عقيل بْن علي بْن عقيل بْن محمد بْن عقيل، أبو الحسن بْن أبي الوفاء الفقيه الحنبلي :
من ساكني الظفرية، تفقه عَلَى والده، وتكلم في مجلس المناظرة، وقرأ الأدب، وقال الشعر الحسن، وكتب خطًا مليحًا، وسمع الحديث من أبوي الحسن هبة اللَّه بْن عبد الرزاق الأنصاري وعلي بن الحسن بْن أيوب البزاز وغيرهما، وشهد عند قاضي القضاة أبي الحسن علي بْن مُحَمَّد بْن الدامغاني في يوم السبت الخامس والعشرين من شوال سنة أربع وخمسمائة، فقبل شهادته، وتوفي شابًا في حياة والده لم يبلغ الثلاثين،
وكثر المتفجعون عليه وصبر والده صبرًا جميلا ولم يغير هيئته وصلى عليه بجنان ثابت وتكلم في الفقه.
أنبأنا أَبُو الْقَاسِمِ الأزجي عن أبي الوفاء بْن عقيل قَالَ: ثكلت ولدين نجيبين أحدهما حفظ القرآن وتفقه، ومات دون البلوغ- يشير إلى [ولده] أبي منصور، والآخر مات وقد حفظ كتاب اللَّه وخط خطًا حسنًا- يشار إليه؛ فتفقه وناظر في الأصول والفروع، وشهد بمجلس الحكم وحضر المواكب، وجمع أخلاقًا حسنة ودماثة وأدبًا، وَقَالَ شعرًا جيدًا، فتعزيت بقصة عمرو بن عبد ود العامري الذي قتله علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فقالت أمه ترثيه:
لو كان قاتل عمرو غير قاتله ... ما زلت أبكي عليه دائم الأبد
لكن قاتله من لا يقاد به ... من كان يدعى أبوه بيضة البلد
فقلت: سبحان اللَّه!
كذبت وبيت اللَّه لو كنت صادقا ... لما سبقتني بالعزاء النساء
كذبت وبيت اللَّه لو كنت عاشقًا ... لما سبقتني بالبكاء الحمائم
وكذلك أم عمرو كان يسليها ويعزيها جلالة القاتل والافتخار بأن ابنها مقتوله فهلا نظرت إلى قاتل ولدي وهو الأبدي الحكيم المالك للأعيان المربي بأنواع الدلال، فهان القتل والمقتول بجلالة القاتل، وقتله إحياء في المعنى إذ كان أماتهما عَلَى أحسن خاتمة، الأول لم يجر عليه القلم، والآخر وفقه للخير وختم له بلوائح وشواهد دلت عَلَى الخير، وسألني رجل فَقَالَ: هل للطف بي علامة؟ فقلت: أخبرك بها عن ذوق كانت عادتي التنعم ففقدت ولدي فتبدلت خشن العيش ونفسي راضية.
قرأت في كتاب «الفنون» لأبي الوفاء بْن عقيل بخطه قَالَ: ولولدي عقيل كرم اللَّه وجهه في إمامنا المستظهر باللَّه أمير المؤمنين:
شاقه والشوق من غيره ... طلل عاف سوى أثره
مقفر إلا معالمه ... واكف بالودق من مطره
فانثنى والدمع منهمل ... كانسلال السلك عن درره
طاويًا كشحًا عَلَى تعب ... مشحنات لسن من وطره
رحلة الأحباب عن وطن ... وحلول الشيب في شعره
شيم للدهر سالفة ... مستبينات لمختبره
وقبول الدر مبسمها ... أبلج يفتر عن خصره
رووه جيدًا ناعمة ... تستزيد الطرف من نظره
هز عطفيها الشباب كما ... ماس غصن البان في شجره
ورثت من مقلتي رشا ... نفثات السحر من نظره
ذات فرع فوق ملتمع ... كدجا أبدي سنا قمره
وبنان زانه نزف ... ذاده التسليم عن خفره
خصرها يشكو روادفها ... كاشتكاء الصب من سهره
نصبت عيني لها غرضا ... فهو مصمتي بمعتوره
وزهت تيها كأن لها ... نسبًا يزهو بمفتخره
أو أناخت في فناء ملك ... دنت الأخطار عن خطره
ذلك المستظهر الندب الذي ... ورث العلياء عن مضره
فسقي للدين مجتهدًا ... دائبا ينضني مطي فكره
ثم للمجد الصميم فقد ذل ... ما يرقاه من وعره
عم بالأفضال نائله ... فاستقام الجود من صغره
فأبيه العيس بعملها ... كل عاف ظل في سفره
ناويا لا يطبيه كرى ... آملا جدواه في صدره
فاز إذ أضحى يعقوته ... نازلا يحتال في أثره
سحب الإحسان تمطره ... غدقا ينصاغ في درره
يا ابن من حث الإله عَلَى ... ودهم في الغر من سوره
بك وجه الدهر مبتسم ... مخفيًا عنا شبار عبره
كل يوم أنت فيه لنا ... عند سعد لاح في غرره
والتهاني أنت منشؤها ... كيف يهدي الروض من زهره
