حَمْزَةُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ القُرَشِيُّ
ابْنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ ...
الإِمَامُ، البَطَلُ، الضِّرْغَامُ، أَسَدُ اللهِ، أَبُو عُمَارَةَ، وَأَبُو يَعْلَى القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ، المَكِّيُّ، ثُمَّ المَدَنِيُّ، البَدْرِيُّ، الشَّهِيْدُ.عَمُّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَخُوْهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : لَمَّا أَسْلَمَ حَمْزَةُ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِ امْتَنَعَ، وَأَنَّ حَمْزَةَ سَيَمْنَعُهُ، فَكَفُّوا عَنْ بَعْضِ مَا كَانُوا يَنَالُوْنَ مِنْهُ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ حَارِثَةَ بنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيٍّ:
قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نَادِ حَمْزَةَ) .
فَقُلْتُ: مَنْ هُوَ صَاحِبُ الجَمَلِ الأَحْمَرِ؟
فَقَالَ حَمْزَةُ: هُوَ عُتْبَةُ بنُ رَبِيْعَةَ، فَبَارَزَ يَوْمَئِذٍ حَمْزَةُ عُتْبَةَ، فَقَتَلَهُ.
وَرَوَى: أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
سَمِعَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِسَاءَ الأَنْصَارِ يَبْكِيْنَ عَلَى هَلْكَاهُنَّ، فَقَالَ: (لَكِنَّ حَمْزَةَ لاَ بَوَاكِيَ لَهُ) .
فَجِئْنَ، فَبَكَيْنَ عَلَى حَمْزَةَ عِنْدَهُ، إِلَى أَنْ قَالَ: (مُرُوْهُنَّ لاَ يَبْكِيْنَ عَلَى هَالِكٍ بَعْدَ
اليَوْمِ ) .وَفِي كِتَابِ (المُسْتَدْرَكِ) لِلْحَاكِمِ:
عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوْعاً: (سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ: حَمْزَةُ، وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ، فَأَمَرَهُ، وَنَهَاهُ، فَقَتَلَهُ).
قُلْتُ: سَنَدُهُ ضَعِيْفٌ.
الدَّغُوْلِيُّ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ، حَدَّثَنَا رَافِعُ بنُ أَشْرَس، حَدَّثَنَا خُلَيْدٌ الصَّفَّارُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ الصَّائِغِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ ) .
هَذَا غَرِيْبٌ.
أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:رَجَعَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ، فَسَمِعَ نِسَاءَ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ يَبْكِيْنَ عَلَى هَلْكَاهُنَّ.
فَقَالَ: (لَكِنَّ حَمْزَةَ لاَ بَوَاكِيَ لَهُ) .
فَجِئْنَ نِسَاءَ الأَنْصَارِ، فَبَكِيْنَ عَلَى حَمْزَةَ عِنْدَهُ، فَرَقَدَ، فَاسْتَيْقَظَ وَهُنَّ يَبْكِيْنَ.
فَقَالَ: (يَا وَيْحَهُنَّ! أَهُنَّ هَا هُنَا حَتَّى الآنَ، مُرُوْهُنَّ فَلْيَرْجِعْنَ، وَلاَ يَبْكِيْنَ عَلَى هَالِكٍ بَعْدَ اليَوْمِ ) .
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ الفَضْلِ بنِ العَبَّاسِ بنِ رَبِيْعَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ عَمْرِو بنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، قَالَ:
خَرَجْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ غَازِيَيْنِ، فَمَرَرْنَا بِحِمْصَ، وَكَانَ وَحْشِيٌّ بِهَا.
فَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَلْ لَكَ أَنْ نَسْأَلَ وَحْشِيّاً كَيْفَ قَتَلَ حَمْزَةَ؟
فَخَرَجْنَا نُرِيْدُهُ، فَسَأَلْنَا عَنْهُ، فَقِيْلَ لَنَا: إِنَّكُمَا سَتَجِدَانِهِ بِفِنَاءِ دَارِهِ، عَلَى طِنْفِسَةٍ لَهُ، وَهُوَ رَجُلٌ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الخَمْرُ، فَإِنْ تَجِدَاهُ صَاحِياً، تَجِدَا رَجُلاً عَرَبِيّاً.
فَأَتَيْنَاهُ، فَإِذَا نَحْنُ بِشَيْخٍ كَبِيْرٍ أَسْوَدَ مِثْلَ البُغَاثِ، عَلَى طِنْفِسَةٍ لَهُ، وَهُوَ صَاحٍ، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ.
فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَدِيٍّ، فَقَالَ: ابْنٌ لِعَدِيٍّ؟ وَالله ابْنُ الخِيَارِ أَنْتَ.
قَالَ: نَعَمْ.
فَقَالَ: وَاللهِ مَا رَأَيْتُكَ مُنْذُ نَاوَلْتُكَ أُمَّكَ السَّعْدِيَّةَ الَّتِي أَرْضَعَتْكَ بِذِي طُوَى، وَهِيَ عَلَى بَعِيْرِهَا، فَلَمَعَتْ لِي قَدَمَاكَ.
قُلْنَا: إِنَّا أَتَيْنَا لِتُحَدِّثَنَا كَيْفَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ؟
قَالَ: سَأُحَدِّثُكُمَا بِمَا حَدَّثْتُ بِهِ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
كُنْتُ عَبْدَ جُبَيْرِ بنِ مُطْعَمٍ، وَكَانَ عَمُّهُ طُعَيْمَةُ بنُ عَدِيٍّ قُتِلَ يَوْم بَدْرٍ.
فَقَالَ لِي: إِنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ
فَأَنْتَ حُرٌّ.وَكُنْتُ صَاحِبَ حَرْبَةٍ أَرْمِي، قَلَّمَا أُخْطِئُ بِهَا، فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ، فَلَمَّا الْتَقَوْا أَخَذْتُ حَرْبَتِي، وَخَرَجْتُ أَنْظُرُ حَمْزَةَ، حَتَّى رَأَيْتُهُ فِي عُرْضِ النَّاسِ مِثْلَ الجَمَلِ الأَوْرَقِ، يَهُدُّ النَّاسَ بِسَيْفِهِ هَدّاً مَا يُلِيْقُ شَيْئاً، فَوَاللهِ إِنِّي لأَتَهَيَّأُ لَهُ إِذْ تَقَدَّمَنِي إِلَيْهِ سِبَاعُ بنُ عَبْدِ العُزَّى الخُزَاعِيُّ.
