عفيف بْن عبد اللَّه الحبشي الخادم، أبو الفضائل القائمي:
كان من خواص خدم الإمام القائم بأمر اللَّه، وكان جوادًا يَقِظا ، تام المروءة، ظريفًا لطيفًا، محبًا للحديث ولطلبته، وكانت داره مجمعًا لأهل الفضل، سمع الكثير من أبي محمد عبد اللَّه بْن محمد الصريفيني وأبي الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ النقور وأمثالهما ببغداد، وسمع بالكوفة من أبي مُحَمَّد يحيى بْن مُحَمَّد بن الأقساسي وغيره، وحصل النسخ بالخطوط الملاح، وكان فاضلًا وجيهًا مقدمًا عزيز المكانة، أرسله الإمام المقتدي بأمر اللَّه مع الشيخ أبي إسحاق الشيرازي في رسالة إلى خراسان، وحدث بنيسابور وببغداد أيضًا، سمع منه ببغداد أبو بكر ابن الخاضبة وأبو سعد بْن أبي عمامة الواعظ وأبو الخير المبارك بْن الحسين الغسال، وروى عنه أَبُو الْقَاسِمِ بْن السمرقندي.
أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْحَرَّانِيُّ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ الْغَسَّالِ قال: أنبأنا الأَجَلُّ جَمَالُ الدَّوْلَةِ أَبُو الْفَضْلِ عَفِيفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَائِمِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي شَعْبَانَ سنة تسع وستين وأربعمائة، وأنبأنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَلِيٍّ الأَمِينُ وَأَحْمَدُ بْنُ محمد بن البخيل وفرحة بنت قراطاش الطفري قراءة عليهم قالوا: أنبأنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي قراءة عليه، أنبأنا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بن الحسين الجعفي، حدثنا علي بن محمد بن هارون الجهري، حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ يَعْنِي ابْنَ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا
اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي وَضُوئِهِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاثًا» .
أنبأنا عبد الوهاب الأمين عن أبي السعادات مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مكي النديم قَالَ:
كنت صبيًا ... مغنية تعرف باختيار بنت القاضي، فمرضت والدتي فدخلت عليها أعودها وهي بدار بالمقتدنه ، فسألتها عن حوائجها فقالت لي: أريد كذا وكذا يا ولدي ما بقي في قلبي حسرة، إلا كيف تخرج جنازتي من بيت دور الكراء بعد أن كان لنا الأملاك العزيزة القيمة، فقلت لها: أنت تعلمين أني لا أملك إلا ستة عشر دينارًا وهي معك، فهل تعلمين أنه يحصل لنا بها عشر دينار؟ وخرجت من عندها بضيق الصدر واجتمعت باختيار ابنة القاضي وأخبرتها بحالي، فقالت لي: غدًا تحضر عند عفيف وسوف أسألك عن موجب انقباضك فأخبرني بالقصة وهو يسمع، فقلت: نعم، فلما حضرنا عنده رأينا انبساطه قَالَ: يا أبا السعادات ما لك لا تنبسط على عادتك؟ فقصصت عليها القصة وقلت: هل سمع قط مريضة تشهت عوض التمرهندي والأجاص دارًا؟ فضحك عفيف وسكت، وانفصلنا آخر وقت ولم أر لما قلت أثرًا ، فلما كان ثاني ذلك اليوم استحضرنا، فَقَالَ: يا أبا السعادات أعد علي حديث أمك، فأعدته عليه وقلت له: قلت لها لا أملك إلا ستة عشر دينارًا في خريقة زرقاء معك، فضحك وَقَالَ لفراش: امض إلى أمه وقل لها بهذه العلامة أعطيني الخرقة الزرقاء التي فيها الذهب، فمضى الفراش وأتى بالخرقة فحلها بين يديه، وكانت عادته أن لا يمس بيده ذهبًا، وكان يسمي القراضة الحيات، فقلبها بمروحة في يده وأعطى اختيار بعضها، وسلم إلى الفراش الباقي وَقَالَ: ابتع لنا به بقلا وريحانًا، ثم أمر بمد الطبق فأكل الحاضرون ولم آكل، فَقَالَ: ما لك لا تؤاكل الجماعة؟ فقلت: قد أخذتم مالي وذخيرتي وتقولون: كل، واللَّه! ما أقدر عَلَى الأكل ولا عَلَى الشرب، فجعل يضحك ويقول: باللَّه عليك كل، وأنا أمتنع عليه، فلما طال امتناعي ضرب بيده إلى ورائه مسنده وأخرج كتابًا ورماه إلي فوقفت عليه، وإذا فيه: هذا ما اشترى أبو السعادات بْن مكي بْن فلانة بنت فلان جميع الدار الفلانية بثلاثمائة دينار، وقد
أشهد فيه الشهود، وهي الدار التي بها والدتي، فطرت بجناح السرور، فمن أعجب العجب أننا فارقناه أول الليل وباكرناه فكيف تهيأ ذلك في هذه المدة اليسيرة، وكان هذا منه في حقي وأنا صبي لم أتعرف إلى الناس ولا اتصلت بخدمة الملوك.
