Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=154251#6ea29b
مقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك
ابن ربيعة بن ثمامة بن مطرود، أبو الأسود ويقال أبو عمر، يوقال أبو معبد الكندي صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسمي ابن الأسود لأن الأسود بن عبد يغوث الزهري حالفه وتبناه.
وهو من المهاجرين الأولين ممن هاجر الهجرتين، وشهد بدراً واليرموك، وشهد الجانية مع عمر بن الخطاب، وكان على ربع أهل المن، وخرج مع عمر أيضاً في خرجته
الثانية التي رجع فيها من سرع اميراً على ربع اليمن.
قال المقداد:
قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعي رجلان من أصحابي، فطلبنا هل يضيفنا أحد؟ فلم يضيفنا أحد؟ فلم يضيفنا أحد، فدفع إلينا أربعة أعنز فقال: يا مقداد! خذ هذه فاحتلبها، فجزئها أربعة أجزاء، جزءاً لي، وجزءاً لك وجزءين لصاحبيك. فكنت أفعل ذلك، فلما كان ذلك ليلة شربت جزئي وشرب صاحباي جزأيهما، وجعلت جزء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العقب، وأطبقت عليه فاحتبس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت لي نفسي: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد دعاه أهل بيت من المدينة فتعشى معهم، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يحتاج إلى هذا اللبن، فلم تزل نفسي تدبرني حتى قمت إلي القعب فشربت ما فيه، فلما تقار في بطني أخذني ما قدم وما حدث، فقالت لي نفسي: يجئ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو جائع ظمآن، فيرفع القعب، فلا يجد فيه شيئاً، فيدعو عليك. فتجيت كأني نائم، وما كان بي نوم، فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسلم تسليمه أسمع اليقظان ولم يوقظ النائم، فلما لم ير في القعب شيئاً رفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم أظعم من أطعمنا واسق من سقانا. فاغتنمت دعوة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذت الشفرة وأنا أريد أن أذبح بعض تلك الأعنز فأطعمه، فضربت بيدي فوقعت على ضرعها، فإذا هي حافل، ثم نظرت إليهن جميعاً فإذا هن حفل، فحلبت في القعب حتى امتلأ، ثم أتيته وأنا أبتسم، فقال: بعض سوآتك يا مقداد. قلت يا رسول الله! اشرب ثم أخبر الخبر. ثم شرب
وشربت ما بقي ثم أخبرته فقال: يا مقداد! هذه بركة كان ينبغي لك أن تعلمني حتى نوقظ صاحبنا فنسقيهما من هذه البركة. قال: قلت يا رسول الله! إذا شربت أنت البركة وأنا فما أبالي من أخطأت.
قال جبير بن نفير: جلسنا إلى المقداد بن الأسود بدمشق وهو يحدثنا وهو على تابوت، ما به عنه فضل، فقال له رجل: لو قعدت العام عن الغزو. قال: أبت البحوث - يعني سورة التوبة - قال اله عز وجل: " انفروا خفافاً وثقالا. قال أبو عثمان: بحثت المنافقين.
قالوا: وكان القارئ يوم اليرموك المقداد؛ ومن السنة التي سن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد بدر أن تقرأ سورة الجهاد عند اللقاء - وهي الأنفال - ولم يزل الناس بعد على ذلك.
قال صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل: قلت لأبي: المقداد بن الأسود، هو المقداد بن عمرو؟ قال: نعم، ولما نزل القرآن العزيز: " ادعوهم لآبائهم " قيل: المقداد بن عمرو.
وكان من الرماة المذكورين من أصحاب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وغزا إفريقية مع عبد الله بن سعد سنة سبع وعشرين.
وكان آدم، أبطن، اصفر اللحية، أقنى، طويلاً، كثير شعر الرأس، أعين، مقرون الحاجبين، يصفر لحيته.
وآخى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين عبد الله بن رواحة.
قال عبد الله بن معسود: كان أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد؛ فأما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمنعه الله عز وجل بعمه أب يطالب، وأما أبو بكر فمنعه الله عز وجل بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدرع الحديد وقد صهروهم، فما منهم أحد إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله عز وجل، وهان على قومه، فأخذه فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول: أحد أحد.
وقد طعنوا في إسناد هذا الحديث.
