Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=79677#f317a2
عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة
ذي الرّمحين واسمه عمرو بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم ابن يقظة بن مرّة بن كعب أبو الخطّاب القرشيّ المخروميّ الشّاعر وكان اسم عبد الله بحيراً، فسّماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. شاعر مشهور مجيد، من أهل مكة، وفد على عبد الملك بن مروان، وعلى عمر بن عبد العزيز؛ أدرك عمر بن الخطّاب. قال الزّبير بن بكار: وأمّه مجد أمّ ولد يمانيّة، وكان لعمر بن عبد الله بن أبي ربيعة ابن يقال له: جوان، وفيه يقول عمر: من المتقارب
جوان شهيدي على حبّها ... أليس بعدل عليها جوان
عن عمر بن زيد، قال: دخل عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة على عبد الملك، فقال له عبد الملك: أيا فاسق! فقال: بئس تحّية ابن العمّ على شحط المزار وبعد الدّار؛ فقال: أيا أفسق الفاسقين، أو ليس قد علمت قريش أنك أطولها صبوةً وأبعدها توبةً؟ أولست القائل: من الوافر
ولولا أن تعنفني قريش ... مقال النّاصح الدّاني الشّفيق
لقلت إذا التقينا: قبّليني ... ولو كنا على وضح الطّريق
فخرج مغضباً، فيقال: إن عبد الملك أتبعه صلة فلم يقبلها. وسيره عمر بن عبد العزيز إلى دهلك. وكان يقال: من أراد رقة النسب والغزل فعليه بشعر عمر بن أبي ربيعة. وقد روى عنه أنه حلف إنه ما رأى فرجاً حراماً قط. وقيل: إنما دخل على عبد الملك بالحجاز.
عن عوانة بن الحكم: قال عمر بن عبد العزيز: ويحك ياعديّ، من بالباب من الشعراء؟ قال: عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة؛ قال: أليس هو الذي يقول: من الخفيف
ثم نبّهتها فهبّت كعاباً ... طفلةً ما تبين رجع الكلام
ساعة ثم إنها بعد قالت: ... ويلتا قد عجلت يابن الكرام
أعلى غير موعد جئت تسري ... تتخطّى إليّ روس النّيام
ماتجشّمت ما تزين من الأم ... رولا جئت طارقاً لخصام
فلو كان عدو الله إذ فجر كتم على نفسه؛ لا يد خل - والله - علي أبداً.
قال الزّبير بن بكار: كان عمر بن أبي ربيعة عفيفاً يصف ويقف، ويحوم ولا يريد.
عن مسلم عن وهب مولى بني عامر بن لؤي، عن أبيه، قال: خرجت مع نوفل بن مساحق ويدي في يده، وهو يريد المسجد، فسلم على
سعيد بن المسّب، فردّ عليه، ثم قال: من أشعر صاحبنا أو صاحبكم؟ - يريد عبيد الله بن قيس الرّقيّات وعمر بن أبي ربيعة قال: حين يقولان ماذا؟ فإن صاحبنا قال في فنون الشّعر وصاحبكم قال في النّسيب؛ قال: حين يقول: من الطويل
خليليّ ما بال المطايا كأنّما ... نراها على الأدبار بالقوم تنكص
وقد أتعب الحادي سراهنّ وانتحى ... بهنّ فما يلوي عجول مقلص
وقد قطعت أعناقهن صبابةً ... فأنفسها ممّا تكلّف شخص
يزدّن بنا قرباً فيزداد شوقناً ... إذا زاد طول العهد والقرب ينقص
فلّيقل صاحبكم بعد هذا ما شاء. فلما انقضى ما بينهما عقد سعيد بأصبعه، فاستغفر مئة مرة.
