عبيد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن حمدان، أبو عبد الله العكبري، المعروف بابن بطة :
كان أحد الفقهاء على مذهب أحمد بن حنبل، وحدث عن عبد الله بن محمد بن البغوي، وأبي مُحَمَّد بْن صاعد، وإسماعيل بْن العباس الوراق، وأَبِي بَكْر عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن زِيَاد النيسابوري، وأبي طالب أحمد بن نصر الحافظ، والحسن بن علي بن زيد السامري، وأبي ذر بن الباغندي، ومحمد بن محمود السراج، وَمحمد بْن مخلد الْعَطَّار، وَمحمد بْن أَحْمَد بن ثابت العكبري، وغيرهم من العراقيين والغرباء. فإنه سافر الكثير إلى البصرة، والشام، وغيرهما من البلاد. حَدَّثَنَا عنه محمد بن أبي الفوارس، وأبو علي بن شهاب العكبري، وعبد العزيز بن علي الأزجي، والعتيقي، وعبد الملك بن عمر بن خلف الرزاز، وإبراهيم بن عمر البرمكي، وأبو القاسم الأزهري، وكلهم سمع منه بعكبرا إلا البرمكي فإنه سمع منه ببغداد.
أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ شِهَابِ بْنِ الْحَسَنِ الْعُكْبَرِيُّ- بها- حدّثنا عبيد الله بن محمّد ابن حمدان بن بطة، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الخليل- بأردبيل- حدّثنا رجاء بن مرحي- بسمرقند- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ.
قَالَ ابْنُ بَطَّةَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ- بِحِمْصَ- حدثني أبي، حدّثنا محمّد بن عوف الحمصي، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن بلال، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ الإِدَامُ الْخَلُّ» .
قَالَ ابْنُ بَطَّةَ: لَيْسَ يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ إِلا مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ وَلا رَوَاهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ غَيْرُ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ طَرِيقُهُ مُسْتَقِيمٌ، وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ حَدِيثُ جَابِرٍ.
أَخْبَرَنَا التنوخي قال: حَدَّثَنَا جماعة من أصدقائنا عَن أَبِي عَبْد اللَّه بْن بطة العكبري قال: انحدرت لأقرأ على أبي بكر بن مجاهد فوافيت إلى مسجده، فجلست فيه بالقرب منه، فلما قرأ الجماعة نظرت فإذا سبقي بعيد، فدنوت منه وقلت: يا أستاذ خذ علي، فقال: ليس السبق لك، فقلت له: أنا غريب وينبغي أن تقدمني، فقال: لعمري من أي
بلد أنت؟ فقلت: من بلد يقال له عكبرا، فقال لأصحابه: بلد غريب ما سمعنا عنه ومسافة شاسعة، ثم ضحك فالتفت إلي فقال لي: لا رد الله غربتك، مع أمك تغديت وجئت إلي.
حَدَّثَنِي عبد الحميد بن علي العكبري قال: لم أر في شيوخ أصحاب الحديث ولا في غيرهم أحسن هيئة من ابن بطة. حَدَّثَنِي القاضي أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّلُّوِيُّ قَالَ: لما رجع أبو عبد الله بن بطة من الرحلة لازم بيته أربعين سنة، فلم ير خارجا منه في سوق، ولا رؤي مفطرا إلا في يومي الأضحى والفطر. وكان أمارا بالمعروف، ولم يبلغه خبر منكر إلا غيره، أو كما قال.
كتب إلي أَبُو ذر عَبْد بْن أَحْمَد الهروي- من مكة- يذكر أنه سمع نصرا الأندلسي قال- وكان يحفظ ويفهم ورحل إلى خراسان- قال: خرجت إلى عكبرا فكتبت عن شيخ بها عن أبي خليفة وعن أبي بطة، ورجعت إلى بغداد، فقال أبو الحسن الدارقطني: أين كنت؟ قلت: بعكبرا، فقال: وعمن كتبت؟ فقلت: عن فلان صاحب أبي خليفة وعن ابن بطة فقال: وإيش كتبت عن ابن بطة؟ قلت كتاب السنن لرجاء ابن مرجي، حَدَّثَنِي به ابن بطة عن حفص بن عمر الأردبيلي عن رجاء بن مرجي فقال: هذا محال، دخل رجاء بن مرجي بغداد سنة أربعين، ودخل حفص بن عمر الاردبيلي سنة سبعين ومائتين، فكيف سمع منه؟! حَدَّثَنِي أَبُو القاسم عَبْد الواحد بْن علي الأسدي، حَدَّثَنِي الحسن بن شهاب أن ابن بطة قدم بغداد، ونزل على ابن السوسنجردي، فقرأ عليه أبو الحسن بن الفرات كتاب «السنن» لرجاء بن مرجي الحافظ، وكتبه ابن الفرات عنه عن حفص بن عمر الأردبيلي الحافظ عن رجاء، فأنكر ذلك أبو الحسن الدارقطني، وزعم أن حفصا ليس عنده عن رجاء وأنه يصغر عن السماع منه فأبردوا يريدا إلى أردبيل وكان ابن حفص ابن عمر حيا هناك وكتبوا إليه يستخبرونه عن هذا الكتاب، فعاد جوابه بأن أباه لم يرو عن رجاء بن مرجئ، ولا رآه قط، وأن مولده كان بعد موته بسنين.
