مروان بن سليمان بن يحيى
ابن أبي حفصة واسم أبي حفصة يزيد. أبو السمط، ويقال: أبو الهيذام الشاعر وأبو حفصة مولى مروان بن الحكم.
مدح جماعة من الخلفاء والأمراء، فأجاد، ووفد مع عمومته على الوليد بن يزيد.
قال في الوليد: " من الخفيف "
إن بالشام بالموقر عزاً ... وملوكاً مباركين شهودا
سادة من بني يزيد كراماً ... سبقوا الناس مكرمات وجودا
هان يا ناقتي علي فسيري ... أن تموتي إذا لقيت الوليدا
قال أبو بكر الخطيب: وكان أبو حفصة مولى مروان بن الحكم، أعتقه يوم الدار لأنه أبلى يومئذ بلاءً حسناً، واسمه يزيد.
وقيل: إن أبا حفصة كان يهودياً طبيباً، أسلم على يد عثمان بن عفان، وقيل: على يد مروان بن الحكم. ويزعم أهل المدينة أنه كان من موالي السموأل بن عادياء، وأنه سبي من إصطخر وهو غلام، فاشتراه عثمان ووهبه لمروان بن الحكم.
ومروان بن سليمان شاعر مجود محكك للشعر، وهو من أهل اليمامة، وقدم بغداد ومدح المهدي والرشيد، وكان يتقرب إلى الرشيد بهجاء العلوية في شعره، وله في معن بن زائدة مدائح ومراث عجيبة.
وقيل: إنه قال الشعر وهو غلام لو يبلغ سنة العشرين.
قال مصعب الزبيري: كان أبو حفصة طبيباً يهودياً، أسلم على يدي مروان بن الحكم، وكان معه يوم الدار يوم قتل عثمان، وحمله إلى العالية حين ضرب يوم الدار وكان يداويه حتى برأ.
قال: والذي عند أهل المدينة لا اختلاف بينهم في ذلك، أن أبا حفصة كان مولى السموأل بن عادياء.
قال مصعب: وأنا أفرق أن أقول لهم ذلك.
عن محمد بن سعيد بن أبي مريم، قال:
سمعت الشافعي يقول: ليس لقريش كلها شعر جيد، وأشعرها ابن هرمة، ثم مروان بن أبي حفصة.
قال الكسائي: إنما الشعر سقاء تمخض فدفعت الزبدة إلى مروان بن أبي حفصة.
حدث محمد بن بشار، قال: رأيت مروان يعرض على أبي أشعاره، فقال له أبي: إن وفيت قيم قيم أشعارك استغنيت.
حدث أبو حاتم، قال: قلت لأبي عبيدة: مروان أشعر أم بشار؟ قال: حكم بشار لنفسه بالاستظهار لأنه قال ثلاثة عشر ألف بيت ببيت جيد، ولا يكون عدد الجيد من الشعر شعراء الجاهلية والإسلام هذا العدد، وما أحسبهم برزوا في مثلها، ومروان أمدح للملوك.
قال الرياشي: سألت الأصمعي عن مرون بن أبي حفصة، فقال لي: كان مولداً ولم يكن له علم باللغة.
عن الفضل بن بزيغ، قال: رأيت مروان بن أبي حفصة قد دخل على المهدي بعد موت معن بن زائدة في جماعة من الشعراء منهم سلم الخاسر وغيره، فأنشده مديحاً له، فقال له: من؟ قال: شاعرك مروان بن أبي حفصة. فقال المهدي: ألست القائل: " من الوافر "
أقمنا باليمامة بعد معن ... مقاماً ما نريد به زيالا
وقلنا: أين نرحل بعد معن ... وقد ذهب النوال فلا نوالا
قد جئت تطلب نوالنا وقد ذهب النوال؟ لا شيء لنا عندنا، جروا برجله، فجر برجله على الخلفاء في ذلك الحين في كل عام مرة. قال: فمثل بين يديه، وأنشده قصيدته التي قال: فأنصت لها حتى بلغ إلى قوله:
هل تطمسون من السماء نجومها ... بأكفكم أو تسترون هلالها
أو تدفعون مقالة عن ربكم ... جبريل بلغها النبي فقالها
شهدت من الأنفال آخر آية ... بتراثهم فأردتم إبطالها
يعني بني علي وبني العباس.
قال: فرأيت المهدي وقد تزاحف من صدر مصلاه حتى صار على البساط إعجاباً بما سمع، ثم قال له: كم هي بيتاً؟ قال: مئة بيت. فأمر له بمئة ألف درهم.
قال: فإنها لأول مئة ألف أعطيها شاعر في خلافة بني العباس.
قال: فلم تلبث الأيام أن أفضت الخلافة إلى هارون الرشيد. قال: فرأيت مروان ماثلاً مع الشعراء بين يدي الرشيد، وقد أنشده شعراً، فقال له: من؟ قال: شاعرك مروان بن أبي حفصة. قال: ألست القائل - البيتين اللذين له في معن اللذين أنشدهما المهدي - خذوا بيده فأخرجوه فإنه لا شيء له عندنا. فأخرج، فلما كان بعد ذلك بيومين تطف حتى دخل، فأنشده قصيدته التي يقول فيها: " من الطويل "
لعمرك لا أنسى غداة المحصب ... إشارة سلمى بالبنان المخضب
وقد صدر الحجاج إلا أقلهم ... مصادر شتى موكباً بعد موكب
قال: فأعجبه، فقال له: كم قصيدتك بيتاً؟ قال له: ستون - أو سبعون -، فأمر له بعد أبياتها ألوفاً، فكان ذلك رسم مروان حتى مات.
