ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف بن سعد
أبو بصير، ويقال: أبو بسر التغلبي الشاعر المعروف بالأعشى أحد فحول الشعراء، وفد على آل جفنة الغسانيين.
قال يونس بن حبيب: أهل الكوفة كانوا يقدمون الأعشى، وأهل الحجاز والبادية يقدمون زهيراً والنابغة.
وأبو بصير بباء معجمة بواحدة من تحتها وصاد مهملة مكسورة.
أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومدحه، ولم يسلم، وهو من بني بكر بن وائل.
دخل حسان بن ثابت في الجاهلة بيت خمار بالشام ومعه أعشى بكر بن وائل، واشتريا خمراً وشربا، فنام حسان ثم انتبه، فسمع الأعشى يقول للخمار: كره الشيخ الغرم، فتركه حسان حتى نام ثم اشترى خمر الخمار كلها، ثم سكبها في البيت حتى سالت تحت الأعشى، فعلم أنه سمع كلامه، فاعتذر إليه.
ذكر عمر بن شبة أن الأعشى وفد إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومدحه بقصيدته التي أولها: " من الطويل "
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وعادك ما عاد السليم المسهدا
يقول لنا فيه:
فآليت لا أرثي لها من كلالة ... ولا من حفاً حتى تلاقي محمدا
نبي يرى ما لا ترون وذكره ... أغار لعمري في البلاد وأنجدا
متى ما تناخي عند باب ابن هاشم ... تراحي وتلقي من فواضله يدا
فبلغ خبره قريشاً، فرصدوه على طريقه، وقالوا: هذا صناجة العرب، ما مدح أحداً قط إلى رفع من قدره. فلما ورد عليهم قالوا له: أين أردت أبا بصير؟ قال: أردت صاحبكم هذا لأسلم، قال: إنه ينهاك عن خلال ويحرمها، وكلها بك رافق ولك موافق، قال: وما هن؟ فقال أبو سفيان: الزنا، فقال: لقد تركني الزنا وما تركته، وماذا؟ قال: القمار. قال: لعلي إن لقيته اصبت منه عوضاً من القمار، وماذا؟ قال: الربا، قال: ما دينت ولا ادينت قط، وماذا؟ قال: الخمر قال: أوه، أرجع إلى صبابة قد بقيت في المهراس فأشربها، فقال أبو سفيان: أبا بصير، هل لك في خير مما هممت به؟ قال: وما هو؟ قال، نحن وهو الآن في هدنة، فتأخذ مئة من الإبل، وترجع إلى بلدك سنتك هذه، فننظر ما يصير إليه أمرنا، فإن ظهرنا عليه كنت قد أخذت خلفاً، وإن ظهر علينا أتيته، قال: ما أكره ذاك.
فقال أبو سفيان يا معشر قريش، هذا الأعشى، والله لئن أتى محمداً واتبعه ليضرمن عليكم نيران العرب بشعره، فاجمعوا له مئة من الإبل، ففعلوا وأخذها وانطلق إلى بلده.
فلما كان بقاع منفوحة رمى به بعيره فقتله، فدفن عناك، فإذا أراد الفتيان أن يشربوا خرجوا إلى قبره، وشربوا عنده، صبوا عليه فضلات الأقداح.
وعن أبي هريرة قال: رخص رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شعر الجاهلية إلا قصيدة أمية بن أبي الصلت في أهل بدر، وقصيدة الأعشى في عامر وعلقمة. وفي رواية: التي يذكر فيها الخوض.
جمع عبد الملك بن مروان بنيه ذات يوم ومسلمة وسليمان فاستقرأهم فقرؤوا فأحسنوا، واستنشدهم فأنشدوا فأجادوا لكل شاعر غير الأعشى، فقال لهم: قرأتم فأحسنتم، وأنشدتم فأجدتم لكل شاعر غير الأعشى، فما لكم تهجرونه؟ قد أخذ في كل فن حسن
فأحسن، وما امتدح رجلاً قط إلا تركه مذكوراً، هذا عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة وهما من بيت واحد، هجا علقمة فأخمله وكان شريفاً مذكوراً، ومدح عامر بن الطفيل فرفعه.
قيل لمحمد بن مروان: من أشعر الناس؟ فقال: امرؤ القيس إذا ركب، والنابغة إذا رهب، وزهير إذا عجب، والأعشى إذا طرب.
دخل الشعبي على الأخطل فوجده ثملاً وحوله لخالخ ورياحين، فقال: يا شعبي، فعل الأخطل، وذكر أمهات الشعراء. فقال الشعبي: بماذا يا أبا مالك؟ قال: بقوله: " من الكامل "
وإذا تعاورت الأكف زجاجها ... نفحت فنال رياحها المزكوم
فقال الشعبي: أشعر منك الذي قال: " من الوافر "
من اللائي حملن على الروايا ... كريح المسك تستل الزكاما
فقال له الأخطل: من يقول هذا؟ قال: الأعشى، قال: قدوس قدوس، فعل الأعشى، وذكر أمهات الشعراء.