فَلَمَّا رَآهُ حَمْزَةُ، قَالَ: هَلُمَّ إِلَيَّ يَا ابْنَ مُقَطِّعَةِ البُظُوْرِ.
ثُمَّ ضَرَبَهُ حَمْزَةُ، فَوَاللهِ لَكَأَنَّ مَا أَخْطَأَ رَأْسَهُ، مَا رَأَيْتُ شَيْئاً قَطُّ كَانَ أَسْرَعَ مِنْ سُقُوْطِ رَأْسِهِ.
فَهَزَزْتُ حَرْبَتِي، حَتَّى إِذَا رَضِيْتُ عَنْهَا، دَفَعْتُهَا عَلَيْهِ، فَوَقَعَتْ فِي ثُنَّتِهِ، حَتَّى خَرَجَتْ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، فَوَقَعَ، فَذَهَبَ لِيَنُوْءَ، فَغُلِبَ، فَتَرَكْتُهُ وَإِيَّاهَا، حَتَّى إِذَا مَاتَ قُمْتُ إِلَيْهِ، فَأَخَذْتُ حَرْبَتِي، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى العَسْكَرِ، فَقَعَدْتُ فِيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي حَاجَةٌ بِغَيْرِهِ.
فَلَمَّا افْتَتَحَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ هَرَبْتُ إِلَى الطَّائِفِ، فَلَمَّا خَرَجَ وَفْدُ الطَّائِفِ لِيُسْلِمُوا، ضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، وَقُلْتُ أَلْحَقُ بِالشَّامِ، أَوِ اليَمَنِ، أَوْ بَعْضِ البِلاَدِ، فَوَاللهِ إِنِّي لَفِي ذَلِكَ مِنْ هَمِّي، إِذْ قَالَ رَجُلٌ:
وَاللهِ إِنْ يَقْتُلُ مُحَمَّدٌ أَحَداً دَخَلَ فِي دِيْنِهِ. فَخَرَجْتُ، حَتَّى
قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (وَحْشِيٌّ؟) .قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: (اجْلِسْ، فَحَدِّثْنِي كَيْفَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ) .
فَحَدَّثْتُهُ كَمَا أُحَدِّثُكُمَا.
فَقَالَ: (وَيْحَكَ! غَيِّبْ عَنِّي وَجْهَكَ، فَلاَ أَرَيَنَّكَ) .
فَكُنْتُ أَتَنَكَّبُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْثُ كَانَ، حَتَّى قُبِضَ.
فَلَمَّا خَرَجَ المُسْلِمُوْنَ إِلَى مُسَيْلِمَةَ، خَرَجتُ مَعَهُم بِحَرْبَتِي الَّتِي قَتَلْتُ بِهَا حَمْزَةَ، فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ، نَظَرْتُ إِلَى مُسَيْلِمَةَ وَفِي يَدِهِ السَّيْفُ، فَوَاللهِ مَا أَعْرِفُهُ، وَإِذَا رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُرِيْدهُ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، فَكِلاَنَا يَتَهَيَّأُ لَهُ.
حَتَّى إِذَا أَمْكَنَنِي، دَفَعْتُ عَلَيْهِ حَرْبَتِي، فَوَقَعَتْ فِيْهِ، وَشَدَّ الأَنْصَارِيُّ عَلَيْهِ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ، فَرَبُّكَ أَعْلَمُ أَيُّنَا قَتَلَهُ.
فَإِنْ أَنَا قَتَلْتُهُ، فَقَدْ قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَتَلْتُ شَرَّ النَّاسِ.
وَبِهِ: عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَجُلاً يَقُوْلُ: قَتَلَهُ العَبْدُ الأَسْوَدُ، -يَعْنِي: مُسَيْلِمَةَ-.
أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، وَقَفَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حَمْزَةَ، وَقَدْ جُدِعَ، وَمُثِّلَ بِهِ.
فَقَالَ: (لَوْلاَ أَنْ تَجِدَ صَفِيَّةُ فِي نَفْسِهَا، لَتَرَكتُهُ حَتَّى يَحْشُرَهُ اللهُ مِنْ بُطُوْنِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ) .
وَكُفِّنَ فِي نَمِرَةٍ، إِذَا خُمِّرَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلاَهُ، وَإِذَا خُمِّرَتْ رِجْلاَهُ بَدَا رَأْسُهُ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الشُّهَدَاءِ.
وَقَالَ: (أَنَا شَهِيْدٌ عَلَيْكُم) .
وَكَانَ يَجْمَعُ الثَّلاَثَةَ فِي قَبْرٍ، وَالاثْنَيْنِ، فَيَسْأَلُ: أَيُّهُمَا أَكْثَرُ قُرْآناً؟ فَيُقَدِّمُهُ فِي اللَّحْدِ.
وَكَفَّنَ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ فِي ثَوْبٍ.
ابْنُ عَوْنٍ: عَنْ عُمَيْرِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ:
كَانَ حَمْزَةُ يُقَاتِلُ يَوْمَ أُحُدٍ بَيْنَ يَدَيْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَيْفَيْنِ، وَيَقُوْلُ: أَنَا أَسَدُ اللهِ.
رَوَاهُ: يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرٍ مُرْسَلاً، وَزَادَ:
فَعَثَرَ، فَصُرِعَ مُسْتَلْقِياً، وَانْكَشَفَتِ الدِّرْعُ عَنْ بَطْنِهِ، فَزَرَقَهُ العَبْدُ الحَبَشِيُّ، فَبَقَرَهُ.
عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ المَاجِشُوْنِ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الفَضْلِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ،
عَنْ جَعْفَرِ بنِ عَمْرٍو الضَّمْرِيِّ، قَالَ:خَرَجْتُ مَعَ ابْنِ الخِيَارِ إِلَى الشَّامِ، فَسَأَلْنَا عَنْ وَحْشِيٍّ، فَقِيْلَ: هُوَ ذَاكَ فِي ظِلِّ قَصْرِهِ، كَأَنَّهُ حَمِيْتٌ.
فَجِئْنَا فَسَلَّمْنَا، وَوَقَفْنَا يَسِيْراً، وَكَانَ ابْنُ الخِيَارِ مُعْتَجِراً بِعِمَامَتِهِ، مَا يَرَى وَحْشِيٌّ إِلاَّ عَيْنَيْهِ وَرِجْلَيْهِ.
فَقَالَ: يَا وَحْشِيُّ! تَعْرِفُنِي؟
قَالَ: لاَ وَاللهِ، إِلاّ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ عَدِيَّ بنَ الخِيَارِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا: أُمُّ قِتَالٍ بِنْتُ أَبِي العَيْصِ، فَوَلَدَتْ غُلاَماً بِمَكَّةَ، فَاسْتَرْضَعَتْهُ، فَحَمَلْتُهُ مَعَ أُمِّهِ، فَنَاوَلْتُهَا إِيَّاهُ، لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى قَدَمَيْكَ.
قَالَ: فَكَشَفَ عُبَيْدُ اللهِ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَلاَ تُخْبِرُنَا عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ؟
قَالَ: نَعَمْ، إِنَّهُ قُتِلَ طُعَيْمَةُ بنُ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ بِبَدْرٍ، فَقَالَ لِي مَوْلاَيَ جُبَيْرٌ:
إِنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ بِعَمِّي، فَأَنْتَ حُرٌّ.
فَلَمَّا خَرَجَ النَّاسُ عَنْ عَيْنَيْنَ - وَعَيْنُوْنُ: جَبَلٌ تَحْتَ أُحُدٍ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُحُدٍ وَادٍ - قَالَ سِبَاعٌ: هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ؟
فَقَالَ حَمْزَةُ: يَا ابْنَ مُقَطِّعَةِ البُظُوْرِ! تُحَادُّ اللهَ وَرَسُوْلَهُ؟
ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ، فَكَانَ كَأَمْسِ الذَّاهِبِ.
فَكَمَنْتُ لِحَمْزَةَ تَحْتَ صَخْرَةٍ، حَتَّى مَرَّ عَلَيَّ، فَرَمَيْتُهُ فِي ثُنَّتِهِ، حَتَّى خَرَجَتِ الحَرْبَةُ مِنْ وِرْكِهِ.
إِلَى أَنْ قَالَ: فَكُنْتُ بِالطَّائِفِ، فَبَعَثُوا رُسُلاً إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقِيْلَ: إِنَّهُ لاَ يَهِيْجُ الرُّسُلُ.
فَخَرَجْتُ مَعَهُم، فَلَمَّا رَآنِي، قَالَ: (أَنْتَ وَحْشِيٌّ؟) .
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: (الَّذِي قَتَلَ حَمْزَةَ؟) .
قُلْتُ: نَعَمْ، قَدْ كَانَ الأَمْرُ الَّذِي بَلَغَكَ.
قَالَ: (مَا
تَسْتَطِيْعُ أَنْ تُغَيِّبَ عَنِّي وَجْهَكَ؟) .قَالَ: فَرَجَعْتُ.
فَلَمَّا تُوُفِّيَ، وَخَرَجَ مُسَيْلِمَةُ، قُلْتُ: لأَخْرُجَنَّ إِلَيْهِ، لَعَلِّي أَقْتُلُهُ، فَأُكَافِيَ بِهِ حَمْزَةَ.
فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِم مَا كَانَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي ثُلْمَةِ جِدَارٍ، كَأَنَّهُ جَمَلٌ أَوْرَقُ، ثَائِرٌ رَأْسُهُ، فَأَرْمِيْهِ بِحَرْبَتِي، فَأَضَعَهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ، وَوَثَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى هَامَتِهِ.
قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ: فَسَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُوْلُ:
قَالَتْ جَارِيَةٌ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ: أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ قَتَلَهُ العَبْدُ الأَسْوَدُ.
قَالَ مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ: ثُمَّ انْتَشَرَ المُسْلِمُوْنَ يَبْتَغُوْنَ قَتْلاَهُمْ، فَلَمْ يَجِدُوا قَتِيْلاً إِلاَّ وَقَدْ مَثَّلُوا بِهِ، إِلاَّ حَنْظَلَةَ بنَ أَبِي عَامِرٍ، وَكَانَ أَبُوْهُ أَبُو عَامِرٍ مَعَ المُشْرِكِيْنَ، فَتُرِكَ لأَجْلِهِ.
وَزَعَمُوا أَنَّ أَبَاهُ وَقَفَ عَلَيْهِ قَتِيْلاً، فَدَفَعَ صَدْرَهُ بِرِجْلِهِ.
ثُمَّ قَالَ: ديْنَانِ قَدْ أَصَبْتُهُمَا، قَدْ تَقَدَّمْتُ إِلَيْكَ فِي مَصْرَعِكَ هَذَا يَا دنيس، وَلَعَمْرُ اللهِ إِنْ كُنْتَ لَوَاصِلاً لِلرَّحِمِ، بَرّاً بِالوَالِدِ.
وَوَجَدُوا حَمْزَةَ قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ، وَاحْتَمَلَ وَحْشِيٌّ كَبِدَهُ إِلَى هِنْدٍ فِي نَذْرٍ نَذَرَتْهُ حِيْنَ قُتِلَ أَبَاهَا يَوْمَ بَدْرٍ، فَدُفِنَ فِي نَمِرَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ، إِذَا رُفِعَتْ إِلَى رَأْسِهِ بَدَتْ قَدَمَاهُ، فَغَطُّوا قَدَمَيْهِ بِشَيْءٍ مِنَ الشَّجَرِ.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَئِنْ ظَفِرْتُ بِقُرَيْشٍ، لأُمَثِّلَنَّ بِثَلاَثِيْنَ مِنْهُم) .
