عَبْد اللَّه بْن عُرْوَة بْن الزُّبَيْر بْن العوام الْقُرَشِيّ الأسدي.
عبد الله بن عروة بن الزبير
ابن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب أبو بكر القرشي الأسدي: وفد على الوليد بن يزيد.
حدث عن أبيه، عن عائشة قالت:
اجتمعن - وفي رواية: اجتمعت - إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً، فقالت الأولى: زوجي لحم جمل غث على رأس جبل، لا سهلٍ فيرتقى ولا سمين فينتقل، قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف ألا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره، قالت الثالثة: زوجي العشنق، إن أسكت أعلق، وإن أنطق أطلق، قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة، لا حر، ولا قر، ولا مخافة، ولا سآمة، قالت الخامسة: زوجي إن أكل لف، وإن شرب اشتف، وإن نام التف، ولا يولج الكف ليعلم البث، قالت السادسة: زوجي غياياء أو عياياء - شك الراوي - طباقاء، كل داءٍ له داء اشجك أو فلك، أو جمع كلاً
لك، قالت السابعة: زوجي إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد، قالت الثامنة: زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب، قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من النادي، قالت العاشرة: زوجي مالك، وما مالك! مالك خير من ذلك، له إبل قليلات المسارح كثيرات المبارك، إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك، قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع، وما أبو زرع، أناس من حليٍّ أذني، وملأ من شحمٍ عضدي، وبجحني فبجحت إليّ نفسي، فوجدني في أهل غنيمة بشقٍ، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنقٍّ، فعنده أقول ولا أقبّح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقمح أم أبي زرعٍ،
وما أم أبي زرعٍ؟ عكومها رداح، وبيتها فساح، ابن أبي زرع، وما ابن أبي زرع، مضجعه كمسل شطبةٍ، وتشبعه ذراع الجفرة، ابنة أبي زرع، وما ابنة أبي زرع، طوع أبيها، وطوع أمها وملء مكسائها، وغيظ جارتها، جارية أبي زرع، وما جارية أبي زرع، لا تبثث حديثنا تبثيثاً، ولا تنقل ميرتنا تنقيثاً، ولا تملأ بيتنا تعشيشاً، خرج أبو زرع، والوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمانتين، فطلقني ونكحها، فنكحت بعده رجلاً سرياً، ركب شرياً، وأخذ خطياً، وأراح علي نعماً ثرياً، قال: كلي أم زرعٍ، وميري أهلك، قالت: فلو جمعت كل شيءٍ أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع.
قالت عائشة: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عائش، كنت لك كأبي زرعٍ لأم زرعٍ - وفي رواية: يا عائشة ".
وروى عن أبي سفيان بن الحارث قال: خرجت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى هوازن، وقد جمعت له العرب كلها، فلما أتوه
حملوا عليه حملةً واحدةً، قال الله عز وجل: " ثم وليتم مدبرين " وثبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بغلته الشهباء.
قال أبو سفيان وبيدي السيف صلتاً، ثم أخذت بلجام بغلته، وعباس بن عبد المطلب ينادي: يا أصحاب سورة البقرة، فثاب إليه الناس حتى توافى حول بغلته نحو من مائة.
وروى عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: كان أكثر صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين ثقل وبدَّن وهو جالس.
وعن عبد الله بن عروة، عن أسماء بنت أبي بكر أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " دعوا الفتنة التي يفتن فيها المرء في قبره " قال عبد الله بن عروة: رأيت عبد الله بن الزبير قعد إلى الحسن بن علي.
