الْحَسَن بن هانئ، أَبُو عَلِيّ الحكمي الشاعر المعروف بأبي نواس :
ولد بالأهواز ونشأ بالبصرة، واختلف في طلب الحديث. فسمع من حَمَّاد بن زيد، وعبد الواحد بن زياد، ومعتمر بن سُلَيْمَان، ويحيى بن سعيد الْقَطَّان، وأزهر بن سعد السمان، وقرأ القرآن عَلَى يَعْقُوب الحضرمي واختلف إِلَى أَبِي زيد النحوي فكتب عنه الغريب والألفاظ، وحفظ عَنْ أَبِي عبيدة معمر بن المثنى أيام الناس، ونظر فِي نحو سيبويه، وانتقل إِلَى بغداد فسكنها إِلَى حين وفاته.
وهو: الْحَسَن بن هانئ بن صباح بن عَبْدِ الأول بن الجراح بن هنب بن ددة ابن غنم بن سليم بن حكم بن سعد العشيرة بن مالك بن عمرو بن الغوث بن طي بن أدد بن شبيب بن عمر بْنِ سبيع بن الحارث بن زيد بن عدي بن عوف بن زيد بن هميسع بن عمر بْن يشجب بْن عريب بْن زَيْد بْن كهلان بْن سبإ بْن يشجب بْن يعرب بن قحطان بن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح. ذكر نسبه هكذا عَبْد اللَّهِ بْن أبي سعد الورّاق.
وحدّثني أبو القاسم الأزهرى أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن الحسن حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن السكري حَدَّثَنَا ابن أَبِي سعد بذلك وقيل هو الْحَسَن بن هانئ بن الصباح مولى الجراح بن عَبْد اللَّهِ الحكمي والي خراسان.
حَدَّثَنِي الأزهرى أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بْن عثمان بْن يَحْيَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْكَاتِبُ أخبرنا ميمون بن هارون الكاتب حَدَّثَنِي عُمَر بن شبة أَبُو زيد. قَالَ قَالَ أَبُو عبيدة: كَانَ أَبُو نواس للمحدثين مثل امرئ القيس للمتقدمين.
قَالَ ميمون: وَحَدَّثَنِي الجريري عَنْ إِسْحَاق بن إِسْمَاعِيل. قَالَ قَالَ أَبُو نواس: ما قُلْتُ الشعر حتى رويت لستين امرأة من العرب، منهن الخنساء، وليلى، فما ظنك بالرجال؟! وَقَالَ ميمون: سألت يَعْقُوب بن السكيت عما يختار لِي روايته من أشعار الشعراء فَقَالَ: إذا رويت من الجاهليين لامرئ القيس، والأعشى ومن الإسلاميين لجرير والفرزدق، ومن المحدثين لأبي النواس، فحسبك.
أَخْبَرَنِي الْحُسَيْن بن علي الصيمري حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْد الله مُحَمَّد بْن عمران المرزباني حدّثني الحكيمي حَدَّثَنِي ميمون بن هَارُون الكاتب عَنْ أَبِي عُثْمَان الجاحظ. قَالَ: ما رأيت أحدا كَانَ أعلم باللغة من أَبِي نواس، ولا أفصح لهجة، مع حلاوة ومجانبة للاستكراه.
وأَخْبَرَنِي الصيمري حدّثنا المرزباني أخبرني محمّد بن العبّاس حدّثنا محمّد بن يزيد النّحويّ حَدَّثَنَا الجاحظ قَالَ سمعت النظام يَقُولُ: - وقد أنشد شعرا لأبى نواس في الجبر- هذا الذي جمع لَهُ الكلام فاختار أحسنه.
حدّثني الأزهرى أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن الحسن حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن السكري حدّثنا عبد الله بن أبي سعد حَدَّثَنَا أَبُو ثابت حبيب بن النعمان الحميري قَالَ سمعت كلثوم بن عمرو العتابي يَقُولُ لرجل- وتناظرا فِي شعر أَبِي نواس- فَقَالَ: لو أدرك الخبيث الجاهلية ما فضل عليه أحد.
وَقَالَ ابن أَبِي سعد: حَدَّثَنِي أَحْمَد بن الْعَبَّاس بن الحكم حدّثني محمّد بن يزيد النّحويّ حَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْن يَعْقُوب بْن داود. قَالَ: كنا عند سُفْيَان بن عيينة فجاءه ابن مناذر، فحدث وأنشد، فَقَالَ لَهُ سُفْيَان: يا أبا عَبْد اللَّهِ ظريفكم هذا أشعر الناس!
قَالَ كأنك عنيت أبا نواس؟ قَالَ: نعم، قَالَ: يا أبا مُحَمَّد فيم استشعرته؟ قَالَ فِي هذه القصيدة:
يا قمرا أبصرت فِي مأتم ... يندب شجوا بين أتراب
أبرزه المأتم لِي كارها ... برغم دايات وحجاب
يبكي فيذري الدر من عينه ... ويلطم الورد بعناب
لا زال موتا دأب أحبابه ... ولم تزل رؤيته دابي
أَخْبَرَنَا أَبُو طالب عُمَر بن إِبْرَاهِيم الفقيه أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس الخزاز قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْنُ خَلَفِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ- إِجَازَةً- وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ حُرَيْثٍ الْكَاتِبُ عنه قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ اليمامي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مسعر قَالَ كنا عند سُفْيَان بن عيينة فتذاكروا شعر أَبِي نواس، فقال ابن عيينة أنشدونى شعرا، فأنشدوه:
ما هوى إِلا لَهُ سبب ... يبتدي منه وينشعب
فتنت قلبي محببة ... وجهها بالحسن منتقب
تركت والحسن تأخذه ... تنتقي منه وتنتخب
فاكتست منه طرائقه ... واستزادت بعض ما تهب
فَقَالَ ابن عيينة: آمنت بالذي خلقها.
أَخْبَرَنِي الْحَسَن بن أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوب بن يوسف الأصبهاني حَدَّثَنَا مسبح بن حاتم عَنِ ابن عَائِشَة: قَالَ: كنا عَلَى باب عبد الواحد بن زياد ومعنا أَبُو نواس، فَقَالَ: ليسأل كل واحد منكم ثم قَالَ: سل يا فتى فأنشأ يَقُولُ:
ولقد كنا روينا ... عَنْ سعيد عَنْ قتادة
عَنْ سعيد بن المسي ... ب أن سعد بن عبادة
قَالَ: من مات محبا ... فله أجر الشهادة
فالتفت إليه عبد الواحد بن زياد وَقَالَ: أغرب عني يا خبيث، والله لا حدثتك بشيء وأنا أعرفك.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بن الْحُسَيْن بن الْعَبَّاس النعالي أخبرنا أحمد بن نصر الذارع حدّثنا الحسين بن عليل حدّثنا مسعود بن بشر المازني حَدَّثَنِي رجل عَنْ غندر مُحَمَّد بن جَعْفَر. قَالَ: لقي شُعْبَة أبا نواس فَقَالَ لَهُ: يا حسن حَدِّثْنَا من طرفك فَقَالَ:
حَدَّثَنَا الخفاف عَنْ وائل ... وخالد الحذاء عَنْ جابر
ومسعر عَنْ بعض أصحابه ... يرفعه الشيخ إِلَى عامر
قالوا جميعا أيما طفلة ... علقها ذو خلق طاهر
فواصلته ثم دامت لَهُ ... عَلَى وصال الْحَافِظ الذاكر
كانت لها الجنة مفتوحة ... ترتع فِي مرتعها الزاهر
وأي معشوق جفا عاشقا ... بعد وصال دائم ناضر
ففي عذاب الله بعدا له ... وسحق دائم داحر
فَقَالَ لَهُ شُعْبَة: إنك لجميل الأخلاق، وإني لأرجو لك.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بن أَحْمَدَ بْنِ عمر المقرئ أخبرنا أحمد بن جعفر بن سالم حدّثنا أبو العبّاس بن عمار حدّثني الحسن بن علي بن المديني عَنْ سليم بن مَنْصُور. قَالَ: رأيت أبا نواس في مجلس أبي بكى بكاء شديدا فقلت إني لأرجو ألا يعذبك اللَّه بعد هذا البكاء أبدا، فأنشأ يَقُولُ:
لم أبك فِي مجلس مَنْصُور ... شوقا إِلَى الجنة والحور
ولا من القبر وأهواله ... ولا من النفخة والصور
لكن بكائي لبكا شادن ... تقيه نفسي كل محذور
ثم قَالَ: أما ترى الأمرد الذي عَنْ يمين أبيك؟ إنما بكيت لبكائه!.