عن محمد بن زياد، قال: دخل مروان بن أبي حفصة على المهدي، وعنده جماعة فأنشده: " من الطويل "
صحا بعد جهل واستراحت عواذله
قال: فقال لي: ويحك، كم هي بيتاً؟ قلت: يا أمير المؤمنين، سبعون بيتاً. قال: فإن لك عندي سبعين ألفاً. قال: فقلت في نفسي: بالنسيئة، إنا لله وإنا إليه راحعون. ثم قلت: يا أمير المؤمنين، اسمع مني أبياتاً حضرت، فما في الأرض أنبل من كفيلي. قال: هات. فاندفعت فأنشدته:
كفاكم بعباس أبي الفضل والداً ... فما من أب إلا أبو الفضل فاضله
كأن أمير المؤمنين محمداً ... أبو جعفر في كل أمر يحاوله
إليك قصرنا النصف من صلواتنا ... مسيرة شهر بعد شهر نواصله
فلا نحن نخشى أن يخيب مسرنا ... إليك ولكن أهنأ البر عاجله
قال: فتبسم وقال: عجلوها. فحملت إلي من وقتها.
عن الرياش، قال: قال رجل لمروان بن أبي حفصة: ما حملك على أن تناولت ولد علي في شعرك؟ قال: والله ما حملني على ذلك بغضاء لهم، ولقد مدحت أمير المؤمنين بشعري الذي أقول فيه: " من الكامل "
طرقتك زائرة فحي خيالها ... بيضاء تخلط بالحياء دلالها
حتى بلغت إلى قولى:
هل تطمسون من السماء نجومها ... بأكفكم أم تسترون هلالها
أم تدفعون مقالة عن ربه ... جبريل بلغها النبي فقالها
شهدت من الأنفال آخر آية ... بتراثهم فأردتم إبطالها
فذروا الأسود خوادراً في غيلها ... لا تولغن دماكم أشبالها
فقال المهدي: وجب حقك على هؤلاء القوم. ثم أمر لي بخمسين ألف درهم، وأمر أولاده أن يبروني، فبروني بثلاثين ألف درهم.
وعن عبيد الله بن إسحاق بن سلام، قال: خرج مروان من دار المهدي ومعه ثمانون ألف درهم، فمر بزمن فسأله، فأعطاه ثلثي درهم. فقيل له: هلا أعطيته درهماً؟ فقال: لو أعطيت مئة ألف لأتممت له درهماً!.
قال: وكان مروان يبخل، فلا يسرج له داره، فإذا أراد أن ينام أضاءت له الجارية بقصبة إلى أن ينام.
قال عبد الله بن مصعب: دخل مروان بن أبي حفصة على أمير المؤمنين الهادي، فأنشده مديهاً له حتى إذا بلغ قوله: " من الطويل "
تشابه يوماً بأسه ونواله ... فما أحد يدري لأيهما الفضل
فقال له الهادي: أيما أحب إليك، ثلاثون ألفاً معجلة أو مئة ألف تدون في الدواووين؟ فقال: يا أمير المؤمنين، أنت تحسن ما هو أحسن من هذا، ولكنك أنسته، أفتأذن لي أن أذكرك؟ قال: نعم. قال: تعجل الثلاثون الألف وتدون المئة الألف. قال: يعجلان لك جميعاً. فحمل ذلك إليه.
وقال عبد الصمد بن المعذل: دخل مروان بن أبي حفصة وسلم الخاسر ومنصور النمري على الرشيد، فأنشده قصيدته التي يقول فيها: " من الكامل "
أنى يكون وليس ذاك بكائن ... لبني البنات وراثة الأعمام
وأنشده سلم: " من الكامل "
حضر الرحيل وشدت الأحداج
وأنشده النمري قصيدته التي يقول فيها: " من البسيط "
إن المكارم والمعروف أودية ... أحلك الله منها حيث تجتمع
فأمر لكل واحد منهم بمئة ألف درهم. فقال له يحيى بن خالد: يا أمير المؤمنين، مروان شاعرك خاصة، أقد ألحقتهم به؟ قال: فليزد مروان عشرة آلاف.
قال مروان بن أبي حفصة: خرجت إلى معن بن زائدة فأنشدته: " من الكامل "
هاجت هواك بواكر الأحزان ... يوم النوى فظللت ذا أحزان
فلما صرت إلى قولي:
لولا رجاؤك ما تخطت ناقتي ... عرض الدبيل ولا قرى نجران
قال: صدقت والله. فلما بلغت إلى قولي:
لولا رجاؤك ماتخطت ناقتي ... عرض الدبيل ولا قرى نجران
قال: صدقت والله. فلما بلغت إلى قولي:
مطر أبوك أبو الفوارس والذي ... بالخير حاز هجائن النعمان النعمان
قال: وأنى وقع إليك هذا اليوم؟ فقلت: أصلح الله الأمير، لهو أشهر من ذلك، قال: فسر بذلك، وأنشدته قصيدتي التي أقول فيها: " من الكامل "
مسحت قطيعة وجه معن سابقاً ... لما جدا وجزى ذوو الأحساب
قال: فأعجب به، وأقبل يقول في كل أيام دخلت عليه: قم يا مروان؛ فأنشده هذا الشعر.
