مروان بن سليمان بن يحيى بن أبي حفصة، أبو الهيذام- وقيل: أبو السمط:
وكان أبو حفصة مولى مروان بن الحكم أعتقه يوم الدار لأنه أبلى يومئذ بلاء حسنا، واسمه يزيد. وقيل إن أبا حفصة كان يهوديا طبيبا أسلم على يد عثمان بن عفان، وقيل: على يد مروان بن الحكم. ويزعم أهل المدينة أنه كان من موالي السموءل بن عاديا، وأنه سبي من إصطخر وهو غلام فاشتراه عثمان ووهبه لمروان بن الحكم. ومروان بن سليمان شاعر مجود محكك للشعر، وهو من أهل اليمامة وقدم بغداد ومدح المهدي والرشيد، وكان يتقرب إلى الرشيد بهجاء العلوية في شعره. وله في معن بن زائدة مدائح ومراث عجيبة، وقيل إنه قيل الشعر وهو غلام لم يبلغ سنه العشرين.
أَخْبَرَنِي الأزهري، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، حدّثنا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمد بن عرفة، أَخْبَرَنَا أحمد بن يحيى عن الرياشي قَالَ: قَالَ رجل لمروان بن أبي حفصة: ما حملك على أن تناولت ولد علي في شعرك؟ فقال: والله ما حملني على ذلك بغضاء لهم، ولقد مدحت أمير المؤمنين المهدي بشعري الذي أقول فيه:
طرقتك زائرة فحي خيالها ... بيضاء تخلط بالحياء دلالها
قادت فؤادك فاستقاد وقبلها ... قاد القلوب إلى الصبي فأمالها
حتى بلغت إلى قولي:
هل يطمسون من السماء نجومها ... بأكفهم أم يسترون هلالها
أم يدفعون مقالة- عن ربه ... جبريل بلغها النبي فقالها
شهدت من الأنفال آخر آية ... بتراثهم فأردتم إبطالها
فذروا الأسود خوادرا في غيلها ... لا تولغن دماءكم أشبالها
فقال المهدي: وجب حقك على هؤلاء القوم، ثم أمر لي بخمسين ألف درهم وأمر أولاده أن يبروني، فبروني بثلاثين ألف درهم.
قَالَ ابن عرفة: وَحَدَّثَنِي عبد الله بن إسحاق بن سلام قَالَ: خرج مروان من دار المهدي ومعه ثمانون ألف درهم فمر بزمن، فسأله فأعطاه ثلثي درهم، فقيل له: هلا أعطيته درهما؟ فقال: لو أعطيت مائة ألف درهم أتممت له درهما. قَالَ: وكان مروان يبخل فلا يسرج له في داره، فإذا أراد أن ينام أضاءت له الجارية بقصبة إلى أن ينام.
أَخْبَرَنَا الحسن بن الحسين النعالي، أَخْبَرَنَا أَبُو الفرج علي بْن الْحُسَيْن الأصبهاني، أخبرنا الحسن بن علي، حدّثنا يزيد بن محمّد المهلبي، حدثني عبد الصّمد بن المعدل قَالَ: دخل مروان بن أبي حفصة، وسلم الخاسر، ومنصور النمري على الرشيد، فأنشده قصيدته التي يقول فيها:
أنى يكون وليس ذاك بكائن ... لبني البنات وراثة الأعمام؟
وأنشده سلم:
حضر الرحيل وشدت الأحداج
وأنشده النمري قصيدته التي يقول فيها:
إن المكارم والمعروف أودية ... أحلك اللَّه منها حيث تجتمع
فأمر لكل واحد منهم بمائة ألف درهم، فقال له يحيى بن خالد: يا أمير المؤمنين مروان شاعرك خاصة قد ألحقتهم به؟ قَالَ: فليزد مروان عشرة آلاف.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الجازري، حدّثنا المعافى بن زكريا، حدّثنا أحمد ابن الْعَبَّاس العسكري قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن أبي سعد، حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد بن موسى بن حمزة- مولى بني هاشم- حدثني أحمد بن موسى بن حمزة، أخبرني الفضل بن بزيع قَالَ: رأيت مروان بن أبي حفصة قد دخل على المهدي بعد موت معن بن زائدة في جماعة من الشعراء فيهم سلم الخاسر وغيره، فأنشده مديحا له، فقال له: من؟ قَالَ: شاعرك مروان بن أبي حفصة، فقال له المهدي: ألست القائل:
أقمنا باليمامة بعد معن ... مقاما ما نريد به زيالا
وقلنا أين نرحل بعد معن ... وقد ذهب النوال فلا نوالا؟
قد جئت تطلب نوالنا وقد ذهب النوال، لا شيء لك عندنا، جروا برجله، فجر برجله حتى أخرج، فلما كان في العام المقبل تلطف حتى دخل مع الشعراء وإنما
كانت الشعراء تدخل على الخلفاء في ذلك الحين في كل عام مرة، قَالَ: فمثل بين يديه وأنشده قصيدته التي يقول فيها:
طرقتك زائرة فحي خيالها ... بيضاء تخلط بالحياء دلالها
قادت فؤادك فاستقاد وقبلها ... قاد القلوب إلى الصبي فأمالها
قَالَ: فأنصت لها حتى بلغ إلى قوله:
هل تطمسون من السماء نجومها ... بأكفكم أو تسترون هلالها
أو تدفعون مقالة عن ربكم ... جبريل بلغها النبي فقالها
شهدت من الأنفال آخر آية ... بتراثهم فأردتم إبطالها
- يعني بني علي، وبني العباس-.
قَالَ: فرأيت المهدي وقد تزاحف من صدر مصلاه حتى صار على البساط إعجابا بما سمع، ثم قَالَ له: كم هي بيتا؟ قَالَ: مائة بيت، فأمر له بمائة ألف درهم. قَالَ:
فإنها لأول مائة ألف أعطيها شاعر في خلافة بني العباس، قَالَ: فلم تلبث الأيام أن أفضت الخلافة إلى هارون الرشيد، قَالَ: فرأيت مروان ماثلا مع الشعراء بين يدي الرشيد وقد أنشده شعرا، فقال له: من؟ قَالَ: شاعرك مروان بن أبي حفصة، فقال له:
ألست القائل البيتين- اللذين له في معن اللذين أنشدهما المهدي؟ - خذوا بيده فأخرجوه فإنه لا شيء له عندنا فأخرج. فلما كان بعد ذلك بيومين تلطف حتى دخل، فأنشده قصيدته التي يقول فيها:
لعمرك لا أنسى غداة المحصب ... إشارة سلمى بالبنان المخضب
وقد هدر الحجاج إلا أقلهم ... مصادر شتى موكبا بعد موكب
قَالَ: فأعجبته، فقال له: كم قصيدتك بيتا؟ قَالَ له: سبعون- أو ستون- فأمر له بعدد أبياتها ألوفا، فكان ذلك رسم مروان حتى مات.
قرأت على الحسن بن علي الجوهري عن أبي عُبَيْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن عمران المرزباني قَالَ: أَخْبَرَنِي يوسف بن يحيى عن أبيه يحيى بن علي قَالَ: أخبرني متوج بن محمود ابن أبي الجنوب، أَخْبَرَنِي أبي عن أبيه أن الكسائي كان يقول: إنما الشعر سقاء تمخض، فدفعت الزبدة إلى مروان بن أبي حفصة.
وَقَالَ المرزباني: أَخْبَرَنِي محمد بن يحيى الصولي، حدّثنا محمّد بن سعيد، حدّثنا عمر بن شبة، حَدَّثَنِي محمد بن بشار قَالَ: رأيت مروان يعرض على أبي أشعاره، فقال له أبي: إن وفيت قيم أشعارك استغنيت.
أَخْبَرَنَا ابْن الْفَضْل، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوب بن سفيان قَالَ: سنة اثنتين وثمانين ومائة فيها مات مروان بن أبي حفصة الشاعر.
أخبرني الأزهري، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: ومروان يكنى أبا الهيذام، وعاش إلى سنة اثنتين وثمانين ومائة فمات فيها.
وذكر إدريس بن سليمان بن أبي حفصة أن مروان توفي سنة إحدى وثمانين ومائة، ودفن ببغداد في مقبرة نصر بن مالك. وَقَالَ غيره: كان مولده في سنة خمس ومائة.
