خمار بن أحمد بن طولون
المعروف بخمارويه أبو الجيش الأمير بن الأمير، ولي إمرة دمشق ومصر والثغور بعد أبيه أحمد بن طولون. وكان جواداً ممدحاً.
روي عن أحمد بن خاقان أن المستعين بالله وهب أحمد بن طولون جاريةً اسمها مياس، فولدت منه بسامره أبا الجيش خمارويه بن أحمد في المحرم سنة خمسين ومئتين. مدة ولايته على مصر اثنتا عشرة سنة وثمانية عشر يوماً.
قال أحمد بن يوسف: اجتمع الحسن بن مهاجر وأحمد بن محمد الواسطي الغد من يوم مات أحمد بن طولون على أخذ البيعة لآبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، فبدؤوا بالعباس بن أحمد بن طولون قبل سائر الناس، لأنه أخوه وأكبر منه سناً؛ فوجهوا إليه عدة من خواص خدم أبيه، يستحضرونه لرأي رأوه. فلما وافى العباس قامت الجماعة إليه وصدروه، وأبو الجيش قاعد في صدر مجلس أبيه؛ فعزاه الواسطي وبكى وبكى الجماعة، ثم أحضر المصحف وقال الواسطي للعباس: تبايع أخاك، فقال العباس: أبو الجيش، فديته ابني، وليس يسومني هذا، ومن المحال أن يكون أحد أشفق عليه مني؛ فقال الواسطي: ما أصلحتك هذه المحبة، أبو الجيش أميرك وسيدك، ومن استحق بحسن طاعته لك التقديم عليك. فلم يبايع العباس، فقام طبارجي وسعد الأيسر، فأخذا سيفه ومنطقته وعدلا به إلى حجرة من
الميدان، فلم يخرج منها إلا ميتاً. وبايع الناس كلهم لأبي الجيش، وأعطاهم البيعة، وأخرج مالاً عظيماً ففرقه على الأولياء وسائر الناس.
وصحت البيعة لأبي الجيش يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ذي القعدة سنة سبعين ومئتين.
قال أبو علي الحسين بن أحمد المادرائي: كان أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون يتنزه في مرج عذراء بدمشق، وكان أبو زنبور عامل أبي الجيش. قال: فغنى له المعزفاني في الليل صوتاً أبدل فيه كلمةً؛ والصوت:
قد قلت لما هاج قلبي الذكرى ... وأعرضت وسط السماء الشعرى
كأنها ياقوتة في مذرى ... ما أطيب العيش بسر من را
فجعله المعزفاني: ما أطيب الليل بمرج عذرا فأمر له أبو الجيش بمئة ألف دينار؛ قال أبو زنبور: فقلت: أيها الأمير، تعطي مغنياً في بدل كلمة ألف دينار وتضايق المعتضد!؟ قال: فقال لي: فكيف أعمل وقد أمرت وليس أرجع؟ فقلت له: تجعلها مئة ألف درهم، وما بقي له تقسطها في سنين يعني المائة ألف دينار حتى تصير إليه.
قال أبو محمد: حدثني أبي قال: كنت مع أبي الجيش وهو في الصيد على نهر ثورا بدمشق، فانحدر من الجبل أعرابي
عليه كساء، فجاء حتى أخذ بشكيمة لجامه وهو منفرد، على يده بازي، فنفر البازي، فصاح عليه الغلمان، فقال: دعوه؛ فقال له: أيها الملك قف واسمع، فقال: قل، فقال:
إن السنان وحد السيف لو نطقا ... لحدثا عنك بين الناس بالعجب
أفنيت مالك تعطيه وتنهبه ... يا آفة الفضة البيضاء والذهب
فالتفت أبو الجيش إلى الخادم الذي معه الخريطة فقال: فرغها؛ قال: وكان رسم الخريطة خمس مئة دينار، ففرغها في كسائه؛ فقال له: أيها الملك، زدني، قال: فالتفت إلى الغلمان فقال لهم: اطرحوا سيوفكم ومناطقكم عليه، قال: فطرحوا، قال فقال له: أيها الملك، أثقلتني! فقال: أعطوه بغلاُ يحمله عليه، قال: فلما انصرف أمرني أن أعطي كل من طرح سيفه ومنطقته عليه سيفاً ومنطقة ذهب. قال: فصنعناها لهم ودفعناها إليهم.