أخبرنا القاضي أبو الطّيّب هارون بن عبد الله الطبري حدّثنا المعافى بن زكريّا الجريري حَدَّثَنَا يَعْقُوب بن مُحَمَّدِ بْنِ صالح الكريزي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زكريا بن دينار الغلابي حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَائِشَةَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ. قَالَ: جنى أَبُو نواس بالبصرة جناية فخرج منها، ثم رأيته بعد ذلك فِي مجلس عبد الواحد بن زياد، فَقَالَ أرجو أن يكون صلح، ثم نظرت فإذا إِلَى جنبه غلام وهو يقرص خده! قَالَ فنظر إلي وقد نظرت إليه فانصرفت إلى منزلي وإذا قد سبقت [ببطاقة] وإذا فيها مكتوب:
لولا غزال كغصن بان ... يجري مع الشمس فِي عنان
ما كنت أسعى إِلَى فقيه ... مباعد الدار غير دان
أسمع من لفظه فصولا ... عنها قد أغنيت بالقرآن
أنا بوصفي مقدمات ... من الأباريق والقنان
أحذق مني بأن أنادي ... حَدَّثَنَا ثابت البناني!
أخبرنا الحسن بن أبي بكر أخبرنا أحمد بن يعقوب الأصبهانيّ حدّثنا الضبعي حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حمزة بن زياد الربعي. قَالَ: دخل الْحَسَن بن هانئ- فيما حَدَّثَنِي على أمير المؤمنين [الأمين] فقال: يا حسن بن هانئ! قلت: نعم يا أمير المؤمنين قال: إنك زنديق، فقلت يا أمير المؤمنين وأنا أقول مثل هذا الشعر؟!:
أصلي صلاة الخمس فِي حين وقتها ... وأشهد بالتوحيد لله خاضعا
وأحسن غسلا إن ركبت جنابة ... وإن جاءني المسكين لم أك مانعا
وإني وإن حانت من الكأس دعوة ... إِلَى بيعة الساقي أجبت مسارعا
وأشربها صرفا عَلَى لحم ماعز ... وجدي كثير الشحم أصبح راضعا
بجوذاب جودي وجوز وسكر ... وما زال للمخمور مذ كَانَ نافعا
وأجعل تخليط الروافض كلهم ... لفقحة بختيشوع فِي النار طابعا
فَقَالَ لِي: كيف وقعت عَلَى فقحة بختيشوع ويلك؟! قُلْتُ: بها تمت القافية.
فضحك وأمر لِي بجائزة وانصرفت.
أَخْبَرَنَا علي بن أبي علي البصريّ حدّثنا محمّد بن العبّاس الخزاز حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن الْقَاسِم الأنباري حَدَّثَنَا أَبُو عُمَر أَحْمَد بن مُحَمَّد السوسنجردي العسكري حَدَّثَنَا ابْن أَبِي الذيال المحدث- بسر من رأى- قَالَ: حضرت وليمة حضرها الجاحظ، فسمعته يَقُولُ: حضرت وليمة حضرها أَبُو نواس وعبد الصمد بن الْمُعَدَّل، فسمعت عبد الصمد يَقُولُ لأبي نواس: لقد أبدعت فِي قولك:
جريت مع الصبا طلق الجموح ... وهان عَلي مأثور القبيح
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الأنباري؛ أنشدني- أى- لأبي نواس:
جريت مع الصبا طلق الجموح ... وهان علي مأثور القبيح
رأيت ألذ عافية الليالي ... قران العود بالنغم الفصيح
ومسمعة إذا ما شئت غنت ... متى كَانَ الخيام بذي طلوح
تزود من شباب ليس يبقى ... وصل بعرى الغبوق عرى الصبوح
وخذها من مشعشعة كميت ... تنزل درة الرجل الصبوح
ألم ترني أبحت اللهو عيني ... وعض مراشف الظبي المليح
وأيقن رائدي أن سوف تنأى ... مسافة بين جسمانى وروحي
أَخْبَرَنِي أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد الوكيل. أخبرنا عبيد الله بن عثمان الدّقّاق حدّثنا محمّد بن أحمد الحكيمي حدّثنا ميمون بن هارون الكاتب حدّثنا الحسن بن أَبِي المنذر. قَالَ: كَانَ أَبُو نواس يشرب عند عبيد بن المنذر، فبات ليلة، ثم قَالَ لا بد لِي من عمى فقوموا بنا فأتيناها. ودخلنا حانة خمار قد كَانَ يعرفه، ومعه غلام قد كَانَ أفسده عَلَى أبويه وغيبه عنهما زمانا، ونحن فِي أطيب موضع، فذكرنا الجنة وطيبها، والمعاصي وما يحول عنه منها، وهو ساكت فَقَالَ:
يا ناظرا فِي الدين ما الأمر ... لا قدر صح ولا جبر
ما صح عندي من جميع الذي ... تذكره إِلا الموت والقبر
فامتعضنا من قوله، وأطلنا توبيخه، وأعلمناه أنا نتخوف صحبته، فَقَالَ: ويلكم والله إنى لأعلم بما تقولون، ولكن المجون يفرط عَلِيّ، وأرجو أن أتوب ويرحمني اللَّه، ثم قَالَ:
أية نار قدح القادح ... وأي جد بلغ المازح
لله در الشيب من واعظ ... وناصح لو حذر الناصح
يأبى الفتى إِلا اتباع الهوى ... ومنهج الحق لَهُ واضح
فاعمد بعينيك إِلَى نسوة ... مهورهن العمل الصالح
لا يجتلي العذراء من خدرها ... إِلا امرؤ ميزانه راجح
من اتقى اللَّه فذاك الذي ... سيق عليه المتجر الرابح
فاغد فما فِي الدين أغلوطة ... ورح بما أنت لَهُ رائح
ثم قَالَ: هذا عمل الشيطان ألقى أكثر هذا الكلام ليفسد نومكم، فلم نزل فِي أطيب موضع، فلما أردنا الانصراف. قَالَ: أمهلوا ثم أنشدنا:
يا رب مجلس فتيان لهوت به ... والليل مستحلس فِي ثوب ظلماء
نسف صافية من صدر خابية ... تعشى عيون نداماها بلألاء
قَالَ ميمون بن هَارُون قال لي إبراهيم بن المنذر قَالَ الجاحظ: لا أعرف من كلام الشعر كلاما هو أوقع ولا أحسن من كلام أَبِي نواس. أية نار قدح القادح. وأنشد هذا الشعر.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بن مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله المعدّل أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقّاق حدّثنا
محمّد بن أحمد البراء قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بْنِ سليمان- صاحب البصريّ حَدَّثَنِي أَبُو عُمَر السلمي. قَالَ: مررت بأبي نواس فَقَالَ لِي تعال اكتب فقلت أنشدك اللَّه أن تسمعني اليوم مكروها. فَقَالَ أنا أعرف طريقتك اكتب فكتبت:
ألا رب وجه فِي التراب عتيق ... ألا رب رأس فِي التراب زنيق
أرى كل حي هالكا وابن هالك ... وذا حسب فِي الهالكين عريق
فقل لمقيم الدار إنك ظاعن ... إِلَى سفر نائي المحل سحيق
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... لَهُ عَنْ عدو فِي ثياب صديق
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بن الحسين النّعاليّ أخبرنا أحمد بن نصر الذارع حدّثنا منصور بن اليمان الضّرير حدّثنا أبو سفيان قَالَ حَدَّثَنِي خالي مسلمة بن مهدي قَالَ لقيت أبا العتاهية. فقلت: من أشعر الناس؟ فقال: جاهليا، أم إسلاميا، أم مولدا؟ فقلت كل.