قال الزبير بن بكار: ومن ولد عروة بن الزبير: عمر بن عروة قتل مع عبد الله بن الزبير، وكان مشجعاً لا عقب له، وعبد الله بن عروة؛ أمها: فاختة بنت الأسود بن أبي البختري بن هاشم بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وأمها: أم شيبة بنت حكيم بن حزام، وأمها: زينب بنت العوام، كان عبد الله بن عروة أسن بني عروة، وبه كان يكنى، وبلغ خمساً - أو ستاً - وتسعين سنة، لم يكن بينه وبين أبيه إلا خمس عشرة سنة، وكان له عقل وحزم، ولسان وفضل، وشرف، وكان يشبه عبد الله في لسانه، وكان عبد الله بن الزبير يعرف ذلك له، وهو رسول عبد الله ابن الزبير إلى الحصين بن نمير حين لقيه بمر.
قال الحاكم أبو أحمد: هو والد عمر بن عبد الله بن عروة.
سئل أبو حاتم عن عبد الله بن عروة، فقال ثقة.
عن الزبير بن خبيب قال: أرسل معاوية بن أبي سفيان رسولاً، وكتب معه إلى عبد الله بن الزبير يخطب إليه ابنته أم حكيم بنت عبد الله على ابنه يزيد بن معاوية، فزوجها عبد الله بن عروة، وكان أول من زوج من بين أخيه، فقال له رسول معاوية: ما تجيب به أمير المؤمنين؟ قال: ما له عندي جواب إلا ما رأيت.
قال عبد الله بن عروة:
كان عمي عبد الله بن الزبير يبيت عند أمه كما يبيت عند أهله، فإذا كانت الليلة التي يكون فيها عند أمه جئته، فيقوم، فيصلي ليلته، وأقوم إلى جنبه أصلي حتى الصباح، وأهجر كل يومٍ، فأصلي معه، فمكثت بذلك ما شاء الله؛ فأدركني يوماً، وأنا رائح بالهجير إلى المسجد، فصاح بي: مهيم؟ فوقفت، فاتكأ على يدي حتى بلغ باب المسجد. ثم قال: أفيك خير؟ فقلت: أين يُذهب بالخير عني؟ قال: أزوجك ابنتي أم حكيم، قد عرفت منزلتها مني، قلت: نعم، فدخل بي إلى المسجد، فجلس إلى عبد الله بن عمر، فحمد الله وأثنى عليه، وزوجني أم حكيم، ثم قام، وقمت معه حتى أتى مصلاه، فوقف فيه، فخرجت حتى أتيت أبي، فأعلمته، فكذبني، وقال: لا يسمعن هذا منك أحد، فقلت: قد والله كان ذلك، فأرسل إلى عبد الله بن الزبير: أكان ما ذكر عبد الله؟ قال: نعم، زوجته أم حكيم، فقال لي: هذا مال لك عندي ورثته من أمك، وهو عشرون ألف درهمٍ، فأحمله إليها، ففعلت، فأرسل إلي عمي عبد الله، فجئته، فقال: ألم تعدني الخير من نفسك؟ قال: قلت: بلى، قال: فما حملك على أن بعثت إلينا بمالٍ؟ لو أردت المال لوجدته عند غيرك! - يريد معاوية - احمل مالك، فلا حاجة لنا فيه،
قال: فرجعت بالمال إلى أبي.
وكانت أم حكيم بنت عبد الله قالت لأبيها: لم تؤثر بنيك في النخل علينا؟ وبناتك أحق بالأثرة لضعفهن؟ أترى بنيك يؤثروننا على نسائهم؟ فقال لها: لا أفعل بعدها.
وكانت أم حكيم أحب ولد عبد الله إليه.
ومن طريق المعافى بن زكريا: أن عبد الله بن عروة بن الزبير - وأمه ابنة المغيرة بن شعبه - دخل على هشام بن عبد الملك، وقد كان إبراهيم بن هشام أضر به وهو على المدينة، فقال له عبد الله: يا أمير المؤمنين، إنك قد وليت خالك ما بين المدينة إلى عدن، فلم يمنعه كثير ما في يديه من قليل ما في أيدينا أن نازعته نفسه اختلاس ما في اختلاسه هلكنا، فأنشدك الله، يا أمير المؤمنين أن تصل رحماً بقطيعة أخرى، فوالله ما سخا بأنفسنا عن الأموات إلا ما كف وجوه الأحياء، ولأن نموت مرفوعين أحب إلينا من أن نعيش مخفوضين.
