علي بن محمد بن غليس، أبو الحسن الزاهد:
من أهل اليمن، كان رجلا من الرجال طوف البلاد ما بين الحجاز واليمن، وصحب الأولياء والصالحين، وكانت له مجاهدات ورياضيات شديدة، وقوة على الجوع والعطش والسهر، ومقاساة البراري والقفار والجبال، حتى ظهرت كراماته وأطلع الله عباده على أحواله، قدم علينا بغداد في سنة ست وتسعين وخمسمائة، ونزل على شيخنا [أبي] أحمد بن سكينة، وكانت بينهما صحبة بمكة، وكان شيخنا كثير الإعظام له، فأقام مدة، وسمع بقراءتي شيئا من الحديث على شيخنا أبي أحمد، وقد سمع الناس منه كثيرا من كلامه وحكاياته ببغداد وغيرها، وكتبوا عنه، ولم يتفق لي أن أكتب عنه شيئا.
قرأت بخط عبد الحق بن عبد العلي بن علي الأنصاري قال: أملى علي الشيخ أبو الحسن علي بن محمد بن غليس في المجسد الأقصى قال: قال لي شيخي علي بن عبد الرحمن الحداد: من اعتقد أنه يصل إلى الله بلا عمل فهو متمن، ومن اعتقد أنه يصل بعمله فهو متعن، اعمل وانس، فلك من لا ينسى. قال: وعلمني شيخي ابن عبد الرحمن الحداد هذا الدعاء «يا من أجله عن تسميتي وندائي، أنت العالم بضري واشتكائي، وقفت على بابك بفقر فادح، وعمل غير صالح، ولم أجد رجلا يشفع،
ولا حصنا يصون منك ويمنع، فاصنع بي ما يليق بكرمك أن تصنع يا من يصنع ولا يصنع» .
قال: وحفظت منه هذا الدعاء يعني الحداد: «يا من لوجهه عنت الوجوه، بيض وجهي بالنظر إليك، واملأ قلبي من المحبة لك، وأجرني من زلة التوبيخ، فقد آن لي الحياء منك وحان لي الرجوع من الإعراض عنك. لولا حلمك لم يسعني عملي، ولولا عفوك لم يبسط فيما لديك أملي، فأسألك بك أن تغفر لي وتخير لي ما أخبره لنفسي ، وتفعل بي ما أنت أهله، ولا تفعل بي ما أنا أهله، إنك أهل التقوى وأهل المغفرة، اللهم صل على محمد وآله» .
حدثني عمر بن هبة الله العقيلي بحلب، حدثني عبد الرحيم بن علي بن شيت القرشي قال: بلغني عن ابن غليس أنه في مجيئه في طريق مكة لقي أسدا فأتى إليه، ومسك بيديه على لحييه وفتح فاه إلى أن سار الحاج فخلى عنه ولحق الحاج، فكنت أسأله من أصحابه عن الدعاء الذي دعا به هل سألوه؟ فلم يخبرني أحد بشيء، فكنت أبدا كثير التطلع إلى ذلك ولم أجد أحدا أسأله عن ذلك إلى أن استدعاني الصفي بن شكر إلى دمشق، وما شككت في أنه يضرب عنقي بقصده، فلقيت رجلا يقال له أفلاطون الطبيب، وكان يخدم ابن غليس ويتردد إليه، فقال: أنا والله سألته عن ذلك، فقال: كنت ليلة في الطريق نائما فرأيت أسدا قد جاء وثار في طريق الحاج فاختبط الناس ورجع أول الحاج إلى آخره لخوفهم فجاءني هاتف قال لي: «قل: يا كلب الله! اتق الله في عباده واخضع لمن خضعت له السماوات والأرض» وامش له فإنه لا يضرك! ففعلت ذلك وقبضت على لحييه إلى أن مر الناس، قال: فلما انتبهت لم أحفل بالمنام لأني أرى في اليقظة أشياء فوق هذا، فبينا نحن سائرون في ذلك اليوم، وإذا بالحاج قد اختبط ورجع أوله إلى آخره وقالوا: هاهنا سبع ضاري، ولخوف الناس منه، فأقبلت عليه وقلت له: «يا كلب الله اتق الله في عباد الله واخضع لمن خضعت له السماوات والأرض» ومشيت إليه، فجاء جماعة من الحاج يساعدني عليه، فقلت:
لا يتبعني أحد! ثم جئت إليه ومسكت فكه الأعلى بيدي وفكه الأسفل بيدي الأخرى وقعدت، وقعد معي إلى الأرض إلى أن مر الحاج، ثم قمت ووليت عنه
وجعلت ألتفت إليه فأراه ملتفتا إليّ كالتفاتي إليه، وأنا أقول له هذه الكلمات، فقال:
إن شئت- فقلت في نفسي: ما يكون ابن شكر أعظم من أسد، وصليت الجمعة في جامع دمشق، فلما مر في الجامع قلت هذه الكلمات فلم يمكن الله ابن شكر مني.
