رزاح النهدي شاعر
قال عبد الرحمن المدائني وغيره: كان الحارث بن مارية الغساني الجفني مكرماً لزهير بن جناب الكلبي، ينادمه ويخدمه، فقدم على الملك رجلان من بني نهد بن زيد يقال لهما: حزن وسهل ابنا رزاح، وكان عندهما حديث من أحاديث العرب، فاجتباهما الملك ونزلا منه المكان الأثير؛ فحسدهما زهير بن جناب وقال: أيها الملك، هما عين لذي القرنين عليك يعني المنذر الأكبر جد النعمان بن المنذر بن المنذر، وهما يكتبان إليه بعورتك وخلل ما يريان منك. قال: كلا. فلم يزل به زهير حتى أوغر صدره، وكان إذا ركب بعث إليهما ببعيرين يركبان معه، فبعث إليهما بناقة واحدة، فعرفا الشر، فلم يركب أحدهما وتوقف، فقال الآخر:
فإلا تجللها يعالوك فوقها ... وكيف توقى ظهر ما أنت راكبه
فركبها مع أخيه ومضى بهما فقتللا. ثم بحث عن أمرهما بعد ذلك، فوجده باطلاً، فشتم زهيراً وطرده، فانصرف إلى بلاد قومه، وقدم رزاح أبو الغلامين إلى الملك، وكان شيخاً مجرباً عالماً، فأكرمه الملك وأعطاه دية ابنه. وبلغ زهيراً مكانه، فدعا ابناً له يقال له عامر، وكان من فتيان العرب لساناً وبياناً، فقال له: إن رزاحاً قد قدم على الملك، فالحق به واحتل في أن تكفينيه، وقال له: اتهمني عند الملك ونل مني. وأثر به آثاراً. فخرج الغلام حتى قدم الشام، فتلطف الدخول على الملك حتى وصل إليه، فأعجبه ما رأى منه، فقال له: من أنت؟ قال: أنا عامر بن زهير بن جناب، قال: فلا حياك الله ولا حيا أباك الغادر الكذوب الساعي! فقال الغلام: إلا حياه الله، أنظر أيها الملك ما صنع بظهري وأراه آثار الضرب فقبل ذلك منه وأدخله في ندمائه؛ فبينا هو يوماً يحدثه إذ
قال: أيها الملك، ما زال أبي مسيئاً إلي، ولست أدع أن أقول الحق، وقد والله نصحك أبي، ثم أنشأ يقول:
فيا لك نصحة لما نذقها ... أراها نصحةً ذهبت ضلالا
ثم تركه أياماً وقال له: أيها الملك، ما تقول في حية قطعت ذنبها وبقي رأسها؟ قال: يطلب فأطفه، قال: فانظر بين يديك، قال: ذاك أبوك وصنيعه بالرجلين ما صنع، قال: أبيت اللعن! فوالله ما قدم رزاح إلا ليثأر بهما، فقال: وما آية ذلك؟ قال: اسقه الخمر ثم ابعث عليه عيناً يأتك بخبره، فلما انتشى صرفه إلى قبته ومعه بنت له، وبعث عليه عيوناً، فلما دخل قبته قامت ابنته تسانده فقال:
دعيني من سنادك إن حزنا ... وسهلاً ليس بعدهما رقود
ألا تسلين عن شبليك ماذا ... أضارهما إذا اهترش الأسود
فإني لو ثأرت المرء حزناً ... وسهلاً قد بدا لك ما أريد
فرجع القوم إلى الملك واخبروه ما سمعوا، فأمر بقتل النهدي ورد زهيراً إلى موضعه.
قال عبد الرحمن المدائني وغيره: كان الحارث بن مارية الغساني الجفني مكرماً لزهير بن جناب الكلبي، ينادمه ويخدمه، فقدم على الملك رجلان من بني نهد بن زيد يقال لهما: حزن وسهل ابنا رزاح، وكان عندهما حديث من أحاديث العرب، فاجتباهما الملك ونزلا منه المكان الأثير؛ فحسدهما زهير بن جناب وقال: أيها الملك، هما عين لذي القرنين عليك يعني المنذر الأكبر جد النعمان بن المنذر بن المنذر، وهما يكتبان إليه بعورتك وخلل ما يريان منك. قال: كلا. فلم يزل به زهير حتى أوغر صدره، وكان إذا ركب بعث إليهما ببعيرين يركبان معه، فبعث إليهما بناقة واحدة، فعرفا الشر، فلم يركب أحدهما وتوقف، فقال الآخر:
فإلا تجللها يعالوك فوقها ... وكيف توقى ظهر ما أنت راكبه
فركبها مع أخيه ومضى بهما فقتللا. ثم بحث عن أمرهما بعد ذلك، فوجده باطلاً، فشتم زهيراً وطرده، فانصرف إلى بلاد قومه، وقدم رزاح أبو الغلامين إلى الملك، وكان شيخاً مجرباً عالماً، فأكرمه الملك وأعطاه دية ابنه. وبلغ زهيراً مكانه، فدعا ابناً له يقال له عامر، وكان من فتيان العرب لساناً وبياناً، فقال له: إن رزاحاً قد قدم على الملك، فالحق به واحتل في أن تكفينيه، وقال له: اتهمني عند الملك ونل مني. وأثر به آثاراً. فخرج الغلام حتى قدم الشام، فتلطف الدخول على الملك حتى وصل إليه، فأعجبه ما رأى منه، فقال له: من أنت؟ قال: أنا عامر بن زهير بن جناب، قال: فلا حياك الله ولا حيا أباك الغادر الكذوب الساعي! فقال الغلام: إلا حياه الله، أنظر أيها الملك ما صنع بظهري وأراه آثار الضرب فقبل ذلك منه وأدخله في ندمائه؛ فبينا هو يوماً يحدثه إذ
قال: أيها الملك، ما زال أبي مسيئاً إلي، ولست أدع أن أقول الحق، وقد والله نصحك أبي، ثم أنشأ يقول:
فيا لك نصحة لما نذقها ... أراها نصحةً ذهبت ضلالا
ثم تركه أياماً وقال له: أيها الملك، ما تقول في حية قطعت ذنبها وبقي رأسها؟ قال: يطلب فأطفه، قال: فانظر بين يديك، قال: ذاك أبوك وصنيعه بالرجلين ما صنع، قال: أبيت اللعن! فوالله ما قدم رزاح إلا ليثأر بهما، فقال: وما آية ذلك؟ قال: اسقه الخمر ثم ابعث عليه عيناً يأتك بخبره، فلما انتشى صرفه إلى قبته ومعه بنت له، وبعث عليه عيوناً، فلما دخل قبته قامت ابنته تسانده فقال:
دعيني من سنادك إن حزنا ... وسهلاً ليس بعدهما رقود
ألا تسلين عن شبليك ماذا ... أضارهما إذا اهترش الأسود
فإني لو ثأرت المرء حزناً ... وسهلاً قد بدا لك ما أريد
فرجع القوم إلى الملك واخبروه ما سمعوا، فأمر بقتل النهدي ورد زهيراً إلى موضعه.