مصقلة بن هبيرة بن شبل
ابن يثربي بن امرئ القيس بن ربيعة بن مالك بن ثعلبة ابن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ن قاسط أبو الفضل البكري من وجوه أهل العراق، كان من أصحاب علي بن أبي طالب، وولي أردشيرخره من قبل ابن عباس، وعتب علي عليه في إعطاء مال الخراج لمن يقصده من بني عمه، وقيل: لأنه فدى نصارى ني ناجية بخمسمئة ألف فلم يردها كلها؛ ووفد على معاوية.
عن عوانة، قال: وخرج زياد من القلعة حتى قدم على معاوية فصالحه على ألفي ألف، ثم أقبل فلقيه مصقلة بن هبيرة وافداً إلى معاوية في الطريق، فقال له: يا مصقلة متى عهدك بأمير المؤمنين؟ قال: عاماً أول. قال: كم أعطاك؟ قال: عشرين ألفاً. قال: فهل لك أن أعطيكها على أن أعجل لك عشرة آلاف، وعشرة آلاف إذا فرغت، على أن تبلغه كلاماً؟ قال: نعم. قال: قل له إذا انتهيت إليه: أتاك زياد وقد أكل بر العراق وبحره، فخدعك، فصالحته على ألفي ألف؟ والله ما أرى الذي يقال إلا حقاً. قال: نعم. ثم أتى معاوية فقال له ذلك، فقال له معاوية: وما يقال يا مصقلة؟ قال: يقال: إنه ابن أبي سفيان. فقال معاوية: وإن ذلك ليقال؟ قال: نعم. قال: أبي قائلها إلا إثماً. فزعم أنه نقد مصقلة العشرة آلاف الأخرى بعدما ادعاه معاوية.
عن عمار، قال: كانت الخوارج تقول: إنعلياً سبى المسلمين، فلم يكن أحد أدرك علياً ولا ذلك إلا أبو الطفيل. قال: فلما قدمت سألت أبا الطفيل، فقال: إن علياً لم يسب مسلماً، إن علياً سبى بني ناجية وكانوا نصارى أسلموا ثم ارتدوا ثم ارتدوا عن الإسلام ورجعوا إلى النصرانية،
فقتل علي مقاتلتهم وسبى ذراريهم، وباعهم من مصقلة بن هبيرة بمئة ألف، فأعطاه خمسين ألفاً وبقيت عليه خمسون، فأعتقهم مصقلة ولحق بمعاوية، فأجاز علي عتقهم.
عن عبد الله بن فقيم، قال:
ثم إنه - يعني معقل بن قيس - أقبل بهم - يعني نصارى بني ناجية - حتى مر بهم على مصقلة بن هبيرة الشيباني، وهو عامل أردشيرخره، وهم خمسمئة إنسان، فبكى النساء والصبيان وصاح الرجال: يا أبا الفضل، يا حامي الرجال، ومأوى المعضب، وفكاك العناة، امنن علينا واشترنا فأعتقنا. فقال مصقلة: أقسم بالله لاأتصدقن عليكم، إن الله يجزي المتصدقين. فبلغها عنه علي، فقال: والله لولا أني أعلمه قالها توجعاً لهم لضربت عنقه، ولو كان في ذلك تفاني تميم وبكر بن وائل. ثم إن مصقلة بعث ذهل بن الحارث الذهلي إلى معقل بن قيس فقال له: بعني بني ناجية. فقال: نعم، أبيعكم بألف ألف فأبى عليه، فلم يزل يراوضه حتى باعهم بخمسمئة ألف، ودفعهم إليه، وقال له: عجل بالمال فأبى عليه، فلم يزل يراوضه حتى باعهم بخمسمئة ألف، ودفعهم إليه، وقال له: عجل بالمال إلى أمير المؤمنين، فقال: أنا باعث الآن بصدر، ثم أعث بصدر آخر، ثم كذلك حتىلا بقى منه شيء إن شاء الله؛ وأقبل معقل بن قيس إلى أمير المؤمنين فأخبره بما كان منه، فقال له: أحسنت وأصبت.
