محمد بن عبد الرحمن. أبو بكر القاضي، المعروف بابن قريعة :
ولاه أبو السائب عتبة بن عبيد الله القاضي قضاء السندية وغيرها من أعمال الفرات، وكان كثير النوادر، حسن الخاطر، عجيب الكلام، يسرع بالجواب المسجوع المطبوع من غير تعمل له؛ ولا تعمق فيه، وله أخبار مستفيضة ظريفة. ولا أعلمه أسند الحديث. وَقَالَ لي القاضي أبو العلاء محمد بن علي الواسطي: ورد الأمير بختيار واسطا في سنة ستين وثلاثمائة ومعه القاضيان أبو محمد بن معروف، وأبو بكر بن قريعة.
فسمعنا من ابن قريعة أخبارا أملاها علينا عن أبي بكر الأنباري وغيره.
قَالَ أبو العلاء: وكان ابن معروف وابن قريعة يوما يتسايران بواسط؛ فدخلا درب الصاغة، فتأخر ابن قريعة وقدم ابن معروف. ثم قَالَ: إن تقدمت فحاجب، وإن تأخرت فواجب.
حَدَّثَنِي أبو الوليد الْحَسَن بن مُحَمَّد الدربندي، حَدَّثَنَا علي بن محمد بن أحمد الختلي بواسط، حَدَّثَنَا القاضي أبو بكر محمد بن عبد الرحمن بن قريعة، حدّثنا علي ابن موسى الكاتب. قَالَ: اتفقت أنا وأبو العيناء الضّرير بمربعة الخرسي. فسلمت عليه
فقال لي: أحب أن تساعدني إلى سوق الدواب. فتوجهنا نقصدها فزحمه حمار عليه راكب فأنشأ يقول:
يا خالق الليل والنهار ... صبرا على الذل والصغار
كم من جواد بلا حمار ... ومن حمار على حمار
ذكر محمد بن محمد السنجي الكاتب أن أباه حدثه. قَالَ: كان الوزير أبو محمد المهلبي تقدم إلى القاضي ابن قريعة أن يشرف على البناء في داره؛ وأمر بأن لا يطلق بشيء من النفقة إلّا بتوقيع القاضي. قال: وكنت يوما جالسا مع جماعة في دار المهلبي بقرب الموضع الذي كان القاضي يجلس فيه. فحضر رجل من العامة فوقف بين يديه ودعا له، وادعى أن له ثمن ثلاثين بيضة أخذها منه الوكيل لتزويق السقوف ولم يعطه ثمنها. فقال له: بَيِّنْ عافاك الله دعواك، وأفصح عن نجواك، فمن البيض نعامي، وبطي، وهندي، ونبطي، وحمامي، وعصافيري، حتى أن السمك يبيض، والدود يبيض، فمن أي أجناسه لك؟ فقال الرجل: أنا لا أبيع بيض النعام لتزويق السقوف، لي ثمن ثلاثين بيضة من بيض الدجاج النبطي. فقال: الآن حصحص الحق، ما كنيتك؟ فقال: أنا عمر أبو حفص. فقال لكاتب البناء: اكتب بورك فيك إلى الوكيل محمد بن عاصم: حضرنا- تولاك الله- أبو حفص عمر البيضي، فذكر أن له ثمن ثلاثين بيضة دجاجيا، لا بطيا ولا هنديا أخذت على شرط الإنصاف منه، ثم أخذ ثمنها عنه، فأرجع أكرمك الله إلى موجب كتابك، وما أثبته باسم عمر هذا حسابك، فإن كان صادقا فله ما للصادقين من البر والإكرام وإعطاء الثمن على الوفاء والتمام، وإن كان كاذبا فعليه ما على الكاذبين من اللعن والزجر، وقل له موبخا: باعدك الله من حريمه، ما أقل وقارك لشيبك وحسبك. وصل على نبيك، وادفع التوقيع إليه.