قال الخطابي: تأمل أين منزلة أحدهما من الآخر؟! لم يزد الأخطل حين احتشد على أن جعل رائحتها لذكائها تنفذ حتى تخلص إلى الرأس فينالها المزكوم، وجعلها الأعشى لحدتها وفرط ذكائها مستلة للزكام طاردة له.
كان سفيان يتمثل بأبيات الأعشى: " من الطويل "
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ... ولاقيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على ألا تكون كمثله ... وأنك لم ترصد بما كان أرصدا
أنشد ابن الأعرابي للأعشى: " من المنسرح "
استأثر الله بالوفاء وبال ... عدل وولى الملامة الرجلا
الشعر قلدته سلامة ذا ال ... مفضال والشيء حيثما جعلا
والشعر يستثير الكريم كما اس ... تنزل رعد السحابة السبلا
قال حرب: لقيت الأعشى في الجاهلية، فقلت له: ما عنيت بقولك: " من الكامل "
وسبية مما تعتق بابل ... كدم الذبيح سلبتها جريالها
قال: شربتها حمراء وبلتها بيضاء.
قال المازني: لما قدمت سر من رأى دخلت على الخليفة فقال: يا مازني من خلفت وراءك؟ فقلت: خلفت أخية لي أصغر مني مقام الولد، قال: فما قالت لك حين خرجت؟ قال: طافت حولي وقالت وهي تبكي: أقول لك يا أخي كما قالت بنت الأعشى لأبيها: " من المتقارب "
تقول ابنتي حين جد الرحيل ... أرانا سواء ومن قد يتم
أبانا فلا رمت من عندنا ... فإنا بخير إذا لم ترم
ترانا إذا أضمرتك البلا ... د نجفى وتقطع منا الرحم
قال: فما قلت لها؟ قال: قلت: أقول لك، يا أخية، كما قال جرير لابنته: قال أبو سعيد: الصواب: كما قال لزوجته أو حزرة: " من الوافر "
ثقي بالله ليس له شريك ... ومن عند الخليفة بالنجاح
فقال: لا جرم أنها ستنجح، وأمر لي بثلاثين ألف درهم.
أبو بصير، ويقال: أبو بسر التغلبي الشاعر المعروف بالأعشى أحد فحول الشعراء، وفد على آل جفنة الغسانيين.
قال يونس بن حبيب: أهل الكوفة كانوا يقدمون الأعشى، وأهل الحجاز والبادية يقدمون زهيراً والنابغة.
وأبو بصير بباء معجمة بواحدة من تحتها وصاد مهملة مكسورة.
أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومدحه، ولم يسلم، وهو من بني بكر بن وائل.
دخل حسان بن ثابت في الجاهلة بيت خمار بالشام ومعه أعشى بكر بن وائل، واشتريا خمراً وشربا، فنام حسان ثم انتبه، فسمع الأعشى يقول للخمار: كره الشيخ الغرم، فتركه حسان حتى نام ثم اشترى خمر الخمار كلها، ثم سكبها في البيت حتى سالت تحت الأعشى، فعلم أنه سمع كلامه، فاعتذر إليه.
ذكر عمر بن شبة أن الأعشى وفد إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومدحه بقصيدته التي أولها: " من الطويل "
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وعادك ما عاد السليم المسهدا
يقول لنا فيه:
فآليت لا أرثي لها من كلالة ... ولا من حفاً حتى تلاقي محمدا
نبي يرى ما لا ترون وذكره ... أغار لعمري في البلاد وأنجدا
متى ما تناخي عند باب ابن هاشم ... تراحي وتلقي من فواضله يدا
فبلغ خبره قريشاً، فرصدوه على طريقه، وقالوا: هذا صناجة العرب، ما مدح أحداً قط إلى رفع من قدره. فلما ورد عليهم قالوا له: أين أردت أبا بصير؟ قال: أردت صاحبكم هذا لأسلم، قال: إنه ينهاك عن خلال ويحرمها، وكلها بك رافق ولك موافق، قال: وما هن؟ فقال أبو سفيان: الزنا، فقال: لقد تركني الزنا وما تركته، وماذا؟ قال: القمار. قال: لعلي إن لقيته اصبت منه عوضاً من القمار، وماذا؟ قال: الربا، قال: ما دينت ولا ادينت قط، وماذا؟ قال: الخمر قال: أوه، أرجع إلى صبابة قد بقيت في المهراس فأشربها، فقال أبو سفيان: أبا بصير، هل لك في خير مما هممت به؟ قال: وما هو؟ قال، نحن وهو الآن في هدنة، فتأخذ مئة من الإبل، وترجع إلى بلدك سنتك هذه، فننظر ما يصير إليه أمرنا، فإن ظهرنا عليه كنت قد أخذت خلفاً، وإن ظهر علينا أتيته، قال: ما أكره ذاك.