وانتظر علي مصقلة أن يبعث إليه بالمال، فأبطأ به، وبلغ علياً أن مصقلة خلى سبيل الأسارى، ولم يسألهم أن يعينوه في فكاك أنفسهم بشيء، فقال علي: ما أظن مصقلة إلا وقد تحمل حمالة، لا أراكم إلا سترونه عن قريب منها ملبداً؛ ثم إنه كتب إليه: أما بعد، فإن من أعظم الخيانة خيانة الأمة، وأعظم الغش على أهل المصر غش الإمام، وعندك من حق المسلمين خمسمئة ألف، فابعث بها إلي ساعة يأتيك رسولي، وإلا فأقبل حين تنظر في كتابي، فإني قد تقدمت إلى رسولي إليك ألا يدعك تقيم ساعة واحدة بعد قدومه عليك إلا أن تبعث بالمال، والسلام عليك.
وكان الرسول أبو جرة الحنفي، فقال له أبو جرة: إن بعثت بالمال الساعة، وإلا فاشخص إلى أمير المؤمنين. فلما قرأ كتابه أقبل حتى نزل البصرة، فمكث بها أياماً؛ ثم أن
ابن عباس سأله المال - وكان عمال البصرة يحملون من كور البصرة إلى ابن عباس، فيكون ابن عباس هو الذي يبعث به إلى علي - فقال له: نعم، انظرني أياماً، ثم أقبل حتى أتى علياً، فأقره علي أياماً ثم سأله المال، فأدى إليه مئتي ألف، ثم إنه عجز عنها ولم يقدر عليها.
قال ذهل ابن الحارث: دعاني مصقلة إلى رحلة، فقدم عشاؤه، فطعمنا منه، ثم قال: والله إن أمير المؤمنين ليسألني هذا المال وما أقدر عليه. فقلت: والله ما كنت لأحملها قومي، ولا أطلب فيها إلى أحد. ثم قال: أما والله لو أن ابن هند هو طالبني بها - أو ابن عفان - لتركها لي، ألم تر ابن عفان حيث أطعم الأشعث من خراج أذربيجان مئة ألف في كل سنة. فقلت له، إن هذا لا يرى ذاك الرأي، لا والله ما هو بتارك شيئاً. فسكت ساعة، وسكت عنه، فلا والله ما مكث إلا ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتى لحق بمعاوية. وبلغ ذلك علياً فقال: ما له - برحه الله - فعل فعل السيد، وفر فرار العبد، وخان خيانة الفاجر! أما إنه لو أقام فعجز ما زدنا على حبسه، فإن وجدنا له شيئاً أخذناه، وإن لم نقدر على مال تركناه. ثم سار علي إلى داره فهدمها، وكان أخوه نعيم بن هبيرة شيعياً، ولعلي مناصحاً، فكتب إليه مصقلة من الشام مع رجل من النصارى من بني تغلب يقال له: حلوان: أما بعد، فإني كلمت معاوية فيك، فوعدك الإمارة، ومناك الكرامة، فأقبل إلي ساعة يلقاك رسولي إن شاء الله، والسلام.
فيأخذه مالك بن كعب الأرحبي، فيسرحه إلى علي، فأخذ كتابه فقرأه، فقطع يده فمات، وكتب نعيم إلى مصقلة: " من البسيط "
لا ترمين هداك الله معترضاً ... بالظن منك فما بالي وحلوانا
ذاك الحريص على ما نال من طمع ... وهو البعيد فلا يحزنك إن خانا
ماذا أردت إلي بإرساله سفهاً ... ترجو سقاط امرئ لم يلف وسنانا
حتى تقحمت أمراً كنت تكرهه ... للراكبين له سراً وإعلانا
عرضته لعلي إنه أسد ... يمشي العرضنة من آساد خفانا
قد كنت في منظر عن ذا ومستمع ... تحمي العراق وتدعى خير شيبانا
لو كنت أديت ما للقوم مصطبراً ... للحق أحييت أحيانا وموتانا
لكن لحقت بأهل الشام ملتمساً ... فضل ابن هند وذاك الرأي أشجانا
فاليوم تقرع سن العجز من ندم ... ماذا تقول وقد كان الذي كانا
أصبحت تبغضك الأحياء قاطبة ... لم يرفع الله بالبغضاء إنسانا
فلما وقع الكتاب إليه علم أنه قد هلك، ولم يلبث التغلبيون إلا قليلاً حتى بلغهم هلاك صاحبهم حلوان، فأتوا مصقلة فقالوا: إنك بعثت صاحبنا فأهلكته، فإما أن تحييه وإما أن تديه. فقال: أما أن أحييه فلا أستطيع، ولكن سأديه. فوداه.
