مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ
- مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ. ويكنى أبا أيوب. كان ثقة كثير الحديث. أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: كَانَ أبي مُكَاتَبًا لِبَنِي نَصْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَعَتَقَ. وَكُنْتُ مَمْلُوكًا لامْرَأَةٍ مِنَ الأَزْدِ مِنْ ثُمَالَةَ يُقَالُ لَهَا أُمُّ نَمِرٍ فَأَعْتَقَتْنِي فَلَمْ أَزَلْ بِالْكُوفَةِ حَتَّى كَانَ هَيْجُ الْجَمَاجِمِ فَتَحَوَّلْتُ إِلَى الْجَزِيرَةِ. قَالَ الْهَيْثَمُ: وَكَانَ أَوَّلُ أَمَرِ الْجَمَاجِمِ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ وَكَانَتْ وَقْعَةُ دُجَيْلٍ فِي آخِرِ سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِينَ. وَكَانَ آخِرُ أَمَرِ الْجَمَاجِمِ فِي أَوَّلِ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمَلِيحِ قَالَ: سَمِعْتُ مَيْمُونَ بْنَ مِهْرَانَ يَقُولُ: وُلِدْتُ سَنَةَ الْجَمَاعَةِ سَنَةَ أَرْبَعِينَ. قَالُوا: وَكَانَ مَيْمُونٌ وَالِيًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى خَرَاجِ الْجَزِيرَةِ وَابْنُهُ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ عَلَى الدِّيوَانِ. قَالُوا: وَكَانَ مَيْمُونٌ بَزَّازًا وَكَانَ عَلَى الْخَرَاجِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي حَانُوتِهِ فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْتَعْفِيهِ مِنَ الْخَرَاجِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: إِنَّمَا هُوَ دِرْهَمٌ تَأْخُذُهُ مِنْ حَقِّهِ وَتَضَعُهُ فِي حَقِّهِ فَمَا اسْتِعْفَاؤُكَ مِنْ هَذَا؟ فَلَمْ يَزَلْ عَلَى الْخَرَاجِ أَيَّامَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَتَّى مَاتَ عُمَرُ وَاسْتُخْلِفَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ. فَكَانَ مَيْمُونٌ وَالِيَهُ عَلَى الْخَرَاجِ أَشْهُرًا. وَقَدْ كَانَ مَيْمُونٌ وَلِيَ قَبْلَ ذَلِكَ بَيْتَ الْمَالِ بِحَرَّانَ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ قَبْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ غَيْلانُ الْقَدَرِيُّ يَعِظُهُ فِي ذَلِكَ بِرِسَالَةٍ. فَقَالَ مَيْمُونٌ: وَدِدْتُ أَنَّ حَدَقَتِي سَقَطَتْ وَأَنِّي لَمْ أَلِ عَمَلا قَبْلُ لَهُ وَلا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. قَالَ: وَلا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العزيز!. قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ الرَّقِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمَلِيحِ قَالَ: كَانَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ لا يَخْضِبُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ حَيَّانَ عَنْ عِيسَى بْنِ كَثِيرٍ قَالَ: مَاتَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ فِي خِلافَةِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ. وَكَانَ الْغَالِبَ عَلَى أهل الْجَزِيرَةِ فِي الْفَتْوَى وَالْفِقْهِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمَلِيحِ قَالَ: مَاتَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ.
- مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ. ويكنى أبا أيوب. كان ثقة كثير الحديث. أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: كَانَ أبي مُكَاتَبًا لِبَنِي نَصْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَعَتَقَ. وَكُنْتُ مَمْلُوكًا لامْرَأَةٍ مِنَ الأَزْدِ مِنْ ثُمَالَةَ يُقَالُ لَهَا أُمُّ نَمِرٍ فَأَعْتَقَتْنِي فَلَمْ أَزَلْ بِالْكُوفَةِ حَتَّى كَانَ هَيْجُ الْجَمَاجِمِ فَتَحَوَّلْتُ إِلَى الْجَزِيرَةِ. قَالَ الْهَيْثَمُ: وَكَانَ أَوَّلُ أَمَرِ الْجَمَاجِمِ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ وَكَانَتْ وَقْعَةُ دُجَيْلٍ فِي آخِرِ سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِينَ. وَكَانَ آخِرُ أَمَرِ الْجَمَاجِمِ فِي أَوَّلِ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمَلِيحِ قَالَ: سَمِعْتُ مَيْمُونَ بْنَ مِهْرَانَ يَقُولُ: وُلِدْتُ سَنَةَ الْجَمَاعَةِ سَنَةَ أَرْبَعِينَ. قَالُوا: وَكَانَ مَيْمُونٌ وَالِيًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى خَرَاجِ الْجَزِيرَةِ وَابْنُهُ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ عَلَى الدِّيوَانِ. قَالُوا: وَكَانَ مَيْمُونٌ بَزَّازًا وَكَانَ عَلَى الْخَرَاجِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي حَانُوتِهِ فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْتَعْفِيهِ مِنَ الْخَرَاجِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: إِنَّمَا هُوَ دِرْهَمٌ تَأْخُذُهُ مِنْ حَقِّهِ وَتَضَعُهُ فِي حَقِّهِ فَمَا اسْتِعْفَاؤُكَ مِنْ هَذَا؟ فَلَمْ يَزَلْ عَلَى الْخَرَاجِ أَيَّامَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَتَّى مَاتَ عُمَرُ وَاسْتُخْلِفَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ. فَكَانَ مَيْمُونٌ وَالِيَهُ عَلَى الْخَرَاجِ أَشْهُرًا. وَقَدْ كَانَ مَيْمُونٌ وَلِيَ قَبْلَ ذَلِكَ بَيْتَ الْمَالِ بِحَرَّانَ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ قَبْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ غَيْلانُ الْقَدَرِيُّ يَعِظُهُ فِي ذَلِكَ بِرِسَالَةٍ. فَقَالَ مَيْمُونٌ: وَدِدْتُ أَنَّ حَدَقَتِي سَقَطَتْ وَأَنِّي لَمْ أَلِ عَمَلا قَبْلُ لَهُ وَلا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. قَالَ: وَلا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العزيز!. قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ الرَّقِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمَلِيحِ قَالَ: كَانَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ لا يَخْضِبُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ حَيَّانَ عَنْ عِيسَى بْنِ كَثِيرٍ قَالَ: مَاتَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ فِي خِلافَةِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ. وَكَانَ الْغَالِبَ عَلَى أهل الْجَزِيرَةِ فِي الْفَتْوَى وَالْفِقْهِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمَلِيحِ قَالَ: مَاتَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ.
