Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=138791#b0529e
علي بن محمد بن فهد، أبو الحسن التهامي الشاعر :
مولده ومنشؤه باليمن، وطرأ إلى الشام، وسافر منها إلى العراق وإلى الجبل، ولقي الصاحب بن عباد، وانتحل مذهب الاعتزال وأقام ببغداد، وروى بها شيئا من شعره، ثم عاد إلى الشام وتنقل في بلادها، وتقلد الخطابة بالرملة، وتزوج بها، وكانت نفسه تحدثه بمعالي الأمور ويحدثه إليها، وكان يكتم نسبه فيقول تارة إنه من الطالبيين، وتارة من أبي أمية، ولا يتظاهر بشيء من الأمرين.
وذكر أبو الخطاب الجبلي أنه كان أديبا فاضلا شاعرا متورعا ظلف النفس متدينا متقشفا، يطلب الشيء بوجهه ولا يريده إلا من حله وبلغ من تورعه أنه كان نسخ شعر البحتري، فلما بلغ إلى أبيات هجو امتنع من كتبها وقال: لا أسطر بخطي مثالب الناس ومساويهم تحرجا من ذلك.
أخبرني أحمد بن أبي بكر الحافظ، أنبأنا محمد بن عبد الباقي قراءة عليه، عن أبي
عبد الله الحميدي، أنشدنا أحمد بن إبراهيم بن محمد الكرجي، أنشدنا أبو الحسن علي ابن محمد التهامي لنفسه ببغداد سنة خمس عشرة وأربعمائة من قصيدة يرثي ولدا له:
حكم المنية في البرية جاري ... أن تسترد فإنهن عوارى ما هذه
بينا ترى الإنسان فيها محبرا ... الدنيا بدار قرار
طبعت على كدر وأنت تريدها ... حتى ترى حبرا من الأحبار
ومكلف الأيام ضد طباعها ... صفوا من الأقذار والأكدار
وإذا رجوت المستحيل فإنما ... متطلب في الماء جذوة نار
العيش نوم والمنية يقظة ... تبنى الرجاء على شفير هار
والنفس إن رضيت بذلك أو أبت ... والمرء بينهما خيال سار
فاقضوا مآربكم عجيلا إنما ... منقادة بأزمة المقدار
وتراكضوا خيل الشباب وبادروا ... أعمالكم سفرا من الأسفار
فالدهر يخدع بالمنى ويعض إن ... هنا ويهدم ما بني بنوار
ليس الزمان وإن حرصت مساعدا ... خلق الزمان عداوة الأحرار
ومنها:
ذهب التكرم والوفاء من الورى ... وتصرما إلا من الأشعار
وفشت خيانات الثقات وغدرهم ... حتى اتهمنا رؤية الأبصار
ولربما اعترض الحليم بجاهل ... لا خير في يمنى بغير يسار
لله در النائبات فإنها صدأ ... اللئام وصيقل الأحرار
ما كنت إلا زبرة فطبعتني ... سيفا والحلق هدهن عذارى
قرأت على الشريف عَبْد الواحد [بْن] مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن أَحْمَد الهاشمي، عن محمد بن عبد الباقي بن أحمد قال: أنبأنا أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَبِي نصر الحميدي إذنا، أنشدنا أحمد بن إبراهيم الكرجي، أنشد أبو الحسن التهامي لنفسه:
عبس من شعر في الرأس مبتسم ... ما يفر البيض في اللمم
ظنت مشيبته تبقى وما علمت ... أن الشبيبة مرقاة إلى الهرم
ما شاب عزمي ولا حزمي ولا خلقي ... ولا وفائي ولا ديني ولا كرمي
وإنما اعتاص رأسي غير صبغته ... والشيب في الرأس غير الشيب في الشيم
بالنفس قائلة في يوم رحلتنا ... هواك عندي فسر إن شئت أو أقم
فبحت وحدا فلامتني فقلت لها ... لا تعذليه فلم يلؤم ولم يلم
لما صفا قلبه صفت سرائره ... والسر في كل صاف غير مكتتم
كيف المقام بأرض لا يخاف بها ... لا يرجى شيئا رمحي ولا قلمي
فقبلتني توديعا فقلت لها ... كفى فليس ارتشاف الخمر من شيمي
لو لم يكن حمرها ريقها لما انتظقت ... بلؤلؤ من حباب الثغر منتظم
ولو تيقنت غير الراح في فمها وزاد ... ما كنت ممن يصد اللثم باللثم
ريقها بردا يحدره ... على حصني برد من ثغرها الشيم
إني لأطرف طرفي عن محاسنه ... تكرما وأكف الكف عن لمم
ولا أهم ولي نفس تنازعني ... استغفر الله إلا ساعة الحلم
لا أكفر الطيف نعمى أنشرت رمما ... منا كما تفعل الأرواح بالرمم
والطيف أفضل قولا إن لذته ... تخلو من الإثم والتنغيص والندم
حا ما حبا فأغنتنا زيارته ... عن اعتساف الفلا بالأنيق الرسم
وصل الخيال ووصل الجود إن وصلت ... سيان ما أشبه الوجدان بالعدم
والدهر كالطيف بؤساه وأنعمه ... من غير قصد فلا تمدح ولا تلم
لا تمدح الدهر في بأساء يكشفها ... فلو أردت دوام البؤس لم يدم
خالف هواك فلولا أن أهوية ... سخر لما اقتنص العقبان بالرخم
ترجو الشفاء بجفنيها وسقمهما ... وهل رأيت شفاء جاء من سقم
وتدعى الصبا نجد فإن خطرت ... كانت جوى لك دون الناس كلهم
وكيف تطفئ صبا نجد صبابته ... والريح زائدة في كل مضطرم