وبلغني أن مصقلة قال في ذلك: " من المتقارب "
لعمري لئن عاب أهل العراق ... علي انتعاشي بني ناجيه
لأعظم من عتقهم رقهم ... وأكفى بعتقهم عاليه
وزايدت فيهم لإطلاقهم ... وغاليت إن العلى غاليه
ثم إن معاوية بعد ذلك ولى مصقلة طبرستان، وبعثه في جيش عظيم، فأخذ العدو عليه المضايق، فهلك وجيشه، فقيل في المثل: حتى يرجع مصقلة من طبرستان.
عن مسلمة بن محارب، قال: مرض معاوية فأرجف به مصقلة بن هبيرة، وساعده قوم على ذلك، ثم تماثل معاوية وهم يرجفون به، فحمل زياد مصقلة إلى معاوية، وكتب إليه: إن مصقلة كان يجمع مراقاً من مراق العراق فيرجفون بأمير المؤمنين. وقد حملته إليك ليرى عافية الله إياك. فقدم مصقلة، وجلس معاوية للناس، فلما دخل مصقلة قال له معاوية: ادن، فدنا، فأخذ بيده وجيده، فسقط مصقلة، فقال معاوية: " من مجزوء الكامل "
أبقى الحوادث من خلي ... لك مثل جندلة المراجم
قد رامني الأقوام قب ... لك فامتنعت من النظالم
فقال مصقلة: يا أمير المؤمنين، قد أبقى الله منك ما هو أعظم من ذلك، حلماً وكلاً
ومرعى لأوليائك، وسما ناقعاً لعدوك، فمن يرومك، كانت الجاهلية وأبوك سيد المشركين، وأصبح الناس مسلمين وأنت أمير المؤمنين.
وأقام مصقلة، فوصله معاوية، وأذن له فانصرف إلى الكوفة، فقيل له: كيف تركت معاوية؟ قال: زعمتم أنه لما به، والله لغمز يدي غمزة كاد يحطمها، وجبذني جبذة كاد يكسر مني غضواً.
عن كليب بن خلف، قال: ثم غزا مصقلة خراسان أيام معاوية في عشرة آلاف، فأصيب وجنده بالرويان، وهي متاخمة طبرستان، فهلكوا في واد من أوديتها، أخذ العدو عليهم بمضايقة، فقتلوا جميعاً، فهو يسمى وادي مصقلة.
قال: وكان يضرب به المثل: حتى يرجع مصقلة من طبرستان. والله أعلم.
ابن يثربي بن امرئ القيس بن ربيعة بن مالك بن ثعلبة ابن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ن قاسط أبو الفضل البكري من وجوه أهل العراق، كان من أصحاب علي بن أبي طالب، وولي أردشيرخره من قبل ابن عباس، وعتب علي عليه في إعطاء مال الخراج لمن يقصده من بني عمه، وقيل: لأنه فدى نصارى ني ناجية بخمسمئة ألف فلم يردها كلها؛ ووفد على معاوية.
عن عوانة، قال: وخرج زياد من القلعة حتى قدم على معاوية فصالحه على ألفي ألف، ثم أقبل فلقيه مصقلة بن هبيرة وافداً إلى معاوية في الطريق، فقال له: يا مصقلة متى عهدك بأمير المؤمنين؟ قال: عاماً أول. قال: كم أعطاك؟ قال: عشرين ألفاً. قال: فهل لك أن أعطيكها على أن أعجل لك عشرة آلاف، وعشرة آلاف إذا فرغت، على أن تبلغه كلاماً؟ قال: نعم. قال: قل له إذا انتهيت إليه: أتاك زياد وقد أكل بر العراق وبحره، فخدعك، فصالحته على ألفي ألف؟ والله ما أرى الذي يقال إلا حقاً. قال: نعم. ثم أتى معاوية فقال له ذلك، فقال له معاوية: وما يقال يا مصقلة؟ قال: يقال: إنه ابن أبي سفيان. فقال معاوية: وإن ذلك ليقال؟ قال: نعم. قال: أبي قائلها إلا إثماً. فزعم أنه نقد مصقلة العشرة آلاف الأخرى بعدما ادعاه معاوية.
عن عمار، قال: كانت الخوارج تقول: إنعلياً سبى المسلمين، فلم يكن أحد أدرك علياً ولا ذلك إلا أبو الطفيل. قال: فلما قدمت سألت أبا الطفيل، فقال: إن علياً لم يسب مسلماً، إن علياً سبى بني ناجية وكانوا نصارى أسلموا ثم ارتدوا ثم ارتدوا عن الإسلام ورجعوا إلى النصرانية،
فقتل علي مقاتلتهم وسبى ذراريهم، وباعهم من مصقلة بن هبيرة بمئة ألف، فأعطاه خمسين ألفاً وبقيت عليه خمسون، فأعتقهم مصقلة ولحق بمعاوية، فأجاز علي عتقهم.