عن عمر الرّكاء، قال: بينا ابن عبّاس في المسجد الحرام وعنده ابن الأزرق وناس من الخوارج يسائلونه إذ أقبل عمر بن أبي ربيعة في ثوبين مصبوغين مورّدين أو ممصّرين، حتى سلّم وجلس؛ فأقبل عليه ابن عبّاس فقال: أنشدنا، فأنشده: من الطويل
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر ... غداة غد أو رائح فمهجّر
حتى أتى على آخرها؛ فأقبل عليه ابن الأزرق فقال: الله، يا ابن عبّاس، إنّا لنضرب إليك أكباد المطيّ من أقاصي الأرض لنسألك عن الحلال والحرام فتثاقل علينا ويأتيك مترف من مترفي قريش فينشدك:
رأت رجلاً أما إذا الشمّس عارضت ... فيخزى وأما بالعشيّ فيخسر
فقال ابن عبّاس: ليس هكذا قال: فكيف قال؟ قال: قال:
رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت ... فيضحى وأما بالعشيّ فيخصر
قال: ما أراك إلاّ قد حفظت البيت: قال: نعم، وإن شئت أنشدك القصيدة أنشدتكها. قال: فإني أشاء. فأنشده القصيدة حتى جاء على آخرها. ثم أقبل على ابن أبي ربيعة فقال: أنشد؛ فقال: من المتقارب تشطّ غداً دار جيراننا فقال ابن عبّاس: وللدّار بعد غد أبعد فقال: كذلك قلت أصلحك الله أسمعته؟ قال: لا، ولكن كذلك ينبغي.
عن العتبّي، عن أبيه، قال: ابتنى معاوية بالأبطح مجلساً، فجلس عليه ومعه ابنة قرظة، فإذا هو بجماعة على رحال لهم وإذا شاب منهم قد رفع عقيرته يتغنّى: من الرمل
من يساجلني يساجل ماجداً ... أخضر الجلدة في بيت العرب
قال: من هذا؟ قالوا: عبد الله بن جعفر. قال: خلّوا له الطريق فليذهب. ثم إذا هو بجماعة فيهم غلام يغني: من الرمل
بينما يذكرنني أبصرنني ... دون قيد الميل يعدو بي الأغرّ
قلن: تعرفن الفتى؟ قلن: نعمقد عرفناه، وهل يخفى القمر؟
قال: من هذا؟ قالوا: عمر بن أبي ربيعة. خلّوا له الطّريق فليذهب. قال: ثم إذا بجماعة وإذا رجل منهم يسأل، فقال: رميت قبل أن أحلق؛ وحلقت قبل أن أرمي؛ لأشياء أشكلت عليهم من مناسك الحّج؛ فقال: من هذا؟ قال: عبد الله بن عمر. فالتفت إلى بنت قرظة فقال: هذا وأبيك الشّرف، هذا والله شرف الدّينا وشرف الآخرة.
عن الهيثم: أن عبد الملك بن مروان بعث إلى عمر بن أبي ربيعة القرشيّ، وإلى جميل بن معمر العذريّ، وإلى كثيّر عزّة: وبعث إلى ناقة فأوقرها دراهم ودنانير، ثم قال: لينشدني كلّ واحد منكم ثلاثةً أبيات فأيّكم كان أغزل شعراً فله النّاقة وما عليها. فقال عمر بن أبي ربيعة: من الطويل
فيا ليت أنيّ حين تدنو منّيتي ... شممت الذي بين عينيك والفم
وليت طهوري كان ريقك كلّه ... وليت حنوطي من مشاشك والدّم
وليت سليمى في المنام ضجيعتي ... لدى الجنّة الحمراء أو في جهنّم
وقال جميل: أنا الذي أقول: من الطويل
حلفت يميناً يا بثينة صادقاً ... فإن كنت فيها كاذباً فعميت
حلفت لها بالبدن تدمى نحورها ... لقد شقيت نفسي بكم وعنيت
ولو أن راقي الموت يرقى جنازتي ... بمنطقها في النّاطقين حييت
وقال كثيّر: أنا الذي أقول: من الكامل
بأبي وأمّي أنت من معشوقةً ... ظفر العدّو بها فغيّر حالها
ومشى إليّ ببين عزّةً نسوة ... جعل المليك خدودهنّ نعالها
لو أن عزّةً خاصمت شمس الضّحى ... في الحسن عند موفّق لقضى لها
فقال عبد الملك: خذ النّاقة وما عليها يا صاحب جهنّم.