وعن عكرمة: " وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم " قال: أتى شيبة وعتبة ابنا ربيعة ونفر معهما - سماهم - أبا طالب فقالوا: لو أن ابن أخيك محمد يطرد موالينا وحلفاءنا فإنما هم عبيدنا وعسافءنا، كان أعظم في صدورنا وأطوع له عندنا. فأتى أبو طالب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحدثه بالذي كلموه، فأنزر الله تعالى: " وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم "، " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغادة والعشي " قال: وكانوا بلالاً، وعمار بن ياسر مولى ابن المغيرة، وسالم مولى أبي حذيفة بن عتبة، وصبيح مولى أسيد؛ ومن الحفلاء اين مسعود والمقداد بن عمرو وغيرهم.
وخرج رسول الله حروف من المدينة خرجه أخرى فبلغ ودان، فنزل وبعث ستين راكباً من المهاجرين، ليس فيهم من الأنصار أحد، وأمر عليهم عبيدة بن الحارث بن
الملطب، وأمره أن يسير إلى جيش المشركين، فإنهم قد خرجوا من مكة، وكان معهم المقداد بن الأسود، فكتب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن المشركين قد خرجوا من مكة يريدون أن يسيروا إلى تهامه ويدنوا من المدينة، ويرجعون. فلذلك بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبيدة بن الحارث والذين معه، فالتقوا بثينة المرأة، فارتموا بالنبل، فانحاز المسلمون على حامية، حتى هبطوا من الثنية، ثم انكفأ بعضهم على بعض، ورمى يومئذ سعد بن أبي وقاص بأسهم في أعداء الله، فأصاب بكل سهم رمى به رجلاً، وكان أول من رمى بسهم في سبيل الله. ويومئذ لحق المقداد بالمسلمين، وكان خرج في جيش المشركين فتوصل بهم ليلحق بنبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففعل ذلك حتى لقي المسليمن، ورجع المسلمون إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقدموا المدينة فأقاموا بها إلى ما شاء الله.
وعن أنس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شاور الناس يوم بدر فتكلم أبو بكر، فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه، فقالت الأنصار: يا رسول الله أوص فقال المقداد بن الأسود: والذي نفسي بيده، لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، لو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد فعلنا، فشأنك يا رسول الله. وذكر الحديث.
قال: وهذا الكلام محفوظ لسعد بن عبادة وهو أنصاري، وأما المقداد فله كلام آخر، وهو أن أبا أيوب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن بالمدينة: إني أخبرت عن عير أبي سفيان أنها مقبلة، فهل لكم أن نخرج قبل هذه العبرة، لعل الله يغنمناها. فقلنا: نعم. فهرج وخرجنا، فلما سرنا يوماً أو يومين ثم قال لنا: ما ترون في القوم؟ فإنهم قد أخبروا
بمخرجكم. فقلنا: لا والله ما لنا طاقة بقتال العدو، ولكنا أردنا العير. ثم قال: ما ترون في قتال القوم؟ فقلنا مثل ذلك. فقال المقداد بن عمرو: إذاً لا نقول لك يا رسول الله كما قال قوم موسى لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون. قال: فتمنينا معشر الأنصار لو أنا قلنا كما قال المقداد، أحب إلينا من أن يكون لنا مال عظيم. وذكر حديثاً طويلاً.
وفي رواية: إنا ها هنا قاعدون، ولكن والذي بعثك بالحق لنكونن بين يديك وعن يمينك وعن شملك ومن خلفك حتى يفتح الله عز وجل عليك.
وفي رواية: فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشرق وجهه لذلك وسره.
وفي رواية: ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكم مقاتلون.
وعن علي بن قال: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد أيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح.
وفي رواية: إلا المقداد على فرس أبلق.
قال المقداد: شهدت بدراً على فرس يقال سبحة فضرب لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهم، ولفرسي بسهم، فكان لي سهمان.
وعن يزيد بن رومان أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن معه يوم بدر إلا فرسان: فرس عليه المقداد بن عمرو حليف الأسود خال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وفرس لمرثد بن أبي مرثد الغنوي، حليف حمزة بن عبد المطلب. وكان مع المشركين يومئذ مئة فرس؛ وقيل كانت ثلاثة أفراس، فرس عليه الزبير بن العوام.
قال القاسم بن عبد الرحمن: إنه كان أول من عدا به فرسه في سبيل الله المقداد بن الأسود.
وعن القاسم أيضاً قال: أول من أفشى القرآن بمكة في زمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله بن مسعود؛ وأول
من بنى مسجداً يصلى فيه عمار؛ وأول من أذن من أذن بلال؛ وأول من غزا في سبيل الله المقداد؛ وأول من رمى بسهم في سبيل الله سعد؛ وأول من قتل من المسليمن مهجع مولى عمر بن الخطاب؛ وأول مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جهينة؛ وأول من أدى الصدقة طائعين من قبل أنفسهم بنو عذرة بن سعد.
