ربيعة ولقبه مسكين بن أنيف
ابن شريح بن عمرو بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم الدارمي وفي نسبه خلاف.
شاعر شجاع من أهل العراق، وفد على معاوية وعلى ابنه يزيد، وحضر لبيد بن عطارد حين لطمه غلام عمرو بن الزبير. ولقب بمسكين لقوله:
أنا مسكين لمن أنكرني ... ولمن يعرفني جد نطق
لا أبيع الناس عرضي إنني ... لو أبيع الناس عرضي لنفق
قال أيوب بن أبي أيوب السعيدي: قدم مسكين الدارمي على معاوية، فسأله أن يفرض له، فأبى عليه وكان لا يفرض إلا لليمن فخرج مسكين وهو يقول:
أخاك أخاك إن من لا أخا له ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح
وإن ابن عم المرء فاعلم جناحه ... وهل ينهض البازي بغير جناح
وما طالب الحاجات إلا مغرر ... وما نال شيئاً طالب كنجاح
ولم يزل معاوية كذلك حتى عزت اليمن وكثرت، وضعفت عدنان، فبلغ معاوية أن رجلاً من اليمن قال يوماً: لهممت أن لا أحل حبوتي حتى أخرج كل نزاري
بالشام. ففرض معاوية من وقته لأربعة آلاف رجل من قيس سوى خندف، فقدم على تفيئة ذلك عطارد بن حاجب على معاوية فقال له: ما فعل الفتى الدارمي، الصبيح الوجه الفصيح اللسان؟ يعني مسكيناً فقال: صالح يا أمير المؤمنين، قال: أعلمه أني فرضت له، فله شرف العطاء وهو في بلاده، فإن شاء أن يقيم بها أو عندنا فليفعل، فإن عطاءه سيأتيه، وبشره بأن قد فرضت لأربعة آلاف من قومه من خندف. وكان معاوية بعد ذلك يغزي اليمن في البحر، ويغزي تميماً في البر، فقال شاعر اليمن ويقال إن النجاشي قالها:
ألا أيها القوم الذين تجمعوا ... بعكا، أناس أنتم أم أباعر
أنترك قيساً آمنين بدارهم ... ونركب ظهر البحر والبحر زاخر
فوالله ما أدري وإني لسائل ... أهمدان تحمي ضيمنا أم يحابر
أم الشرف الأعلى من أولاد حمير ... بنو مالك أن تستمر المرائر
أأوصى أبوهم بينهم أن تواصلوا ... وأوصى أبوكم بينكم أن تدابروا؟!
فرجع القوم جميعاً عن وجوههم، وبلغ معاوية ما كلن، فدعا بهم فسكن منهم فقال: أنا أغزيكم في البحر لأنه أرفق من الجبل، وأقل مؤونة، وأنا أعاقب بينكم في البر والبحر. ففعل ذلك.
حدث منيع بن العلاء السعدي، أن مسكين كان فيمن قاتل المختار فلما هزم الناس لحق بأذربيجان محمد بن عمير بن عطارد، وقال من أبيات يعني عمر بن سعد بن أبي وقاص:
لهف نفسي على شهاب قريش ... حين يؤتى برأسه المختار
قال ابن الكلبي: لما نزل بعبد الله بن شداد الموت دعا ابناً له فأوصاه؛ فكان فيما أوصاه أن قال: يا بني عليك بصحبة الأخيار، وصدق الحديث، وإياك وصحبة الأشرار، فإنها شنار وعار؛ وكن كما قال مسكين الدارمي:
اصحب الأخيار وارغب فيهم ... رب من صحبته مثل الجرب
واصدق الناس إذا حدثتهم ... ودع الكذب فمن شاء كذب
رب مهزول سمين عرضه ... وسمين الجسم مهزول الحسب
قال وهب بن منبه، الأحمق إذا تكلم فضحه حمقه. وذكر حكاية، وأنشد لمسكين الدارمي في ذلك:
اتق الأحمق أن تصحبه ... إنما الأحمق كالثوب الخلق
كلما رقعت منه جانباً ... حركته الريح وهناً فانخرق
أو كصدع في زجاج فاحش ... هل ترى صدع زجاج يتفق
وإذا جالسته في مجلس ... أفسد المجلس منه بالخرق
وإذا نهنهته كي يرعوي ... زاد جهلاً وتمادى في الحمق
قال أحمد بن مروان المالكي: ولمسكين الدارمي:
وإذا الفاحش لاقى فاحشاً ... فهنا كم وافق الشن الطبقا
إنما الفحش ومن يعنى به ... كغراب الشر ما شاء نعق
أو حمار السوء إن أشبعته ... رمح الناس وإن جاع نهق
أو غلام السوء إن جوعته ... سرق الجار وإن يشبع فسق
أو كغيري رفعت من ذيلها ... ثم أرخته ضراراً فانمزق
أيها السائل عما قد مضى ... هل جديد مثل ملبوس خلق؟