ميمون بن مهران
أبو أيوب مولى بني أسد فقيه أهل الجزيرة. ولد سنة أربعين، ووفد على عمر بن عبد العزيز.
حدث عن ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخر جنازة صلى عليها كبر أربعاً.
وعنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتخذوا هذه الحمام المقاصيص فإنها تلهو عن صبيانكم من الشياطين.
وعنه قال: احتجم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو محرم.
وفي رواية: وهو صائم محرم.
وقد ضعف قوم هذا الحديث.
حدث ميمون عن مهران قال: أتيت صفية بنت شيبة، وهي امرأة كبيرة فسألتها: هل تزوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ميمونه وهو محرم؟ فقالت: لا، ولقد تزوجها وإنهما لحلالان.
قال عبد الملك بن عبد الحميد بن ميمون بن مهران: نحن من سبي إصطخر.
قال ميمون: كانت أمي لبني نصر بن معاوية من قيس عيلان وولدت أنا وأمي حرة، وكان أبي للأزد.
قال ميمون: لقد أدركت من لم يتكلم إلا الحق أو يسكت، وأدركت من لم يكن يملأ عينيه من السماء فرقاً من ربه، وقد أدركت من كنت أستحي أن أتكلم عنده.
كان عمر بن عبد العزيز إذا نظر إلى ميمون بن مهران قال: إذا ذهب هذا وقرنه صار الناس من بعدهم رجاجاً.
قال سليمان بن موسى: إذا أتانا العلم من الحجاز عن الزهري قبلناه، وإذا أتانا من الشام عن مكحول قبلناه، وإذا أتانا من الجزيرة عن ميمون بن مهران قبلناه، وإذا أتانا من العراق عن الحسن قبلناه.
زاد في غيره: فكل هؤلاء الأربعة علماء الناس في زمن هشام.
سأل عبد الملك بن مروان عن فقيه أهل المدينة، فقيل: سليمان بن يسار، وعن فقيه أهل مكة، فقالوا: عطاء بن أبي رباح، وعن فقيه أهل اليمن، قالوا: طاووس، وعن فقيه أهل الجزيرة، فقيل: ميمون بن مهران، وعن فقيه أهل الشام، فقيل: مكحول، وعن فقيه أهل البصرة، فقيل: الحسن بن أبي الحسن، وعن فقيه أهل الكوفة، فقيل: سعيد بن جبير، فقال: ما أراهم إلا أبناء السبايا، ومحكول من سبي كابل مولى لامرأة من هذيل.
قال أبو المليح: ما رأيت أحداً أفضل من ميمون بن مهران، قال له رجل يوماً: يا أبا أيوب أتشتكي؟ أراك مصفراً! قال: نعم، لما يبلغني في أقطار الأرض.
قال أبو الحسن الميموني: سمعت عمي عمراً يقول: ما كان أبي يكثر الصيام ولا الصلاة، كان يكره أن يعصى الله.
وعن ميمون قال: لا تجالسوا أهل القدر، ولا تسبوا أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا تعلموا النجوم.
وعن ميمون بن مهران قال: قال لي ابن عباس: يا ميمون، لا تشتم السلف، وادخل الجنة بسلام.
قال ميمون بن مهران: رجلان لا تصحبهما: صاحب مأكل سوء وصاحب بدعة.
وقال: رجلان لا تعظهما، ليس تنفعهما العظة: رجل قد لهج بكسب خبيث، وصاحب هوى قد استغرق فيه.
قال فرات بن سلمان: انتهينا مع ميمون بن مهران إلى دير القائم فنظر إلى الراهب فقال لأصحابه: فيكم من بلغ من العبادة ما بلغ هذا الراهب؟ قالوا: لا، قال: فما ينفعه ذلك ولم يؤمن بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالوا: لا ينفعه شيء، قال: كذلك لا ينفع قول إلا بعمل.
قال فرات بن سلمان: كنت في مسجد ملطية، فتذاكرنا هذه الأهواء، فانصرفت إلى منزلي، فألقيت نفسي فنمت، فسمعت هاتفاً يهتف: الطريق مع ميمون بن مهران.
قال جعفر بن برقان: لم يكن لميمون بن مهران مجلس في المسجد يعرف.
دخل ميمون بن مهران على سليمان بن عبد الملك أو هشام منزله فلم يسلم عليه بالإمرة، فقال له: يا أمير المؤمنين، لا ترى أني جهلت، ولكن الوالي إنما يسلم عليه بالإمرة إذا جلس للناس في موضع الأحكام.
