَمَّا اصطَفَّ الجَمْعَانِ، خَرَجَ رُوْمِيٌّ، فَطَلَبَ البِرَازَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَشَدَّ العِلْجُ عَلَيْهِ، فَقَتَلَهُ، حَتَّى قَتَلَ سِتَّةً مِنَ المُسْلِمِيْنَ، وَجَعَلَ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ يَطلُبُ المُبَارَزَةَ، وَلاَ يَخْرُجُ إِلَيْهِ أَحَدٌ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ ابْنُ المُبَارَكِ، فَقَالَ: يَا فُلاَنُ! إِنْ قُتِلْتُ، فَافعَلْ كَذَا وَكَذَا.
ثُمَّ حَرَّكَ دَابَّتَه، وَبَرَزَ لِلْعِلْجِ، فَعَالَجَ مَعَهُ سَاعَةً، فَقَتَلَ العِلْجَ، وَطَلَبَ المُبَارَزَةَ، فَبَرَزَ لَهُ عِلْجٌ آخَرُ، فَقَتَلَهُ، حَتَّى قَتَلَ سِتَّةَ عُلُوجٍ، وَطَلَبَ البِرَازَ، فَكَأَنَّهُم كَاعُوا عَنْهُ،
فَضَرَبَ دَابَّتَه، وَطَرَدَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، ثُمَّ غَابَ، فَلَمْ نَشْعُرْ بِشَيْءٍ، وَإِذَا أَنَا بِهِ فِي المَوْضِعِ الَّذِي كَانَ، فَقَالَ لِي:يَا عَبْدَ اللهِ! لَئِنْ حَدَّثتَ بِهَذَا أَحَداً، وَأَنَا حَيٌّ ... ، فَذَكَرَ كَلِمَةً.
قَالَ أَبُو صَالِحٍ الفَرَّاءُ: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ عَنْ كِتَابَةِ العِلْمِ، فَقَالَ: لَوْلاَ الكِتَابُ مَا حَفِظْنَا.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: الحِبْرُ فِي الثَّوْبِ خَلُوْقُ العُلَمَاءِ.
وَقَالَ: تَوَاطُؤُ الجِيْرَانِ عَلَى شَيْءٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ ابْنَ المُبَارَكِ مَرَّ بِرَاهِبٍ عِنْدَ مَقْبُرَةٍ وَمَزْبَلَةٍ، فَقَالَ:
يَا رَاهِبُ، عِنْدَكَ كَنْزُ الرِّجَالِ، وَكَنْزُ الأَمْوَالِ، وَفِيْهِمَا مُعْتَبَرٌ.
وَقَدْ تَفَقَّهَ ابْنُ المُبَارَكِ بِأَبِي حَنِيْفَةَ، وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِي تَلاَمِذَتِهِ.
وَكَانَ عَبْدُ اللهِ غَنِيّاً، شَاكِراً، رَأْسُ مَالِهِ نَحْوُ الأَرْبَعِ مائَةِ أَلْفٍ.
قَالَ حِبَّانُ بنُ مُوْسَى: رَأَيْتُ سُفرَةَ ابْنِ المُبَارَكِ حُمِلَتْ عَلَى عَجَلَةٍ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيُّ: رَأَيْتُ بَعِيْرَيْنِ مُحَمَّلَيْنِ دَجَاجاً مَشْوِياً لِسُفْرَةِ ابْنِ المُبَارَكِ.
وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَهْمٍ، قَالَ:
كُنْتُ مَعَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَكَانَ يَأْكُلُ كُلَّ يَوْمٍ، فَيُشْوَى لَهُ جَدْيٌ، وَيُتَّخَذُ لَهُ فَالُوذَقُ، فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ:
إِنِّيْ دَفَعتُ إِلَى وَكِيلِي أَلْفَ دِيْنَارٍ، وَأَمَرتُهُ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْنَا.
قَالَ الحَسَنُ بنُ حَمَّادٍ: دَخَلَ أَبُو أُسَامَةَ عَلَى ابْنِ المُبَارَكِ، فَوَجَدَ فِي
وَجْهِه عَبْدُ اللهِ أَثَرَ الضُّرِّ، فَلَمَّا خَرَجَ، بَعَثَ إِلَيْهِ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ:وَفَتَىً خَلاَ مِنْ مَالِهِ ... وَمِنَ المُرُوءةِ غَيْرُ خَالِ
أَعْطَاكَ قَبْلَ سُؤَالِهِ ... وَكَفَاكَ مَكْرُوهَ السُّؤَالِ
وَقَالَ المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: أَرْسَلَ ابْنُ المُبَارَكِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: سُدَّ بِهَا فِتْنَةَ القَوْمِ عَنْكَ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَمَ: قُلْتُ لِعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ:
كَيْفَ فَضَلَكُمُ ابْنُ المُبَارَكِ، وَلَمْ يَكُنْ بِأَسَنَّ مِنْكُم؟
قَالَ: كَانَ يَقْدَمُ، وَمَعَهُ الغِلْمَةُ الخُرَاسَانِيَّةُ، وَالبِزَّةُ الحَسَنَةُ، فَيَصِلُ العُلَمَاءَ، وَيُعْطِيْهِم، وَكُنَّا لاَ نَقدِرُ عَلَى هَذَا.
قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: قَدِمَ ابْنُ المُبَارَكِ أَيْلَةَ عَلَى يُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ، وَمَعَهُ غُلاَمٌ مُفرَّغٌ لِعَمَلِ الفَالُوذَجِ، يَتَّخِذُهُ لِلْمُحَدِّثِيْنَ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي الخَيْرِ فِي كِتَابِهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (البَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ ) .
فَقُلْتُ لِلْوَلِيْدِ: أَيْنَ سَمِعْتَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ؟
قَالَ: فِي الغَزْوِ.
عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: لِيَكُنْ مَجْلِسُكَ مَعَ المَسَاكِيْنِ، وَاحْذَرْ أَنْ تَجلِسَ مَعَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ.قَالَ الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ: لَمَّا احْتُضِرَ ابْنُ المُبَارَكِ فِي السَّفَرِ، قَالَ: أَشْتَهِي سَوِيْقاً.
فَلَمْ نَجِدْه إِلاَّ عِنْدَ رَجُلٍ كَانَ يَعْمَلُ لِلسُّلْطَانِ، وَكَانَ مَعَنَا فِي السَّفِيْنَةِ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِعَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: دَعُوْهُ.
فَمَاتَ وَلَمْ يَشْرَبْهُ.
قَالَ العَلاَءُ بنُ الأَسْوَدِ: ذُكِرَ جَهْمٌ عِنْدَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَقَالَ:
عَجِبتُ لِشَيْطَانٍ أَتَى النَّاسَ دَاعِياً ... إِلَى النَّارِ وَانشَقَّ اسْمُهُ مِنْ جَهَنَّمِ
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا نَزَلَ بِأَهْلِهِ الضِّيْقُ، أَمَرَهُمْ بِالصَّلاَةِ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا، لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً، نَحْنُ نَرْزُقُكَ}.
هَذَا مُرْسَلٌ، قَدِ انْقَطَع فِيْهِ مَا بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَجَدِّ أَبِيْهِ عَبْدِ اللهِ.
وَقَدْ كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ -رَحِمَهُ اللهُ- شَاعِراً، مُحْسِناً، قَوَّالاً بِالحَقِّ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ جَمِيْلٍ المَرْوَزِيُّ: قِيْلَ لابْنِ المُبَارَكِ:
إِنَّ إِسْمَاعِيْلَ بنَ عُلَيَّةَ قَدْ وَلِي القَضَاءَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ:
يَا جَاعِلَ العِلْمِ لَهُ بَازِياً ... يَصْطَادُ أَمْوَالَ المَسَاكِيْنِ
احْتَلْتَ لِلدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا ... بِحِيْلَةٍ تَذْهَبُ بِالدِّيْنِفِصِرتَ مَجْنُوْناً بِهَا بَعْد مَا ... كُنْتَ دَوَاءً لِلمَجَانِيْنِ
أَيْنَ رِوَايَاتُكَ فِي سَرْدِهَا ... عَنِ ابْنِ عَوْنٍ وَابْنِ سِيْرِيْنِ
أَيْنَ رِوَايَاتُكَ فِيْمَا مَضَى ... فِي تَرْكِ أَبْوَابِ السَّلاَطِيْنِ
إِنْ قُلْتَ: أُكْرِهْتُ، فَمَاذَا كَذَا ... زَلَّ حِمَارُ العِلْمِ فِي الطِّيْنِ
وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ قَاضِي نَصِيْبِيْنَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي سُكَيْنَةَ، قَالَ:
أَمْلَى عَلَيَّ ابْنُ المُبَارَكِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَأَنفَذَهَا مَعِي إِلَى الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ مِنْ طَرَسُوْسَ:
يَا عَابِدَ الحَرَمِيْنِ لَوْ أَبْصَرْتَنَا ... لَعَلِمْتَ أَنَّكَ فِي العِبَادَةِ تَلْعَبُ
مَنْ كَانَ يَخْضِبُ جِيْدَهُ بِدُمُوْعِهِ ... فَنُحُوْرُنَا بِدِمَائِنَا تَتَخَضَّبُ
أَوْ كَانَ يُتْعِبُ خَيْلَهُ فِي بَاطِلٍ ... فَخُيُوْلُنَا يَوْمَ الصَّبِيْحَةِ تَتْعَبُ
رِيْحُ العَبِيْرِ لَكُمْ وَنَحْنُ عَبِيْرُنَا ... رَهَجُ السَّنَابِكِ وَالغُبَارُ الأَطْيَبُ
وَلَقَدْ أَتَانَا مِنْ مَقَالِ نَبِيِّنَا ... قَوْلٌ صَحِيْحٌ صَادِقٌ لاَ يُكْذَبُ:
لاَ يَسْتَوِي وَغُبَارُ خَيْلِ اللهِ فِي ... أَنْفِ امْرِئٍ وَدُخَانُ نَارٍ تَلهبُ
هَذَا كِتَابُ اللهِ يَنْطِقُ بَيْنَنَا ... لَيْسَ الشَّهِيْدُ بِمَيِّتٍ لاَ يُكْذَبُ
فَلَقِيْتُ الفُضَيْلَ بِكِتَابِهِ فِي الحَرَمِ، فَقَرَأَهُ، وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَنَصَحَ.قَالَ ابْنُ سَهْمٍ الأَنْطَاكِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يُنْشِدُ:
فَكَيْفَ قَرَّتْ لأَهْلِ العِلْمِ أَعْيُنُهُم ... أَوِ اسْتَلَذُّوا لَذِيذَ النَّوْمِ أَوْ هَجَعُوا
وَالنَّارُ ضَاحِيَةٌ لاَ بُدَّ مَوْرِدُهَا ... وَلَيْسَ يَدْرُوْنَ مَنْ يَنْجُو وَمَنْ يَقَعُ
وَطَارَتِ الصُّحْفُ فِي الأَيْدِي مُنَشَّرَةً ... فِيْهَا السَّرَائِرُ وَالجَبَّارُ مُطَّلِعُ
إِمَّا نَعِيْمٌ وَعَيْشٌ لاَ انْقِضَاءَ لَهُ ... أَوِ الجَحِيمُ فَلاَ تُبْقِي وَلاَ تَدَعُ
تَهْوِي بِسَاكِنِهَا طَوْراً وَتَرْفَعُهُ ... إِذَا رَجَوْا مَخْرَجاً مِنْ غَمِّهَا قُمِعُوا
لِيَنْفَعِ العِلْمُ قَبْلَ المَوْتِ عَالِمَهُ ... قَدْ سَالَ قَوْمٌ بِهَا الرُّجْعَى فَمَا رَجَعُوا
وَرَوَى: إِسْحَاقُ بنُ سُنَيْنٍ لابْنِ المُبَارَكِ:
إِنِّيْ امْرُؤٌ لَيْسَ فِي دِيْنِي لِغَامِزِه ... لِيْنٌ، وَلَسْتُ عَلَى الإِسْلاَمِ طَعَّانَا
فَلاَ أَسُبُّ أَبَا بَكْرٍ وَلاَ عُمَراً ... وَلَنْ أَسُبَّ - مَعَاذَ اللهِ - عُثْمَانَا
وَلاَ ابْنَ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ أَشْتِمُهُ ... حَتَّى أُلَبَّسَ تَحْتَ التُّربِ أَكْفَانَا
وَلاَ الزُّبَيْرَ حَوَارِيَّ الرَّسُوْلِ، وَلاَ ... أُهْدِي لِطَلْحَةَ شَتْماً عَزَّ أَوْ هَانَاوَلاَ أَقُوْلُ: عَلِيٌّ فِي السَّحَابِ، إِذاً ... قَدْ قُلْتُ -وَاللهِ- ظُلْماً ثُمَّ عُدْوَانَا
وَلاَ أَقُوْلُ بِقَوْلِ الجَهْمِ، إِنَّ لَهُ ... قَوْلاً يُضَارِعُ أَهْلَ الشِّركِ أَحْيَانَا
وَلاَ أَقُوْلُ: تَخَلَّى مِنْ خَلِيقَتِهِ ... رَبُّ العِبَادِ وَوَلَّى الأَمْرَ شَيْطَانَا
مَا قَالَ فِرْعَوْنُ هَذَا فِي تَمَرُّدِهِ ... فِرْعَوْنُ مُوْسَى وَلاَ هَامَانُ طُغْيَانَا
اللهُ يَدْفَعُ بِالسُّلْطَانِ مُعْضِلَةً ... عَنْ دِيْنِنَا رَحْمَةً مِنْهُ وَرِضْوَانَا
لَوْلاَ الأَئِمَّةُ لَمْ تَأْمَنْ لَنَا سُبُلٌ ... وَكَانَ أَضْعَفُنَا نَهْباً لأَقْوَانَا
فَيُقَالُ: إِنَّ الرَّشِيْدَ أَعْجَبَهُ هَذَا، فَلَمَّا أَن بَلَغَهُ مَوْتُ ابْنِ المُبَارَكِ بِهِيْتَ، قَالَ:
إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ، يَا فَضْلُ! إِيْذَنْ لِلنَّاسِ يُعَزُّونَا فِي ابْنِ المُبَارَكِ.
وَقَالَ: أَمَا هُوَ القَائِلُ:
اللهُ يَدفَعُ بِالسُّلْطَان مُعْضِلَةً ... ...
فَمَنِ الَّذِي يَسْمَعُ هَذَا مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَلاَ يَعْرِفُ حَقَّنَا؟
قَالَ الكُدَيْمِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ فُضَيلِ
بنِ عِيَاضٍ وَعِنْدَهُ ابْنُ المُبَارَكِ، فَقَالَ قَائِلٌ: إِنَّ أَهْلَكَ وَعِيَالَكَ قَدِ احْتَاجُوا مَجْهُوْدِيْنَ مُحْتَاجِينَ إِلَى هَذَا المَالِ، فَاتَّقِ اللهَ، وَخُذْ مِنْ هَؤُلاَءِ القَوْمِ.فَزَجَرَهُ ابْنُ المُبَارَكِ، وَأَنْشَأَ يَقُوْلُ:
خُذْ مِنَ الجَارُوْشِ وَال ـ ... آرُزِّ وَالخُبْزِ الشَّعِيْرِ
وَاجْعَلَنْ ذَاكَ حَلاَلاً ... تَنْجُ مِنْ حَرِّ السَّعِيْرِ
وَانْأَ مَا اسْطَعْتَ هَدَا ... كَ اللهُ عَنْ دَارِ الأَمِيْرِ
لاَ تَزُرْهَا وَاجْتَنِبْهَا ... إِنَّهَا شَرُّ مَزُورِ
تُوهِنُ الدِّيْنَ وَتُدْ ... نِيْكَ مِنَ الحُوبِ الكَبِيْرِ
قَبْلَ أَنْ تَسْقُطَ يَا ... مَغْرُوْرُ فِي حُفْرَةِ بِيْرِ
وَارْضَ - يَا وَيْحَكَ! - مِنْ ... دُنْيَاكَ بِالقُوتِ اليَسِيْرِ
إِنَّهَا دَارُ بَلاَءٍ ... وَزَوَالٍ وَغُرُوْرِ
مَا تَرَى قَدْ صَرَعَتْ ... قَبْلَكَ أَصْحَابَ القُصُوْرِ؟
كَمْ بِبَطْنِ الأَرْضِ مِنْ ... ثَاوٍ شَرِيْفٍ وَوَزِيْرِ؟
وَصَغِيْرِ الشَّأْنِ عَبْدٍ ... خَامِلِ الذِّكرِ حَقِيْرِ؟
لَوْ تَصَفَّحتَ وُجُو ... هَ القَوْمِ فِي يَوْمٍ نَضِيْرِ
لَمْ تُمَيِّزْهُم، وَلَم ... تَعْرِفْ غَنِيّاً مِنْ فَقِيْرِ
خَمَدُوا فَالقَوْمُ صَرْعَى ... تَحْتَ أَشقَاقِ الصُّخُورِ
وَاسْتَوَوْا عِنْدَ مَلِيكٍ ... بِمَسَاوِيهِم خَبِيْرِ
احْذَرِ الصَّرْعَةَ يَا ... مِسْكِيْنُ مِنْ دَهْرٍ عَثُورِ
أَيْنَ فِرْعَوْنُ وَهَا ... مَانُ وَنُمْرُودُ النُّسُورِ؟
أَوَ مَا تَخْشَاهُ أَنْ ... يَرْمِيكَ بِالمَوْتِ المُبِيْرِ؟
أَوَ مَا تَحْذَرُ مِنْ ... يَوْمٍ عَبُوْسٍ قَمْطَرِيْرِ؟
اقْمَطرَّ الشَّرُّ فِيْهِ ... بِعَذَابِ الزَّمْهرِيْرِ
قَالَ: فَغُشِيَ عَلَى الفُضَيْلِ، فَردَّ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْخُذْه.وَلابْنِ المُبَارَكِ:
جَرَّبتُ نَفْسِي فَمَا وَجَدْتُ لَهَا ... مِنْ بَعْدِ تَقْوَى الإِلَهِ كَالأَدَبِ
فِي كُلِّ حَالاَتِهَا وَإِنْ كَرِهَتْ ... أَفْضَلَ مِنْ صَمْتِهَا عَنِ الكَذِبِ
أَوْ غِيْبَةِ النَّاسِ إِنَّ غِيْبَتَهُم ... حَرَّمَهَا ذُو الجَلاَلِ فِي الكُتُبِ
قُلْتُ لَهَا طَائِعاً وَأُكْرِهُهَا ... : الحِلْمُ وَالعِلْمُ زَيْنُ ذِي الحَسَبِ
إِنْ كَانَ مِنْ فِضَّةٍ كَلاَمُكِ يَا ... نَفْسُ، فَإِنَّ السُّكُوتَ مِنْ ذَهَبِ
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: أَنْشَدَنِي يَعْقُوْبُ بنُ مُحَمَّدٍ لابْنِ المُبَارَكِ:
أَبِإِذْنٍ نَزَلْتَ بِي يَا مَشِيْبُ ... أَيُّ عَيْشٍ وَقَدْ نَزَلْتَ يَطِيْبُ؟
وَكَفَى الشَّيْبُ وَاعِظاً غَيْرَ أَنِّي ... آمُلُ العَيْشَ وَالمَمَاتُ قَرِيْبُ
كَمْ أُنَادِي الشَّبَابَ إِذْ بَانَ مِنِّي ... وَنِدَائِي مُوَلِّياً مَا يُجِيْبُ
وَبِهِ:
يَا عَائِبَ الفَقْرِ أَلاَ تَزْدَجِرْ؟ ... عَيْبُ الغِنَى أَكْثَرُ لَوْ تَعْتَبِرْ
مِنْ شَرَفِ الفَقْرِ وَمِنْ فَضْلِهِ ... عَلَى الغِنَى لَوْ صَحَّ مِنْكَ النَّظَرْ
أَنَّكَ تَعْصِي لِتَنَالَ الغِنَى ... وَلَيْسَ تَعْصِي اللهَ كِي تَفْتَقِرْ
قَالَ حِبَّانُ بنُ مُوْسَى: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يُنشِدُ:
كَيْفَ القَرَارُ وَكَيْفَ يَهْدَأُ مُسْلِمٌ ... وَالمُسْلِمَاتُ مَعَ العَدُوِّ المُعْتَدِي؟
الضَّارِبَاتُ خُدُوْدَهُنَّ بِرَنَّةٍ ... الدَّاعِيَاتُ نَبِيَّهُنَّ مُحَمَّدِ
القَائِلاَتُ إِذَا خَشِيْنَ فَضِيحَةً ... جَهدَ المَقَالَةِ: لَيْتَنَا لَمْ نُولَدِ
مَا تَسْتَطِيْعُ وَمَا لَهَا مِنْ حِيْلَةٍ ... إِلاَّ التَّسَتُّرُ مِنْ أَخِيْهَا بِاليَدِ
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيُّ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَانْهَدَّ القَهَنْدَزُ، فَأَتَى بِسِنَّيْنِ، فَوُجِدَ وَزْنُ أَحَدِهِمَا مَنَوَانِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ:أَتَيْتُ بِسِنَّيْنِ قَدْ رُمَّتَا ... مِنَ الحِصْنِ لَمَّا أَثَارُوا الدَّفِيْنَا
عَلَى وَزْنِ مَنَوَيْنِ، إِحْدَاهُمَا ... تُقِلُّ بِهِ الكَفُّ شَيْئاً رَزِيْنَا
ثَلاَثُوْنَ سِنّاً عَلَى قَدْرِهَا ... تَبَارَكْتَ يَا أَحسَنَ الخَالِقِيْنَا!
فَمَاذَا يَقُوْمُ لأَفْوَاهِهَا ... وَمَا كَانَ يَمْلأُ تِلْكَ البُطُونَا
إِذَا مَا تَذَكَّرْتُ أَجسَامَهُم ... تَصَاغَرَتِ النَّفْسُ حَتَّى تَهُوْنَا
وَكُلٌّ عَلَى ذَاكَ ذَاقَ الرَّدَى ... فَبَادُوا جَمِيْعاً، فَهُم هَامِدُوْنَا
وَجَاءَ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ - وَيُقَالُ: بَلْ هِيَ لِحَمِيْدٍ النَّحْوِيِّ -:
اغْتَنِمْ رَكْعَتَيْنِ زُلفَى إِلَى اللهِ ... إِذَا كُنْتَ فَارِغاً مُسْتَرِيْحَا
وَإِذَا مَا هَمَمْتَ بِالنُّطْقِ بِالبَاطِلِ ... فَاجْعلْ مَكَانَهُ تَسْبِيْحَا
فَاغْتِنَامُ السُّكُوتِ أَفْضَلُ مِنْ ... خَوْضٍ، وَإِنْ كُنْتَ بِالكَلاَمِ فَصِيْحَا
وَسَمِعَ بَعْضُهُم ابْنَ المُبَارَكِ وَهُوَ يُنْشِدُ عَلَى سُوْرِ طَرَسُوْسَ:
وَمِنَ البَلاَءِ وَلِلْبَلاَءِ عَلاَمَةٌ ... أَنْ لاَ يُرَى لَكَ عَنْ هَوَاكَ نُزُوعُ
العَبْدُ عَبْدُ النَّفْسِ فِي شَهَوَاتِهَا ... وَالحُرُّ يَشْبَعُ مَرَّةً وَيَجُوْعُ
قَالَ أَبُو أُمَيَّةَ الأَسْوَدُ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:
أُحِبُّ الصَّالِحِيْنَ وَلَسْتُ مِنْهُم، وَأُبْغِضُ الطَّالِحِيْنَ وَأَنَا شَرٌّ مِنْهُم، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُوْلُ:
الصَّمْتُ أَزْيَنُ بِالفَتَى ... مِنْ مَنْطِقٍ فِي غَيْرِ حِيْنِهِوَالصِّدْقُ أَجْمَلُ بِالفَتَى ... فِي القَوْلِ عِنْدِي مِنْ يَمِيْنِهِ
وَعَلَى الفَتَى بِوَقَارِهِ ... سِمَةٌ تَلُوحُ عَلَى جَبِيْنِهِ
فَمَنِ الَّذِي يَخفَى عَلَي ـ ... ـكَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَى قَرِيْنِهِ
رُبَّ امْرِئٍ مُتَيَقِّنٍ ... غَلَبَ الشَّقَاءُ عَلَى يَقِيْنِهِ
فَأَزَالَهُ عَنْ رَأْيِهِ ... فَابْتَاعَ دُنْيَاهُ بِدِيْنِهِ
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:
لَمَّا احْتُضِرَ ابْنُ المُبَارَكِ، جَعَلَ رَجُلٌ يُلَقِّنُهُ، قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ.
فَأَكْثَرَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: لَسْتَ تُحْسِنُ، وَأَخَافُ أَنْ تُؤْذِيَ مُسْلِماً بَعْدِي، إِذَا لَقَّنْتَنِي، فَقُلْتُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، ثُمَّ لَمْ أُحْدِثْ كَلاَماً بَعْدَهَا، فَدَعْنِي، فَإِذَا أَحْدَثْتُ كَلاَماً، فَلَقِّنِّي حَتَّى تَكُوْنَ آخِرَ كَلاَمِي.
يُقَالُ: إِنَّ الرَّشِيْدَ لَمَّا بَلَغَهُ مَوْتُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: مَاتَ اليَوْمَ سَيِّدُ العُلَمَاءِ.
قَالَ عَبْدَانُ بنُ عُثْمَانَ: مَاتَ ابْنُ المُبَارَكِ بِهِيْتَ وَعَانَاتَ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ حَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ: قَالَ لِي ابْنُ المُبَارَكِ قَبْلَ أَنْ يَمُوْتَ: أَنَا ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ذَهَبْتُ لأَسْمَعَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، فَلَمْ أُدْرِكْهُ، وَكَانَ قَدْ قَدِمَ بَغْدَادَ، فَخَرَجَ إِلَى الثَّغْرِ، وَلَمْ أَرَهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ: رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ فِي النَّومِ، فَقُلْتُ: أَيُّ العَمْلِ أَفْضَلُ؟قَالَ: الأَمْرُ الَّذِي كُنْتُ فِيْهِ.
قُلْتُ: الرِّبَاطُ وَالجِهَادُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَمَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟
قَالَ: غَفَرَ لِي مَغْفِرَةً مَا بَعْدَهَا مَغْفِرَةٌ.
رَوَاهَا: رَجُلاَنِ، عَنْ مُحَمَّدٍ.
وَقَالَ العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّسَفِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ وَاقِفاً عَلَى بَابِ الجَنَّةِ، بِيَدِهِ مِفْتَاحٌ، فَقُلْتُ: مَا يُوقِفُكَ هَهُنَا؟
قَالَ: هَذَا مِفْتَاحُ الجَنَّةِ، دَفَعَهُ إِلَيَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: حَتَّى أَزُورَ الرَّبَّ، فَكُنْ أَمِيْنِي فِي السَّمَاءِ، كَمَا كُنْتَ أَمِيْنِي فِي الأَرْضِ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَصِّيْصِيُّ: رَأَيْتُ الحَارِثَ بنَ عَطِيَّةَ فِي النَّومِ، فَسَأَلتُهُ، فَقَالَ: غَفَر لِي.