وعن زر: أول من بايع تحت الشجرة أبو سنان بن وهب؛ وأول من رفعت له راية في الإسلام عبد الله بن جحش؛ وأول مال خمس مال عبد الله بن جحش؛ وأول من قرأ آية من ظهر قلبه عبد الله بن مسعود، وأول من رمى بسهم في سبيل الله سعد بن مالك؛ وأول من قاتل على ظهر فرسه المقداد بن الأسود.
وعن سعيد بن جبير قال:
قتل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر ثلاثة صبراً: عقبة بن أبي معيط وطعيمة بن عدي والنضر بن الحارث؛ وكان المقداد أسر النضر، فلما أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتله قال المقداد: يا رسول الله! أسيري. فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنه كان يقول في كتاب الله ورسوله ما يقول. قال: فأمر بقتله، فقال: يا رسول الله! أسيري. فقال: إنه كان يقول في كتاب الله ورسوله ما يقول. يقال: يا رسول الله! أسيري. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم أغن المقداد من فضلك. قال: هذا الذي أردت. قال: ففيه نزلت هذه الآية: " وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إلا أساطير الأولين ".
عن ابن عباس قال: هبط جبريل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد وقد طرح المسلمون أسلحتهم، وعلى ثنايا جبريل أثر النقع فقال: يا محمد! قد طرحتم أسلحتكم والملائكة تقاتل! من هذا الذي قد حملك على ظهره؟ قال: هذا طلحة بن عبيد الله. قال: أقره السلام، وأعلمه الذي قد حملك على ظهره؟ قال: هذا طلحة بن عبيد الله. قال: أقره السلام، وأعلمه أني لا أراه في هول من أهوال يوم القيامة إلا استنقذته منه؛ من هذا الذي على البحر الذي
تعجب الملائكة من فريه! قال: هذا علي بن أبي طالب. قال: إن هذه المواساة. قال: إنه مني وأنا منه. قال: وأنا منكما. يا محمد! من هذا الذي بين يديك يبقي عليك؟ قال: هذا عمار بن ياسر. قال: حرمت النار على عمار، ملئ عمار إيماناً إلى مشاشه؛ من هذا الذي عن يمينك؟ قال: هذا المقداد. قال: إن الله يحبه ويأمرك بحبه.
قال سعيد بن المسيب: كانت راية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد مرط أسود كان لعائشة رضي الله عنها. فذكر الحديث، وفيه: الزبير على الرجال، ويقال: المقداد.
وعن أبي كبشة الأنماري قال: لما فتح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة كان الزبير بن العوام على المجنبة اليسرى، وكان لامقداد بن الأسود على المجنبة اليمنى؛ فلما دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة وهدأ الناس جاءا بفرسيهما، فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح الغبار عن وجههما بثوبه ثم قال: إني جعلت للفرس سهمين وللفارس سهماً، فمن نقصهما نقصه الله.
بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سرية وأمر عليهم المقداد، فلما رجعوا قال: كيف وجدت الإمارة يا أبا معبد؟ قال: خرجت يا رسول الله وأنا كأحدهم، ورجعت وانا أراهم كالعبيد لي. قال: كذلك الإمارة أبا معبد، إلا من وقاه الله شرها. قال: لا جرم، والذي بعثك بالحق، لا أتأمر على رجلين بعدها.
