عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقيلة
واسمه ثعلبة بن سبين، ويقال: عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة - الغساني
شاعر جاهلي نصراني. وفد على سطيح الغساني إلى الجابية سأله عن رؤيا موبذان الفرس التي ليلة ولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان عبد المسيح من المعمرين، وهو الذي صالح خالد بن الوليد على الحيرة.
روى هانىء المخزومي قال: لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتجس إيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشرة شرافة، وخمدت نار فارسٍ، ولم تخمد قبل ذلك بألف عامٍ، وغاضت بحيرة ساوة. فلما أصبح أفزعه ذلك، فتصبر عليه تشجعاً، فلما عيل صبره رأى ألا يستر ذلك عن وزرائه ومرزابته، فلبس تاجه، وقعد على سريره، وجمعهم إليه، فأخبرهم لما رأى، فينا هم كذلك إذ ورد عليه الكتاب بخمود النار، فازداد غماً إلى غمه، فقال الموبذان: وأنا - أصلح الله الملك - قد رأيت في هذه الليلة إبلاً صعاباً، تقود خيلاً عراباً، قد قطعت دجلة، وانتشرت في بلادها، فقال: أي شيءٍ يكون يا موبذان؟ قال: حادث يكون من ناحية العرب، فكتب عند ذلك: من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر: أما بعد فابعث إلي برجلٍ عالم أريد أن أسأله عنه. فبعث إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن بقيلة الغساني، فلما قدم عليه قال: أعندك علم ما أريد أن أسألك عنه؟ قال: ليخبرني الملك؛ فإن كان عندي منه علم أخبرته، وإلا دللته على من يخبره، فأخبره بما رأى، فقال: علم ذلك عند خالٍ لي يسكن مشارف الشام - وفي رواية: ابن عم لي بالجابية - يقال له: سطيح، قال: فأته، فاسأله عما أخبرتك، ثم ائتني بجوابه.
فخرج عبد المسيح حتى قدم على سطيح، وقد أشفى على الموت، فسلم عليه، وحياه، فلم يرد على سطيح جواباً، فأنشأ عبد المسيح يقول: رجز
أصم أم يسمع غطريف اليمن ... أم فاز فاز لم به شأو العنن
يافاضل الخطة أعيت من ومن ... أتاك شيخ الحي من آل سنن
فلما سمع شعره رفع رأسه، وقال: عبد المسيح، على جمل مشيح، إلى سطيح، وقد أوفى على ضريح، بعثك ملك بني ساسان، لارتجاس الإيوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان؛ رأى إبلاً صعاباً، تقود خيلاً عراباً، قد قطعت دجلة، وانتشرت في بلادها.
يا عبد المسيح، إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهرواة، وخمدت نار فارس، وغاضت بحيرة ساوة، وفاض وادي السماوة فليس الشام لسطيح شاماً، يملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشرفات، وكل ماهو آت آت. ثم قضى سطيح مكانه، ووثب عبد المسيح الغساني يقول: من البسيط
شمر فإنك ماضي الهم شمير ... لا يفز عنك تفريق وتغيير
إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم ... فإن ذا الدهر أطوار دهارير
فربما ربما أضحوا بمنزلةٍ ... تهاب صولهم الأسد المهاصير
فالخير والشر مقرونان في قرنٍ ... فالخير متبع والشر محذور
فلما قدم عبد المسيح على كسرى أخبره بقول سطيح، فقال كسرى: إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكاً قد كانت أمور. قال: فملك منهم عشرة في أربع سنين والباقون إلى آخر خلافة عثمان.