قَالَ: فلما أخذه الرجل وضعه في جيبه وَقَالَ: ثمن البيض علي أربعة دوانيق؛ وأنا والله لا أبيع هذه الرقعة بدرهمين. ومضى حَدَّثَنِي أبو أحمد الماسح. قَالَ: كانت الحسبة ببغداد إلى ابن قريعة؛ فوافاه أبو عبد الله الزبيري الدعاء للسلطان في المواكب، فشكى إليه [خياطا سلمه] جبة خز ليفصلها فسرق منها خرقة كبيرة وهربها عليه؛ فكتب ابن قريعة إلى خليفته بباب الشام رقعة نسختها: بسم الله الرحمن الرحيم؛ أنا
إليك مشوق؛ وإلى رؤيتك متوق، وما بهذا وعدتني، ولا عليه وافقتني، ومما أخبرك أن أبا عبد الله الزبيري ابتاع جبة خز سوداء، ليجمل بها الدين، ويخدم بها سلطان المسلمين، ويجعل فاضلها مقنعة، للموفقة الصالحة زوجته، فسلمها إلى خياط، أمره فيها بالاحتياط، ففعل بها مالا تفعله الأعراب المغيرون، ولا الأكراد المبيرون، ولا المقاولة ولا الأزارقة، أن يأخذوا من ثوب خمسه، فيحصل صاحبه مأتمه وخياطه عرسه، إن هذا لأمر عظيم، وخطب في الإسلام جسيم، فإن رأيت أن تحضر هذا العاض، وتوعده بالإبراق والإغلاظ، وتركبه جملا عاليا، بعد أن تضربه ضربا عاتيا، وتطيف به في باب الشام ليكون عبرة الأنام، فلعله يرتدع ويقلع، ويرجع والسلام.
قَالَ لي أبو أحمد الماسح: وكتب ابن قريعة أيضا إلى صاعد الأكبار في ضيعته لما سرق من الدولاب طوقه وزجه: بلغني يا صاعد حدر الله بروحك إلى جهنم ولا أصعدها، وعن جميع الخيرات أبعدها، أن عاتيا عتا على الدولاب، في غفلة الرقباء والأصحاب، فسلب منه طوقة وزجه، من غير معرفة ولا حجه؛ فإن لله وإنا إليه راجعون؛ لقد هممت بالدعاء عليه؛ ثم عطفت بالحنو عليه؛ وقلت: اللهم إن كان أخذه من حاجة فبارك له؛ وأغنه عن المعاودة إلى مثله؛ وإن كان أخذه إفسادا وإضرارا؛ فابتر عمره؛ واكف المسلمين شره؛ يا أرحم الراحمين. فكتب إليه صاعد: قد عمرت الدولاب من عندي والسلام.
حَدَّثَنِي محمد بن أبي الحسن قَالَ: أنشدني أبو العباس أحمد بن علي النحوي الكسائي بمكة قال: سمعت بن قريعة القاضي ينشد:
لي حيلة في من ينطق ... م وليس في الكذاب حيله
من كان يخلق ما يقو ... ل فحيلتي فيه قليله
حَدَّثَنِي منصور بن ربيعة الزهري بالدينور قَالَ: سمعت أبا طاهر العطار قاضي الدينور يقول: سمعت أبا سعيد السمرقندي يقول: كان ببغداد قائد يلقب بالكنى كنيته: أبو إسحاق، وكان يخاطب ابن قريعة القاضي، فبدر منه يوما في المخاطبة أن قَالَ لابن قريعة: يا أبا بكر. فقال ابن قريعة: لبيك يا أبا إسحاق. فقال القائد: ما هذا؟ [فأجابه] إنما يكون بكورك إذا قضيتنا، فإذا بكرتنا تسحقناك، فقال القائد:
وا ويلاه هذا أفظع من الأول .
حَدَّثَنَا القاضي أَبُو القاسم علي بْن المحسن التنوخي قَالَ: قَالَ أبو بكر بن قريعة لابنه: أبا إبراهيم ما شغلك عن أبيك؟ استنقف رأسك، واستمرس أجرعك، واستعركت أذناك. قَالَ- وسأله عضد الدولة عن أولاده وكانوا مع بختيار- فقال: هم بني عققة، وعن أمري مرقة، وهم بذلك فسقة. حَدَّثَنِي التنوخي قَالَ- وسأله الزهراني- ما: حدود القفا؟ قال له: إنا لله صنعة منها معيشتك، وفيها مادتك تجهلها؟
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الأَزْهَرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْوَكِيلُ قَالا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن جعفر التميمي قَالَ: قَالَ أبو الحسن الزهراني لابن قريعة في مجلس المهلبي وزير أحمد ابن بويه الديملي: ما حدود القفا؟ فأجابه في الوقت، ما داعبك فيه إخوانك، وشرطك فيه حجامك، وأدبك فيه سلطانك، واشتمل عليه جربانك. فقال: ما حد الصفع؟
قَالَ: الرفع والوضع، للضر والنفع.
قَالَ لي علي بن المحسن القاضي، وهلال بن الحسن الحفّار: توفي ابن قريعة في يوم السبت لعشر بقين من جمادى الآخرة سنة سبع وستين وثلاثمائة. زاد هلال: عن خمس وستين سنة.