قال أبو القاسم: فتتبع ابن بطة النسخ التي كتبت عنه وغير الرواية وجعلها عن ابن الراجيان عن فتح بن شخرف عن رجاء، ولما مات ابن بطة رأيت نسخته بالسنن وقد غير أول كل خبر منها وجعله رواية ابن الرّاجيّان عن شخرف عن رجاء.
قال: وقال لي الحسن بن شهاب: سألت أبا عبد الله بن بطة أسمعت من البغوي حديث علي بن الجعد؟ فقال: لا.
قال أبو القاسم: وكنت قد رأيت في كتب ابن بطة نسخة بحديث علي بن الجعد قد حككها وكتب بخطه سماعه فيها. فذكرت ذلك لابن شهاب فعجب منه.
قال أبو القاسم: وروى ابن بطة عن أحمد بن سلمان النجاد عن أحمد بن عبد الجبار العطاردي نحوا من مائة وخمسين حديثا فأنكر ذلك عليه علي بن محمد بن نيال وأساء القول فيه. وقال ابن النجاد: لم يسمع من العطاردي شيئا، حتى همت العامة أن توقع بابن نيال واختفى، قال: وكان ابن بطة قد خرج تلك الأحاديث في تصانيفه، فتتبعها وضرب على أكثرها وبقي بقيتها على حاله. وقال: وابن نيال بغدادي نزل عكبرا، وتعلم الخط علي كبر السن، وسمع الحديث، ورزقه الله من المعرفة والفهم به شيئا كثيرا.
حَدَّثَنِي أبو القاسم التنوخي قال: أراد أبي أن يخرجني إلى عكبرا لأسمع من ابن بطة كتاب معجم الصحابة، تصنيف أبي القاسم البغوي، فجاءه أبو عبد الله بن بكير وقال له: لا تفعل، فإن ابن بطة لم يسمع المعجم من البغوي، وذلك أن البغوي حدث به دفعتين، الأولى منهما قبل سنة ثلاثمائة في مجلس عام، والأخرى بعد سنة ثلاثمائة في مجلس خاص لعلي بن عيسى وأولاده ففي أي المرتين سمعه ابن بطة.
قلت: وفي هذا القول نظر، لأن محمد بن عبيد الله بن الشخير قد روى عن البغوي المعجم، وكان سماعه بعد الثلاثمائة بسنين عدة، ولعل ابن بكير أراد بالمرتين قبل سنة عشر وثلاثمائة وبعدها، وأحسب البغوي روى المعجم قبل العشر، فسمعه منه ابن الشخير وغيره، ورواه بعد العشر لعلي بن عيسى وأولاده خاصة، ومما يدل على ذلك أن أبا حفص بن شاهين كان من المكثرين عن البغوي وكذلك أَبُو عُمَرَ بْنُ حَيُّوَيْهِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ شاذان، ولم يكن عند واحد منهم عنه المعجم، فهذا يدل على أن رواية العامة كانت قبل العشر بسنين عدة، فلم يسمعوا هؤلاء منه المعجم لذلك، والله أعلم.
حَدَّثَنِي أحمد بن الحسن بن خيرون قال: رأيت كتاب ابن بطة بمعجم البغوي في نسخة كانت لغيره، وقد حكك اسم صاحبها، وكتب اسمه عليها.