قال محمد بن يوسف الطولوني: أراني فرهيوه كاتب ابن مهاجر ثبت ما حمل إلى الحضرة للمعتمد، وفرق في جماعة لأربع سنين أولهن سنة اثنتين وستين ومئتين وآخرهن سنة ست وستين ومئتين مما نفدت به سفاتج، ولم يظهر تفريقه، فكان في جملته ألفا ألف دينار ومئتا ألف دينار، يعني من جهة أحمد بن طولون. قال: فقلت له: أيما كان أوسع نفقةً أحمد أو أبو الجيش؟ قال: كان أبو الجيش أوسع صدراً، وأكثر نفقةً، وأحمد كان يجد في نفقته، وأبو الجيش يهزل فيها.
قال إبراهيم بن محمد بن صالح الدمشقي: كان أبو الجيش كثير اللواط بالخدم، معجبا به، مجترئاً في ذلك؛ وبلغ من أمره في اللواط بهم أنه دخل مع خدم له الحمام، فأراد من واحد منهم الفاحشة، فامتنع الخادم واستحيا من الخدم الذين معه في الحمام، فأمر أبو الجيش أن يدخل في دبر الخادم يد كرنيب غليظ مدور ففعل ذلك به، فما زال الخادم يضطرب ويصيح في الحمام حتى مات. فبغضه
سائر الخدم وتبرموا به، واستقبحوا ما كان يفعله بهم، وأنفوا من ذلك؛ فاستفتوا العلماء في حد اللوطي؟ فقالوا: حده القتل. فتواطأ على قتله بعد الفتيا جماعة من خدمه فقتلوه ليلة الأحد، لليلتين بقيتا إلى عيد ذي الحجة، سنة اثنتين وثمانين ومئتين في قصره بدير المران خارج مدينة دمشق؛ وهربوا على طريق البرية على أن يوافوا بغداد. فخرج خلفهم طغج بن جف، فأخذهم وأدخلهم إلى دمشق مشهورين، وذهب بهم إلى طريق دير المران طريق القصر، فضرب أعناقهم وصلبهم بالقرب من قصر أبي الجيش.
وقيل في قتله: إنه كان اتهم خادماً من خواص خدمه بجارية له، فهدده أن يقتله؛ فاستغوى الخادم جماعةً من الخدم الخاصة وحضهم على قتله في ليلتهم. وشرب خمارويه ذلك اليوم شرباً كثيراً، فاحتملوه وأدخلوه بيت مرقده وذبحوه في الليل ذبحاً. فأصبح أهل الدار، فلم يروا حركته ولا رأوه يقوم في وقته؛ ففتشوا عن أمره، فأصابوه مذبوحاً؛ فجاؤوا بجيش ابنه، فوقفوه عليه، وقرر الخدم فأقروا بذلك، فضرب أعناقهم وصلبهم، ودعا الجند والموالي إلى بيعته، فبايعوه، وانصرف من دمشق إلى مصر.
وقال أحمد بن الخير: إن أبا الجيش حمل في تابوت من دمشق إلى مصر ودفن إلى جانب قبر أبيه أحمد بن طولون.
حدث عبد الوهاب بن الحسن عن أبيه قال: لحقنا غلاء في بعض السنين، قال: فخرجت إلى حمص أشتري لأهلي قوتاً، فأتيت حمص فنزلت بها، ودخلت جامعها، فإذا رجل مؤذن قد عرفني، وأضافني عنده في المئذنة، وكانت ليلة مقمرة، فلما كان وقت السحر الأول قام يؤذن، فانتبهت فقمت، فأشرفت من المئذنة، فإذا بكلب قد أقبل إلى كلب عند المئذنة، فقام إليه فقال له: من أين جئت؟ قال: من دمشق الساعة. قال له: وما رأيت فيها؟ قال: الساعة قتل أبو الجيش بن طولون، قال: ومن قتله؟ قال: بعض غلمانه؛ فقلت للمؤذن: ألا تسمع ما أسمع؟ قال نعم! فورخت ذلك اليوم ثم سرت إلى دمشق، فوجدت الخبر صحيحا وأنه قتل في تلك الساعة التي حدث بها الكلب.
وقيل: إن أبا الجيش دفن بحوران قريباً من قبر أبي عبيد البسري، وإنه رئي بعد ذلك في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي ورحمني، فقيل له: بماذا؟ قال: عادت علي بركة مجاورة قبر أبي عبيد البسري.