فقال هشام لعبد الله: إنه لا سلطان لخالي عليك بعد يومك هذا.
وحج هشام، فاجتمع عنده: عبد الله بن عروة، وإبراهيم بن هشام، وحضره مسلمة بن عبد الملك، فقال عبد الله بن عروة: يا أمير المؤمنين، إن مما طيب أنفسنا عمن أصبت منا لما بقي بأيدينا بما كف الله به وجوهنا عن قومنا وغيرهم، فتناول هذا أعراضنا وأموالنا، فكيف الحياة مع هذا؟! فقال هشام: ألا تسمع يا إبراهيم ما يقول هذا؟ فقال إبراهيم: أمير المؤمنين أمير المؤمنين، وأنا أنا، وهو هو! قال هشام: فماذا الكلام؟ أجل لعمري إن ذا لكذا، وأقبل هشام بعد ذلك على مسلمة، فقال: سمعت ما قال ابن عروة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، كأنك قد قلت لي: تجهز إلى الحجاز، قد سمعت كلام رجل لا يقيم على ما شكا إن أقام، إلا قليلاً.
عن عمارة بن غزية، عن عبد الله بن عروة قال: إلى الله أشكو عيبي ما لا أترك، ونعتي ما لا أتي.
وأنشد عبد الله بن عروة: من البسيط
يبكون بالدين للدنيا وبهجتها ... أرباب دنيا، عليها كلهم صادي
لا ينظرون لشيءٍ من معادهم ... تعجلوا حظهم في العاجل البادي
لا يهتدون، ولا يهدون تابعهم ... ضل المقود، وضل القائد الهادي
قال حماد بن عطيل بن فضالة: رأيت عبد الله بن عروة في سنيات خالد بن عبد الملك بن الحارث - وكان والياً لهشام بن عبد الملك على المدينة سبع سنين قحط المطر في تلك السبع فكان يقال لها: سنيات خالد، فجلا الناس من بادية الحجاز، فلحقوا بالشام، فحضرت عبد الله بن عروة بن الزبير في أمواله بالفرع - يدخل الناس في مربد تمره طرفي النهار: غدوةً فيتغدون من التمر، وعشية فيتعشون، فما زال كذلك يفعل حتى أحيا الناس.
وقال: جلونا مرة إلى الشام في جهدٍ أصاب الناس، ثم رجعنا فوجدنا عبد الله بن عروة قد هدم الثلم، وكسر الوشع، وأمرج الناس في مال أبيه، وجنى لهم فأطعمهم.
قال عبد الله بن عروة: بعث إلي عبد الله بن الزبير، فقال: انطلق إلى الحصين بن نمير حتى تلقاه، فتناظره، فانطلقت حتى لقيت الحصين بن نمير، فأدناني منه، فكلمته وأنا مشرف عليه، فجعل يتطاول إلي بعنقه.
قال يوسف بن يعقوب الماجشون:
كنت مع أبي في حاجةٍ، فلما انصرفنا قال لي أبي: هل لك في هذا الشيخ؟ فإنه بقيةً من بقايا قريش، وأنت واجد عنده ما شئت من حديث ونبيل رأي - يريد عبد الله بن عروة - قال: فدخلنا عليه، فحادثه أبي طويلاً، ثم ذكر أبي بني أمية، وسوء سيرتهم، وما قد لقي الناس منهم، وقال: انقطع آمال الناس من قريش. فقال عبد الله: أقصر أيها الشيخ، فإن الناس لم يبرح لهم أمر صالح من قريش ما لم يلِ بنو فلانٍ، فإذا وليت بنو فلان انقطع آمالهم.
فقال له سلمة الأعور صاحبنا: بنو هاشم؟ فقال برأسه: أي نعم.