ولاه أبو السائب عتبة بن عبيد الله القاضي قضاء السندية وغيرها من أعمال الفرات، وكان كثير النوادر، حسن الخاطر، عجيب الكلام، يسرع بالجواب المسجوع المطبوع من غير تعمل له؛ ولا تعمق فيه، وله أخبار مستفيضة ظريفة. ولا أعلمه أسند الحديث. وَقَالَ لي القاضي أبو العلاء محمد بن علي الواسطي: ورد الأمير بختيار واسطا في سنة ستين وثلاثمائة ومعه القاضيان أبو محمد بن معروف، وأبو بكر بن قريعة.
فسمعنا من ابن قريعة أخبارا أملاها علينا عن أبي بكر الأنباري وغيره.
قَالَ أبو العلاء: وكان ابن معروف وابن قريعة يوما يتسايران بواسط؛ فدخلا درب الصاغة، فتأخر ابن قريعة وقدم ابن معروف. ثم قَالَ: إن تقدمت فحاجب، وإن تأخرت فواجب.
حَدَّثَنِي أبو الوليد الْحَسَن بن مُحَمَّد الدربندي، حَدَّثَنَا علي بن محمد بن أحمد الختلي بواسط، حَدَّثَنَا القاضي أبو بكر محمد بن عبد الرحمن بن قريعة، حدّثنا علي ابن موسى الكاتب. قَالَ: اتفقت أنا وأبو العيناء الضّرير بمربعة الخرسي. فسلمت عليه
فقال لي: أحب أن تساعدني إلى سوق الدواب. فتوجهنا نقصدها فزحمه حمار عليه راكب فأنشأ يقول:
يا خالق الليل والنهار ... صبرا على الذل والصغار
كم من جواد بلا حمار ... ومن حمار على حمار
ذكر محمد بن محمد السنجي الكاتب أن أباه حدثه. قَالَ: كان الوزير أبو محمد المهلبي تقدم إلى القاضي ابن قريعة أن يشرف على البناء في داره؛ وأمر بأن لا يطلق بشيء من النفقة إلّا بتوقيع القاضي. قال: وكنت يوما جالسا مع جماعة في دار المهلبي بقرب الموضع الذي كان القاضي يجلس فيه. فحضر رجل من العامة فوقف بين يديه ودعا له، وادعى أن له ثمن ثلاثين بيضة أخذها منه الوكيل لتزويق السقوف ولم يعطه ثمنها. فقال له: بَيِّنْ عافاك الله دعواك، وأفصح عن نجواك، فمن البيض نعامي، وبطي، وهندي، ونبطي، وحمامي، وعصافيري، حتى أن السمك يبيض، والدود يبيض، فمن أي أجناسه لك؟ فقال الرجل: أنا لا أبيع بيض النعام لتزويق السقوف، لي ثمن ثلاثين بيضة من بيض الدجاج النبطي. فقال: الآن حصحص الحق، ما كنيتك؟ فقال: أنا عمر أبو حفص. فقال لكاتب البناء: اكتب بورك فيك إلى الوكيل محمد بن عاصم: حضرنا- تولاك الله- أبو حفص عمر البيضي، فذكر أن له ثمن ثلاثين بيضة دجاجيا، لا بطيا ولا هنديا أخذت على شرط الإنصاف منه، ثم أخذ ثمنها عنه، فأرجع أكرمك الله إلى موجب كتابك، وما أثبته باسم عمر هذا حسابك، فإن كان صادقا فله ما للصادقين من البر والإكرام وإعطاء الثمن على الوفاء والتمام، وإن كان كاذبا فعليه ما على الكاذبين من اللعن والزجر، وقل له موبخا: باعدك الله من حريمه، ما أقل وقارك لشيبك وحسبك. وصل على نبيك، وادفع التوقيع إليه.