حدث العتبي، قال: قدم معن بن زائدة بغداد، فأتاه الناس وأتاه ابن أبي حفصة، فإذا المجلس غاص بأهله، فأخذ بعضادتي الباب ثم قال: " من الطويل "
وما أحجم الأعداء عنكم بقية ... عليك ولكن لم يروا فيك مطمعا
له راحتان الجود والحتف فيهما ... أبى الله إلا أن تضرا وتنفعا
فقال معن: احتكم يا أبا السمط. فقال: عشرة آلاف. فقال معن: ربحت عليك - والله - تسعين ألفاً.
أنشد ابن قتيبة لمروان بن أبي حفصة في بني مطر: " من الطويل "
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا ... أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا
هم يمنعون الجار حتى كأنما ... لجارهم بين السماكين منزل
قال مروان: أنشدت معن بن زائدة أربعة أبيات فأعطاني بها أربعة آلاف دينار، فبلغت أبا جعفر فقال: ويلي على الأعرابي الجلف؛ فاعتذر إليه فقال له: يا أمير المؤمنين إنما أعطيته على جودك؛ فسوغه إياها.
فلما مات معن رثاه مروان بقوله: " من الطويل "
ألما على معن فقولا لقبره ... سقيت الغوادي مربعاً ثم مربعا
فيا قبر معن كنت أول حفرة ... من الأرض خطت للمكارم مضجعا
يل قبر معن كيف واريت جوده ... وقد كان منه البر والبحر مترعا
ولكن صممت الجود والجود ميت ... ولو كان حياً ضقت حتى تصدعا
ولما مضى معن مضى الجود والندى ... وأصبح عرنين المكارم أجدعا
وما كان إلا الجود صورة خلقه ... فعاش زماناً ثم مات فودعا
فتى عيش من معروفه بعد موته ... كما كان بعد السيل مجراه مربعا
تعز أبا العباس عنه ولا يكن ... ثوابك من معن بأن تتضعضعا
تمنى رجال شأوه من ضلالهم ... فأضحوا على الأذقان صرعى وظلعا
قال مروان: لقيني الناطفي فدعاني إلى عنان، فانطلقت معه، فدخل إليها قبلي فقال لها: قد جئتك بأشعر الناس مروان بن أبي حفصة - وكانت عليلة - فقالت: إني عن مروان لفي شغل؛ فأهوى بسوطه فضربها به، فقال لي: ادخل، فدخلت وهي تبكي، فرأيت الدموع تنحدر من عينيها، فقلت: " من السريع "
بكت عنان مسبل دمعها ... كالدر إذ يسبق من خيطه
فقالت مسرعة:
فليت من يضربها ظالماً ... تيبس يمناه على سوطه
فقلت للنطاف: اعتق مروان ما يملك إن كان في الجن والإنس مثلها.
حدث علي بن محمد النوفلي، قال: سمعت أبي يقول: كان مروان بن أبي حفصة لا يأكل اللحم بخلاً حتى يقرم إليه، فإذا قرم أرسل غلامه فاشترى له رأساً فأكله. فقيل له: نراك لا تأكل إلا الرؤوس في الصيف والشتاء، فلم تختار ذلك؟ قال: نعم، الرأس أعرف سعره فآمن خيانة الغلام، ولا يستطيع أن يغبني فيه، وليس بلحم يطبخه الغلام فيقدر أن يأكل منه، وإن مس عيناً أو أذناً أو خداً وقفت على ذلك، وآكل منه ألواناً؛ آكل عينه لوناً، وأذنه لوناً، وغلصمته لوناً، ودماغه لوناً، وأكفى مؤونة طبخه، فقد اجتمعت لي فيه مرافق! عن جهم بن خلف، قال: أتينا اليمامة فنزلنا على مروان بن أبي حفصة، فأطعمنا تمراً، وأرسل غلامه بفلس وسكرجة يشتري به زيتاً، فلما جاء بالزيت قال: خنتني! قال: من فلس كيف أخونك؟ قال: أخذت الفلس لنفسك واستوهبت زيتاً!.
عن أبي العيناء محمد بن القاسم اليمامي، قال: كان مروان بن أبي حفصة من أبخل الناس، خرج يريد الخليفة المهدي فقالت له امرأة من أهله: ما لي عليك إن رجعت بالجائزة؟ قال: إن أعطيت مئة ألف درهم أعطيتك درهماً. فأعطي ستين ألفاً، فدفع إليها أربعة دوانيق!.
وكان قد اشترى يوماً لحماً بدرهم، فدعاه صديق له، فرد اللحم إلى القصاب بنقصان دانق، وقال: أكره الإسراف!.