قَالَ الذي يَقُولُ فِي المديح:
إذا نحن أثنينا عليك بصالح ... فأنت كما نثني وفوق الذي نثني
وإن جرت الألفاظ منا بمدحه ... لغيرك إنسانا فأنت الذي نعني
والذي يَقُولُ فِي الزهد:
وما الناس إِلا هالك وابن هالك ... وذو نسب فِي الهالكين عريق
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... لَهُ عَنْ عدو فِي ثياب صديق
قَالَ مسلمة: ولقيت العتابي فسألته عَنْ ذلك فرد عَلِيّ مثل ذلك.
أَخْبَرَنِي أبو العبّاس بن مكرم بْن عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نصر بن أحمد ابن مكرم البزّاز أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد الْحَسَن بن الْحُسَيْن بن إسماعيل النوبختي حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سام الضبعي النّحويّ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بشار الأنباري قَالَ حَدَّثَنَا مسعود بن بشر. قَالَ لقيت ابن مناذر بمكة وكان عالما بالشعر زاهدا فِي الدنيا قد أقام بمكة، فقلت لَهُ: من أشعر الناس؟ فَقَالَ: من إذا شبب لعب، وإذا أخذ فيما قصد جد. قلت: مثل من؟ قال جرير إذ يقول:
إن الذين عدوا بلبك غادروا ... وشلا بعينك لا يزال معينا
غيضن من عبراتهن وقلن لِي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا
ثم قَالَ حين جد:
إن الذي حرم الخلافة تغلبا ... جعل الخلافة والنبوة فينا
مضر أَبِي وأبو الملوك فهل لكم ... يا جرو تغلب من أب كأبينا
هذا ابن عمي فِي دمشق خليفة ... لو شئت ساقكم إلي قطينا
ومن هؤلاء المحدثين هذا الحبيب الذي يتناول الشعر من كمه- يعني أبا العتاهية، إذ يَقُولُ:
اللَّه بيني وبين مولاتي ... أبدت لِي الصد والملالات
منحتها مهجتي وخالصتي ... وكان هجرانها مكافاتي
لا تغفر الذنب إن أسأت ولا ... تقبل عذري ولا ملاماتي
أقلقني حبها وصيرني ... أحدوثة فِي جميع جاراتي
ثم قَالَ حين جد:
ومهمه قد قطعت طامسه ... قفر عَلَى الهول والمخافات
بحرة جسرة عذافرة ... حوصاء عيرانة علنداة
تبادر الشمس كلما طلعت ... بالسير تبغي بذاك مرضاتي
يا ناق حثي بنا ولا تعدي ... نفسك مما ترين راحات
حتى تنيخي بنا إِلَى ملك ... توجه اللَّه بالمهابات
عليه تاجان فوق مفرقه ... تاج جلال وتاج إخبات
يقول للويح كلما نسمت ... هل لك يا ريح فِي مباراتي
من مثل عمه الرسول ومن ... خاله أكرم الخؤولات؟
فقلت لابن مناذر: أنا أنشدك أحسن مما أنشدتني، فَقَالَ هات. فأنشدته:
ذكرتم من الترحال أمرا فغمنا ... فلو قد فعلتم صبح الموت بعضنا
زعمتم بأن البين يحزنكم، نعم ... سيحزنكم عندي ولا مثل حزننا
تعالوا نقارعكم لنعلم أينا ... أمض قلوبا أم من أسخن أعينا
أطال قصير الليل يا رحم عندكم ... فإن قصير الليل قد طال عندنا
وما يعرف الليل الطويل وهمه ... من الناس إِلا من يحكم أو أنا
خليون من أوجاعنا يعذلوننا ... يقولون لم تهوون؟ قلنا بذنبنا
فلو شاء ربي لابتلاهم بمثل ما اب ... تلانا فكانوا لا علينا ولا لنا
يقومون في الأقوام يحكون فعلنا ... صفاقة أبشار وسخرية بنا
سأشكو إِلَى الفضل بن يَحْيَى بن خالد ... هواكم لعل الفضل يجمع بيننا
أمير رأيت المال فِي نعماته ... مهانا مذل النفس بالضيم قد فنى
وللفضل أجرأ مقدما من ضيارم ... إذا لبس الدرع الحصينة واكتنى
إليك أبا الْعَبَّاس من بين من مشى ... عليها امتطينا الحضرمي الملسنا
قلائص لم تحمل حنينا عَلَى طلى ... ولم تدر ما قرع الفنيق ولا ألهنا
فَقَالَ: أحسن والله صاحبك فِي التشبيب، وأغرب علينا فِي صفة النعال، وتصييره إياها مطايا، من هذا؟ قُلْتُ: أَبُو نواس. قَالَ، لعن اللَّه أبا نواس. وندم عَلَى ما مدح من شعره.
أَخْبَرَنِي الْحَسَن بن مُحَمَّد الخلال حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّد بْنِ عِمْرَانَ الْكَاتِبُ حدّثنا صالح بن محمّد عن أخيه صدقة بن مُحَمَّدِ بْنِ صالح قَالَ: اجتمع عند المأمون ذات يوم عدة من الشعراء فَقَالَ: أيكم القائل؟
فلما تحساها وقفنا كأننا ... نرى قمرا في الأرض يبلغ كوكبا
قالوا: أَبُو نواس. قَالَ: فالقائل؟
إذا نزلت دون اللهاة من الفتى ... دعا همه عَنْ صدره برحيل
قالوا: أَبُو نواس. قَالَ: فالقائل؟:
فتمشت فِي مفاصلهم ... كتمشي البرء فِي السقم
قالوا: أَبُو نواس. قَالَ: هو أشعركم إذا.