عن أبي بكر القرشيّ، قال: كان عمر بن أبي ربيعة جالساً بمنى في فناء مضربه إذ أقبلت امرأة برزة عليها أثر النّعمة، فسلّمت، فردّ عليها عمر السّلام، فقالت له: أنت عمر بن أبي ربيعة؟ قال: ها أنا هو، فما حاجتك؟ قالت: حيّاك الله وقرّبك، هل لك في محادثة أحسن النّاس وجهاً، وأتّمهنّ خلقاً، وأكملنّ أدباً، وأشرفهنّ حسباً؟ قال: هل لك في محادثة أحسن النّاس على شرط. قال: قولي. قالت: تمكّنني من عينيك حتى أشدّهما وأقودك، حتى إذا توسّطت الموضع الذي أريد حللت الشّدّ، ثم أفعل ذلك بك عند إخراجك حتى أنتهي بك إلى مضربك. قال: شأنك. ففعلت. قال عمر: فلّما انتهت بي إلى المضرب التي أرادت كشفت عن وجهي، فإذا أنا بامرأة على كرسيّ لم أر مثلها جمالاً وكمالاً، فسلّمت وجلست؛ فقالت: أنت عمر بن أبي ربيعة؟ قلت: أنا عمر. قلت: أنت الفاضح للحرائر؟ قلت: وما ذاك جعلني الله فداءك؟ قالت: ألست القائل: من الكامل
قالت: وعيش أخي وحرمة والدي ... لأنبّهنّ الحيّ إن لم تخرج
فخرجت خوف يمينها فتبسّمت ... فعلمت أن يمينها لم تحرج
فتناولت رأسي لتعلم مسّه ... بمخضّب الأطراف غير مشنّج
فلثمت فاها آخذاً بقرونها ... شرب النّزيف ببرد ماء الحشرج
قم فاخرج. ثم قامت، وجاءت المرأة فشدّت عيني ثم أخرجتني حتى انتهت بي إلى مضربي، وانصرفت وتركتني؛ فحللت عيني وقد دخلني من الكآبة والحزن ما الله به أعلم.
وبتّ ليلتي، فلمّا أصبحت إذا أنا بها، فقالت: هل لك في العود؟ قلت: شأنك: ففعلت مثل فعلها بالأمس حتى انتهت بي إلى الموضع، فلّما دخلت إذا بتلك الفتاة على كرسيّ، فقالت: إيهاً يافضّاح الحرائر؛ فقلت: بماذا جعلني الله فداءك أيضاً؟ قالت: بقولك: من الطويل
وناهدة الثد يين قلت لها: اتّكي ... على الرّمل من جبّانة لم توسّد
فقالت: على اسم الله، أمرك طاعة ... وإن كنت قد كلّفت مالم أعوّد
فلمّا دنا الإصباح قالت: فضحتني ... فقم غير مطرود وإن شئت فازدد
قم فاخرج عنّي. فقمت فخرجت، ثم رددت، فقالت لي: لولا وشك الرّحيل وخوف الفوت، ومحبّتي لمناجاتك، والاستكثار من محادثتك لأقصيتك، هات الآن كلّمني وحدّثني وأنشدني. فكلّمت آد ب النّاس وأعلمهم بكل شيء، ثم نهضت، وأبطأت العجوز، وخلا البيت، فأخذت أنظر فإذا أنا بتور فيه خلوق فأدخلت يدي فيه ثم خبأتها في ردني، ثم جاءت العجوز فشدّت عيني، ونهضت بي تقودني حتى إذا صرت على باب المضرب أخرجت يدي فضربت بها على المضرب، ثم صرت إلى مضربي، فدعوت غلماني فقلت: أيّكم يقفني على باب مضرب عليه خلوق كأنّه أثر كفّ فهو حرّ وله خمسمئة درهم. فلم ألبث أن جاء بعضهم فقال: قم، فنهضت معه فإذا أنا بالكفّ طرّية، وإذا المضرب مضرب فاطمة بنت عبد الملك بن مروان؛ فأخذت في أهبة الرّحيل. فلّما نفرت معها، فبصرت في طريقها بقباب ومضرب وهيئة جميلة، فسألت عن ذلك، فقيل لها: هذا عمر بن أبي ربيعة؛ فساءها أمره، وقالت للعجوز التي كانت ترسلها إليه: قولي له: نشدتك الله والرّحم أن فضحتني، ويحك ما شأنك؟ وما الذي تريد؟ انصرف ولا تفضحني وتشيط بدمك. فصارت إليه العجوز فأدّ ت إليه ما قالت لها فاطمة؛ فقال: لست بمنصرف أو توجّه إليّ بقميصها الذي يلي جلدها: فأخبرتها ففعلت، ووجّهت إليه بقميص من ثيابها، فزاده ذلك شغفاً، ولم يزل يتبعهم لا يخالطهم،