وهجاه بعض الشعراء فقال: " من الطويل "
وليس لمروان على العرس غيرة ... ولكن مروناً يغار على القدر
قال مروان بن أبي حفصة يرثي معن بن زائدة الشيباني: " من الوافر "
مضى لسبيله معن وأبقى ... محامد لن تبيد ولن تنالا
كأن الشمس يوم أصيب معن ... من الإظلام ملبسة جلالا
هو الجبل الذي كانت نزار ... تهد من العدو به الجبالا
وعطلت الثغور لفقد معن ... وقد يروي بها الأسل النهالا
وأظلمت العراق وألبستها ... مصائبه المجللة اختلالا
وظل الشام يرجف جانباه ... لركن العز حين وهى فمالا
وكادت من تهامة كل أرض ... ومن نجد تزول غداة زالا
فإن يعل البلاد له خشوع ... فقد كانت تطيل به اختيالا
أصاب الموت يوم أصاب معناً ... من الأخيار أكرمهم فعالا
وكان الناس كلهم لمعن ... إلى أن غير ابن زائدة ارتحالا
ثوى من كان يحمل كل ثقل ... ويسبق فيض راحته السؤالا
وما نزل الوفود بمثل معن ... ولا حطوا بساحته الرحالا
وما بلغت أكف ذوي العطايا ... يميناً من يديه ولا شمالا
وما كانت تجف له حياض ... من المعروف مترعة سجالا
لأبيض لا يعد المال حتى ... يعم به بغاة الخير مالا
فليت الشامتين به فدوة ... وليت العمر مد له فطالا
ولم يك كنزه ذهباً ولكن ... سيوف الهند والحلق المذالا
ومادته من الخطي سمراً ... ترى فيهن ليناً واعتدالا
وذخراً من مكارم باقيات ... وفضل تقى به التفضيل نالا
لئن أمست زوائد قد أذيلت ... جياد كان يكره أن تزالا
لقد كانت تصان به وتسمو ... بها عققاً ويرجعها خيالا
وقد حوت النهاب فأحرزته ... وقد غشيت من الموت الطلالا
زاد الخطيب:
مضى لسبيله من كنت ترجو ... به عثرات دهرك أن تقالا
فلست بمالك عبرات عيني ... أبت بدموعها إلا انهمالا
وفي الأحشاء منك عليك حزن ... كحر النار تشتعل اشتعالا
كأن الليل واصل بعد معن ... ليالي قد قرن به طوالا
لقد أورثتني وبني هماً ... وأحزاناً نطيل به اشتغالا
وقائلة رأت جسدي ولوني ... معاً عن عهدها قلباً فحالا
رأت رجلاً براه الحزن حتى ... أضر به وأورثه خبالا
أرى مروان عاد كذي نحول ... من الهندي قد فقد الصقالا
فقلت لها: الذي أنكرت مني ... لفجع مصيبة أبكى وغالا
وأيام المنون لها صروف ... تقلب بالفتى حالاً فحالا
يرانا الناس بعدك قبل دهر ... أبى لجدودنا إلا اغتيالا
فنحن كأسهم لم يبق ريشاً ... لها ريب الزمان ولا نصالا
وقد كنا بحوض نداك نروى ... ولا نرد المصردة السمالا
فلهف أبي عليك إذا العطايا ... جعلن من كواذب واعتلالا
ولهف أبي عليك إذا الأسارى ... شكوا خلقاً بأسوقهم ثقالا
ولهف أبي عليك إذا اليتامى ... غدوا شعثاً كأن بهم سلالا
ولهف أبي عليك إذا المواشي ... فرت جدباً تمات به هزالا
ولهف أبي عليك لكل هيجا ... لها تلقي حواملها السخالا
ولهف أبي عليك إذا القوافي ... للمتدح بها ذهبت ضلالا
ولهف أبي عليك لكل أمر ... يقول له النجي ألا احتيالا
أقمنا باليمامة بعد معن ... مقاماً ما نريد به زيالا
وقلنا أين نذهب بعد معن ... وقد ذهب النوال فلا نوالا
فإن تذهب قرب رعال خيل ... عوابس قد لقيت بها رعالا
وقوم قد جعلت لهم ربيعاً ... وقوم قد جعلت لهم نكالا
فما شهد الوقائع منك أمضى ... وأكرم محتداً وأسد آلا
سيذكرك الخليفة غير قال ... إذا هو في الأمور بلا الرجالا
ولا ينسى وقائعك اللواتي ... على أعدائه جعلت وبالا
ومعترك شهدت به حفاظاً ... وقد كرهت فوارسه النزالا
حباك أخو أمية بالمراثي ... مع المدح اللواتي كان قالا
أقام وكان نحوك كل عام ... يطيل لواسط الرحل اعتقالا
فألقى رحله أسفاً وآلى ... يميناً لا يشد له حبالا
ذكر إدريس بن سليمان بن أبي حفصة: أن مروان توفي سنة إحدى وثمانين ومئة، ودفن ببغداد في مقبرة نصر بن مالك، وقال غبيره: كان مولده سنة خمس ومئة.
وقال يعقوب بن سفيان: سنة اثنتين وثمانين ومئة، فيها مات مروان بن أبي حفصة الشاعر النبيل، رحمه الله تعالى.
