Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=154463#56ce23
وردان أبو عبيد ويقال أبو عثمان
مولى عمرو بن العاص السهمي من سبي أصبهان، قدم دمشق في أيام معاوية.
كان عمرو بن العاص ذات يوم عند معاوية، ومعه وردان مولاه، فقال لعمرو: ما بقي من لذتك، يا أبا عبد الله؟ فقال: محادثة أخي صدق مأمون على الأسرار.
فأقبل على وردان، فقال: وأنت يا أبا عثمان، ما بقي من لذتك؟ قال: النظر في وجه كريم أصابته نكبة فاصطنعت إليه فيها يداً حسنة.
فقال معاوية: أنا أولى بذلك منك، فقال: أنت يا أمير المؤمنين، أقدر عليه مني، وأولى به من سبق إليه.
شاعر: من الطويل
وما هذه الأيام إلا معارة ... فما اسطعت من معروفها فتزود
فإنك لا تدري بأية بلدة ... تموت ولا ما يحدث الله في غد
ووردان من تابعي أهل مصر، وبه سميت السوق التي بمصر سوق وردان.
وكان ثقة، وكان رومياً. يقال: إنه من روم أرمينية، أو من روم الشام، أو من روم أطرابلس الغرب.
وقتل بالبرلس سنة ثلاث وخمسين، قتله الروم. وعقبه بمصر.
قال جويرية بن أسماء: قال عمرو بن العاص لوردان يوم صفين: تدري ما مثلي ومثلك مثل الأبيقر إن تقدم عقر، وإن تأخر نحر، لئن تأخرت لأضربن عنقك، قال: جيئوني بقيد، فوضعه في رجليه، قال: أما والله يا عبد الله لأردنك حياض الموت.
وحضر وردان يوم صفين مع عمرو، فكان عمرو يرتجز: من الرجز
هل يغنين وردان عني قنبراً ... أو يغنين ابن خديج مسعرا
يريد قنبر مولى علي بن أبي طالب عليه السلام، ويريد مسعر بن فدكي صاحب الخوارج.
وكان وردان والياً على خراج مصر من قبل معاوية بعد موت عمرو.
وكان وردان من عمرو بن العاص بمنزلة صاحب الشرط من الأمير، كان لا يعمل شيئاً حتى يشاوره، وكان داهياً فهماً.
كتب معاوية إلى وردان أن زد على القبط قيراطاً قيراطاً على كل إنسان.
فكتب إليه وردان: كيف أزيد عليهم، وفي عهدهم ألا يزاد عليهم، يرى بذلك لأن مصر كانت عنده عنوة، فلهذا استجاز الزيادة عليهم، وكانت عند وردان صلحاً، فكره الزيادة، فلهذا اختلفا.
روى عن مسلم بن محارب قال: قال معاوية: إن عمرو بن العاص احتجز دوننا خراج مصر فعزله، واستعمل أبا الأعور السلمي، فبلغ عمرو الخبر، فدعا وردان مولاه، فقال: ويحك، يا أبا عثمان! عزلنا معاوية أمير المؤمنين، قال: فمن استعمل؟ قال: أبا الأعور السلمي، فهل عندك من حيلة؟ قال: نعم، اصنع له طعاماً، ولا تنظر له في كتاب حتى يأكل، ودعنا نعمل ما نريد.
فلما قدم عليه أبو الأعور، وأخرج كتاب معاوية بتسليم العمل إليه، قال له عمرو: وما نصنع بكتاب؟ لو جئتنا برسالة لقبلنا ذلك منك، دع الكتاب وكل.
قال: انظر في الكتاب، قال: ما أنا بناظر حتى تأكل، فوضعه إلى جانبه، وجعل يأكل، فاستدار له وردان، فأخذ الكتاب والعهد.
فلما فرغ أبو الأعور من غذائه طلب الكتاب، فلم ير شيئاً، فقال: أين كتابي؟ فقال له عمرو: أليس إنما جئتنا زائراً لنحسن إليك ونكرمك ونبرك؟ قال: استعملني أمير المؤمنين وعزلك، قال: مهلاً، لا يظهرن هذا منك، إنه قبيح، نحن نصلك ونحسن جائزتك، فرضي بالجائزة.
وبلغ معاوية الخبر، فاستضحك، وأمر عمراً على مصر.
وعن ابن لهيعة قال: قال الملامس بن خزيمة الحضرمي لمعاوية: يا أمير المؤمنين، إن هذا - يريد ربيعة بن حبيش الصدقي - قاتل عثمان وقرين الشيطان، وختن وردان. وكان ربيعة قد زوج ابنته من وردان. فقال معاوية: يا ربيعة، أزوجت وردان ابنتك؟ قال: نعم، يا أمير المؤمنين، زوجت فداناً أخضر وديناراً أصفر. فقال معاوية: أف لك، أعبد عمرو؟ كان وردان بالإسكندرية، وعليها علقمة بن يزيد الغطيفي، وبالإسكندرية راهب نحو كنيسة الدقيق، وكان وردان يأتيه ويحدثه، فجاءه يوماً، فقال له الراهب: لا تمر بك ثلاثة أيام حتى تقتل. فانصرف وردان، فجلس على مجلس الصدف، فحدثهم بما قال الراهب. فلم يلبث إلا يسيراً حتى أتاهم الصارخ أن الروم قد نزلوا البرلس. فاستنفر علقمة الناس إليهم، فولى عليهم وردان، فنفر بهم إلى البرلس، فوجد الروم بها، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فاستشهد وردان ومن معه وأبو رقية اللخمي، وكان على الخراج، وعائذ بن ثعلبة البلوي، وكان على الخيل.
قالوا: وكان بين يدي وردان شمعة لما خرج ليلاً، فانطفأت، فتطير بذلك.
قالوا: وكان عائذ قد أمر بالمعديات فرفعت إلى البر، فقال له وردان: اردد المعديات تجز فيها من أتاك من الثغور والفسطاط. فقال له: هذا رأي العبيد، بل نرفعها ونقاتل، فيكون الفتح لنا والذكر، فلا تجبن، قال: أنا أجبن؟ ستعلم من يجبن.
فاقتتلوا، وأقبل المدد، فوقفوا في العدوة لا يقدرون على المجاز، والمسلمون والروم يقتتلون، فقتل عائذ ووردان، وارتث سويد بن ملة في جمع من المسلمين، وانصرف الروم.