أخبرنا هبة الله الحسن بن منصور الطبري أخبرنا أحمد بن محمّد بن عمران حدّثنا الحسين بن إسماعيل المحامليّ حدّثنا علي بن الأعرابى قال قال لنا أَبُو العتاهية: لقيت أبا نواس فِي مسجد الجامع فعذلته، وقلت لَهُ: أما آن لك أن ترعوي؟ أما آن لك أن تزجر؟ فرفع رأسه إلي وهو يَقُولُ:
أتراني يا عتاهى ... تاركا تلك الملاهي؟
أتراني مفسدا بالن ... سك بين الناس جاهي؟
قَالَ: فلما ألححت عليه بالعذل أنشأ يَقُولُ:
لن ترجع الأنفس عَنْ غيها ... ما لم يكن منها لها زاجر
قَالَ: فوددت أني قُلْتُ هذا البيت بكل شيء قلته.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَر بن روح النهرواني حدّثنا المعافى بن زكريّا الجريري حدّثنا محمّد بن القاسم الأنباري حدّثنا أبي حدّثنا الحسن بن عبد الرّحمن الربعي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاق عَنْ أَحْمَد بن مطهر الكوفي. قَالَ: قَالَ أَبُو العتاهية: قد قلت عشرين ألف بيت في الزهد، ووددت أن لِي مكانها الأبيات الثلاثة التي قالها أبو نواس:
يا نواسي توقر ... وتعزى وتصبر
إن يكن ساءك دهر ... إن ما سرك أكثر
يا كبير الذنب عف ... والله من ذنبك أكبر
قَالَ الْحَسَن بن عَبْد الرَّحْمَنِ قَالَ أَبُو مسلم: كانت هذه الأبيات مكتوبة على قبر أبي نواس، فزادني- أى فيها- بغير هذا الإسناد:
أعظم الأشياء فِي ... أصغر عفو اللَّه يصغر
ليس للإنسان إِلا ... ما قضى الله وقدر
ليس للمخلوق تد ... بير بل اللَّه المدبر
أَخْبَرَنِي أَحْمَد بن عبد الواحد الوكيل أخبرنا عبيد الله بن عثمان حدّثنا يَعْقُوب بن زيد الفارسي. قَالَ: رأيت أبا نواس بالبصرة فقلت: أنشدني فِي الشيب شيئا يزجرني، فأنشدني:
انقضت شرتي فعفت الملاهي ... إذ رمى الشيب مفرقي بالدواهي
ونهتنى النهى فملت إلى العذ ... ل وأشفقت من مقالة ناهى
أيها الغافل المقيم على الل ... هو ولا عذر في المعاد لساهى
لا بأعمالنا نطيق خلاصا ... يوم تبدو السمات فوق الجباه
غير أنا على الإساءة والتف ... ريط نرجو لحسن عفو الإله
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو زُرْعَةَ رَوْحُ بْنُ مُحَمَّدِ بن أحمد الرازي أخبرنا أبو الهيثم أحمد ابن عمر بن محمّد بن شبرمة المروزيّ حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا محمّد بن هشام الرازي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَلَمَة الأنصاري قال حدّثنا الرّبيع ابن سُلَيْمَان قَالَ سمعت الشَّافِعِيّ يَقُولُ: دخلنا عَلَى أَبِي نواس وهو يجود بنفسه فقلنا:
ما أعددت لهذا اليوم؟ فَقَالَ:
تعاظمني ذنبي، فلما قرنته ... بعفوك ربي كَانَ عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عَنِ الذنب لم تزل ... تجود وتعفو منة وتكرما
ولولاك لم يغوى بإبليس عابد ... وكيف وقد أغوى صفيك آدما
أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ المعدل أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق أخبرنا محمد بن أحمد بن البراء حَدَّثَنَا عَلِيّ بن مُحَمَّدِ بْنِ زكريا قَالَ: دخلت عَلَى أَبِي نواس وهو يكيد بنفسه، قال: فقال: تكتب؟ قُلْتُ: نعم. فأنشأ يَقُولُ:
دب
في الفناء علوا وسفلا ... وأراني أموت عضوا فعضوا
ذهبت شرتي بحدة نفسي ... فتذكرت طاعة اللَّه نضوا
ليس من ساعة مضت بي إِلا ... نقصتني بمرها بي حذوا
لهف نفسي على ليال وأيا ... م سلبتهن لعبا ولهوا
وأسأنا كل الإساءة يا ر ... ب فصفحا عنا إلهي وعفوا
حَدَّثَنِي عُبَيْد اللَّهِ بن أبي الفتح أخبرنا أحمد بن إبراهيم حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن السكري حدّثنا عبد الله بن أبي سعد حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل ابن أخي أَبِي نواس حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَر الصائغ الآدمي. قَالَ: لما حضر أبا نواس الموت قال:
اكتبوا هذه الأبيات عَلَى قبري:
وعظتك أجداث صمت ... ونعتك أزمنة خفت
وتكلمت عَنْ أوجه ... تبلى وعن صور سبت
وأرتك قبرك في القبو ... ر وأنت حي لم تمت
قال أبو سعيد: مات أَبُو نواس فِي سنة ثمان وتسعين- يعني ومائة.
أَخْبَرَنِي أَحْمَد بن عبد الواحد أخبرنا عبيد الله بن عثمان حدّثني الحكيمي أَخْبَرَنَا ميمون بن هَارُون بن مخلد بن أبان الكاتب. قَالَ: قَالَ مُحَمَّد بن حفص الفأفاء- مولى جَعْفَر بن سُلَيْمَان- وقطن بن كبير النهشلي، وأبو يعقوب العنبري، ومحمّد بن الحسن الأنصاري- سلف أَبِي نواس- ولد- يعنون أبا نواس- فِي سنة خمس وأربعين ومائة، ومات سنة ست وتسعين ومائة.
وَقَالَ أَبُو هفان: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن حرب بن خلف بن مهزوم- وهو عم أبي هفان- وأخبرنا سليمان سخطة والبربري والجماز البصريون ويوسف بن الداية وعلي بن أبي حاضنة وأبو دعامة البغداديون: أن أبا نواس ولد بالأهواز بالقرب من الجبل المقطوع سنة ست وثلاثين ومائة، ومات ببغداد فِي سنة خمس وتسعين ومائة وكان عمره تسعا وخمسين سنة، ودفن في مقابر الشونيزية فِي تل اليهود.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ بن المعدّل أخبرنا عثمان بن أحمد حدّثنا محمّد بن أحمد ابن البراء حدّثنا عمر بن مدرك حَدَّثَنِي أَحْمَد بن يَحْيَى عَنْ مُحَمَّد بن نافع. قَالَ:
كَانَ أَبُو نواس لِي صديقا، فوقعت بيني وبينه هجرة فِي آخر عمره، ثم بلغني وفاته فضاعفت عَلِيّ الحزن، فبينا أنا بين النائم واليقظان، إذا أنا به فقلت: يا أبا نواس!؟
قَالَ: لات حين كنية، قُلْتُ: الْحَسَن بن هانئ؟ قَالَ نعم! قُلْتُ ما فعل اللَّه بك؟ قَالَ غفر لِي بأبيات قلتها هي تحت ثني الوسادة. فأتيت أهله فلما أحسوا بي أجهشوا بالبكاء فقلت لهم هل قَالَ أخي شعرا قبل موته؟ قالوا لا نعلم إلا أنه دعا بدواة وقرطاس وكتب شيئا لا ندري ما هو. فقلت أتأذنون لي فأدخل؟ قَالَ فدخلت إِلَى مرقده فإذا ثيابه لم تحرك بعد، فرفعت وسادة فلم أر شيئا. فرفعت أخرى فإذا برقعة فيها مكتوب:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة ... فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كَانَ لا يرجوك إِلا محسن ... فمن الذي يدعو ويرجو المجرم؟
أدعوك رب كما أمرت تضرعا ... فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم؟
ما لي إليك وسيلة إِلا الرجا ... وجميل عفوك، ثم إني مسلم
ولد بالأهواز ونشأ بالبصرة، واختلف في طلب الحديث. فسمع من حَمَّاد بن زيد، وعبد الواحد بن زياد، ومعتمر بن سُلَيْمَان، ويحيى بن سعيد الْقَطَّان، وأزهر بن سعد السمان، وقرأ القرآن عَلَى يَعْقُوب الحضرمي واختلف إِلَى أَبِي زيد النحوي فكتب عنه الغريب والألفاظ، وحفظ عَنْ أَبِي عبيدة معمر بن المثنى أيام الناس، ونظر فِي نحو سيبويه، وانتقل إِلَى بغداد فسكنها إِلَى حين وفاته.