قرأتُ فِي كتاب أَبِي الْحَسَن مُحَمَّد بْن عبد الملك الهمداني قَالَ: سمعت أن باغي المغنية جلست بين اثنين ببعضهما عفيف ثم قالت لي: يا سيدي أي شيء تحب أن أغني لك؟ فَقَالَ: غني:
أيا جبلي نعمان باللَّه خليا ... نسيم الصبا يخلص إلي نسيمها
قال ابن الهمذاني: وفي النصف من ذي القعدة سنة أربع وثمانين وأربعمائة توفي أبو الفضائل عفيف القائمي ودفن بالرصافة في الترب، وكان يرجع إلى فتوة ومروة ومعروف ظاهر وذكاء، وكان ملولا حتى قَالَ ابن البياضي فيه:
فإن تك مثل ما زعموا ملولا ... لمن يهوى سريع الانتقال
صبرت على ملالك لي بزعم ... وقلت عسى يمل من الملال
كان من خواص خدم الإمام القائم بأمر اللَّه، وكان جوادًا يَقِظا ، تام المروءة، ظريفًا لطيفًا، محبًا للحديث ولطلبته، وكانت داره مجمعًا لأهل الفضل، سمع الكثير من أبي محمد عبد اللَّه بْن محمد الصريفيني وأبي الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ النقور وأمثالهما ببغداد، وسمع بالكوفة من أبي مُحَمَّد يحيى بْن مُحَمَّد بن الأقساسي وغيره، وحصل النسخ بالخطوط الملاح، وكان فاضلًا وجيهًا مقدمًا عزيز المكانة، أرسله الإمام المقتدي بأمر اللَّه مع الشيخ أبي إسحاق الشيرازي في رسالة إلى خراسان، وحدث بنيسابور وببغداد أيضًا، سمع منه ببغداد أبو بكر ابن الخاضبة وأبو سعد بْن أبي عمامة الواعظ وأبو الخير المبارك بْن الحسين الغسال، وروى عنه أَبُو الْقَاسِمِ بْن السمرقندي.
أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْحَرَّانِيُّ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ الْغَسَّالِ قال: أنبأنا الأَجَلُّ جَمَالُ الدَّوْلَةِ أَبُو الْفَضْلِ عَفِيفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَائِمِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي شَعْبَانَ سنة تسع وستين وأربعمائة، وأنبأنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَلِيٍّ الأَمِينُ وَأَحْمَدُ بْنُ محمد بن البخيل وفرحة بنت قراطاش الطفري قراءة عليهم قالوا: أنبأنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي قراءة عليه، أنبأنا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بن الحسين الجعفي، حدثنا علي بن محمد بن هارون الجهري، حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ يَعْنِي ابْنَ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا
اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي وَضُوئِهِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاثًا» .
