Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=152700#cde67a
عمرو بن بحر بن محبوب
أبو عثمان البصريّ، المعروف بالجاحظ عن عبد الله بن سليمان بن الأشعث، قال: دخلت على عمرو بن بحر الجاحظ، فقلت له: حدّثني بحديث، فقال: نا حجّاج بن محمد، نا حمّاد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أقيمت الصّلاة فلا صلاة إلاّ المكتوبة ".
وعن أبي بكر بن أبي داود، قال: كنت بالبصرة فأتيت منزل الجاحظ عمرو بن بحر، فاستأذنت عليه، فاطّلع إليّ من خوخة، فقال: من هذا؟ فقلت: رجل من أصحاب الحديث. فقال: ومتى عهدتني أقول بالحشويّة؟ فقلت: إنّي ابن أبي داود. فقال: مرحباً بك وبأبيك. فنزل ففتح لي وقال: ادخل، أيش تريد؟ فقلت: تحدّثني بحديث. فقال: اكتب؛ نا حجّاج، عن حمّاد، عن ثابت، عن أنس، أنّ النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلّى على طنفسة. قلت: حديثاً آخر. فقال: ابن أبي داود لا يكذب.
وروى عن أبي يوسف القاضي، قال: تغدّيت عند هارون الرّشيد، فسقطت من يدي لقمة فانتثر ما كان عليها من الطّعام؛ فقال: يا يعقوب خذ لقمتك، فإن المهديّ حدّثني عن أبيه المنصور، عن أبيه
محمد بن علي، عن أبيه علي بن عبد الله، عن أبيه ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أكل ما سقط من الخوان فرزق أولاداً كانوا صباحاً ".
ذكر أبو عثمان الجاحظ في كتاب الحيوان، قال: واحتاج أصحابنا إلى التّسليم من عضّ البراغيث أيّام كنّا بدمشق، ودخلنا أنطاكية، فاحتالوا لبراغيثها بالأسرّة فلم ينتفعوا بذلك، لأن براغيثهم نوعان: الأبجل والبقّ.
وقال أبو العنبس الصّيمريّ: وجدت عن الجاحظ أنه قال: سافرت مع الفتح يعني ابن خاقان إلى دمشق.
قال أبو بكر الخطيب: أبو عثمان الجاحظ؛ المصنّف، الحسن الكلام، البديع التّصانيف، كان من أهل البصرة، وأحد شيوخ المعتزلة، وقدم بغداد فأقام بها مدّة، وقد أسند عنه أبو بكر بن أبي داود، وهو كنانيّ صليبة، وقيل: مولى، وكان تلميذ أبي إسحاق النظّام.
وذكر يموت بن المزرّع: أن الجاحظ عمرو بن بحر بن محبوب مولى أبي القلمّس عمرو بن قلع لكناني ثم الفقيميّ، وكان جدّ الجاحظ أسود، وكان جمّالاً لعمرو بن قلع.
قال يموت: والجاحظ خال أمّي.
عن أبي بكر العمريّ، قال: سمعت الجاحظ يقول: نسيت كنيتي ثلاثة أيّام، فأتيت أهلي فقلت: بمن أكنّى؟ فقالوا: بأبي عثمان.
حدّث الجاحظ سنة ثلاث وخمسين ومئتين، عن ثمامة بن أشرس، قال: شهدت رجلاً يوماً من الأيّام وقد قدّم خصماً له إلى بعض الولاه، فقال: أصلحك الله، ناصبيّ رافضيّ جهميّ مشبّه مجبّر قدريّ، يشتم الحجّاج بن الزّبير الذي
هدم الكعبة على عليّ بن أبي سفيان، ويلعن معاوية بن أبي طالب! فقال له الوالي: ما أدري ممّ أتعجّب، من علمك بالأنساب أو من معرفتك بالمقالات؟ فقال: أصلحك الله، ما خرجت من الكتّاب حتى تعلّمت هذا كلّه! قال عليّ بن القاسم الأديب الخوافي: حدّثني بعض إخواني: أنه دخل على عمرو بن الجاحظ، فقال: يا أبا عثمان، كيف حالك؟ فقال له الجاحظ: سألتني عن الجملة فاسمعها منّي واحداً واحداً؛ حالي أن الوزير يتكلّم برأيي وينفذ أمري، ويواثر الخليفة الصّلات إليّ، وأكل من لحم الطّير أسمنها، وألبس من الثياب ألينها؛ وأجلس على ألين الطّبريّ، وأتّكىء على هذا الرّيش، ثم أصبر حتى يأتي الله بالفرج! فقال له الرّجل: الفرج ما أنت فيه. قال: بل أحبّ أن تكون الخلافة لي، ويعمل محمد بن عبد الملك بأمري، ويختلف إليّ، فهذا هو الفرج! قال محمد بن يزيد المبرّد: سمعت الجاحظ يقول لرجل آذاه: أنت والله أحوج إلى هوان من كريم إلى كرام، ومن علم إلى عمل، ومن قدرة إلى عفو، ومن نعمة إلى شكر.