قُلْتُ: فَابْنُ المُبَارَكِ؟
قَالَ: بَخٍ بَخٍ، ذَاكَ فِي عِلِّيِّينَ، مِمَّنْ يَلِجُ عَلَى اللهِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ.
وَعَنْ نَوْفَلٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ فِي النَّومِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟
قَالَ: غَفَرَ لِي بِرِحْلَتِي فِي الحَدِيْثِ، عَلَيْكَ بِالقُرْآنِ، عَلَيْكَ بِالقُرْآنِ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ السَّوَاقُ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، قَالَ:
رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟
قَالَ: غَفَرَ لِي بِرِحْلَتِي.
قَالَ النَّسَائِيُّ: أَثْبَتُ النَّاسِ فِي الأَوْزَاعِيِّ: عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ.
قَالَ الفَسَوِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) : سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الرَّبِيْعِ يَقُوْلُ:
شَهِدْتُ مَوْتَ ابْنِ المُبَارَكِ، مَاتَ لِعَشْرٍ مَضَى مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَمَاتَ سَحَراً، وَدَفَنَّاهُ بِهِيْتَ.
وَلبَعْضِ الفُضَلاَءِ:
مَرَرْتُ بِقَبْرِ ابْنِ المُبَارَكِ غَدْوَةً ... فَأَوْسَعَنِي وَعْظاً وَلَيْسَ بِنَاطِقِ
وَقَدْ كُنْتُ بِالعِلْمِ الَّذِي فِي جَوَانِحِي ... غَنِيّاً وَبِالشَّيْبِ الَّذِي فِي مَفَارِقِيوَلَكِنْ أَرَى الذِّكْرَى تُنَبِّهُ عَاقِلاً ... إِذَا هِيَ جَاءتْ مِنْ رِجَالِ الحَقَائِقِ
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ الطَّائِيِّ، أَخْبَرَكُمُ القَاضِي أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ مُميلٍ الشَّافِعِيُّ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ بِمَنْزِلِهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيٍّ الخَرَقِيُّ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ السُّوْسِيُّ، أَخْبَرَنَا سَهْلُ بنُ بِشْرٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُنِيْرٍ الخَلاَّلُ، حَدَّثَنِي خَالِي أَحْمَدُ بنُ عَتِيْقٍ الخَشَّابُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الأَصْبَغِ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بنُ مَرْثَدٍ، سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ الفَرَّاءَ، سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:
المَرْءُ مِثْلُ هِلاَلٍ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ ... يَبدُو ضَئِيْلاً تَرَاهُ ثُمَّ يَتَّسِقُ
حَتَّى إِذَا مَا تَرَاهُ ثُمَّ أَعقَبَهُ ... كَرُّ الجَدِيْدَيْنِ نَقْصاً ثُمَّ يَمَّحِقُ
مِنْ (تَارِيْخِ أَبِي عُمَرَ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ الصَّدَفِيِّ) : مُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى اللَّيْثِيِّ، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ مَالِكٍ، فَاسْتُؤْذِنَ لِعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ بِالدُّخُولِ، فَأَذِنَ لَهُ، فَرَأَيْنَا مَالِكاً تَزَحزَحَ لَهُ فِي مَجْلِسِهِ، ثُمَّ أَقعَدَهُ بِلصْقِهِ، وَمَا رَأَيْتُ مَالِكاً تَزَحزَحَ لأَحَدٍ فِي مَجْلِسِهِ غَيْرِه، فَكَانَ القَارِئُ يَقْرَأُ عَلَى مَالِكٍ، فَرُبَّمَا مَرَّ بِشَيْءٍ، فَيَسْأَلُهُ مَالِكٌ: مَا مَذْهَبُكُم فِي هَذَا؟ أَوْ: مَا عِنْدَكُم فِي هَذَا؟
فَرَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يُجَاوِبُه، ثُمَّ قَامَ، فَخَرَجَ، فَأُعْجِبَ مَالِكٌ بِأَدَبِهِ، ثُمَّ قَالَ لَنَا مَالِكٌ: هَذَا ابْنُ المُبَارَكِ فَقِيْهُ خُرَاسَانَ.
عَنِ المُسَيَّبِ بنِ وَاضِحٍ، قَالَ: أَرْسَلَ ابْنُ المُبَارَكِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: سُدَّ بِهَذِهِ فِتْنَةَ القَوْمِ عَنْكَ.
وَسُئِلَ ابْنُ المُبَارَكِ بِحُضُوْرِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ:
إِنَّا نُهِيْنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ عِنْد أَكَابِرِنَا.
قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يُحَدِّثُ مِنْ كِتَابٍ، وَمَنْ حَدَّثَ مِنْ كِتَابٍ، لاَ يَكَادُ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ سَقطٌ كَثِيْرٌ.وَكَانَ وَكِيْعٌ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ، فَكَانَ يَكُوْنُ لَهُ سَقَطٌ، كَمْ يَكُوْنُ حِفْظُ الرَّجُلِ؟
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=151667&book=5518#4025bf
عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم
ابن عيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب، أبو محمد.
ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو نصير السهمي صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان من أكثر أصحابه عنه حديثاً، وقيل: كان اسمه العاص فسماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله.
عن عبد الله بن عمرو قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنودي بالصلاة جامعة، فركع ركعتين بسجدة، ثم قام؛ فركع ركعتين بسجدة، ثم جلس حتى جُلِّي عن الشمس، فقالت عائشة: ما سجد سجوداً، ولا ركع ركوعاً قط أطول منه.
وعنه أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل كقلبٍ واحد، يصرفه حيث يشاء " ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم مُصرِّف القلوب اصرف قلوبنا إلى طاعتك ".
كتب معاوية بن أبي سفيان إلى مسلمة بن مخلد: أن سل عبد الله بن عمرو بن العاص أسمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تقدس أمة لا يقضى فيها بالحق، ويأخذ الضعيف حقه من القوي غير مضطر "؟ فإن أخبرك أنه سمع من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فابعثه إلي على مركبة من البريد، فقدم على البريد، فقال: أنت
سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوله؟ قال: نعم، قال معاوية: وأنا سمعته منه كما سمعته.
قال الزبير بن بكار: كان عبد الله بن عمرو يصوم الدهر، ويقوم الليل، فبلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: " صم، وأفطر، وصل، ونم ".
أم عبد الله بن عمرو ريطة بنت مُنبِّه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعيد بن سهم، أسلم قبل أبيه، وكان له من الولد: محمد وبه كان يكنى، وهشام، وهاشم، وعمران، وأم إياس، وأم عبد الله، وأم سعيد، وشهد الفتح بمصر، واختط بمصر، استأذن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الكتابة عنه في حال الغضب والرضى، فأذن له، وحفظ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألف مثل، وكان قد قرأ الكتب، وكان يرغب عن غثيان النساء، ولم يعل عمرو بن العاص ابنه في السن إلا بثنتي عشرة سنةً.
وكان عبد الله بن عمرو رجلاً سميناً طوالاً أحمر عظيم البطن.
عن عبد الله بن الحارث بن جزءٍ قال: توفي صاحب لنا غريب بالمدينة، وكنا على قبره، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما اسمك؟ " فقلت: العاص، وقال لعبد الله بن عمر: " ما اسمك؟ " فقال: العاص، وقال لعبد الله بن عمرو: " ما اسمك؟ " فقال: العاص، فقال: " أنزلوه فاقبروه، فأنتم عبيد الله " قال: فقبرنا أخانا وخرجنا وقد بدلت أسماؤنا.
عن عقبة بن عامر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " نِعْم أهل البيت أبو عبد الله، وأم عبد الله، وعبد الله ".
عن أبي أمامة قال: مر ابن العاص على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو مسبل إزاره، ومسبل جُمَّته، فقال: "
نِعْم الفتى ابن العاص لو شمر من مئزره، وقصر من لمته " قال: فحلق رأسه، وقصر، ورفع إزاره إلى الركبة.
عن عبد الله بن عمرو قال: دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيتي هذا، فقال: " يا عبد الله، ألم أخبرك أنك تكلفت قيام الليل، وصيام النهار؟ " قال: قلت: إني لأفعل، قال: فقال: " إن من حسبك - ولم يقل افعل - أن تصوم من كل شهرٍ ثلاثة أيامٍ؛ الحسنة بعشر أمثالها، فكأنك قد صمت الدهر كله "، قال: قلت: يا رسول الله إني أجد قوة، وإني أحب أن تزيدني، قال: " فخمسة أيامٍ " قال: قلت: إني أجد قوة، فإني أحب أن تزيدني، قال: سبعة أيام " قال: فجعل يستزيده ويزيده يومين يومين حتى بلغ النصف، فقال: " إن أخي داود كان أعبد البشر، وإنه كان يقوم نصف الليل، ويصوم نصف الدهر؛ إن لأهلك عليك حقاً، وإن لعبدك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً " فكان عبد الله بعدما كبر وأدركه السن يقول: ألا كنت قبلت رخصة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحب إلي من أهلي ومالي.
وقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقرأ القرآن في شهرٍ " فقلت: إني أقوى، فقال: " اقرأه في خمسٍ وعشرين " قلت: إني أقوى، قال: " اقرأه في عشرين " قلت: إني أقوى: قال: " اقرأه في خمس عشرة " قلت: إني أقوى، قال: " اقرأه في عشر " قلت: إني أقوى، قال: " اقرأه في خمسٍ " قلت: إني أقوى، قال: " لا ".
عن عبد الله: أنه رأى في المنام كأن في إحدى يديه عسلاً، وفي الأخرى سمناً، فإنه يلعقهما، فأصبح فذكر ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " تقرأ الكتابين التوراة والقرآن " فكان يقرؤهما.
عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تدري من معنا في البيت؟ جبريل عليه السلام وقد سلم عليك ".
وقال: كنت أكتب كل شيءٍ أسمعه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أريد حفظه، فنهتني قريش، فقالوا: إنك تكتب كل شيءٍ تسمعه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشر يتكلم في الغضب والرضى، فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق ".
قال أبو هريرة: ما كان أحد أحفظ لحديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مني إلا عبد الله بن عمرو؛ فإني كنت أعي بقلبي ويعي بقلبه، ويكتب.
عن مجاهد قال: دخلت على عبد الله بن عمرو بن العاص، فتناولت صحيفة تحت رأسه، فتمنّع عليَّ، فقلت: تمنعني شيئاً من كتبك؟ فقال: إن هذه الصحيفة الصادقة التي سمعتها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس بيني وبينه أحد، فإذا سلم لي كتاب الله، وسلمت لي هذه الصحيفة والوهط لم أبال ما صنعت الدنيا.
عن سليمان بن الربيع العدوي قال: لقينا عمر، فقلنا: إن عبد الله بن عمرو حدثنا بكذا وكذا، فقال عمر: عبد الله بن عمرو أعلم بما يقول؛ قالها ثلاثاً، ثم نودي بالصلاة جامعة فاجتمع الناس إليه، فخطبهم عمر، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى يأتي أمر الله ".
قال عبد الله بن عمرو بن العاص: ابن عباس أعلمنا بما مضى، وأفقهنا فيما نزل مما لم يأت فيه شيء، قال عكرمة: فأخبرت ابن عباس بقوله، فقال: إن عنده لعلماً، ولقد كان يسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحلال والحرام.
عن عروة بن الزبير أن عائشة قالت له: يا بن أخت، إني قد أخبرت أن عبد الله بن عمرو حاج في عامه هذا، فالقه، فإنه قد حفظ عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث كثيرةً.
التقى كعب الأحبار وعبد الله بن عمرو، فقال كعب: أتطيُّر يا عبد الله؟ قال: نعم، قال: فما تقول؟ قال: الله لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا رب غيرك، ولا حول ولا قوة إلا بك، فقال: أنت أفقه العرب؛ إنها لمكتوبة في التوراة كما قلت.
وقدم كعب مكة، وبها عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال كعب: سلوه عن ثلاث، فإن أخبركم بهن فهو عالم؛ سلوه عن شيء من الجنة وضعه الله للناس في الأرض، وسلوه ما أول ماء وضع بالأرض، وما أول شجرة غرست بالأرض، فسئل عبد الله عنها، فقال: الشيء الذي وضعه الله للناس في الأرض فهذا الركن الأسود، وأول ماء وضع بالأرض فبرهوت ماء باليمن ترده هام الكفار، وأما أول شجرةٍ غرسها الله في الأرض فالعوسجة التي اقتطع منها موسى عصاه، فلما بلغ ذلك كعباً قال: صدق، الرجل والله عالم.
عن مولى لعمرو بن العاص: أن عبد الله بن عمرو نظر إلى المقبرة، فلما نظر إليها نزل، فصلى ركعتين، فقيل
له: هذا شيءٍ لم تكن تصنعه، فقال: ذكرت أهل القبور، وما حيل بينهم وبينه فأحببت أن أتقرب إلى الله عز وجل بهما.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: لأن أعمل اليوم عملاً أقر عليه أحب إلي من ضعفه فيما مضى؛ لأنا حين أسلمنا وقعنا في عمل الآخرة، فأما اليوم فقد خلبتنا الدنيا.
وقال: إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، ولا تبغضوا إلى أنفسكم عبادة الله عز وجل فإن المنبت لا بلغ بعداً، ولا أبقى ظهراً، وأعمل عمل امرئ يظن ألا يموت إلا هرماً، واحذر حذر امرئٍ يحسب أنه يموت غداً.
وقال: لأن أكون عاشر عشرةٍ مساكين يوم القيامة أحب إلي من أن أكون عاشر عشرةٍ أغنياء، فإن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا - يقول: يتصدق يميناً وشمالاً.
قال ابن أبي مليكة:
بينما عبد الله بن عمرو بن العاص يصلي وراء المقام، وهو يبكي، وقد كسف - أو خسف - القمر إذ مر به العلاء بن طارق، فوقف يسمع، فقال: ما توقفك يا بن أخي؟ تعجب من أني أبكي؟! والله إن هذا القمر يبكي من خشية الله، أما والله لو تعلمون اليقين لبكى أحدكم حتى ينقطع صوته، ولسجد حتى ينقطع صلبه.
عن عبد الله بن يزيد قال: قلت لعبد الله بن عمرو: بلغني أنك كنت من أحسن قريشٍ عيناً، فما الذي أرى بهما؟ قال: البكاء.
وقال عبد الله بن عمرو: ما أُعطي إنسان شيئاً خيراً من صحة، وعفة، وأمانة، وفقه.
وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يضرب فسطاطه في الحل، ويجعل مصلاه في الحرم، فقيل له: لِمَ تفعل ذلك؟ قال: لأن الأحداث في الحرم أشد منها في الحل.
قال عمرو بن العاص لابنه: يا بني، ما الشرف؟ قال: كف الأذى، وبذل الندى، قال: فما المروءة؟ قال: عرفان الحق، وتعاهد الصنعة، قال: فما المجد؟ قال: احتمال المغارم، وابتناء المكارم.
وسأله: ما الغي؟ قال: طاعة المفسد، وعصيان المرشد، قال: فما البله؟ قال: عمى القلب، وسرعة النسيان.
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص لأخواله - حي من عنزة يقال لهم بنو فلان - يا بني أمي إنه ليس الواصل الذي يصل من وصله، ويقطع من قطعه، وليس الحليم الذي يحلم عمن يحلم عنه، ويجهل على من يجهل، قالوا: فمن ذاك؟ قال: ذاك المنصف، إنما الحليم الذي يحلم عمن يحلم عنه، ويحلم عمن يجهل عليه.
هم أخوال أبيه عمرو بن العاص، وهذا الكلام محفوظ من كلام عمرو بن العاص.
عن حميد بن هلال قال: كان عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: دع ما لست منه في شيءٍ، ولا تنطق فيما لا يعنيك، واخزن لسانك كما تخزن ورقك.
قال الشعبي: قيل لعبد الله بن عمرو وهو قاعد بالكعبة: إن كنت تريد أن تذكر فقد ذكرت،
وإن كنت تريد أن يشاع حديثك فقد أشيع، حدثنا شيئاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعنا مما وجدت في خرجك، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ".
كانت راية عمرو بن العاص يوم اليرموك يحملها ابنه عبد الله بن عمرو.
وكان عبد الله بن عمرو بن العاص على الميمنة بصفين مع معاوية.
عن حنظلة بن خويلد العنزي قال: بينما أنا عند معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمارٍ، يقول كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال عبد الله بن عمرو: ليطب به أحدكما نفساً لصاحبه؛ فإني سمعت - يعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: " تقتله الفئة الباغية " فقال معاوية: ألا تغني عنا مجنونك يا عمرو، فما بالك معنا؟ قال: إن أبي شكاني إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أطع أباك ما دام حياً، ولا تعصه ما دام حياً " وأنا معكم ولست أقاتل.
وقال عبد الله بن عمرو: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاء أبو بكر، فاستأذن، فقال: " ائذن له وبشره بالجنة " ثم جاء عمر، فاستأذن، فقال: " ائذن له وبشره بالجنة " ثم جاء عثمان فاستأذن، فقال: " ائذن له وبشره بالجنة " قال: قلت: فأين أنا؟ قال: " أنت مع أبيك ".
وقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كيف بك إذا بقيت في حثالةٍ من الناس، قد مرجت عهودهم ومواثيقهم، وكانوا هكذا " - فخالف بين أصابعه - قال: تأمرني بأمرٍ
يا رسول الله؟ قال: " تأخذ ما تعرف، وتدع ما تنكر، وتعمل بخاصة نفسك، وتدع الناس وعوام أمرهم " قال: فلما كان يوم صفين قال له أبوه عمرو بن العاص: يا عبد الله بن عمرو، اخرج فقاتل، فقال: يا أبتاه أتأمرني أن أخرج فأقاتل، وقد سمعت ما سمعت يوم يعهد إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يعهد؟ فقال: أنشدك الله يا عبد الله بن عمرو ألم يكن آخر ما عهد إليك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أخذ بيدك فوضعها بيدي، ثم قال: " أطع أباك " قال: اللهم بلى، قال: فإني أعزم عليك أن تخرج فتقاتل، فخرج عبد الله بن عمرو، فقاتل يومئذٍ متقلداً بسيفين، فلما انكشف الحرب أنشأ عمرو بن العاص يقول: من الرمل
شبت الحرب فأعددت لها ... مفرغ الحارك مروي الثبجْ
يصل الشد بشدٍّ فإذا ... دنت الخيل من الشد معج
جرشع أعظمه جفرته ... فإذا ابتل من الماء حدج
قال: وأنشأ عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: من الطويل
فلو شهدت جمل مقامي ومشهدي ... بصفين يوماً شاب منها الوائب
عشية جا أهل العراق كأنهم ... سحاب ربيعٍ دفعته الجنائب
وجئناهم نردي كأن صفوفنا ... من البحر موج موجه متراكب
إذا قلت: قد ولوا سراعاً بدت لنا ... كتائب منهم، وارجحنّت كتائب
فدارت رحانا واستدارت رحاهم ... سراة النهار ما تولي المناكب
كان عبد الله بن عمرو بن العاص في زمن عمر وعثمان بمصر يجلس يحدث، وكان يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنها ستكون فتنة عمياء صماء الراقد فيها خير من اليقظان، والجالس فيها خير من القائم، والماشي فيها خير من الساعي " فلما كانت الفتنة التي كانت بين معاوية وعلي حضر عبد الله بن عمرو صفين فقاتل فيها، فاستعمل معاوية بذلك عمرو بن العاص على مصر، فلما ولي عبد الله مصر جلس ذلك المجلس الذي كان يجلسه في زمن عمر وعثمان، فحدث كيف كان القتال بصفين، فقال له رجل من أهل مصر: قاتلت؟ قال: بلى، قال: والله لا أكلمك كلمةً بعد هذا.
عن عبد الله بن أبي مُليكة قال: كان عبد الله بن عمرو يأتي الجمعة من المغمَّس، فيصلي الصبح، ثم يرتفع إلى الحجر ويكبر حتى تطلع الشمس، ثم يقوم في جوف الحجر، فيجلس إليه الناس، فقال يوماً: ما أفرق على نفسي إلا من ثلاثٍ: مواطن في دم عثمان. فقال له عبد الله بن صفوان: إن كنت رضيت قتله فقد شركت في دمه، وأني آخذ المال، فأقول: أقرضه الله هذه الليلة، فيصبح في مكانه، فقال ابن صفوان: أنت امرؤ لم توق شح نفسك، ويوم صفين.
عن سليمان بن الربيع قال: انطلقت في رهْطٍ من نسألك أهل البصرة إلى مكة، فقلنا: لو نظرنا رجلاً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتحدثنا إليه، فدللنا على عبد الله بن عمرو بن العاص، فأتينا منزله، فإذا قريب من ثلاثمائة راحلة، قال: فقلنا: على كل هؤلاء حج عبد الله بن عمرو؟ قالوا: نعم؛ وهو ومواليه وأحباؤه، قال: فانطلقنا إلى البيت، فإذا نحن برجلٍ
أبيض الرأس واللحية، بين بردين قطريين، عليه عمامة، ليس عليه قميص، قال: فقلنا: أنت عبد الله بن عمرو، وأنت صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورجل من قريش، وقد قرأت الكتاب الأول، وليس أحد نأخذ عنه أحب إلينا - أو قال: أعجب إلينا - منك، فحدثنا بحديث لعل الله أن ينفعنا به. فقال لنا: ممن أنتم؟ فقلنا: من أهل العراق، فقال: إن من أهل العراق قوماً يَكذِبون ويُكَذِّبون، ويسخرون، قال: قلنا: ما كنا لنكذِّبك، ولا نكذب عليك، ولا نسخر منك، حدثنا بحديثٍ لعل الله أن ينفعنا به، فحدثهم بحديث في بني قنطور بن كركر.
وفي رواية أخرى قال:
أما ورب هذا المسجد الحرام، والبلد الحرام، واليوم الحرام، والشهر الحرام، أسميت اليمين أم لا، قال: قلنا: قد اجتهدت، قال: ليوشك بنو قنطور بن كركر؛ قوم خنس الأنوف صغار الأعين، كأن وجوههم المجان المطرقة، في كتاب الله المنزل أن يسوقوكم بخراسان وسجستان سياقاً عنيفاً، قوم يرزقون اللحم، وينتعلون الشعر، ويحتجزون السيوف على أوساطهم حين ينزلون الأبلة، قال: وكم الأبلة من البصرة؟ قلنا: أربعة فراسخ، قال: ويعقدون بكل نخلة من نخل دجلة رأس فرس، ثم يرسلون إلى أهل البصرة اخرجوا منها قبل أن ننزل عليكم، فيخرج أهل البصرة من البصرة، فيلحق لاحق ببيت المقدس، ويلحق لاحق بالمدينة، ويلحق آخر بمكة، ويلحق آخرون بالأعراب، ثم يسيرون حتى ينزلوا البصرة، فيلبثون بها سنة، ثم يرسلون إلى أهل الكوفة أن اخرجوا منها قبل أن ننزل عليكم، فيخرج أهل الكوفة منها، فيلحق لاحق ببيت المقدس ويلحق لاحق المدينة، ويلحق آخر بمكة، ويلحق آخرون بالأعراب، فلا يبقى في الأرض من المسلمين إلا قتيل أو أسير، في أيديهم في دمه ما يشاؤون، فانصرفنا عنه، وساءنا الذي حدثنا، ومشينا من عنده غير بعيد، ثم انصرف إليه المنتصر بن الحارث، فقال: يا عبد الله بن عمرو، إنك قد حدثتنا بحديث قد قطعتنا، وإنا لا ندري من يدركه
منا، فحدثنا هل بين يدي ذلك من علامة؟ قال: نعم لا تعدم عقلك، بين يدي ذلك أمارة، قال: فقال له المنتصر: وما الأمارة؟ قال: الأمارة العلامة، قال: وما تلك العلامة؟ قال: إمارة الصبيان، فإذا رأيت إمارة الصبيان قد طبقت الأرض فاعلم أن الذي حدثتك قد جاء.
فانصرف عنه المنتصر، فمشى قليلاً، ثم رجع إليه، فقلنا: مهلاً، علام تؤذي هذا الشيخ؟ قال: والله لا أفارقه حتى يتبين لي، فلما رجع بين.
قال طلحة بن عبيد الله بن كريز الخزاعي: كان عبد الله بن عمرو إذا جلس لم تنطق قريش، فقال يوماً: كيف أنتم بخليفةٍ يملككم ليس هو منكم؟ قالوا: فأين قريش يومئذٍ؟ قال: يفنيها السيف.
عن عبيد الله بن سعيد: أنه دخل مع عبد الله بن عمرو بن العاص المسجد الحرام، والكعبة محرَّقة حين أدبر جيش الحصين بن نمير، والكعبة تتناثر حجارتها، فوقف ومعه ناس غير قليل، فبكى حتى إني لأنظر إلى دموعه تسيل على وجنتيه، فقال: والله لو أن أبا هريرة أخبركم أنكم قاتلوا ابن نبيكم، ومحرقوا بيت ربكم لقلتم: ما أحد أكذب من أبي هريرة؛ أنحن نقتل نبينا، ونحرق بيت ربنا عز وجل؟ فقد والله فعلتم، فانتظروا نقمة الله عز وجل فوالذي نفسي بيده ليلبسنّكم الله شيعاً، ويذيق بعضكم بأس بعضٍ - قالها ثلاثاً - ثم نادى بصوت فأسمع: أين الآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر؟ والذي نفس عبد الله بيده، لقد ألبسكم الله شيعاً، وأذاق بعضكم بأس بعض، لبطن الأرض خير لمن عليها لم يأمر بالمعروف، ولم ينه عن المنكر.
قال عمرو بن صفوان: كان لعبد الله بن عمرو ابن سبع سنين مثل الدينار، فلدغته حية، فمات، فقال: من الوافر
فلولا الموت لم يهلك كريم ... ولم يصبح أخو عزٍّ ذليلا
ولكن المنية لا تبالي ... أغراً كان أم رجلاً جليلا
لقد أهلكت حية بطن وادٍ ... كريماً ما أريد به بديلا
مقيماً ما أقام جبال لبسٍ ... فليس بزائلٍ حتى يزولا
وكان عبد الله بن عمرو قد صار إلى قريته بعسقلان، وهي حبس من عمرو بن العاص لولده، فلم يزل بها حتى مات، ودفن بقريةٍ يقال لها أولاميس، وهي من عسقلان على فرسخين.
قالوا: توفي عبد الله بن عمرو ليالي الحرة في ولاية يزيد بن معاوية.
وكانت الحرة يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة ثلاث وستين، وقيل بعد ذلك.
ابن عيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب، أبو محمد.
ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو نصير السهمي صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان من أكثر أصحابه عنه حديثاً، وقيل: كان اسمه العاص فسماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله.
عن عبد الله بن عمرو قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنودي بالصلاة جامعة، فركع ركعتين بسجدة، ثم قام؛ فركع ركعتين بسجدة، ثم جلس حتى جُلِّي عن الشمس، فقالت عائشة: ما سجد سجوداً، ولا ركع ركوعاً قط أطول منه.
وعنه أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل كقلبٍ واحد، يصرفه حيث يشاء " ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم مُصرِّف القلوب اصرف قلوبنا إلى طاعتك ".