ابن أبي حفصة واسم أبي حفصة يزيد. أبو السمط، ويقال: أبو الهيذام الشاعر وأبو حفصة مولى مروان بن الحكم.
مدح جماعة من الخلفاء والأمراء، فأجاد، ووفد مع عمومته على الوليد بن يزيد.
قال في الوليد: " من الخفيف "
إن بالشام بالموقر عزاً ... وملوكاً مباركين شهودا
سادة من بني يزيد كراماً ... سبقوا الناس مكرمات وجودا
هان يا ناقتي علي فسيري ... أن تموتي إذا لقيت الوليدا
قال أبو بكر الخطيب: وكان أبو حفصة مولى مروان بن الحكم، أعتقه يوم الدار لأنه أبلى يومئذ بلاءً حسناً، واسمه يزيد.
وقيل: إن أبا حفصة كان يهودياً طبيباً، أسلم على يد عثمان بن عفان، وقيل: على يد مروان بن الحكم. ويزعم أهل المدينة أنه كان من موالي السموأل بن عادياء، وأنه سبي من إصطخر وهو غلام، فاشتراه عثمان ووهبه لمروان بن الحكم.
ومروان بن سليمان شاعر مجود محكك للشعر، وهو من أهل اليمامة، وقدم بغداد ومدح المهدي والرشيد، وكان يتقرب إلى الرشيد بهجاء العلوية في شعره، وله في معن بن زائدة مدائح ومراث عجيبة.
وقيل: إنه قال الشعر وهو غلام لو يبلغ سنة العشرين.
قال مصعب الزبيري: كان أبو حفصة طبيباً يهودياً، أسلم على يدي مروان بن الحكم، وكان معه يوم الدار يوم قتل عثمان، وحمله إلى العالية حين ضرب يوم الدار وكان يداويه حتى برأ.
قال: والذي عند أهل المدينة لا اختلاف بينهم في ذلك، أن أبا حفصة كان مولى السموأل بن عادياء.
قال مصعب: وأنا أفرق أن أقول لهم ذلك.
عن محمد بن سعيد بن أبي مريم، قال:
سمعت الشافعي يقول: ليس لقريش كلها شعر جيد، وأشعرها ابن هرمة، ثم مروان بن أبي حفصة.
قال الكسائي: إنما الشعر سقاء تمخض فدفعت الزبدة إلى مروان بن أبي حفصة.
حدث محمد بن بشار، قال: رأيت مروان يعرض على أبي أشعاره، فقال له أبي: إن وفيت قيم قيم أشعارك استغنيت.
حدث أبو حاتم، قال: قلت لأبي عبيدة: مروان أشعر أم بشار؟ قال: حكم بشار لنفسه بالاستظهار لأنه قال ثلاثة عشر ألف بيت ببيت جيد، ولا يكون عدد الجيد من الشعر شعراء الجاهلية والإسلام هذا العدد، وما أحسبهم برزوا في مثلها، ومروان أمدح للملوك.
قال الرياشي: سألت الأصمعي عن مرون بن أبي حفصة، فقال لي: كان مولداً ولم يكن له علم باللغة.
عن الفضل بن بزيغ، قال: رأيت مروان بن أبي حفصة قد دخل على المهدي بعد موت معن بن زائدة في جماعة من الشعراء منهم سلم الخاسر وغيره، فأنشده مديحاً له، فقال له: من؟ قال: شاعرك مروان بن أبي حفصة. فقال المهدي: ألست القائل: " من الوافر "
أقمنا باليمامة بعد معن ... مقاماً ما نريد به زيالا
وقلنا: أين نرحل بعد معن ... وقد ذهب النوال فلا نوالا
قد جئت تطلب نوالنا وقد ذهب النوال؟ لا شيء لنا عندنا، جروا برجله، فجر برجله على الخلفاء في ذلك الحين في كل عام مرة. قال: فمثل بين يديه، وأنشده قصيدته التي قال: فأنصت لها حتى بلغ إلى قوله:
هل تطمسون من السماء نجومها ... بأكفكم أو تسترون هلالها
أو تدفعون مقالة عن ربكم ... جبريل بلغها النبي فقالها
شهدت من الأنفال آخر آية ... بتراثهم فأردتم إبطالها
يعني بني علي وبني العباس.
قال: فرأيت المهدي وقد تزاحف من صدر مصلاه حتى صار على البساط إعجاباً بما سمع، ثم قال له: كم هي بيتاً؟ قال: مئة بيت. فأمر له بمئة ألف درهم.
قال: فإنها لأول مئة ألف أعطيها شاعر في خلافة بني العباس.
قال: فلم تلبث الأيام أن أفضت الخلافة إلى هارون الرشيد. قال: فرأيت مروان ماثلاً مع الشعراء بين يدي الرشيد، وقد أنشده شعراً، فقال له: من؟ قال: شاعرك مروان بن أبي حفصة. قال: ألست القائل - البيتين اللذين له في معن اللذين أنشدهما المهدي - خذوا بيده فأخرجوه فإنه لا شيء له عندنا. فأخرج، فلما كان بعد ذلك بيومين تطف حتى دخل، فأنشده قصيدته التي يقول فيها: " من الطويل "
لعمرك لا أنسى غداة المحصب ... إشارة سلمى بالبنان المخضب
وقد صدر الحجاج إلا أقلهم ... مصادر شتى موكباً بعد موكب
قال: فأعجبه، فقال له: كم قصيدتك بيتاً؟ قال له: ستون - أو سبعون -، فأمر له بعد أبياتها ألوفاً، فكان ذلك رسم مروان حتى مات.