حتى إذا صاروا على أميال من دمشق انصرف وقال في ذلك: من الكامل
ضاق الغداة بحاجتي صدري ... ويئست بعد تقارب الأمر
وذكرت فاطمة التي عّلقتها ... عرضاً فيا لحوادث الدّهر
ممكورة ردع العبير بها ... جمّ العظام لطيفة الخصر
وكأن فاها بعدما رقدت ... تجري عليه سلافة الخمر
وبجيد آدم شادن خرق ... يرعى الرّياض ببلدة قفر
لّما رأيت مطيّها حزقاً ... خفق الفؤاد وكنت ذا صبر
وتبادرت عيناي بعدهم ... وانهلّ مدمعها على الصّدر
ولقد عصيت ذوي أقاربها ... طرّاً وأهل الودّ والصّهر
حتى إذا قالوا وما كذبوا ... أجننت أم بك داخل السّحر
عن سلامة العجليّ، قال: كان عمر بن أبي ربيعة إذا هوي شيئاً قال فيه شعراً، ثم إذا توبع على إرادته استحال عنه وانتحى لغيره، فبينما هو ذات يوم يمشي مع صديق له يقال له: عمرو إذا هو بجارية تتهادى بين جواريها، عجيبة الحسن، أنيقة المنظر؛ فقال لصاحبه: ويحك، من هذه؟ امش فاجنح بنا نأخذ قرطاساً ونكتب إليها بأبيات. فمال إلى بقّال فأخذ منه قرطاساً وكتب إليها: من الخفيف
بدت الشمّس في جوار تهادى ... مخطفات القدود معتجرات
فتبسّمت ثم قلت لعمرو ... قد بدت في الحياة لي حسناتي
هل سبيل إلى التي لا أبالي ... أن أموتن بعدها حسرات
وبعث إليها بالرّقعة، فأجابته وقالت: من الخفيف
قد أتاني الرّسول بالأبيات ... في كتاب قد خطّ بالتّرّهات
خانك الطّرف إذ نظرت وما ... طرفك عندي بصادق النّظرات
عدعنّي فقد عرفت بغيري ... عهدك الخائن القليل الثّبات
وأنشد له: من الكامل
لبثوا ثلاث منى بمنزل قلعة ... وهم على غرض لعمرك ماهم
متجاورين بغيردار إقامة ... لوقد أجدّ رحيلهم لم يندموا
ولهنّ بالبيت العتيق لبانة ... والبيت يعرفهنّ لو يتكلّم
لو كان حيّا قبلهنّ ظعائناً ... حيّا الحطيم وجوههنّ وزمزم
لكنّه ممّا يطيف بركنه ... منهنّ صمّاء الصّدى مستعجم
وكأنهنّ وقد صدرن عشيّةً ... بيض بأكناف الخيام منظّم
وله: من المتقارب
تقول وتظهر وجداً بنا ... ووجدي ولو أظهرت أوجد
لممّا شقائي تعلّقتكم ... وقد كان لي عنكم مقعد
سباني من بعد شيب القذا ... ل ريم له عنق أغيد
وعين تصابي وتدعو الفتى ... لما غيره للفتى أرشد
وله: من الطول
نظرت إليها بالمحصّب من منى ... ولي نظر لولا التّحرّج عارم
فقلت: أشمس أم مصابيح بيعة ... بدت لك يوم السّجف أم أنت حالم
بعيدة مهوى القرط إمّا لنوفل ... أبوها وإمّا عبد شمس وهاشم
فلم أستطعها غير أن قد بدا لنا ... عشيّة راحت وجهها والمعاصم
معاصم لم تضرب على البهم بالضّحى ... عصاها ووجه لم تلحه السّمائم
نضار ترى فيه أساريع مائه ... صبيح تغاديه الأكفّ النّواعم
وله: من الكامل
يا عمّتي عرضت لبنتك فتنةّ ... فتعوّذي بالله من شرّ الفتن
ياعمّتي رجل يطوف ببابكم ... في حلّة خضراء من عصب اليمن