كتب معاوية بن أبي سفيان إلى مسلمة بن مخلد: أن سل عبد الله بن عمرو بن العاص أسمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تقدس أمة لا يقضى فيها بالحق، ويأخذ الضعيف حقه من القوي غير مضطر "؟ فإن أخبرك أنه سمع من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فابعثه إلي على مركبة من البريد، فقدم على البريد، فقال: أنت
سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوله؟ قال: نعم، قال معاوية: وأنا سمعته منه كما سمعته.
قال الزبير بن بكار: كان عبد الله بن عمرو يصوم الدهر، ويقوم الليل، فبلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: " صم، وأفطر، وصل، ونم ".
أم عبد الله بن عمرو ريطة بنت مُنبِّه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعيد بن سهم، أسلم قبل أبيه، وكان له من الولد: محمد وبه كان يكنى، وهشام، وهاشم، وعمران، وأم إياس، وأم عبد الله، وأم سعيد، وشهد الفتح بمصر، واختط بمصر، استأذن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الكتابة عنه في حال الغضب والرضى، فأذن له، وحفظ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألف مثل، وكان قد قرأ الكتب، وكان يرغب عن غثيان النساء، ولم يعل عمرو بن العاص ابنه في السن إلا بثنتي عشرة سنةً.
وكان عبد الله بن عمرو رجلاً سميناً طوالاً أحمر عظيم البطن.
عن عبد الله بن الحارث بن جزءٍ قال: توفي صاحب لنا غريب بالمدينة، وكنا على قبره، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما اسمك؟ " فقلت: العاص، وقال لعبد الله بن عمر: " ما اسمك؟ " فقال: العاص، وقال لعبد الله بن عمرو: " ما اسمك؟ " فقال: العاص، فقال: " أنزلوه فاقبروه، فأنتم عبيد الله " قال: فقبرنا أخانا وخرجنا وقد بدلت أسماؤنا.
عن عقبة بن عامر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " نِعْم أهل البيت أبو عبد الله، وأم عبد الله، وعبد الله ".
عن أبي أمامة قال: مر ابن العاص على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو مسبل إزاره، ومسبل جُمَّته، فقال: "
نِعْم الفتى ابن العاص لو شمر من مئزره، وقصر من لمته " قال: فحلق رأسه، وقصر، ورفع إزاره إلى الركبة.
عن عبد الله بن عمرو قال: دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيتي هذا، فقال: " يا عبد الله، ألم أخبرك أنك تكلفت قيام الليل، وصيام النهار؟ " قال: قلت: إني لأفعل، قال: فقال: " إن من حسبك - ولم يقل افعل - أن تصوم من كل شهرٍ ثلاثة أيامٍ؛ الحسنة بعشر أمثالها، فكأنك قد صمت الدهر كله "، قال: قلت: يا رسول الله إني أجد قوة، وإني أحب أن تزيدني، قال: " فخمسة أيامٍ " قال: قلت: إني أجد قوة، فإني أحب أن تزيدني، قال: سبعة أيام " قال: فجعل يستزيده ويزيده يومين يومين حتى بلغ النصف، فقال: " إن أخي داود كان أعبد البشر، وإنه كان يقوم نصف الليل، ويصوم نصف الدهر؛ إن لأهلك عليك حقاً، وإن لعبدك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً " فكان عبد الله بعدما كبر وأدركه السن يقول: ألا كنت قبلت رخصة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحب إلي من أهلي ومالي.
وقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقرأ القرآن في شهرٍ " فقلت: إني أقوى، فقال: " اقرأه في خمسٍ وعشرين " قلت: إني أقوى، قال: " اقرأه في عشرين " قلت: إني أقوى: قال: " اقرأه في خمس عشرة " قلت: إني أقوى، قال: " اقرأه في عشر " قلت: إني أقوى، قال: " اقرأه في خمسٍ " قلت: إني أقوى، قال: " لا ".
عن عبد الله: أنه رأى في المنام كأن في إحدى يديه عسلاً، وفي الأخرى سمناً، فإنه يلعقهما، فأصبح فذكر ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " تقرأ الكتابين التوراة والقرآن " فكان يقرؤهما.
عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تدري من معنا في البيت؟ جبريل عليه السلام وقد سلم عليك ".
وقال: كنت أكتب كل شيءٍ أسمعه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أريد حفظه، فنهتني قريش، فقالوا: إنك تكتب كل شيءٍ تسمعه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشر يتكلم في الغضب والرضى، فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق ".
قال أبو هريرة: ما كان أحد أحفظ لحديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مني إلا عبد الله بن عمرو؛ فإني كنت أعي بقلبي ويعي بقلبه، ويكتب.
عن مجاهد قال: دخلت على عبد الله بن عمرو بن العاص، فتناولت صحيفة تحت رأسه، فتمنّع عليَّ، فقلت: تمنعني شيئاً من كتبك؟ فقال: إن هذه الصحيفة الصادقة التي سمعتها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس بيني وبينه أحد، فإذا سلم لي كتاب الله، وسلمت لي هذه الصحيفة والوهط لم أبال ما صنعت الدنيا.
عن سليمان بن الربيع العدوي قال: لقينا عمر، فقلنا: إن عبد الله بن عمرو حدثنا بكذا وكذا، فقال عمر: عبد الله بن عمرو أعلم بما يقول؛ قالها ثلاثاً، ثم نودي بالصلاة جامعة فاجتمع الناس إليه، فخطبهم عمر، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى يأتي أمر الله ".
قال عبد الله بن عمرو بن العاص: ابن عباس أعلمنا بما مضى، وأفقهنا فيما نزل مما لم يأت فيه شيء، قال عكرمة: فأخبرت ابن عباس بقوله، فقال: إن عنده لعلماً، ولقد كان يسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحلال والحرام.
عن عروة بن الزبير أن عائشة قالت له: يا بن أخت، إني قد أخبرت أن عبد الله بن عمرو حاج في عامه هذا، فالقه، فإنه قد حفظ عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث كثيرةً.
التقى كعب الأحبار وعبد الله بن عمرو، فقال كعب: أتطيُّر يا عبد الله؟ قال: نعم، قال: فما تقول؟ قال: الله لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا رب غيرك، ولا حول ولا قوة إلا بك، فقال: أنت أفقه العرب؛ إنها لمكتوبة في التوراة كما قلت.
وقدم كعب مكة، وبها عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال كعب: سلوه عن ثلاث، فإن أخبركم بهن فهو عالم؛ سلوه عن شيء من الجنة وضعه الله للناس في الأرض، وسلوه ما أول ماء وضع بالأرض، وما أول شجرة غرست بالأرض، فسئل عبد الله عنها، فقال: الشيء الذي وضعه الله للناس في الأرض فهذا الركن الأسود، وأول ماء وضع بالأرض فبرهوت ماء باليمن ترده هام الكفار، وأما أول شجرةٍ غرسها الله في الأرض فالعوسجة التي اقتطع منها موسى عصاه، فلما بلغ ذلك كعباً قال: صدق، الرجل والله عالم.
عن مولى لعمرو بن العاص: أن عبد الله بن عمرو نظر إلى المقبرة، فلما نظر إليها نزل، فصلى ركعتين، فقيل
له: هذا شيءٍ لم تكن تصنعه، فقال: ذكرت أهل القبور، وما حيل بينهم وبينه فأحببت أن أتقرب إلى الله عز وجل بهما.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: لأن أعمل اليوم عملاً أقر عليه أحب إلي من ضعفه فيما مضى؛ لأنا حين أسلمنا وقعنا في عمل الآخرة، فأما اليوم فقد خلبتنا الدنيا.
وقال: إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، ولا تبغضوا إلى أنفسكم عبادة الله عز وجل فإن المنبت لا بلغ بعداً، ولا أبقى ظهراً، وأعمل عمل امرئ يظن ألا يموت إلا هرماً، واحذر حذر امرئٍ يحسب أنه يموت غداً.
وقال: لأن أكون عاشر عشرةٍ مساكين يوم القيامة أحب إلي من أن أكون عاشر عشرةٍ أغنياء، فإن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا - يقول: يتصدق يميناً وشمالاً.
قال ابن أبي مليكة:
بينما عبد الله بن عمرو بن العاص يصلي وراء المقام، وهو يبكي، وقد كسف - أو خسف - القمر إذ مر به العلاء بن طارق، فوقف يسمع، فقال: ما توقفك يا بن أخي؟ تعجب من أني أبكي؟! والله إن هذا القمر يبكي من خشية الله، أما والله لو تعلمون اليقين لبكى أحدكم حتى ينقطع صوته، ولسجد حتى ينقطع صلبه.
عن عبد الله بن يزيد قال: قلت لعبد الله بن عمرو: بلغني أنك كنت من أحسن قريشٍ عيناً، فما الذي أرى بهما؟ قال: البكاء.
وقال عبد الله بن عمرو: ما أُعطي إنسان شيئاً خيراً من صحة، وعفة، وأمانة، وفقه.
وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يضرب فسطاطه في الحل، ويجعل مصلاه في الحرم، فقيل له: لِمَ تفعل ذلك؟ قال: لأن الأحداث في الحرم أشد منها في الحل.
قال عمرو بن العاص لابنه: يا بني، ما الشرف؟ قال: كف الأذى، وبذل الندى، قال: فما المروءة؟ قال: عرفان الحق، وتعاهد الصنعة، قال: فما المجد؟ قال: احتمال المغارم، وابتناء المكارم.
وسأله: ما الغي؟ قال: طاعة المفسد، وعصيان المرشد، قال: فما البله؟ قال: عمى القلب، وسرعة النسيان.
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص لأخواله - حي من عنزة يقال لهم بنو فلان - يا بني أمي إنه ليس الواصل الذي يصل من وصله، ويقطع من قطعه، وليس الحليم الذي يحلم عمن يحلم عنه، ويجهل على من يجهل، قالوا: فمن ذاك؟ قال: ذاك المنصف، إنما الحليم الذي يحلم عمن يحلم عنه، ويحلم عمن يجهل عليه.
هم أخوال أبيه عمرو بن العاص، وهذا الكلام محفوظ من كلام عمرو بن العاص.
عن حميد بن هلال قال: كان عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: دع ما لست منه في شيءٍ، ولا تنطق فيما لا يعنيك، واخزن لسانك كما تخزن ورقك.
قال الشعبي: قيل لعبد الله بن عمرو وهو قاعد بالكعبة: إن كنت تريد أن تذكر فقد ذكرت،
وإن كنت تريد أن يشاع حديثك فقد أشيع، حدثنا شيئاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعنا مما وجدت في خرجك، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ".
كانت راية عمرو بن العاص يوم اليرموك يحملها ابنه عبد الله بن عمرو.
وكان عبد الله بن عمرو بن العاص على الميمنة بصفين مع معاوية.
عن حنظلة بن خويلد العنزي قال: بينما أنا عند معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمارٍ، يقول كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال عبد الله بن عمرو: ليطب به أحدكما نفساً لصاحبه؛ فإني سمعت - يعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: " تقتله الفئة الباغية " فقال معاوية: ألا تغني عنا مجنونك يا عمرو، فما بالك معنا؟ قال: إن أبي شكاني إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أطع أباك ما دام حياً، ولا تعصه ما دام حياً " وأنا معكم ولست أقاتل.
وقال عبد الله بن عمرو: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاء أبو بكر، فاستأذن، فقال: " ائذن له وبشره بالجنة " ثم جاء عمر، فاستأذن، فقال: " ائذن له وبشره بالجنة " ثم جاء عثمان فاستأذن، فقال: " ائذن له وبشره بالجنة " قال: قلت: فأين أنا؟ قال: " أنت مع أبيك ".
وقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كيف بك إذا بقيت في حثالةٍ من الناس، قد مرجت عهودهم ومواثيقهم، وكانوا هكذا " - فخالف بين أصابعه - قال: تأمرني بأمرٍ
يا رسول الله؟ قال: " تأخذ ما تعرف، وتدع ما تنكر، وتعمل بخاصة نفسك، وتدع الناس وعوام أمرهم " قال: فلما كان يوم صفين قال له أبوه عمرو بن العاص: يا عبد الله بن عمرو، اخرج فقاتل، فقال: يا أبتاه أتأمرني أن أخرج فأقاتل، وقد سمعت ما سمعت يوم يعهد إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يعهد؟ فقال: أنشدك الله يا عبد الله بن عمرو ألم يكن آخر ما عهد إليك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أخذ بيدك فوضعها بيدي، ثم قال: " أطع أباك " قال: اللهم بلى، قال: فإني أعزم عليك أن تخرج فتقاتل، فخرج عبد الله بن عمرو، فقاتل يومئذٍ متقلداً بسيفين، فلما انكشف الحرب أنشأ عمرو بن العاص يقول: من الرمل
شبت الحرب فأعددت لها ... مفرغ الحارك مروي الثبجْ
يصل الشد بشدٍّ فإذا ... دنت الخيل من الشد معج
جرشع أعظمه جفرته ... فإذا ابتل من الماء حدج
قال: وأنشأ عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: من الطويل
فلو شهدت جمل مقامي ومشهدي ... بصفين يوماً شاب منها الوائب
عشية جا أهل العراق كأنهم ... سحاب ربيعٍ دفعته الجنائب
وجئناهم نردي كأن صفوفنا ... من البحر موج موجه متراكب
إذا قلت: قد ولوا سراعاً بدت لنا ... كتائب منهم، وارجحنّت كتائب
فدارت رحانا واستدارت رحاهم ... سراة النهار ما تولي المناكب
كان عبد الله بن عمرو بن العاص في زمن عمر وعثمان بمصر يجلس يحدث، وكان يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنها ستكون فتنة عمياء صماء الراقد فيها خير من اليقظان، والجالس فيها خير من القائم، والماشي فيها خير من الساعي " فلما كانت الفتنة التي كانت بين معاوية وعلي حضر عبد الله بن عمرو صفين فقاتل فيها، فاستعمل معاوية بذلك عمرو بن العاص على مصر، فلما ولي عبد الله مصر جلس ذلك المجلس الذي كان يجلسه في زمن عمر وعثمان، فحدث كيف كان القتال بصفين، فقال له رجل من أهل مصر: قاتلت؟ قال: بلى، قال: والله لا أكلمك كلمةً بعد هذا.
عن عبد الله بن أبي مُليكة قال: كان عبد الله بن عمرو يأتي الجمعة من المغمَّس، فيصلي الصبح، ثم يرتفع إلى الحجر ويكبر حتى تطلع الشمس، ثم يقوم في جوف الحجر، فيجلس إليه الناس، فقال يوماً: ما أفرق على نفسي إلا من ثلاثٍ: مواطن في دم عثمان. فقال له عبد الله بن صفوان: إن كنت رضيت قتله فقد شركت في دمه، وأني آخذ المال، فأقول: أقرضه الله هذه الليلة، فيصبح في مكانه، فقال ابن صفوان: أنت امرؤ لم توق شح نفسك، ويوم صفين.
عن سليمان بن الربيع قال: انطلقت في رهْطٍ من نسألك أهل البصرة إلى مكة، فقلنا: لو نظرنا رجلاً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتحدثنا إليه، فدللنا على عبد الله بن عمرو بن العاص، فأتينا منزله، فإذا قريب من ثلاثمائة راحلة، قال: فقلنا: على كل هؤلاء حج عبد الله بن عمرو؟ قالوا: نعم؛ وهو ومواليه وأحباؤه، قال: فانطلقنا إلى البيت، فإذا نحن برجلٍ
أبيض الرأس واللحية، بين بردين قطريين، عليه عمامة، ليس عليه قميص، قال: فقلنا: أنت عبد الله بن عمرو، وأنت صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورجل من قريش، وقد قرأت الكتاب الأول، وليس أحد نأخذ عنه أحب إلينا - أو قال: أعجب إلينا - منك، فحدثنا بحديث لعل الله أن ينفعنا به. فقال لنا: ممن أنتم؟ فقلنا: من أهل العراق، فقال: إن من أهل العراق قوماً يَكذِبون ويُكَذِّبون، ويسخرون، قال: قلنا: ما كنا لنكذِّبك، ولا نكذب عليك، ولا نسخر منك، حدثنا بحديثٍ لعل الله أن ينفعنا به، فحدثهم بحديث في بني قنطور بن كركر.
وفي رواية أخرى قال:
أما ورب هذا المسجد الحرام، والبلد الحرام، واليوم الحرام، والشهر الحرام، أسميت اليمين أم لا، قال: قلنا: قد اجتهدت، قال: ليوشك بنو قنطور بن كركر؛ قوم خنس الأنوف صغار الأعين، كأن وجوههم المجان المطرقة، في كتاب الله المنزل أن يسوقوكم بخراسان وسجستان سياقاً عنيفاً، قوم يرزقون اللحم، وينتعلون الشعر، ويحتجزون السيوف على أوساطهم حين ينزلون الأبلة، قال: وكم الأبلة من البصرة؟ قلنا: أربعة فراسخ، قال: ويعقدون بكل نخلة من نخل دجلة رأس فرس، ثم يرسلون إلى أهل البصرة اخرجوا منها قبل أن ننزل عليكم، فيخرج أهل البصرة من البصرة، فيلحق لاحق ببيت المقدس، ويلحق لاحق بالمدينة، ويلحق آخر بمكة، ويلحق آخرون بالأعراب، ثم يسيرون حتى ينزلوا البصرة، فيلبثون بها سنة، ثم يرسلون إلى أهل الكوفة أن اخرجوا منها قبل أن ننزل عليكم، فيخرج أهل الكوفة منها، فيلحق لاحق ببيت المقدس ويلحق لاحق المدينة، ويلحق آخر بمكة، ويلحق آخرون بالأعراب، فلا يبقى في الأرض من المسلمين إلا قتيل أو أسير، في أيديهم في دمه ما يشاؤون، فانصرفنا عنه، وساءنا الذي حدثنا، ومشينا من عنده غير بعيد، ثم انصرف إليه المنتصر بن الحارث، فقال: يا عبد الله بن عمرو، إنك قد حدثتنا بحديث قد قطعتنا، وإنا لا ندري من يدركه
منا، فحدثنا هل بين يدي ذلك من علامة؟ قال: نعم لا تعدم عقلك، بين يدي ذلك أمارة، قال: فقال له المنتصر: وما الأمارة؟ قال: الأمارة العلامة، قال: وما تلك العلامة؟ قال: إمارة الصبيان، فإذا رأيت إمارة الصبيان قد طبقت الأرض فاعلم أن الذي حدثتك قد جاء.
فانصرف عنه المنتصر، فمشى قليلاً، ثم رجع إليه، فقلنا: مهلاً، علام تؤذي هذا الشيخ؟ قال: والله لا أفارقه حتى يتبين لي، فلما رجع بين.
قال طلحة بن عبيد الله بن كريز الخزاعي: كان عبد الله بن عمرو إذا جلس لم تنطق قريش، فقال يوماً: كيف أنتم بخليفةٍ يملككم ليس هو منكم؟ قالوا: فأين قريش يومئذٍ؟ قال: يفنيها السيف.
عن عبيد الله بن سعيد: أنه دخل مع عبد الله بن عمرو بن العاص المسجد الحرام، والكعبة محرَّقة حين أدبر جيش الحصين بن نمير، والكعبة تتناثر حجارتها، فوقف ومعه ناس غير قليل، فبكى حتى إني لأنظر إلى دموعه تسيل على وجنتيه، فقال: والله لو أن أبا هريرة أخبركم أنكم قاتلوا ابن نبيكم، ومحرقوا بيت ربكم لقلتم: ما أحد أكذب من أبي هريرة؛ أنحن نقتل نبينا، ونحرق بيت ربنا عز وجل؟ فقد والله فعلتم، فانتظروا نقمة الله عز وجل فوالذي نفسي بيده ليلبسنّكم الله شيعاً، ويذيق بعضكم بأس بعضٍ - قالها ثلاثاً - ثم نادى بصوت فأسمع: أين الآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر؟ والذي نفس عبد الله بيده، لقد ألبسكم الله شيعاً، وأذاق بعضكم بأس بعض، لبطن الأرض خير لمن عليها لم يأمر بالمعروف، ولم ينه عن المنكر.
قال عمرو بن صفوان: كان لعبد الله بن عمرو ابن سبع سنين مثل الدينار، فلدغته حية، فمات، فقال: من الوافر
فلولا الموت لم يهلك كريم ... ولم يصبح أخو عزٍّ ذليلا
ولكن المنية لا تبالي ... أغراً كان أم رجلاً جليلا
لقد أهلكت حية بطن وادٍ ... كريماً ما أريد به بديلا
مقيماً ما أقام جبال لبسٍ ... فليس بزائلٍ حتى يزولا
وكان عبد الله بن عمرو قد صار إلى قريته بعسقلان، وهي حبس من عمرو بن العاص لولده، فلم يزل بها حتى مات، ودفن بقريةٍ يقال لها أولاميس، وهي من عسقلان على فرسخين.
قالوا: توفي عبد الله بن عمرو ليالي الحرة في ولاية يزيد بن معاوية.
وكانت الحرة يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة ثلاث وستين، وقيل بعد ذلك.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=93999&book=5518#3082c3
عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة بن الغسيل روى عن عكرمة وسعيد بن المنذر روى عنه أبو نعيم وأبو الوليد ومالك بن إسماعيل أبو غسان وعلي بن نصر سمعت أبى يقول ذلك.
نا عبد الرحمن قال قرئ على العباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول: عبد الرحمن بن الغسيل ثقة ليس به بأس نا عبد الرحمن قال سئل أبو زرعة عن عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل فقال: كوفي ثقة.
نا عبد الرحمن قال قرئ على العباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول: عبد الرحمن بن الغسيل ثقة ليس به بأس نا عبد الرحمن قال سئل أبو زرعة عن عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل فقال: كوفي ثقة.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=93780&book=5518#5a1c84
عبد الله بن المبارك المروزي أبو عبد الرحمن مولى بني حنظلة روى عن الأعمش وإسماعيل بن أبي خالد وابن جريج ومعمر ويونس بن يزيد روى عنه سفيان بن عيينة وأبو إسحاق الفزاري ومعتمر بن سليمان وبقية بن الوليد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن آدم وسلمة بن سليمان سمعت أبي يقول ذلك نا.
عبد الرحمن نا أبو نشيط محمد بن هارون البغدادي قال سمعت نعيم بن حماد قال قلت لعبد الرحمن بن مهدي: أيهما أفضل عندك ابن المبارك أو سفيان؟ فقال: ابن المبارك، فقلت: إن الناس يخالفونك، فقال: إن الناس لم يجربوا ما رأيت مثل ابن المبارك.
ثنا عبد الرحمن أنا ابن أبي خيثمه فيما كتب إليَّ قال أنا محمد بن عبد العزيز - يعني ابن أبي رزمة - قال سمعت أبي قال قال لي شعبة: عرفت ابن المبارك قلت نعم، قال: ما قدم علينا من ناحيته مثله.
ثنا عبد الرحمن حدثني أبي نا إسماعيل بن مسلمة القعنبي قال حدثني محمد بن المعتمر بن سليمان التيمي قال قلت لأبي من فقيه العرب قال سفيان الثوري فلما مات سفيان قلت يا أبه من فقيه العرب؟ قال عبد الله بن
المبارك.
نا عبد الرحمن أنا أبو بكر بن أبي الدنيا [فيما كتب إليَّ - ] حدثني محمد بن حسان السمتي حدثني أبو عثمان الكلبي قال قال لي الأوزاعي: رأيت عبد الله بن المبارك؟ قلت لا، قال: لو رأيته لقرت عينك.
ثنا عبد الرَّحْمَنِ نا أَبِي نا عَمْرُو بن محمد الناقد قال سمعت سفيان
ابن عيينة يقول: ما قدم علينا أحد يشبه عبد الله بن المبارك ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة أراه قال في الكيس.
نا عبد الرحمن حدثني أبي حدثني إسحاق بن محمد بن إبراهيم المروزي قال نعى ابن المبارك إلى سفيان بن عيينة فقال: رحمه الله لقد كان فقيها عالما عابدا زاهدا سخيا شاعرا شجاعا.
نا عبد الرحمن حدثني أبي نا المسيب ابن واضح قال سمعت أبا إسحاق الفزاري يقول: ابن المبارك إمام المسلمين.
ورأيت أبا إسحاق بين يدي ابن المبارك [قاعدا يسائله - ] .
نا عبد الرحمن نا أبي قال سمعت ابن الطباع يحدث عن عبد الرحمن ابن مهدي قال: الأئمة أربعة، سفيان الثوري ومالك بن أنس وحماد ابن زيد وابن المبارك [نا محمد بن يحيى أنا نوح بن حبيب نا عبد الرحمن ابن مهدي حدثني ابن المبارك - ] وكان نسيج وحده.
نا عبد الرحمن حدثني أبي نا المسيب بن واضح قال سمعت معتمر بن سليمان يقول ما رأيت مثل ابن المبارك نصيب عنده الشئ الذي لا يصاب عند أحد.
نا عبد الرحمن نا محمد بن حمويه بن الحسن قال سمعت أبا طالب أحمد بن حميد قال سمعت أحمد بن حنبل يقول: لم يكن في زمان ابن المبارك أحد اطلب للعلم منه، رحل إلى اليمن وإلي الشام والبصرة والكوفة وكان من رواة العلم وكان أهل ذلك كتب عن الكبار والصغار كتب عن عبد الرحمن بن مهدي وأبي إسحاق الفزاري وجمع أمرا عظيما.
نا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول قال علي ابن المدينى عبد الله
ابن المبارك ثقة.
سمعت أبي يقول: عبد الله بن المبارك ثقة إمام.
نا عبد الرحمن قال سمعت أبا زرعة يقول: عبد الله بن المبارك اجتمع فيه فقه وسخاء وشجاعة وغزو وأشياء.
عبد الرحمن نا أبو نشيط محمد بن هارون البغدادي قال سمعت نعيم بن حماد قال قلت لعبد الرحمن بن مهدي: أيهما أفضل عندك ابن المبارك أو سفيان؟ فقال: ابن المبارك، فقلت: إن الناس يخالفونك، فقال: إن الناس لم يجربوا ما رأيت مثل ابن المبارك.
ثنا عبد الرحمن أنا ابن أبي خيثمه فيما كتب إليَّ قال أنا محمد بن عبد العزيز - يعني ابن أبي رزمة - قال سمعت أبي قال قال لي شعبة: عرفت ابن المبارك قلت نعم، قال: ما قدم علينا من ناحيته مثله.
ثنا عبد الرحمن حدثني أبي نا إسماعيل بن مسلمة القعنبي قال حدثني محمد بن المعتمر بن سليمان التيمي قال قلت لأبي من فقيه العرب قال سفيان الثوري فلما مات سفيان قلت يا أبه من فقيه العرب؟ قال عبد الله بن
المبارك.
نا عبد الرحمن أنا أبو بكر بن أبي الدنيا [فيما كتب إليَّ - ] حدثني محمد بن حسان السمتي حدثني أبو عثمان الكلبي قال قال لي الأوزاعي: رأيت عبد الله بن المبارك؟ قلت لا، قال: لو رأيته لقرت عينك.
ثنا عبد الرَّحْمَنِ نا أَبِي نا عَمْرُو بن محمد الناقد قال سمعت سفيان
ابن عيينة يقول: ما قدم علينا أحد يشبه عبد الله بن المبارك ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة أراه قال في الكيس.
نا عبد الرحمن حدثني أبي حدثني إسحاق بن محمد بن إبراهيم المروزي قال نعى ابن المبارك إلى سفيان بن عيينة فقال: رحمه الله لقد كان فقيها عالما عابدا زاهدا سخيا شاعرا شجاعا.