استعمل عمر بن عبد العزيز ميمون بن مهران على الجزيرة، على قضائها وخراجها، فكتب إليه ميمون يستعفيه، وقال: كلفتني ما لا أطيق، أقضي بين الناس، وأنا شيخ كبير ضعيف رقيق.
فكتب إليه عمر: اجب من الخراج الطيب، واقض بما استبان لك، فإذا التبس عليك أمر فارفعه إلي، فإن الناس لو كانوا إذا كبر عليهم أمر تركوه ما قام دين ولا دنيا.
وقيل: إن عمر كتب إليه: إني لم أكلفك تعباً في علمك ولا في جبايتك، فاجب ما جبيت من الحلال، ولا تجمع للمسلمين إلا الحلال الطيب.
قال ميمون بن مهران: قال لي عمر بن عبد العزيز: يا ميمون، إني أوصيك بثلاث فاحفظهن، قلت: يا أمير المؤمنين ما هن؟ قال: لا تخل بامرأة ليس بينك وبينها محرم، وإن قرأت عليها القرآن، ولا تصاف قاطع رحم، فإن الله عز وجل لعنه في آيتين من كتاب الله: آية " في الرعد " قوله: " والذين ... يقطعون ما أمر الله به أن يوصل " إلى آخر الآية، وفي سورة " محمد " صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ". ولم يذكر الثالثة.
وعن ميمون قال: وددت أن إحدى عيني ذهبت لي الأخرى أستمتع بها حياتي وإني لم أل، قال: قلت: ولا لعمر بن عبد العزيز؟ قال: لا خير في العمل لعمر ولا لغيره.
قال عمرو بن ميمون بن مهران: خرجت بأبي أقوده في بعض سكك البصرة، فمررت بجدول فلم يستطع الشيخ يتخطاه، فاضطجعت له فمر على ظهري، ثم قمت فأخذت بيده، فدفعنا إلى منزل الحسن، فطرق الباب، فخرجت جارية سداسية فقالت: من هذا؟ فقلت: ميمون بن مهران، فقالت: كاتب عمر بن عبد العزيز؟ قتل: نعم، قالت: يا أسفا ما يقال: إن هذا للزمان السوء؛ فبكى الشيخ، فسمع الحسن بكاءه، فخرج غليه، فاعتنقا، ثم دخلا، فقال ميمون: يا أبا سعيد، إني قد أنست من قلبي غلظة " فأتيتك لتقرأ " لي منه، فقرأ الحسن: بسم الله الرحمن الرحيم: " أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون "؛ فسقط الشيخ فرأيته يفحص كما تفحص الشاة
المذبوحة، فأقام طويلاً، ثم أفاق، فجاءت الجارية فقالت: قد أتعبتم الشيخ، قوموا فتفرقوا. فأخذت بيد أبي فخرجت به، ثم قلت: له: يا أبتاه، هذا الحسن قد كنت أحسب أنه أكبر من هذا، فوكز في صدري وكزة ثم قال: يا بني، لقد قرأ علينا آية لو تفهمتها بقلبك لألفى لها فيه كلوماً.
قال ميمون: الظالم والمعين على الظلم والمجب له سواء.
قال ميمون: التقي أشد محاسبة لنفسه من سلطان عاص ومن شريك شحيح.
وقال: لا يكون الرجل تقيأ حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه وقال لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه، وحتى يعلم من أين مطعمه، ومن أين ملبسه، ومن أين مشربه أمن حلال ذلك أم من حرام.
قال أبان بن أبي راشد القشيري: كنت إذا أردت الصائفة أتيت ميمون بن مهران أودعه، فما يزيدني على كلمتين: اتق الله، ولا يغيرك غضب ولا طمع.
وعن ميمون قال: يا أصحاب القرآن، لا تتخذوا القرآن بضاعة تلتمسون به الشف يعني الربح في الدنيا، والتسموا الدنيا بالدنيا، والتمسوا الآخرة بالآخرة.
وقال ميمون: لا يزال أحدكم حديث عهد بعمل صالح، فإنه أهون عليه حين ينزل به الموت أن يتذكر عملاً صالحاً قد قدمه.
وكان يقول: يا معشر الشباب قوتكم اجعلوها في شبابكم ونشاطكم في طاعة الله، يا معشر الشيوخ، حتى متى؟.
وعن ميمون قال: لا خير في الدنيا إلى لأحد رجلين: رجل تائب أو رجل يعمل في الدرجات.
وعنه قال: من أحب أن يعلم ما له عند الله فليعلم ما لله عنده، فإنه قادم على ما قدم لا محالة.
قال حبيب بن أبي مرزوق: رأيت على ميمون جبة صوف تحت ثيابه، فقلت له: ما هذا؟ قال: نعم فلا تخبر به أحداً.
كان ميمون إذا رأى شاباً حسن العقل ولم يكن على طريقة حسنة أكرمه وابتدأه بالسلام إذا لقيه، وجاءه وسأله عن أهله وأظهر له براً، ثم يقول له: هاهنا مريض اذهب بنا نعوده، هاهنا جنازة اذهب بنا نحضرها، فيذهب فيقول للفتى أصحابه: رأيناك مع ميمون! أي شيء تصنع أنت مع ميمون؟ فيقول لهم: قال لي كذا وكذا فذهبت معه، فإذا لقيه ميمون مع أصحابه أعرض عنه كأنه لم يره، وإذا لقيته وحده سلم عليه، فلا يزال حتى ينسك.
وعن ميمون قال: ما يعجبني الذي يجد طيلساناً ثم يلبس البت إلا أن يعدم الفضل، فأما أن يلبس - يعني البت - ويضع الدراهم بعضها على بعض فلا يعجبني.