فعشقته من غير فاحشة له ... والعشق مالم يوت فاحشةً حسن
قال ثعلب: وينشد: يا أمّتا. وبدل فعشقته: فهويته: وهو أحسن. وله: من البسيط
سمعي وقلبي حليفاها على بصري ... فكيف أصبرعن سمعي وعن بصري
لوشايعاني على أن لا أكلّمها ... إذاً لقضّيت من أوطارها وطري
ردّ الفؤاد إليها بعث نسوتها ... ونظرة عرضت كانت من القدر
وقول بكر: ألافاربع نسائلها ... وانظر فلابأس بالتّسليم والنّظر
وقولها ودموع العين تسبقها ... لأختها: دين هذا القلب من عمر
تفسير دين: ملك واستعبد. وله: من البسيط
السّرّ يكتمه الإثنان بينهما ... وكلّ سرّ عدا الاثنين ينتشر
والمرء مالم يراقب عند صبوته ... لمح العيون بسوء الظّنّ يشتهر
وله: من الكامل
قد كان أورق عود حبّك بالمنى ... وسقاه ماء رجائكم فترعرعا
حتى إذا هبّت بيأس ريحكم ... تركته من ورق المطامع أقرعا
واليأس من بذل الأحبّة لم يزل ... بتخطّف الأرواح قدماً مولعا
وله: من المتقارب
ألا من لقلب معنّى خبل ... بدكر المحلّة أخت المحل
تراءت لنا يوم فرع الأرا ... ك بين المساء وبين الأصل
وقالت لجارتها هل رأي ... ت إذا عرض الرّجل فعل الرّجل
فإن تبسّمه ضاحكاً ... أجدّ اشتياقا لقلب ذهلً
كأن القرنفل والزنجبي ... ل وريح الخزامى وذوب العسل
يعلّ به برد أنيابها ... إذا النّجم وسط السّماء اعتدل
وله: من مجزوء الخفيف
ذكر الشمس إذ بدت ... من خلال السّحائب
أمّ عمرو إذ اقبلت ... بين حور كواعب
بلوى الخيف من منى ... أو بذات التّناضب
يوم أرخت مرجّلاً ... فوق خدّ وحاجب
واستهلّت بواكف ... من دموع سواكب
ثم قالت لنسوة ... من لؤيّ بن غالب
قمن نقض لحبّنا ... حاجةً أو نعاتب
فتولّى نواعم ... مثقلات الحقائب
وتأطّرن ساعةً ... في مناخ الرّكائب
كالدّمى أو كبدن ... من نعاج ربائب
قطف المشي آنس ... واضحات التّرائب
فتناولت كفّها ... ثم مالت بجانب
وأمالت بجيدها ... فاحماًذا ذوائب
فانتجينا بسارما ... مجلساً ذا عجائب
وله: من الخفيف
فالتقينا فرحّبت حين سلّم ... ت وكفّت دمعاً من العين مارا
ثم قالت عند العتاب: رأينا ... فيك عنّا تجلّداً وازورارا
قلت: كلاّ، لاه ابن عمّك بل خف ... نا أموراً كنّا بها أغمارا
فركبنا حالاً لنكذب عنّا ... قول من كان بالأكفّ أشارا
فجعلنا الصّدود لمّا خشينا ... قالة النّاس بالهوى أستارا
فلذاك الإعراض عنك وما ... آثر قلبي عليك أخرى اختيارا
ليس كالعهد إذ عهدت ولكن ... أوقد النّاس بالنّميمة نارا
ما نبالي إذا النّوى قرّبتكم ... فدنوتم من حلّ أومن سارا
واللّيالي إذا نأيت طوال ... وأراها إذا دنوت قصارا
أنشد ابن أبي عتيق سعيد بن المسيّب قول عمر بن أبي ربيعة: من الخفيف
أيّها الرّاكب المجدّ ابتكارا ... قد مضى من تهامة الأوطارا
إن يكن قلبك الغداة جليداً ... ففؤادي بالحبّ أمسى معارا
ليت ذا الدّهر كان حتماً علينا ... كلّ يومين حجّةً واعتمارا
فقال: لقد كلّف المسلمين شططاً. فقال: يا أبا محمد، في نفس الجمل شيء غير ما في نفس سائقه.
