حرملة بن المنذر بن معد يكرب
ابن حنظلة بن النعمان بن حية بن سعنة ويقال ابن سعد بن الغوث بن الحارث، ويقال ابن الحويرث بن ربيعة بن مالك بن صقر بن هنيء بن عمرو بن الغوث بن الحارث بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن يشجب بن يعرب بن قحطان، أبو زبيد الطائي: شاعر مشهور مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام ولم يسلم وكان نصرانياً، وفد على الحارث بن أبي شمر الغساني، وكان ينزل بنواحي دمشق.
وكان أبو زبيد من زوار الملوك ولملوك العجم خاصة، وكان عالما بسيرهم، وكان عثمان بن عفان يقربه على ذلك ويدني مجلسه، وكان نصرانياً، فحضر ذات يوم عثمان وعنده المهاجرون والأنصار فتذاكروا مآثر العرب وأشعارها، فالتفت عثمان إلى أبي زبيد، فقال: يا أخا تبع المسيح، أسمعنا بعض قولك فقد أنبئت أنك تجيد، فأنشده قصيدته التي يقول فيها:
من مبلغ قومنا النائين إذ شحطوا ... أن الفؤاد إليهم شيق ولع
ووصف فيها الأسد، فقال عثمان: تالله تفتأ تذكر الأسد ما حييت! والله إني
لأحسبك جباناً هدانا، قال: كل يا أمير المؤمنين، ولكني رأيت منه منظراً وشهدت منه مشهداً لا يبرح ذكره يتجدد في قلبي، ومعذور أنا بذلك يا أمير المؤمنين غير ملوم. فقال له عثمان: وأنى كان ذلك؟ قال: خرجت في صيابة أشراف من أفناء قبائل العرب ذوي هيئة وشارة حسنة، ترتمي بنا المهاري بأكسائها، والقيروانات على قنو البغال تسوقها العبدان، ونحن نريد الحارث بن أبي شمر الغساني ملك الشام، فاخروط بنا السير في حمارة القيظ، حتى إذا عصبت الأفواه وذبلت الشفاه وشالت المياه وأذكت الجوزاء المعزاء وذاب الصيهد وصر الجندب وضاف العصفور الضب في جحره أو قال في وجاره وقال قائلنا: أيها الركب، غوروا بنا في ضوج هذا الوادي، وإذا واد قد بدا لنا كثير الدغل دائم الغلل، شجراؤه مغنة وأطياره مرنة، فحططنا رحالنا بأصول دوحات كنهبلات، فأصبنا من فضالات المزاود، واتبعناها الماء البارد، فإنا لنصف حر يومنا ذلك ومماطلته إذ صر أقصى الخيل أذنيه، وفحص الأرض بيديه، فوالله، ما لبث أن جال، ثم حمحم فبال، ثم فعل فعله الذي يليه واحد فواحد، فتضعضعت الخيل
وتكعكعت الإبل وتقهقرت البغال، فمن ناد بشكاله وناهض بعقاله، فعلمنا أن قد أتينا وأنه السبع، ففزع كل امرئ منا إلى سيفه، فاستله من جربانه، ثم وقفنا زردقا. فأقبل يتظالع من بغيه كأنه مجنوب أو في هجار مسحوب، لصدره نحيط، ولبلاعيمه غطيط، ولطرفه وميض، ولأرساغه نقيض، كأنما يخبط هشيماً، أو يطأ صريماً، وإذا هامة كالمجن، وخد كالمسن، وعينان سجراوان كأنهما سراجان يقدان، وقصرة ربلة ولهزمة رهلة، وكتد مغبط، وزور مفرط، وساعد مجدول، وعضد مفتول، وكف شثنة البراثن إلى مخالب كالمحاجن، فضرب بيديه فأرهج، وكشر فأفرج عن أنياب كالمعاول، مصقولة غير مفلولة، وفم أشدق كالغار
الأخوق، ثم تمطى فأشرع بيديه، وحفز وركيه برجليه حتى صار ظله مثليه، ثم أقعى فاقشعر ثم تميل فاكفهر، ثم جهز فازبأر. فلا والذي بيته في السماء ما اتقينا بأول أخ لنا من بني فزارة كان ضخم الجزارة، فوقصه ثم نفضه نفضة فقضقض متنيه، وجعل يلغ في دمه، فذمرت أصحابي فبعد لأي ما استقدموا، فهجهجنا به فكر مقشعراً بزبرته، كأن به شيهماً حولياً، فاختلج رجلاً أعجر ذا حوايا، فنفضه نفضة تزايلت مفاصله، ثم نهم ففرفر، ثم زفر فبربر ثم زار فجرجر ثم لحظ، فوالله لخلت البرق يتطاير من تحت جفونه، من عن شماله ويمينه، فأرعشت الأيدي، واصطكت الأرجل، وأطت الأضلاع، وأرتجت الأسماع وحمجت العيون،
وألحقت الظهور بالبطون، وانخزلت المتون، وساءت الظنون.