وكان أبو حفصة مولى مروان بن الحكم أعتقه يوم الدار لأنه أبلى يومئذ بلاء حسنا، واسمه يزيد. وقيل إن أبا حفصة كان يهوديا طبيبا أسلم على يد عثمان بن عفان، وقيل: على يد مروان بن الحكم. ويزعم أهل المدينة أنه كان من موالي السموءل بن عاديا، وأنه سبي من إصطخر وهو غلام فاشتراه عثمان ووهبه لمروان بن الحكم. ومروان بن سليمان شاعر مجود محكك للشعر، وهو من أهل اليمامة وقدم بغداد ومدح المهدي والرشيد، وكان يتقرب إلى الرشيد بهجاء العلوية في شعره. وله في معن بن زائدة مدائح ومراث عجيبة، وقيل إنه قيل الشعر وهو غلام لم يبلغ سنه العشرين.
أَخْبَرَنِي الأزهري، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، حدّثنا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمد بن عرفة، أَخْبَرَنَا أحمد بن يحيى عن الرياشي قَالَ: قَالَ رجل لمروان بن أبي حفصة: ما حملك على أن تناولت ولد علي في شعرك؟ فقال: والله ما حملني على ذلك بغضاء لهم، ولقد مدحت أمير المؤمنين المهدي بشعري الذي أقول فيه:
طرقتك زائرة فحي خيالها ... بيضاء تخلط بالحياء دلالها
قادت فؤادك فاستقاد وقبلها ... قاد القلوب إلى الصبي فأمالها
حتى بلغت إلى قولي:
هل يطمسون من السماء نجومها ... بأكفهم أم يسترون هلالها
أم يدفعون مقالة- عن ربه ... جبريل بلغها النبي فقالها
شهدت من الأنفال آخر آية ... بتراثهم فأردتم إبطالها
فذروا الأسود خوادرا في غيلها ... لا تولغن دماءكم أشبالها
فقال المهدي: وجب حقك على هؤلاء القوم، ثم أمر لي بخمسين ألف درهم وأمر أولاده أن يبروني، فبروني بثلاثين ألف درهم.
قَالَ ابن عرفة: وَحَدَّثَنِي عبد الله بن إسحاق بن سلام قَالَ: خرج مروان من دار المهدي ومعه ثمانون ألف درهم فمر بزمن، فسأله فأعطاه ثلثي درهم، فقيل له: هلا أعطيته درهما؟ فقال: لو أعطيت مائة ألف درهم أتممت له درهما. قَالَ: وكان مروان يبخل فلا يسرج له في داره، فإذا أراد أن ينام أضاءت له الجارية بقصبة إلى أن ينام.
أَخْبَرَنَا الحسن بن الحسين النعالي، أَخْبَرَنَا أَبُو الفرج علي بْن الْحُسَيْن الأصبهاني، أخبرنا الحسن بن علي، حدّثنا يزيد بن محمّد المهلبي، حدثني عبد الصّمد بن المعدل قَالَ: دخل مروان بن أبي حفصة، وسلم الخاسر، ومنصور النمري على الرشيد، فأنشده قصيدته التي يقول فيها:
أنى يكون وليس ذاك بكائن ... لبني البنات وراثة الأعمام؟
وأنشده سلم:
حضر الرحيل وشدت الأحداج
وأنشده النمري قصيدته التي يقول فيها:
إن المكارم والمعروف أودية ... أحلك اللَّه منها حيث تجتمع
فأمر لكل واحد منهم بمائة ألف درهم، فقال له يحيى بن خالد: يا أمير المؤمنين مروان شاعرك خاصة قد ألحقتهم به؟ قَالَ: فليزد مروان عشرة آلاف.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الجازري، حدّثنا المعافى بن زكريا، حدّثنا أحمد ابن الْعَبَّاس العسكري قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن أبي سعد، حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد بن موسى بن حمزة- مولى بني هاشم- حدثني أحمد بن موسى بن حمزة، أخبرني الفضل بن بزيع قَالَ: رأيت مروان بن أبي حفصة قد دخل على المهدي بعد موت معن بن زائدة في جماعة من الشعراء فيهم سلم الخاسر وغيره، فأنشده مديحا له، فقال له: من؟ قَالَ: شاعرك مروان بن أبي حفصة، فقال له المهدي: ألست القائل:
أقمنا باليمامة بعد معن ... مقاما ما نريد به زيالا
وقلنا أين نرحل بعد معن ... وقد ذهب النوال فلا نوالا؟
قد جئت تطلب نوالنا وقد ذهب النوال، لا شيء لك عندنا، جروا برجله، فجر برجله حتى أخرج، فلما كان في العام المقبل تلطف حتى دخل مع الشعراء وإنما
كانت الشعراء تدخل على الخلفاء في ذلك الحين في كل عام مرة، قَالَ: فمثل بين يديه وأنشده قصيدته التي يقول فيها:
طرقتك زائرة فحي خيالها ... بيضاء تخلط بالحياء دلالها
قادت فؤادك فاستقاد وقبلها ... قاد القلوب إلى الصبي فأمالها
قَالَ: فأنصت لها حتى بلغ إلى قوله:
هل تطمسون من السماء نجومها ... بأكفكم أو تسترون هلالها
أو تدفعون مقالة عن ربكم ... جبريل بلغها النبي فقالها
شهدت من الأنفال آخر آية ... بتراثهم فأردتم إبطالها
- يعني بني علي، وبني العباس-.
قَالَ: فرأيت المهدي وقد تزاحف من صدر مصلاه حتى صار على البساط إعجابا بما سمع، ثم قَالَ له: كم هي بيتا؟ قَالَ: مائة بيت، فأمر له بمائة ألف درهم. قَالَ:
فإنها لأول مائة ألف أعطيها شاعر في خلافة بني العباس، قَالَ: فلم تلبث الأيام أن أفضت الخلافة إلى هارون الرشيد، قَالَ: فرأيت مروان ماثلا مع الشعراء بين يدي الرشيد وقد أنشده شعرا، فقال له: من؟ قَالَ: شاعرك مروان بن أبي حفصة، فقال له:
ألست القائل البيتين- اللذين له في معن اللذين أنشدهما المهدي؟ - خذوا بيده فأخرجوه فإنه لا شيء له عندنا فأخرج. فلما كان بعد ذلك بيومين تلطف حتى دخل، فأنشده قصيدته التي يقول فيها:
لعمرك لا أنسى غداة المحصب ... إشارة سلمى بالبنان المخضب
وقد هدر الحجاج إلا أقلهم ... مصادر شتى موكبا بعد موكب
قَالَ: فأعجبته، فقال له: كم قصيدتك بيتا؟ قَالَ له: سبعون- أو ستون- فأمر له بعدد أبياتها ألوفا، فكان ذلك رسم مروان حتى مات.
قرأت على الحسن بن علي الجوهري عن أبي عُبَيْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن عمران المرزباني قَالَ: أَخْبَرَنِي يوسف بن يحيى عن أبيه يحيى بن علي قَالَ: أخبرني متوج بن محمود ابن أبي الجنوب، أَخْبَرَنِي أبي عن أبيه أن الكسائي كان يقول: إنما الشعر سقاء تمخض، فدفعت الزبدة إلى مروان بن أبي حفصة.
وَقَالَ المرزباني: أَخْبَرَنِي محمد بن يحيى الصولي، حدّثنا محمّد بن سعيد، حدّثنا عمر بن شبة، حَدَّثَنِي محمد بن بشار قَالَ: رأيت مروان يعرض على أبي أشعاره، فقال له أبي: إن وفيت قيم أشعارك استغنيت.
أَخْبَرَنَا ابْن الْفَضْل، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوب بن سفيان قَالَ: سنة اثنتين وثمانين ومائة فيها مات مروان بن أبي حفصة الشاعر.
أخبرني الأزهري، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: ومروان يكنى أبا الهيذام، وعاش إلى سنة اثنتين وثمانين ومائة فمات فيها.
وذكر إدريس بن سليمان بن أبي حفصة أن مروان توفي سنة إحدى وثمانين ومائة، ودفن ببغداد في مقبرة نصر بن مالك. وَقَالَ غيره: كان مولده في سنة خمس ومائة.