عطرّد أبو هارون المغنّي
مولى بني عمرو بن عوف الأنصاريين ويقال: مولى قريش، ويقال: مولى مزينة المدني القبائي كان فقيهاً، قارئاً للقرآن، مجيداً للغناء، وفد على الوليد بن يزيد.
لما استخلف الوليد كتب إلى عامله بالمدينة أن أشخص إليّ عطرّد المغني.
قال عطرد: فدفع إليه العامل الكتاب، فقلت: سمعاً وطاعة. فدخلت عليه في قصره وهو قاعد على شفير بركة ليست بالكبيرة، يدور فيها الرجل سباحةً، فو الله ما كلمني كلمة حتى قال: عطرد؟ قلت: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: غنني: حي الحمول. قال عطرد: فغنيت: من الكامل
حيّ الحمول بجانب العزل ... إذ لا يلائم شكلها شكلي
والله أنجح ما طلبت به ... والبرّ خير حقيبة الرّحل
إني بحبلك واصلٌ حبلي ... وبريش نبلك رائشٌ نبلي
وشمائلي ما قد علمت وما ... نبحت كلابك طارقاً مثلي
قال: فما تكلم بكلمة حتى شق بردة صنعانية عليه لا يدرى ما ثمنها بنصفين، فخرج منها كما ولدته أمه، ثم رمى بنفسه في البركة، فنهل منها، حتى تعرفت فيها النقصان، فأخرج منها ميتاً سكراً، فضربت بيدي إلى البردة، فأخذتها، فما قال لي الخادم: خذها ولا دعها. وانصرفت إلى منزلي، وأنا أفكر فيه وفيما رأيت منه.
فلما كان من الغد دعاني في مثل ذلك الوقت وهو قاعد في ذلك الموضع، فقال: عطرد؟ قلت: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: غنني، فغنيته: من الطويل
أيذهب عمري هكذا لم أنل به ... مجالس تشفي قرح قلبي من الوجد
وقالوا: تداو إن في الطب راحةً ... فعزّيت نفسي بالدواء فلم يجدي
فلم يتكلم حتى شق بردة عليه مثل البردة الأمسيّة، فخرج منها، فرمى بنفسه في البركة، فعلّ منها حتى تبينت النقصان، فأخرج ميتاً سكراً، وضممت البردة إليّ فما قيل لي: خذ ولا دع. وانصرفت إلى منزلي.
فلما كان اليوم الثالث دعاني؛ فدخلت إليه وهو في بهو قد كفت ستوره، فكلمني من وراء الستر، فقال: يا عطرد؟ قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: كأني بك الآن وقد أتيت المدينة فقلت: دعاني أمي المؤمنين فدخلت عليه ففعل وفعل، يا بن الفاعلة، لئن تكلمت شفتاك بشيء مما كان لأطرحنّ الذي فيه عيناك، يا غلام أعطه خمس مئة، الحق بالمدينة. قلت: أفلا يأذن لي أمير المؤمنين فأقبل يده، وأتزود نظراً إلى وجهه؟ قال: لا.
قال عطرّد: فخرجت فما تكلمت بشيء من هذا حتى دخلت الهاشمية.
جاء سليمان بن عياش القرشي فاستفتح عليه، فخرج إليه فقال سليمان: من الكامل
إني غدوت إليك من أهلي ... في حاجة يغدو لها مثلي
لا طالباً شيئاً إليك سوى ... حيّ الحمول بجانب العزل
فقال: نعم حباً وكرامة. ثم أدخله منزله فغناه له.
مولى بني عمرو بن عوف الأنصاريين ويقال: مولى قريش، ويقال: مولى مزينة المدني القبائي كان فقيهاً، قارئاً للقرآن، مجيداً للغناء، وفد على الوليد بن يزيد.
لما استخلف الوليد كتب إلى عامله بالمدينة أن أشخص إليّ عطرّد المغني.
قال عطرد: فدفع إليه العامل الكتاب، فقلت: سمعاً وطاعة. فدخلت عليه في قصره وهو قاعد على شفير بركة ليست بالكبيرة، يدور فيها الرجل سباحةً، فو الله ما كلمني كلمة حتى قال: عطرد؟ قلت: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: غنني: حي الحمول. قال عطرد: فغنيت: من الكامل
حيّ الحمول بجانب العزل ... إذ لا يلائم شكلها شكلي
والله أنجح ما طلبت به ... والبرّ خير حقيبة الرّحل
إني بحبلك واصلٌ حبلي ... وبريش نبلك رائشٌ نبلي
وشمائلي ما قد علمت وما ... نبحت كلابك طارقاً مثلي
قال: فما تكلم بكلمة حتى شق بردة صنعانية عليه لا يدرى ما ثمنها بنصفين، فخرج منها كما ولدته أمه، ثم رمى بنفسه في البركة، فنهل منها، حتى تعرفت فيها النقصان، فأخرج منها ميتاً سكراً، فضربت بيدي إلى البردة، فأخذتها، فما قال لي الخادم: خذها ولا دعها. وانصرفت إلى منزلي، وأنا أفكر فيه وفيما رأيت منه.
فلما كان من الغد دعاني في مثل ذلك الوقت وهو قاعد في ذلك الموضع، فقال: عطرد؟ قلت: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: غنني، فغنيته: من الطويل
أيذهب عمري هكذا لم أنل به ... مجالس تشفي قرح قلبي من الوجد
وقالوا: تداو إن في الطب راحةً ... فعزّيت نفسي بالدواء فلم يجدي
فلم يتكلم حتى شق بردة عليه مثل البردة الأمسيّة، فخرج منها، فرمى بنفسه في البركة، فعلّ منها حتى تبينت النقصان، فأخرج ميتاً سكراً، وضممت البردة إليّ فما قيل لي: خذ ولا دع. وانصرفت إلى منزلي.
فلما كان اليوم الثالث دعاني؛ فدخلت إليه وهو في بهو قد كفت ستوره، فكلمني من وراء الستر، فقال: يا عطرد؟ قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: كأني بك الآن وقد أتيت المدينة فقلت: دعاني أمي المؤمنين فدخلت عليه ففعل وفعل، يا بن الفاعلة، لئن تكلمت شفتاك بشيء مما كان لأطرحنّ الذي فيه عيناك، يا غلام أعطه خمس مئة، الحق بالمدينة. قلت: أفلا يأذن لي أمير المؤمنين فأقبل يده، وأتزود نظراً إلى وجهه؟ قال: لا.
قال عطرّد: فخرجت فما تكلمت بشيء من هذا حتى دخلت الهاشمية.
جاء سليمان بن عياش القرشي فاستفتح عليه، فخرج إليه فقال سليمان: من الكامل
إني غدوت إليك من أهلي ... في حاجة يغدو لها مثلي
لا طالباً شيئاً إليك سوى ... حيّ الحمول بجانب العزل
فقال: نعم حباً وكرامة. ثم أدخله منزله فغناه له.