وعن محمود بن لبيد قال: نادي: الفزع الفزع ثلاثاً، ثم وقف واقفاً على فرسه حتى طلع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديد مقنعاً، فوقف واقفاً، فكان أول من أقبل إليه المقداد بن عمرة، وعليه الدرع والمغفر، شاهراً سيفه، فقعد له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لواء في رمحه وقال: امض حتى تلحقك
الخيول إنا على أثرك. قال المقداد: فخرجت وأنا أسأل الله الشهادة، حتى أدرك أخريات العدو وقد آذم بهم فرس لهم، فأقتحم فارسه وردف أحد أصحابه، فآخذ الفرس المذم فإذا مهر ضرع أشقر عتيق، لم يقو على العدو، وقد عدوا عليه من أقصى الغابة فحسر، فأرتبط في عنقه قطعة وتر وأخليه، وقلت: إن مر به أحد وأخذه حثته بعلامتي فيه، فأدرك مسعدة فأطعنه بالرمح فيه اللواء فزل الرمح، وعطف علي بوجهه فطعنني وآخذ الرمح بعضدي فكسرته، وأعجزني هرباً وأنصب لوائي فقلت: يراه أصحابي ويلحقني أبو قتادة معلماً بعمامة صفراء على فرس له، فسايرته ساعة ونحن ننظر إلى دبر ابن مسعدة فاستحث فرسه فتقدم على فرسي، فبان سبقه، وكان أجود من فرسي حتى غاب عني فلا أراه، ثم ألحقه فهذا هو ينزع بردته، فصحت: ما تصنع؟ قال: خير أصنع كما صنعت بالفرس، فإذا هو قد قتل سمعدة وسجاه ببردة. ورجعنا، فإذا فرسي في يد علبة بن زيد الحارثي، فقلت: فرسي وهذه علامتي. فقال: تعال إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعله مغنماً.
وخرج سلمة بن الأكوع على رجليه يعدو ويسبق الخيل مثل السبع، قال سلمة: حتى لحقت القوم، فجعلت أراميهم بالنبل وأقول حين أمرمي:
خذها وانا ابن الأكوع
على خيل من خيلهم، فإذا وجهت نحوي انطلقت هارباً، فأسبقها وأعمد إلى المكان
المعمور فأشرف عليه وأرمي بالنبل إذا أمكنني الرمي وأقول: من منهوك الرجز
خذها وأنا ابن الأكوع
اليوم يوم الرضع
فما زلت أكافحهم وأقول: قفوا قليلاً يلحقكم أربابكم من المهاجرين والأنصار؛ فيزدادون علي حنقاً، فيكرون علي، فأعجزهم هرباً، حتى انتهيت بهم إلى ذي قرد ولحقنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والخيول عشاء فقلت: يا رسول الله! إن القوم عطاش، أو ليس لهم ماء دون أحساء كذا وكذا؟ فلو بعثتني في مئة رجل استنقذت مما بأديديهم من السرح، وأخذت بأعناق القوم، فقال النبي: ملكت فأسجح. ثم قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنهم ليقرون في غطفان.
فحدثني خالد بن إلياس عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي الجهم قال: توافت الخيل وهم ثمانية: المقداد، وأو قتادة، ومعاذ بن ماعص، وسعد بن زيد، وأبو عياش
الزرقي، ومحرز بن نضلة، وعكاشة بن محصن، وربيعة بن أكثم.
وعن ابن عباس قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سرية فيها المقداد بن الأسود، فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا، وبقي رجل له مال كثير لم يبرح فقال: أشهد أن لا إله إلا الله. فأهوى إليه المقداد فقتله، فقال له رجل من أصحابه: أقتلت رجلاً شهد أن لا إله إلا الله فقتله المقداد. فقال: ادعوا لي المقداد. فقال: يا مقداد! أقتلت رجلاً قال لا إله إلا الله؟ فكيف بلا إله إلا الله غداً؟ فأنزل الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام ست مؤمناً " إلى قوله: " وكذلك كنتم من قبل "، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمقداد: كان رجلاً مؤمناً يخفي إيمانه مع قوم كفار، فأظهر إيمانه فقتلته، كذلك كنت أنت تخفي إيمانك بمكة قبل.
وعن الحارث بن سويد قال: كان المقداد بن الأسود في سرية فحصرهم العدو، فعزم الأمير أن لا يحسر أحد دابته، فحسر رجل دابته، لم تبلغه العزيمة، فضربه فرجع الرجل وهو يقول: ما رأيت كما لقيت قط. على المقداد فقال: ما شأنك؟ وذكر له قصته، فتقلد السيف وانطلق معه حتى انتهى إلى الأمير فقال: أقده من نفسك. فأقاده، فعفى الرجل لا سيف، فرجع المقداد وهو يقول: لأموتن والإسلام عزيز.