وعن ميمون قال: ما أحب أني أعطيت درهماً في لهو وأن لي مكانه ألفاً، لا يخشى من فعل ذلك أن تصيبه هذه الآية: " ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله " الآية.
وعن ميمون قال: ثلاث تؤدى إلى البر والفاجر: الرحم تصلها برة كانت أو فاجرة، والعهد تفي به للبر والفاجر، والأمانة تؤديها إلى البر والفاجر.
وقال ميمون: ثلاث: المؤمن والكافر فيهن سواء:..... عاهدته تفي له بعهده مسلماً كان أو كافراً، فإنما العهد لله، ومن كانت له رحم فليصلها مسلماً كان أو كافراً، ومن ائتمنك على أمانة فأدها إليه مسلماً كان أو كافراً.
وعنه قال: ثلاث: المؤمن والكافر فيهن سواء: الأمانة تؤديها إلى البر والفاجر، والعارية تؤديها إلى البر والفاجر، وبر الوالدين، قال الله عز وجل: " وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً ".
قال خلف بن حوشب: تكارينا مع ميمون بن مهران دواباً إلى مكان كذا، فقال
ميمون: لولا أن الدواب بكراء لمررنا على آل فلان.
جاء رجل إلى ميمون بن مهران يخطب إليه بنته فقال: لا أرضاها لك! قال: ولم؟ قال: لأنها تحب الحلي والحلل، قال: فعندي من هذا ما تريد، قال: فالآن الذي لا أرضاك لها.
قال ميمون بن مهران: بنفسي العلماء، وجدت صلاح قلبي في مجالستهم، هي بغيتي في أرض غربة، وهم ضالتي إذا لم أجدهم.
وعن ميمون قال: التودد إلى الناس نصف العقل، وحسن المسألة نصف الفقه، ورفقك في المعيشة يكفي عنك نصف المؤونة.
وقدروي هذا مسنداً بإسناد ضعيف.
قال رجل لميمون: يا أبا أيوب ما يزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم، فقال له ميمون: أقبل على ثنائك أيها الرجل فما يزال الناس بخير ما اتقوا ربهم.
قال ميمون: ما بلغني عن أخ لي مكروه قط إلا كان إسقاط المكروه عنه أحب إلي ممن أتحققه عليه، فإن قال: لم أقل، كان قوله: لم أقل أكبر عندي من بينة تشهد عليه، وإن قال: قد فعلت، ولم يعتذر، أبغضته من حيث أحببته.
قيل لميمون: مالك لا تفارق أخاً لك عن قلى؟ وفي رواية: ما لك لا يفارقك أخ لك عن قلى؟ قال: لأني لا أماريه ولا أشاريه.
قال جعفر بن برقان: قلت لميمون بن مهران إن فلاناً يستبطئ نفسه في زيارتك، قال: إذا ثبتت المودة فلا بأس وإن طال المكث.
قال ميمون: من رضي من صلة الإخوان بلا شيء فليؤاخ أهل القبور.
قال ميمون: إذا نزل بك ضيف فلا تكلف له ما لا تطيق، وأطعمه من طعام
أهلك، والقه بوجه طلق، فإنك إن تكلفت له ما لا تطيق أوشك أن تلقاه بوجه يكرهه.
وعن ميمون قال: المروءة طلاقة الوجه، والتودد إلى الناس، وقضاء الحوائج.
كان ميمون صاحب ضيافة، وكان له مولى يأكل معه، يقال له زياد، فيأتي الضيف، فيؤتى بالقصعة من الزبد فيقول: كل يا زياد، فلعلك ليس عند أهلك غيرها، يريد بذلك الضيف، يسمع فلا يتكل ليأكل.
كتب ميمون إلى ابنه: أن أحسن معونة فلان، وأعطه من مالك، فلا يسأل الناس، فإن المسألة تذهب الحياء.
قال عيسى بن كثير الأسدي: مشيت مع ميمون بن مهران حتى أتى باب دار، ومعه ابنه عمرو، فلما أردت أن أنصرف قال له عمرو: يا أبه، ألا تعرض عليه العشاء؟ قال: ليس ذلك من نيتي.
وفي حديث بمعناه قال: كرهت أن أعرض عليه أمراً لم يكن في نفسي.
قال يونس: كان طاعون قبل بلاد ميمون بن مهران، فكتبت إليه أسأله عن أهله؛ فكتب إلي: بلغني كتابك تسألني عن أهلي، وإنه مات من أهلي وخاصتي سبعة عشر إنساناً وإني أكره البلاء إذا أقبل، فإذا أدبر لم يسرني أنه لم يكن، أما أنت فعليك بكتاب الله، فإن الناس قد لهوا عنه، يعني نسوه، واختاروا عليه الأحاديث أحاديث الرجال، وإياك والجدال والمراء في الدين، لا تمارين عالماً ولا جاهلاً، فإنك إن ماريت الجاهل خشن بصدرك ولم يطعك، وإن ماريت العالم خزن عنك علمه ولم يبال ما صنعت.
قال ميمون: من أساء سراً فليتب سراً، ومن أساء علانية فليتب علانية؛ فإن الناس يعيرون ولا يغفرون، والله يغفر ولا يعير.
قال جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: قل لي يا جعفر في وجهي ما أكره؛ فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.
قيل لميمون بن مهران: فلان اعتق كل مملوك له، فقال: يعصون الله مرتين: يبخلون به وهو في أيديهم حتى إذا صار لغيرهم أسرفوا فيه.