فابق للآمال بربعها ... شجرًا نعماؤك من ثمره
ما حدا حاد بملمعه ... وشدا القمري في سحره
أنبأنا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن صالح بْن شافع الجيلي عن أبيه ونقلته من خط أبيه قَالَ:
قَالَ لي والدي: دخلت عَلَى أبي الوفاء بْن عقيل وهو عند ولده بعد ما مات وقبل الشروع في غسله وهو يروحه بمروحه، فكأني لم أدر علي أي شيء أحمل ذلك منه وما أقدمت عَلَى خطابه في مثل تلك الحال، فابتدأني وَقَالَ لي: يا فلان ما هو إلا كما وقع لك، ولكن هي جثة كريمة علي وإن عدم جوهرها، فما دامت مائلة بين يدي فلا يطلب قلبي إلا بتعاهدها بما أقدر عليه من ذب الأذى عنها، وإذا غابت عني فهي في استرعاء من هو خير لها مني، قَالَ وَقَالَ لي والدي: كان ابن عقيل يقول: لولا أن القلوب توقن باجتماع ثان لتفطرت المرائر لفراق المحبوبين، قَالَ: وكان يقول: سبحان من يقبل أولادنا ونحبه.
أنبأنا أَحْمَد بْن طارق قَالَ: سمعت أَحْمَد بْن أبي نصر بْن القناص يقول: سمعت والدي يقول: غسلت ابن عقيل، فلما فرغت من غسله قلت لوالده: إن شئت أن تودعه! فجاء إليه وهو ملفوف في أكفانه لا يبين منه إلا وجهه فأكب عليه وقبله وَقَالَ له: يا بني استودعتك اللَّه الذي لا يضيع ودائعه، الرب خير لك من الأب! ثم مضى.
أنبأنا أبو الفرج ابن الجوزي قَالَ: ولد عقيل بْن علي بْن عقيل في ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان من سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، وتوفي يوم الثلاثاء منتصف المحرم سنة عشر وخمسمائة، ودفن في داره بالظفرية، ثم لما توفي أبوه أخرج معه فدفنا بباب حرب في دكة الإمام أَحْمَد بْن حنبل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
من ساكني الظفرية، تفقه عَلَى والده، وتكلم في مجلس المناظرة، وقرأ الأدب، وقال الشعر الحسن، وكتب خطًا مليحًا، وسمع الحديث من أبوي الحسن هبة اللَّه بْن عبد الرزاق الأنصاري وعلي بن الحسن بْن أيوب البزاز وغيرهما، وشهد عند قاضي القضاة أبي الحسن علي بْن مُحَمَّد بْن الدامغاني في يوم السبت الخامس والعشرين من شوال سنة أربع وخمسمائة، فقبل شهادته، وتوفي شابًا في حياة والده لم يبلغ الثلاثين،
وكثر المتفجعون عليه وصبر والده صبرًا جميلا ولم يغير هيئته وصلى عليه بجنان ثابت وتكلم في الفقه.
أنبأنا أَبُو الْقَاسِمِ الأزجي عن أبي الوفاء بْن عقيل قَالَ: ثكلت ولدين نجيبين أحدهما حفظ القرآن وتفقه، ومات دون البلوغ- يشير إلى [ولده] أبي منصور، والآخر مات وقد حفظ كتاب اللَّه وخط خطًا حسنًا- يشار إليه؛ فتفقه وناظر في الأصول والفروع، وشهد بمجلس الحكم وحضر المواكب، وجمع أخلاقًا حسنة ودماثة وأدبًا، وَقَالَ شعرًا جيدًا، فتعزيت بقصة عمرو بن عبد ود العامري الذي قتله علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فقالت أمه ترثيه:
لو كان قاتل عمرو غير قاتله ... ما زلت أبكي عليه دائم الأبد
لكن قاتله من لا يقاد به ... من كان يدعى أبوه بيضة البلد
فقلت: سبحان اللَّه!
كذبت وبيت اللَّه لو كنت صادقا ... لما سبقتني بالعزاء النساء
كذبت وبيت اللَّه لو كنت عاشقًا ... لما سبقتني بالبكاء الحمائم
وكذلك أم عمرو كان يسليها ويعزيها جلالة القاتل والافتخار بأن ابنها مقتوله فهلا نظرت إلى قاتل ولدي وهو الأبدي الحكيم المالك للأعيان المربي بأنواع الدلال، فهان القتل والمقتول بجلالة القاتل، وقتله إحياء في المعنى إذ كان أماتهما عَلَى أحسن خاتمة، الأول لم يجر عليه القلم، والآخر وفقه للخير وختم له بلوائح وشواهد دلت عَلَى الخير، وسألني رجل فَقَالَ: هل للطف بي علامة؟ فقلت: أخبرك بها عن ذوق كانت عادتي التنعم ففقدت ولدي فتبدلت خشن العيش ونفسي راضية.