قال مصعب بن عبد الله: جمع عبد الله بن عروة بنيه، ثم قال: يا بني، إن الله تعالى لم يبن شيئاً فهدمه، وإن الناس لم يبنوا شيئاً قط إلا هدموه، وإن بني أمية من عهد معاوية إلى اليوم يهدمون بشرف علي، فلا يزيده الله إلا شرفاً وفضلاً ومحبةً في قلوب المؤمنين، يا بنيّ، فلا تشتموا علياً.
وكان عبد الله بن عروة يشهد الجمعة، وينصت لخالد بن عبد الملك بن الحارث، فإذا شتم خالد علياً تكلم عبد الله بن عروة، وأقبل على أدنى إنسان يكون إلى جنبه يحدثه، فيقال له: الإمام يخطب! فيقول: إنا لم نؤمر ننصت لهذا.
قالوا لعبد الله بن عروة بن الزبير: ألا تأتي المدينة؟ فقال: ما بقي بالمدينة إلا حاسد لنعمة، أو فرح بنقمة.
قال عمرو بن صفوان: كان لعبد الله بن عروة ابن له سبع سنين مثل الدينار، فلدغته حية، فمات، فقال: من الوافر
فلولا الموت لم يهلك كريم ... ولم يصبح أخو عزٍّ ذليلا
ولكن المنية لا تبالي ... أغراً كان أم رجلاً جليلا
لقد أهلكت حية بطن وادٍ ... كريماً ما أريد به بديلا
مقيماً ما أقام جبال لبس ... فليس بزائل حتى تزولا
وله: من الطويل:
ترى المرء يبكيه الذي مات قبله ... وموت الذي يبكي عليه قريب
يحب الفتى المال الكثير وإنما ... لنفس الفتى مما تحب نصيب
وقال للوليد بن عبد الملك حين أخذ إبراهيم ومحمداً ابني هشام: من الطويل
عليك أمير المؤمنين بشدةٍ ... على ابني هشام إن ذاك هو العدل
تبيح بها أموالهم ودماءهم ... ويبقى عليهم بعد ذلكم نصل
ابن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب أبو بكر القرشي الأسدي: وفد على الوليد بن يزيد.
حدث عن أبيه، عن عائشة قالت:
اجتمعن - وفي رواية: اجتمعت - إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً، فقالت الأولى: زوجي لحم جمل غث على رأس جبل، لا سهلٍ فيرتقى ولا سمين فينتقل، قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف ألا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره، قالت الثالثة: زوجي العشنق، إن أسكت أعلق، وإن أنطق أطلق، قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة، لا حر، ولا قر، ولا مخافة، ولا سآمة، قالت الخامسة: زوجي إن أكل لف، وإن شرب اشتف، وإن نام التف، ولا يولج الكف ليعلم البث، قالت السادسة: زوجي غياياء أو عياياء - شك الراوي - طباقاء، كل داءٍ له داء اشجك أو فلك، أو جمع كلاً
لك، قالت السابعة: زوجي إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد، قالت الثامنة: زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب، قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من النادي، قالت العاشرة: زوجي مالك، وما مالك! مالك خير من ذلك، له إبل قليلات المسارح كثيرات المبارك، إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك، قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع، وما أبو زرع، أناس من حليٍّ أذني، وملأ من شحمٍ عضدي، وبجحني فبجحت إليّ نفسي، فوجدني في أهل غنيمة بشقٍ، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنقٍّ، فعنده أقول ولا أقبّح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقمح أم أبي زرعٍ،
وما أم أبي زرعٍ؟ عكومها رداح، وبيتها فساح، ابن أبي زرع، وما ابن أبي زرع، مضجعه كمسل شطبةٍ، وتشبعه ذراع الجفرة، ابنة أبي زرع، وما ابنة أبي زرع، طوع أبيها، وطوع أمها وملء مكسائها، وغيظ جارتها، جارية أبي زرع، وما جارية أبي زرع، لا تبثث حديثنا تبثيثاً، ولا تنقل ميرتنا تنقيثاً، ولا تملأ بيتنا تعشيشاً، خرج أبو زرع، والوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمانتين، فطلقني ونكحها، فنكحت بعده رجلاً سرياً، ركب شرياً، وأخذ خطياً، وأراح علي نعماً ثرياً، قال: كلي أم زرعٍ، وميري أهلك، قالت: فلو جمعت كل شيءٍ أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع.