عن عبد الله بن فقيم، قال:
ثم إنه - يعني معقل بن قيس - أقبل بهم - يعني نصارى بني ناجية - حتى مر بهم على مصقلة بن هبيرة الشيباني، وهو عامل أردشيرخره، وهم خمسمئة إنسان، فبكى النساء والصبيان وصاح الرجال: يا أبا الفضل، يا حامي الرجال، ومأوى المعضب، وفكاك العناة، امنن علينا واشترنا فأعتقنا. فقال مصقلة: أقسم بالله لاأتصدقن عليكم، إن الله يجزي المتصدقين. فبلغها عنه علي، فقال: والله لولا أني أعلمه قالها توجعاً لهم لضربت عنقه، ولو كان في ذلك تفاني تميم وبكر بن وائل. ثم إن مصقلة بعث ذهل بن الحارث الذهلي إلى معقل بن قيس فقال له: بعني بني ناجية. فقال: نعم، أبيعكم بألف ألف فأبى عليه، فلم يزل يراوضه حتى باعهم بخمسمئة ألف، ودفعهم إليه، وقال له: عجل بالمال فأبى عليه، فلم يزل يراوضه حتى باعهم بخمسمئة ألف، ودفعهم إليه، وقال له: عجل بالمال إلى أمير المؤمنين، فقال: أنا باعث الآن بصدر، ثم أعث بصدر آخر، ثم كذلك حتىلا بقى منه شيء إن شاء الله؛ وأقبل معقل بن قيس إلى أمير المؤمنين فأخبره بما كان منه، فقال له: أحسنت وأصبت.
وانتظر علي مصقلة أن يبعث إليه بالمال، فأبطأ به، وبلغ علياً أن مصقلة خلى سبيل الأسارى، ولم يسألهم أن يعينوه في فكاك أنفسهم بشيء، فقال علي: ما أظن مصقلة إلا وقد تحمل حمالة، لا أراكم إلا سترونه عن قريب منها ملبداً؛ ثم إنه كتب إليه: أما بعد، فإن من أعظم الخيانة خيانة الأمة، وأعظم الغش على أهل المصر غش الإمام، وعندك من حق المسلمين خمسمئة ألف، فابعث بها إلي ساعة يأتيك رسولي، وإلا فأقبل حين تنظر في كتابي، فإني قد تقدمت إلى رسولي إليك ألا يدعك تقيم ساعة واحدة بعد قدومه عليك إلا أن تبعث بالمال، والسلام عليك.
وكان الرسول أبو جرة الحنفي، فقال له أبو جرة: إن بعثت بالمال الساعة، وإلا فاشخص إلى أمير المؤمنين. فلما قرأ كتابه أقبل حتى نزل البصرة، فمكث بها أياماً؛ ثم أن
ابن عباس سأله المال - وكان عمال البصرة يحملون من كور البصرة إلى ابن عباس، فيكون ابن عباس هو الذي يبعث به إلى علي - فقال له: نعم، انظرني أياماً، ثم أقبل حتى أتى علياً، فأقره علي أياماً ثم سأله المال، فأدى إليه مئتي ألف، ثم إنه عجز عنها ولم يقدر عليها.
قال ذهل ابن الحارث: دعاني مصقلة إلى رحلة، فقدم عشاؤه، فطعمنا منه، ثم قال: والله إن أمير المؤمنين ليسألني هذا المال وما أقدر عليه. فقلت: والله ما كنت لأحملها قومي، ولا أطلب فيها إلى أحد. ثم قال: أما والله لو أن ابن هند هو طالبني بها - أو ابن عفان - لتركها لي، ألم تر ابن عفان حيث أطعم الأشعث من خراج أذربيجان مئة ألف في كل سنة. فقلت له، إن هذا لا يرى ذاك الرأي، لا والله ما هو بتارك شيئاً. فسكت ساعة، وسكت عنه، فلا والله ما مكث إلا ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتى لحق بمعاوية. وبلغ ذلك علياً فقال: ما له - برحه الله - فعل فعل السيد، وفر فرار العبد، وخان خيانة الفاجر! أما إنه لو أقام فعجز ما زدنا على حبسه، فإن وجدنا له شيئاً أخذناه، وإن لم نقدر على مال تركناه. ثم سار علي إلى داره فهدمها، وكان أخوه نعيم بن هبيرة شيعياً، ولعلي مناصحاً، فكتب إليه مصقلة من الشام مع رجل من النصارى من بني تغلب يقال له: حلوان: أما بعد، فإني كلمت معاوية فيك، فوعدك الإمارة، ومناك الكرامة، فأقبل إلي ساعة يلقاك رسولي إن شاء الله، والسلام.
