عُبَيْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن خلف، أَبُو الْقَاسِمِ البنى القاضي:
روى عن والده حكاية رواها عنه أَبُو المظفر هناد بْن إِبْرَاهِيم النسفي، وقد تقدم ذكر والده.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي أَحْمَد عَبْد الوهاب بْن عَلِيّ الأمين عن مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي البزاز وإسماعيل بْن أَحْمَد السمرقندي أن القاضي أَبَا المظفر هناد بن إبراهيم النسفي أخبرهما قال: أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خلف البني القاضي قال: حدثنا أبي، حدثنا الْحُسَيْن بْن صافي القاضي، حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَد الكاتب البنى قَالَ: كان لي صديق من أهل زاذان عظيم النعمة والضيعة، فحدثني قَالَ:
تزوجت فِي شبابي امرأة ببغداد من آل وهب ضخمة النعمة حسنة الخلق والأدب والمروة، ذات جوار مغنيات، فأحببتها حبا مبرحا، وتمكن لها فِي قلبي أمر عظيم، وكان عيشي بها طيبا مدة طويلة، ثم جرى بيني وبينها بعض ما يجرى بين الناس فغضبت علي وهجرتني وغلقت باب حجرتها من الدار دوني ومنعتني الدخول إليها، وراسلتني أن أطلقها، فرضيتها بكل ما يمكنني فلم ترض، وتوسطت بيننا أهل أنسها فلم تنجع، ولحقني من الغم والكرب والقلق والجزع ما كاد أن يذهب عقلي وهي مقيمة عَلَى حالها، فجئت إلى باب حجرتها وجلست عنده مفترشا للتراب، ووضعت خدي عَلَى العتبة أبكي وأنتحب وأتلافاها وأسألها الرضا وأقول كما يجوز أن يقال فِي مثل هَذَا، وهي لا تكلمني ولا تفتح لي الباب ولا تراسلني بشيء، ثم جاء الليل فتوسدت
العتبة إلى أن أصبحت، وأقمت عَلَى ذلك ثلاثة أيام بلياليها وهي مقيمة عَلَى الهجر لي فأيست منها وعذلت نفسي ووبختها، ومضيت إلى الحمام وكان فِي داري فأمطت من جسدي الوسخ الذي قد لحقني، وخرجت فجلست لأغير ثيابي وأبتخر، وإذا بزوجتي قد خرجت إليّ وجواريها معها مع بعضهن طبق فيه أوساط وسبوسج وبزناورد وما أشبه ذلك، فحين رأيتها استطرت فرحا وقمت إليها فانكببت عَلَى يديها ورجليها فقلت: ما هَذَا يا ستي؟ فقالت: تعال حتى نأكل ونشرب ودع السؤال، وجلست وقدم الطبق فأكلنا جميعها، وجيء بالشراب واندفع الجواري فِي الغناء وقد كان عقلي يزول فرحا وسرورا، فلما توسطنا أمرنا قلت لها: يا سيدتي! إنك قد هجرتني بغير ذنب كبير أوجب مما بلغته من الهجران وترضيتك بكل ما فِي القدرة فما رضيت، ثم تفضلت ابتداء بالرجوع إلى وصالي بما لم تبلغه آمالي، فعرفيني ما سبب هَذَا؟ فقالت:
قد كان الأمر فِي سبب الهجر ضعيفا كما قلت، ولكن تداخلني فِي التجني ما تداخل المجنون ثم استمر بي اللجاج وأراني الشيطان الصواب فيما فعلته، فأقمت عَلَى ما رأيته، فلما كان الساعة أخذت دفترا [فلما كان] بين يدي فصفحته فوقعت عيني منه عَلَى قول الشاعر:
الدهر أقصر مدة ... من أن تلحق بالعتاب
أو أن تكدر ما صفا ... منه بهم واجتناب
فتعمني أوقاته ... فتمرها مر السحاب
فعلمت أنها عظة [و] أن سبيلي أن لا أسخط اللَّه تعالى بإسخاط زوجي ولا أستعمل اللجاج، فجئتك أترضاك وأرضيك، فانكببت عَلَى يديها ورجليها، وصفا ما بيننا أحسن صفاء.