قالت عائشة: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عائش، كنت لك كأبي زرعٍ لأم زرعٍ - وفي رواية: يا عائشة ".
وروى عن أبي سفيان بن الحارث قال: خرجت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى هوازن، وقد جمعت له العرب كلها، فلما أتوه
حملوا عليه حملةً واحدةً، قال الله عز وجل: " ثم وليتم مدبرين " وثبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بغلته الشهباء.
قال أبو سفيان وبيدي السيف صلتاً، ثم أخذت بلجام بغلته، وعباس بن عبد المطلب ينادي: يا أصحاب سورة البقرة، فثاب إليه الناس حتى توافى حول بغلته نحو من مائة.
وروى عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: كان أكثر صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين ثقل وبدَّن وهو جالس.
وعن عبد الله بن عروة، عن أسماء بنت أبي بكر أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " دعوا الفتنة التي يفتن فيها المرء في قبره " قال عبد الله بن عروة: رأيت عبد الله بن الزبير قعد إلى الحسن بن علي.
قال الزبير بن بكار: ومن ولد عروة بن الزبير: عمر بن عروة قتل مع عبد الله بن الزبير، وكان مشجعاً لا عقب له، وعبد الله بن عروة؛ أمها: فاختة بنت الأسود بن أبي البختري بن هاشم بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وأمها: أم شيبة بنت حكيم بن حزام، وأمها: زينب بنت العوام، كان عبد الله بن عروة أسن بني عروة، وبه كان يكنى، وبلغ خمساً - أو ستاً - وتسعين سنة، لم يكن بينه وبين أبيه إلا خمس عشرة سنة، وكان له عقل وحزم، ولسان وفضل، وشرف، وكان يشبه عبد الله في لسانه، وكان عبد الله بن الزبير يعرف ذلك له، وهو رسول عبد الله ابن الزبير إلى الحصين بن نمير حين لقيه بمر.
قال الحاكم أبو أحمد: هو والد عمر بن عبد الله بن عروة.
سئل أبو حاتم عن عبد الله بن عروة، فقال ثقة.
عن الزبير بن خبيب قال: أرسل معاوية بن أبي سفيان رسولاً، وكتب معه إلى عبد الله بن الزبير يخطب إليه ابنته أم حكيم بنت عبد الله على ابنه يزيد بن معاوية، فزوجها عبد الله بن عروة، وكان أول من زوج من بين أخيه، فقال له رسول معاوية: ما تجيب به أمير المؤمنين؟ قال: ما له عندي جواب إلا ما رأيت.