عن محمد بن زياد، قال: دخل مروان بن أبي حفصة على المهدي، وعنده جماعة فأنشده: " من الطويل "
صحا بعد جهل واستراحت عواذله
قال: فقال لي: ويحك، كم هي بيتاً؟ قلت: يا أمير المؤمنين، سبعون بيتاً. قال: فإن لك عندي سبعين ألفاً. قال: فقلت في نفسي: بالنسيئة، إنا لله وإنا إليه راحعون. ثم قلت: يا أمير المؤمنين، اسمع مني أبياتاً حضرت، فما في الأرض أنبل من كفيلي. قال: هات. فاندفعت فأنشدته:
كفاكم بعباس أبي الفضل والداً ... فما من أب إلا أبو الفضل فاضله
كأن أمير المؤمنين محمداً ... أبو جعفر في كل أمر يحاوله
إليك قصرنا النصف من صلواتنا ... مسيرة شهر بعد شهر نواصله
فلا نحن نخشى أن يخيب مسرنا ... إليك ولكن أهنأ البر عاجله
قال: فتبسم وقال: عجلوها. فحملت إلي من وقتها.
عن الرياش، قال: قال رجل لمروان بن أبي حفصة: ما حملك على أن تناولت ولد علي في شعرك؟ قال: والله ما حملني على ذلك بغضاء لهم، ولقد مدحت أمير المؤمنين بشعري الذي أقول فيه: " من الكامل "
طرقتك زائرة فحي خيالها ... بيضاء تخلط بالحياء دلالها
حتى بلغت إلى قولى:
هل تطمسون من السماء نجومها ... بأكفكم أم تسترون هلالها
أم تدفعون مقالة عن ربه ... جبريل بلغها النبي فقالها
شهدت من الأنفال آخر آية ... بتراثهم فأردتم إبطالها
فذروا الأسود خوادراً في غيلها ... لا تولغن دماكم أشبالها
فقال المهدي: وجب حقك على هؤلاء القوم. ثم أمر لي بخمسين ألف درهم، وأمر أولاده أن يبروني، فبروني بثلاثين ألف درهم.
وعن عبيد الله بن إسحاق بن سلام، قال: خرج مروان من دار المهدي ومعه ثمانون ألف درهم، فمر بزمن فسأله، فأعطاه ثلثي درهم. فقيل له: هلا أعطيته درهماً؟ فقال: لو أعطيت مئة ألف لأتممت له درهماً!.
قال: وكان مروان يبخل، فلا يسرج له داره، فإذا أراد أن ينام أضاءت له الجارية بقصبة إلى أن ينام.
قال عبد الله بن مصعب: دخل مروان بن أبي حفصة على أمير المؤمنين الهادي، فأنشده مديهاً له حتى إذا بلغ قوله: " من الطويل "
تشابه يوماً بأسه ونواله ... فما أحد يدري لأيهما الفضل
فقال له الهادي: أيما أحب إليك، ثلاثون ألفاً معجلة أو مئة ألف تدون في الدواووين؟ فقال: يا أمير المؤمنين، أنت تحسن ما هو أحسن من هذا، ولكنك أنسته، أفتأذن لي أن أذكرك؟ قال: نعم. قال: تعجل الثلاثون الألف وتدون المئة الألف. قال: يعجلان لك جميعاً. فحمل ذلك إليه.
وقال عبد الصمد بن المعذل: دخل مروان بن أبي حفصة وسلم الخاسر ومنصور النمري على الرشيد، فأنشده قصيدته التي يقول فيها: " من الكامل "
أنى يكون وليس ذاك بكائن ... لبني البنات وراثة الأعمام
وأنشده سلم: " من الكامل "
حضر الرحيل وشدت الأحداج
وأنشده النمري قصيدته التي يقول فيها: " من البسيط "
إن المكارم والمعروف أودية ... أحلك الله منها حيث تجتمع
فأمر لكل واحد منهم بمئة ألف درهم. فقال له يحيى بن خالد: يا أمير المؤمنين، مروان شاعرك خاصة، أقد ألحقتهم به؟ قال: فليزد مروان عشرة آلاف.
قال مروان بن أبي حفصة: خرجت إلى معن بن زائدة فأنشدته: " من الكامل "
هاجت هواك بواكر الأحزان ... يوم النوى فظللت ذا أحزان
فلما صرت إلى قولي:
لولا رجاؤك ما تخطت ناقتي ... عرض الدبيل ولا قرى نجران
قال: صدقت والله. فلما بلغت إلى قولي:
لولا رجاؤك ماتخطت ناقتي ... عرض الدبيل ولا قرى نجران
قال: صدقت والله. فلما بلغت إلى قولي:
مطر أبوك أبو الفوارس والذي ... بالخير حاز هجائن النعمان النعمان
قال: وأنى وقع إليك هذا اليوم؟ فقلت: أصلح الله الأمير، لهو أشهر من ذلك، قال: فسر بذلك، وأنشدته قصيدتي التي أقول فيها: " من الكامل "
مسحت قطيعة وجه معن سابقاً ... لما جدا وجزى ذوو الأحساب
قال: فأعجب به، وأقبل يقول في كل أيام دخلت عليه: قم يا مروان؛ فأنشده هذا الشعر.
