رملة بنت الزبير بن العوام
ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، القرشية الأسدية تزوجها خالد بن يزيد بن معاوية، ونقلها إلى دمشق، وله فيها أشعار. وكانت جزلةً عاقلةً.
وعن جويرية بن أسماء قال: نشزت سكينة على زوجها عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام، وأمه رملة بنت الزبير بن العوام، فدخلت رملة بنت الزبير وهي عند خالد بن يزيد بن معاوية على عبد الملك فقالت: يا أمير المؤمنين، لولا أن تذر أمورنا ما كانت لنا رغبة فيمن لا يرغب فينا، سكينة نشزت على ابني، فقال: يا رملة، إنها سكينة، قالت: وإن كانت سكينة، فوالله لقد ولدنا خيرهم وأنكحنا خيرهم، فقال: يا رملة غرني منك عروة، قالت: ما غرك، ولكن نصح لك، إنك قتلت مصعباً أخي، فلم يأمني عليك.
وعن عمر بن عبد العزيز قال: حج خالد بن يزيد بن معاوية سنة قتل الحجاج عبد الله بن الزبير، فخطب رملة بنت الزبير، فبلغ ذلك الحجاج، فأرسل إليه حاجبه وقال له: قل لخالد: ما كنت أراك تخطب إلى آل الزبير حتى تشاورني، ولا كنت أراك تخطب إليهم وليسوا لك بأكفاء، وقد قارعوا أباك على الخلافة ورموه بكل قبيح. فأبلغه الرسالة، فنظر إليه خالد طويلاً ثم قال: لو كانت الرسل تعاقب لقطعتك آراباً ثم طرحتك على باب صاحبك! قل له: ما كنت أظن أن الأمور بلغت بك أن أشاورك في مناكحة قريش؛ وأما قولك: أن ليسوا بأكفاء، فقاتلك الله يا حجاج، يكون العوام كفؤاً لعبد المطلب بزوجه صفية، ويتزوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خديجة بنت خويلد ولا تراهم أكفاء لآل أبي سفيان! وأما قولك: قارعوا أباك على الخلافة ورموه بكل قبيح، فهي قريش يقارع بعضها بعضاً، حتى إذا أقر الله الحق مقره، عادت إلى أحلامها وفضلها. فرجع إليه، فأعلمه ذلك. وتزوج خالد رملة بنت الزبير أخت مصعب لأمه. أمهما الرباب الكلبية.
وفي رملة يقول خالد:
تخيرتها من سر نبع كريمةً ... موسطةً فيهم زبيريةً قلبا
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: حج عبد الملك بن مروان، وحج معه خالد بن يزيد، وكان من رجالات قريش المعدودين وعلمائهم، وكان عظيم القدر عند عبد الملك، فبينا هو يطوف بالبيت إذ بصر برملة بنت الزبير بن العوام فعشقها عشقاً حديداً، ووقعت بقلبه وقوعاً متمكناً، فلما أراد عبد الملك القفول هم خالد بالتخلف عنه، فوقع بقلب عبد الملك تهمة، فسأله عن أمره؟ فقال: يا أمير المؤمنين، رملة بنت الزبير رأيتها تطوف بالبيت فأذهلت عقلي، والله ما أبديت إليك ما بي حتى عيل صبري، ولقد عرضت النوم على عيني فلم تقبله، والسلو على
قلبي فامتنع؛ فأطال عبد الملك التعجب من ذلك وقال: ما كنت أقول إن الهوى يستأسر مثلك! فقال: إني اشد تعجباً من تعجبك مني، ولقد كنت أقول: إن الهوى لا يتمكن إلا من صنفين من الناس: الشعراء والأعراب؛ فأما الشعراء فإنهم ألزموا قلوبهم الفكر في النساء والغزل، فمال طبعهم إلى النساء فضعفت قلوبهم عن دفع الهوى، فاستسلموا إليه منقادين وأما الأعراب فإن أحدهم يخلو بامرأته، فلا يكون الغالب عليه غير حبه لها، ولا يشغله شيء عنها، فضعفوا عن دفع الهوى فتمكن منهم. وجملة أمري، فما رأيت نظرةً حالت بيني وبين الحرم، وحسنت عندي ركوب الإثم مثل نظري في هذه؛ فتبسم عبد الملك وقال: أو كل هذا قد بلغ بك؟ فقال: والله ما عرفتني هذه البلية قبل وقتي هذا. فوجه عبد الملك إلى آل الزبير يخطب رملة على خالد، فذكروا لها ذلك فقالت: لا والله أو يطلق نساءه، فطلق امرأتين كانتا عنده، إحداهما من قريش، والأخرى من الأزد، وكانتا كريمتين عنده. وظعن بها إلى الشام وفيها يقول:
أليس يزيد السوق في كل ليلة ... وفي كل يوم من حبيبتنا قربا
خليلي ما من ساعة تذكرانها ... من الدهر إلا فرجت عني الكربا
أحب بني العوام طراً لحبها ... ومن أجلها أحببت أخوالها كلبا
تجول خلاخيل النساء ولا أرى ... لرملة خلخالاً يجول ولا قلبا
وقال فيها:
نظرت إليها فاستحلت بها دمي ... وكان دمي غال فأرخصه الحب
وغاليت في حبي لها فرأت دمي ... حلالاً فمن هاذاك داخلها العجب
وقيل: إن خالداً تزوج رملة وهو بالشام وهي بالمدينة، وكتب إليها فوافته بمكة، فأرادها أن يدخل بها قبل أن تحل فأبت عليه، فألح عليها، فرحلت في جوف الليل متوجهةً إلى المدينة، فبلغ ذلك خالداً فطلبها ومعه عبيد الراعي النميري، فأدركها في المنصف بعد يوم وليلة، فحلف لها أن لا يقربها حتى تحل، وقال في ذلك:
أحن إلى بيت الزبير وقد علت ... بي العيس خرقاً من تهامة أو نقبا
إذا نزلت ماءً تحبب أهله ... إلينا وإن كانت مسابقةً حربا
وإن نزلت ماءً وكان قليبها ... مليحاً وجدنا شربه بارداً عذبا
فإن تسلمي أسلم وإن تتنصري ... تخط رجال بين أعينهم صلبا
قيل: إن عبد الملك ذكر له هذا البيت فقال خالد: على قائله لعنة الله يا أمير المؤمنين. يعني:
فإن تسلمي أسلم وإن تتنصري
ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، القرشية الأسدية تزوجها خالد بن يزيد بن معاوية، ونقلها إلى دمشق، وله فيها أشعار. وكانت جزلةً عاقلةً.
وعن جويرية بن أسماء قال: نشزت سكينة على زوجها عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام، وأمه رملة بنت الزبير بن العوام، فدخلت رملة بنت الزبير وهي عند خالد بن يزيد بن معاوية على عبد الملك فقالت: يا أمير المؤمنين، لولا أن تذر أمورنا ما كانت لنا رغبة فيمن لا يرغب فينا، سكينة نشزت على ابني، فقال: يا رملة، إنها سكينة، قالت: وإن كانت سكينة، فوالله لقد ولدنا خيرهم وأنكحنا خيرهم، فقال: يا رملة غرني منك عروة، قالت: ما غرك، ولكن نصح لك، إنك قتلت مصعباً أخي، فلم يأمني عليك.
وعن عمر بن عبد العزيز قال: حج خالد بن يزيد بن معاوية سنة قتل الحجاج عبد الله بن الزبير، فخطب رملة بنت الزبير، فبلغ ذلك الحجاج، فأرسل إليه حاجبه وقال له: قل لخالد: ما كنت أراك تخطب إلى آل الزبير حتى تشاورني، ولا كنت أراك تخطب إليهم وليسوا لك بأكفاء، وقد قارعوا أباك على الخلافة ورموه بكل قبيح. فأبلغه الرسالة، فنظر إليه خالد طويلاً ثم قال: لو كانت الرسل تعاقب لقطعتك آراباً ثم طرحتك على باب صاحبك! قل له: ما كنت أظن أن الأمور بلغت بك أن أشاورك في مناكحة قريش؛ وأما قولك: أن ليسوا بأكفاء، فقاتلك الله يا حجاج، يكون العوام كفؤاً لعبد المطلب بزوجه صفية، ويتزوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خديجة بنت خويلد ولا تراهم أكفاء لآل أبي سفيان! وأما قولك: قارعوا أباك على الخلافة ورموه بكل قبيح، فهي قريش يقارع بعضها بعضاً، حتى إذا أقر الله الحق مقره، عادت إلى أحلامها وفضلها. فرجع إليه، فأعلمه ذلك. وتزوج خالد رملة بنت الزبير أخت مصعب لأمه. أمهما الرباب الكلبية.