ومن شعر مسكين الدارمي:
ولست إذا ما سرني الدهر ضاحكاً ... ولا خاشعاً ما عشت من حادث الدهر
ولا جاعلاً عرضي لمالي وقايةً ... ولكن أفي عرضي فيحرزه وفري
أعف لدى عسري وأبدي تجملاً ... ولا خير فيمن لا يعف لدى العسر
فإني لأستحيي إذا كنت معسراً ... صديقي وإخواني بأن يعلموا فقري
وأقطع إخواني وما حال عهدهم ... حياءً وإعراضاً وما بي من كبر
فإن يك عاراً ما أتيت فربما ... أتى المرء يوم السوء من حيث لا يدري
ومن يفتقر يعلم مكان صديقه ... ومن يحي لا يعدم بلاءً من الدهر
فإن يك ألجاني الزمان إليكم ... فبئس المؤاتي في الصنيعة والذخر
لما مات زياد بالكوفة سنة ثلاث وخمسين، رثاه المسكين الدارمي فقال:
رأيت زيادة الإسلام ولت ... جهاراً حين ودعنا زياد
وقال:
صلى الإله على قبر وساكنه ... دون الثوية يجري فوقه المور
أبا المغبرة والدنيا مغيرة ... إن امرأ غرت الدنيا لمغرور
فقال الفرزدق لمسكين:
أمسكين أبكى الله عينيك إنما ... جرى في ضلال دمعها إذ تحدرا
بكيت امرأً من أهل ميسان كافراً ... ككسرى على عدانه أو كقيصرا
أقول لهم لما أتاني نعيه ... به لا بظبي بالصريمة أعفرا
فقال له مسكين:
ألا أيها المرء الذي لست قائماً ... ولا قاعداً في القوم إلا انبرى ليا
فجئني بعم مثل عمي أو أب ... كمثل أبي أو خال صدق كخاليا
ومن شعر مسكين الدارمي:
ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي تنزل القدر
فقالت امرأته: صدقت، لأن القدر له، وأنت لا قدر لك.
وروي هذا البيت لحاتم الطائي، أنشده أبو جعفر العدوي:
ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي تنزل القدر
ما ضر جاراً لي أجاوره ... أن لا يكون لبابه ستر
أغضي إذا ما جارتي برزت ... حتى يواري جارتي الخدر
ابن شريح بن عمرو بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم الدارمي وفي نسبه خلاف.
شاعر شجاع من أهل العراق، وفد على معاوية وعلى ابنه يزيد، وحضر لبيد بن عطارد حين لطمه غلام عمرو بن الزبير. ولقب بمسكين لقوله:
أنا مسكين لمن أنكرني ... ولمن يعرفني جد نطق
لا أبيع الناس عرضي إنني ... لو أبيع الناس عرضي لنفق
قال أيوب بن أبي أيوب السعيدي: قدم مسكين الدارمي على معاوية، فسأله أن يفرض له، فأبى عليه وكان لا يفرض إلا لليمن فخرج مسكين وهو يقول:
أخاك أخاك إن من لا أخا له ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح
وإن ابن عم المرء فاعلم جناحه ... وهل ينهض البازي بغير جناح
وما طالب الحاجات إلا مغرر ... وما نال شيئاً طالب كنجاح
ولم يزل معاوية كذلك حتى عزت اليمن وكثرت، وضعفت عدنان، فبلغ معاوية أن رجلاً من اليمن قال يوماً: لهممت أن لا أحل حبوتي حتى أخرج كل نزاري
بالشام. ففرض معاوية من وقته لأربعة آلاف رجل من قيس سوى خندف، فقدم على تفيئة ذلك عطارد بن حاجب على معاوية فقال له: ما فعل الفتى الدارمي، الصبيح الوجه الفصيح اللسان؟ يعني مسكيناً فقال: صالح يا أمير المؤمنين، قال: أعلمه أني فرضت له، فله شرف العطاء وهو في بلاده، فإن شاء أن يقيم بها أو عندنا فليفعل، فإن عطاءه سيأتيه، وبشره بأن قد فرضت لأربعة آلاف من قومه من خندف. وكان معاوية بعد ذلك يغزي اليمن في البحر، ويغزي تميماً في البر، فقال شاعر اليمن ويقال إن النجاشي قالها:
ألا أيها القوم الذين تجمعوا ... بعكا، أناس أنتم أم أباعر
أنترك قيساً آمنين بدارهم ... ونركب ظهر البحر والبحر زاخر
فوالله ما أدري وإني لسائل ... أهمدان تحمي ضيمنا أم يحابر
أم الشرف الأعلى من أولاد حمير ... بنو مالك أن تستمر المرائر
أأوصى أبوهم بينهم أن تواصلوا ... وأوصى أبوكم بينكم أن تدابروا؟!