قال لي أبو القاسم الأزهري: ابن بطة ضعيف، ضعيف، ليس بحجة، وعندي عنه معجم البغوي ولا أخرج منه في الصحيح شيئا. قلت له: فكيف كان كتابه بالمعجم؟
فقال: لم نر له أصلا به، وإنما دفع إلينا نسخة طرية بخط ابن شهاب فنسخنا منها،
وقرأنا عليه. شاهدت عند حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق نسخة بكتاب محمد بن عزيز في غريب القرآن وعليها سماع ابن السوسنجردي من ابن بطة عن ابن عزيز فسألت حَمْزَة عن ذلك فأنكر أن يكون ابن بطة سمع الكتاب من ابن عزيز وقال:
ادعى سماعه ورواه.
قلت: وكذلك ادعى سماع كتب أبي محمد بن قتيبة ورواها عن شيخ سماه بن أبي مريم، وزعم أنه دينوري حدثه عن ابن قتيبة، وابن أبي مريم هذا لا يعرفه أحد من أهل العلم ولا ذكره سوى ابن بطة، والله أعلم.
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَلِيٍّ الأَسْدِيُّ قَالَ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفَوَارِسِ: رَوَى ابْنُ بَطَّةَ عَنِ الْبَغَوِيِّ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» .
قلت: وهذا الحديث باطل من حديث مالك، ومن حديث مصعب عنه، ومن حديث البغوي عن مصعب، وهو موضوع بهذا الإسناد، والحمل فيه على ابن بطة والله أعلم.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَتِيقِيُّ- بِلَفْظِهِ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ وَكَتَبَهُ لِي بِخَطِّهِ- قَالَ:
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الْفَقِيهُ- بعكبرا- حدّثنا عبد الله بن محمّد البغوي، حدّثنا مصعب بن عبد الله الزّبيري، حَدَّثَنَا مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا» الْحَدِيثُ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا بَاطِلٌ مِنْ رِوَايَةِ الْبَغَوِيِّ عَنْ مُصْعَبٍ، وَلَمْ أَرَهُ عَنْ مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ أَصَلا، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
أَخْبَرَنِي الأزهري قال: مات ابن بطة في المحرم من سنة سبع وثمانين وثلاثمائة.
أخبرنا العتيقي قال: سنة سبع وثمانين وثلاثمائة فيها توفي بعكبرا أبو عبد الله بن بطة في المحرم، وكان شيخا صالحا مستجاب الدعوة.
سألت عبد الواحد بن علي العكبري عن وفاة ابن بطة فقال: ودفناه يوم عاشوراء من سنة سبع وثمانين وثلاثمائة
كان أحد الفقهاء على مذهب أحمد بن حنبل، وحدث عن عبد الله بن محمد بن البغوي، وأبي مُحَمَّد بْن صاعد، وإسماعيل بْن العباس الوراق، وأَبِي بَكْر عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن زِيَاد النيسابوري، وأبي طالب أحمد بن نصر الحافظ، والحسن بن علي بن زيد السامري، وأبي ذر بن الباغندي، ومحمد بن محمود السراج، وَمحمد بْن مخلد الْعَطَّار، وَمحمد بْن أَحْمَد بن ثابت العكبري، وغيرهم من العراقيين والغرباء. فإنه سافر الكثير إلى البصرة، والشام، وغيرهما من البلاد. حَدَّثَنَا عنه محمد بن أبي الفوارس، وأبو علي بن شهاب العكبري، وعبد العزيز بن علي الأزجي، والعتيقي، وعبد الملك بن عمر بن خلف الرزاز، وإبراهيم بن عمر البرمكي، وأبو القاسم الأزهري، وكلهم سمع منه بعكبرا إلا البرمكي فإنه سمع منه ببغداد.
أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ شِهَابِ بْنِ الْحَسَنِ الْعُكْبَرِيُّ- بها- حدّثنا عبيد الله بن محمّد ابن حمدان بن بطة، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الخليل- بأردبيل- حدّثنا رجاء بن مرحي- بسمرقند- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ.
قَالَ ابْنُ بَطَّةَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ- بِحِمْصَ- حدثني أبي، حدّثنا محمّد بن عوف الحمصي، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن بلال، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ الإِدَامُ الْخَلُّ» .
قَالَ ابْنُ بَطَّةَ: لَيْسَ يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ إِلا مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ وَلا رَوَاهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ غَيْرُ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ طَرِيقُهُ مُسْتَقِيمٌ، وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ حَدِيثُ جَابِرٍ.