قال عبد الله بن عروة:
كان عمي عبد الله بن الزبير يبيت عند أمه كما يبيت عند أهله، فإذا كانت الليلة التي يكون فيها عند أمه جئته، فيقوم، فيصلي ليلته، وأقوم إلى جنبه أصلي حتى الصباح، وأهجر كل يومٍ، فأصلي معه، فمكثت بذلك ما شاء الله؛ فأدركني يوماً، وأنا رائح بالهجير إلى المسجد، فصاح بي: مهيم؟ فوقفت، فاتكأ على يدي حتى بلغ باب المسجد. ثم قال: أفيك خير؟ فقلت: أين يُذهب بالخير عني؟ قال: أزوجك ابنتي أم حكيم، قد عرفت منزلتها مني، قلت: نعم، فدخل بي إلى المسجد، فجلس إلى عبد الله بن عمر، فحمد الله وأثنى عليه، وزوجني أم حكيم، ثم قام، وقمت معه حتى أتى مصلاه، فوقف فيه، فخرجت حتى أتيت أبي، فأعلمته، فكذبني، وقال: لا يسمعن هذا منك أحد، فقلت: قد والله كان ذلك، فأرسل إلى عبد الله بن الزبير: أكان ما ذكر عبد الله؟ قال: نعم، زوجته أم حكيم، فقال لي: هذا مال لك عندي ورثته من أمك، وهو عشرون ألف درهمٍ، فأحمله إليها، ففعلت، فأرسل إلي عمي عبد الله، فجئته، فقال: ألم تعدني الخير من نفسك؟ قال: قلت: بلى، قال: فما حملك على أن بعثت إلينا بمالٍ؟ لو أردت المال لوجدته عند غيرك! - يريد معاوية - احمل مالك، فلا حاجة لنا فيه،
قال: فرجعت بالمال إلى أبي.
وكانت أم حكيم بنت عبد الله قالت لأبيها: لم تؤثر بنيك في النخل علينا؟ وبناتك أحق بالأثرة لضعفهن؟ أترى بنيك يؤثروننا على نسائهم؟ فقال لها: لا أفعل بعدها.
وكانت أم حكيم أحب ولد عبد الله إليه.
ومن طريق المعافى بن زكريا: أن عبد الله بن عروة بن الزبير - وأمه ابنة المغيرة بن شعبه - دخل على هشام بن عبد الملك، وقد كان إبراهيم بن هشام أضر به وهو على المدينة، فقال له عبد الله: يا أمير المؤمنين، إنك قد وليت خالك ما بين المدينة إلى عدن، فلم يمنعه كثير ما في يديه من قليل ما في أيدينا أن نازعته نفسه اختلاس ما في اختلاسه هلكنا، فأنشدك الله، يا أمير المؤمنين أن تصل رحماً بقطيعة أخرى، فوالله ما سخا بأنفسنا عن الأموات إلا ما كف وجوه الأحياء، ولأن نموت مرفوعين أحب إلينا من أن نعيش مخفوضين.
فقال هشام لعبد الله: إنه لا سلطان لخالي عليك بعد يومك هذا.
وحج هشام، فاجتمع عنده: عبد الله بن عروة، وإبراهيم بن هشام، وحضره مسلمة بن عبد الملك، فقال عبد الله بن عروة: يا أمير المؤمنين، إن مما طيب أنفسنا عمن أصبت منا لما بقي بأيدينا بما كف الله به وجوهنا عن قومنا وغيرهم، فتناول هذا أعراضنا وأموالنا، فكيف الحياة مع هذا؟! فقال هشام: ألا تسمع يا إبراهيم ما يقول هذا؟ فقال إبراهيم: أمير المؤمنين أمير المؤمنين، وأنا أنا، وهو هو! قال هشام: فماذا الكلام؟ أجل لعمري إن ذا لكذا، وأقبل هشام بعد ذلك على مسلمة، فقال: سمعت ما قال ابن عروة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، كأنك قد قلت لي: تجهز إلى الحجاز، قد سمعت كلام رجل لا يقيم على ما شكا إن أقام، إلا قليلاً.
عن عمارة بن غزية، عن عبد الله بن عروة قال: إلى الله أشكو عيبي ما لا أترك، ونعتي ما لا أتي.
وأنشد عبد الله بن عروة: من البسيط
يبكون بالدين للدنيا وبهجتها ... أرباب دنيا، عليها كلهم صادي
لا ينظرون لشيءٍ من معادهم ... تعجلوا حظهم في العاجل البادي
لا يهتدون، ولا يهدون تابعهم ... ضل المقود، وضل القائد الهادي
قال حماد بن عطيل بن فضالة: رأيت عبد الله بن عروة في سنيات خالد بن عبد الملك بن الحارث - وكان والياً لهشام بن عبد الملك على المدينة سبع سنين قحط المطر في تلك السبع فكان يقال لها: سنيات خالد، فجلا الناس من بادية الحجاز، فلحقوا بالشام، فحضرت عبد الله بن عروة بن الزبير في أمواله بالفرع - يدخل الناس في مربد تمره طرفي النهار: غدوةً فيتغدون من التمر، وعشية فيتعشون، فما زال كذلك يفعل حتى أحيا الناس.