كان عند ميمون بن مهران رجل من قراء أهل الشام فقال: إن الكذب في بعض المواطن خير من الصدق، فقال الشامي: لا، الصدق في كل موطن خير، فقال ميمون: أرأيت لو رأيت رجلاً يسعى وآخر يتبعه بالسيف فدخل الدار فانتهى إليك؟ فقال: أرأيت الرجل؟ ما كنت قائلاً؟ قال: كنت أقول: لا، قال: فذاك.
قال ميمون: إذا أتى رجل باب سلطان فاحتجب عنه فليأت بيوت الرحمن فإنها مفتحة وليصل ركعتين وليسل حاجته.
وعن ميمون قال: قال لي محمد بن مروان في الديوان: ائت قلت: لا، قال: فما يمنعك أن تكتتب في الديوان؟ فيكون لك سهم في الإسلام؛ قلت: إني لأرجو أن يكون لي سهام في الإسلام، فقال: من أين ولست في الديوان؟ قلت: شهادة أن لا إله إلا الله وحده سهم، والزكاة سهم، وصيام رمضان سهم، والحج سهم، قال محمد: ما كنت أحسب أن لأحد في الإسلام سهماً إلا من كان في الديوان.
قال: قلت: هذا ابن عمك حكيم بن حزام لم يأخذ ديواناً قط، وذلك أنه سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسألة فقال: استعف يا حكيم خير لك، قال: ومنك يا رسول الله؟ قال: ومني، قال لا جرم، لا أسألك ولا غيرك شيئاً أبداً، ولكن ادع الله أن يبارك لي في صفقتي، يعني التجارة، فدعا له.
وعن ميمون قال: لو نشر فيكم رجل من السلف ما عرف إلا قبلتكم.
قال أبو المليح: سمعت عبد الكريم يقول: لا علم لنا بكم يا أهل الرقة، من رأيناه من جانب ميمون علمنا أنه مستقيم، ومن رأيناه يكره ناحيته علمنا أنه يأخذ ناحية الأخرى، يعني الجعد.
صلى ميمون بن مهران في سبعة عشر يوماً سبعة عشر ألف ركعة، فلما كان اليوم الثامن عشر انقطع في جوفه شيء فمات.
توفي ميمون سنة ست عشرة ومئة بالجزيرة. وقيل: سنة سبع عشرة ومئة. وقيل: سنة ثمان عشرة. وقيل: سنة تسع عشرة ومئة.
أبو أيوب مولى بني أسد فقيه أهل الجزيرة. ولد سنة أربعين، ووفد على عمر بن عبد العزيز.
حدث عن ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخر جنازة صلى عليها كبر أربعاً.
وعنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتخذوا هذه الحمام المقاصيص فإنها تلهو عن صبيانكم من الشياطين.
وعنه قال: احتجم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو محرم.
وفي رواية: وهو صائم محرم.
وقد ضعف قوم هذا الحديث.
حدث ميمون عن مهران قال: أتيت صفية بنت شيبة، وهي امرأة كبيرة فسألتها: هل تزوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ميمونه وهو محرم؟ فقالت: لا، ولقد تزوجها وإنهما لحلالان.
قال عبد الملك بن عبد الحميد بن ميمون بن مهران: نحن من سبي إصطخر.
قال ميمون: كانت أمي لبني نصر بن معاوية من قيس عيلان وولدت أنا وأمي حرة، وكان أبي للأزد.
قال ميمون: لقد أدركت من لم يتكلم إلا الحق أو يسكت، وأدركت من لم يكن يملأ عينيه من السماء فرقاً من ربه، وقد أدركت من كنت أستحي أن أتكلم عنده.
كان عمر بن عبد العزيز إذا نظر إلى ميمون بن مهران قال: إذا ذهب هذا وقرنه صار الناس من بعدهم رجاجاً.
قال سليمان بن موسى: إذا أتانا العلم من الحجاز عن الزهري قبلناه، وإذا أتانا من الشام عن مكحول قبلناه، وإذا أتانا من الجزيرة عن ميمون بن مهران قبلناه، وإذا أتانا من العراق عن الحسن قبلناه.
زاد في غيره: فكل هؤلاء الأربعة علماء الناس في زمن هشام.
سأل عبد الملك بن مروان عن فقيه أهل المدينة، فقيل: سليمان بن يسار، وعن فقيه أهل مكة، فقالوا: عطاء بن أبي رباح، وعن فقيه أهل اليمن، قالوا: طاووس، وعن فقيه أهل الجزيرة، فقيل: ميمون بن مهران، وعن فقيه أهل الشام، فقيل: مكحول، وعن فقيه أهل البصرة، فقيل: الحسن بن أبي الحسن، وعن فقيه أهل الكوفة، فقيل: سعيد بن جبير، فقال: ما أراهم إلا أبناء السبايا، ومحكول من سبي كابل مولى لامرأة من هذيل.
قال أبو المليح: ما رأيت أحداً أفضل من ميمون بن مهران، قال له رجل يوماً: يا أبا أيوب أتشتكي؟ أراك مصفراً! قال: نعم، لما يبلغني في أقطار الأرض.
قال أبو الحسن الميموني: سمعت عمي عمراً يقول: ما كان أبي يكثر الصيام ولا الصلاة، كان يكره أن يعصى الله.
وعن ميمون قال: لا تجالسوا أهل القدر، ولا تسبوا أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا تعلموا النجوم.
وعن ميمون بن مهران قال: قال لي ابن عباس: يا ميمون، لا تشتم السلف، وادخل الجنة بسلام.
قال ميمون بن مهران: رجلان لا تصحبهما: صاحب مأكل سوء وصاحب بدعة.