وهو: الْحَسَن بن هانئ بن صباح بن عَبْدِ الأول بن الجراح بن هنب بن ددة ابن غنم بن سليم بن حكم بن سعد العشيرة بن مالك بن عمرو بن الغوث بن طي بن أدد بن شبيب بن عمر بْنِ سبيع بن الحارث بن زيد بن عدي بن عوف بن زيد بن هميسع بن عمر بْن يشجب بْن عريب بْن زَيْد بْن كهلان بْن سبإ بْن يشجب بْن يعرب بن قحطان بن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح. ذكر نسبه هكذا عَبْد اللَّهِ بْن أبي سعد الورّاق.
وحدّثني أبو القاسم الأزهرى أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن الحسن حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن السكري حَدَّثَنَا ابن أَبِي سعد بذلك وقيل هو الْحَسَن بن هانئ بن الصباح مولى الجراح بن عَبْد اللَّهِ الحكمي والي خراسان.
حَدَّثَنِي الأزهرى أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بْن عثمان بْن يَحْيَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْكَاتِبُ أخبرنا ميمون بن هارون الكاتب حَدَّثَنِي عُمَر بن شبة أَبُو زيد. قَالَ قَالَ أَبُو عبيدة: كَانَ أَبُو نواس للمحدثين مثل امرئ القيس للمتقدمين.
قَالَ ميمون: وَحَدَّثَنِي الجريري عَنْ إِسْحَاق بن إِسْمَاعِيل. قَالَ قَالَ أَبُو نواس: ما قُلْتُ الشعر حتى رويت لستين امرأة من العرب، منهن الخنساء، وليلى، فما ظنك بالرجال؟! وَقَالَ ميمون: سألت يَعْقُوب بن السكيت عما يختار لِي روايته من أشعار الشعراء فَقَالَ: إذا رويت من الجاهليين لامرئ القيس، والأعشى ومن الإسلاميين لجرير والفرزدق، ومن المحدثين لأبي النواس، فحسبك.
أَخْبَرَنِي الْحُسَيْن بن علي الصيمري حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْد الله مُحَمَّد بْن عمران المرزباني حدّثني الحكيمي حَدَّثَنِي ميمون بن هَارُون الكاتب عَنْ أَبِي عُثْمَان الجاحظ. قَالَ: ما رأيت أحدا كَانَ أعلم باللغة من أَبِي نواس، ولا أفصح لهجة، مع حلاوة ومجانبة للاستكراه.
وأَخْبَرَنِي الصيمري حدّثنا المرزباني أخبرني محمّد بن العبّاس حدّثنا محمّد بن يزيد النّحويّ حَدَّثَنَا الجاحظ قَالَ سمعت النظام يَقُولُ: - وقد أنشد شعرا لأبى نواس في الجبر- هذا الذي جمع لَهُ الكلام فاختار أحسنه.
حدّثني الأزهرى أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن الحسن حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن السكري حدّثنا عبد الله بن أبي سعد حَدَّثَنَا أَبُو ثابت حبيب بن النعمان الحميري قَالَ سمعت كلثوم بن عمرو العتابي يَقُولُ لرجل- وتناظرا فِي شعر أَبِي نواس- فَقَالَ: لو أدرك الخبيث الجاهلية ما فضل عليه أحد.
وَقَالَ ابن أَبِي سعد: حَدَّثَنِي أَحْمَد بن الْعَبَّاس بن الحكم حدّثني محمّد بن يزيد النّحويّ حَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْن يَعْقُوب بْن داود. قَالَ: كنا عند سُفْيَان بن عيينة فجاءه ابن مناذر، فحدث وأنشد، فَقَالَ لَهُ سُفْيَان: يا أبا عَبْد اللَّهِ ظريفكم هذا أشعر الناس!
قَالَ كأنك عنيت أبا نواس؟ قَالَ: نعم، قَالَ: يا أبا مُحَمَّد فيم استشعرته؟ قَالَ فِي هذه القصيدة:
يا قمرا أبصرت فِي مأتم ... يندب شجوا بين أتراب
أبرزه المأتم لِي كارها ... برغم دايات وحجاب
يبكي فيذري الدر من عينه ... ويلطم الورد بعناب
لا زال موتا دأب أحبابه ... ولم تزل رؤيته دابي
أَخْبَرَنَا أَبُو طالب عُمَر بن إِبْرَاهِيم الفقيه أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس الخزاز قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْنُ خَلَفِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ- إِجَازَةً- وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ حُرَيْثٍ الْكَاتِبُ عنه قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ اليمامي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مسعر قَالَ كنا عند سُفْيَان بن عيينة فتذاكروا شعر أَبِي نواس، فقال ابن عيينة أنشدونى شعرا، فأنشدوه:
ما هوى إِلا لَهُ سبب ... يبتدي منه وينشعب
فتنت قلبي محببة ... وجهها بالحسن منتقب
تركت والحسن تأخذه ... تنتقي منه وتنتخب
فاكتست منه طرائقه ... واستزادت بعض ما تهب
فَقَالَ ابن عيينة: آمنت بالذي خلقها.
أَخْبَرَنِي الْحَسَن بن أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوب بن يوسف الأصبهاني حَدَّثَنَا مسبح بن حاتم عَنِ ابن عَائِشَة: قَالَ: كنا عَلَى باب عبد الواحد بن زياد ومعنا أَبُو نواس، فَقَالَ: ليسأل كل واحد منكم ثم قَالَ: سل يا فتى فأنشأ يَقُولُ:
ولقد كنا روينا ... عَنْ سعيد عَنْ قتادة
عَنْ سعيد بن المسي ... ب أن سعد بن عبادة
قَالَ: من مات محبا ... فله أجر الشهادة
فالتفت إليه عبد الواحد بن زياد وَقَالَ: أغرب عني يا خبيث، والله لا حدثتك بشيء وأنا أعرفك.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بن الْحُسَيْن بن الْعَبَّاس النعالي أخبرنا أحمد بن نصر الذارع حدّثنا الحسين بن عليل حدّثنا مسعود بن بشر المازني حَدَّثَنِي رجل عَنْ غندر مُحَمَّد بن جَعْفَر. قَالَ: لقي شُعْبَة أبا نواس فَقَالَ لَهُ: يا حسن حَدِّثْنَا من طرفك فَقَالَ:
حَدَّثَنَا الخفاف عَنْ وائل ... وخالد الحذاء عَنْ جابر
ومسعر عَنْ بعض أصحابه ... يرفعه الشيخ إِلَى عامر
قالوا جميعا أيما طفلة ... علقها ذو خلق طاهر
فواصلته ثم دامت لَهُ ... عَلَى وصال الْحَافِظ الذاكر
كانت لها الجنة مفتوحة ... ترتع فِي مرتعها الزاهر
وأي معشوق جفا عاشقا ... بعد وصال دائم ناضر
ففي عذاب الله بعدا له ... وسحق دائم داحر
فَقَالَ لَهُ شُعْبَة: إنك لجميل الأخلاق، وإني لأرجو لك.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بن أَحْمَدَ بْنِ عمر المقرئ أخبرنا أحمد بن جعفر بن سالم حدّثنا أبو العبّاس بن عمار حدّثني الحسن بن علي بن المديني عَنْ سليم بن مَنْصُور. قَالَ: رأيت أبا نواس في مجلس أبي بكى بكاء شديدا فقلت إني لأرجو ألا يعذبك اللَّه بعد هذا البكاء أبدا، فأنشأ يَقُولُ:
لم أبك فِي مجلس مَنْصُور ... شوقا إِلَى الجنة والحور
ولا من القبر وأهواله ... ولا من النفخة والصور
لكن بكائي لبكا شادن ... تقيه نفسي كل محذور
ثم قَالَ: أما ترى الأمرد الذي عَنْ يمين أبيك؟ إنما بكيت لبكائه!.