المعروف بخمارويه أبو الجيش الأمير بن الأمير، ولي إمرة دمشق ومصر والثغور بعد أبيه أحمد بن طولون. وكان جواداً ممدحاً.
روي عن أحمد بن خاقان أن المستعين بالله وهب أحمد بن طولون جاريةً اسمها مياس، فولدت منه بسامره أبا الجيش خمارويه بن أحمد في المحرم سنة خمسين ومئتين. مدة ولايته على مصر اثنتا عشرة سنة وثمانية عشر يوماً.
قال أحمد بن يوسف: اجتمع الحسن بن مهاجر وأحمد بن محمد الواسطي الغد من يوم مات أحمد بن طولون على أخذ البيعة لآبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، فبدؤوا بالعباس بن أحمد بن طولون قبل سائر الناس، لأنه أخوه وأكبر منه سناً؛ فوجهوا إليه عدة من خواص خدم أبيه، يستحضرونه لرأي رأوه. فلما وافى العباس قامت الجماعة إليه وصدروه، وأبو الجيش قاعد في صدر مجلس أبيه؛ فعزاه الواسطي وبكى وبكى الجماعة، ثم أحضر المصحف وقال الواسطي للعباس: تبايع أخاك، فقال العباس: أبو الجيش، فديته ابني، وليس يسومني هذا، ومن المحال أن يكون أحد أشفق عليه مني؛ فقال الواسطي: ما أصلحتك هذه المحبة، أبو الجيش أميرك وسيدك، ومن استحق بحسن طاعته لك التقديم عليك. فلم يبايع العباس، فقام طبارجي وسعد الأيسر، فأخذا سيفه ومنطقته وعدلا به إلى حجرة من
الميدان، فلم يخرج منها إلا ميتاً. وبايع الناس كلهم لأبي الجيش، وأعطاهم البيعة، وأخرج مالاً عظيماً ففرقه على الأولياء وسائر الناس.
وصحت البيعة لأبي الجيش يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ذي القعدة سنة سبعين ومئتين.
قال أبو علي الحسين بن أحمد المادرائي: كان أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون يتنزه في مرج عذراء بدمشق، وكان أبو زنبور عامل أبي الجيش. قال: فغنى له المعزفاني في الليل صوتاً أبدل فيه كلمةً؛ والصوت:
قد قلت لما هاج قلبي الذكرى ... وأعرضت وسط السماء الشعرى
كأنها ياقوتة في مذرى ... ما أطيب العيش بسر من را
فجعله المعزفاني: ما أطيب الليل بمرج عذرا فأمر له أبو الجيش بمئة ألف دينار؛ قال أبو زنبور: فقلت: أيها الأمير، تعطي مغنياً في بدل كلمة ألف دينار وتضايق المعتضد!؟ قال: فقال لي: فكيف أعمل وقد أمرت وليس أرجع؟ فقلت له: تجعلها مئة ألف درهم، وما بقي له تقسطها في سنين يعني المائة ألف دينار حتى تصير إليه.
قال أبو محمد: حدثني أبي قال: كنت مع أبي الجيش وهو في الصيد على نهر ثورا بدمشق، فانحدر من الجبل أعرابي
عليه كساء، فجاء حتى أخذ بشكيمة لجامه وهو منفرد، على يده بازي، فنفر البازي، فصاح عليه الغلمان، فقال: دعوه؛ فقال له: أيها الملك قف واسمع، فقال: قل، فقال:
إن السنان وحد السيف لو نطقا ... لحدثا عنك بين الناس بالعجب
أفنيت مالك تعطيه وتنهبه ... يا آفة الفضة البيضاء والذهب
فالتفت أبو الجيش إلى الخادم الذي معه الخريطة فقال: فرغها؛ قال: وكان رسم الخريطة خمس مئة دينار، ففرغها في كسائه؛ فقال له: أيها الملك، زدني، قال: فالتفت إلى الغلمان فقال لهم: اطرحوا سيوفكم ومناطقكم عليه، قال: فطرحوا، قال فقال له: أيها الملك، أثقلتني! فقال: أعطوه بغلاُ يحمله عليه، قال: فلما انصرف أمرني أن أعطي كل من طرح سيفه ومنطقته عليه سيفاً ومنطقة ذهب. قال: فصنعناها لهم ودفعناها إليهم.