فيأخذه مالك بن كعب الأرحبي، فيسرحه إلى علي، فأخذ كتابه فقرأه، فقطع يده فمات، وكتب نعيم إلى مصقلة: " من البسيط "
لا ترمين هداك الله معترضاً ... بالظن منك فما بالي وحلوانا
ذاك الحريص على ما نال من طمع ... وهو البعيد فلا يحزنك إن خانا
ماذا أردت إلي بإرساله سفهاً ... ترجو سقاط امرئ لم يلف وسنانا
حتى تقحمت أمراً كنت تكرهه ... للراكبين له سراً وإعلانا
عرضته لعلي إنه أسد ... يمشي العرضنة من آساد خفانا
قد كنت في منظر عن ذا ومستمع ... تحمي العراق وتدعى خير شيبانا
لو كنت أديت ما للقوم مصطبراً ... للحق أحييت أحيانا وموتانا
لكن لحقت بأهل الشام ملتمساً ... فضل ابن هند وذاك الرأي أشجانا
فاليوم تقرع سن العجز من ندم ... ماذا تقول وقد كان الذي كانا
أصبحت تبغضك الأحياء قاطبة ... لم يرفع الله بالبغضاء إنسانا
فلما وقع الكتاب إليه علم أنه قد هلك، ولم يلبث التغلبيون إلا قليلاً حتى بلغهم هلاك صاحبهم حلوان، فأتوا مصقلة فقالوا: إنك بعثت صاحبنا فأهلكته، فإما أن تحييه وإما أن تديه. فقال: أما أن أحييه فلا أستطيع، ولكن سأديه. فوداه.
وبلغني أن مصقلة قال في ذلك: " من المتقارب "
لعمري لئن عاب أهل العراق ... علي انتعاشي بني ناجيه
لأعظم من عتقهم رقهم ... وأكفى بعتقهم عاليه
وزايدت فيهم لإطلاقهم ... وغاليت إن العلى غاليه
ثم إن معاوية بعد ذلك ولى مصقلة طبرستان، وبعثه في جيش عظيم، فأخذ العدو عليه المضايق، فهلك وجيشه، فقيل في المثل: حتى يرجع مصقلة من طبرستان.
عن مسلمة بن محارب، قال: مرض معاوية فأرجف به مصقلة بن هبيرة، وساعده قوم على ذلك، ثم تماثل معاوية وهم يرجفون به، فحمل زياد مصقلة إلى معاوية، وكتب إليه: إن مصقلة كان يجمع مراقاً من مراق العراق فيرجفون بأمير المؤمنين. وقد حملته إليك ليرى عافية الله إياك. فقدم مصقلة، وجلس معاوية للناس، فلما دخل مصقلة قال له معاوية: ادن، فدنا، فأخذ بيده وجيده، فسقط مصقلة، فقال معاوية: " من مجزوء الكامل "
أبقى الحوادث من خلي ... لك مثل جندلة المراجم
قد رامني الأقوام قب ... لك فامتنعت من النظالم
فقال مصقلة: يا أمير المؤمنين، قد أبقى الله منك ما هو أعظم من ذلك، حلماً وكلاً
ومرعى لأوليائك، وسما ناقعاً لعدوك، فمن يرومك، كانت الجاهلية وأبوك سيد المشركين، وأصبح الناس مسلمين وأنت أمير المؤمنين.
وأقام مصقلة، فوصله معاوية، وأذن له فانصرف إلى الكوفة، فقيل له: كيف تركت معاوية؟ قال: زعمتم أنه لما به، والله لغمز يدي غمزة كاد يحطمها، وجبذني جبذة كاد يكسر مني غضواً.
عن كليب بن خلف، قال: ثم غزا مصقلة خراسان أيام معاوية في عشرة آلاف، فأصيب وجنده بالرويان، وهي متاخمة طبرستان، فهلكوا في واد من أوديتها، أخذ العدو عليهم بمضايقة، فقتلوا جميعاً، فهو يسمى وادي مصقلة.
قال: وكان يضرب به المثل: حتى يرجع مصقلة من طبرستان. والله أعلم.