أخبرنا القاضي أبو الطّيّب هارون بن عبد الله الطبري حدّثنا المعافى بن زكريّا الجريري حَدَّثَنَا يَعْقُوب بن مُحَمَّدِ بْنِ صالح الكريزي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زكريا بن دينار الغلابي حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَائِشَةَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ. قَالَ: جنى أَبُو نواس بالبصرة جناية فخرج منها، ثم رأيته بعد ذلك فِي مجلس عبد الواحد بن زياد، فَقَالَ أرجو أن يكون صلح، ثم نظرت فإذا إِلَى جنبه غلام وهو يقرص خده! قَالَ فنظر إلي وقد نظرت إليه فانصرفت إلى منزلي وإذا قد سبقت [ببطاقة] وإذا فيها مكتوب:
لولا غزال كغصن بان ... يجري مع الشمس فِي عنان
ما كنت أسعى إِلَى فقيه ... مباعد الدار غير دان
أسمع من لفظه فصولا ... عنها قد أغنيت بالقرآن
أنا بوصفي مقدمات ... من الأباريق والقنان
أحذق مني بأن أنادي ... حَدَّثَنَا ثابت البناني!
أخبرنا الحسن بن أبي بكر أخبرنا أحمد بن يعقوب الأصبهانيّ حدّثنا الضبعي حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حمزة بن زياد الربعي. قَالَ: دخل الْحَسَن بن هانئ- فيما حَدَّثَنِي على أمير المؤمنين [الأمين] فقال: يا حسن بن هانئ! قلت: نعم يا أمير المؤمنين قال: إنك زنديق، فقلت يا أمير المؤمنين وأنا أقول مثل هذا الشعر؟!:
أصلي صلاة الخمس فِي حين وقتها ... وأشهد بالتوحيد لله خاضعا
وأحسن غسلا إن ركبت جنابة ... وإن جاءني المسكين لم أك مانعا
وإني وإن حانت من الكأس دعوة ... إِلَى بيعة الساقي أجبت مسارعا
وأشربها صرفا عَلَى لحم ماعز ... وجدي كثير الشحم أصبح راضعا
بجوذاب جودي وجوز وسكر ... وما زال للمخمور مذ كَانَ نافعا
وأجعل تخليط الروافض كلهم ... لفقحة بختيشوع فِي النار طابعا
فَقَالَ لِي: كيف وقعت عَلَى فقحة بختيشوع ويلك؟! قُلْتُ: بها تمت القافية.
فضحك وأمر لِي بجائزة وانصرفت.
أَخْبَرَنَا علي بن أبي علي البصريّ حدّثنا محمّد بن العبّاس الخزاز حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن الْقَاسِم الأنباري حَدَّثَنَا أَبُو عُمَر أَحْمَد بن مُحَمَّد السوسنجردي العسكري حَدَّثَنَا ابْن أَبِي الذيال المحدث- بسر من رأى- قَالَ: حضرت وليمة حضرها الجاحظ، فسمعته يَقُولُ: حضرت وليمة حضرها أَبُو نواس وعبد الصمد بن الْمُعَدَّل، فسمعت عبد الصمد يَقُولُ لأبي نواس: لقد أبدعت فِي قولك:
جريت مع الصبا طلق الجموح ... وهان عَلي مأثور القبيح
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الأنباري؛ أنشدني- أى- لأبي نواس:
جريت مع الصبا طلق الجموح ... وهان علي مأثور القبيح
رأيت ألذ عافية الليالي ... قران العود بالنغم الفصيح
ومسمعة إذا ما شئت غنت ... متى كَانَ الخيام بذي طلوح
تزود من شباب ليس يبقى ... وصل بعرى الغبوق عرى الصبوح
وخذها من مشعشعة كميت ... تنزل درة الرجل الصبوح
ألم ترني أبحت اللهو عيني ... وعض مراشف الظبي المليح
وأيقن رائدي أن سوف تنأى ... مسافة بين جسمانى وروحي
أَخْبَرَنِي أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد الوكيل. أخبرنا عبيد الله بن عثمان الدّقّاق حدّثنا محمّد بن أحمد الحكيمي حدّثنا ميمون بن هارون الكاتب حدّثنا الحسن بن أَبِي المنذر. قَالَ: كَانَ أَبُو نواس يشرب عند عبيد بن المنذر، فبات ليلة، ثم قَالَ لا بد لِي من عمى فقوموا بنا فأتيناها. ودخلنا حانة خمار قد كَانَ يعرفه، ومعه غلام قد كَانَ أفسده عَلَى أبويه وغيبه عنهما زمانا، ونحن فِي أطيب موضع، فذكرنا الجنة وطيبها، والمعاصي وما يحول عنه منها، وهو ساكت فَقَالَ:
يا ناظرا فِي الدين ما الأمر ... لا قدر صح ولا جبر
ما صح عندي من جميع الذي ... تذكره إِلا الموت والقبر
فامتعضنا من قوله، وأطلنا توبيخه، وأعلمناه أنا نتخوف صحبته، فَقَالَ: ويلكم والله إنى لأعلم بما تقولون، ولكن المجون يفرط عَلِيّ، وأرجو أن أتوب ويرحمني اللَّه، ثم قَالَ:
أية نار قدح القادح ... وأي جد بلغ المازح
لله در الشيب من واعظ ... وناصح لو حذر الناصح
يأبى الفتى إِلا اتباع الهوى ... ومنهج الحق لَهُ واضح
فاعمد بعينيك إِلَى نسوة ... مهورهن العمل الصالح
لا يجتلي العذراء من خدرها ... إِلا امرؤ ميزانه راجح
من اتقى اللَّه فذاك الذي ... سيق عليه المتجر الرابح
فاغد فما فِي الدين أغلوطة ... ورح بما أنت لَهُ رائح
ثم قَالَ: هذا عمل الشيطان ألقى أكثر هذا الكلام ليفسد نومكم، فلم نزل فِي أطيب موضع، فلما أردنا الانصراف. قَالَ: أمهلوا ثم أنشدنا:
يا رب مجلس فتيان لهوت به ... والليل مستحلس فِي ثوب ظلماء
نسف صافية من صدر خابية ... تعشى عيون نداماها بلألاء
قَالَ ميمون بن هَارُون قال لي إبراهيم بن المنذر قَالَ الجاحظ: لا أعرف من كلام الشعر كلاما هو أوقع ولا أحسن من كلام أَبِي نواس. أية نار قدح القادح. وأنشد هذا الشعر.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بن مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله المعدّل أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقّاق حدّثنا
محمّد بن أحمد البراء قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بْنِ سليمان- صاحب البصريّ حَدَّثَنِي أَبُو عُمَر السلمي. قَالَ: مررت بأبي نواس فَقَالَ لِي تعال اكتب فقلت أنشدك اللَّه أن تسمعني اليوم مكروها. فَقَالَ أنا أعرف طريقتك اكتب فكتبت:
ألا رب وجه فِي التراب عتيق ... ألا رب رأس فِي التراب زنيق
أرى كل حي هالكا وابن هالك ... وذا حسب فِي الهالكين عريق
فقل لمقيم الدار إنك ظاعن ... إِلَى سفر نائي المحل سحيق
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... لَهُ عَنْ عدو فِي ثياب صديق
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بن الحسين النّعاليّ أخبرنا أحمد بن نصر الذارع حدّثنا منصور بن اليمان الضّرير حدّثنا أبو سفيان قَالَ حَدَّثَنِي خالي مسلمة بن مهدي قَالَ لقيت أبا العتاهية. فقلت: من أشعر الناس؟ فقال: جاهليا، أم إسلاميا، أم مولدا؟ فقلت كل.