قال مصعب: قدم عمر بن أبي ربيعة الكوفة فنزل على محمد بن الحجّاج بن يوسف، وكان لعبد الله بن هلال صاحب إبليس قينتان حاذقتان، فكان يأتيهما فيسمع منهما، فقال في ذلك: من الكامل
يا أهل بابل ما نفست عليكم ... من عيشكم إلاّ ثلاث خلال
ماء الفرات وطيب ليل بارد ... وسماع منشدتين لابن هلال
قال ابن جريج: كنت مع معن بن زائدة باليمن، فحضر الحجّ فلم تحضرني نيّة. قال: فخطر ببالي قول عمر بن أبي ربيعة: من البسيط
تالله قولي في غير معتبة ... ماذا أردت بطول المكث باليمن
إن كنت حاولت دنيا أو نعمت بها ... فما أخذت بترك الحجّ من ثمن
فدخلت على معن فأخبرته أني عزمت الحجّ؛ فقال لي: ما نزعك إليه ولم تكن تذكره؟ قلت له: ذكرت قول ابن أبي ربيعة؛ وأنشدته شعره، فجهّزني وانطلقت. وله من الخفيف
خبّرها بأنّني قد تزوّج ... ت فظلّت تكاتم الغيظ سرّا
ثم قالت لأختها ولأخرى ... جزعاً: ليته قد تزوّج عشرا
وأشارت إلى نساء لديها ... لاترى دونهنّ للسّرّ سترا
ما لقلبي كأنه ليس منّي ... وعظامي إخال فيهنّ فترا
من حديث نما إليّ فظيع ... خلت في القلب من تلظّيه جمرا
قال هارون بن محمد: أنشدنا الزّبير لمجنون بني جعدة: من البسيط
حبّذا راكب كنّا نسرّبه ... يهدي لنا من أراك الموسم القضبا
قالت لجارتها يوماً تسائلها ... لمّا تعرّت وألقت عندها السّلبا:
ناشدتك الله ألاّ قلت صادقةً ... أصادفت صفة المجنون أم كذبا
قال: فقلت: أتراه سرقه من قول عمر بن أبي ربيعة: من الرمل
ولقد قالت لجارات لها ... وتعرّت ذات يوم تبترد:
أكما ينعتني تبصرنني ... عمركنّ الله أم لا يقتصد؟
فتضاحكن وقد قلن لها: ... حسن في كلّ عين من تودّ
حسد منهنّ قد حمّلنه ... وقديماً كان في النّاس الحسد
أنشد أبو الحسن عليّ بن سليمان الأخفش لعمر بن أبي ربيعة وقال: ما قيل في المساعدة أحسن منها: من الوافر
وخلّ كنت عين النّصح منه ... إذا نظرت ومستمعاً سميعاً
أراد قبيحةً فنهيت عنها ... وقلت له: أرى أمراً فظيعاً
أردت رشاده جهدي فلمّا ... أبى وعصى أتيناه جميعاً
عن عوانة بن الحكم: أن عمر بن أبي ربيعة كان قد ترك الشّعر ورغب عنه، ونذر على نفسه لكلّ بيت يقوله هدي بدنة؛ فمكث بذلك حيناً ثم خرج ليلة يريد الطّواف بالبيت إذ نظر إلى امرأة ذات جمال تطوف وإذا رجل يتلوها، كلّما رفعت رجلها وضع رجله موضع رجلها، فجعل ينظر إلى ذلك من أمرهما؛ فلمّا فرغت المرأة من طوافها تبعها الرّجل هنيهةً ثم رجع، وفي قلب عمر ما فيه. فلمّا رآه عمر وثب إليه وقال: لتخبرنّي عن أمرك؛ قال: نعم، هذه المرأة التي رأيت ابنة عمّي، وأنا لها عاشق، وليس لي مال؛ فخطبتها إلى عمّي فرغب عنّي وسألني من المهر ما لا أقدر عليه؛ والّذي رأيت هو حظّي منها وما لي في الدّنيا أمنية غيرها، وإنّما ألقاها عند الطّواف وحظّي ما رأيت من فعلي.