نا عبد الرحمن حدثني أبي نا المسيب ابن واضح قال سمعت أبا إسحاق الفزاري يقول: ابن المبارك إمام المسلمين.
ورأيت أبا إسحاق بين يدي ابن المبارك [قاعدا يسائله - ] .
نا عبد الرحمن نا أبي قال سمعت ابن الطباع يحدث عن عبد الرحمن ابن مهدي قال: الأئمة أربعة، سفيان الثوري ومالك بن أنس وحماد ابن زيد وابن المبارك [نا محمد بن يحيى أنا نوح بن حبيب نا عبد الرحمن ابن مهدي حدثني ابن المبارك - ] وكان نسيج وحده.
نا عبد الرحمن حدثني أبي نا المسيب بن واضح قال سمعت معتمر بن سليمان يقول ما رأيت مثل ابن المبارك نصيب عنده الشئ الذي لا يصاب عند أحد.
نا عبد الرحمن نا محمد بن حمويه بن الحسن قال سمعت أبا طالب أحمد بن حميد قال سمعت أحمد بن حنبل يقول: لم يكن في زمان ابن المبارك أحد اطلب للعلم منه، رحل إلى اليمن وإلي الشام والبصرة والكوفة وكان من رواة العلم وكان أهل ذلك كتب عن الكبار والصغار كتب عن عبد الرحمن بن مهدي وأبي إسحاق الفزاري وجمع أمرا عظيما.
نا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول قال علي ابن المدينى عبد الله
ابن المبارك ثقة.
سمعت أبي يقول: عبد الله بن المبارك ثقة إمام.
نا عبد الرحمن قال سمعت أبا زرعة يقول: عبد الله بن المبارك اجتمع فيه فقه وسخاء وشجاعة وغزو وأشياء.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=64443&book=5518#150365
عَبْد اللَّه بْن حنظلة،
سَمِعَ سلمان، روى عَنْهُ العلاء بْن بدر.
سَمِعَ سلمان، روى عَنْهُ العلاء بْن بدر.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=64443&book=5518#2f2bb1
عبد الله بن حنظلة روى عن سلمان روى عنه العلاء بن بدر سمعت أبي يقول ذلك.
نا عبد الرحمن قال ذكره أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال: عبد الله بن حنظلة ثقة.
نا عبد الرحمن قال ذكره أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال: عبد الله بن حنظلة ثقة.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=64443&book=5518#a8547c
عبد الله بن حنظلة
ب د ع: عَبْد اللَّهِ بْن حنظلة بْن أَبِي عامر الراهب الأنصاري الأوسي.
وأبوه حنظلة هو غسيل الملائكة، وقد تقدم نسبه عند ذكر أبيه.
ولد عَلَى عهد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأن أباه قتل بأحد، ولما توفي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لعبد اللَّه سبع سنين، يكنى أبا عبد الرحمن، وقيل: أَبُو بكر، وأمه جميلة بنت عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ابْن سلول، فدخل بها الليلة التي في صبيحتها قتال أحد، فبات عندها، فلما صلى الصبح عاد إليها، فأرسلت إِلَى أربعة من قومها فأشهدتهم عليه أَنَّهُ دخل بها، فقيل لها بعد: لم فعلت هذا؟ قالت: رأيت كأن السماء انفرجت فدخل فيها ثم أطبقت، فقلت: هذه الشهادة: فأشهدت عليه، وعلقت بعبد اللَّه تلك الليلة.
وقد روى عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورآه، روى عنه عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيدَ الخطمي، وأسماء بنت زيد بْن الخطاب، وعبد اللَّه بْن أَبِي مليكة، وغيرهم.
روى المسيب بْن رافع، ومعبد بْن خَالِد، عن عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيدَ الخطمي، وكان أميرًا عَلَى الكوفة، قال: أتينا قيس بْن سعد بْن عبادة في بيته، فأذن بالصلاة فقلنا: قم فصل بنا، فقال: لم أكن لأصلي بقوم لست عليهم أميرًا، فقال عَبْد اللَّهِ بْن حنظلة: إن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الرجل أحق بصدر دابته، وصدر فراشه، وأن يؤم في رحله "، قال: فقال قيس لمولى لهم: قم فصل بهم.
وقتل عَبْد اللَّهِ يَوْم الحرة، في ذي الحجة، سنة ثلاث وستين، قتله أهل الشام، وكان سبب وقعة الحرة أَنَّهُ وفد هو وغيره من أهل المدينة إِلَى يزيد بْن معاوية، فرأوا منه ما لا يصلح فلم ينتفعوا بما أخذوا منه، فرجعوا إِلَى المدينة وخلعوا يزيد، وبايعوا لعبد اللَّه بْن الزبير، ووافقهم أهل المدينة، فأرسل إليهم يزيد مسلم بْن عقبة المري، وهو الذي سماه الناس بعد وقعة الحرة مجرماً، فأوقع أهل المدينة وقعة عظيمة، قتل كثيرًا منهم في المعركة، وقتل كثيرًا صبرًا، وكان عَبْد اللَّهِ بْن حنظلة ممن قتل في المعركة، ولما اشتد القتال قدم بنيه واحدًا واحدًا، حتى قتلوا كلهم، وهم ثمانية بنين، ثم كسر جفن سيفه فقاتل حتى قتل.
وكان فاضلًا صالحًا، عظيم الشأن كبير المحل، شريف البيت والنسب، وسمع قارئًا يقرأ: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} ، فبكى حتى ظنوا أن نفسه ستخرج، ثم قام فقيل: يا أبا عبد الرحمن، اقعد، فقال: منع مني ذكر جهنم القعود، ولا أدري لعلي أحدهم.
وقال مولا سَعِيد: لم يكن لعبد اللَّه بْن حنظلة فراش ينام عليه، إنما كان يلقي نفسه إذا أعيا من الصلاة، يتوسد رداءه وذراعه، ويهجع شيئًا.
قال عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي سفيان: رأيت عَبْد اللَّهِ بْن حنظلة في النوم بعد مقتله في أحسن صورة، فقلت: أما قتلت؟ قال: بلى، ولقيت ربي فأدخلني الجنة، فأنا أسرح في ثمارها حيث شئت، قلت: أصحابك؟ ما صنع بهم؟ قال: هم معي حول لوائي، لم تحل عقده حتى الساعة، واستيقظت.
أخرجه الثلاثة.
ب د ع: عَبْد اللَّهِ بْن حنظلة بْن أَبِي عامر الراهب الأنصاري الأوسي.
وأبوه حنظلة هو غسيل الملائكة، وقد تقدم نسبه عند ذكر أبيه.
ولد عَلَى عهد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأن أباه قتل بأحد، ولما توفي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لعبد اللَّه سبع سنين، يكنى أبا عبد الرحمن، وقيل: أَبُو بكر، وأمه جميلة بنت عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ابْن سلول، فدخل بها الليلة التي في صبيحتها قتال أحد، فبات عندها، فلما صلى الصبح عاد إليها، فأرسلت إِلَى أربعة من قومها فأشهدتهم عليه أَنَّهُ دخل بها، فقيل لها بعد: لم فعلت هذا؟ قالت: رأيت كأن السماء انفرجت فدخل فيها ثم أطبقت، فقلت: هذه الشهادة: فأشهدت عليه، وعلقت بعبد اللَّه تلك الليلة.
وقد روى عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورآه، روى عنه عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيدَ الخطمي، وأسماء بنت زيد بْن الخطاب، وعبد اللَّه بْن أَبِي مليكة، وغيرهم.
روى المسيب بْن رافع، ومعبد بْن خَالِد، عن عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيدَ الخطمي، وكان أميرًا عَلَى الكوفة، قال: أتينا قيس بْن سعد بْن عبادة في بيته، فأذن بالصلاة فقلنا: قم فصل بنا، فقال: لم أكن لأصلي بقوم لست عليهم أميرًا، فقال عَبْد اللَّهِ بْن حنظلة: إن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الرجل أحق بصدر دابته، وصدر فراشه، وأن يؤم في رحله "، قال: فقال قيس لمولى لهم: قم فصل بهم.
وقتل عَبْد اللَّهِ يَوْم الحرة، في ذي الحجة، سنة ثلاث وستين، قتله أهل الشام، وكان سبب وقعة الحرة أَنَّهُ وفد هو وغيره من أهل المدينة إِلَى يزيد بْن معاوية، فرأوا منه ما لا يصلح فلم ينتفعوا بما أخذوا منه، فرجعوا إِلَى المدينة وخلعوا يزيد، وبايعوا لعبد اللَّه بْن الزبير، ووافقهم أهل المدينة، فأرسل إليهم يزيد مسلم بْن عقبة المري، وهو الذي سماه الناس بعد وقعة الحرة مجرماً، فأوقع أهل المدينة وقعة عظيمة، قتل كثيرًا منهم في المعركة، وقتل كثيرًا صبرًا، وكان عَبْد اللَّهِ بْن حنظلة ممن قتل في المعركة، ولما اشتد القتال قدم بنيه واحدًا واحدًا، حتى قتلوا كلهم، وهم ثمانية بنين، ثم كسر جفن سيفه فقاتل حتى قتل.
وكان فاضلًا صالحًا، عظيم الشأن كبير المحل، شريف البيت والنسب، وسمع قارئًا يقرأ: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} ، فبكى حتى ظنوا أن نفسه ستخرج، ثم قام فقيل: يا أبا عبد الرحمن، اقعد، فقال: منع مني ذكر جهنم القعود، ولا أدري لعلي أحدهم.
وقال مولا سَعِيد: لم يكن لعبد اللَّه بْن حنظلة فراش ينام عليه، إنما كان يلقي نفسه إذا أعيا من الصلاة، يتوسد رداءه وذراعه، ويهجع شيئًا.
قال عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي سفيان: رأيت عَبْد اللَّهِ بْن حنظلة في النوم بعد مقتله في أحسن صورة، فقلت: أما قتلت؟ قال: بلى، ولقيت ربي فأدخلني الجنة، فأنا أسرح في ثمارها حيث شئت، قلت: أصحابك؟ ما صنع بهم؟ قال: هم معي حول لوائي، لم تحل عقده حتى الساعة، واستيقظت.
أخرجه الثلاثة.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=64443&book=5518#96cc45
عبد الله بن حنظلة
- عبد الله بن حنظلة الغسيل ابن أبي عامر الراهب. واسمه عَبْد عَمْرو بْن صيفي بْن النُّعمان بْن مالك بْن أمة بْن ضبيعة بْن زَيْد بن مالك بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مالك بْن الأوس. وأمه جميلة بِنْت عَبْد اللَّه بْن أَبِي بْن سلول من بلحبلى. فولد عَبْد اللَّه بْن حنظلة عَبْد الرَّحْمَن وحنظلة وأمهما أسماء بِنْت أَبِي صيفي بْن أَبِي عامر بْن صيفي. وعاصما والحَكَم وأمهما فاطمة بِنْت الحَكَم من بني ساعدة. وأنسا وفاطمة وأمهما سلمى بنت أنس بن مدرك من خثعم. وسُلَيْمان وعُمَر وأمة الله وأمهم أم كلثوم بِنْت وحوح بْن الأسلت بْن جشم بْن وائل بْن زيد من الجعادرة من الأوس. وسويدا ومعمرا وعبد اللَّه والحر ومحمدا وأم سلمة وأم حبيب وأم القاسم وقريبة وأم عَبْد اللَّه وأمهم أم سُوَيْد بِنْت خليفة من بني عَديّ بْن عَمْرو من خزاعة. وكان حنظلة بْن أَبِي عامر لَمّا أراد الخروج إلى أحد وقع عَلَى امرأته جميلة بِنْت عَبْد اللَّه بْن أَبِي بن سلول فعلقت بعبد اللَّه بْن حنظلة فِي شوَّال عَلَى رأس اثنين وثلاثين شهرا مِن الهجرة. وقتل حنظلة بْن أَبِي عامر يومئذٍ شهيدا فغسلته الملائكة فيقال لولده بنو غسيل الملائكة. وولدت جميلة عَبْد اللَّه بْن حنظلة بعد ذَلِكَ بتسعة أشهر فَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهُوَ ابن سبع سنين. وذكر بعضهم أَنَّهُ قد رأى رسول الله وأبا بَكْر وعُمَر وقد روى عَنْ عُمَر. أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ ضَمْضَمَ بْنِ جَوْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ الرَّاهِبِ قَالَ: صَلَّى بِنَا عُمَرُ صَلاةَ الْمَغْرِبِ فَلَمْ يَقْرَأْ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى شَيْئًا. فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّانِيَةِ قَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ. ثُمَّ عَادَ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ. ثُمَّ صَلَّى حَتَّى فَرَغَ. ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. ثُمَّ سَلَّمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَسَّانَ قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيم عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَعَنْ غَيْرِهِمْ أَيْضًا. كُلٌّ قَدْ حَدَّثَنِي. قَالُوا: لَمَّا وَثَبَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيَالِيَ الحرة فأخرجوا بَنِي أُمَيَّةَ عَنِ الْمَدِينَةِ وَأَظْهَرُوا عَيْبَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَخِلافَهُ أَجْمَعُوا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ فَأَسْنَدُوا أَمْرَهُمْ إِلَيْهِ فَبَايَعَهُمْ عَلَى الْمَوْتِ وَقَالَ: يَا قَوْمُ اتَّقُوا اللَّهَ وَحْدَهُ لا شريك له. فو الله مَا خَرَجْنَا عَلَى يَزِيدَ حَتَّى خِفْنَا أَنْ نُرْمَى بِالْحِجَارَةِ مِنَ السَّمَاءِ. إِنَّ رَجُلا يَنْكِحُ الأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتَ وَالأَخَوَاتِ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ وَيَدَعُ الصَّلاةَ وَاللَّهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ لأَبْلَيْتُ لِلَّهِ فِيهِ بَلاءً حَسَنًا. فَتَوَاثَبَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ يُبَايِعُونَ مِنْ كُلِّ النَّوَاحِي. وَمَا كَانَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ تِلْكَ اللَّيَالِي مَبِيتٌ إِلا الْمَسْجِدُ. وَمَا كَانَ يَزِيدُ عَلَى شَرْبَةٍ مِنْ سَوِيقٍ يُفْطِرُ عَلَيْهَا إِلَى مِثْلِهَا مِنَ الْغَدِ يُؤْتَى بِهَا فِي الْمَسْجِدِ. يَصُومُ الدَّهْرُ. وَمَا رُئِيَ رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ إِخْبَاتا. فَلَمَّا دَنَا أَهْلُ الشَّامِ مِنْ وَادِي الْقُرَى صَلَّى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا خَرَجْتُمْ غَضَبًا لِدِينِكُمْ فَأَبْلُوا لِلَّهِ بَلاءً حَسَنًا لِيوجِبْ لَكُمْ بِهِ مَغْفِرَتَهُ وَيُحِلَّ بِهِ عَلَيْكُمْ رِضْوَانَهُ. قَدْ خَبَّرَنِي مَنْ نَزَلَ مَعَ الْقَوْمِ السُّوَيْدَاءَ وَقَدْ نَزَلَ الْقَوْمُ الْيَوْمَ ذَا خَشَبٍ وَمَعَهُمْ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ. وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مُحَيِّنُهُ بِنَقْضِهِ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَصَايَحَ النَّاسُ وَجَعَلُوا يَنَالُونَ مِنْ مَرْوَانَ وَيَقُولُونَ: الْوَزَغُ بْنُ الْوَزَغُ. وَجَعَلَ ابْنُ حَنْظَلَةَ يُهَدِّئَهُمْ وَيَقُولُ: إِنَّ الشتم ليس بشيء ولكن اصْدِقُوهُمُ اللِّقَاءَ. وَاللَّهِ مَا صَدَقَ قَوْمٌ قَطُّ إِلا حَازُوا النَّصْرَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ. ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا بِكَ وَاثِقُونَ. بك آمَنَّا وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَلْجَأْنَا ظُهُورَنَا. ثُمَّ نَزَلَ. وَصَبَّحَ الْقَوْمُ الْمَدِينَةَ فَقَاتَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قِتَالا شَدِيدًا حَتَّى كَثَرَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ. وَدَخَلَتِ الْمَدِينَةُ مِنَ النَّوَاحِي كُلِّهَا فَلَبِسَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ يَوْمَئِذٍ دِرْعَيْنِ وَجَعَلَ يَحُضُّ أَصْحَابَهُ عَلَى الْقِتَالِ. فَجَعَلُوا يُقَاتِلُونَ. وَقُتِلَ النَّاسُ فَمَا تُرَى إِلا رَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ مُمْسِكًا بِهَا مَعَ عِصَابَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَحَانَتِ الظُّهْرُ فَقَالَ لِمَوْلًى لَهُ: احْمِ لِي ظَهْرِي حَتَّى أُصَلِّي. فَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا مُتَمَكِّنًا. فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ قَالَ لَهُ مَوْلاهُ: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا بَقِيَ أَحَدٌ فَعَلامَ نُقِيمُ؟ وَلِوَاؤُهُ قَائِمٌ مَا حَوْلَهُ خَمْسَةٌ. فَقَالَ: وَيْحَكَ إِنَّمَا خَرَجْنَا عَلَى أَنْ نَمُوتَ. ثُمَّ انْصَرَفَ مِنَ الصَّلاةِ وَبِهِ جِرَاحَاتٌ كَثِيرَةٌ فَتَقَلَّدَ السَّيْفَ وَنَزَعَ الدِّرْعَ وَلَبِسَ سَاعِدَيْنِ مِنْ دِيبَاجٍ ثُمَّ حَثَّ النَّاسَ عَلَى الْقِتَالِ. وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ كَالأَنْعَامِ الشُّرَّدِ وَأَهْلُ الشَّامِ يَقْتُلُونَهُمْ فِي كُلِّ وَجْهٍ. فَلَمَّا هُزِمَ النَّاسُ طَرَحَ الدِّرْعَ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ سِلاحٍ وَجَعَلَ يُقَاتِلُهُمْ وَهُوَ حَاسِرٌ حَتَّى قَتَلُوهُ. ضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ فَقَطَعَ مَنْكِبَيْهِ حَتَّى بَدَا سَحْرُهُ وَوَقَعَ مَيِّتًا. فَجَعَلَ مُسْرِفٌ يَطُوفُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ فِي الْقَتْلَى وَمَعَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ. فَمَرَّ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ وَهُوَ مَادٌّ إِصْبَعَهُ السَّبَّابَةَ فَقَالَ مَرْوَانُ: أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ نَصَبْتَهَا مَيِّتًا لَطَالَ مَا نَصَبْتَهَا حَيًّا. وَلَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ مَقَامٌ فَانْكَشَفُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ. وَكَانَ الَّذِي وَلِيَ قَتْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ مَقَامٌ فَانْكَشَفُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ. وَكَانَ الَّذِي وَلِيَ قَتْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ رَجُلانِ شُرَّعًا فِيهِ جَمِيعًا. وَحَزَّا رَأْسَهُ وَانْطَلَقَ بِهِ أَحَدُهُمَا إِلَى مُسْرِفٍ وَهُوَ يَقُولُ: رَأْسُ أَمِيرِ الْقَوْمِ. فَأَوْمَأَ مُسْرِفٌ بِالسُّجُودِ وَهُوَ عَلَى دَابَّتِهِ وَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ. قَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: مَالِكٌ. قَالَ: فَأَنْتَ وَلَّيْتَ قَتْلَهُ وحز رأسه؟ قال: نعم. وجاء الآخر رجل مِنَ السُّكُونِ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ يُقَالُ لَهُ سَعْدُ بْنُ الْجَوْنِ فَقَالَ: أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ! نَحْنُ شَرَعْنَا فِيهِ رُمْحَيْنَا فَأَنْفَذْنَاهُ بِهِمَا ثُمَّ ضربناه بسيفنا حَتَّى تَثَلَّمَا مِمَّا يَلْتَقِيَانِ. قَالَ الْفَزَارِيُّ: بَاطِلٌ. قَالَ السَّكُونِيُّ فَأَحْلَفَهُ بِالطَّلاقِ وَالْحُرِّيَةِ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ. وَحَلَفَ السَّكُونِيُّ عَلَى مَا قَالَ. فَقَالَ مسرف: أمير المؤمنين يحكم في أمركما. فأدبرهما فَقَدِمَا عَلَى يَزِيدَ بِقَتْلِ أَهْلِ الْحَرَّةِ وَبِقَتْلِ ابْنِ حَنْظَلَةَ فَأَجَازَهُمَا بِجَوَائِزَ عَظِيمَةٍ وَجَعَلَهُمَا فِي شَرَفٍ مِنَ الدِّيوَانِ ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْحُصَيْنِ بن نمير فقتلا في حصار ابن الزُّبَيْرِ. قَالَ وَكَانَتِ الْحَرَّةُ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ كِنَانَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَنْظَلَةَ بَعْدَ مَقْتَلِهِ فِي النَّوْمِ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ مَعَهُ لِوَاؤُهُ فَقُلْتُ: أَبَا عَبْد الرحمن أَمَا قُتِلْتَ؟ قَالَ: بَلَى وَلَقِيتُ رَبِّي فَأَدْخَلَنِي الْجَنَّةَ فَأَنَا أَسْرَحُ فِي ثِمَارِهَا حَيْثُ شِئْتُ. فَقُلْتُ: أَصْحَابُكَ مَا صُنِعَ بِهِمْ؟ قَالَ: هُمْ مَعِي حَوْلَ لِوَائِي هَذَا الَّذِي تَرَى لَمْ يحل عقده حتى الساعة. قال ففرغت مِنَ النَّوْمِ فَرَأَيْتُ أَنَّهَ خَيْرٌ رَأَيْتُهُ لَهُ.