قَالَ الذي يَقُولُ فِي المديح:
إذا نحن أثنينا عليك بصالح ... فأنت كما نثني وفوق الذي نثني
وإن جرت الألفاظ منا بمدحه ... لغيرك إنسانا فأنت الذي نعني
والذي يَقُولُ فِي الزهد:
وما الناس إِلا هالك وابن هالك ... وذو نسب فِي الهالكين عريق
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... لَهُ عَنْ عدو فِي ثياب صديق
قَالَ مسلمة: ولقيت العتابي فسألته عَنْ ذلك فرد عَلِيّ مثل ذلك.
أَخْبَرَنِي أبو العبّاس بن مكرم بْن عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نصر بن أحمد ابن مكرم البزّاز أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد الْحَسَن بن الْحُسَيْن بن إسماعيل النوبختي حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سام الضبعي النّحويّ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بشار الأنباري قَالَ حَدَّثَنَا مسعود بن بشر. قَالَ لقيت ابن مناذر بمكة وكان عالما بالشعر زاهدا فِي الدنيا قد أقام بمكة، فقلت لَهُ: من أشعر الناس؟ فَقَالَ: من إذا شبب لعب، وإذا أخذ فيما قصد جد. قلت: مثل من؟ قال جرير إذ يقول:
إن الذين عدوا بلبك غادروا ... وشلا بعينك لا يزال معينا
غيضن من عبراتهن وقلن لِي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا
ثم قَالَ حين جد:
إن الذي حرم الخلافة تغلبا ... جعل الخلافة والنبوة فينا
مضر أَبِي وأبو الملوك فهل لكم ... يا جرو تغلب من أب كأبينا
هذا ابن عمي فِي دمشق خليفة ... لو شئت ساقكم إلي قطينا
ومن هؤلاء المحدثين هذا الحبيب الذي يتناول الشعر من كمه- يعني أبا العتاهية، إذ يَقُولُ:
اللَّه بيني وبين مولاتي ... أبدت لِي الصد والملالات
منحتها مهجتي وخالصتي ... وكان هجرانها مكافاتي
لا تغفر الذنب إن أسأت ولا ... تقبل عذري ولا ملاماتي
أقلقني حبها وصيرني ... أحدوثة فِي جميع جاراتي
ثم قَالَ حين جد:
ومهمه قد قطعت طامسه ... قفر عَلَى الهول والمخافات
بحرة جسرة عذافرة ... حوصاء عيرانة علنداة
تبادر الشمس كلما طلعت ... بالسير تبغي بذاك مرضاتي
يا ناق حثي بنا ولا تعدي ... نفسك مما ترين راحات
حتى تنيخي بنا إِلَى ملك ... توجه اللَّه بالمهابات
عليه تاجان فوق مفرقه ... تاج جلال وتاج إخبات
يقول للويح كلما نسمت ... هل لك يا ريح فِي مباراتي
من مثل عمه الرسول ومن ... خاله أكرم الخؤولات؟
فقلت لابن مناذر: أنا أنشدك أحسن مما أنشدتني، فَقَالَ هات. فأنشدته:
ذكرتم من الترحال أمرا فغمنا ... فلو قد فعلتم صبح الموت بعضنا
زعمتم بأن البين يحزنكم، نعم ... سيحزنكم عندي ولا مثل حزننا
تعالوا نقارعكم لنعلم أينا ... أمض قلوبا أم من أسخن أعينا
أطال قصير الليل يا رحم عندكم ... فإن قصير الليل قد طال عندنا
وما يعرف الليل الطويل وهمه ... من الناس إِلا من يحكم أو أنا
خليون من أوجاعنا يعذلوننا ... يقولون لم تهوون؟ قلنا بذنبنا
فلو شاء ربي لابتلاهم بمثل ما اب ... تلانا فكانوا لا علينا ولا لنا
يقومون في الأقوام يحكون فعلنا ... صفاقة أبشار وسخرية بنا
سأشكو إِلَى الفضل بن يَحْيَى بن خالد ... هواكم لعل الفضل يجمع بيننا
أمير رأيت المال فِي نعماته ... مهانا مذل النفس بالضيم قد فنى
وللفضل أجرأ مقدما من ضيارم ... إذا لبس الدرع الحصينة واكتنى
إليك أبا الْعَبَّاس من بين من مشى ... عليها امتطينا الحضرمي الملسنا
قلائص لم تحمل حنينا عَلَى طلى ... ولم تدر ما قرع الفنيق ولا ألهنا
فَقَالَ: أحسن والله صاحبك فِي التشبيب، وأغرب علينا فِي صفة النعال، وتصييره إياها مطايا، من هذا؟ قُلْتُ: أَبُو نواس. قَالَ، لعن اللَّه أبا نواس. وندم عَلَى ما مدح من شعره.
أَخْبَرَنِي الْحَسَن بن مُحَمَّد الخلال حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّد بْنِ عِمْرَانَ الْكَاتِبُ حدّثنا صالح بن محمّد عن أخيه صدقة بن مُحَمَّدِ بْنِ صالح قَالَ: اجتمع عند المأمون ذات يوم عدة من الشعراء فَقَالَ: أيكم القائل؟
فلما تحساها وقفنا كأننا ... نرى قمرا في الأرض يبلغ كوكبا
قالوا: أَبُو نواس. قَالَ: فالقائل؟
إذا نزلت دون اللهاة من الفتى ... دعا همه عَنْ صدره برحيل
قالوا: أَبُو نواس. قَالَ: فالقائل؟:
فتمشت فِي مفاصلهم ... كتمشي البرء فِي السقم
قالوا: أَبُو نواس. قَالَ: هو أشعركم إذا.