وقال: رجلان لا تعظهما، ليس تنفعهما العظة: رجل قد لهج بكسب خبيث، وصاحب هوى قد استغرق فيه.
قال فرات بن سلمان: انتهينا مع ميمون بن مهران إلى دير القائم فنظر إلى الراهب فقال لأصحابه: فيكم من بلغ من العبادة ما بلغ هذا الراهب؟ قالوا: لا، قال: فما ينفعه ذلك ولم يؤمن بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالوا: لا ينفعه شيء، قال: كذلك لا ينفع قول إلا بعمل.
قال فرات بن سلمان: كنت في مسجد ملطية، فتذاكرنا هذه الأهواء، فانصرفت إلى منزلي، فألقيت نفسي فنمت، فسمعت هاتفاً يهتف: الطريق مع ميمون بن مهران.
قال جعفر بن برقان: لم يكن لميمون بن مهران مجلس في المسجد يعرف.
دخل ميمون بن مهران على سليمان بن عبد الملك أو هشام منزله فلم يسلم عليه بالإمرة، فقال له: يا أمير المؤمنين، لا ترى أني جهلت، ولكن الوالي إنما يسلم عليه بالإمرة إذا جلس للناس في موضع الأحكام.
استعمل عمر بن عبد العزيز ميمون بن مهران على الجزيرة، على قضائها وخراجها، فكتب إليه ميمون يستعفيه، وقال: كلفتني ما لا أطيق، أقضي بين الناس، وأنا شيخ كبير ضعيف رقيق.
فكتب إليه عمر: اجب من الخراج الطيب، واقض بما استبان لك، فإذا التبس عليك أمر فارفعه إلي، فإن الناس لو كانوا إذا كبر عليهم أمر تركوه ما قام دين ولا دنيا.
وقيل: إن عمر كتب إليه: إني لم أكلفك تعباً في علمك ولا في جبايتك، فاجب ما جبيت من الحلال، ولا تجمع للمسلمين إلا الحلال الطيب.
قال ميمون بن مهران: قال لي عمر بن عبد العزيز: يا ميمون، إني أوصيك بثلاث فاحفظهن، قلت: يا أمير المؤمنين ما هن؟ قال: لا تخل بامرأة ليس بينك وبينها محرم، وإن قرأت عليها القرآن، ولا تصاف قاطع رحم، فإن الله عز وجل لعنه في آيتين من كتاب الله: آية " في الرعد " قوله: " والذين ... يقطعون ما أمر الله به أن يوصل " إلى آخر الآية، وفي سورة " محمد " صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ". ولم يذكر الثالثة.
وعن ميمون قال: وددت أن إحدى عيني ذهبت لي الأخرى أستمتع بها حياتي وإني لم أل، قال: قلت: ولا لعمر بن عبد العزيز؟ قال: لا خير في العمل لعمر ولا لغيره.
قال عمرو بن ميمون بن مهران: خرجت بأبي أقوده في بعض سكك البصرة، فمررت بجدول فلم يستطع الشيخ يتخطاه، فاضطجعت له فمر على ظهري، ثم قمت فأخذت بيده، فدفعنا إلى منزل الحسن، فطرق الباب، فخرجت جارية سداسية فقالت: من هذا؟ فقلت: ميمون بن مهران، فقالت: كاتب عمر بن عبد العزيز؟ قتل: نعم، قالت: يا أسفا ما يقال: إن هذا للزمان السوء؛ فبكى الشيخ، فسمع الحسن بكاءه، فخرج غليه، فاعتنقا، ثم دخلا، فقال ميمون: يا أبا سعيد، إني قد أنست من قلبي غلظة " فأتيتك لتقرأ " لي منه، فقرأ الحسن: بسم الله الرحمن الرحيم: " أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون "؛ فسقط الشيخ فرأيته يفحص كما تفحص الشاة
المذبوحة، فأقام طويلاً، ثم أفاق، فجاءت الجارية فقالت: قد أتعبتم الشيخ، قوموا فتفرقوا. فأخذت بيد أبي فخرجت به، ثم قلت: له: يا أبتاه، هذا الحسن قد كنت أحسب أنه أكبر من هذا، فوكز في صدري وكزة ثم قال: يا بني، لقد قرأ علينا آية لو تفهمتها بقلبك لألفى لها فيه كلوماً.
قال ميمون: الظالم والمعين على الظلم والمجب له سواء.
قال ميمون: التقي أشد محاسبة لنفسه من سلطان عاص ومن شريك شحيح.
وقال: لا يكون الرجل تقيأ حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه وقال لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه، وحتى يعلم من أين مطعمه، ومن أين ملبسه، ومن أين مشربه أمن حلال ذلك أم من حرام.
قال أبان بن أبي راشد القشيري: كنت إذا أردت الصائفة أتيت ميمون بن مهران أودعه، فما يزيدني على كلمتين: اتق الله، ولا يغيرك غضب ولا طمع.
وعن ميمون قال: يا أصحاب القرآن، لا تتخذوا القرآن بضاعة تلتمسون به الشف يعني الربح في الدنيا، والتسموا الدنيا بالدنيا، والتمسوا الآخرة بالآخرة.
وقال ميمون: لا يزال أحدكم حديث عهد بعمل صالح، فإنه أهون عليه حين ينزل به الموت أن يتذكر عملاً صالحاً قد قدمه.
وكان يقول: يا معشر الشباب قوتكم اجعلوها في شبابكم ونشاطكم في طاعة الله، يا معشر الشيوخ، حتى متى؟.