وقال أبو سعيد الجنديسابوريّ: سمعت الجاحظ يصف اللّسان، قال: هو أداة يظهر بها البيان، وشاهد يعبّر عن الضّمير، وحاكم يفصل الخطاب، وناطق يردّ به الجواب، وشافع تدرك به الحاجة، وواصف تعرف به الأشياء، وواعظ ينهى عن القبيح، ومعزّ يردّ الأحزان، ومعتذر يدفع الضّغينة، ومله يوثق الأسماع، وزارع يحدث المودّة، وحاصد يستأصل المودّة، وشاكر يستوجب المزيد، ومادح يستحقّ الزّلفة، ومؤنس يذهب بالوحشة. وقال: قليل الموعظة مع نشاط الموعوظ خير من كثير وافق من الأسماع نبوةً ومن القلوب ملالةً. وقال: خمس يضنين؛ سراج لا يضيء، ورسول بطيء، وطعام ينتظر به، وإبريق يسيل، وبيت يكف.
قال المبّرد: رأيت الجاحظ يكتب شيئاً، فتبسّم. فقلت: ما يضحكك؟ فقال: إذا لم يكن القرطاس صافياً، والمداد نامياً، والعلم مواتياً، والقلب خالياً، فلا عليك أن تكون غائباً.
وعن يموت بن المزرّع، قال: قال لنا عمرو بن بحر الجاحظ: ما غلبني قطّ إلاّ رجل وامرأة؛ فأمّا الرّجل، فإني كنت مجتازاً في بعض الطّرق، فإذا أنا برجل قصير بطين كبير الهامة طويل اللّحية، متّزر بمئزر، وبيده مشط يسقي به شقّةً ويمشطها بيده؛ فقلت في نفسي: رجل قصير بطين ألحى! فاستزريته. فقلت: أيّها الشّيخ، قد قلت فيك شعراً. قال: فترك المشط من يده، وقال: قل. فقلت: من الوافر
كأنّك صعوة في أصل حشّ ... أصاب الحشّ طشّ بعد رشّ
فقال لي: اسمع جواب ما قلت. فقلت: هات. قال: من الوافر
كأنك كندر في ذنب كبش ... يدلدل هكذا والكبش يمشي
وأمّا المرأة؛ فإني كنت مجتازاً في بعض الطّرقات، فإذا بامرأتين، وكنت راكباًعلى حمارة، فضرطت الحمارة؛ فقالت إحداهما للأخرى: حمارة الشّيخ تضرط! فغاظني قولها، فأعننت، ثم قلت لها: إنه ما حملتني أنثى إلاّ ضرطت. فضربت بيدها على كتف الأخرى وقالت: كانت أمّ هذا منه تسعة أشهر في جهد جهيد.
قال أبو بكر محمد بن إسحاق: قال لي إبراهيم بن محمود ونحن ببغداد: ألا تدخل على عمرو بن بحر الجاحظ؟ فقلت: ما لي له؟ قال: إنك إذا انصرفت إلى خراسان سألوك عنه، فلو دخلت عليه وسمعت كلامه. ثم لم يزل بي حتى دخلت عليه يوماً، فقدّم إلينا طبقاً عليه رطب،
فتناولت منه ثلاث رطبات، وأمسكت، ومرّ فيه إبراهيم، فأشرت إليه أن يمسك، فرمقني الجاحظ فقال لي: دعه يا فتى، فقد كان عندي في هذه الأيام بعض إخواني فقدّمت إليه الرّطب فامتنع، فحلفت عليه، فأبى إلاّ أن يبرّ قسمي بثلاثمئة رطبة.