أصبوا وأصحوا ولم يكلم ببائقة ... عرضي كما تكلم الأعراض بالكلم
ولا أريد ثناء لا يصدقه فعلى ... ولا أرتضى في التهم بالتهم
لا تحسبي حسب الآباء مكرمة ... فمن يقصر عن غايات مجدهم
حسن الرجال بحسناهم وفخرهم ... بطولهم في المعالي لا بطولهم
ما غابني حاسدي إلا شرفت به ... فحاسدي منعم في زي منتقم
فالله يكلا حاسدي ما نعمهم ... عندي وإن وقعت من غير قصدهم
ينبهون على فضلي إذا كتبت ... صحيفتي في المعالي عنونت بهم
قرأت على أبي الكرم العباسي، عن محمد بن عبد الباقي، أنبأنا محمد بن أبي نصر الحميدي من كتابه، أنشدنا أحمد بن إبراهيم الكرجي، أنشدنا أبو الحسن التهامي لنفسه ببغداد:
هل الوجد إلا أن تلوح خيامها ... فتقضي بإهداء السلام ذمامها
وقفت بها أبكي وترزم أينقى ... وتصهل أفراسي وتدعو حمامها
ولو بكت الورق الحمائم شجوها ... بعيني محا أطواقهن انسجامها
وفي كبدي أستغفر الله غلة ... إلى برد يثنى عليه لثامها
وبرد رضاب سلسل غير أنه ... إذا شربته النفس زاد هيامها
فيا عجبا من غلة كلما ارتوت ... من السلسبيل العذب زاد اضطرامها
كأن بعيد النوم في رشفاتها ... سلاف رحيق رق منها مدامها
وتعبق رياها وأنفاسها معا ... كنافجة قد فض عنها ختامها
ولم أنسها يوم التقى در دمعها ... ودر الثنايا فذها وتوامها
وقد بسمت عن ثغرها فكأنه ... قلائد در في العقيق انتظامها
وقد نثرت در الكلام بعتبها ... ولذ بسمعي عتبها وملامها
فلم أدر أي الدر أنفس قيمة ... أأدمعها أم ثغرها أم كلامها
وقد سفرت عن وجهها فكأنما ... تحسر عن شمس النهار جهامها
ومن حيثما دارت بطلعتها ترى ... لإشراقها في الحسن نورا تمامها
وألقت عصاها في رياض كأنما ... يفض عن المسك الفتق ختامها
وضاحكها نور الأقاحي فراقني ... تبسمه رأد الضحى وابتسامها
نظرت ولي عينان عين ترقرقت ... ففاضت وأخرى حار فيها جمامها
فلم أر عينا غير سقم جفونها ... وصحة أجفان الحسان سقامها
خليلي هل يأتي مع الطرف نحوها ... سلامي كما يأتي إلى سلامها
ألمت بنا في ليلة مكفهرة ... فما سفرت حتى تجلي ظلامها
أتت موهنا والليل أسود فاحم وهل ... طويل حكاه فرقها وقوامها
نافعي أن يجمع الدار بيننا ... بكل مقام وهي صعب مرامها
أسيدتي رفقا بمهجة وامق ... يعذبها بالبعد منك غرامها
لك الخير جودي بالجمال فإنه ... سحابة صيف ليس يرجى دوامها
وما الحسن إلا دولة فاصنعي بها ... بدا قبل أن يمضي ويعبر دامها
أرى النفس تستحلى الهوى وهو حتفها ... بعيشك هل يحلو لنفس حمامها
أخبرنا أبو الفتوح نصر بن محمد الحافظ بقراءتي عليه في يوم التروية بعرفة، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سلمان، أنشدنا أبو الحسن علي بن محمد الخطيب الأنباري، أنشدنا أبو الحسن علي بن محمد التهامي وقد ورد علينا الأنبار وجاءه قوال يعرف بابن المعلم فقال: إن رأى سيدنا أن يلقى علي من النظم الشريف ما ألحنه، فأنشد في التنقل:
حازك البين حين أصبحت ... بدرا إن للبدر عذرا
ارحلي إن أردت أو فأقيمي ... أعظم الله للهوى في أجرا
لا تقولي لقاؤنا بعد عشر ... لست ممن يعيش بعدك عشرا
سقام الجفون أمرض قلبي ... ليت أن الجفون تبرى فأبرا
كتب إلى أبو اليمن الكندي: أن محمد بن عبد الباقي الفرضي أخبره عن أَبِي غالب مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن بشران الواسطي قال: أنشدني أبو الحسن علي بن محمد التهامي لنفسه:
لها ريقة أستغفر الله إنها ... ألذ وأشهى في المذاق من الخمر
وصارم طرف ما يفارق غمده ... ولم أر سيفا قط في غمده يفري
كتب أبو جعفر الْوَاسِطِيُّ: أَنَّ أَبَا الْكَرَمِ خَمِيسَ بْنَ عَلِيٍّ الجوزي أخبره قال: سمعت أبا الحسين بن النجم بن بيان الموصلي الشاعر يقول: بت مع أبي الحسن التهامي في
خان بميافارقين فلسعته عقرب في بعض الليل فسكت إلى الغداة، فلما انتشر الناس صاح وتألم، فقلت: ما لك؟ فقال: لسعتني عقرب، قلت: متى! قال: في الليل، قلت:
فكيف سكت إلى الآن؟ [فقال] : احتملت لئلا ينزع الناس بي ويتنغضوا بنومهم.
ذكر أبو الخطاب الجبلي: أن التهامي أظهر الانتساب في ولد الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام وحصل في أحياء طي ودعا إلى نفسه، فأنفذ الطاهر بن الحاكم صاحب [مصر] إلى ابن عليان أمير طي، فقبض عليه وأنفذه إلى مصر فحبس بها وقيل إنه قتل.