وعن ميمون قال: لا خير في الدنيا إلى لأحد رجلين: رجل تائب أو رجل يعمل في الدرجات.
وعنه قال: من أحب أن يعلم ما له عند الله فليعلم ما لله عنده، فإنه قادم على ما قدم لا محالة.
قال حبيب بن أبي مرزوق: رأيت على ميمون جبة صوف تحت ثيابه، فقلت له: ما هذا؟ قال: نعم فلا تخبر به أحداً.
كان ميمون إذا رأى شاباً حسن العقل ولم يكن على طريقة حسنة أكرمه وابتدأه بالسلام إذا لقيه، وجاءه وسأله عن أهله وأظهر له براً، ثم يقول له: هاهنا مريض اذهب بنا نعوده، هاهنا جنازة اذهب بنا نحضرها، فيذهب فيقول للفتى أصحابه: رأيناك مع ميمون! أي شيء تصنع أنت مع ميمون؟ فيقول لهم: قال لي كذا وكذا فذهبت معه، فإذا لقيه ميمون مع أصحابه أعرض عنه كأنه لم يره، وإذا لقيته وحده سلم عليه، فلا يزال حتى ينسك.
وعن ميمون قال: ما يعجبني الذي يجد طيلساناً ثم يلبس البت إلا أن يعدم الفضل، فأما أن يلبس - يعني البت - ويضع الدراهم بعضها على بعض فلا يعجبني.
وعن ميمون قال: ما أحب أني أعطيت درهماً في لهو وأن لي مكانه ألفاً، لا يخشى من فعل ذلك أن تصيبه هذه الآية: " ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله " الآية.
وعن ميمون قال: ثلاث تؤدى إلى البر والفاجر: الرحم تصلها برة كانت أو فاجرة، والعهد تفي به للبر والفاجر، والأمانة تؤديها إلى البر والفاجر.
وقال ميمون: ثلاث: المؤمن والكافر فيهن سواء:..... عاهدته تفي له بعهده مسلماً كان أو كافراً، فإنما العهد لله، ومن كانت له رحم فليصلها مسلماً كان أو كافراً، ومن ائتمنك على أمانة فأدها إليه مسلماً كان أو كافراً.
وعنه قال: ثلاث: المؤمن والكافر فيهن سواء: الأمانة تؤديها إلى البر والفاجر، والعارية تؤديها إلى البر والفاجر، وبر الوالدين، قال الله عز وجل: " وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً ".
قال خلف بن حوشب: تكارينا مع ميمون بن مهران دواباً إلى مكان كذا، فقال
ميمون: لولا أن الدواب بكراء لمررنا على آل فلان.
جاء رجل إلى ميمون بن مهران يخطب إليه بنته فقال: لا أرضاها لك! قال: ولم؟ قال: لأنها تحب الحلي والحلل، قال: فعندي من هذا ما تريد، قال: فالآن الذي لا أرضاك لها.
قال ميمون بن مهران: بنفسي العلماء، وجدت صلاح قلبي في مجالستهم، هي بغيتي في أرض غربة، وهم ضالتي إذا لم أجدهم.
وعن ميمون قال: التودد إلى الناس نصف العقل، وحسن المسألة نصف الفقه، ورفقك في المعيشة يكفي عنك نصف المؤونة.
وقدروي هذا مسنداً بإسناد ضعيف.
قال رجل لميمون: يا أبا أيوب ما يزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم، فقال له ميمون: أقبل على ثنائك أيها الرجل فما يزال الناس بخير ما اتقوا ربهم.
قال ميمون: ما بلغني عن أخ لي مكروه قط إلا كان إسقاط المكروه عنه أحب إلي ممن أتحققه عليه، فإن قال: لم أقل، كان قوله: لم أقل أكبر عندي من بينة تشهد عليه، وإن قال: قد فعلت، ولم يعتذر، أبغضته من حيث أحببته.
قيل لميمون: مالك لا تفارق أخاً لك عن قلى؟ وفي رواية: ما لك لا يفارقك أخ لك عن قلى؟ قال: لأني لا أماريه ولا أشاريه.
قال جعفر بن برقان: قلت لميمون بن مهران إن فلاناً يستبطئ نفسه في زيارتك، قال: إذا ثبتت المودة فلا بأس وإن طال المكث.
قال ميمون: من رضي من صلة الإخوان بلا شيء فليؤاخ أهل القبور.
قال ميمون: إذا نزل بك ضيف فلا تكلف له ما لا تطيق، وأطعمه من طعام
أهلك، والقه بوجه طلق، فإنك إن تكلفت له ما لا تطيق أوشك أن تلقاه بوجه يكرهه.
وعن ميمون قال: المروءة طلاقة الوجه، والتودد إلى الناس، وقضاء الحوائج.
كان ميمون صاحب ضيافة، وكان له مولى يأكل معه، يقال له زياد، فيأتي الضيف، فيؤتى بالقصعة من الزبد فيقول: كل يا زياد، فلعلك ليس عند أهلك غيرها، يريد بذلك الضيف، يسمع فلا يتكل ليأكل.
كتب ميمون إلى ابنه: أن أحسن معونة فلان، وأعطه من مالك، فلا يسأل الناس، فإن المسألة تذهب الحياء.
قال عيسى بن كثير الأسدي: مشيت مع ميمون بن مهران حتى أتى باب دار، ومعه ابنه عمرو، فلما أردت أن أنصرف قال له عمرو: يا أبه، ألا تعرض عليه العشاء؟ قال: ليس ذلك من نيتي.
وفي حديث بمعناه قال: كرهت أن أعرض عليه أمراً لم يكن في نفسي.