قال محمد بن يوسف الطولوني: أراني فرهيوه كاتب ابن مهاجر ثبت ما حمل إلى الحضرة للمعتمد، وفرق في جماعة لأربع سنين أولهن سنة اثنتين وستين ومئتين وآخرهن سنة ست وستين ومئتين مما نفدت به سفاتج، ولم يظهر تفريقه، فكان في جملته ألفا ألف دينار ومئتا ألف دينار، يعني من جهة أحمد بن طولون. قال: فقلت له: أيما كان أوسع نفقةً أحمد أو أبو الجيش؟ قال: كان أبو الجيش أوسع صدراً، وأكثر نفقةً، وأحمد كان يجد في نفقته، وأبو الجيش يهزل فيها.
قال إبراهيم بن محمد بن صالح الدمشقي: كان أبو الجيش كثير اللواط بالخدم، معجبا به، مجترئاً في ذلك؛ وبلغ من أمره في اللواط بهم أنه دخل مع خدم له الحمام، فأراد من واحد منهم الفاحشة، فامتنع الخادم واستحيا من الخدم الذين معه في الحمام، فأمر أبو الجيش أن يدخل في دبر الخادم يد كرنيب غليظ مدور ففعل ذلك به، فما زال الخادم يضطرب ويصيح في الحمام حتى مات. فبغضه
سائر الخدم وتبرموا به، واستقبحوا ما كان يفعله بهم، وأنفوا من ذلك؛ فاستفتوا العلماء في حد اللوطي؟ فقالوا: حده القتل. فتواطأ على قتله بعد الفتيا جماعة من خدمه فقتلوه ليلة الأحد، لليلتين بقيتا إلى عيد ذي الحجة، سنة اثنتين وثمانين ومئتين في قصره بدير المران خارج مدينة دمشق؛ وهربوا على طريق البرية على أن يوافوا بغداد. فخرج خلفهم طغج بن جف، فأخذهم وأدخلهم إلى دمشق مشهورين، وذهب بهم إلى طريق دير المران طريق القصر، فضرب أعناقهم وصلبهم بالقرب من قصر أبي الجيش.
وقيل في قتله: إنه كان اتهم خادماً من خواص خدمه بجارية له، فهدده أن يقتله؛ فاستغوى الخادم جماعةً من الخدم الخاصة وحضهم على قتله في ليلتهم. وشرب خمارويه ذلك اليوم شرباً كثيراً، فاحتملوه وأدخلوه بيت مرقده وذبحوه في الليل ذبحاً. فأصبح أهل الدار، فلم يروا حركته ولا رأوه يقوم في وقته؛ ففتشوا عن أمره، فأصابوه مذبوحاً؛ فجاؤوا بجيش ابنه، فوقفوه عليه، وقرر الخدم فأقروا بذلك، فضرب أعناقهم وصلبهم، ودعا الجند والموالي إلى بيعته، فبايعوه، وانصرف من دمشق إلى مصر.
وقال أحمد بن الخير: إن أبا الجيش حمل في تابوت من دمشق إلى مصر ودفن إلى جانب قبر أبيه أحمد بن طولون.
حدث عبد الوهاب بن الحسن عن أبيه قال: لحقنا غلاء في بعض السنين، قال: فخرجت إلى حمص أشتري لأهلي قوتاً، فأتيت حمص فنزلت بها، ودخلت جامعها، فإذا رجل مؤذن قد عرفني، وأضافني عنده في المئذنة، وكانت ليلة مقمرة، فلما كان وقت السحر الأول قام يؤذن، فانتبهت فقمت، فأشرفت من المئذنة، فإذا بكلب قد أقبل إلى كلب عند المئذنة، فقام إليه فقال له: من أين جئت؟ قال: من دمشق الساعة. قال له: وما رأيت فيها؟ قال: الساعة قتل أبو الجيش بن طولون، قال: ومن قتله؟ قال: بعض غلمانه؛ فقلت للمؤذن: ألا تسمع ما أسمع؟ قال نعم! فورخت ذلك اليوم ثم سرت إلى دمشق، فوجدت الخبر صحيحا وأنه قتل في تلك الساعة التي حدث بها الكلب.
وقيل: إن أبا الجيش دفن بحوران قريباً من قبر أبي عبيد البسري، وإنه رئي بعد ذلك في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي ورحمني، فقيل له: بماذا؟ قال: عادت علي بركة مجاورة قبر أبي عبيد البسري.