فَلَمَّا رَأَى أَصْحَابُ رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا بِهِ مِنَ الجَزَعِ، قَالُوا:لَئِنْ ظَفِرْنَا بِهِم، لَنُمَثِّلَنَّ بِهِم مُثْلَةً لَمْ يُمَثِّلْهَا أَحَدٌ مِنَ العَرَبِ بِأَحَدٍ.
فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوْقِبْتُمْ بِهِ} [النَّحْلُ: 126] إِلَى آخِرِ السُّوْرَةِ.
فَعَفَا رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
لَمَّا قُتِلَ حَمْزَةُ، أَقَبْلَتْ صَفِيَّةُ أُخْتُهُ، فَلَقِيَتْ عَلِيّاً وَالزُّبَيْرَ، فَأَرَيَاهَا أَنَّهُمَا لاَ يَدْرِيَانِ.
فَجَاءتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (فَإِنِّي أَخَافُ عَلَى عَقْلِهَا) .
فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهَا، وَدَعَا لَهَا، فَاسْتَرْجَعَتْ، وَبَكَتْ.
ثُمَّ جَاءَ، فَقَامَ عَلَيْهِ، وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ، فَقَالَ: (لَوْلاَ جَزَعُ النِّسَاءِ، لَتَرَكْتُهُ حَتَّى يُحْشَرَ مِنْ حَوَاصِلِ الطَّيْرِ، وَبُطُوْنِ السِّبَاعِ) .
ثُمَّ أَمَرَ بِالقَتْلَى، فَجَعَلَ يُصَلَّي عَلَيْهِم بِسَبْعِ تَكْبِيْرَاتٍ وَيُرْفَعُوْنَ، وَيَتْرُكُ حَمْزَةَ، ثُمَّ يُجَاءُ بِسَبْعَةٍ، فَيُكَبِّرُ عَلَيْهِم سَبْعاً حَتَّى فَرَغَ مِنْهُم.
يَزِيْدُ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَقَوْلُ جَابِرٍ: لَمْ يُصِلِّ عَلَيْهِم أَصَحُّ.وَفِي (الصَّحِيْحَيْنِ) مِنْ حَدِيْثِ عُقْبَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَى المَيِّتِ.
فَهَذَا كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَيَّامٍ.
وَيُرْوَى مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-: (لَئِنْ ظَفِرْتُ بِقُرَيْشٍ لأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِيْنَ مِنْهُم) .فَنَزَلَتْ: {وَإِنْ عَاقَبْتُم ... } ، الآيَةُ.
عَبْدَانُ: أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ عُبَيْدٍ الكِنْدِيُّ، حَدَّثَنِي رَبِيْعُ بنُ أَنَسٍ، حَدَّثَنِي أَبُو العَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ:
أَنَّهُ أُصِيْبَ مِنَ الأَنْصَارِ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُوْنَ، قَالَ: فَمَثَّلُوا بِقَتْلاَهُم.
فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: لَئِنْ أَصَبْنَا مِنْهُم يَوْماً مِنَ الدَّهْرِ، لَنُرْبِيَنَّ عَلَيْهِم.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ، نَادَى رَجُلٌ لاَ يُعْرَفُ: لاَ قُرَيْشَ بَعْدَ اليَوْمِ! مَرَّتَيْنِ.
فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ ... } ، الآيَة.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كُفُّوا عَنِ القَوْمِ).
يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:جَاءتْ صَفِيَّةُ يَوْمَ أُحُدٍ مَعَهَا ثَوْبَانِ لِحَمْزَةَ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَرِهَ أَنْ تَرَى حَمْزَةَ عَلَى حَالِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا الزُّبَيْرَ يَحْبِسُهَا، وَأَخَذَ الثَّوْبَيْنِ.
وَكَانَ إِلَى جَنْبِ حَمْزَةَ قَتِيْلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَكَرِهُوا أَنْ يَتَخَيَّرُوا لِحَمْزَةَ.
فَقَالَ: (أَسْهِمُوا بَيْنَهُمَا، فَأَيُّهُمَا طَارَ لَهُ أَجْوَدُ الثَّوْبَيْنِ، فَهُوَ لَهُ) .
فَأَسْهَمُوا بَيْنَهُمَا، فَكُفِّنَ حَمْزَةُ فِي ثَوْبٍ، وَالأَنْصَارِيُّ فِي ثَوْبٍ.
ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَمَّا أُصِيْبَ إِخْوَانُكُم بِأُحُدٍ، جَعَلَ اللهُ أَرْوَاحَهُم فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ، تَرِدُ أَنْهَارَ الجَنَّةِ، وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيْلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ العَرْشِ.
فَلَمَّا وَجَدُوا طِيْبَ مَأْكَلِهِم وَمَشْرَبِهِم وَمَقِيْلِهِم، قَالُوا:
مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوَانَنَا عَنَّا أَنَّنَا أَحْيَاءٌ فِي الجَنَّةِ نُرْزَقُ، لِئَلاَّ يَنْكلُوا عِنْدَ الحَرْبِ، وَلاَ يَزْهَدُوا فِي الجِهَادِ؟
قَالَ اللهُ: أَنَا أُبَلِّغُهُم عَنْكُم) .
فَأُنْزِلَتْ: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِيْنَ قُتِلُوا فِي سَبِيْلِ اللهِ أَمْوَاتاً} [آلُ عِمْرَانَ : 169] .ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بنُ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيْهِ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابُ أُحُدٍ: (أَمَا وَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي غُوْدِرْتُ مَعَ أَصْحَابِ فَحْصِ الجَبَلِ ) .
يَقُوْلُ: قُتِلْتُ مَعَهُم.
وَجَاءَ بِإِسْنَادٍ فِيْهِ ضَعْفٌ، عَنْ جَابِرٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا رَأَى حَمْزَةَ قَتِيْلاً بَكَى، فَلَمَّا رَأَى مَا مُثِّلَ بِهِ شَهِقَ.
ابْنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ ...
الإِمَامُ، البَطَلُ، الضِّرْغَامُ، أَسَدُ اللهِ، أَبُو عُمَارَةَ، وَأَبُو يَعْلَى القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ، المَكِّيُّ، ثُمَّ المَدَنِيُّ، البَدْرِيُّ، الشَّهِيْدُ.عَمُّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَخُوْهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : لَمَّا أَسْلَمَ حَمْزَةُ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِ امْتَنَعَ، وَأَنَّ حَمْزَةَ سَيَمْنَعُهُ، فَكَفُّوا عَنْ بَعْضِ مَا كَانُوا يَنَالُوْنَ مِنْهُ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ حَارِثَةَ بنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيٍّ:
قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نَادِ حَمْزَةَ) .
فَقُلْتُ: مَنْ هُوَ صَاحِبُ الجَمَلِ الأَحْمَرِ؟
فَقَالَ حَمْزَةُ: هُوَ عُتْبَةُ بنُ رَبِيْعَةَ، فَبَارَزَ يَوْمَئِذٍ حَمْزَةُ عُتْبَةَ، فَقَتَلَهُ.
وَرَوَى: أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
سَمِعَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِسَاءَ الأَنْصَارِ يَبْكِيْنَ عَلَى هَلْكَاهُنَّ، فَقَالَ: (لَكِنَّ حَمْزَةَ لاَ بَوَاكِيَ لَهُ) .
فَجِئْنَ، فَبَكَيْنَ عَلَى حَمْزَةَ عِنْدَهُ، إِلَى أَنْ قَالَ: (مُرُوْهُنَّ لاَ يَبْكِيْنَ عَلَى هَالِكٍ بَعْدَ
اليَوْمِ ) .وَفِي كِتَابِ (المُسْتَدْرَكِ) لِلْحَاكِمِ:
عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوْعاً: (سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ: حَمْزَةُ، وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ، فَأَمَرَهُ، وَنَهَاهُ، فَقَتَلَهُ).
قُلْتُ: سَنَدُهُ ضَعِيْفٌ.
الدَّغُوْلِيُّ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ، حَدَّثَنَا رَافِعُ بنُ أَشْرَس، حَدَّثَنَا خُلَيْدٌ الصَّفَّارُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ الصَّائِغِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ ) .
هَذَا غَرِيْبٌ.
أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:رَجَعَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ، فَسَمِعَ نِسَاءَ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ يَبْكِيْنَ عَلَى هَلْكَاهُنَّ.
فَقَالَ: (لَكِنَّ حَمْزَةَ لاَ بَوَاكِيَ لَهُ) .
فَجِئْنَ نِسَاءَ الأَنْصَارِ، فَبَكِيْنَ عَلَى حَمْزَةَ عِنْدَهُ، فَرَقَدَ، فَاسْتَيْقَظَ وَهُنَّ يَبْكِيْنَ.
فَقَالَ: (يَا وَيْحَهُنَّ! أَهُنَّ هَا هُنَا حَتَّى الآنَ، مُرُوْهُنَّ فَلْيَرْجِعْنَ، وَلاَ يَبْكِيْنَ عَلَى هَالِكٍ بَعْدَ اليَوْمِ ) .
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ الفَضْلِ بنِ العَبَّاسِ بنِ رَبِيْعَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ عَمْرِو بنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، قَالَ:
خَرَجْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ غَازِيَيْنِ، فَمَرَرْنَا بِحِمْصَ، وَكَانَ وَحْشِيٌّ بِهَا.
فَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَلْ لَكَ أَنْ نَسْأَلَ وَحْشِيّاً كَيْفَ قَتَلَ حَمْزَةَ؟
فَخَرَجْنَا نُرِيْدُهُ، فَسَأَلْنَا عَنْهُ، فَقِيْلَ لَنَا: إِنَّكُمَا سَتَجِدَانِهِ بِفِنَاءِ دَارِهِ، عَلَى طِنْفِسَةٍ لَهُ، وَهُوَ رَجُلٌ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الخَمْرُ، فَإِنْ تَجِدَاهُ صَاحِياً، تَجِدَا رَجُلاً عَرَبِيّاً.
فَأَتَيْنَاهُ، فَإِذَا نَحْنُ بِشَيْخٍ كَبِيْرٍ أَسْوَدَ مِثْلَ البُغَاثِ، عَلَى طِنْفِسَةٍ لَهُ، وَهُوَ صَاحٍ، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ.
فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَدِيٍّ، فَقَالَ: ابْنٌ لِعَدِيٍّ؟ وَالله ابْنُ الخِيَارِ أَنْتَ.
قَالَ: نَعَمْ.
فَقَالَ: وَاللهِ مَا رَأَيْتُكَ مُنْذُ نَاوَلْتُكَ أُمَّكَ السَّعْدِيَّةَ الَّتِي أَرْضَعَتْكَ بِذِي طُوَى، وَهِيَ عَلَى بَعِيْرِهَا، فَلَمَعَتْ لِي قَدَمَاكَ.
قُلْنَا: إِنَّا أَتَيْنَا لِتُحَدِّثَنَا كَيْفَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ؟
قَالَ: سَأُحَدِّثُكُمَا بِمَا حَدَّثْتُ بِهِ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
كُنْتُ عَبْدَ جُبَيْرِ بنِ مُطْعَمٍ، وَكَانَ عَمُّهُ طُعَيْمَةُ بنُ عَدِيٍّ قُتِلَ يَوْم بَدْرٍ.
فَقَالَ لِي: إِنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ
فَأَنْتَ حُرٌّ.وَكُنْتُ صَاحِبَ حَرْبَةٍ أَرْمِي، قَلَّمَا أُخْطِئُ بِهَا، فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ، فَلَمَّا الْتَقَوْا أَخَذْتُ حَرْبَتِي، وَخَرَجْتُ أَنْظُرُ حَمْزَةَ، حَتَّى رَأَيْتُهُ فِي عُرْضِ النَّاسِ مِثْلَ الجَمَلِ الأَوْرَقِ، يَهُدُّ النَّاسَ بِسَيْفِهِ هَدّاً مَا يُلِيْقُ شَيْئاً، فَوَاللهِ إِنِّي لأَتَهَيَّأُ لَهُ إِذْ تَقَدَّمَنِي إِلَيْهِ سِبَاعُ بنُ عَبْدِ العُزَّى الخُزَاعِيُّ.