قالوا: لما انصرف خالد بن الوليد من اليمامة ضرب عسكره علىالجرعة التي بين الحيرة والنهر، وتحصن منه أهل الحيرة في القصر الأبيض، وقصر ابن بقيلة. فبعث إليهم: ابعثوا إلي رجلاً من عقلائكم أسائله، ويخبرني عنكم. فبعثوا إليه عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقيلة الغساني، وهو يومئذ ابن خمسين وثلاثمائة سنة. فلما رآه خالد قال: مالهم، أخزاهم الله، بعثوا إلي رجلاً لا يفقه فلما دنا من خالد قال: أنعم صباحاً
أيها الملك، فقال خالد: قد أكرمنا الله بغير هذه التحية، بالسلام. ثم قال له خالد: من أين أقصى أثرك؟ قال: من ظهر أبي، قال: من أين خرجت؟ قال: من بطن أمي، قال: علام أنت.؟ قال: على الأرض، قال: فيم أنت ويحك؟ قال: في ثيابي، قال: أتعقل؟ قال: نعم، وأقيد، قال: ابن كم أنت؟ قال: ابن رجل واحد، قال خالد: ما رأيت اليوم قط! أسائله عن شيء وينحو في غيره، قال: ما أجيبك إلا عما سألت عنه، فاسأل عما بدا لك، قال: كم أتى لك؟ قال: خمسون وثلاثمائة، قال: أخبرني، ما أنتم؟ قال: عرب استنبطنا، ونبط استعربنا، قال: فحرب أنتم أم سلم؟ قال: بل سلم، قال: فما بال هذه الحصون؟ قال: بنيناها لتحبس السفيه حتى ينهاه الحليم. فقال له خالد: ما أدركت؟ قال: أدركت سفن البحر ترفأ إلينا في هذا الجرف، ورأيت المرأة من أهل الحيرة تخرج إلى الشام في قرى متواترة ما تزود رغيفاً، وقد أصبحت خراباً يباباً.
وقال عبد المسيح حين رجع:
أبعد المنذرين أرى سواما ... تروح بالخورنق والسدير
تحاماها فوارس كل حي ... مخافة ضيغم عالي الزئير
وبعد فوارس النعمان أرعى ... رياضا بين دورة والحفير
فصرنا بعد هلك أبي قبيسٍ ... كمثل الشاء في اليوم المطير
تقسمها القبائل من معد ... علانية كأيسار الجزور
وكنا لا يباح لنا حريم ... فنحن كضرة الناب الضجور
كذاك الدهر دولته سجال ... تصرف بالمساءة والسرور
قالوا: وخرج بقيلة في ثوبين أخضرين، فقال له إنسان: ما أنت إلا بقيلة، فسمي بقيلة بذلك. واسمه ثعلبة ين سبين.
واسمه ثعلبة بن سبين، ويقال: عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة - الغساني
شاعر جاهلي نصراني. وفد على سطيح الغساني إلى الجابية سأله عن رؤيا موبذان الفرس التي ليلة ولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان عبد المسيح من المعمرين، وهو الذي صالح خالد بن الوليد على الحيرة.
روى هانىء المخزومي قال: لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتجس إيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشرة شرافة، وخمدت نار فارسٍ، ولم تخمد قبل ذلك بألف عامٍ، وغاضت بحيرة ساوة. فلما أصبح أفزعه ذلك، فتصبر عليه تشجعاً، فلما عيل صبره رأى ألا يستر ذلك عن وزرائه ومرزابته، فلبس تاجه، وقعد على سريره، وجمعهم إليه، فأخبرهم لما رأى، فينا هم كذلك إذ ورد عليه الكتاب بخمود النار، فازداد غماً إلى غمه، فقال الموبذان: وأنا - أصلح الله الملك - قد رأيت في هذه الليلة إبلاً صعاباً، تقود خيلاً عراباً، قد قطعت دجلة، وانتشرت في بلادها، فقال: أي شيءٍ يكون يا موبذان؟ قال: حادث يكون من ناحية العرب، فكتب عند ذلك: من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر: أما بعد فابعث إلي برجلٍ عالم أريد أن أسأله عنه. فبعث إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن بقيلة الغساني، فلما قدم عليه قال: أعندك علم ما أريد أن أسألك عنه؟ قال: ليخبرني الملك؛ فإن كان عندي منه علم أخبرته، وإلا دللته على من يخبره، فأخبره بما رأى، فقال: علم ذلك عند خالٍ لي يسكن مشارف الشام - وفي رواية: ابن عم لي بالجابية - يقال له: سطيح، قال: فأته، فاسأله عما أخبرتك، ثم ائتني بجوابه.