حدث العتبي، قال: قدم معن بن زائدة بغداد، فأتاه الناس وأتاه ابن أبي حفصة، فإذا المجلس غاص بأهله، فأخذ بعضادتي الباب ثم قال: " من الطويل "
وما أحجم الأعداء عنكم بقية ... عليك ولكن لم يروا فيك مطمعا
له راحتان الجود والحتف فيهما ... أبى الله إلا أن تضرا وتنفعا
فقال معن: احتكم يا أبا السمط. فقال: عشرة آلاف. فقال معن: ربحت عليك - والله - تسعين ألفاً.
أنشد ابن قتيبة لمروان بن أبي حفصة في بني مطر: " من الطويل "
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا ... أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا
هم يمنعون الجار حتى كأنما ... لجارهم بين السماكين منزل
قال مروان: أنشدت معن بن زائدة أربعة أبيات فأعطاني بها أربعة آلاف دينار، فبلغت أبا جعفر فقال: ويلي على الأعرابي الجلف؛ فاعتذر إليه فقال له: يا أمير المؤمنين إنما أعطيته على جودك؛ فسوغه إياها.
فلما مات معن رثاه مروان بقوله: " من الطويل "
ألما على معن فقولا لقبره ... سقيت الغوادي مربعاً ثم مربعا
فيا قبر معن كنت أول حفرة ... من الأرض خطت للمكارم مضجعا
يل قبر معن كيف واريت جوده ... وقد كان منه البر والبحر مترعا
ولكن صممت الجود والجود ميت ... ولو كان حياً ضقت حتى تصدعا
ولما مضى معن مضى الجود والندى ... وأصبح عرنين المكارم أجدعا
وما كان إلا الجود صورة خلقه ... فعاش زماناً ثم مات فودعا
فتى عيش من معروفه بعد موته ... كما كان بعد السيل مجراه مربعا
تعز أبا العباس عنه ولا يكن ... ثوابك من معن بأن تتضعضعا
تمنى رجال شأوه من ضلالهم ... فأضحوا على الأذقان صرعى وظلعا
قال مروان: لقيني الناطفي فدعاني إلى عنان، فانطلقت معه، فدخل إليها قبلي فقال لها: قد جئتك بأشعر الناس مروان بن أبي حفصة - وكانت عليلة - فقالت: إني عن مروان لفي شغل؛ فأهوى بسوطه فضربها به، فقال لي: ادخل، فدخلت وهي تبكي، فرأيت الدموع تنحدر من عينيها، فقلت: " من السريع "
بكت عنان مسبل دمعها ... كالدر إذ يسبق من خيطه
فقالت مسرعة:
فليت من يضربها ظالماً ... تيبس يمناه على سوطه
فقلت للنطاف: اعتق مروان ما يملك إن كان في الجن والإنس مثلها.
حدث علي بن محمد النوفلي، قال: سمعت أبي يقول: كان مروان بن أبي حفصة لا يأكل اللحم بخلاً حتى يقرم إليه، فإذا قرم أرسل غلامه فاشترى له رأساً فأكله. فقيل له: نراك لا تأكل إلا الرؤوس في الصيف والشتاء، فلم تختار ذلك؟ قال: نعم، الرأس أعرف سعره فآمن خيانة الغلام، ولا يستطيع أن يغبني فيه، وليس بلحم يطبخه الغلام فيقدر أن يأكل منه، وإن مس عيناً أو أذناً أو خداً وقفت على ذلك، وآكل منه ألواناً؛ آكل عينه لوناً، وأذنه لوناً، وغلصمته لوناً، ودماغه لوناً، وأكفى مؤونة طبخه، فقد اجتمعت لي فيه مرافق! عن جهم بن خلف، قال: أتينا اليمامة فنزلنا على مروان بن أبي حفصة، فأطعمنا تمراً، وأرسل غلامه بفلس وسكرجة يشتري به زيتاً، فلما جاء بالزيت قال: خنتني! قال: من فلس كيف أخونك؟ قال: أخذت الفلس لنفسك واستوهبت زيتاً!.
عن أبي العيناء محمد بن القاسم اليمامي، قال: كان مروان بن أبي حفصة من أبخل الناس، خرج يريد الخليفة المهدي فقالت له امرأة من أهله: ما لي عليك إن رجعت بالجائزة؟ قال: إن أعطيت مئة ألف درهم أعطيتك درهماً. فأعطي ستين ألفاً، فدفع إليها أربعة دوانيق!.
وكان قد اشترى يوماً لحماً بدرهم، فدعاه صديق له، فرد اللحم إلى القصاب بنقصان دانق، وقال: أكره الإسراف!.