رأيت بخط الشيخ علي بن غليس في أول كتاب كتبه إلى شيخه أبي أحمد بن سكينة: خادمه علي بن غليس الذي لا يسوى فليس.
وذكر محمد بن أبي البركات بن قرباص الحموي، وقد رأيته بحلب وكان من الصالحين. قال: كان الشيخ علي بن غليس يكتب إلى والده: خادمه علي بن غليس الذي لا يسوى نصف فليس. قال: وكتب إليه آخر كتاب كتبه علي بن غليس الذي ما يسوى ربع فليس، وقد نقصت القسمة لكبر السن والتقصير في الخدمة.
ذكر صديقنا الشريف أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بن القاسم الإدريسي: أن الفقيه إبراهيم بن عيسى الحسيني اليماني أنشده لابن غليس اليماني:
ألا قل لمن يهوى سوانا ... هواه حرام ولكن هوانا له الويل
ومن كان يبغي رضا غيرنا ألا ... أخطى ولكن رضانا
قف وخيم على بابنا ... ترى الخير منا جهارا عيانا
سألت أبا طالب محمد بن عبد الله بن صابر السلمي عن وفاة الشيخ أبي الحسن ابن غليس، فقال: توفي بدمشق في الليلة السابعة عشر من شهر رمضان سنة ثمان وتسعين وخمسمائة.
ذكر لنا غير أبي طالب أنه كان بمقبرة باب الصغير قريبا من أم الدرداء وكان قد قارب الستين- رحمه الله.
من أهل اليمن، كان رجلا من الرجال طوف البلاد ما بين الحجاز واليمن، وصحب الأولياء والصالحين، وكانت له مجاهدات ورياضيات شديدة، وقوة على الجوع والعطش والسهر، ومقاساة البراري والقفار والجبال، حتى ظهرت كراماته وأطلع الله عباده على أحواله، قدم علينا بغداد في سنة ست وتسعين وخمسمائة، ونزل على شيخنا [أبي] أحمد بن سكينة، وكانت بينهما صحبة بمكة، وكان شيخنا كثير الإعظام له، فأقام مدة، وسمع بقراءتي شيئا من الحديث على شيخنا أبي أحمد، وقد سمع الناس منه كثيرا من كلامه وحكاياته ببغداد وغيرها، وكتبوا عنه، ولم يتفق لي أن أكتب عنه شيئا.
قرأت بخط عبد الحق بن عبد العلي بن علي الأنصاري قال: أملى علي الشيخ أبو الحسن علي بن محمد بن غليس في المجسد الأقصى قال: قال لي شيخي علي بن عبد الرحمن الحداد: من اعتقد أنه يصل إلى الله بلا عمل فهو متمن، ومن اعتقد أنه يصل بعمله فهو متعن، اعمل وانس، فلك من لا ينسى. قال: وعلمني شيخي ابن عبد الرحمن الحداد هذا الدعاء «يا من أجله عن تسميتي وندائي، أنت العالم بضري واشتكائي، وقفت على بابك بفقر فادح، وعمل غير صالح، ولم أجد رجلا يشفع،
ولا حصنا يصون منك ويمنع، فاصنع بي ما يليق بكرمك أن تصنع يا من يصنع ولا يصنع» .
قال: وحفظت منه هذا الدعاء يعني الحداد: «يا من لوجهه عنت الوجوه، بيض وجهي بالنظر إليك، واملأ قلبي من المحبة لك، وأجرني من زلة التوبيخ، فقد آن لي الحياء منك وحان لي الرجوع من الإعراض عنك. لولا حلمك لم يسعني عملي، ولولا عفوك لم يبسط فيما لديك أملي، فأسألك بك أن تغفر لي وتخير لي ما أخبره لنفسي ، وتفعل بي ما أنت أهله، ولا تفعل بي ما أنا أهله، إنك أهل التقوى وأهل المغفرة، اللهم صل على محمد وآله» .