وقال: جلونا مرة إلى الشام في جهدٍ أصاب الناس، ثم رجعنا فوجدنا عبد الله بن عروة قد هدم الثلم، وكسر الوشع، وأمرج الناس في مال أبيه، وجنى لهم فأطعمهم.
قال عبد الله بن عروة: بعث إلي عبد الله بن الزبير، فقال: انطلق إلى الحصين بن نمير حتى تلقاه، فتناظره، فانطلقت حتى لقيت الحصين بن نمير، فأدناني منه، فكلمته وأنا مشرف عليه، فجعل يتطاول إلي بعنقه.
قال يوسف بن يعقوب الماجشون:
كنت مع أبي في حاجةٍ، فلما انصرفنا قال لي أبي: هل لك في هذا الشيخ؟ فإنه بقيةً من بقايا قريش، وأنت واجد عنده ما شئت من حديث ونبيل رأي - يريد عبد الله بن عروة - قال: فدخلنا عليه، فحادثه أبي طويلاً، ثم ذكر أبي بني أمية، وسوء سيرتهم، وما قد لقي الناس منهم، وقال: انقطع آمال الناس من قريش. فقال عبد الله: أقصر أيها الشيخ، فإن الناس لم يبرح لهم أمر صالح من قريش ما لم يلِ بنو فلانٍ، فإذا وليت بنو فلان انقطع آمالهم.
فقال له سلمة الأعور صاحبنا: بنو هاشم؟ فقال برأسه: أي نعم.
قال مصعب بن عبد الله: جمع عبد الله بن عروة بنيه، ثم قال: يا بني، إن الله تعالى لم يبن شيئاً فهدمه، وإن الناس لم يبنوا شيئاً قط إلا هدموه، وإن بني أمية من عهد معاوية إلى اليوم يهدمون بشرف علي، فلا يزيده الله إلا شرفاً وفضلاً ومحبةً في قلوب المؤمنين، يا بنيّ، فلا تشتموا علياً.
وكان عبد الله بن عروة يشهد الجمعة، وينصت لخالد بن عبد الملك بن الحارث، فإذا شتم خالد علياً تكلم عبد الله بن عروة، وأقبل على أدنى إنسان يكون إلى جنبه يحدثه، فيقال له: الإمام يخطب! فيقول: إنا لم نؤمر ننصت لهذا.
قالوا لعبد الله بن عروة بن الزبير: ألا تأتي المدينة؟ فقال: ما بقي بالمدينة إلا حاسد لنعمة، أو فرح بنقمة.
قال عمرو بن صفوان: كان لعبد الله بن عروة ابن له سبع سنين مثل الدينار، فلدغته حية، فمات، فقال: من الوافر
فلولا الموت لم يهلك كريم ... ولم يصبح أخو عزٍّ ذليلا
ولكن المنية لا تبالي ... أغراً كان أم رجلاً جليلا
لقد أهلكت حية بطن وادٍ ... كريماً ما أريد به بديلا
مقيماً ما أقام جبال لبس ... فليس بزائل حتى تزولا
وله: من الطويل:
ترى المرء يبكيه الذي مات قبله ... وموت الذي يبكي عليه قريب
يحب الفتى المال الكثير وإنما ... لنفس الفتى مما تحب نصيب
وقال للوليد بن عبد الملك حين أخذ إبراهيم ومحمداً ابني هشام: من الطويل
عليك أمير المؤمنين بشدةٍ ... على ابني هشام إن ذاك هو العدل
تبيح بها أموالهم ودماءهم ... ويبقى عليهم بعد ذلكم نصل