أَخْبَرَنَا التنوخي قال: حَدَّثَنَا جماعة من أصدقائنا عَن أَبِي عَبْد اللَّه بْن بطة العكبري قال: انحدرت لأقرأ على أبي بكر بن مجاهد فوافيت إلى مسجده، فجلست فيه بالقرب منه، فلما قرأ الجماعة نظرت فإذا سبقي بعيد، فدنوت منه وقلت: يا أستاذ خذ علي، فقال: ليس السبق لك، فقلت له: أنا غريب وينبغي أن تقدمني، فقال: لعمري من أي
بلد أنت؟ فقلت: من بلد يقال له عكبرا، فقال لأصحابه: بلد غريب ما سمعنا عنه ومسافة شاسعة، ثم ضحك فالتفت إلي فقال لي: لا رد الله غربتك، مع أمك تغديت وجئت إلي.
حَدَّثَنِي عبد الحميد بن علي العكبري قال: لم أر في شيوخ أصحاب الحديث ولا في غيرهم أحسن هيئة من ابن بطة. حَدَّثَنِي القاضي أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّلُّوِيُّ قَالَ: لما رجع أبو عبد الله بن بطة من الرحلة لازم بيته أربعين سنة، فلم ير خارجا منه في سوق، ولا رؤي مفطرا إلا في يومي الأضحى والفطر. وكان أمارا بالمعروف، ولم يبلغه خبر منكر إلا غيره، أو كما قال.
كتب إلي أَبُو ذر عَبْد بْن أَحْمَد الهروي- من مكة- يذكر أنه سمع نصرا الأندلسي قال- وكان يحفظ ويفهم ورحل إلى خراسان- قال: خرجت إلى عكبرا فكتبت عن شيخ بها عن أبي خليفة وعن أبي بطة، ورجعت إلى بغداد، فقال أبو الحسن الدارقطني: أين كنت؟ قلت: بعكبرا، فقال: وعمن كتبت؟ فقلت: عن فلان صاحب أبي خليفة وعن ابن بطة فقال: وإيش كتبت عن ابن بطة؟ قلت كتاب السنن لرجاء ابن مرجي، حَدَّثَنِي به ابن بطة عن حفص بن عمر الأردبيلي عن رجاء بن مرجي فقال: هذا محال، دخل رجاء بن مرجي بغداد سنة أربعين، ودخل حفص بن عمر الاردبيلي سنة سبعين ومائتين، فكيف سمع منه؟! حَدَّثَنِي أَبُو القاسم عَبْد الواحد بْن علي الأسدي، حَدَّثَنِي الحسن بن شهاب أن ابن بطة قدم بغداد، ونزل على ابن السوسنجردي، فقرأ عليه أبو الحسن بن الفرات كتاب «السنن» لرجاء بن مرجي الحافظ، وكتبه ابن الفرات عنه عن حفص بن عمر الأردبيلي الحافظ عن رجاء، فأنكر ذلك أبو الحسن الدارقطني، وزعم أن حفصا ليس عنده عن رجاء وأنه يصغر عن السماع منه فأبردوا يريدا إلى أردبيل وكان ابن حفص ابن عمر حيا هناك وكتبوا إليه يستخبرونه عن هذا الكتاب، فعاد جوابه بأن أباه لم يرو عن رجاء بن مرجئ، ولا رآه قط، وأن مولده كان بعد موته بسنين.
قال أبو القاسم: فتتبع ابن بطة النسخ التي كتبت عنه وغير الرواية وجعلها عن ابن الراجيان عن فتح بن شخرف عن رجاء، ولما مات ابن بطة رأيت نسخته بالسنن وقد غير أول كل خبر منها وجعله رواية ابن الرّاجيّان عن شخرف عن رجاء.
قال: وقال لي الحسن بن شهاب: سألت أبا عبد الله بن بطة أسمعت من البغوي حديث علي بن الجعد؟ فقال: لا.
قال أبو القاسم: وكنت قد رأيت في كتب ابن بطة نسخة بحديث علي بن الجعد قد حككها وكتب بخطه سماعه فيها. فذكرت ذلك لابن شهاب فعجب منه.
قال أبو القاسم: وروى ابن بطة عن أحمد بن سلمان النجاد عن أحمد بن عبد الجبار العطاردي نحوا من مائة وخمسين حديثا فأنكر ذلك عليه علي بن محمد بن نيال وأساء القول فيه. وقال ابن النجاد: لم يسمع من العطاردي شيئا، حتى همت العامة أن توقع بابن نيال واختفى، قال: وكان ابن بطة قد خرج تلك الأحاديث في تصانيفه، فتتبعها وضرب على أكثرها وبقي بقيتها على حاله. وقال: وابن نيال بغدادي نزل عكبرا، وتعلم الخط علي كبر السن، وسمع الحديث، ورزقه الله من المعرفة والفهم به شيئا كثيرا.