فخرج عبد المسيح حتى قدم على سطيح، وقد أشفى على الموت، فسلم عليه، وحياه، فلم يرد على سطيح جواباً، فأنشأ عبد المسيح يقول: رجز
أصم أم يسمع غطريف اليمن ... أم فاز فاز لم به شأو العنن
يافاضل الخطة أعيت من ومن ... أتاك شيخ الحي من آل سنن
فلما سمع شعره رفع رأسه، وقال: عبد المسيح، على جمل مشيح، إلى سطيح، وقد أوفى على ضريح، بعثك ملك بني ساسان، لارتجاس الإيوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان؛ رأى إبلاً صعاباً، تقود خيلاً عراباً، قد قطعت دجلة، وانتشرت في بلادها.
يا عبد المسيح، إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهرواة، وخمدت نار فارس، وغاضت بحيرة ساوة، وفاض وادي السماوة فليس الشام لسطيح شاماً، يملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشرفات، وكل ماهو آت آت. ثم قضى سطيح مكانه، ووثب عبد المسيح الغساني يقول: من البسيط
شمر فإنك ماضي الهم شمير ... لا يفز عنك تفريق وتغيير
إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم ... فإن ذا الدهر أطوار دهارير
فربما ربما أضحوا بمنزلةٍ ... تهاب صولهم الأسد المهاصير
فالخير والشر مقرونان في قرنٍ ... فالخير متبع والشر محذور
فلما قدم عبد المسيح على كسرى أخبره بقول سطيح، فقال كسرى: إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكاً قد كانت أمور. قال: فملك منهم عشرة في أربع سنين والباقون إلى آخر خلافة عثمان.
قالوا: لما انصرف خالد بن الوليد من اليمامة ضرب عسكره علىالجرعة التي بين الحيرة والنهر، وتحصن منه أهل الحيرة في القصر الأبيض، وقصر ابن بقيلة. فبعث إليهم: ابعثوا إلي رجلاً من عقلائكم أسائله، ويخبرني عنكم. فبعثوا إليه عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقيلة الغساني، وهو يومئذ ابن خمسين وثلاثمائة سنة. فلما رآه خالد قال: مالهم، أخزاهم الله، بعثوا إلي رجلاً لا يفقه فلما دنا من خالد قال: أنعم صباحاً
أيها الملك، فقال خالد: قد أكرمنا الله بغير هذه التحية، بالسلام. ثم قال له خالد: من أين أقصى أثرك؟ قال: من ظهر أبي، قال: من أين خرجت؟ قال: من بطن أمي، قال: علام أنت.؟ قال: على الأرض، قال: فيم أنت ويحك؟ قال: في ثيابي، قال: أتعقل؟ قال: نعم، وأقيد، قال: ابن كم أنت؟ قال: ابن رجل واحد، قال خالد: ما رأيت اليوم قط! أسائله عن شيء وينحو في غيره، قال: ما أجيبك إلا عما سألت عنه، فاسأل عما بدا لك، قال: كم أتى لك؟ قال: خمسون وثلاثمائة، قال: أخبرني، ما أنتم؟ قال: عرب استنبطنا، ونبط استعربنا، قال: فحرب أنتم أم سلم؟ قال: بل سلم، قال: فما بال هذه الحصون؟ قال: بنيناها لتحبس السفيه حتى ينهاه الحليم. فقال له خالد: ما أدركت؟ قال: أدركت سفن البحر ترفأ إلينا في هذا الجرف، ورأيت المرأة من أهل الحيرة تخرج إلى الشام في قرى متواترة ما تزود رغيفاً، وقد أصبحت خراباً يباباً.
وقال عبد المسيح حين رجع:
أبعد المنذرين أرى سواما ... تروح بالخورنق والسدير
تحاماها فوارس كل حي ... مخافة ضيغم عالي الزئير
وبعد فوارس النعمان أرعى ... رياضا بين دورة والحفير
فصرنا بعد هلك أبي قبيسٍ ... كمثل الشاء في اليوم المطير
تقسمها القبائل من معد ... علانية كأيسار الجزور
وكنا لا يباح لنا حريم ... فنحن كضرة الناب الضجور
كذاك الدهر دولته سجال ... تصرف بالمساءة والسرور
قالوا: وخرج بقيلة في ثوبين أخضرين، فقال له إنسان: ما أنت إلا بقيلة، فسمي بقيلة بذلك. واسمه ثعلبة ين سبين.