قال له عمر: ومن عمّك؟ قال: فلان بن فلان؛ قال: انطلق معي إليه؛ فانطلقا، فاستخرجه عمر فخرج مبادراً إليه فقال: ما حاجتك يا أبا الخطّاب؟ قال: تزوّج ابنتك فلانة من ابن أخيك فلان، وهذا المهر الذي تسأله مساق إليك من مالي. قال: فإني قد فعلت. قال عمر: أحبّ أن لا أبرح حتى يجتمعا. قال: وذلك أيضاً.
قال: فلم يبرح حتى جمعهما، وأتى منزله فاستلقى على فراشه، فجعل النّوم لا يأخذه، وجعل جوفه يجيش بالشّعر؛ فأنكرت جاريته ذلك، فجعلت تسأله عن أمره، وتقول: ويحك، ما الذي دهاك؟ فلمّا أكثرت عليه جلس وأنشأ يقول: من الوافر
تقول وليدتي لمّا رأتني ... طربت وكنت قد أقصرت حينا
أراك اليوم قد أحدثت شوقاً ... وهاج لك البكا داءً دفينا
بربّك هل رأيت لها رسولاً ... فشاقك، أم رأيت لها خد ينا؟
فقلت: شكا إليّ أخ محبّ ... كبعض زماننا إذ تعلمينا
فعدّ عليّ ما يلقى بهند ... فوافق بعض ما كنّا لقينا
وذو القلب المصاب وإن تعنّى ... يهيّج حين يلقى العاشقينا
وكم من خلّة أعرضت عنها ... لغير قلىً وكنت بها ضنينا
رأيت صدودها فصدفت عنها ... ولو جنّ الفؤاد بها جنونا
وفي غير هذه الرّواية إلاّ أنه متى قال بيت شعر أعتق رقبة، فذكر معناها، ثم قال: أستغفر الله وأتوب إليه. ثم دعا بثمانية من مماليكه فأعتقهم.
عن صالح بن أسلم، قال: نظرت إلى امرأة مستترة بثوب وهي تطوف بالبيت، فنظر إليها عمر بن أبي ربيعة من وراء الثّوب، ثم قال: من الطويل
ألمّا بذات الخال واستطلعا لنا ... على العهد باق ودّها أم تصرّما
قال: فقلت له: امرأة مسلمة غافلة محرمة قد سيّرت فيها شعراً وهي لا تعلم! فقال: إني قد أنشدت من الشّعر ما بلغك؛ وربّ هذه البنّية ما حللت إزاري على فرج حرام قطّ.
قال الضّحاك بن عثمان: إن عمر بن أبي ربيعة مرض واشتّد مرضه، فحزن عليه أخوه الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة حزناًشديداً؛ فقال عمر: يا أخي كأنك تخاف عليّ قوافي الشّعر؟ قال: نعم. قال: أعتق ما أملك إن كان وطئ فرجاً حراماً قطّ. قال الحارث: الحمد لله، هوّنت عليّ.
قال عبد الله بن عمر: فاز عمر بن أبي ربيعة بالدّنيا والآخرة؛ غزا البحر فاحترقت سفينته فاحترق فيها. وبلغني من وجه آخر: إن عمر بن أبي ربيعة عدا يوماً على فرس فهبّت ريح فاستتر بقفلة، فعصفت الرّيح، فخدشه غصن منها، فدمي منه، فمات من ذلك.