حَدَّثَنِي أبو القاسم التنوخي قال: أراد أبي أن يخرجني إلى عكبرا لأسمع من ابن بطة كتاب معجم الصحابة، تصنيف أبي القاسم البغوي، فجاءه أبو عبد الله بن بكير وقال له: لا تفعل، فإن ابن بطة لم يسمع المعجم من البغوي، وذلك أن البغوي حدث به دفعتين، الأولى منهما قبل سنة ثلاثمائة في مجلس عام، والأخرى بعد سنة ثلاثمائة في مجلس خاص لعلي بن عيسى وأولاده ففي أي المرتين سمعه ابن بطة.
قلت: وفي هذا القول نظر، لأن محمد بن عبيد الله بن الشخير قد روى عن البغوي المعجم، وكان سماعه بعد الثلاثمائة بسنين عدة، ولعل ابن بكير أراد بالمرتين قبل سنة عشر وثلاثمائة وبعدها، وأحسب البغوي روى المعجم قبل العشر، فسمعه منه ابن الشخير وغيره، ورواه بعد العشر لعلي بن عيسى وأولاده خاصة، ومما يدل على ذلك أن أبا حفص بن شاهين كان من المكثرين عن البغوي وكذلك أَبُو عُمَرَ بْنُ حَيُّوَيْهِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ شاذان، ولم يكن عند واحد منهم عنه المعجم، فهذا يدل على أن رواية العامة كانت قبل العشر بسنين عدة، فلم يسمعوا هؤلاء منه المعجم لذلك، والله أعلم.
حَدَّثَنِي أحمد بن الحسن بن خيرون قال: رأيت كتاب ابن بطة بمعجم البغوي في نسخة كانت لغيره، وقد حكك اسم صاحبها، وكتب اسمه عليها.
قال لي أبو القاسم الأزهري: ابن بطة ضعيف، ضعيف، ليس بحجة، وعندي عنه معجم البغوي ولا أخرج منه في الصحيح شيئا. قلت له: فكيف كان كتابه بالمعجم؟
فقال: لم نر له أصلا به، وإنما دفع إلينا نسخة طرية بخط ابن شهاب فنسخنا منها،
وقرأنا عليه. شاهدت عند حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق نسخة بكتاب محمد بن عزيز في غريب القرآن وعليها سماع ابن السوسنجردي من ابن بطة عن ابن عزيز فسألت حَمْزَة عن ذلك فأنكر أن يكون ابن بطة سمع الكتاب من ابن عزيز وقال:
ادعى سماعه ورواه.
قلت: وكذلك ادعى سماع كتب أبي محمد بن قتيبة ورواها عن شيخ سماه بن أبي مريم، وزعم أنه دينوري حدثه عن ابن قتيبة، وابن أبي مريم هذا لا يعرفه أحد من أهل العلم ولا ذكره سوى ابن بطة، والله أعلم.
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَلِيٍّ الأَسْدِيُّ قَالَ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفَوَارِسِ: رَوَى ابْنُ بَطَّةَ عَنِ الْبَغَوِيِّ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» .
قلت: وهذا الحديث باطل من حديث مالك، ومن حديث مصعب عنه، ومن حديث البغوي عن مصعب، وهو موضوع بهذا الإسناد، والحمل فيه على ابن بطة والله أعلم.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَتِيقِيُّ- بِلَفْظِهِ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ وَكَتَبَهُ لِي بِخَطِّهِ- قَالَ:
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الْفَقِيهُ- بعكبرا- حدّثنا عبد الله بن محمّد البغوي، حدّثنا مصعب بن عبد الله الزّبيري، حَدَّثَنَا مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا» الْحَدِيثُ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا بَاطِلٌ مِنْ رِوَايَةِ الْبَغَوِيِّ عَنْ مُصْعَبٍ، وَلَمْ أَرَهُ عَنْ مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ أَصَلا، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
أَخْبَرَنِي الأزهري قال: مات ابن بطة في المحرم من سنة سبع وثمانين وثلاثمائة.
أخبرنا العتيقي قال: سنة سبع وثمانين وثلاثمائة فيها توفي بعكبرا أبو عبد الله بن بطة في المحرم، وكان شيخا صالحا مستجاب الدعوة.
سألت عبد الواحد بن علي العكبري عن وفاة ابن بطة فقال: ودفناه يوم عاشوراء من سنة سبع وثمانين وثلاثمائة