- عبد الله بن حنظلة الغسيل ابن أبي عامر الراهب. واسمه عَبْد عَمْرو بْن صيفي بْن النُّعمان بْن مالك بْن أمة بْن ضبيعة بْن زَيْد بن مالك بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مالك بْن الأوس. وأمه جميلة بِنْت عَبْد اللَّه بْن أَبِي بْن سلول من بلحبلى. فولد عَبْد اللَّه بْن حنظلة عَبْد الرَّحْمَن وحنظلة وأمهما أسماء بِنْت أَبِي صيفي بْن أَبِي عامر بْن صيفي. وعاصما والحَكَم وأمهما فاطمة بِنْت الحَكَم من بني ساعدة. وأنسا وفاطمة وأمهما سلمى بنت أنس بن مدرك من خثعم. وسُلَيْمان وعُمَر وأمة الله وأمهم أم كلثوم بِنْت وحوح بْن الأسلت بْن جشم بْن وائل بْن زيد من الجعادرة من الأوس. وسويدا ومعمرا وعبد اللَّه والحر ومحمدا وأم سلمة وأم حبيب وأم القاسم وقريبة وأم عَبْد اللَّه وأمهم أم سُوَيْد بِنْت خليفة من بني عَديّ بْن عَمْرو من خزاعة. وكان حنظلة بْن أَبِي عامر لَمّا أراد الخروج إلى أحد وقع عَلَى امرأته جميلة بِنْت عَبْد اللَّه بْن أَبِي بن سلول فعلقت بعبد اللَّه بْن حنظلة فِي شوَّال عَلَى رأس اثنين وثلاثين شهرا مِن الهجرة. وقتل حنظلة بْن أَبِي عامر يومئذٍ شهيدا فغسلته الملائكة فيقال لولده بنو غسيل الملائكة. وولدت جميلة عَبْد اللَّه بْن حنظلة بعد ذَلِكَ بتسعة أشهر فَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهُوَ ابن سبع سنين. وذكر بعضهم أَنَّهُ قد رأى رسول الله وأبا بَكْر وعُمَر وقد روى عَنْ عُمَر. أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ ضَمْضَمَ بْنِ جَوْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ الرَّاهِبِ قَالَ: صَلَّى بِنَا عُمَرُ صَلاةَ الْمَغْرِبِ فَلَمْ يَقْرَأْ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى شَيْئًا. فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّانِيَةِ قَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ. ثُمَّ عَادَ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ. ثُمَّ صَلَّى حَتَّى فَرَغَ. ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. ثُمَّ سَلَّمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَسَّانَ قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيم عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَعَنْ غَيْرِهِمْ أَيْضًا. كُلٌّ قَدْ حَدَّثَنِي. قَالُوا: لَمَّا وَثَبَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيَالِيَ الحرة فأخرجوا بَنِي أُمَيَّةَ عَنِ الْمَدِينَةِ وَأَظْهَرُوا عَيْبَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَخِلافَهُ أَجْمَعُوا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ فَأَسْنَدُوا أَمْرَهُمْ إِلَيْهِ فَبَايَعَهُمْ عَلَى الْمَوْتِ وَقَالَ: يَا قَوْمُ اتَّقُوا اللَّهَ وَحْدَهُ لا شريك له. فو الله مَا خَرَجْنَا عَلَى يَزِيدَ حَتَّى خِفْنَا أَنْ نُرْمَى بِالْحِجَارَةِ مِنَ السَّمَاءِ. إِنَّ رَجُلا يَنْكِحُ الأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتَ وَالأَخَوَاتِ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ وَيَدَعُ الصَّلاةَ وَاللَّهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ لأَبْلَيْتُ لِلَّهِ فِيهِ بَلاءً حَسَنًا. فَتَوَاثَبَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ يُبَايِعُونَ مِنْ كُلِّ النَّوَاحِي. وَمَا كَانَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ تِلْكَ اللَّيَالِي مَبِيتٌ إِلا الْمَسْجِدُ. وَمَا كَانَ يَزِيدُ عَلَى شَرْبَةٍ مِنْ سَوِيقٍ يُفْطِرُ عَلَيْهَا إِلَى مِثْلِهَا مِنَ الْغَدِ يُؤْتَى بِهَا فِي الْمَسْجِدِ. يَصُومُ الدَّهْرُ. وَمَا رُئِيَ رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ إِخْبَاتا. فَلَمَّا دَنَا أَهْلُ الشَّامِ مِنْ وَادِي الْقُرَى صَلَّى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا خَرَجْتُمْ غَضَبًا لِدِينِكُمْ فَأَبْلُوا لِلَّهِ بَلاءً حَسَنًا لِيوجِبْ لَكُمْ بِهِ مَغْفِرَتَهُ وَيُحِلَّ بِهِ عَلَيْكُمْ رِضْوَانَهُ. قَدْ خَبَّرَنِي مَنْ نَزَلَ مَعَ الْقَوْمِ السُّوَيْدَاءَ وَقَدْ نَزَلَ الْقَوْمُ الْيَوْمَ ذَا خَشَبٍ وَمَعَهُمْ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ. وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مُحَيِّنُهُ بِنَقْضِهِ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَصَايَحَ النَّاسُ وَجَعَلُوا يَنَالُونَ مِنْ مَرْوَانَ وَيَقُولُونَ: الْوَزَغُ بْنُ الْوَزَغُ. وَجَعَلَ ابْنُ حَنْظَلَةَ يُهَدِّئَهُمْ وَيَقُولُ: إِنَّ الشتم ليس بشيء ولكن اصْدِقُوهُمُ اللِّقَاءَ. وَاللَّهِ مَا صَدَقَ قَوْمٌ قَطُّ إِلا حَازُوا النَّصْرَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ. ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا بِكَ وَاثِقُونَ. بك آمَنَّا وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَلْجَأْنَا ظُهُورَنَا. ثُمَّ نَزَلَ. وَصَبَّحَ الْقَوْمُ الْمَدِينَةَ فَقَاتَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قِتَالا شَدِيدًا حَتَّى كَثَرَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ. وَدَخَلَتِ الْمَدِينَةُ مِنَ النَّوَاحِي كُلِّهَا فَلَبِسَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ يَوْمَئِذٍ دِرْعَيْنِ وَجَعَلَ يَحُضُّ أَصْحَابَهُ عَلَى الْقِتَالِ. فَجَعَلُوا يُقَاتِلُونَ. وَقُتِلَ النَّاسُ فَمَا تُرَى إِلا رَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ مُمْسِكًا بِهَا مَعَ عِصَابَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَحَانَتِ الظُّهْرُ فَقَالَ لِمَوْلًى لَهُ: احْمِ لِي ظَهْرِي حَتَّى أُصَلِّي. فَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا مُتَمَكِّنًا. فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ قَالَ لَهُ مَوْلاهُ: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا بَقِيَ أَحَدٌ فَعَلامَ نُقِيمُ؟ وَلِوَاؤُهُ قَائِمٌ مَا حَوْلَهُ خَمْسَةٌ. فَقَالَ: وَيْحَكَ إِنَّمَا خَرَجْنَا عَلَى أَنْ نَمُوتَ. ثُمَّ انْصَرَفَ مِنَ الصَّلاةِ وَبِهِ جِرَاحَاتٌ كَثِيرَةٌ فَتَقَلَّدَ السَّيْفَ وَنَزَعَ الدِّرْعَ وَلَبِسَ سَاعِدَيْنِ مِنْ دِيبَاجٍ ثُمَّ حَثَّ النَّاسَ عَلَى الْقِتَالِ. وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ كَالأَنْعَامِ الشُّرَّدِ وَأَهْلُ الشَّامِ يَقْتُلُونَهُمْ فِي كُلِّ وَجْهٍ. فَلَمَّا هُزِمَ النَّاسُ طَرَحَ الدِّرْعَ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ سِلاحٍ وَجَعَلَ يُقَاتِلُهُمْ وَهُوَ حَاسِرٌ حَتَّى قَتَلُوهُ. ضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ فَقَطَعَ مَنْكِبَيْهِ حَتَّى بَدَا سَحْرُهُ وَوَقَعَ مَيِّتًا. فَجَعَلَ مُسْرِفٌ يَطُوفُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ فِي الْقَتْلَى وَمَعَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ. فَمَرَّ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ وَهُوَ مَادٌّ إِصْبَعَهُ السَّبَّابَةَ فَقَالَ مَرْوَانُ: أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ نَصَبْتَهَا مَيِّتًا لَطَالَ مَا نَصَبْتَهَا حَيًّا. وَلَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ مَقَامٌ فَانْكَشَفُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ. وَكَانَ الَّذِي وَلِيَ قَتْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ مَقَامٌ فَانْكَشَفُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ. وَكَانَ الَّذِي وَلِيَ قَتْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ رَجُلانِ شُرَّعًا فِيهِ جَمِيعًا. وَحَزَّا رَأْسَهُ وَانْطَلَقَ بِهِ أَحَدُهُمَا إِلَى مُسْرِفٍ وَهُوَ يَقُولُ: رَأْسُ أَمِيرِ الْقَوْمِ. فَأَوْمَأَ مُسْرِفٌ بِالسُّجُودِ وَهُوَ عَلَى دَابَّتِهِ وَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ. قَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: مَالِكٌ. قَالَ: فَأَنْتَ وَلَّيْتَ قَتْلَهُ وحز رأسه؟ قال: نعم. وجاء الآخر رجل مِنَ السُّكُونِ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ يُقَالُ لَهُ سَعْدُ بْنُ الْجَوْنِ فَقَالَ: أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ! نَحْنُ شَرَعْنَا فِيهِ رُمْحَيْنَا فَأَنْفَذْنَاهُ بِهِمَا ثُمَّ ضربناه بسيفنا حَتَّى تَثَلَّمَا مِمَّا يَلْتَقِيَانِ. قَالَ الْفَزَارِيُّ: بَاطِلٌ. قَالَ السَّكُونِيُّ فَأَحْلَفَهُ بِالطَّلاقِ وَالْحُرِّيَةِ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ. وَحَلَفَ السَّكُونِيُّ عَلَى مَا قَالَ. فَقَالَ مسرف: أمير المؤمنين يحكم في أمركما. فأدبرهما فَقَدِمَا عَلَى يَزِيدَ بِقَتْلِ أَهْلِ الْحَرَّةِ وَبِقَتْلِ ابْنِ حَنْظَلَةَ فَأَجَازَهُمَا بِجَوَائِزَ عَظِيمَةٍ وَجَعَلَهُمَا فِي شَرَفٍ مِنَ الدِّيوَانِ ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْحُصَيْنِ بن نمير فقتلا في حصار ابن الزُّبَيْرِ. قَالَ وَكَانَتِ الْحَرَّةُ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ كِنَانَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَنْظَلَةَ بَعْدَ مَقْتَلِهِ فِي النَّوْمِ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ مَعَهُ لِوَاؤُهُ فَقُلْتُ: أَبَا عَبْد الرحمن أَمَا قُتِلْتَ؟ قَالَ: بَلَى وَلَقِيتُ رَبِّي فَأَدْخَلَنِي الْجَنَّةَ فَأَنَا أَسْرَحُ فِي ثِمَارِهَا حَيْثُ شِئْتُ. فَقُلْتُ: أَصْحَابُكَ مَا صُنِعَ بِهِمْ؟ قَالَ: هُمْ مَعِي حَوْلَ لِوَائِي هَذَا الَّذِي تَرَى لَمْ يحل عقده حتى الساعة. قال ففرغت مِنَ النَّوْمِ فَرَأَيْتُ أَنَّهَ خَيْرٌ رَأَيْتُهُ لَهُ.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=78713&book=5518#f340ff
عَبْد الرَّحْمَن بْن سُلَيْمَان بْن عَبْد اللَّه بْن حنظلة بْن الغسيل الْأَنْصَارِيّ أَبُو سُلَيْمَان المديني،
رأى (1) سهل بْن سعد، و (2) عاصم بْن عُمَر وحمزة بْن أَبِي أسيد، كناه وكيع، سَمِعَ منه ابْن إدريس (3) وأَبُو نعيم.
رأى (1) سهل بْن سعد، و (2) عاصم بْن عُمَر وحمزة بْن أَبِي أسيد، كناه وكيع، سَمِعَ منه ابْن إدريس (3) وأَبُو نعيم.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=155294&book=5518#b29a54
عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمِ بنِ الحَارِثِ الإِسْرَائِيْلِيُّ
الإِمَامُ، الحَبْرُ، المَشْهُوْدُ لَهُ بِالجَنَّةِ، أَبُو الحَارِثِ الإِسْرَائِيْلِيُّ، حَلِيْفُ الأَنْصَارِ.
مِنْ خَوَاصِّ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَعْقِلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ حَنْظَلَةَ بنِ الغَسِيْلِ، وَابْنَاهُ؛ يُوْسُفُ وَمُحَمَّدٌ، وَبِشْرُ بنُ شَغَافٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ المُقْرِئُ، وَأَبُو بُرْدَةَ بنُ أَبِي مُوْسَى، وَقَيْسُ بنُ عَبَّادٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَزُرَارَةُ بنُ أَوْفَى، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ فِيْمَا بَلَغَنَا مِمَّنْ شَهِدَ فَتْحَ بَيْتِ المَقْدِسِ.نَقَلَهُ الوَاقِدِيُّ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: اسْمُهُ: الحُصَيْنُ، فَغَيَّرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَبْدِ اللهِ.
وَرَوَى: قَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ - وَهُوَ ضَعِيْفٌ - عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
أَسْلَمَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ قَبْلَ وَفَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَامَيْنِ.
فَهَذَا قَوْلٌ شَاذٌّ مَرْدُوْدٌ بِمَا فِي (الصَّحِيْحِ) : مِنْ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَقْتَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقُدُوْمِهِ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: هُوَ مِنْ وَلَدِ يُوْسُفَ بنِ يَعْقُوْبَ - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ - وَهُوَ حَلِيْفُ القَوَاقِلَةِ.
قَالَ: وَلَهُ إِسْلاَمٌ قَدِيْمٌ بَعْدَ أَنْ قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِيْنَةَ، وَهُوَ مِنْ أَحْبَارِ اليَهُوْدِ.
قَالَ عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ: حَدَّثَنَا زُرَارَةُ بنُ أَوْفَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِيْنَةَ، انْجَفَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَكُنْتُ فِيْمَنِ انْجَفَلَ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ، عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ.
فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوْا السَّلاَمَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلاَمٍ ) .
وَرَوَى: حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ سَلاَمٍ أَتَى رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَقْدَمَهُ
إِلَى المَدِيْنَةِ، فَقَالَ:إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاَثٍ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ نَبِيٌّ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ مَا يَأْكُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ؟ وَمِنْ أَيْنَ يُشْبِهُ الوَلَدُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ؟
فَقَالَ: (أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيْلُ آنفاً) .
قَالَ: ذَاكَ عَدُوُّ اليَهُوْدِ مِنَ المَلاَئِكَةِ.
قَالَ: (أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: فَنَارٌ تَخْرُجُ مِنَ المَشْرِقِ، فَتَحْشُرُ النَّاسَ إِلَى المَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ مَا يَأكُلُهُ أَهْلُ الجَنَّةِ: فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوْتٍ، وَأَمَّا الشَّبَهُ: فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ نَزَعَ إِلَيْهِ الوَلَدُ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ المَرْأَةِ نَزَعَ إِلَيْهَا) .
قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُوْلُ اللهِ.
وَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنَّ اليَهُوْدَ قَوْمٌ بُهْتٌ؛ وَإِنَّهُم إِنْ يَعْلَمُوا بإِسْلاَمِي بَهَتُوْنِي، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِمْ، فَسَلْهُمْ عَنِّي.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: (أَيُّ رَجُلٍ ابْنُ سَلاَمٍ فِيْكُمْ؟) .
قَالُوا: حَبْرُنَا، وَابْنُ حَبْرِنَا؛ وَعَالِمُنَا، وَابْنُ عَالِمِنَا.
قَالَ: (أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ، تُسْلِمُوْنَ؟) .
قَالُوا: أَعَاذَهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ: فَخَرَجَ عَبْدُ اللهِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ؛ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ.
فَقَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا؛ وَجَاهِلُنَا وَابْنُ جَاهِلِنَا.
فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أَلَمْ أُخْبِرْكَ أَنَّهُم قَوْمٌ بُهْتٌ.
عَبْدُ الوَارِثِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
أَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَقَالُوا: جَاءَ نَبِيُّ اللهِ.
فَاسْتَشْرَفُوا يَنْظُرُوْنَ، وَسَمِعَ ابْنُ سَلاَمٍ - وَهُوَ فِي نَخْلٍ يَخْتَرِفُ - فَعَجَّلَ قَبْلَ أَنْ يَضَعَ الَّتِي يَخْتَرِفُ فِيْهَا، فَسَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ.
فَلَمَّا خَلاَ نَبِيُّ اللهِ، جَاءَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ
أَنَّكَ رَسُوْلُ اللهِ، وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ، وَلَقَدْ عَلِمَتِ اليَهُوْدُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَابْنُ سَيِّدِهِمْ، وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ، فَسَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ قَالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ.فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، فَجَاؤُوْا، فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ اليَهُوْدِ، وَيْلَكُم! اتَّقُوا اللهَ، فَوَاللهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُوْنَ أَنِّي رَسُوْلُ اللهِ حَقّاً، وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ، فَأَسْلِمُوا) .
قَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ.
قَالَ: (فَأَيُّ رَجُلٍ فِيْكُمُ ابْنُ سَلاَمٍ؟) .
قَالُوا: ذَاكَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا.
قَالَ: (أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟) .
قَالُوا: حَاشَى للهِ، مَا كَانَ لِيُسْلِمَ!
فَقَالَ: (اخْرُجْ عَلَيْهِمْ) .
فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: وَيْلَكُمْ! اتَّقُوا اللهَ، فَوَاللهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُوْنَ أَنَّهُ رَسُوْلُ اللهِ حَقّاً.
قَالُوا: كَذَبْتَ.
فَأَخْرَجَهُمْ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي ابْنِ سَلاَمٍ، وَثَعْلَبَةَ بنِ سَعْيَةَ، وَأَسَدِ بنِ عُبَيْدٍ: {لَيْسُوا سَوَاءً، مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ ... } الآيَتَيْنِ، [آلُ عِمْرَانَ: 113، 114] .
مَالِكٌ: عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:مَا سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ يَقُوْلُ لأَحَدٍ: إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، إِلاَّ لِعَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، وَفِيْهِ نَزَلَتْ: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ عَلَى مِثْلِهِ} [الأَحْقَافُ : 10] .
حَمَّادٌ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بنُ بَهْدلَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَدْخُلُ مِنْ هَذَا الفَجِّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ) .
فَجَاءَ ابْنُ سَلاَمٍ.
وَجَاءَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ: أَنَّهُ رَأَى رُؤْيَا، فَقَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ:
(تَمُوْتُ وَأَنْتَ مُسْتَمْسِكٌ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى ) .إِسْنَادُهَا قَوِيٌّ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ رُفَيْعٍ، عَنْ مَعَبْدٍ الجُهَنِيِّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ عَمِيْرَةَ:
أَنَّهُ لَمَّا احْتُضِرَ معَاذٌ، قَعَدَ يَزِيْدُ عِنْدَ رَأْسِهِ يَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيْكَ؟
قَالَ: أَبْكِي لِمَا فَاتَنِي مِنَ العِلْمِ.
قَالَ: إِنَّ العِلْمَ كَمَا هُوَ لَمْ يَذْهَبْ، فَاطْلُبْهُ عِنْدَ أَرْبَعَةٍ، فَسَمَّاهُمْ، وَفِيْهِمْ: عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ، الَّذِي قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيْهِ: (هُوَ عَاشِرُ عَشَرَةٍ فِي الجَنَّةِ ) .
البُخَارِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ عَمِيْرَةَ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ:
لَمَّا حَضَرَ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ المَوْتُ، قِيْلَ لَهُ: أَوْصِنَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
قَالَ: الْتَمِسُوْا العِلْمَ عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَسَلْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بن سَلاَمٍ الَّذِي أَسْلَمَ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (إِنَّهُ عَاشِرُ عَشَرَةٍ فِي الجَنَّةِ ) .
{وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكِتَابِ} ، قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي يَحْيَى: حَدَّثَنَا معَاذُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يُوْسُفَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنِّي قَدْ قَرَأْتُ
القُرْآنَ وَالتَّوْرَاةَ.فَقَالَ: (اقْرَأْ بِهَذَا لَيْلَةً، وَبِهَذَا لَيْلَةً) .
إِسْنَادُهُ ضَعِيْفٌ.
فَإِنَّ صَحَّ، فَفِيْهِ رُخْصَةٌ فِي التَّكْرَارِ عَلَى التَّوْرَاةِ الَّتِي لَمْ تُبَدَّلْ، فَأَمَّا اليَوْمَ، فَلاَ رُخْصَةَ فِي ذَلِكَ؛ لِجَوَازِ التَّبْدِيْلِ عَلَى جَمِيْعِ نُسَخِ التَّوْرَاةِ المَوْجُوْدَةِ، وَنَحْنُ نُعَظِّمُ التَّوْرَاةَ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللهُ عَلَى مُوْسَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وَنُؤمِنُ بِهَا.
فَأَمَّا هَذِهِ الصُّحُفُ الَّتِي بِأَيْدِي هَؤُلاَءِ الضُّلاَّلِ، فَمَا نَدْرِي مَا هِيَ أَصْلاً، وَنَقِفُ فَلاَ نُعَامِلُهَا بِتَعَظِيْمٍ وَلاَ بِإِهَانَةٍ، بَلْ نَقُوْلُ: آمَنَّا بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسِلِهِ، وَيَكْفِيْنَا فِي ذَلِكَ الإِيْمَانُ المُجْمَلُ - وَللهِ الحَمْدُ -.
عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ، قَالَ:
زَعَمَ عَبْدُ اللهِ بنُ حَنْظَلَةَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ سَلاَمٍ مَرَّ فِي السُّوْقِ، عَلَيْهِ حُزْمَةٌ مِنْ حَطَبٍ، فَقِيْلَ لَهُ: أَلَيْسَ أَغْنَاكَ اللهُ؟
قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَقْمَعَ الكِبْرَ، سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ).
اتَّفِقُوا عَلَى أَنَّ ابْنَ سَلاَمٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ.وَقَدْ سَاقَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ تَرْجَمَتَهُ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ وَرَقَةً.
الوَاقِدِيُّ: عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، وَآخَرَ:
أَنَّ ابْنَ سَلاَمٍ كَانَ اسْمُهُ الحُصَيْنُ، فَغَيَّرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَبْدِ اللهِ.
يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا:
حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ سَلاَمٍ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا قَدِمَ المَدِيْنَةَ ... ، الحَدِيْثَ.
وَفِيْهِ، قَالُوا: شَرُّنَا، وَابْنُ شَرِّنَا ... ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
قَالَ: يَقُوْلُ عَبْدُ اللهِ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، هَذَا الَّذِي كُنْتُ أَخَافُ.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ ثَابِتٍ، وَحُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَاهُ ابْنُ سَلاَمٍ، فَقَالَ:
سَائِلُكَ عَنْ أَشْيَاءَ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ نَبِيٌّ، فَإِنْ أَخْبَرْتَنِي بِهَا، آمَنْتُ بِكَ ... ، الحَدِيْثَ.
هَوْذَةُ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الحَسَنِ قَالَ:
عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ اليَهُوْدَ يَجِدُوْنَكَ عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ.
ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى فُلاَنٍ، وَفُلاَنٍ - نَفَرٍ سَمَّاهُمْ - فَقَالَ: (مَا عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ فِيْكُمْ؟ وَمَا أَبُوْهُ؟) .
قَالُوا: سَيِّدُنَا، وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَعَالِمُنَا، وَابْنُ عَالِمِنَا.
قَالَ: (أَرَأَيْتُم إِنْ أَسْلَمَ، أَتُسْلِمُوْنَ؟) .
قَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُسْلِمُ!
فَدَعَاهُ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، وَتَشَهَّدَ، فَقَالُوا: يَا عَبْدَ اللهِ! مَا كُنَّا نَخْشَاكَ عَلَى هَذَا!
وَخَرَجُوا، وَأَنْزَلَ اللهُ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ، وَشَهِدَ شَاهِدٌ
مِنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} [الأَحْقَافُ : 10] .إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ قَيْسِ بنِ عُبَادٍ، قَالَ:
كُنْتُ فِي مَسْجِدِ المَدِيْنَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِوَجْهِهِ أَثَرٌ مِنْ خُشُوْعٍ، فَقَالَ القَوْمُ: هَذَا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ.
فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَوْجَزَ فِيْهِمَا، فَلَمَّا خَرَجَ، اتَّبَعْتُهُ حَتَّى دَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَدَخَلْتُ مَعَهُ، فَحَدَّثْتُهُ؛ فَلَمَّا اسْتَأَنَسَ، قُلْتُ:
إِنَّهُم قَالُوا لَمَّا دَخَلْتَ المَسْجِدَ: كَذَا، وَكَذَا.
قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! مَا يَنْبِغِي لأَحَدٍ أَنْ يَقُوْلَ مَا لاَ يَعْلَمُ، وَسَأُحَدِّثُكَ:
إِنِّي رَأَيْتُ رُؤْيَا، فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: رَأَيْتُ كَأَنِّي فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، وَسَطُهَا عَمُوْدٌ حَدِيْدٌ، أَسْفَلُهُ فِي الأَرْضِ، وَأَعْلاَهُ فِي السِّمَاءِ، فِي أَعْلاَهُ عُرْوَةٌ، فَقِيْلَ لِي: اصْعَدْ عَلَيْهِ.
فَصَعِدْتُ حَتَّى أَخَذْتُ بِالعُرْوَةِ، فَقِيْلَ: اسْتمْسِكْ بِالعُرْوَةِ.
فَاسْتَيْقَظْتُ، وَإِنَّهَا لَفِي يَدِي، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ.
فَقَالَ: (أَمَّا الرَّوْضَةُ، فَرَوْضَةُ الإِسْلاَمِ، وَأَمَّا العَمُوْدُ، فَعَمُوْدُ الإِسْلاَمِ، وَأَمَّا العُرْوَةُ؛ فَهِيَ العُرْوَةُ الوُثْقَى؛ أَنْتَ عَلَى الإِسْلاَمِ حَتَّى تَمُوْتَ) .
قَالَ: وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ عَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، عَنِ المُسَيَّبِ بنِ رَافِعٍ، عَنْ خَرَشَةَ بنِ الحُرِّ، قَالَ:
قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ، فَجَلَسْتُ إِلَى شِيَخَةٍ فِي المَسْجِدِ، فَجَاءَ شَيْخٌ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصاً لَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ.
فَقَامَ خَلْفَ سَارِيَةٍ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: زَعَمَ هَؤُلاَءِ أَنَّكَ مِنْ
أَهْلِ الجَنَّةِ!فَقَالَ: الجَنَّةُ للهِ، يُدْخِلُهَا مَنْ يَشَاءُ، إِنِّي رَأَيْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ رُؤْيَا:
رَأَيْتُ كَأَنَّ رَجُلاً أَتَانِي، فَقَالَ: انْطَلِقْ، فَسَلَكَ بِي فِي مَنْهَجٍ عَظِيْمٍ، فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي، إِذْ عَرَضَ لِي طَرِيْقٌ عَنْ شِمَالِي، فَأَرَدْتُ أَنْ أَسْلُكَهَا، فَقَالَ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا، ثُمَّ عَرَضَتْ لِي طَرِيْقٌ عَنْ يَمِيْنِي، فَسَلَكْتُهَا، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى جَبَلٍ زَلَقٍ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَرَحَلَ بِي، فَإِذَا أَنَا عَلَى ذُرْوَتِهِ؛ فَلَمْ أَتَقَارَّ، وَلَمْ أَتَمَاسَكْ، وَإِذَا عَمُوْدٌ مِنْ حَدِيْدٍ، فِي أَعْلاَهُ عُرْوَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَرَحَلَ بِي، حَتَّى أَخَذْتُ بِالعُرْوَةِ، فَقَالَ لِي: اسْتَمْسِكْ بِالعُرْوَةِ.
فَقَصَصْتُهَا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (رَأَيْتَ خَيْراً، أَمَّا المَنْهَجُ العَظِيْمُ؛ فَالمَحْشَرُ، وَأَمَّا الطَّرِيْقُ الَّتِي عَرَضَتْ عَنْ شِمَالِكَ؛ فَطَرِيْقُ أَهْلِ النَّارِ، وَلَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا، وَأَمَّا الَّتِي عَنْ يَمِيْنِكَ؛ فَطَرِيْقُ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَأَمَّا الجَبَلُ الزَّلِقُ؛ فَمَنْزِلُ الشُّهَدَاءِ، وَأَمَّا العُرْوَةُ؛ فَعُرْوَةُ الإِسْلاَمِ، فَاسْتَمْسِكْ بِهَا حَتَّى تَمُوْتَ) .
وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ.
جَرِيْرٌ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ مُسْهِرٍ، عَنْ خَرَشَةَ، قَالَ:
كُنْتُ جَالِساً فِي حَلَقَةٍ، فِيْهِمُ ابْنُ سَلاَمٍ يُحَدِّثُهُمْ؛ فَلَمَّا قَامَ، قَالُوا: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا.
فَتَبِعْتُهُ، فَسَأَلْتُهُ ... ، فَذَكَرَ الحَدِيْثَ بِطُوْلِهِ.
وَهُوَ صَحِيْحٌ.
وَرَوَى: بِشْرُ بنُ شَغَافٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ: أَنَّهُ شَهِدَ فَتْحَ نَهَاوَنْدَ.
قَالَ أَيُّوْبُ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ:نُبِّئْتُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ سَلاَمٍ قَالَ: إِنْ أَدْرَكَنِي، وَليْسَ لِي رَكُوْبٌ، فَاحْمِلُوْنِي، حَتَّى تَضَعُوْنِي بَيْنَ الصَّفَيْنِ -يَعْنِي: قُبَالَ الأَعْمَاقِ-.
مُحَمَّدُ بنُ مُصْعَبٍ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، قَالَ:
كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ إِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ، سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لَنَا أَبوَابَ رَحْمَتِكَ.
وَإِذَا خَرَجَ، سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَعَوَّذَ مِنَ الشَّيْطَانِ.
حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بن أَبِي مُوْسَى، قَالَ:
أَتَيْتُ المَدِيْنَةَ، فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ جَالِسٌ فِي حَلَقَةٍ مُتَخَشِّعاً، عَلَيْهِ سِيْمَاءُ الخَيْرِ، فَقَالَ:
يَا أَخِي، جِئْتَ وَنَحْنُ نُرِيْدُ القِيَامَ، فَأَذِنْتُ لَهُ، أَوْ قُلْتُ: إِذَا شِئْتَ.
فَقَامَ، فَاتَّبَعْتُهُ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟
قُلْتُ: أَنَا ابْنُ أَخِيْكَ؛ أَنَا أَبُو بُرْدَةَ بنُ أَبِي مُوْسَى.
فَرَحَّبَ بِي، وَسَأَلَنِي، وَسَقَانِي سَوِيْقاً، ثُمَّ قَالَ:
إِنَّكُمْ بِأَرْضِ الرِّيْفِ، وَإِنَّكُمْ تُسَالِفُوْنَ الدَّهَاقِيْنَ، فَيُهْدُوْنَ لَكُم حُمْلاَنَ القَتِّ
وَالدَّوَاخِلِ؛ فَلاَ تَقْرَبُوْهَا، فَإِنَّهَا نَارٌ.قَدْ مَرَّ مَوْتُ عَبْدِ اللهِ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ بِالمَدِيْنَةِ، وَأَرَّخَهُ جَمَاعَةٌ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ العُمَرِيُّ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ السِّجْزِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنِ حَمُّوْيَةَ، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، قَالَ:
قَعَدْنَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَذَاكَرْنَا، فَقُلْنَا: لَو نَعْلَمُ أَيَّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؛ لَعَمِلْنَا.
فَأَنْزَلَ اللهُ: {سَبَّحَ للهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ العَزِيْزُ الحَكِيْمِ، يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا لِمَ تَقُوْلُوْنَ مَا لاَ تَفْعَلُوْنَ ... } [الصَّفُّ: 1-2] حَتَّى خَتَمَهَا.
قَالَ: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى خَتَمَهَا.
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ.
قَالَ يَحْيَى: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا أَبُو سَلَمَةَ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا يَحْيَى،
فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا الأَوْزَاعِيُّ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا مُحَمَّدٌ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا الدَّارِمِيُّ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا عِيْسَى، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا ابْنُ حَمُّوْيَةَ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا الدَّاوُوْدِيُّ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا أَبُو الوَقْتِ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ.قُلْتُ: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا شُيُوْخُنَا.
صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو الحِمْصِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَوْفِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ:
انْطَلَقَ نَبِيُّ اللهِ وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا كَنِيْسَةَ اليَهُوْدِ، فَقَالَ: (أَرُوْنِي يَا مَعْشَرَ يَهُودٍ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً يَشْهَدُوْنَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ؛ يَحُطُّ اللهُ عَنْكُمُ الغَضَبَ) .
فَأُسْكِتُوا، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ.
قَالَ: (فَوَاللهِ لأَنَا الحَاشِرُ، وَأَنَا العَاقِبُ، وَأَنَا المُصْطَفَى، آمَنْتُمْ أَوْ كَذَّبْتُم) .
فَلَمَّا كَادَ يَخْرُجُ، قَالَ رَجُلٌ: كَمَا أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ، أَيُّ رَجُلٍ تَعْلَمُوْنَنِي فِيْكُمْ؟
قَالُوا: مَا فِيْنَا أَعْلَمُ مِنْكَ.
قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ بِاللهِ أَنَّهُ نَبِيُّ اللهِ
الَّذِي تَجِدُوْنَهُ فِي التَّوْرَاةِ.فَقَالُوا: كَذَبْتَ.
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كَذَبْتُمْ) .
قَالَ: فَخَرَجْنَا وَنَحْنَ ثَلاَثَةٌ، وَأُنْزِلَتْ: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ، وَشَهِدَ شَاهِدٌ ... } [الأَحْقَافُ: 10] ، الآيَةَ.
وَفِي الصَّحِيْحِ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيْثِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَهُوَ عَبْدُ اللهِ -يَعْنِي: ابْنَ سَلاَمٍ-.
الإِمَامُ، الحَبْرُ، المَشْهُوْدُ لَهُ بِالجَنَّةِ، أَبُو الحَارِثِ الإِسْرَائِيْلِيُّ، حَلِيْفُ الأَنْصَارِ.
مِنْ خَوَاصِّ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَعْقِلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ حَنْظَلَةَ بنِ الغَسِيْلِ، وَابْنَاهُ؛ يُوْسُفُ وَمُحَمَّدٌ، وَبِشْرُ بنُ شَغَافٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ المُقْرِئُ، وَأَبُو بُرْدَةَ بنُ أَبِي مُوْسَى، وَقَيْسُ بنُ عَبَّادٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَزُرَارَةُ بنُ أَوْفَى، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ فِيْمَا بَلَغَنَا مِمَّنْ شَهِدَ فَتْحَ بَيْتِ المَقْدِسِ.نَقَلَهُ الوَاقِدِيُّ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: اسْمُهُ: الحُصَيْنُ، فَغَيَّرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَبْدِ اللهِ.
وَرَوَى: قَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ - وَهُوَ ضَعِيْفٌ - عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
أَسْلَمَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ قَبْلَ وَفَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَامَيْنِ.
فَهَذَا قَوْلٌ شَاذٌّ مَرْدُوْدٌ بِمَا فِي (الصَّحِيْحِ) : مِنْ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَقْتَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقُدُوْمِهِ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: هُوَ مِنْ وَلَدِ يُوْسُفَ بنِ يَعْقُوْبَ - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ - وَهُوَ حَلِيْفُ القَوَاقِلَةِ.
قَالَ: وَلَهُ إِسْلاَمٌ قَدِيْمٌ بَعْدَ أَنْ قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِيْنَةَ، وَهُوَ مِنْ أَحْبَارِ اليَهُوْدِ.
قَالَ عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ: حَدَّثَنَا زُرَارَةُ بنُ أَوْفَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِيْنَةَ، انْجَفَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَكُنْتُ فِيْمَنِ انْجَفَلَ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ، عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ.
فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوْا السَّلاَمَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلاَمٍ ) .
وَرَوَى: حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ سَلاَمٍ أَتَى رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَقْدَمَهُ
إِلَى المَدِيْنَةِ، فَقَالَ:إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاَثٍ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ نَبِيٌّ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ مَا يَأْكُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ؟ وَمِنْ أَيْنَ يُشْبِهُ الوَلَدُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ؟
فَقَالَ: (أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيْلُ آنفاً) .
قَالَ: ذَاكَ عَدُوُّ اليَهُوْدِ مِنَ المَلاَئِكَةِ.
قَالَ: (أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: فَنَارٌ تَخْرُجُ مِنَ المَشْرِقِ، فَتَحْشُرُ النَّاسَ إِلَى المَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ مَا يَأكُلُهُ أَهْلُ الجَنَّةِ: فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوْتٍ، وَأَمَّا الشَّبَهُ: فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ نَزَعَ إِلَيْهِ الوَلَدُ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ المَرْأَةِ نَزَعَ إِلَيْهَا) .
قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُوْلُ اللهِ.
وَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنَّ اليَهُوْدَ قَوْمٌ بُهْتٌ؛ وَإِنَّهُم إِنْ يَعْلَمُوا بإِسْلاَمِي بَهَتُوْنِي، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِمْ، فَسَلْهُمْ عَنِّي.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: (أَيُّ رَجُلٍ ابْنُ سَلاَمٍ فِيْكُمْ؟) .
قَالُوا: حَبْرُنَا، وَابْنُ حَبْرِنَا؛ وَعَالِمُنَا، وَابْنُ عَالِمِنَا.
قَالَ: (أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ، تُسْلِمُوْنَ؟) .
قَالُوا: أَعَاذَهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ: فَخَرَجَ عَبْدُ اللهِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ؛ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ.
فَقَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا؛ وَجَاهِلُنَا وَابْنُ جَاهِلِنَا.
فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أَلَمْ أُخْبِرْكَ أَنَّهُم قَوْمٌ بُهْتٌ.
عَبْدُ الوَارِثِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
أَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَقَالُوا: جَاءَ نَبِيُّ اللهِ.
فَاسْتَشْرَفُوا يَنْظُرُوْنَ، وَسَمِعَ ابْنُ سَلاَمٍ - وَهُوَ فِي نَخْلٍ يَخْتَرِفُ - فَعَجَّلَ قَبْلَ أَنْ يَضَعَ الَّتِي يَخْتَرِفُ فِيْهَا، فَسَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ.
فَلَمَّا خَلاَ نَبِيُّ اللهِ، جَاءَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ
أَنَّكَ رَسُوْلُ اللهِ، وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ، وَلَقَدْ عَلِمَتِ اليَهُوْدُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَابْنُ سَيِّدِهِمْ، وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ، فَسَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ قَالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ.فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، فَجَاؤُوْا، فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ اليَهُوْدِ، وَيْلَكُم! اتَّقُوا اللهَ، فَوَاللهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُوْنَ أَنِّي رَسُوْلُ اللهِ حَقّاً، وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ، فَأَسْلِمُوا) .
قَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ.
قَالَ: (فَأَيُّ رَجُلٍ فِيْكُمُ ابْنُ سَلاَمٍ؟) .
قَالُوا: ذَاكَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا.
قَالَ: (أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟) .
قَالُوا: حَاشَى للهِ، مَا كَانَ لِيُسْلِمَ!
فَقَالَ: (اخْرُجْ عَلَيْهِمْ) .
فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: وَيْلَكُمْ! اتَّقُوا اللهَ، فَوَاللهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُوْنَ أَنَّهُ رَسُوْلُ اللهِ حَقّاً.
قَالُوا: كَذَبْتَ.
فَأَخْرَجَهُمْ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي ابْنِ سَلاَمٍ، وَثَعْلَبَةَ بنِ سَعْيَةَ، وَأَسَدِ بنِ عُبَيْدٍ: {لَيْسُوا سَوَاءً، مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ ... } الآيَتَيْنِ، [آلُ عِمْرَانَ: 113، 114] .
مَالِكٌ: عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:مَا سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ يَقُوْلُ لأَحَدٍ: إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، إِلاَّ لِعَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، وَفِيْهِ نَزَلَتْ: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ عَلَى مِثْلِهِ} [الأَحْقَافُ : 10] .
حَمَّادٌ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بنُ بَهْدلَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَدْخُلُ مِنْ هَذَا الفَجِّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ) .
فَجَاءَ ابْنُ سَلاَمٍ.
وَجَاءَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ: أَنَّهُ رَأَى رُؤْيَا، فَقَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ:
(تَمُوْتُ وَأَنْتَ مُسْتَمْسِكٌ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى ) .إِسْنَادُهَا قَوِيٌّ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ رُفَيْعٍ، عَنْ مَعَبْدٍ الجُهَنِيِّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ عَمِيْرَةَ:
أَنَّهُ لَمَّا احْتُضِرَ معَاذٌ، قَعَدَ يَزِيْدُ عِنْدَ رَأْسِهِ يَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيْكَ؟
قَالَ: أَبْكِي لِمَا فَاتَنِي مِنَ العِلْمِ.
قَالَ: إِنَّ العِلْمَ كَمَا هُوَ لَمْ يَذْهَبْ، فَاطْلُبْهُ عِنْدَ أَرْبَعَةٍ، فَسَمَّاهُمْ، وَفِيْهِمْ: عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ، الَّذِي قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيْهِ: (هُوَ عَاشِرُ عَشَرَةٍ فِي الجَنَّةِ ) .
البُخَارِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ عَمِيْرَةَ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ:
لَمَّا حَضَرَ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ المَوْتُ، قِيْلَ لَهُ: أَوْصِنَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
قَالَ: الْتَمِسُوْا العِلْمَ عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَسَلْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بن سَلاَمٍ الَّذِي أَسْلَمَ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (إِنَّهُ عَاشِرُ عَشَرَةٍ فِي الجَنَّةِ ) .
{وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكِتَابِ} ، قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي يَحْيَى: حَدَّثَنَا معَاذُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يُوْسُفَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنِّي قَدْ قَرَأْتُ
القُرْآنَ وَالتَّوْرَاةَ.فَقَالَ: (اقْرَأْ بِهَذَا لَيْلَةً، وَبِهَذَا لَيْلَةً) .
إِسْنَادُهُ ضَعِيْفٌ.
فَإِنَّ صَحَّ، فَفِيْهِ رُخْصَةٌ فِي التَّكْرَارِ عَلَى التَّوْرَاةِ الَّتِي لَمْ تُبَدَّلْ، فَأَمَّا اليَوْمَ، فَلاَ رُخْصَةَ فِي ذَلِكَ؛ لِجَوَازِ التَّبْدِيْلِ عَلَى جَمِيْعِ نُسَخِ التَّوْرَاةِ المَوْجُوْدَةِ، وَنَحْنُ نُعَظِّمُ التَّوْرَاةَ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللهُ عَلَى مُوْسَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وَنُؤمِنُ بِهَا.
فَأَمَّا هَذِهِ الصُّحُفُ الَّتِي بِأَيْدِي هَؤُلاَءِ الضُّلاَّلِ، فَمَا نَدْرِي مَا هِيَ أَصْلاً، وَنَقِفُ فَلاَ نُعَامِلُهَا بِتَعَظِيْمٍ وَلاَ بِإِهَانَةٍ، بَلْ نَقُوْلُ: آمَنَّا بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسِلِهِ، وَيَكْفِيْنَا فِي ذَلِكَ الإِيْمَانُ المُجْمَلُ - وَللهِ الحَمْدُ -.
عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ، قَالَ:
زَعَمَ عَبْدُ اللهِ بنُ حَنْظَلَةَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ سَلاَمٍ مَرَّ فِي السُّوْقِ، عَلَيْهِ حُزْمَةٌ مِنْ حَطَبٍ، فَقِيْلَ لَهُ: أَلَيْسَ أَغْنَاكَ اللهُ؟
قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَقْمَعَ الكِبْرَ، سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ).
اتَّفِقُوا عَلَى أَنَّ ابْنَ سَلاَمٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ.وَقَدْ سَاقَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ تَرْجَمَتَهُ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ وَرَقَةً.
الوَاقِدِيُّ: عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، وَآخَرَ:
أَنَّ ابْنَ سَلاَمٍ كَانَ اسْمُهُ الحُصَيْنُ، فَغَيَّرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَبْدِ اللهِ.
يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا:
حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ سَلاَمٍ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا قَدِمَ المَدِيْنَةَ ... ، الحَدِيْثَ.
وَفِيْهِ، قَالُوا: شَرُّنَا، وَابْنُ شَرِّنَا ... ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
قَالَ: يَقُوْلُ عَبْدُ اللهِ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، هَذَا الَّذِي كُنْتُ أَخَافُ.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ ثَابِتٍ، وَحُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَاهُ ابْنُ سَلاَمٍ، فَقَالَ:
سَائِلُكَ عَنْ أَشْيَاءَ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ نَبِيٌّ، فَإِنْ أَخْبَرْتَنِي بِهَا، آمَنْتُ بِكَ ... ، الحَدِيْثَ.
هَوْذَةُ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الحَسَنِ قَالَ:
عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ اليَهُوْدَ يَجِدُوْنَكَ عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ.
ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى فُلاَنٍ، وَفُلاَنٍ - نَفَرٍ سَمَّاهُمْ - فَقَالَ: (مَا عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ فِيْكُمْ؟ وَمَا أَبُوْهُ؟) .
قَالُوا: سَيِّدُنَا، وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَعَالِمُنَا، وَابْنُ عَالِمِنَا.
قَالَ: (أَرَأَيْتُم إِنْ أَسْلَمَ، أَتُسْلِمُوْنَ؟) .
قَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُسْلِمُ!
فَدَعَاهُ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، وَتَشَهَّدَ، فَقَالُوا: يَا عَبْدَ اللهِ! مَا كُنَّا نَخْشَاكَ عَلَى هَذَا!
وَخَرَجُوا، وَأَنْزَلَ اللهُ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ، وَشَهِدَ شَاهِدٌ
مِنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} [الأَحْقَافُ : 10] .إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ قَيْسِ بنِ عُبَادٍ، قَالَ:
كُنْتُ فِي مَسْجِدِ المَدِيْنَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِوَجْهِهِ أَثَرٌ مِنْ خُشُوْعٍ، فَقَالَ القَوْمُ: هَذَا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ.
فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَوْجَزَ فِيْهِمَا، فَلَمَّا خَرَجَ، اتَّبَعْتُهُ حَتَّى دَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَدَخَلْتُ مَعَهُ، فَحَدَّثْتُهُ؛ فَلَمَّا اسْتَأَنَسَ، قُلْتُ:
إِنَّهُم قَالُوا لَمَّا دَخَلْتَ المَسْجِدَ: كَذَا، وَكَذَا.
قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! مَا يَنْبِغِي لأَحَدٍ أَنْ يَقُوْلَ مَا لاَ يَعْلَمُ، وَسَأُحَدِّثُكَ:
إِنِّي رَأَيْتُ رُؤْيَا، فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: رَأَيْتُ كَأَنِّي فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، وَسَطُهَا عَمُوْدٌ حَدِيْدٌ، أَسْفَلُهُ فِي الأَرْضِ، وَأَعْلاَهُ فِي السِّمَاءِ، فِي أَعْلاَهُ عُرْوَةٌ، فَقِيْلَ لِي: اصْعَدْ عَلَيْهِ.
فَصَعِدْتُ حَتَّى أَخَذْتُ بِالعُرْوَةِ، فَقِيْلَ: اسْتمْسِكْ بِالعُرْوَةِ.
فَاسْتَيْقَظْتُ، وَإِنَّهَا لَفِي يَدِي، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ.
فَقَالَ: (أَمَّا الرَّوْضَةُ، فَرَوْضَةُ الإِسْلاَمِ، وَأَمَّا العَمُوْدُ، فَعَمُوْدُ الإِسْلاَمِ، وَأَمَّا العُرْوَةُ؛ فَهِيَ العُرْوَةُ الوُثْقَى؛ أَنْتَ عَلَى الإِسْلاَمِ حَتَّى تَمُوْتَ) .
قَالَ: وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ عَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، عَنِ المُسَيَّبِ بنِ رَافِعٍ، عَنْ خَرَشَةَ بنِ الحُرِّ، قَالَ:
قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ، فَجَلَسْتُ إِلَى شِيَخَةٍ فِي المَسْجِدِ، فَجَاءَ شَيْخٌ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصاً لَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ.
فَقَامَ خَلْفَ سَارِيَةٍ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: زَعَمَ هَؤُلاَءِ أَنَّكَ مِنْ
أَهْلِ الجَنَّةِ!فَقَالَ: الجَنَّةُ للهِ، يُدْخِلُهَا مَنْ يَشَاءُ، إِنِّي رَأَيْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ رُؤْيَا:
رَأَيْتُ كَأَنَّ رَجُلاً أَتَانِي، فَقَالَ: انْطَلِقْ، فَسَلَكَ بِي فِي مَنْهَجٍ عَظِيْمٍ، فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي، إِذْ عَرَضَ لِي طَرِيْقٌ عَنْ شِمَالِي، فَأَرَدْتُ أَنْ أَسْلُكَهَا، فَقَالَ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا، ثُمَّ عَرَضَتْ لِي طَرِيْقٌ عَنْ يَمِيْنِي، فَسَلَكْتُهَا، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى جَبَلٍ زَلَقٍ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَرَحَلَ بِي، فَإِذَا أَنَا عَلَى ذُرْوَتِهِ؛ فَلَمْ أَتَقَارَّ، وَلَمْ أَتَمَاسَكْ، وَإِذَا عَمُوْدٌ مِنْ حَدِيْدٍ، فِي أَعْلاَهُ عُرْوَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَرَحَلَ بِي، حَتَّى أَخَذْتُ بِالعُرْوَةِ، فَقَالَ لِي: اسْتَمْسِكْ بِالعُرْوَةِ.
فَقَصَصْتُهَا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (رَأَيْتَ خَيْراً، أَمَّا المَنْهَجُ العَظِيْمُ؛ فَالمَحْشَرُ، وَأَمَّا الطَّرِيْقُ الَّتِي عَرَضَتْ عَنْ شِمَالِكَ؛ فَطَرِيْقُ أَهْلِ النَّارِ، وَلَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا، وَأَمَّا الَّتِي عَنْ يَمِيْنِكَ؛ فَطَرِيْقُ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَأَمَّا الجَبَلُ الزَّلِقُ؛ فَمَنْزِلُ الشُّهَدَاءِ، وَأَمَّا العُرْوَةُ؛ فَعُرْوَةُ الإِسْلاَمِ، فَاسْتَمْسِكْ بِهَا حَتَّى تَمُوْتَ) .
وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ.
جَرِيْرٌ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ مُسْهِرٍ، عَنْ خَرَشَةَ، قَالَ:
كُنْتُ جَالِساً فِي حَلَقَةٍ، فِيْهِمُ ابْنُ سَلاَمٍ يُحَدِّثُهُمْ؛ فَلَمَّا قَامَ، قَالُوا: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا.
فَتَبِعْتُهُ، فَسَأَلْتُهُ ... ، فَذَكَرَ الحَدِيْثَ بِطُوْلِهِ.
وَهُوَ صَحِيْحٌ.
وَرَوَى: بِشْرُ بنُ شَغَافٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ: أَنَّهُ شَهِدَ فَتْحَ نَهَاوَنْدَ.
قَالَ أَيُّوْبُ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ:نُبِّئْتُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ سَلاَمٍ قَالَ: إِنْ أَدْرَكَنِي، وَليْسَ لِي رَكُوْبٌ، فَاحْمِلُوْنِي، حَتَّى تَضَعُوْنِي بَيْنَ الصَّفَيْنِ -يَعْنِي: قُبَالَ الأَعْمَاقِ-.
مُحَمَّدُ بنُ مُصْعَبٍ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، قَالَ:
كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ إِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ، سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لَنَا أَبوَابَ رَحْمَتِكَ.
وَإِذَا خَرَجَ، سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَعَوَّذَ مِنَ الشَّيْطَانِ.
حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بن أَبِي مُوْسَى، قَالَ:
أَتَيْتُ المَدِيْنَةَ، فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ جَالِسٌ فِي حَلَقَةٍ مُتَخَشِّعاً، عَلَيْهِ سِيْمَاءُ الخَيْرِ، فَقَالَ:
يَا أَخِي، جِئْتَ وَنَحْنُ نُرِيْدُ القِيَامَ، فَأَذِنْتُ لَهُ، أَوْ قُلْتُ: إِذَا شِئْتَ.
فَقَامَ، فَاتَّبَعْتُهُ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟
قُلْتُ: أَنَا ابْنُ أَخِيْكَ؛ أَنَا أَبُو بُرْدَةَ بنُ أَبِي مُوْسَى.
فَرَحَّبَ بِي، وَسَأَلَنِي، وَسَقَانِي سَوِيْقاً، ثُمَّ قَالَ:
إِنَّكُمْ بِأَرْضِ الرِّيْفِ، وَإِنَّكُمْ تُسَالِفُوْنَ الدَّهَاقِيْنَ، فَيُهْدُوْنَ لَكُم حُمْلاَنَ القَتِّ
وَالدَّوَاخِلِ؛ فَلاَ تَقْرَبُوْهَا، فَإِنَّهَا نَارٌ.قَدْ مَرَّ مَوْتُ عَبْدِ اللهِ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ بِالمَدِيْنَةِ، وَأَرَّخَهُ جَمَاعَةٌ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ العُمَرِيُّ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ السِّجْزِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنِ حَمُّوْيَةَ، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، قَالَ:
قَعَدْنَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَذَاكَرْنَا، فَقُلْنَا: لَو نَعْلَمُ أَيَّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؛ لَعَمِلْنَا.
فَأَنْزَلَ اللهُ: {سَبَّحَ للهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ العَزِيْزُ الحَكِيْمِ، يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا لِمَ تَقُوْلُوْنَ مَا لاَ تَفْعَلُوْنَ ... } [الصَّفُّ: 1-2] حَتَّى خَتَمَهَا.
قَالَ: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى خَتَمَهَا.
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ.
قَالَ يَحْيَى: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا أَبُو سَلَمَةَ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا يَحْيَى،
فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا الأَوْزَاعِيُّ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا مُحَمَّدٌ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا الدَّارِمِيُّ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا عِيْسَى، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا ابْنُ حَمُّوْيَةَ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا الدَّاوُوْدِيُّ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا أَبُو الوَقْتِ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ.قُلْتُ: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا شُيُوْخُنَا.
صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو الحِمْصِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَوْفِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ:
انْطَلَقَ نَبِيُّ اللهِ وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا كَنِيْسَةَ اليَهُوْدِ، فَقَالَ: (أَرُوْنِي يَا مَعْشَرَ يَهُودٍ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً يَشْهَدُوْنَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ؛ يَحُطُّ اللهُ عَنْكُمُ الغَضَبَ) .
فَأُسْكِتُوا، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ.
قَالَ: (فَوَاللهِ لأَنَا الحَاشِرُ، وَأَنَا العَاقِبُ، وَأَنَا المُصْطَفَى، آمَنْتُمْ أَوْ كَذَّبْتُم) .
فَلَمَّا كَادَ يَخْرُجُ، قَالَ رَجُلٌ: كَمَا أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ، أَيُّ رَجُلٍ تَعْلَمُوْنَنِي فِيْكُمْ؟
قَالُوا: مَا فِيْنَا أَعْلَمُ مِنْكَ.
قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ بِاللهِ أَنَّهُ نَبِيُّ اللهِ
الَّذِي تَجِدُوْنَهُ فِي التَّوْرَاةِ.فَقَالُوا: كَذَبْتَ.
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كَذَبْتُمْ) .
قَالَ: فَخَرَجْنَا وَنَحْنَ ثَلاَثَةٌ، وَأُنْزِلَتْ: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ، وَشَهِدَ شَاهِدٌ ... } [الأَحْقَافُ: 10] ، الآيَةَ.
وَفِي الصَّحِيْحِ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيْثِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَهُوَ عَبْدُ اللهِ -يَعْنِي: ابْنَ سَلاَمٍ-.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=68208&book=5518#247e9c
وعبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل
- وعبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل. أمه زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو, يكنى أبا عبد الرحمن. قدم البصرة وأتى فارسًا غازيًا, ومات بمكة سنة أربع وسبعين.
- وعبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل. أمه زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو, يكنى أبا عبد الرحمن. قدم البصرة وأتى فارسًا غازيًا, ومات بمكة سنة أربع وسبعين.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=68208&book=5518#cd5d88
عَبْد اللَّه بْن عمر بْن الْخطاب بْن نفَيْل بْن عَبْد الْعُزَّى بْن ريَاح بْن عَبْد اللَّه بْن قرط بْن رزاح بْن عدي بْن كَعْب بْن لؤَي بْن غَالب الْعَدْوى كنيته أَبُو عَبْد الرَّحْمَن عرض على رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد وَهُوَ بن أَربع عشرَة سنة فَلم يجزه وَلم يره بلغ وَعرض عَلَيْهِ يَوْم الخَنْدَق وَهُوَ بن خمس عشرَة فَأَجَازَهُ وَكَانَ يَوْم سنة خمس فَكَانَ
مولد بْن عمر قبل الْوَحْي بِسنة اعتزل فِي الْفِتَن عَن النَّاس مَاتَ سنة ثَلَاث وَسبعين بِمَكَّة وَهُوَ بن سبع وَثَمَانِينَ سنة وَكَانَ بْن عمر يصفر لحيته وَدفن بفخ وَمن أَوْلَاده عَبْد اللَّه وَعبيد اللَّه وَسَالم وَعَاصِم وَحَمْزَة وبلال وواقد سوى الْبَنَات وَأم عَبْد اللَّه بْن عمر زَيْنَب بنت مَظْعُون بْن حبيب بْن وهب بْن حذافة بْن جمح
مولد بْن عمر قبل الْوَحْي بِسنة اعتزل فِي الْفِتَن عَن النَّاس مَاتَ سنة ثَلَاث وَسبعين بِمَكَّة وَهُوَ بن سبع وَثَمَانِينَ سنة وَكَانَ بْن عمر يصفر لحيته وَدفن بفخ وَمن أَوْلَاده عَبْد اللَّه وَعبيد اللَّه وَسَالم وَعَاصِم وَحَمْزَة وبلال وواقد سوى الْبَنَات وَأم عَبْد اللَّه بْن عمر زَيْنَب بنت مَظْعُون بْن حبيب بْن وهب بْن حذافة بْن جمح
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=68208&book=5518#3f86e0
عبد الله بن عمر بن الْخطاب بن نفَيْل بن عبد الْعُزَّى بن رَبَاح بن عبد الله بن قرظ بن رزاح بن عدي بن كَعْب أَبُو عبد الرَّحْمَن الْعَدوي الْقرشِي الْمَدِينِيّ وَأمه زَيْنَب بنت مَظْعُون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمع بن عَمْرو بن هصيص أسلم مَعَ أَبِيه بِمَكَّة وَهُوَ صَغِير سمع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَوَى عَن أبي بكر وَأَبِيهِ عَمْرو وَسعد بن أبي وَقاص وبلال وعامر بن ربيعَة وَزيد بن ثَابت وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ رَوَى عَنهُ سعيد بن الْمسيب وَأَبُو سَلمَة وَمُجاهد وَعُرْوَة بن الزبير وَعَمْرو بن دِينَار وَسَعِيد بن جُبَير وَعِكْرِمَة مولَى ابْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة بن خَالِد وَعبد الله بن دِينَار وَبَنوهُ عبيد الله وَعبد الله وَحَمْزَة وَسَالم وَزيد فِي الْإِيمَان وَغير مَوضِع
قَالَ الْغلابِي قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل مَاتَ سنة ثَلَاث وَسبعين قَالَ البُخَارِيّ قَالَ أَبُو نعيم وَأَبُو عَاصِم نو يَحْيَى بن بكير وَبَعض النَّاس يَقُول سنة أَربع وَسبعين وَقَالَ ابْن سعد قَالَ أَبُو نعيم سنة ثَلَاث وَقَالَ خَليفَة وَمُحَمّد بن نمير مَاتَ سنة أَربع وَسبعين وَقَالَ ابْن سعد عَن الْهَيْثَم قَالَ مَاتَ بعد ابْن الزبير بِمَكَّة بِثَلَاثَة أشهر وبشهرين وَقَالَ ابْن أبي شيبَة مَاتَ سنة ثَلَاث وَسبعين وَقَالَ مَالك بلغ ابْن عمر سبعا وَثَمَانِينَ سنة وَقَالَ الْوَاقِدِيّ مَاتَ سنة أَربع وَسبعين وَهُوَ ابْن أَربع وَثَمَانِينَ سنة وَقَالَ نَافِع عَن ابْن عمر عرضت عَلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الخَنْدَق وَأَنا ابْن خمس عشرَة فأخرني
قَالَ الْغلابِي قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل مَاتَ سنة ثَلَاث وَسبعين قَالَ البُخَارِيّ قَالَ أَبُو نعيم وَأَبُو عَاصِم نو يَحْيَى بن بكير وَبَعض النَّاس يَقُول سنة أَربع وَسبعين وَقَالَ ابْن سعد قَالَ أَبُو نعيم سنة ثَلَاث وَقَالَ خَليفَة وَمُحَمّد بن نمير مَاتَ سنة أَربع وَسبعين وَقَالَ ابْن سعد عَن الْهَيْثَم قَالَ مَاتَ بعد ابْن الزبير بِمَكَّة بِثَلَاثَة أشهر وبشهرين وَقَالَ ابْن أبي شيبَة مَاتَ سنة ثَلَاث وَسبعين وَقَالَ مَالك بلغ ابْن عمر سبعا وَثَمَانِينَ سنة وَقَالَ الْوَاقِدِيّ مَاتَ سنة أَربع وَسبعين وَهُوَ ابْن أَربع وَثَمَانِينَ سنة وَقَالَ نَافِع عَن ابْن عمر عرضت عَلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الخَنْدَق وَأَنا ابْن خمس عشرَة فأخرني
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=68208&book=5518#72dbd9
عبد الله بن عمر بن الْخطاب بن نفَيْل بن عبد العزى بن رَبَاح بن عبد الله بن فرط بن رزاح بن عدي بن كَعْب الْعَدوي كنيته أَبُو عبد الرحمن
عرض على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد وَهُوَ أبن أَربع عشرَة سنة فَلم يجزه وَلم يره بلغ وَعرض عَلَيْهِ يَوْم الخَنْدَق وَهُوَ ابْن خمس عشرَة فَأَجَازَهُ وَكَانَ يَوْم أحد سنة ثَلَاث فَكَانَ مولد ابْن عمر قبل الْوَحْي بِسنة اعتزل فِي الْفِتَن عَن النَّاس وَمَات سنة ثَلَاث وَسبعين بِمَكَّة وَهُوَ ابْن سبع وَثَمَانِينَ وَدفن فِيهَا بفخ
روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن أَبِيه عمر فِي الْإِيمَان وَالْوُضُوء وَالطَّلَاق وَحَفْصَة فِي الصَّلَاة وَالْحج والفضائل وعامر بن ربيعَة فِي الْجَنَائِز وَإِحْدَى نسْوَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحَج وَعَائِشَة فِي الْعتْق وَزيد بن ثَابت فِي الْبيُوع وَرَافِع بن خديج فِي الْبيُوع وَعَن نَاس لم يسمهم فِي الْأَشْرِبَة وَأبي لبَابَة فِي ذكر الْجِنّ وَزيد بن الْخطاب وَأم الْمُؤمنِينَ غير مُسَمَّاة فِي الْفِتَن قَالَ عَمْرو بن عَليّ مَاتَ سنة أَربع وَسبعين بِمَكَّة وَدفن بفخ وَهُوَ ابْن أَربع وَثَمَانِينَ
روى عَنهُ يحيى بن يعمر وَحميد بن عبد الرحمن وَسعد بن عُبَيْدَة وَمُحَمّد بن زيد بن عبد الله بن عمر وَعِكْرِمَة بن خَالِد وَسَلام بن عبد الله بن عمر وَنَافِع وعبيد الله بن دِينَار فِي الْإِيمَان وَالْوُضُوء وَغَيرهَا وَمصْعَب بن سعد فِي الْوضُوء وواسع بن حبَان وبلال بن عبد الله بن عمر فِي الصَّلَاة وَصدقَة بن يسَار وَعون بن عبد الله بن عتبَة وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرحمن وَحَفْص بن عَاصِم وَسَعِيد بن يسَار وَطَاوُس وَحميد بن عبد الرحمن وعبد الله بن شَقِيق وَأَبُو مجلز وعبيد الله بن عبد الله بن عُثْمَان وَأنس بن سِيرِين وَعقبَة بن حُرَيْث وَعُرْوَة بن الزبير وعبد الله بن عبد الله بن عمر وَالْحكم بن ميناء وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَسَعِيد بن الْحَارِث الْأنْصَارِيّ فِي الْجَنَائِز وَسَعِيد بن الْمسيب وَأَبُو صَالح وَابْن أبي مليكَة وَأَبُو حَمْزَة فِي الزَّكَاة وَعَمْرو بن دِينَار فِي الصَّوْم وَالْحج والبيوع ومُوسَى بن طَلْحَة وجبلة بن سحيم فِي الصَّوْم وَغَيره وَسَعِيد بن عَمْرو بن سعيد فِي الصَّوْم وَزِيَاد بن جُبَير ومحارب بن دثار وَعبيد بن جريج وَمُحَمّد بن الْمُنْتَشِر فِي الْحَج وَزيد بن جُبَير فِي الْحَج ووبرة بن عبد الرحمن وَعلي
الأودي فِي الْحَج ويحنس مولى الزبير وَيُونُس بن جُبَير وَأَبُو الزبير وعبد الرحمن بن أَيمن وَسَعِيد بن جُبَير فِي اللّعان وَأَبُو الحكم وَأَبُو نَضرة وعبد الله بن مرّة وزاذان وَبسر بن سعيد وَأسلم مولى عمر وَالشعْبِيّ وثابت الْبنانِيّ وَأَبُو بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر وعبد الله مولى أَسمَاء بنت أبي بكر وَزيد بن أسلم وَمُسلم بن يناق وَمُحَمّد بن عباد بن جَعْفَر وعبد الله بن وَاقد وَأَبُو بكر بن سُلَيْمَان بن أبي حثْمَة وَأَبُو نَوْفَل بن أبي عقرب ذكر ثناءه على عبد الله بن الزبير وعبد الله بن الْحَارِث وَصَفوَان بن مُحرز وعبيد الله بن مقسم وَأَبُو العداس الشَّاعِر
عرض على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد وَهُوَ أبن أَربع عشرَة سنة فَلم يجزه وَلم يره بلغ وَعرض عَلَيْهِ يَوْم الخَنْدَق وَهُوَ ابْن خمس عشرَة فَأَجَازَهُ وَكَانَ يَوْم أحد سنة ثَلَاث فَكَانَ مولد ابْن عمر قبل الْوَحْي بِسنة اعتزل فِي الْفِتَن عَن النَّاس وَمَات سنة ثَلَاث وَسبعين بِمَكَّة وَهُوَ ابْن سبع وَثَمَانِينَ وَدفن فِيهَا بفخ
روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن أَبِيه عمر فِي الْإِيمَان وَالْوُضُوء وَالطَّلَاق وَحَفْصَة فِي الصَّلَاة وَالْحج والفضائل وعامر بن ربيعَة فِي الْجَنَائِز وَإِحْدَى نسْوَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحَج وَعَائِشَة فِي الْعتْق وَزيد بن ثَابت فِي الْبيُوع وَرَافِع بن خديج فِي الْبيُوع وَعَن نَاس لم يسمهم فِي الْأَشْرِبَة وَأبي لبَابَة فِي ذكر الْجِنّ وَزيد بن الْخطاب وَأم الْمُؤمنِينَ غير مُسَمَّاة فِي الْفِتَن قَالَ عَمْرو بن عَليّ مَاتَ سنة أَربع وَسبعين بِمَكَّة وَدفن بفخ وَهُوَ ابْن أَربع وَثَمَانِينَ
روى عَنهُ يحيى بن يعمر وَحميد بن عبد الرحمن وَسعد بن عُبَيْدَة وَمُحَمّد بن زيد بن عبد الله بن عمر وَعِكْرِمَة بن خَالِد وَسَلام بن عبد الله بن عمر وَنَافِع وعبيد الله بن دِينَار فِي الْإِيمَان وَالْوُضُوء وَغَيرهَا وَمصْعَب بن سعد فِي الْوضُوء وواسع بن حبَان وبلال بن عبد الله بن عمر فِي الصَّلَاة وَصدقَة بن يسَار وَعون بن عبد الله بن عتبَة وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرحمن وَحَفْص بن عَاصِم وَسَعِيد بن يسَار وَطَاوُس وَحميد بن عبد الرحمن وعبد الله بن شَقِيق وَأَبُو مجلز وعبيد الله بن عبد الله بن عُثْمَان وَأنس بن سِيرِين وَعقبَة بن حُرَيْث وَعُرْوَة بن الزبير وعبد الله بن عبد الله بن عمر وَالْحكم بن ميناء وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَسَعِيد بن الْحَارِث الْأنْصَارِيّ فِي الْجَنَائِز وَسَعِيد بن الْمسيب وَأَبُو صَالح وَابْن أبي مليكَة وَأَبُو حَمْزَة فِي الزَّكَاة وَعَمْرو بن دِينَار فِي الصَّوْم وَالْحج والبيوع ومُوسَى بن طَلْحَة وجبلة بن سحيم فِي الصَّوْم وَغَيره وَسَعِيد بن عَمْرو بن سعيد فِي الصَّوْم وَزِيَاد بن جُبَير ومحارب بن دثار وَعبيد بن جريج وَمُحَمّد بن الْمُنْتَشِر فِي الْحَج وَزيد بن جُبَير فِي الْحَج ووبرة بن عبد الرحمن وَعلي
الأودي فِي الْحَج ويحنس مولى الزبير وَيُونُس بن جُبَير وَأَبُو الزبير وعبد الرحمن بن أَيمن وَسَعِيد بن جُبَير فِي اللّعان وَأَبُو الحكم وَأَبُو نَضرة وعبد الله بن مرّة وزاذان وَبسر بن سعيد وَأسلم مولى عمر وَالشعْبِيّ وثابت الْبنانِيّ وَأَبُو بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر وعبد الله مولى أَسمَاء بنت أبي بكر وَزيد بن أسلم وَمُسلم بن يناق وَمُحَمّد بن عباد بن جَعْفَر وعبد الله بن وَاقد وَأَبُو بكر بن سُلَيْمَان بن أبي حثْمَة وَأَبُو نَوْفَل بن أبي عقرب ذكر ثناءه على عبد الله بن الزبير وعبد الله بن الْحَارِث وَصَفوَان بن مُحرز وعبيد الله بن مقسم وَأَبُو العداس الشَّاعِر
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=68208&book=5518#44e0cc
وعبد الله بْن عُمَر بْن الخطاب بْن نفيل بن عبد العزى بن رباح بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن قرظ بْن رزاح بْن عدي بْن كعب بْن لؤي بْن غالب، يكنى: أبا عَبْد الرَّحْمَنِ :
وأمه: زينب بنت مظعون بْن حبيب بْن وهب بْن حذافة بْن جمح. كان إسلامه بمكة مع إسلام أَبِيهِ وهو صغير قبل أن يبلغ. وهاجر مع أَبِيهِ إِلَى المدينة. وشهد غزاة الخندق وما بعدها، وخرج إِلَى العراق فشهد يوم القادسية. ويوم جلولاء وما بينهما من وقائع الفرس. وورد المدائن غير مرة.
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ شُجَاعٍ الصّوفيّ قال: أنبأنا محمّد بن أحمد بن الحسن الصّوّاف
قال: أنبأنا محمد بن عبدوس بن كامل ومُحَمَّد بن عثمان بن أبي شيبة قالا أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: نبأنا هشيم قال: أنبأنا يونس بن عبيد قال: نبأنا الْحَكَمُ بْنُ الأَعْرَجِ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. فَقَالَ: اخْتَلَفْتُ أَنَا وَسَعْدٌ فِي ذَلِكَ وَنَحْنُ بِجَلُولاءَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْن مُحَمَّدِ بْنِ عيسى البزّار، قال: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: نبأنا مالك بن يحيى، قال نبأنا يزيد بن هارون، قال أنبأنا حمّاد بن سلمة عن على بن يزيد عَنْ أنس بْن مالك وسعيد بْن المسيب، قالا:
قد شهد ابْن عُمَر بدرا، قَالَ يزيد ليس هكذا هو.
قال الشيخ أبو بكر: والأمر على ما قاله يزيد. كان ابْن عُمَر يصغر عَنْ شهود بدر.
أخبرنا ابن الفضل القطّان، قال: أنبأنا بن جعفر بن درستويه، قال: نبأنا يعقوب ابن سفيان بن حرب، قال: نبأنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ عُرِضَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ [أحد ] فَلَمْ يَقْبَلْهُ. وَعُرِضَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَبِلَهُ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً .
وَرَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: عُرِضْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَلَمْ يَقْبَلْنِي، وَأَجَازَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ.
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيّ الجوهري، قال: أنبأنا عيسى بن على بن عيسى، قال: نبأنا عبد الله بن محمّد البغويّ، قال: نبأنا شيبان، قال: نبأنا أبو هلال، قال: نبأنا قتادة عَنْ سعيد بْن المسيب، قَالَ: لو شهدت لأحد أنه من أهل الجنة، لشهدت لعبد الله بْن عُمَر.
قَالَ البغوي، قَالَ: الزبير- يَعْنِي ابْنَ بكار: وكان عَبْد الله بْن عُمَر يتحفظ ما يسمع مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإذا لم يحضر يسأل من حضر عما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفعل.
وكان يتتبع آثار رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كل مسجد صلى فيه، وكان يعترض براحلته في كل طريق مر بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقال له في ذلك فيقول: أتحرى أن تقع أخفاف راحلتي على بعض أخفاف راحلة رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَخْبَرَنَا ابْن الفضل، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن جعفر، قال: نبأنا يَعْقُوب بْن سُفْيَان، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أبي زكير، قال: أنبأنا ابْن وهب عَنْ مالك، قَالَ: أقام ابْن عُمَر بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ستين سنة يفتي الناس في الموسم وغير ذلك. قَالَ: وكان ابْن عُمَر من أئمة الدين.
أَخْبَرَنَا ابْن الفضل، قال: أنبأنا ابن درستويه، قال: نبأنا يعقوب، قَالَ: حَدَّثَنِي سعيد- هو ابْن أسد بن موسى- قال نبأنا ضَمْرَةُ عَنْ رَجَاءِ بْن أَبِي سَلَمَةَ عَنْ رجاء بْن حيوة قَالَ: أتانا نعي ابْن عُمَر ونحن في مجلس ابْن محيريز. فقال ابْن محيريز: والله إن كنت لأعد بقاء ابْن عُمَر أمانا لأهل الأرض .
قَالَ يعقوب: قَالَ أَبُو نعيم: مات ابْن عُمَر في سنة ثلاث وسبعين .
أخبرنا أبو حازم العبدوي قال: أنبأنا القاسم بن غانم المهلّبي قال: أنبأنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ البوشنجي قَالَ: سمعت ابْن بكير يقول: مات عَبْد الله بْن عُمَر أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ سنة ثلاث وسبعين.
أَخْبَرَنا محمد بن أحمد بن رزق قَالَ: أنبأنا عثمان بن أحمد الدّقّاق قال: نبأنا حنبل بن إسحاق قال: حدثني أبو عبد الله، قَالَ: مات عَبْد الله بْن عُمَر سنة ثلاث وسبعين .
أَخْبَرَنَا عبيد الله بْن عمر الواعظ قال: حدّثني أبي قال: نبأنا الحسين بن القاسم قال: نبأنا على بن داود عن سعيد بن عقير قَالَ: وفي سنة أربع وسبعين مات عَبْد الله ابن عُمَر بمكة؛ ودفن بذي طوى في مقبرة المهاجرين. وقد قيل: إنه دفن بفج وهو ابْن أربع وثمانين.
أَخْبَرَنَا ابْن الفضل قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن جعفر قال: نبأنا يَعْقُوب بْن سُفْيَان قَالَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أبي زكير قال: أنبأنا ابْن وهب قَالَ: حَدَّثَنِي مالك قَالَ: بلغ عبد الله ابن عمر من السن سبعا وثمانين.
وأمه: زينب بنت مظعون بْن حبيب بْن وهب بْن حذافة بْن جمح. كان إسلامه بمكة مع إسلام أَبِيهِ وهو صغير قبل أن يبلغ. وهاجر مع أَبِيهِ إِلَى المدينة. وشهد غزاة الخندق وما بعدها، وخرج إِلَى العراق فشهد يوم القادسية. ويوم جلولاء وما بينهما من وقائع الفرس. وورد المدائن غير مرة.
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ شُجَاعٍ الصّوفيّ قال: أنبأنا محمّد بن أحمد بن الحسن الصّوّاف
قال: أنبأنا محمد بن عبدوس بن كامل ومُحَمَّد بن عثمان بن أبي شيبة قالا أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: نبأنا هشيم قال: أنبأنا يونس بن عبيد قال: نبأنا الْحَكَمُ بْنُ الأَعْرَجِ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. فَقَالَ: اخْتَلَفْتُ أَنَا وَسَعْدٌ فِي ذَلِكَ وَنَحْنُ بِجَلُولاءَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْن مُحَمَّدِ بْنِ عيسى البزّار، قال: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: نبأنا مالك بن يحيى، قال نبأنا يزيد بن هارون، قال أنبأنا حمّاد بن سلمة عن على بن يزيد عَنْ أنس بْن مالك وسعيد بْن المسيب، قالا:
قد شهد ابْن عُمَر بدرا، قَالَ يزيد ليس هكذا هو.
قال الشيخ أبو بكر: والأمر على ما قاله يزيد. كان ابْن عُمَر يصغر عَنْ شهود بدر.
أخبرنا ابن الفضل القطّان، قال: أنبأنا بن جعفر بن درستويه، قال: نبأنا يعقوب ابن سفيان بن حرب، قال: نبأنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ عُرِضَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ [أحد ] فَلَمْ يَقْبَلْهُ. وَعُرِضَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَبِلَهُ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً .
وَرَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: عُرِضْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَلَمْ يَقْبَلْنِي، وَأَجَازَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ.
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيّ الجوهري، قال: أنبأنا عيسى بن على بن عيسى، قال: نبأنا عبد الله بن محمّد البغويّ، قال: نبأنا شيبان، قال: نبأنا أبو هلال، قال: نبأنا قتادة عَنْ سعيد بْن المسيب، قَالَ: لو شهدت لأحد أنه من أهل الجنة، لشهدت لعبد الله بْن عُمَر.
قَالَ البغوي، قَالَ: الزبير- يَعْنِي ابْنَ بكار: وكان عَبْد الله بْن عُمَر يتحفظ ما يسمع مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإذا لم يحضر يسأل من حضر عما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفعل.
وكان يتتبع آثار رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كل مسجد صلى فيه، وكان يعترض براحلته في كل طريق مر بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقال له في ذلك فيقول: أتحرى أن تقع أخفاف راحلتي على بعض أخفاف راحلة رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَخْبَرَنَا ابْن الفضل، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن جعفر، قال: نبأنا يَعْقُوب بْن سُفْيَان، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أبي زكير، قال: أنبأنا ابْن وهب عَنْ مالك، قَالَ: أقام ابْن عُمَر بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ستين سنة يفتي الناس في الموسم وغير ذلك. قَالَ: وكان ابْن عُمَر من أئمة الدين.
أَخْبَرَنَا ابْن الفضل، قال: أنبأنا ابن درستويه، قال: نبأنا يعقوب، قَالَ: حَدَّثَنِي سعيد- هو ابْن أسد بن موسى- قال نبأنا ضَمْرَةُ عَنْ رَجَاءِ بْن أَبِي سَلَمَةَ عَنْ رجاء بْن حيوة قَالَ: أتانا نعي ابْن عُمَر ونحن في مجلس ابْن محيريز. فقال ابْن محيريز: والله إن كنت لأعد بقاء ابْن عُمَر أمانا لأهل الأرض .
قَالَ يعقوب: قَالَ أَبُو نعيم: مات ابْن عُمَر في سنة ثلاث وسبعين .
أخبرنا أبو حازم العبدوي قال: أنبأنا القاسم بن غانم المهلّبي قال: أنبأنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ البوشنجي قَالَ: سمعت ابْن بكير يقول: مات عَبْد الله بْن عُمَر أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ سنة ثلاث وسبعين.
أَخْبَرَنا محمد بن أحمد بن رزق قَالَ: أنبأنا عثمان بن أحمد الدّقّاق قال: نبأنا حنبل بن إسحاق قال: حدثني أبو عبد الله، قَالَ: مات عَبْد الله بْن عُمَر سنة ثلاث وسبعين .
أَخْبَرَنَا عبيد الله بْن عمر الواعظ قال: حدّثني أبي قال: نبأنا الحسين بن القاسم قال: نبأنا على بن داود عن سعيد بن عقير قَالَ: وفي سنة أربع وسبعين مات عَبْد الله ابن عُمَر بمكة؛ ودفن بذي طوى في مقبرة المهاجرين. وقد قيل: إنه دفن بفج وهو ابْن أربع وثمانين.
أَخْبَرَنَا ابْن الفضل قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن جعفر قال: نبأنا يَعْقُوب بْن سُفْيَان قَالَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أبي زكير قال: أنبأنا ابْن وهب قَالَ: حَدَّثَنِي مالك قَالَ: بلغ عبد الله ابن عمر من السن سبعا وثمانين.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=68208&book=5518#0ab23b
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رِيَاحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، نا أَبُو نُعَيْمٍ، نا مِسْعَرٌ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى , فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَوَاحِدَةً أَوْ رَكْعَةً»
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، نا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى»
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، نا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنَ الْفِطْرَةِ تَقْلِيمُ الْأَظَافِيرِ , وَقَصُّ الشَّوَارِبِ , وَحَلْقُ الْعَانَةِ»
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ»
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَلَدِيُّ، نا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، نا شُعْبَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ , أَفْضَلُ مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ»
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ صَالِحٍ الْوَزَّانُ، نا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، نا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ الْحَكَمِ الْقَزَّازُ بِالْبَصْرَةِ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، نا أَبُو حَفْصِ بْنُ الْعَلَاءِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ , فَلَمَّا صَنَعَ الْمِنْبَرَ حَنَّ الْجِذْعُ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ الْجَوْهَرِيُّ، نا هَوْذَةُ، نا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَيْنِ صَلَاةُ الْفَجْرِ , وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ , وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا , وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ , وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ "
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، نا أَبُو نُعَيْمٍ، نا مِسْعَرٌ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى , فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَوَاحِدَةً أَوْ رَكْعَةً»
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، نا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى»
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، نا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنَ الْفِطْرَةِ تَقْلِيمُ الْأَظَافِيرِ , وَقَصُّ الشَّوَارِبِ , وَحَلْقُ الْعَانَةِ»
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ»
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَلَدِيُّ، نا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، نا شُعْبَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ , أَفْضَلُ مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ»
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ صَالِحٍ الْوَزَّانُ، نا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، نا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ الْحَكَمِ الْقَزَّازُ بِالْبَصْرَةِ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، نا أَبُو حَفْصِ بْنُ الْعَلَاءِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ , فَلَمَّا صَنَعَ الْمِنْبَرَ حَنَّ الْجِذْعُ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ الْجَوْهَرِيُّ، نا هَوْذَةُ، نا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَيْنِ صَلَاةُ الْفَجْرِ , وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ , وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا , وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ , وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ "
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=102780&book=5518#e21d96
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ الرَّاهِبِ بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْأَنْصَارِيُّ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ بْنِ حُمَيْدٍ، نا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَلْخِيُّ، نا الْحَسَنُ بْنُ سَوَّارٍ، نا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ جَوْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَلَى نَاقَةٍ , لَا ضَرَبَ وَلَا طَرَدَ وَلَا إِلَيْكَ إِلَيْكَ»
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، نا ابْنُ حُمَيْدٍ، نا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ الْخَطَّابِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ الرَّاهِبِ الْغَسِيلِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ , فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ , فَخُفِّفَ عَنْهُ , فَأَمَرَ بِالسِّوَاكِ»
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ صَالِحٍ الْوَزَّانُ، نا أَبُو سَلَمَةَ، وَأَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَا: نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، نا ابْنُ شِهَابٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ»
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا هَاشِمُ بْنُ الْحَارِثِ، نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دِرْهَمُ رِبًا أَشَدُّ مِنْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ بْنِ حُمَيْدٍ، نا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَلْخِيُّ، نا الْحَسَنُ بْنُ سَوَّارٍ، نا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ جَوْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَلَى نَاقَةٍ , لَا ضَرَبَ وَلَا طَرَدَ وَلَا إِلَيْكَ إِلَيْكَ»
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، نا ابْنُ حُمَيْدٍ، نا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ الْخَطَّابِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ الرَّاهِبِ الْغَسِيلِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ , فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ , فَخُفِّفَ عَنْهُ , فَأَمَرَ بِالسِّوَاكِ»
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ صَالِحٍ الْوَزَّانُ، نا أَبُو سَلَمَةَ، وَأَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَا: نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، نا ابْنُ شِهَابٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ»
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا هَاشِمُ بْنُ الْحَارِثِ، نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دِرْهَمُ رِبًا أَشَدُّ مِنْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً»
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=102780&book=5518#b2eb60
عبد الله بْن حَنْظَلَة بْن أَبِي عَامِر الراهب.
يقال لَهُ ابْن الغسيل، لأن أباه حَنْظَلَة غسيل الملائكة، قد مضى ذكره فِي باب الحاء. ويقال له عبد الله ابن الراهب، ينتسب إِلَى جده، وَهُوَ عَبْد اللَّهِ بْن حَنْظَلَة بْن الراهب، والراهب هُوَ أَبُو عَامِر، واسمه عبد عَمْرو بْن صيفي، قد نسبناه فِي باب ابنه حَنْظَلَة الغسيل، غسيل الملائكة. وذكرنا طرفا من خبره وخبر أَبِي عَامِر أَبِيهِ هناك، وأما عَبْد اللَّهِ ابْن حَنْظَلَة فولد على عهد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال إِبْرَاهِيم بْن المنذر: عَبْد اللَّهِ بْن حَنْظَلَة بْن أَبِي عَامِر يكنى أَبَا عَبْد الرَّحْمَنِ توفي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وهو ابن سبع، وقد رآه وَرَوَى عَنْهُ.