روى عن والده حكاية رواها عنه أَبُو المظفر هناد بْن إِبْرَاهِيم النسفي، وقد تقدم ذكر والده.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي أَحْمَد عَبْد الوهاب بْن عَلِيّ الأمين عن مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي البزاز وإسماعيل بْن أَحْمَد السمرقندي أن القاضي أَبَا المظفر هناد بن إبراهيم النسفي أخبرهما قال: أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خلف البني القاضي قال: حدثنا أبي، حدثنا الْحُسَيْن بْن صافي القاضي، حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَد الكاتب البنى قَالَ: كان لي صديق من أهل زاذان عظيم النعمة والضيعة، فحدثني قَالَ:
تزوجت فِي شبابي امرأة ببغداد من آل وهب ضخمة النعمة حسنة الخلق والأدب والمروة، ذات جوار مغنيات، فأحببتها حبا مبرحا، وتمكن لها فِي قلبي أمر عظيم، وكان عيشي بها طيبا مدة طويلة، ثم جرى بيني وبينها بعض ما يجرى بين الناس فغضبت علي وهجرتني وغلقت باب حجرتها من الدار دوني ومنعتني الدخول إليها، وراسلتني أن أطلقها، فرضيتها بكل ما يمكنني فلم ترض، وتوسطت بيننا أهل أنسها فلم تنجع، ولحقني من الغم والكرب والقلق والجزع ما كاد أن يذهب عقلي وهي مقيمة عَلَى حالها، فجئت إلى باب حجرتها وجلست عنده مفترشا للتراب، ووضعت خدي عَلَى العتبة أبكي وأنتحب وأتلافاها وأسألها الرضا وأقول كما يجوز أن يقال فِي مثل هَذَا، وهي لا تكلمني ولا تفتح لي الباب ولا تراسلني بشيء، ثم جاء الليل فتوسدت
العتبة إلى أن أصبحت، وأقمت عَلَى ذلك ثلاثة أيام بلياليها وهي مقيمة عَلَى الهجر لي فأيست منها وعذلت نفسي ووبختها، ومضيت إلى الحمام وكان فِي داري فأمطت من جسدي الوسخ الذي قد لحقني، وخرجت فجلست لأغير ثيابي وأبتخر، وإذا بزوجتي قد خرجت إليّ وجواريها معها مع بعضهن طبق فيه أوساط وسبوسج وبزناورد وما أشبه ذلك، فحين رأيتها استطرت فرحا وقمت إليها فانكببت عَلَى يديها ورجليها فقلت: ما هَذَا يا ستي؟ فقالت: تعال حتى نأكل ونشرب ودع السؤال، وجلست وقدم الطبق فأكلنا جميعها، وجيء بالشراب واندفع الجواري فِي الغناء وقد كان عقلي يزول فرحا وسرورا، فلما توسطنا أمرنا قلت لها: يا سيدتي! إنك قد هجرتني بغير ذنب كبير أوجب مما بلغته من الهجران وترضيتك بكل ما فِي القدرة فما رضيت، ثم تفضلت ابتداء بالرجوع إلى وصالي بما لم تبلغه آمالي، فعرفيني ما سبب هَذَا؟ فقالت:
قد كان الأمر فِي سبب الهجر ضعيفا كما قلت، ولكن تداخلني فِي التجني ما تداخل المجنون ثم استمر بي اللجاج وأراني الشيطان الصواب فيما فعلته، فأقمت عَلَى ما رأيته، فلما كان الساعة أخذت دفترا [فلما كان] بين يدي فصفحته فوقعت عيني منه عَلَى قول الشاعر:
الدهر أقصر مدة ... من أن تلحق بالعتاب
أو أن تكدر ما صفا ... منه بهم واجتناب
فتعمني أوقاته ... فتمرها مر السحاب
فعلمت أنها عظة [و] أن سبيلي أن لا أسخط اللَّه تعالى بإسخاط زوجي ولا أستعمل اللجاج، فجئتك أترضاك وأرضيك، فانكببت عَلَى يديها ورجليها، وصفا ما بيننا أحسن صفاء.