أخبرنا هبة الله الحسن بن منصور الطبري أخبرنا أحمد بن محمّد بن عمران حدّثنا الحسين بن إسماعيل المحامليّ حدّثنا علي بن الأعرابى قال قال لنا أَبُو العتاهية: لقيت أبا نواس فِي مسجد الجامع فعذلته، وقلت لَهُ: أما آن لك أن ترعوي؟ أما آن لك أن تزجر؟ فرفع رأسه إلي وهو يَقُولُ:
أتراني يا عتاهى ... تاركا تلك الملاهي؟
أتراني مفسدا بالن ... سك بين الناس جاهي؟
قَالَ: فلما ألححت عليه بالعذل أنشأ يَقُولُ:
لن ترجع الأنفس عَنْ غيها ... ما لم يكن منها لها زاجر
قَالَ: فوددت أني قُلْتُ هذا البيت بكل شيء قلته.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَر بن روح النهرواني حدّثنا المعافى بن زكريّا الجريري حدّثنا محمّد بن القاسم الأنباري حدّثنا أبي حدّثنا الحسن بن عبد الرّحمن الربعي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاق عَنْ أَحْمَد بن مطهر الكوفي. قَالَ: قَالَ أَبُو العتاهية: قد قلت عشرين ألف بيت في الزهد، ووددت أن لِي مكانها الأبيات الثلاثة التي قالها أبو نواس:
يا نواسي توقر ... وتعزى وتصبر
إن يكن ساءك دهر ... إن ما سرك أكثر
يا كبير الذنب عف ... والله من ذنبك أكبر
قَالَ الْحَسَن بن عَبْد الرَّحْمَنِ قَالَ أَبُو مسلم: كانت هذه الأبيات مكتوبة على قبر أبي نواس، فزادني- أى فيها- بغير هذا الإسناد:
أعظم الأشياء فِي ... أصغر عفو اللَّه يصغر
ليس للإنسان إِلا ... ما قضى الله وقدر
ليس للمخلوق تد ... بير بل اللَّه المدبر
أَخْبَرَنِي أَحْمَد بن عبد الواحد الوكيل أخبرنا عبيد الله بن عثمان حدّثنا يَعْقُوب بن زيد الفارسي. قَالَ: رأيت أبا نواس بالبصرة فقلت: أنشدني فِي الشيب شيئا يزجرني، فأنشدني:
انقضت شرتي فعفت الملاهي ... إذ رمى الشيب مفرقي بالدواهي
ونهتنى النهى فملت إلى العذ ... ل وأشفقت من مقالة ناهى
أيها الغافل المقيم على الل ... هو ولا عذر في المعاد لساهى
لا بأعمالنا نطيق خلاصا ... يوم تبدو السمات فوق الجباه
غير أنا على الإساءة والتف ... ريط نرجو لحسن عفو الإله
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو زُرْعَةَ رَوْحُ بْنُ مُحَمَّدِ بن أحمد الرازي أخبرنا أبو الهيثم أحمد ابن عمر بن محمّد بن شبرمة المروزيّ حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا محمّد بن هشام الرازي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَلَمَة الأنصاري قال حدّثنا الرّبيع ابن سُلَيْمَان قَالَ سمعت الشَّافِعِيّ يَقُولُ: دخلنا عَلَى أَبِي نواس وهو يجود بنفسه فقلنا:
ما أعددت لهذا اليوم؟ فَقَالَ:
تعاظمني ذنبي، فلما قرنته ... بعفوك ربي كَانَ عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عَنِ الذنب لم تزل ... تجود وتعفو منة وتكرما
ولولاك لم يغوى بإبليس عابد ... وكيف وقد أغوى صفيك آدما
أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ المعدل أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق أخبرنا محمد بن أحمد بن البراء حَدَّثَنَا عَلِيّ بن مُحَمَّدِ بْنِ زكريا قَالَ: دخلت عَلَى أَبِي نواس وهو يكيد بنفسه، قال: فقال: تكتب؟ قُلْتُ: نعم. فأنشأ يَقُولُ:
دب
في الفناء علوا وسفلا ... وأراني أموت عضوا فعضوا
ذهبت شرتي بحدة نفسي ... فتذكرت طاعة اللَّه نضوا
ليس من ساعة مضت بي إِلا ... نقصتني بمرها بي حذوا
لهف نفسي على ليال وأيا ... م سلبتهن لعبا ولهوا
وأسأنا كل الإساءة يا ر ... ب فصفحا عنا إلهي وعفوا
حَدَّثَنِي عُبَيْد اللَّهِ بن أبي الفتح أخبرنا أحمد بن إبراهيم حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن السكري حدّثنا عبد الله بن أبي سعد حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل ابن أخي أَبِي نواس حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَر الصائغ الآدمي. قَالَ: لما حضر أبا نواس الموت قال:
اكتبوا هذه الأبيات عَلَى قبري:
وعظتك أجداث صمت ... ونعتك أزمنة خفت
وتكلمت عَنْ أوجه ... تبلى وعن صور سبت
وأرتك قبرك في القبو ... ر وأنت حي لم تمت
قال أبو سعيد: مات أَبُو نواس فِي سنة ثمان وتسعين- يعني ومائة.
أَخْبَرَنِي أَحْمَد بن عبد الواحد أخبرنا عبيد الله بن عثمان حدّثني الحكيمي أَخْبَرَنَا ميمون بن هَارُون بن مخلد بن أبان الكاتب. قَالَ: قَالَ مُحَمَّد بن حفص الفأفاء- مولى جَعْفَر بن سُلَيْمَان- وقطن بن كبير النهشلي، وأبو يعقوب العنبري، ومحمّد بن الحسن الأنصاري- سلف أَبِي نواس- ولد- يعنون أبا نواس- فِي سنة خمس وأربعين ومائة، ومات سنة ست وتسعين ومائة.
وَقَالَ أَبُو هفان: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن حرب بن خلف بن مهزوم- وهو عم أبي هفان- وأخبرنا سليمان سخطة والبربري والجماز البصريون ويوسف بن الداية وعلي بن أبي حاضنة وأبو دعامة البغداديون: أن أبا نواس ولد بالأهواز بالقرب من الجبل المقطوع سنة ست وثلاثين ومائة، ومات ببغداد فِي سنة خمس وتسعين ومائة وكان عمره تسعا وخمسين سنة، ودفن في مقابر الشونيزية فِي تل اليهود.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ بن المعدّل أخبرنا عثمان بن أحمد حدّثنا محمّد بن أحمد ابن البراء حدّثنا عمر بن مدرك حَدَّثَنِي أَحْمَد بن يَحْيَى عَنْ مُحَمَّد بن نافع. قَالَ:
كَانَ أَبُو نواس لِي صديقا، فوقعت بيني وبينه هجرة فِي آخر عمره، ثم بلغني وفاته فضاعفت عَلِيّ الحزن، فبينا أنا بين النائم واليقظان، إذا أنا به فقلت: يا أبا نواس!؟
قَالَ: لات حين كنية، قُلْتُ: الْحَسَن بن هانئ؟ قَالَ نعم! قُلْتُ ما فعل اللَّه بك؟ قَالَ غفر لِي بأبيات قلتها هي تحت ثني الوسادة. فأتيت أهله فلما أحسوا بي أجهشوا بالبكاء فقلت لهم هل قَالَ أخي شعرا قبل موته؟ قالوا لا نعلم إلا أنه دعا بدواة وقرطاس وكتب شيئا لا ندري ما هو. فقلت أتأذنون لي فأدخل؟ قَالَ فدخلت إِلَى مرقده فإذا ثيابه لم تحرك بعد، فرفعت وسادة فلم أر شيئا. فرفعت أخرى فإذا برقعة فيها مكتوب:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة ... فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كَانَ لا يرجوك إِلا محسن ... فمن الذي يدعو ويرجو المجرم؟
أدعوك رب كما أمرت تضرعا ... فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم؟
ما لي إليك وسيلة إِلا الرجا ... وجميل عفوك، ثم إني مسلم