فَلَمَّا رَآهُ حَمْزَةُ، قَالَ: هَلُمَّ إِلَيَّ يَا ابْنَ مُقَطِّعَةِ البُظُوْرِ.
ثُمَّ ضَرَبَهُ حَمْزَةُ، فَوَاللهِ لَكَأَنَّ مَا أَخْطَأَ رَأْسَهُ، مَا رَأَيْتُ شَيْئاً قَطُّ كَانَ أَسْرَعَ مِنْ سُقُوْطِ رَأْسِهِ.
فَهَزَزْتُ حَرْبَتِي، حَتَّى إِذَا رَضِيْتُ عَنْهَا، دَفَعْتُهَا عَلَيْهِ، فَوَقَعَتْ فِي ثُنَّتِهِ، حَتَّى خَرَجَتْ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، فَوَقَعَ، فَذَهَبَ لِيَنُوْءَ، فَغُلِبَ، فَتَرَكْتُهُ وَإِيَّاهَا، حَتَّى إِذَا مَاتَ قُمْتُ إِلَيْهِ، فَأَخَذْتُ حَرْبَتِي، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى العَسْكَرِ، فَقَعَدْتُ فِيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي حَاجَةٌ بِغَيْرِهِ.
فَلَمَّا افْتَتَحَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ هَرَبْتُ إِلَى الطَّائِفِ، فَلَمَّا خَرَجَ وَفْدُ الطَّائِفِ لِيُسْلِمُوا، ضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، وَقُلْتُ أَلْحَقُ بِالشَّامِ، أَوِ اليَمَنِ، أَوْ بَعْضِ البِلاَدِ، فَوَاللهِ إِنِّي لَفِي ذَلِكَ مِنْ هَمِّي، إِذْ قَالَ رَجُلٌ:
وَاللهِ إِنْ يَقْتُلُ مُحَمَّدٌ أَحَداً دَخَلَ فِي دِيْنِهِ. فَخَرَجْتُ، حَتَّى
قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (وَحْشِيٌّ؟) .قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: (اجْلِسْ، فَحَدِّثْنِي كَيْفَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ) .
فَحَدَّثْتُهُ كَمَا أُحَدِّثُكُمَا.
فَقَالَ: (وَيْحَكَ! غَيِّبْ عَنِّي وَجْهَكَ، فَلاَ أَرَيَنَّكَ) .
فَكُنْتُ أَتَنَكَّبُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْثُ كَانَ، حَتَّى قُبِضَ.
فَلَمَّا خَرَجَ المُسْلِمُوْنَ إِلَى مُسَيْلِمَةَ، خَرَجتُ مَعَهُم بِحَرْبَتِي الَّتِي قَتَلْتُ بِهَا حَمْزَةَ، فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ، نَظَرْتُ إِلَى مُسَيْلِمَةَ وَفِي يَدِهِ السَّيْفُ، فَوَاللهِ مَا أَعْرِفُهُ، وَإِذَا رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُرِيْدهُ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، فَكِلاَنَا يَتَهَيَّأُ لَهُ.
حَتَّى إِذَا أَمْكَنَنِي، دَفَعْتُ عَلَيْهِ حَرْبَتِي، فَوَقَعَتْ فِيْهِ، وَشَدَّ الأَنْصَارِيُّ عَلَيْهِ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ، فَرَبُّكَ أَعْلَمُ أَيُّنَا قَتَلَهُ.
فَإِنْ أَنَا قَتَلْتُهُ، فَقَدْ قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَتَلْتُ شَرَّ النَّاسِ.
وَبِهِ: عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَجُلاً يَقُوْلُ: قَتَلَهُ العَبْدُ الأَسْوَدُ، -يَعْنِي: مُسَيْلِمَةَ-.
أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، وَقَفَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حَمْزَةَ، وَقَدْ جُدِعَ، وَمُثِّلَ بِهِ.
فَقَالَ: (لَوْلاَ أَنْ تَجِدَ صَفِيَّةُ فِي نَفْسِهَا، لَتَرَكتُهُ حَتَّى يَحْشُرَهُ اللهُ مِنْ بُطُوْنِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ) .
وَكُفِّنَ فِي نَمِرَةٍ، إِذَا خُمِّرَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلاَهُ، وَإِذَا خُمِّرَتْ رِجْلاَهُ بَدَا رَأْسُهُ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الشُّهَدَاءِ.
وَقَالَ: (أَنَا شَهِيْدٌ عَلَيْكُم) .
وَكَانَ يَجْمَعُ الثَّلاَثَةَ فِي قَبْرٍ، وَالاثْنَيْنِ، فَيَسْأَلُ: أَيُّهُمَا أَكْثَرُ قُرْآناً؟ فَيُقَدِّمُهُ فِي اللَّحْدِ.
وَكَفَّنَ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ فِي ثَوْبٍ.
ابْنُ عَوْنٍ: عَنْ عُمَيْرِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ:
كَانَ حَمْزَةُ يُقَاتِلُ يَوْمَ أُحُدٍ بَيْنَ يَدَيْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَيْفَيْنِ، وَيَقُوْلُ: أَنَا أَسَدُ اللهِ.
رَوَاهُ: يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرٍ مُرْسَلاً، وَزَادَ:
فَعَثَرَ، فَصُرِعَ مُسْتَلْقِياً، وَانْكَشَفَتِ الدِّرْعُ عَنْ بَطْنِهِ، فَزَرَقَهُ العَبْدُ الحَبَشِيُّ، فَبَقَرَهُ.
عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ المَاجِشُوْنِ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الفَضْلِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ،
عَنْ جَعْفَرِ بنِ عَمْرٍو الضَّمْرِيِّ، قَالَ:خَرَجْتُ مَعَ ابْنِ الخِيَارِ إِلَى الشَّامِ، فَسَأَلْنَا عَنْ وَحْشِيٍّ، فَقِيْلَ: هُوَ ذَاكَ فِي ظِلِّ قَصْرِهِ، كَأَنَّهُ حَمِيْتٌ.
فَجِئْنَا فَسَلَّمْنَا، وَوَقَفْنَا يَسِيْراً، وَكَانَ ابْنُ الخِيَارِ مُعْتَجِراً بِعِمَامَتِهِ، مَا يَرَى وَحْشِيٌّ إِلاَّ عَيْنَيْهِ وَرِجْلَيْهِ.
فَقَالَ: يَا وَحْشِيُّ! تَعْرِفُنِي؟
قَالَ: لاَ وَاللهِ، إِلاّ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ عَدِيَّ بنَ الخِيَارِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا: أُمُّ قِتَالٍ بِنْتُ أَبِي العَيْصِ، فَوَلَدَتْ غُلاَماً بِمَكَّةَ، فَاسْتَرْضَعَتْهُ، فَحَمَلْتُهُ مَعَ أُمِّهِ، فَنَاوَلْتُهَا إِيَّاهُ، لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى قَدَمَيْكَ.
قَالَ: فَكَشَفَ عُبَيْدُ اللهِ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَلاَ تُخْبِرُنَا عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ؟
قَالَ: نَعَمْ، إِنَّهُ قُتِلَ طُعَيْمَةُ بنُ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ بِبَدْرٍ، فَقَالَ لِي مَوْلاَيَ جُبَيْرٌ:
إِنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ بِعَمِّي، فَأَنْتَ حُرٌّ.
فَلَمَّا خَرَجَ النَّاسُ عَنْ عَيْنَيْنَ - وَعَيْنُوْنُ: جَبَلٌ تَحْتَ أُحُدٍ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُحُدٍ وَادٍ - قَالَ سِبَاعٌ: هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ؟
فَقَالَ حَمْزَةُ: يَا ابْنَ مُقَطِّعَةِ البُظُوْرِ! تُحَادُّ اللهَ وَرَسُوْلَهُ؟
ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ، فَكَانَ كَأَمْسِ الذَّاهِبِ.
فَكَمَنْتُ لِحَمْزَةَ تَحْتَ صَخْرَةٍ، حَتَّى مَرَّ عَلَيَّ، فَرَمَيْتُهُ فِي ثُنَّتِهِ، حَتَّى خَرَجَتِ الحَرْبَةُ مِنْ وِرْكِهِ.
إِلَى أَنْ قَالَ: فَكُنْتُ بِالطَّائِفِ، فَبَعَثُوا رُسُلاً إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقِيْلَ: إِنَّهُ لاَ يَهِيْجُ الرُّسُلُ.
فَخَرَجْتُ مَعَهُم، فَلَمَّا رَآنِي، قَالَ: (أَنْتَ وَحْشِيٌّ؟) .
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: (الَّذِي قَتَلَ حَمْزَةَ؟) .
قُلْتُ: نَعَمْ، قَدْ كَانَ الأَمْرُ الَّذِي بَلَغَكَ.
قَالَ: (مَا
تَسْتَطِيْعُ أَنْ تُغَيِّبَ عَنِّي وَجْهَكَ؟) .قَالَ: فَرَجَعْتُ.
فَلَمَّا تُوُفِّيَ، وَخَرَجَ مُسَيْلِمَةُ، قُلْتُ: لأَخْرُجَنَّ إِلَيْهِ، لَعَلِّي أَقْتُلُهُ، فَأُكَافِيَ بِهِ حَمْزَةَ.
فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِم مَا كَانَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي ثُلْمَةِ جِدَارٍ، كَأَنَّهُ جَمَلٌ أَوْرَقُ، ثَائِرٌ رَأْسُهُ، فَأَرْمِيْهِ بِحَرْبَتِي، فَأَضَعَهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ، وَوَثَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى هَامَتِهِ.
قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ: فَسَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُوْلُ:
قَالَتْ جَارِيَةٌ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ: أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ قَتَلَهُ العَبْدُ الأَسْوَدُ.
قَالَ مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ: ثُمَّ انْتَشَرَ المُسْلِمُوْنَ يَبْتَغُوْنَ قَتْلاَهُمْ، فَلَمْ يَجِدُوا قَتِيْلاً إِلاَّ وَقَدْ مَثَّلُوا بِهِ، إِلاَّ حَنْظَلَةَ بنَ أَبِي عَامِرٍ، وَكَانَ أَبُوْهُ أَبُو عَامِرٍ مَعَ المُشْرِكِيْنَ، فَتُرِكَ لأَجْلِهِ.
وَزَعَمُوا أَنَّ أَبَاهُ وَقَفَ عَلَيْهِ قَتِيْلاً، فَدَفَعَ صَدْرَهُ بِرِجْلِهِ.
ثُمَّ قَالَ: ديْنَانِ قَدْ أَصَبْتُهُمَا، قَدْ تَقَدَّمْتُ إِلَيْكَ فِي مَصْرَعِكَ هَذَا يَا دنيس، وَلَعَمْرُ اللهِ إِنْ كُنْتَ لَوَاصِلاً لِلرَّحِمِ، بَرّاً بِالوَالِدِ.
وَوَجَدُوا حَمْزَةَ قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ، وَاحْتَمَلَ وَحْشِيٌّ كَبِدَهُ إِلَى هِنْدٍ فِي نَذْرٍ نَذَرَتْهُ حِيْنَ قُتِلَ أَبَاهَا يَوْمَ بَدْرٍ، فَدُفِنَ فِي نَمِرَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ، إِذَا رُفِعَتْ إِلَى رَأْسِهِ بَدَتْ قَدَمَاهُ، فَغَطُّوا قَدَمَيْهِ بِشَيْءٍ مِنَ الشَّجَرِ.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَئِنْ ظَفِرْتُ بِقُرَيْشٍ، لأُمَثِّلَنَّ بِثَلاَثِيْنَ مِنْهُم) .