حدثني عمر بن هبة الله العقيلي بحلب، حدثني عبد الرحيم بن علي بن شيت القرشي قال: بلغني عن ابن غليس أنه في مجيئه في طريق مكة لقي أسدا فأتى إليه، ومسك بيديه على لحييه وفتح فاه إلى أن سار الحاج فخلى عنه ولحق الحاج، فكنت أسأله من أصحابه عن الدعاء الذي دعا به هل سألوه؟ فلم يخبرني أحد بشيء، فكنت أبدا كثير التطلع إلى ذلك ولم أجد أحدا أسأله عن ذلك إلى أن استدعاني الصفي بن شكر إلى دمشق، وما شككت في أنه يضرب عنقي بقصده، فلقيت رجلا يقال له أفلاطون الطبيب، وكان يخدم ابن غليس ويتردد إليه، فقال: أنا والله سألته عن ذلك، فقال: كنت ليلة في الطريق نائما فرأيت أسدا قد جاء وثار في طريق الحاج فاختبط الناس ورجع أول الحاج إلى آخره لخوفهم فجاءني هاتف قال لي: «قل: يا كلب الله! اتق الله في عباده واخضع لمن خضعت له السماوات والأرض» وامش له فإنه لا يضرك! ففعلت ذلك وقبضت على لحييه إلى أن مر الناس، قال: فلما انتبهت لم أحفل بالمنام لأني أرى في اليقظة أشياء فوق هذا، فبينا نحن سائرون في ذلك اليوم، وإذا بالحاج قد اختبط ورجع أوله إلى آخره وقالوا: هاهنا سبع ضاري، ولخوف الناس منه، فأقبلت عليه وقلت له: «يا كلب الله اتق الله في عباد الله واخضع لمن خضعت له السماوات والأرض» ومشيت إليه، فجاء جماعة من الحاج يساعدني عليه، فقلت:
لا يتبعني أحد! ثم جئت إليه ومسكت فكه الأعلى بيدي وفكه الأسفل بيدي الأخرى وقعدت، وقعد معي إلى الأرض إلى أن مر الحاج، ثم قمت ووليت عنه
وجعلت ألتفت إليه فأراه ملتفتا إليّ كالتفاتي إليه، وأنا أقول له هذه الكلمات، فقال:
إن شئت- فقلت في نفسي: ما يكون ابن شكر أعظم من أسد، وصليت الجمعة في جامع دمشق، فلما مر في الجامع قلت هذه الكلمات فلم يمكن الله ابن شكر مني.
رأيت بخط الشيخ علي بن غليس في أول كتاب كتبه إلى شيخه أبي أحمد بن سكينة: خادمه علي بن غليس الذي لا يسوى فليس.
وذكر محمد بن أبي البركات بن قرباص الحموي، وقد رأيته بحلب وكان من الصالحين. قال: كان الشيخ علي بن غليس يكتب إلى والده: خادمه علي بن غليس الذي لا يسوى نصف فليس. قال: وكتب إليه آخر كتاب كتبه علي بن غليس الذي ما يسوى ربع فليس، وقد نقصت القسمة لكبر السن والتقصير في الخدمة.
ذكر صديقنا الشريف أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بن القاسم الإدريسي: أن الفقيه إبراهيم بن عيسى الحسيني اليماني أنشده لابن غليس اليماني:
ألا قل لمن يهوى سوانا ... هواه حرام ولكن هوانا له الويل
ومن كان يبغي رضا غيرنا ألا ... أخطى ولكن رضانا
قف وخيم على بابنا ... ترى الخير منا جهارا عيانا
سألت أبا طالب محمد بن عبد الله بن صابر السلمي عن وفاة الشيخ أبي الحسن ابن غليس، فقال: توفي بدمشق في الليلة السابعة عشر من شهر رمضان سنة ثمان وتسعين وخمسمائة.
ذكر لنا غير أبي طالب أنه كان بمقبرة باب الصغير قريبا من أم الدرداء وكان قد قارب الستين- رحمه الله.