قال أَبُو عُمَر رحمه الله: كَانَ خيرا فاضلا مقدما فِي الأنصار. ومن حديثه مَا رواه إِبْرَاهِيم بْن سَعْد، عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق، عَنْ مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن حبان، قَالَ: قلت لعبيد الله بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر: أرأيت وضوء عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر لكل صلاة عمن أخذه؟ قَالَ: حدثته أَسْمَاء بِنْت زَيْد بْن الخطاب أن عَبْد اللَّهِ بْن حَنْظَلَة حدثها أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بالوضوء عِنْدَ كل صلاة، فلما شق عَلَيْهِ أمر بالسواك، وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن حَنْظَلَة يتوضأ لكل صلاة.
قَالَ أَبُو عُمَر رحمه الله: رَوَى عَنْهُ ابْن أَبِي مليكة، وضمضم بْن جوس، وأسماء بِنْت زَيْد بْن الخطاب. وَرَوَى عَنْهُ من الصحابة قَيْس بْن سَعْد بْن عبادة أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الرجل أحق بالصلاة فِي منزله.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد ابن زُهَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، حدثنا عبد الله بن عمر، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: دِرْهَمُ رِبًا أَشَدُّ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ زَنْيَةً. قال أَبُو عُمَر رحمه الله: أحاديثه عندي مرسلة.
وقتل عَبْد اللَّهِ بْن حَنْظَلَة يَوْم الحرة سنة ثلاث وستين، وكانت الأنصار قد بايعته يومئذ، وبايعت قريش عَبْد اللَّهِ بْن مطيع، وَكَانَ عُثْمَان بْن محمد
ابْن أَبِي سُفْيَان قد أوفده إِلَى يَزِيد بْن مُعَاوِيَة، فلما قدم على يَزِيد حباه وأعطاه، وَكَانَ عَبْد اللَّهِ فاضلا فِي نفسه، فرأى منه مَا لا يصلح. فلم ينتفع بما وَهْب لَهُ، فلما انصرف خلعه فِي جماعة أهل المدينة، فبعث إِلَيْهِ مُسْلِم بْن عقبة، فكانت الحرة.
يقال لَهُ ابْن الغسيل، لأن أباه حَنْظَلَة غسيل الملائكة، قد مضى ذكره فِي باب الحاء. ويقال له عبد الله ابن الراهب، ينتسب إِلَى جده، وَهُوَ عَبْد اللَّهِ بْن حَنْظَلَة بْن الراهب، والراهب هُوَ أَبُو عَامِر، واسمه عبد عَمْرو بْن صيفي، قد نسبناه فِي باب ابنه حَنْظَلَة الغسيل، غسيل الملائكة. وذكرنا طرفا من خبره وخبر أَبِي عَامِر أَبِيهِ هناك، وأما عَبْد اللَّهِ ابْن حَنْظَلَة فولد على عهد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال إِبْرَاهِيم بْن المنذر: عَبْد اللَّهِ بْن حَنْظَلَة بْن أَبِي عَامِر يكنى أَبَا عَبْد الرَّحْمَنِ توفي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وهو ابن سبع، وقد رآه وَرَوَى عَنْهُ.
قال أَبُو عُمَر رحمه الله: كَانَ خيرا فاضلا مقدما فِي الأنصار. ومن حديثه مَا رواه إِبْرَاهِيم بْن سَعْد، عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق، عَنْ مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن حبان، قَالَ: قلت لعبيد الله بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر: أرأيت وضوء عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر لكل صلاة عمن أخذه؟ قَالَ: حدثته أَسْمَاء بِنْت زَيْد بْن الخطاب أن عَبْد اللَّهِ بْن حَنْظَلَة حدثها أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بالوضوء عِنْدَ كل صلاة، فلما شق عَلَيْهِ أمر بالسواك، وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن حَنْظَلَة يتوضأ لكل صلاة.
قَالَ أَبُو عُمَر رحمه الله: رَوَى عَنْهُ ابْن أَبِي مليكة، وضمضم بْن جوس، وأسماء بِنْت زَيْد بْن الخطاب. وَرَوَى عَنْهُ من الصحابة قَيْس بْن سَعْد بْن عبادة أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الرجل أحق بالصلاة فِي منزله.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد ابن زُهَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، حدثنا عبد الله بن عمر، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: دِرْهَمُ رِبًا أَشَدُّ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ زَنْيَةً. قال أَبُو عُمَر رحمه الله: أحاديثه عندي مرسلة.
وقتل عَبْد اللَّهِ بْن حَنْظَلَة يَوْم الحرة سنة ثلاث وستين، وكانت الأنصار قد بايعته يومئذ، وبايعت قريش عَبْد اللَّهِ بْن مطيع، وَكَانَ عُثْمَان بْن محمد
ابْن أَبِي سُفْيَان قد أوفده إِلَى يَزِيد بْن مُعَاوِيَة، فلما قدم على يَزِيد حباه وأعطاه، وَكَانَ عَبْد اللَّهِ فاضلا فِي نفسه، فرأى منه مَا لا يصلح. فلم ينتفع بما وَهْب لَهُ، فلما انصرف خلعه فِي جماعة أهل المدينة، فبعث إِلَيْهِ مُسْلِم بْن عقبة، فكانت الحرة.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=87019&book=5518#47f5e0
عبد الرحمن بن سُلَيْمَان بن الغسيل
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=87019&book=5518#381ca2
وعبد الرحمن بن سليمان [بن] الغسيل
يكتب حديثه ولا يحتج به.
(هذا رأي يحيى بن معين)
يكتب حديثه ولا يحتج به.
(هذا رأي يحيى بن معين)
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=87019&book=5518#463821
عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سُلَيْمَان بْن الغسيل
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: الغسيل: حَنْظَلَة بْن أبي عَامر، غسلته الْمَلَائِكَة،
وَذَلِكَ أَنه قتل يَوْم أحد، وَهُوَ جنب، فقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام «رَأَيْت الْمَلَائِكَة تغسله» ، وَهُوَ من مفاخر الْأَوْس يفتخرون بِهِ، وَأَبوهُ: أَبُو عَامر كَانَ يُسمى الراهب فِي الْجَاهِلِيَّة، فَسَماهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو عَامر الْفَاسِق، لِأَنَّهُ أعَان على حَرْب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَات كَافِرًا.
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: الغسيل: حَنْظَلَة بْن أبي عَامر، غسلته الْمَلَائِكَة،
وَذَلِكَ أَنه قتل يَوْم أحد، وَهُوَ جنب، فقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام «رَأَيْت الْمَلَائِكَة تغسله» ، وَهُوَ من مفاخر الْأَوْس يفتخرون بِهِ، وَأَبوهُ: أَبُو عَامر كَانَ يُسمى الراهب فِي الْجَاهِلِيَّة، فَسَماهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو عَامر الْفَاسِق، لِأَنَّهُ أعَان على حَرْب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَات كَافِرًا.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=87019&book=5518#d633dc
عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان بن الغسيل وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بْن سُلَيْمَان بْن عَبْد اللَّهِ بن حَنْظَلَة بن أبي عَامر الغسيل كنيته أَو سُلَيْمَان من أهل الْمَدِينَة يروي عَن أَهلهَا مَاتَ سنة إِحْدَى وَسبعين وَمِائَة وَكَانَ مِمَّن يخطء ويهم كثيرا على صدق فِيهِ وَالَّذِي أميل إِلَيْهِ فِيهِ ترك مَا خَالف الثِّقَات من الْأَخْبَار والاحتجاج بِمَا وَافق الثِّقَات من الْآثَار وَقد مرض الشَّيْخَانِ القَوْل فِيهِ أَحْمد وَيحيى سَمِعت يَعْقُوب بْن إِسْحَاق يَقُول سَمِعت الدَّارمِيّ يَقُول سَأَلت يحيى عَن عبد الرَّحْمَن بن الغسيل فَقَالَ هُوَ صُوَيْلِح سَمِعت مُحَمَّد بن مَحْمُود يَقُول سَمِعت عَليّ بن سعيد يَقُول سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله عَن بن الغسيل فَقَالَ صلح
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=87019&book=5518#d2e253
عَبد الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الغسيل مدني، يُكَنَّى أبا سليمان الأنصاري.
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى الْغَزِّيُّ، حَدَّثَنا أَبُو أُمَيَّةَ مُحَمد بْنُ إبراهيم الطرسوسي، حَدَّثَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَان الْوَرَّاقُ، حَدَّثَنا عَبد الرحمن بن الغسيل وقد أتى عليه مِئَة وستون سنة.
حَدَّثَنَا أبو يعلى، حَدَّثَنا يَحْيى الحماني، حَدَّثَنا عَبد الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بن الغسيل، قال: رأيتُ سهل بن سعد صاحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهُ وفرة وعليه برد قطري ورايته يضفر لحيته.
حَدَّثَنَا مُحَمد بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيد سألت يَحْيى عن عَبد الرحمن بن الغسيل فقال صويلح.
حَدَّثَنَا ابن أبي بكر، حَدَّثَنا عباس سمعت يَحْيى يقول عَبد الرحمن بن الغسيل ثقة.
وفي موضعٍ آخر لَيْسَ به بأس.
حَدَّثَنَا الجنيدي، حَدَّثَنا البُخارِيّ قال اسم بن الغسيل عَبد الرحمن بن سليمان أبو سليمان يقال مات سنة إحدى وسبعين.
وقال النسائي عَبد الرحمن بن الغسيل ليس بالقوي.
حَدَّثَنَا أبو يعلى، حَدَّثَنا يَحْيى الحماني، حَدَّثَنا عَبد الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْغَسِيلِ، عَن عَاصِمِ بْنِ عُمَر بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَن قَتادَة بْنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ أُصِيبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ بَدْرٍ فَسَالَتْ حَدَقَتُهُ عَلَى وَجْنَتِهِ فَأَرَادُوا أَنْ يَقْطَعُوهَا فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: لاَ فَدَعَا بِهِ فَغَمَرَ حَدْقَتَهُ بِرَاحَتِهِ فَكَانَ لا يَدْرِي أَيُّ عَيْنَيْهِ أصيبت
حَدَّثَنَا أبو يعلى، حَدَّثَنا يَحْيى، حَدَّثَنا عَبد الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثني حَمْزَةُ بْنُ أَبِي أَسِيدٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ أتيت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ، وَهو يُبَايِعُ النَّاسَ عَلَى الْهِجْرَةِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ بَايِعْ هَذَا فَقَالَ ومن هذا قلت هذا بن عم حَوْطُ بْنُ يَزِيدِ أَوْ يَزِيدُ بن حوط فقال النبي لا أُبَايِعُكُمْ إِنَّ النَّاسَ يُهَاجِرُونَ إِلَيْكُمْ، ولاَ تُهَاجِرُونَ إِلَيْهِمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يُحِبُّ رَجُلٌ الأَنْصَارَ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ إلاَّ لَقِيَ اللَّهَ، وَهو يُحِبُّهُ، ولاَ يَبْغَضُ رَجُلٌ الأَنْصَارَ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ إلاَّ لَقِيَ اللَّهَ، وَهو يبغضه.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الحسين العجلي الكوفي، حَدَّثَنا أبو كريب، حَدَّثَنا مختار بن غسان، حَدَّثَنا عَبد الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ عَنْ مُحَمد بْنِ كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَال: قَال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثٌ لا يَمِينَ فِيهِنَّ وَثَلاثٌ الْمَلْعُونُ فِيهِنَّ وَثَلاثٌ أَشُكُّ فِيهِنَّ فَأَمَّا الثَّلاثَةُ الَّتِي لا يَمِينَ فِيهَا فَلا يَمِينَ لِلْوَلَدِ مَعَ وَالِدِهِ، ولاَ امْرَأَةٍ مَعَ زَوْجِهَا، ولاَ لِمَمْلُوكٍ مَعَ سَيِّدِهِ وَأَمَّا الْمَلْعُونُ فِيهِنَّ فَمَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَمَلْعُونٌ مَنْ سَبَّ وَالِدَهُ وَمَلْعُونٌ مَنْ غَيَّرَ تُخُومَ الأَرْضِ قَالَ وَثَلاثٌ أَشُكُّ فِيهِنَّ.
ولعبد الرحمن بن الغسيل غير ما ذكرت أحاديث يرويها، وَهو ممن يعتبر حديثه ويكتب.
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى الْغَزِّيُّ، حَدَّثَنا أَبُو أُمَيَّةَ مُحَمد بْنُ إبراهيم الطرسوسي، حَدَّثَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَان الْوَرَّاقُ، حَدَّثَنا عَبد الرحمن بن الغسيل وقد أتى عليه مِئَة وستون سنة.
حَدَّثَنَا أبو يعلى، حَدَّثَنا يَحْيى الحماني، حَدَّثَنا عَبد الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بن الغسيل، قال: رأيتُ سهل بن سعد صاحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهُ وفرة وعليه برد قطري ورايته يضفر لحيته.
حَدَّثَنَا مُحَمد بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيد سألت يَحْيى عن عَبد الرحمن بن الغسيل فقال صويلح.
حَدَّثَنَا ابن أبي بكر، حَدَّثَنا عباس سمعت يَحْيى يقول عَبد الرحمن بن الغسيل ثقة.
وفي موضعٍ آخر لَيْسَ به بأس.
حَدَّثَنَا الجنيدي، حَدَّثَنا البُخارِيّ قال اسم بن الغسيل عَبد الرحمن بن سليمان أبو سليمان يقال مات سنة إحدى وسبعين.
وقال النسائي عَبد الرحمن بن الغسيل ليس بالقوي.
حَدَّثَنَا أبو يعلى، حَدَّثَنا يَحْيى الحماني، حَدَّثَنا عَبد الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْغَسِيلِ، عَن عَاصِمِ بْنِ عُمَر بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَن قَتادَة بْنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ أُصِيبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ بَدْرٍ فَسَالَتْ حَدَقَتُهُ عَلَى وَجْنَتِهِ فَأَرَادُوا أَنْ يَقْطَعُوهَا فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: لاَ فَدَعَا بِهِ فَغَمَرَ حَدْقَتَهُ بِرَاحَتِهِ فَكَانَ لا يَدْرِي أَيُّ عَيْنَيْهِ أصيبت
حَدَّثَنَا أبو يعلى، حَدَّثَنا يَحْيى، حَدَّثَنا عَبد الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثني حَمْزَةُ بْنُ أَبِي أَسِيدٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ أتيت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ، وَهو يُبَايِعُ النَّاسَ عَلَى الْهِجْرَةِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ بَايِعْ هَذَا فَقَالَ ومن هذا قلت هذا بن عم حَوْطُ بْنُ يَزِيدِ أَوْ يَزِيدُ بن حوط فقال النبي لا أُبَايِعُكُمْ إِنَّ النَّاسَ يُهَاجِرُونَ إِلَيْكُمْ، ولاَ تُهَاجِرُونَ إِلَيْهِمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يُحِبُّ رَجُلٌ الأَنْصَارَ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ إلاَّ لَقِيَ اللَّهَ، وَهو يُحِبُّهُ، ولاَ يَبْغَضُ رَجُلٌ الأَنْصَارَ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ إلاَّ لَقِيَ اللَّهَ، وَهو يبغضه.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الحسين العجلي الكوفي، حَدَّثَنا أبو كريب، حَدَّثَنا مختار بن غسان، حَدَّثَنا عَبد الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ عَنْ مُحَمد بْنِ كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَال: قَال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثٌ لا يَمِينَ فِيهِنَّ وَثَلاثٌ الْمَلْعُونُ فِيهِنَّ وَثَلاثٌ أَشُكُّ فِيهِنَّ فَأَمَّا الثَّلاثَةُ الَّتِي لا يَمِينَ فِيهَا فَلا يَمِينَ لِلْوَلَدِ مَعَ وَالِدِهِ، ولاَ امْرَأَةٍ مَعَ زَوْجِهَا، ولاَ لِمَمْلُوكٍ مَعَ سَيِّدِهِ وَأَمَّا الْمَلْعُونُ فِيهِنَّ فَمَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَمَلْعُونٌ مَنْ سَبَّ وَالِدَهُ وَمَلْعُونٌ مَنْ غَيَّرَ تُخُومَ الأَرْضِ قَالَ وَثَلاثٌ أَشُكُّ فِيهِنَّ.
ولعبد الرحمن بن الغسيل غير ما ذكرت أحاديث يرويها، وَهو ممن يعتبر حديثه ويكتب.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=65089&book=5518#c6e979
[عبد الرحمن بن سليمان روى عن القاسم بن محمد روى عنه فليح بن سليمان سمعت أبي يقول ذلك - ] .
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=65089&book=5518#057f2d
عَبْد الرَّحْمَن بْن سُلَيْمَان أدْرك أَصْحَاب النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُوفِّي بعد الْحرَّة رَوَى عَنْهُ يزِيد بْن أبي حبيب
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=65089&book=5518#5aee21
عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سُلَيْمَان شَامي يروي عَنْ إِبْرَاهِيم بْن أبي عبلة روى عَنْهُ عَليّ بْن عَيَّاش الْحِمصِي وَلَيْسَ هَذَا بِصَاحِب فليح بْن سُلَيْمَان
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=65089&book=5518#b889ad
عبد الرحمن بن سليمان
- عبد الرحمن بن سليمان الداري. وكان أصله من الري ولكنه نشأ بالكوفة وسمع الحديث. ويكنى أبا علي. ومات بالكوفة سنة أربع وثمانين ومائة. وكان مولى لبني كنانة. وكان يعرف بالخلقاني. وقد روي عنه.
- عبد الرحمن بن سليمان الداري. وكان أصله من الري ولكنه نشأ بالكوفة وسمع الحديث. ويكنى أبا علي. ومات بالكوفة سنة أربع وثمانين ومائة. وكان مولى لبني كنانة. وكان يعرف بالخلقاني. وقد روي عنه.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=65089&book=5518#fd7f12
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: أَدْرَكْتُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّهُمْ إِلا مَنْ قُتِلَ يَوْمَ الْحَرَّةِ، قَالَه بكر بْن مضر عَنْ خَالِد بْن يزيد عَنْ يزيد بْن أَبِي حبيب.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=65089&book=5518#bb8f99
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، قَالَه عَمْرو ابن علي عَنْ أَبِي دَاوُد عَنْ فليح بْن سُلَيْمَان سَمِعَ عَبْد الرَّحْمَن.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=65089&book=5518#a04f9a
عبد الرحمن بن سُلَيْمَانُ
- عبد الرحمن بن سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حنظلة الغسيل ابن أبي عامر الراهب واسمه عَبْد عَمْرو بْن صيفي بْن النُّعمان بْن مالك بن أمية بن ضبيعة بْن زَيْد من بني عَمْرو بْن عوف. وأمه أسماء بنت حنظلة بن عبد الله بن حنظلة الغسيل. فولد عبد الرحمن بن سليمان: عمر. وكلثم. وقريبة. وأمهم أم ولد. وكان عبد الرحمن قد أتي الكوفة. وأقام بها. وروي عنه الكوفيون.
- عبد الرحمن بن سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حنظلة الغسيل ابن أبي عامر الراهب واسمه عَبْد عَمْرو بْن صيفي بْن النُّعمان بْن مالك بن أمية بن ضبيعة بْن زَيْد من بني عَمْرو بْن عوف. وأمه أسماء بنت حنظلة بن عبد الله بن حنظلة الغسيل. فولد عبد الرحمن بن سليمان: عمر. وكلثم. وقريبة. وأمهم أم ولد. وكان عبد الرحمن قد أتي الكوفة. وأقام بها. وروي عنه الكوفيون.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=102764&book=5518#bfd517
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْغَسِيلِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْغَلَابِيُّ، نا شُعَيْبُ بْنُ وَاقِدٍ، نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ الْبَرَاءِ بْنِ قَبِيصَةَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْغَسِيلِ قَالَ: مَرَّ الْعَبَّاسُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ائْتِنِي بِبَنِيكَ» , فَانْطَلَقَ سِتَّةٌ مِنْ بَنِيهِ: الْفَضْلُ وَعَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَقُثَمٌ وَمَعْبَدٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ , فَأَدْخَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتًا , وَغَطَّاهُمْ بِشَمْلَةٍ , وَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي , اسْتُرْهُمْ مِنَ النَّارِ , كَمَا سَتَرْتُهُمْ بِهَذِهِ الشَّمْلَةِ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْغَلَابِيُّ، نا شُعَيْبُ بْنُ وَاقِدٍ، نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ الْبَرَاءِ بْنِ قَبِيصَةَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْغَسِيلِ قَالَ: مَرَّ الْعَبَّاسُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ائْتِنِي بِبَنِيكَ» , فَانْطَلَقَ سِتَّةٌ مِنْ بَنِيهِ: الْفَضْلُ وَعَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَقُثَمٌ وَمَعْبَدٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ , فَأَدْخَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتًا , وَغَطَّاهُمْ بِشَمْلَةٍ , وَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي , اسْتُرْهُمْ مِنَ النَّارِ , كَمَا سَتَرْتُهُمْ بِهَذِهِ الشَّمْلَةِ»
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=102764&book=5518#f146a4
عبد الله بن الغسيل
د ع: عَبْد اللَّه بْن الغسيل مجهول.
روى عَنْهُ: عَامِر بْن الأسود، يعد فِي بادية البصرة.
حَدَّثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ الْبَرَاءِ بْنِ قَبِيصَةَ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ الأَسْوَدِ الْعَبْقَسِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْغَسِيلِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ بِالْعَبَّاسِ، فَقَالَ: يَا عَمِّ، اتْبَعْنِي بِبَنِيكَ، فَانْطَلَقَ بِسِتَّةٍ مِنْ بَنِيهِ: الْفَضْلِ، وَعَبْدِ اللَّهِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ، وَقُثَمَ، وَمَعْبَدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَأَدْخَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتًا، وَغَطَّاهُمْ بِشَمْلَةٍ سَوْدَاءَ مُخَطَّطَةٍ بِحُمْرَةٍ، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ إِنَّ هَؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَعِتْرَتِي، فَاسْتُرْهُمْ مِنَ النَّارِ كَمَا سَتَرْتَهُمْ بِهَذِهِ الشَّمْلَةِ "، فَمَا بَقِيَ فِي الْبَيْتِ مَدَرَةٌ وَلا بَابٌ إِلا أَمِنَ.
أَخْرَجَهُ ابْنُ مَنْدَهْ وَأَبُو نُعَيْمٍ.
قلت: قَدْ كَانَ يُقال لعبد اللَّه بْن حنظلة بْن أَبِي عَامِر الْأَنْصَارِيّ: ابْنُ الغسيل، لأن أباه حنظلة قتل يَوْم أحد، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الملائكة تغسله "، فقيل لابنه: ابْنُ الغسيل، وله صحبة أيضًا.
د ع: عَبْد اللَّه بْن الغسيل مجهول.
روى عَنْهُ: عَامِر بْن الأسود، يعد فِي بادية البصرة.
حَدَّثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ الْبَرَاءِ بْنِ قَبِيصَةَ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ الأَسْوَدِ الْعَبْقَسِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْغَسِيلِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ بِالْعَبَّاسِ، فَقَالَ: يَا عَمِّ، اتْبَعْنِي بِبَنِيكَ، فَانْطَلَقَ بِسِتَّةٍ مِنْ بَنِيهِ: الْفَضْلِ، وَعَبْدِ اللَّهِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ، وَقُثَمَ، وَمَعْبَدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَأَدْخَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتًا، وَغَطَّاهُمْ بِشَمْلَةٍ سَوْدَاءَ مُخَطَّطَةٍ بِحُمْرَةٍ، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ إِنَّ هَؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَعِتْرَتِي، فَاسْتُرْهُمْ مِنَ النَّارِ كَمَا سَتَرْتَهُمْ بِهَذِهِ الشَّمْلَةِ "، فَمَا بَقِيَ فِي الْبَيْتِ مَدَرَةٌ وَلا بَابٌ إِلا أَمِنَ.
أَخْرَجَهُ ابْنُ مَنْدَهْ وَأَبُو نُعَيْمٍ.
قلت: قَدْ كَانَ يُقال لعبد اللَّه بْن حنظلة بْن أَبِي عَامِر الْأَنْصَارِيّ: ابْنُ الغسيل، لأن أباه حنظلة قتل يَوْم أحد، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الملائكة تغسله "، فقيل لابنه: ابْنُ الغسيل، وله صحبة أيضًا.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=102764&book=5518#e59a7f
عَبْدُ اللهِ بْنُ الْغَسِيلِ مَجْهُولٌ حَدِيثُهُ عِنْدَ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ يُعَدُّ فِي أَعْرَابِ الْبَصْرَةِ
- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ مِهْرَانَ، ثنا مَرْوَانُ بْنُ ضِرَارٍ الْفَزَارِيُّ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ الْبَرَاءِ بْنِ قَبِيصَةَ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْعَبْقَسِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْغَسِيلِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ بِالْعَبَّاسِ فَقَالَ: «يَا عَمِّ، اتْبَعْنِي بِبَنِيكَ» ، فَانْطَلَقَ بِسِتَّةٍ مِنْ بَنِيهِ: الْفَضْلِ، وَعَبْدِ اللهِ وَعُبَيْدِ اللهِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقُثَمَ، وَمَعْبَدٍ فَأَدْخَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتًا وَغَطَّاهُمْ بِشَمْلَةٍ سَوْدَاءَ مُخَطَّطَةٍ بِحُمْرَةٍ، وَقَالَ: «اللهُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلَ بَيْتِي وَعِتْرَتِي فَاسْتُرْهُمْ مِنَ النَّارِ كَمَا سَتَرْتُهُمْ بِهَذِهِ الشَّمْلَةِ» ، قَالَ: فَمَا بَقِيَ مِنَ الْبَيْتِ مَدَرٌ وَلَا بَابٌ إِلَّا أَمَّنَ " حَدَّثَ بِهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ
- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ مِهْرَانَ، ثنا مَرْوَانُ بْنُ ضِرَارٍ الْفَزَارِيُّ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ الْبَرَاءِ بْنِ قَبِيصَةَ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْعَبْقَسِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْغَسِيلِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ بِالْعَبَّاسِ فَقَالَ: «يَا عَمِّ، اتْبَعْنِي بِبَنِيكَ» ، فَانْطَلَقَ بِسِتَّةٍ مِنْ بَنِيهِ: الْفَضْلِ، وَعَبْدِ اللهِ وَعُبَيْدِ اللهِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقُثَمَ، وَمَعْبَدٍ فَأَدْخَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتًا وَغَطَّاهُمْ بِشَمْلَةٍ سَوْدَاءَ مُخَطَّطَةٍ بِحُمْرَةٍ، وَقَالَ: «اللهُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلَ بَيْتِي وَعِتْرَتِي فَاسْتُرْهُمْ مِنَ النَّارِ كَمَا سَتَرْتُهُمْ بِهَذِهِ الشَّمْلَةِ» ، قَالَ: فَمَا بَقِيَ مِنَ الْبَيْتِ مَدَرٌ وَلَا بَابٌ إِلَّا أَمَّنَ " حَدَّثَ بِهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