فَلَمَّا رَأَى أَصْحَابُ رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا بِهِ مِنَ الجَزَعِ، قَالُوا:لَئِنْ ظَفِرْنَا بِهِم، لَنُمَثِّلَنَّ بِهِم مُثْلَةً لَمْ يُمَثِّلْهَا أَحَدٌ مِنَ العَرَبِ بِأَحَدٍ.
فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوْقِبْتُمْ بِهِ} [النَّحْلُ: 126] إِلَى آخِرِ السُّوْرَةِ.
فَعَفَا رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
لَمَّا قُتِلَ حَمْزَةُ، أَقَبْلَتْ صَفِيَّةُ أُخْتُهُ، فَلَقِيَتْ عَلِيّاً وَالزُّبَيْرَ، فَأَرَيَاهَا أَنَّهُمَا لاَ يَدْرِيَانِ.
فَجَاءتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (فَإِنِّي أَخَافُ عَلَى عَقْلِهَا) .
فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهَا، وَدَعَا لَهَا، فَاسْتَرْجَعَتْ، وَبَكَتْ.
ثُمَّ جَاءَ، فَقَامَ عَلَيْهِ، وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ، فَقَالَ: (لَوْلاَ جَزَعُ النِّسَاءِ، لَتَرَكْتُهُ حَتَّى يُحْشَرَ مِنْ حَوَاصِلِ الطَّيْرِ، وَبُطُوْنِ السِّبَاعِ) .
ثُمَّ أَمَرَ بِالقَتْلَى، فَجَعَلَ يُصَلَّي عَلَيْهِم بِسَبْعِ تَكْبِيْرَاتٍ وَيُرْفَعُوْنَ، وَيَتْرُكُ حَمْزَةَ، ثُمَّ يُجَاءُ بِسَبْعَةٍ، فَيُكَبِّرُ عَلَيْهِم سَبْعاً حَتَّى فَرَغَ مِنْهُم.
يَزِيْدُ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَقَوْلُ جَابِرٍ: لَمْ يُصِلِّ عَلَيْهِم أَصَحُّ.وَفِي (الصَّحِيْحَيْنِ) مِنْ حَدِيْثِ عُقْبَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَى المَيِّتِ.
فَهَذَا كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَيَّامٍ.
وَيُرْوَى مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-: (لَئِنْ ظَفِرْتُ بِقُرَيْشٍ لأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِيْنَ مِنْهُم) .فَنَزَلَتْ: {وَإِنْ عَاقَبْتُم ... } ، الآيَةُ.
عَبْدَانُ: أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ عُبَيْدٍ الكِنْدِيُّ، حَدَّثَنِي رَبِيْعُ بنُ أَنَسٍ، حَدَّثَنِي أَبُو العَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ:
أَنَّهُ أُصِيْبَ مِنَ الأَنْصَارِ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُوْنَ، قَالَ: فَمَثَّلُوا بِقَتْلاَهُم.
فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: لَئِنْ أَصَبْنَا مِنْهُم يَوْماً مِنَ الدَّهْرِ، لَنُرْبِيَنَّ عَلَيْهِم.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ، نَادَى رَجُلٌ لاَ يُعْرَفُ: لاَ قُرَيْشَ بَعْدَ اليَوْمِ! مَرَّتَيْنِ.
فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ ... } ، الآيَة.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كُفُّوا عَنِ القَوْمِ).
يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:جَاءتْ صَفِيَّةُ يَوْمَ أُحُدٍ مَعَهَا ثَوْبَانِ لِحَمْزَةَ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَرِهَ أَنْ تَرَى حَمْزَةَ عَلَى حَالِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا الزُّبَيْرَ يَحْبِسُهَا، وَأَخَذَ الثَّوْبَيْنِ.
وَكَانَ إِلَى جَنْبِ حَمْزَةَ قَتِيْلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَكَرِهُوا أَنْ يَتَخَيَّرُوا لِحَمْزَةَ.
فَقَالَ: (أَسْهِمُوا بَيْنَهُمَا، فَأَيُّهُمَا طَارَ لَهُ أَجْوَدُ الثَّوْبَيْنِ، فَهُوَ لَهُ) .
فَأَسْهَمُوا بَيْنَهُمَا، فَكُفِّنَ حَمْزَةُ فِي ثَوْبٍ، وَالأَنْصَارِيُّ فِي ثَوْبٍ.
ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَمَّا أُصِيْبَ إِخْوَانُكُم بِأُحُدٍ، جَعَلَ اللهُ أَرْوَاحَهُم فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ، تَرِدُ أَنْهَارَ الجَنَّةِ، وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيْلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ العَرْشِ.
فَلَمَّا وَجَدُوا طِيْبَ مَأْكَلِهِم وَمَشْرَبِهِم وَمَقِيْلِهِم، قَالُوا:
مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوَانَنَا عَنَّا أَنَّنَا أَحْيَاءٌ فِي الجَنَّةِ نُرْزَقُ، لِئَلاَّ يَنْكلُوا عِنْدَ الحَرْبِ، وَلاَ يَزْهَدُوا فِي الجِهَادِ؟
قَالَ اللهُ: أَنَا أُبَلِّغُهُم عَنْكُم) .
فَأُنْزِلَتْ: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِيْنَ قُتِلُوا فِي سَبِيْلِ اللهِ أَمْوَاتاً} [آلُ عِمْرَانَ : 169] .ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بنُ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيْهِ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابُ أُحُدٍ: (أَمَا وَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي غُوْدِرْتُ مَعَ أَصْحَابِ فَحْصِ الجَبَلِ ) .
يَقُوْلُ: قُتِلْتُ مَعَهُم.
وَجَاءَ بِإِسْنَادٍ فِيْهِ ضَعْفٌ، عَنْ جَابِرٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا رَأَى حَمْزَةَ قَتِيْلاً بَكَى، فَلَمَّا رَأَى مَا مُثِّلَ بِهِ شَهِقَ.