وفي رملة يقول خالد:
تخيرتها من سر نبع كريمةً ... موسطةً فيهم زبيريةً قلبا
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: حج عبد الملك بن مروان، وحج معه خالد بن يزيد، وكان من رجالات قريش المعدودين وعلمائهم، وكان عظيم القدر عند عبد الملك، فبينا هو يطوف بالبيت إذ بصر برملة بنت الزبير بن العوام فعشقها عشقاً حديداً، ووقعت بقلبه وقوعاً متمكناً، فلما أراد عبد الملك القفول هم خالد بالتخلف عنه، فوقع بقلب عبد الملك تهمة، فسأله عن أمره؟ فقال: يا أمير المؤمنين، رملة بنت الزبير رأيتها تطوف بالبيت فأذهلت عقلي، والله ما أبديت إليك ما بي حتى عيل صبري، ولقد عرضت النوم على عيني فلم تقبله، والسلو على
قلبي فامتنع؛ فأطال عبد الملك التعجب من ذلك وقال: ما كنت أقول إن الهوى يستأسر مثلك! فقال: إني اشد تعجباً من تعجبك مني، ولقد كنت أقول: إن الهوى لا يتمكن إلا من صنفين من الناس: الشعراء والأعراب؛ فأما الشعراء فإنهم ألزموا قلوبهم الفكر في النساء والغزل، فمال طبعهم إلى النساء فضعفت قلوبهم عن دفع الهوى، فاستسلموا إليه منقادين وأما الأعراب فإن أحدهم يخلو بامرأته، فلا يكون الغالب عليه غير حبه لها، ولا يشغله شيء عنها، فضعفوا عن دفع الهوى فتمكن منهم. وجملة أمري، فما رأيت نظرةً حالت بيني وبين الحرم، وحسنت عندي ركوب الإثم مثل نظري في هذه؛ فتبسم عبد الملك وقال: أو كل هذا قد بلغ بك؟ فقال: والله ما عرفتني هذه البلية قبل وقتي هذا. فوجه عبد الملك إلى آل الزبير يخطب رملة على خالد، فذكروا لها ذلك فقالت: لا والله أو يطلق نساءه، فطلق امرأتين كانتا عنده، إحداهما من قريش، والأخرى من الأزد، وكانتا كريمتين عنده. وظعن بها إلى الشام وفيها يقول:
أليس يزيد السوق في كل ليلة ... وفي كل يوم من حبيبتنا قربا
خليلي ما من ساعة تذكرانها ... من الدهر إلا فرجت عني الكربا
أحب بني العوام طراً لحبها ... ومن أجلها أحببت أخوالها كلبا
تجول خلاخيل النساء ولا أرى ... لرملة خلخالاً يجول ولا قلبا
وقال فيها:
نظرت إليها فاستحلت بها دمي ... وكان دمي غال فأرخصه الحب
وغاليت في حبي لها فرأت دمي ... حلالاً فمن هاذاك داخلها العجب
وقيل: إن خالداً تزوج رملة وهو بالشام وهي بالمدينة، وكتب إليها فوافته بمكة، فأرادها أن يدخل بها قبل أن تحل فأبت عليه، فألح عليها، فرحلت في جوف الليل متوجهةً إلى المدينة، فبلغ ذلك خالداً فطلبها ومعه عبيد الراعي النميري، فأدركها في المنصف بعد يوم وليلة، فحلف لها أن لا يقربها حتى تحل، وقال في ذلك:
أحن إلى بيت الزبير وقد علت ... بي العيس خرقاً من تهامة أو نقبا
إذا نزلت ماءً تحبب أهله ... إلينا وإن كانت مسابقةً حربا
وإن نزلت ماءً وكان قليبها ... مليحاً وجدنا شربه بارداً عذبا
فإن تسلمي أسلم وإن تتنصري ... تخط رجال بين أعينهم صلبا
قيل: إن عبد الملك ذكر له هذا البيت فقال خالد: على قائله لعنة الله يا أمير المؤمنين. يعني:
فإن تسلمي أسلم وإن تتنصري