قَالَ: فلما أخذه الرجل وضعه في جيبه وَقَالَ: ثمن البيض علي أربعة دوانيق؛ وأنا والله لا أبيع هذه الرقعة بدرهمين. ومضى حَدَّثَنِي أبو أحمد الماسح. قَالَ: كانت الحسبة ببغداد إلى ابن قريعة؛ فوافاه أبو عبد الله الزبيري الدعاء للسلطان في المواكب، فشكى إليه [خياطا سلمه] جبة خز ليفصلها فسرق منها خرقة كبيرة وهربها عليه؛ فكتب ابن قريعة إلى خليفته بباب الشام رقعة نسختها: بسم الله الرحمن الرحيم؛ أنا
إليك مشوق؛ وإلى رؤيتك متوق، وما بهذا وعدتني، ولا عليه وافقتني، ومما أخبرك أن أبا عبد الله الزبيري ابتاع جبة خز سوداء، ليجمل بها الدين، ويخدم بها سلطان المسلمين، ويجعل فاضلها مقنعة، للموفقة الصالحة زوجته، فسلمها إلى خياط، أمره فيها بالاحتياط، ففعل بها مالا تفعله الأعراب المغيرون، ولا الأكراد المبيرون، ولا المقاولة ولا الأزارقة، أن يأخذوا من ثوب خمسه، فيحصل صاحبه مأتمه وخياطه عرسه، إن هذا لأمر عظيم، وخطب في الإسلام جسيم، فإن رأيت أن تحضر هذا العاض، وتوعده بالإبراق والإغلاظ، وتركبه جملا عاليا، بعد أن تضربه ضربا عاتيا، وتطيف به في باب الشام ليكون عبرة الأنام، فلعله يرتدع ويقلع، ويرجع والسلام.
قَالَ لي أبو أحمد الماسح: وكتب ابن قريعة أيضا إلى صاعد الأكبار في ضيعته لما سرق من الدولاب طوقه وزجه: بلغني يا صاعد حدر الله بروحك إلى جهنم ولا أصعدها، وعن جميع الخيرات أبعدها، أن عاتيا عتا على الدولاب، في غفلة الرقباء والأصحاب، فسلب منه طوقة وزجه، من غير معرفة ولا حجه؛ فإن لله وإنا إليه راجعون؛ لقد هممت بالدعاء عليه؛ ثم عطفت بالحنو عليه؛ وقلت: اللهم إن كان أخذه من حاجة فبارك له؛ وأغنه عن المعاودة إلى مثله؛ وإن كان أخذه إفسادا وإضرارا؛ فابتر عمره؛ واكف المسلمين شره؛ يا أرحم الراحمين. فكتب إليه صاعد: قد عمرت الدولاب من عندي والسلام.
حَدَّثَنِي محمد بن أبي الحسن قَالَ: أنشدني أبو العباس أحمد بن علي النحوي الكسائي بمكة قال: سمعت بن قريعة القاضي ينشد:
لي حيلة في من ينطق ... م وليس في الكذاب حيله
من كان يخلق ما يقو ... ل فحيلتي فيه قليله
حَدَّثَنِي منصور بن ربيعة الزهري بالدينور قَالَ: سمعت أبا طاهر العطار قاضي الدينور يقول: سمعت أبا سعيد السمرقندي يقول: كان ببغداد قائد يلقب بالكنى كنيته: أبو إسحاق، وكان يخاطب ابن قريعة القاضي، فبدر منه يوما في المخاطبة أن قَالَ لابن قريعة: يا أبا بكر. فقال ابن قريعة: لبيك يا أبا إسحاق. فقال القائد: ما هذا؟ [فأجابه] إنما يكون بكورك إذا قضيتنا، فإذا بكرتنا تسحقناك، فقال القائد:
وا ويلاه هذا أفظع من الأول .
حَدَّثَنَا القاضي أَبُو القاسم علي بْن المحسن التنوخي قَالَ: قَالَ أبو بكر بن قريعة لابنه: أبا إبراهيم ما شغلك عن أبيك؟ استنقف رأسك، واستمرس أجرعك، واستعركت أذناك. قَالَ- وسأله عضد الدولة عن أولاده وكانوا مع بختيار- فقال: هم بني عققة، وعن أمري مرقة، وهم بذلك فسقة. حَدَّثَنِي التنوخي قَالَ- وسأله الزهراني- ما: حدود القفا؟ قال له: إنا لله صنعة منها معيشتك، وفيها مادتك تجهلها؟
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الأَزْهَرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْوَكِيلُ قَالا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن جعفر التميمي قَالَ: قَالَ أبو الحسن الزهراني لابن قريعة في مجلس المهلبي وزير أحمد ابن بويه الديملي: ما حدود القفا؟ فأجابه في الوقت، ما داعبك فيه إخوانك، وشرطك فيه حجامك، وأدبك فيه سلطانك، واشتمل عليه جربانك. فقال: ما حد الصفع؟
قَالَ: الرفع والوضع، للضر والنفع.
قَالَ لي علي بن المحسن القاضي، وهلال بن الحسن الحفّار: توفي ابن قريعة في يوم السبت لعشر بقين من جمادى الآخرة سنة سبع وستين وثلاثمائة. زاد هلال: عن خمس وستين سنة.