فرجع القوم جميعاً عن وجوههم، وبلغ معاوية ما كلن، فدعا بهم فسكن منهم فقال: أنا أغزيكم في البحر لأنه أرفق من الجبل، وأقل مؤونة، وأنا أعاقب بينكم في البر والبحر. ففعل ذلك.
حدث منيع بن العلاء السعدي، أن مسكين كان فيمن قاتل المختار فلما هزم الناس لحق بأذربيجان محمد بن عمير بن عطارد، وقال من أبيات يعني عمر بن سعد بن أبي وقاص:
لهف نفسي على شهاب قريش ... حين يؤتى برأسه المختار
قال ابن الكلبي: لما نزل بعبد الله بن شداد الموت دعا ابناً له فأوصاه؛ فكان فيما أوصاه أن قال: يا بني عليك بصحبة الأخيار، وصدق الحديث، وإياك وصحبة الأشرار، فإنها شنار وعار؛ وكن كما قال مسكين الدارمي:
اصحب الأخيار وارغب فيهم ... رب من صحبته مثل الجرب
واصدق الناس إذا حدثتهم ... ودع الكذب فمن شاء كذب
رب مهزول سمين عرضه ... وسمين الجسم مهزول الحسب
قال وهب بن منبه، الأحمق إذا تكلم فضحه حمقه. وذكر حكاية، وأنشد لمسكين الدارمي في ذلك:
اتق الأحمق أن تصحبه ... إنما الأحمق كالثوب الخلق
كلما رقعت منه جانباً ... حركته الريح وهناً فانخرق
أو كصدع في زجاج فاحش ... هل ترى صدع زجاج يتفق
وإذا جالسته في مجلس ... أفسد المجلس منه بالخرق
وإذا نهنهته كي يرعوي ... زاد جهلاً وتمادى في الحمق
قال أحمد بن مروان المالكي: ولمسكين الدارمي:
وإذا الفاحش لاقى فاحشاً ... فهنا كم وافق الشن الطبقا
إنما الفحش ومن يعنى به ... كغراب الشر ما شاء نعق
أو حمار السوء إن أشبعته ... رمح الناس وإن جاع نهق
أو غلام السوء إن جوعته ... سرق الجار وإن يشبع فسق
أو كغيري رفعت من ذيلها ... ثم أرخته ضراراً فانمزق
أيها السائل عما قد مضى ... هل جديد مثل ملبوس خلق؟
ومن شعر مسكين الدارمي:
ولست إذا ما سرني الدهر ضاحكاً ... ولا خاشعاً ما عشت من حادث الدهر
ولا جاعلاً عرضي لمالي وقايةً ... ولكن أفي عرضي فيحرزه وفري
أعف لدى عسري وأبدي تجملاً ... ولا خير فيمن لا يعف لدى العسر
فإني لأستحيي إذا كنت معسراً ... صديقي وإخواني بأن يعلموا فقري
وأقطع إخواني وما حال عهدهم ... حياءً وإعراضاً وما بي من كبر
فإن يك عاراً ما أتيت فربما ... أتى المرء يوم السوء من حيث لا يدري
ومن يفتقر يعلم مكان صديقه ... ومن يحي لا يعدم بلاءً من الدهر
فإن يك ألجاني الزمان إليكم ... فبئس المؤاتي في الصنيعة والذخر
لما مات زياد بالكوفة سنة ثلاث وخمسين، رثاه المسكين الدارمي فقال:
رأيت زيادة الإسلام ولت ... جهاراً حين ودعنا زياد
وقال:
صلى الإله على قبر وساكنه ... دون الثوية يجري فوقه المور
أبا المغبرة والدنيا مغيرة ... إن امرأ غرت الدنيا لمغرور
فقال الفرزدق لمسكين:
أمسكين أبكى الله عينيك إنما ... جرى في ضلال دمعها إذ تحدرا
بكيت امرأً من أهل ميسان كافراً ... ككسرى على عدانه أو كقيصرا
أقول لهم لما أتاني نعيه ... به لا بظبي بالصريمة أعفرا
فقال له مسكين:
ألا أيها المرء الذي لست قائماً ... ولا قاعداً في القوم إلا انبرى ليا
فجئني بعم مثل عمي أو أب ... كمثل أبي أو خال صدق كخاليا
ومن شعر مسكين الدارمي:
ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي تنزل القدر
فقالت امرأته: صدقت، لأن القدر له، وأنت لا قدر لك.
وروي هذا البيت لحاتم الطائي، أنشده أبو جعفر العدوي:
ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي تنزل القدر
ما ضر جاراً لي أجاوره ... أن لا يكون لبابه ستر
أغضي إذا ما جارتي برزت ... حتى يواري جارتي الخدر