قرأت في كتاب «الفنون» لأبي الوفاء بْن عقيل بخطه قَالَ: ولولدي عقيل كرم اللَّه وجهه في إمامنا المستظهر باللَّه أمير المؤمنين:
شاقه والشوق من غيره ... طلل عاف سوى أثره
مقفر إلا معالمه ... واكف بالودق من مطره
فانثنى والدمع منهمل ... كانسلال السلك عن درره
طاويًا كشحًا عَلَى تعب ... مشحنات لسن من وطره
رحلة الأحباب عن وطن ... وحلول الشيب في شعره
شيم للدهر سالفة ... مستبينات لمختبره
وقبول الدر مبسمها ... أبلج يفتر عن خصره
رووه جيدًا ناعمة ... تستزيد الطرف من نظره
هز عطفيها الشباب كما ... ماس غصن البان في شجره
ورثت من مقلتي رشا ... نفثات السحر من نظره
ذات فرع فوق ملتمع ... كدجا أبدي سنا قمره
وبنان زانه نزف ... ذاده التسليم عن خفره
خصرها يشكو روادفها ... كاشتكاء الصب من سهره
نصبت عيني لها غرضا ... فهو مصمتي بمعتوره
وزهت تيها كأن لها ... نسبًا يزهو بمفتخره
أو أناخت في فناء ملك ... دنت الأخطار عن خطره
ذلك المستظهر الندب الذي ... ورث العلياء عن مضره
فسقي للدين مجتهدًا ... دائبا ينضني مطي فكره
ثم للمجد الصميم فقد ذل ... ما يرقاه من وعره
عم بالأفضال نائله ... فاستقام الجود من صغره
فأبيه العيس بعملها ... كل عاف ظل في سفره
ناويا لا يطبيه كرى ... آملا جدواه في صدره
فاز إذ أضحى يعقوته ... نازلا يحتال في أثره
سحب الإحسان تمطره ... غدقا ينصاغ في درره
يا ابن من حث الإله عَلَى ... ودهم في الغر من سوره
بك وجه الدهر مبتسم ... مخفيًا عنا شبار عبره
كل يوم أنت فيه لنا ... عند سعد لاح في غرره
والتهاني أنت منشؤها ... كيف يهدي الروض من زهره
فابق للآمال بربعها ... شجرًا نعماؤك من ثمره
ما حدا حاد بملمعه ... وشدا القمري في سحره
أنبأنا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن صالح بْن شافع الجيلي عن أبيه ونقلته من خط أبيه قَالَ:
قَالَ لي والدي: دخلت عَلَى أبي الوفاء بْن عقيل وهو عند ولده بعد ما مات وقبل الشروع في غسله وهو يروحه بمروحه، فكأني لم أدر علي أي شيء أحمل ذلك منه وما أقدمت عَلَى خطابه في مثل تلك الحال، فابتدأني وَقَالَ لي: يا فلان ما هو إلا كما وقع لك، ولكن هي جثة كريمة علي وإن عدم جوهرها، فما دامت مائلة بين يدي فلا يطلب قلبي إلا بتعاهدها بما أقدر عليه من ذب الأذى عنها، وإذا غابت عني فهي في استرعاء من هو خير لها مني، قَالَ وَقَالَ لي والدي: كان ابن عقيل يقول: لولا أن القلوب توقن باجتماع ثان لتفطرت المرائر لفراق المحبوبين، قَالَ: وكان يقول: سبحان من يقبل أولادنا ونحبه.
أنبأنا أَحْمَد بْن طارق قَالَ: سمعت أَحْمَد بْن أبي نصر بْن القناص يقول: سمعت والدي يقول: غسلت ابن عقيل، فلما فرغت من غسله قلت لوالده: إن شئت أن تودعه! فجاء إليه وهو ملفوف في أكفانه لا يبين منه إلا وجهه فأكب عليه وقبله وَقَالَ له: يا بني استودعتك اللَّه الذي لا يضيع ودائعه، الرب خير لك من الأب! ثم مضى.
أنبأنا أبو الفرج ابن الجوزي قَالَ: ولد عقيل بْن علي بْن عقيل في ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان من سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، وتوفي يوم الثلاثاء منتصف المحرم سنة عشر وخمسمائة، ودفن في داره بالظفرية، ثم لما توفي أبوه أخرج معه فدفنا بباب حرب في دكة الإمام أَحْمَد بْن حنبل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.