وعن ابن عباس في قول الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " قال: نزلت هذه الآية في رهط من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، منهم أبو بكر، وعمر،
وعلي، وعبد الله بم مسعود، وعثمان بن مظعون، والمقداد بن الأسود الكندي، وسالم مولى أب حذيفة بن عتبة؛ اجتمعوا في دار مظعون الجمحي، فتواثقوا أن يجبوا أنفسهم وأن يعتزلوا النساء، ولا يأكلوا لحماً ولا دسماً، وأن يلبسوا المسوح، ولا يأكلوا من الطعام إلا قوتاً، وأن يسيحوا في الأرض كهيئة الرهبان؛ فبلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أمرهم، فتى عثمان بن مظعون في منزله فلم يجده في منزله، ولا إياهم، فقال لأمرأه عثمان أم حكيم بنت أبي أمية بن حارثة السلمية: أحق ما بلغني عن زوجك وأصحابه؟ قالت: ما هو يا رسول الله؟ فأخبرها، وكرهت أن تحدث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين سألها، وكرهت أن تبدي على زوجها فقالت: يا رسول الله! إن كان أخبرك عثمان فقد صدقك. فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قولي لزوجك وأصحابه إذا رجعوا إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لكم: إني آكل وأشرب، وآكل اللحم والدسم، وأنام، وآتي النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني. فلما رجع عثمان وأصحابه أخبرته امرأته بما خبرها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: لقد بلغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنا فما أعجبه؟ فذروا ما ركه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ونزل فيهم: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما حل الله لكم " قال: من الطاعم والشارب والجماع " ولا تعتدوا " قال: في قطع المذاكر " إن الله لا يحب لمعتدين " قال: للحلال من الحرام.
وعن ثابت قال:
كان عبد الرحمن بن عوف والمقداد بن الأسود جالسين بتحدثان فقال له عبد الرحمن: ما يمنعك أن تزوج؟ فقال له المقداد: زوجني إنك. قال: فاغلظ له وجبهه، فسكت المقداد عنه. قال: ولم يصب أحداً منهم غم ولا غيظ ولا فتنة إلا شكى ذلك إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قال: وقام المقداد فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنظر إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعرف الغم في وجهه، فقال: ما شأنك يا مقداد؟ قال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، كنت عند عبد الرحمن بن عوف جالساً فقال لي: ما منعك يا مقداد أن تزوج؟ فقلت له: زوجني أنت ابنتك، فاإلظ ي وجبهني. فقال له
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لكني أزوجك - ولا فخر - ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب. قال ثابت: وكان بها من الجمال والعقل والتمام مع قرابتها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن ضباعة بنت الزبير - وكانت تحت المقداد بن عمرو - قالت: إنما كان الناس إنما يذهبون فرطاليوم والليلة - وفي حديث: اليوم واليومين والثلاثة - فيبعرون كل تبعر الإبل، فلما كان ذات يوم خرج المقداد لحاجته، حتى أتى بقيع الخبجبة، وهو بقيع الغرقد، فدخل خربة لحاجته، فبينا هو جالس إذ أخرج جرذ من حجر ديناراً، فلما يزل يخرج ديناراً ديناراً حتى أخرج سبعة عشر ديناراً، ثم أخرج طرف خرقة حمراء، قال المقداد: فقمت فأخذتها فوجدت فيها ديناراً فقمت ثمانية عشر ديناراً، فاخذتها فخرجت بها حتى جئت بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته خبرها، قال: فقال هل أتبعك يدك الجحر؟ قال: قلت لا والذي بعثك بالحق. قال: لا صدقة فيها، بارك الله لك فيها. قالت ضباعة: فما فني آخرها حتى رأيت غرائر الورق في بيت المقداد.
وعن بريدة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أمرني الله عز وجل بحب أربعة من أصحابي. قال: وأخبرني أنه يحبهم: علي منهم، وأبو ذر، وسلمان، والمقداد الكندي رضي الله عنهم.
وعن علي، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ألا أن الجنة اشتاقت إلى أربعة من أصحابي. فأمرني ربي أن أحبهم: فانتدب صهيب، وبلال بن رباح، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وحذيفة بن اليمان، وعمار بن ياسر؛ فقالوا: يا رسول الله! من هؤلاء الأربعة حتى نحبهم؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا عمار! أنت عرفك الله المنافقين، وأما هؤلاء الأربعة فأحدهم علي بن أبي طالب، والثاني المقداد بن الأسود الكندي، والثالث سلمان الفارسي، والرابع أبو ذر الغفاري.
وعن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لكل نبي سبعة نقباء نجباء، وإني قد أعطيت أربعة عشر نقيباً: علياً،
وابنيه، وحمزة، وجعفراً، وأبا بكر، وعمر، وابن مسعود، وحذيفة، والمقداد، وسلمان، وعماراً، وأبا ذر، وبلالاً.
وفي حديث آخر: وإني أعطيت أربعة عشر وزيراً نقيباً نجيباً، وسبعة من قريش وسبعة من المهاجرين.