قال الجاحظ: رأيت جارية ببغداد في سوق النّخّاسين ينادى عليها، فدعوت بها، وجعلت أقلّبها، فقلت: ما أسمك؟ قالت: مكّة. قلت: الله أكبر، قد قرّب الله الحجّ؛ أتأذنين أن أقبّل الحجر الأسود؟ قالت: إليك عنّي، وألم تسمع الله تعالى يقول: " لم تكونوا بالغيه إلاّ بشقّ الأنفس ". قال أبو العيناء: كان الجاحظ يأكل مع محمد بن عبد الملك الزّيّات، فجاؤوا بفالوذجة، فتولّع محمد بالجاحظ وأمر أن يجعل من جهته ما رقّ من الجام، فأسرع في الأكل، فتنّظف ما بين يديه؛ فقال ابن الزّيات: تقشّعت سماؤك قبل سماء النّاس! فقال له الجاحظ: لأن غيمها كان رقيقاً.
وقال أبو العيناء: كنت عند ابن أبي داؤد بعد قتل ابن الزّيّات، فجيء بالجاحظ مقيداً وكان في أسبابه وناحيته وعند ابن أبي داؤد محمد بن منصور وهو إذ ذاك يلي قضاء فارس وخوزستان فقال ابن أبي داؤد للجاحظ: ما تأويل هذه الآية " وكذلك أخذ ربّك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد "؟ فقال: تلاوتها تأويلها أعزّ الله القاضي. فقال: جيئوا بحدّاد. فقال: أعزّ الله القاضي ليفكّ عني أو ليزيدني؟ قال: بل ليفكّ عنك. قال: فجيء بالحدّاد، فغمزه بعض أهل المجلس أن يعنف بساق الجاحظ ويطيل أمره قليلاً؛ ففعل، فلطمه الجاحظ، فقال: اعمل عمل شهر في يوم، وعمل يوم
في ساعة، وعمل ساعة في لحظة، فإن الضّرر على ساقي، وليس بجذع ولا ساجة. فضحك ابن أبي داؤد وأهل المجلس منه. وقال ابن أبي داؤد لمحمد بن منصور: أنا أثق بظرفه ولا أثق بدينه.
قال المبرد: حدّثني الجاحظ، قال: وقفت أنا وأبو حرب على قاصّ، فأردت الولوع به فقلت لمن حوله: إنه رجل صالح لا يحبّ الشّهرة فتفرّقوا عنه. فتفرّقوا عنه، فقال لي: الله حسيبك، إذا لم ير الصّياد طيراً كيف يمدّ شبكته؟
قال يموت بن المزرّع: سمعت خالي عمرو بن بحر الجاحظ يقول: أمليت على إنسان مرّةً: انا عمرو، فاستملى انا بشر، وكتب انا زيد.
عن يحيى بن علي، قال: حدّثني أبي، قال: قلت للجاحظ: إني قرأت في فصل من كتابك المسمّى كتاب " البيان والتبيّن ": إن ممّا يستحسن من النّساء اللّحن في الكلام، واستشهدت ببيتي مالك بن أسماء يعني قوله: من الخفيف
وحديث ألذّه هو ممّا ... ينعت النّاعتون يوزن وزناً
منطق صائب وتلحن أحيا ... نا وخير الحديث ما كان لحناً
قال: هو كذلك. قلت: أفما سمعت بخبر هند بنت أسماء بن خارجة مع الحجّاج حين لحنت في كلامها، فعاب ذلك عليها، فاحتجّت ببيتي أخيها؟ فقال لها: إن أخاك أراد أن المرأة فطنة، فهي تلحن بالكلام إلى غير المعنى في الظّاهر لتستر معناه، وتورّي عنه، وتفهمه من أرادت بالتّعريض، كما قال الله تعالى: " ولتعرفنّهم في لحن القول " ولم يرد الخطأ من الكلام، والخطأ لا يستحسن من أحد. فوجم الجاحظ ساعةً ثم قال: لو سقط إليّ هذا الخبر لما قلت ما تقدّم. فقلت له:
فأصلحه. فقال: الآن، وقد سار الكتاب في الآفاق؟ هذا لا يصلح؛ أو نحو هذا من الكلام.