قال يونس: كان طاعون قبل بلاد ميمون بن مهران، فكتبت إليه أسأله عن أهله؛ فكتب إلي: بلغني كتابك تسألني عن أهلي، وإنه مات من أهلي وخاصتي سبعة عشر إنساناً وإني أكره البلاء إذا أقبل، فإذا أدبر لم يسرني أنه لم يكن، أما أنت فعليك بكتاب الله، فإن الناس قد لهوا عنه، يعني نسوه، واختاروا عليه الأحاديث أحاديث الرجال، وإياك والجدال والمراء في الدين، لا تمارين عالماً ولا جاهلاً، فإنك إن ماريت الجاهل خشن بصدرك ولم يطعك، وإن ماريت العالم خزن عنك علمه ولم يبال ما صنعت.
قال ميمون: من أساء سراً فليتب سراً، ومن أساء علانية فليتب علانية؛ فإن الناس يعيرون ولا يغفرون، والله يغفر ولا يعير.
قال جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: قل لي يا جعفر في وجهي ما أكره؛ فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.
قيل لميمون بن مهران: فلان اعتق كل مملوك له، فقال: يعصون الله مرتين: يبخلون به وهو في أيديهم حتى إذا صار لغيرهم أسرفوا فيه.
كان عند ميمون بن مهران رجل من قراء أهل الشام فقال: إن الكذب في بعض المواطن خير من الصدق، فقال الشامي: لا، الصدق في كل موطن خير، فقال ميمون: أرأيت لو رأيت رجلاً يسعى وآخر يتبعه بالسيف فدخل الدار فانتهى إليك؟ فقال: أرأيت الرجل؟ ما كنت قائلاً؟ قال: كنت أقول: لا، قال: فذاك.
قال ميمون: إذا أتى رجل باب سلطان فاحتجب عنه فليأت بيوت الرحمن فإنها مفتحة وليصل ركعتين وليسل حاجته.
وعن ميمون قال: قال لي محمد بن مروان في الديوان: ائت قلت: لا، قال: فما يمنعك أن تكتتب في الديوان؟ فيكون لك سهم في الإسلام؛ قلت: إني لأرجو أن يكون لي سهام في الإسلام، فقال: من أين ولست في الديوان؟ قلت: شهادة أن لا إله إلا الله وحده سهم، والزكاة سهم، وصيام رمضان سهم، والحج سهم، قال محمد: ما كنت أحسب أن لأحد في الإسلام سهماً إلا من كان في الديوان.
قال: قلت: هذا ابن عمك حكيم بن حزام لم يأخذ ديواناً قط، وذلك أنه سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسألة فقال: استعف يا حكيم خير لك، قال: ومنك يا رسول الله؟ قال: ومني، قال لا جرم، لا أسألك ولا غيرك شيئاً أبداً، ولكن ادع الله أن يبارك لي في صفقتي، يعني التجارة، فدعا له.
وعن ميمون قال: لو نشر فيكم رجل من السلف ما عرف إلا قبلتكم.
قال أبو المليح: سمعت عبد الكريم يقول: لا علم لنا بكم يا أهل الرقة، من رأيناه من جانب ميمون علمنا أنه مستقيم، ومن رأيناه يكره ناحيته علمنا أنه يأخذ ناحية الأخرى، يعني الجعد.
صلى ميمون بن مهران في سبعة عشر يوماً سبعة عشر ألف ركعة، فلما كان اليوم الثامن عشر انقطع في جوفه شيء فمات.
توفي ميمون سنة ست عشرة ومئة بالجزيرة. وقيل: سنة سبع عشرة ومئة. وقيل: سنة ثمان عشرة. وقيل: سنة تسع عشرة ومئة.
ميمون بن مهران: جزري، تابعي، ثقة، وكان يحمل على علي -رضي الله عنه- وكان ميمون بن مهران إذا رأى شابًّا حسن العقل وإن لم
يكن على طريقة حسنة أكرمه وابتدأه بالسلام إذا لقيه وحده، وسأله عن أهله، وأظهر له برًا، ثم يقول له: هاهنا مريض اذهب بنا نعوده! هاهنا جنازة اذهب بنا نحضرها! قال: فيذهب, قال: فيقول بعض أصحابه: رأيناك مع ميمون بن مهران أي شيء تصنع أنت مع ميمون؟ فيقول لهم: قال لي كذا وكذا فذهبت معه! قال: فإذا لقيه ميمون مع أصحابه أعرض عنه كأنه لم يره، وإذا لقيه وحده سلم عليه. فلا يزال حتى ينسل.
يكن على طريقة حسنة أكرمه وابتدأه بالسلام إذا لقيه وحده، وسأله عن أهله، وأظهر له برًا، ثم يقول له: هاهنا مريض اذهب بنا نعوده! هاهنا جنازة اذهب بنا نحضرها! قال: فيذهب, قال: فيقول بعض أصحابه: رأيناك مع ميمون بن مهران أي شيء تصنع أنت مع ميمون؟ فيقول لهم: قال لي كذا وكذا فذهبت معه! قال: فإذا لقيه ميمون مع أصحابه أعرض عنه كأنه لم يره، وإذا لقيه وحده سلم عليه. فلا يزال حتى ينسل.
ميمون بن مهران
: مولى الأزد، مات سنة سبع عشرة ومائة، وكان من سبي اصطخر.
: مولى الأزد، مات سنة سبع عشرة ومائة، وكان من سبي اصطخر.
ميمون بن مهران مولى بنى أسد أبو أيوب كان مولده سنة أربعين ومات سنة ثماني عشرة ومائة وكان فقيها فاضلا دينا