وعن سلمان قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا سلمان! امض إلى فاطمة، فإن لها إليك حاجة. فجئت، فاستأذنت عليها، فإذا هي جالسة في وسط الدار، فلما نظرت إلي تبسمت فقالت: أبشرك يا سلمان! فقلت بشرك الله بخير يا مولاتي. قالت صليت البارحة وردي، فأخذت مضجعي فبينا أنا بين النائمة واليقظانة، إذ بصرت بأبواب السماء قد فتحت، وإذا ثلاثة جوار قد هبطن من السماء، لم أر أكمل منهن جمالاً! فقلت لإحاهن: من أنت؟ قالت أنا المقدودة، خلقت للمقداد بن الأسود الكندي. فقلت للثانية: من أنت؟ قالت: أنا ذرة، خلقت لأبي ذر الغفاري. قلت للثالثة: من أنت فقالت: أنا سلمى خلقت لسلمان الفارسي. فأعجبني جمالهن! قلت: فما لعلي بن أبي طالب منكن زوجة؟ فقلن: مهلاً إن الله عز وجل يستحي منك أن يغيرك في علي بن أبي طالب، فأنت زوجته في الدنيا وزوجته في الآخرة.
وعن جبير بن نفير قال:
جاءنا المقداد بن الأسود لحاجة فقلنا: اجلس عافاك الله، نطلب لك حاجتك، فجلس فقال: لعجب من قوم مررت بهم آنفاً يتمنون الفتنة! وقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن السعيد لمن جنب الفتن - فرددها ثلاثاً - ولمن ابتلى فصبر. وأيم الله، لا أشهد على أحد أنه من أهل الجنة حتى اعلم على ما يموت عليه، بعد حديث سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لقلب ابن آدم أسرع انقلاباً من القدر إذا استجمعت غلياً.
وعنه قال: جلسنا إلى المقداد بن السود يوماً، فمر به رجل فقال: طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول اله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! والله لوددنا أنا رأينا ما رأيت، وشهدنا ما شهدت. قال: فاستغضب المقداد، فجعلت أتعجب، ما قال الرجل إلا خيراً! ثم أقبل عليه فقال: ما يحمل الرجل على أن يتمنى شيئاً غيبه الله عنه، لا يدري لو شهده كيف كان يكون فيه؟ والله لقد حضر رسول الله حروف أقوام أكبهم الله على من أخرهم في جهنم، لم يعينوه ولم يصدقوه، أو لا تحمدون الله أن أخرجكم لا تعرفون إلا ربكم؟ مصدقون لما جاء به نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد كفيتم البلاء بغيركم؛ والله لقد بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أشد حال بعث عليه نبي من الأنبياء في فترة وجاهلية، ما يرون أن ديناً أفضل من عبادة الأوثان، فجاء بفرقان يفرق به بين الحق والباطل، وفرق بين الوالد وولده، حتى إن كان أرجل ليرى والده أو ولده أو جده كافراً وقد فتح الله قفل قلبه الوالد وولده، حتى إن كان الرجل ليرى والده أو ولده أو جده كافراً وقد فتح الله قفل قلبه لإيمان - يعني أنه إن ما يعني الكافر ودخل النار فلا تقر عينه - وهو يعلم أنه مات كان في النار؛ وإنها التي قال الله: " ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ".
وعن السائب بن يزيد قال: صحبت عبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص والمقداد بن الأسود، فلم أسمع أحداً منهم يتحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا أني سمعت طلحة بن عبيد الله يتحدث عن يوم أحد.
وعن كريمة ابنة المقداد عن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب قالت: كنت أنا وزوجي المقداد وسعد بن أبي وقاص على فراش، وعلينا خميل واحد.
وعن كريمة أن المقداد أوصى للحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب، لكل واحد منهما بثمانية عشر ألف درهم، وأوصى لأزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكل امرأة منهن بسبعة آلاف درهم، فقبلوا وصيته.
شرب المقداد بن الأسود دهن الخروع فمات، ولما مات بكى عليه عثمان بعد موته. فقال الزبير بن العوام وقيل ابن الزبير: من البسيط
لا ألفينك بعد الموت تندبني ... وفي حياتي مازودتني زادي
وكانت وفاة المقداد بالجرف - على ثلاثة أميال من المدينة - فحمل على رقاب الرجال حتى دفن بالبقيع، وصلى عليه عثمان بن عفان سنة ثلاث وثلاثين وعرمه سبعون سنة أو نحوها.