وهجاه بعض الشعراء فقال: " من الطويل "
وليس لمروان على العرس غيرة ... ولكن مروناً يغار على القدر
قال مروان بن أبي حفصة يرثي معن بن زائدة الشيباني: " من الوافر "
مضى لسبيله معن وأبقى ... محامد لن تبيد ولن تنالا
كأن الشمس يوم أصيب معن ... من الإظلام ملبسة جلالا
هو الجبل الذي كانت نزار ... تهد من العدو به الجبالا
وعطلت الثغور لفقد معن ... وقد يروي بها الأسل النهالا
وأظلمت العراق وألبستها ... مصائبه المجللة اختلالا
وظل الشام يرجف جانباه ... لركن العز حين وهى فمالا
وكادت من تهامة كل أرض ... ومن نجد تزول غداة زالا
فإن يعل البلاد له خشوع ... فقد كانت تطيل به اختيالا
أصاب الموت يوم أصاب معناً ... من الأخيار أكرمهم فعالا
وكان الناس كلهم لمعن ... إلى أن غير ابن زائدة ارتحالا
ثوى من كان يحمل كل ثقل ... ويسبق فيض راحته السؤالا
وما نزل الوفود بمثل معن ... ولا حطوا بساحته الرحالا
وما بلغت أكف ذوي العطايا ... يميناً من يديه ولا شمالا
وما كانت تجف له حياض ... من المعروف مترعة سجالا
لأبيض لا يعد المال حتى ... يعم به بغاة الخير مالا
فليت الشامتين به فدوة ... وليت العمر مد له فطالا
ولم يك كنزه ذهباً ولكن ... سيوف الهند والحلق المذالا
ومادته من الخطي سمراً ... ترى فيهن ليناً واعتدالا
وذخراً من مكارم باقيات ... وفضل تقى به التفضيل نالا
لئن أمست زوائد قد أذيلت ... جياد كان يكره أن تزالا
لقد كانت تصان به وتسمو ... بها عققاً ويرجعها خيالا
وقد حوت النهاب فأحرزته ... وقد غشيت من الموت الطلالا
زاد الخطيب:
مضى لسبيله من كنت ترجو ... به عثرات دهرك أن تقالا
فلست بمالك عبرات عيني ... أبت بدموعها إلا انهمالا
وفي الأحشاء منك عليك حزن ... كحر النار تشتعل اشتعالا
كأن الليل واصل بعد معن ... ليالي قد قرن به طوالا
لقد أورثتني وبني هماً ... وأحزاناً نطيل به اشتغالا
وقائلة رأت جسدي ولوني ... معاً عن عهدها قلباً فحالا
رأت رجلاً براه الحزن حتى ... أضر به وأورثه خبالا
أرى مروان عاد كذي نحول ... من الهندي قد فقد الصقالا
فقلت لها: الذي أنكرت مني ... لفجع مصيبة أبكى وغالا
وأيام المنون لها صروف ... تقلب بالفتى حالاً فحالا
يرانا الناس بعدك قبل دهر ... أبى لجدودنا إلا اغتيالا
فنحن كأسهم لم يبق ريشاً ... لها ريب الزمان ولا نصالا
وقد كنا بحوض نداك نروى ... ولا نرد المصردة السمالا
فلهف أبي عليك إذا العطايا ... جعلن من كواذب واعتلالا
ولهف أبي عليك إذا الأسارى ... شكوا خلقاً بأسوقهم ثقالا
ولهف أبي عليك إذا اليتامى ... غدوا شعثاً كأن بهم سلالا
ولهف أبي عليك إذا المواشي ... فرت جدباً تمات به هزالا
ولهف أبي عليك لكل هيجا ... لها تلقي حواملها السخالا
ولهف أبي عليك إذا القوافي ... للمتدح بها ذهبت ضلالا
ولهف أبي عليك لكل أمر ... يقول له النجي ألا احتيالا
أقمنا باليمامة بعد معن ... مقاماً ما نريد به زيالا
وقلنا أين نذهب بعد معن ... وقد ذهب النوال فلا نوالا
فإن تذهب قرب رعال خيل ... عوابس قد لقيت بها رعالا
وقوم قد جعلت لهم ربيعاً ... وقوم قد جعلت لهم نكالا
فما شهد الوقائع منك أمضى ... وأكرم محتداً وأسد آلا
سيذكرك الخليفة غير قال ... إذا هو في الأمور بلا الرجالا
ولا ينسى وقائعك اللواتي ... على أعدائه جعلت وبالا
ومعترك شهدت به حفاظاً ... وقد كرهت فوارسه النزالا
حباك أخو أمية بالمراثي ... مع المدح اللواتي كان قالا
أقام وكان نحوك كل عام ... يطيل لواسط الرحل اعتقالا
فألقى رحله أسفاً وآلى ... يميناً لا يشد له حبالا
ذكر إدريس بن سليمان بن أبي حفصة: أن مروان توفي سنة إحدى وثمانين ومئة، ودفن ببغداد في مقبرة نصر بن مالك، وقال غبيره: كان مولده سنة خمس ومئة.
وقال يعقوب بن سفيان: سنة اثنتين وثمانين ومئة، فيها مات مروان بن أبي حفصة الشاعر النبيل، رحمه الله تعالى.