أنشد أبو العيناء للجاحظ: من الوافر
يطيب العيش أن تلقى حكيماً ... غذاه العلم والظّنّ المصيب
فيكشف عنك حيرة كلّ جهل ... وفضل العلم يعرفه الأديب
سقام الحرص ليس له شفاء ... وداء الجهل ليس له طبيب
وأنشد المبرّد للجاحظ: من السريع
إن حال لون الرّأس عن حاله ... ففي خضاب الرّأس مستمتع
هب من له شيب له حيلة ... فما الذي يحتاله الأصلع
قال إبراهيم بن رباح: أتاني جماعة من الشعراء فأنشدوني، وكلّ واحد منهم يدّعي أنه مدحني بهذه الأبيات، وأعطي كلّ واحد منهم عليها، وهي: من المتقارب
بدا حين أثرى بإخوانه ... ففلّل عنهم شباة العدم
وذكّره خصّة الله بالمكرما ... ت فمازج منه الحياء الكرم
إذا همة قصرت عن يد ... تناولها بجزيل الهمم
ولا ينكث الأرض عند السؤا ... ل ليقطع زوّاره عن نعم
قال إبراهيم: فكان اللاحقيّ منهم، وأحسبها له؛ ثم آخر من جاءني الجاحظ، وأنا والي الأهواز، فأعطيته عليها مالاً؛ ثم كنت عند ابن أبي داؤد فدخل إلينا الجاحظ، فالتفت إليّ ابن أبي داؤد فقال: يا أبا إسحاق قد امتدحت بأشعار كثيرة ما سمعت شيئاً رفع قلبي وقبلته نفسي مثل أبيات مدحني بها أبو عثمان؛ ثم أنشدتها بحضرته:
بدا حين أثرى بإخوانه.....
فقلت: جدّ أيّدك الله مقالاً. فقال: وعجبت من عمرو وسكوته، ولم أذكر من ذلك شيئاً.
قال أبو سعيد البصريّ: قدمت على الجاحظ بعدما كبر سنّه، فقلت له: حدّثني. فقال: اكتب؛ الأمصار عشرة: الصّناعة بالبصرة، والفصاحة بالكوفة، والتّخنّث ببغداد، والغدر بالرّيّ، والجفاء بنيسابور، والحسد بهراة، والطّرمذة بسمرقند، والمروءة ببلخ، والبخل بمرو، والتّجارة بمصر.
قال أبو العيناء: أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك وأدخلنا على الشيوخ ببغداد فقبلوه، إلاّ ابن أبي شيبة العلويّ فإنه قال: لا يشبه آخر هذا الحديث أوّله. فأبى أن يقبله. وكان أبو العيناء يحدّث بهذا بعدما مات.
حدّث ابن أبي الذ يّال المحدّث بسرّ من رأى، قال: حضرت وليمةً حضرها الجاحظ، وحضرت صلاة الظّهر، فصلّينا وما صلّى الجاحظ، وحضرت صلاة العصر فصلّينا وما صلّى الجاحظ؛ فلمّا عزمنا على الانصراف قال الجاحظ لصاحب المنزل: إني ما صلّيت لمذهب أو لسبب أخبرك به. فقال له أو فقيل له: ما أظنّ أن لك مذهباً في الصّلاة إلاّ تركها.
قال المبرّد: دخلت على الجاحظ في آخر أيّامه وهو عليل، فقلت له: كيف أنت؟ فقال: كيف يكون من نصفّ مفلوج ولو نشر بالمناشير ما أحسّ به، ونصفه الآخر منقرس لو طار الذّباب بقربه لآلمه؛ والآفة في جميع هذا أني قد جزت التّسعين. ثم أنشدنا: من الوافر
أترجو أن تكون وأنت شيخ ... كما قد كنت أيّام الشّباب
لقد كذبتك نفسك ليس ثوب ... دريس كالجديد من الثّياب
قال الصّوليّ: مات الجاحظ سنة خمس وخمسين ومئتين.