فقال أبو سفيان يا معشر قريش، هذا الأعشى، والله لئن أتى محمداً واتبعه ليضرمن عليكم نيران العرب بشعره، فاجمعوا له مئة من الإبل، ففعلوا وأخذها وانطلق إلى بلده.
فلما كان بقاع منفوحة رمى به بعيره فقتله، فدفن عناك، فإذا أراد الفتيان أن يشربوا خرجوا إلى قبره، وشربوا عنده، صبوا عليه فضلات الأقداح.
وعن أبي هريرة قال: رخص رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شعر الجاهلية إلا قصيدة أمية بن أبي الصلت في أهل بدر، وقصيدة الأعشى في عامر وعلقمة. وفي رواية: التي يذكر فيها الخوض.
جمع عبد الملك بن مروان بنيه ذات يوم ومسلمة وسليمان فاستقرأهم فقرؤوا فأحسنوا، واستنشدهم فأنشدوا فأجادوا لكل شاعر غير الأعشى، فقال لهم: قرأتم فأحسنتم، وأنشدتم فأجدتم لكل شاعر غير الأعشى، فما لكم تهجرونه؟ قد أخذ في كل فن حسن
فأحسن، وما امتدح رجلاً قط إلا تركه مذكوراً، هذا عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة وهما من بيت واحد، هجا علقمة فأخمله وكان شريفاً مذكوراً، ومدح عامر بن الطفيل فرفعه.
قيل لمحمد بن مروان: من أشعر الناس؟ فقال: امرؤ القيس إذا ركب، والنابغة إذا رهب، وزهير إذا عجب، والأعشى إذا طرب.
دخل الشعبي على الأخطل فوجده ثملاً وحوله لخالخ ورياحين، فقال: يا شعبي، فعل الأخطل، وذكر أمهات الشعراء. فقال الشعبي: بماذا يا أبا مالك؟ قال: بقوله: " من الكامل "
وإذا تعاورت الأكف زجاجها ... نفحت فنال رياحها المزكوم
فقال الشعبي: أشعر منك الذي قال: " من الوافر "
من اللائي حملن على الروايا ... كريح المسك تستل الزكاما
فقال له الأخطل: من يقول هذا؟ قال: الأعشى، قال: قدوس قدوس، فعل الأعشى، وذكر أمهات الشعراء.
قال الخطابي: تأمل أين منزلة أحدهما من الآخر؟! لم يزد الأخطل حين احتشد على أن جعل رائحتها لذكائها تنفذ حتى تخلص إلى الرأس فينالها المزكوم، وجعلها الأعشى لحدتها وفرط ذكائها مستلة للزكام طاردة له.
كان سفيان يتمثل بأبيات الأعشى: " من الطويل "
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ... ولاقيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على ألا تكون كمثله ... وأنك لم ترصد بما كان أرصدا
أنشد ابن الأعرابي للأعشى: " من المنسرح "
استأثر الله بالوفاء وبال ... عدل وولى الملامة الرجلا
الشعر قلدته سلامة ذا ال ... مفضال والشيء حيثما جعلا
والشعر يستثير الكريم كما اس ... تنزل رعد السحابة السبلا
قال حرب: لقيت الأعشى في الجاهلية، فقلت له: ما عنيت بقولك: " من الكامل "
وسبية مما تعتق بابل ... كدم الذبيح سلبتها جريالها
قال: شربتها حمراء وبلتها بيضاء.
قال المازني: لما قدمت سر من رأى دخلت على الخليفة فقال: يا مازني من خلفت وراءك؟ فقلت: خلفت أخية لي أصغر مني مقام الولد، قال: فما قالت لك حين خرجت؟ قال: طافت حولي وقالت وهي تبكي: أقول لك يا أخي كما قالت بنت الأعشى لأبيها: " من المتقارب "
تقول ابنتي حين جد الرحيل ... أرانا سواء ومن قد يتم
أبانا فلا رمت من عندنا ... فإنا بخير إذا لم ترم
ترانا إذا أضمرتك البلا ... د نجفى وتقطع منا الرحم
قال: فما قلت لها؟ قال: قلت: أقول لك، يا أخية، كما قال جرير لابنته: قال أبو سعيد: الصواب: كما قال لزوجته أو حزرة: " من الوافر "
ثقي بالله ليس له شريك ... ومن عند الخليفة بالنجاح
فقال: لا جرم أنها ستنجح، وأمر لي بثلاثين ألف درهم.