أنبأنا عبد الوهاب الأمين عن أبي السعادات مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مكي النديم قَالَ:
كنت صبيًا ... مغنية تعرف باختيار بنت القاضي، فمرضت والدتي فدخلت عليها أعودها وهي بدار بالمقتدنه ، فسألتها عن حوائجها فقالت لي: أريد كذا وكذا يا ولدي ما بقي في قلبي حسرة، إلا كيف تخرج جنازتي من بيت دور الكراء بعد أن كان لنا الأملاك العزيزة القيمة، فقلت لها: أنت تعلمين أني لا أملك إلا ستة عشر دينارًا وهي معك، فهل تعلمين أنه يحصل لنا بها عشر دينار؟ وخرجت من عندها بضيق الصدر واجتمعت باختيار ابنة القاضي وأخبرتها بحالي، فقالت لي: غدًا تحضر عند عفيف وسوف أسألك عن موجب انقباضك فأخبرني بالقصة وهو يسمع، فقلت: نعم، فلما حضرنا عنده رأينا انبساطه قَالَ: يا أبا السعادات ما لك لا تنبسط على عادتك؟ فقصصت عليها القصة وقلت: هل سمع قط مريضة تشهت عوض التمرهندي والأجاص دارًا؟ فضحك عفيف وسكت، وانفصلنا آخر وقت ولم أر لما قلت أثرًا ، فلما كان ثاني ذلك اليوم استحضرنا، فَقَالَ: يا أبا السعادات أعد علي حديث أمك، فأعدته عليه وقلت له: قلت لها لا أملك إلا ستة عشر دينارًا في خريقة زرقاء معك، فضحك وَقَالَ لفراش: امض إلى أمه وقل لها بهذه العلامة أعطيني الخرقة الزرقاء التي فيها الذهب، فمضى الفراش وأتى بالخرقة فحلها بين يديه، وكانت عادته أن لا يمس بيده ذهبًا، وكان يسمي القراضة الحيات، فقلبها بمروحة في يده وأعطى اختيار بعضها، وسلم إلى الفراش الباقي وَقَالَ: ابتع لنا به بقلا وريحانًا، ثم أمر بمد الطبق فأكل الحاضرون ولم آكل، فَقَالَ: ما لك لا تؤاكل الجماعة؟ فقلت: قد أخذتم مالي وذخيرتي وتقولون: كل، واللَّه! ما أقدر عَلَى الأكل ولا عَلَى الشرب، فجعل يضحك ويقول: باللَّه عليك كل، وأنا أمتنع عليه، فلما طال امتناعي ضرب بيده إلى ورائه مسنده وأخرج كتابًا ورماه إلي فوقفت عليه، وإذا فيه: هذا ما اشترى أبو السعادات بْن مكي بْن فلانة بنت فلان جميع الدار الفلانية بثلاثمائة دينار، وقد
أشهد فيه الشهود، وهي الدار التي بها والدتي، فطرت بجناح السرور، فمن أعجب العجب أننا فارقناه أول الليل وباكرناه فكيف تهيأ ذلك في هذه المدة اليسيرة، وكان هذا منه في حقي وأنا صبي لم أتعرف إلى الناس ولا اتصلت بخدمة الملوك.
قرأتُ فِي كتاب أَبِي الْحَسَن مُحَمَّد بْن عبد الملك الهمداني قَالَ: سمعت أن باغي المغنية جلست بين اثنين ببعضهما عفيف ثم قالت لي: يا سيدي أي شيء تحب أن أغني لك؟ فَقَالَ: غني:
أيا جبلي نعمان باللَّه خليا ... نسيم الصبا يخلص إلي نسيمها
قال ابن الهمذاني: وفي النصف من ذي القعدة سنة أربع وثمانين وأربعمائة توفي أبو الفضائل عفيف القائمي ودفن بالرصافة في الترب، وكان يرجع إلى فتوة ومروة ومعروف ظاهر وذكاء، وكان ملولا حتى قَالَ ابن البياضي فيه:
فإن تك مثل ما زعموا ملولا ... لمن يهوى سريع الانتقال
صبرت على ملالك لي بزعم ... وقلت عسى يمل من الملال