فقال عثمان: اسكت، قطع الله لسانك! فقد رعبت قلوب المؤمنين.
وقال يصف الأسد:
فباتوا يذلجون وبات يسري ... بصير بالدجى هاد هموس
إلى أن عرسوا وأغب عنهم ... قريباً ما يحس له حسيس
خلا أن العتاق من المطايا ... حسن به فهن إليه شوس
فلما أن رآهم قد تدانوا ... أتاهم وسط أرجلهم يميس
فثار الزاجرون فزاد منهم ... تقراباً وواجهه ضبيس
بنصل السيف ليس له مجن ... فصد ولم يصادفه جسيس
فيضرب بالشمال إلى حشاه ... وقد نادى فأخلفه الأنيس
يشمر كالمحالق في قنوت ... تقيه قضة الرض الدخيس
فخر السيف واختلفت يداه ... وكان بنفسه وقيت نفوس
فطار القوم شتى والمطايا ... وغودر في مكرهم الرسيس
وجال كأنه فرس صنيع ... يجر جلاله ذيل شموس
كأن بنحره وبساعديه ... عبيراً بات تعبؤه عروس
فذلك إن تلاقوه نفادوا ... ويحدث بينكم أمر شكيس
وكان أبو زبيد الطائي منقطعاً إلى الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وكان الوليد يكنى بوهب. فقال أبو زبيد:
من يرى العيس لابن أروى على ظه ... ر المرورى حداهن عجال
مصعدات والبيت بيت أبو وه ... ب خلاء تحن فيه الشمال
يعرف الجاهل المضلل أن الده ... ر فيه النكراء والزلزال
بعدما تعلمين يا أم وهب ... كان فيهم عيش لنا وجمال
ووجوه تودنا مشرقات ... ونوال إذا يراد النوال
فلعمر الإله لو كان للسي ... ف مصال أو للسان مقال
ما تناسيتك الصفاء ولا الو ... د ولا حال دونك الأشغال
ولحرمت لحمك المتعصي ... ضلة ضل حلمهم ما اقتالوا
أصبح البيت قد تبدل بالحي ... وجوهاً كأنها الأقتال
غير ما طالبين ذحلاً ولكن ... مال دهر على أناس فمالوا
قولهم بشرب الحرام وقد كا ... ن شراب سوى الحرام حلال
وأبى ظاهر العداوة إلا ... طغياناً وقول ما لا يقال
من يخنك الصفاء أو يتبدل ... أو يزل مثلما تزول الظلال
فاعلمن أنني أخوك أخو الود ... حياتي حتى تزول الجبال
كان أبو زبيد جاهلياً إسلامياً، وأقام في الإسلام علة النصرانية وعاش مائة وخمسين سنة، وكان يحمل في كل يوم أحد إلى البيعة مع النصارى فيظل يومه يشرب، فبينا هو في بعض تلك الآحاد يشرب، وحوله النصارى وفي يده الكأس إذ وقع بصره إلى السماء فنظر نظراً شديداً طويلاً، ثم رمى بالكأس من يده وقال:
إذا جعل المرء الذي كان حازماً ... يحل به حل الحوار ويحمل
فليس له في العيش خير يريده ... وتكفينه ميتا أعف وأجمل
ثم مات.
وزاد في رواية بيتاً آخر:
أتاني رسول الموت يا مرحباً به ... لآتيه وسوف والله أفعل
ثم مات.
ابن حنظلة بن النعمان بن حية بن سعنة ويقال ابن سعد بن الغوث بن الحارث، ويقال ابن الحويرث بن ربيعة بن مالك بن صقر بن هنيء بن عمرو بن الغوث بن الحارث بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن يشجب بن يعرب بن قحطان، أبو زبيد الطائي: شاعر مشهور مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام ولم يسلم وكان نصرانياً، وفد على الحارث بن أبي شمر الغساني، وكان ينزل بنواحي دمشق.
وكان أبو زبيد من زوار الملوك ولملوك العجم خاصة، وكان عالما بسيرهم، وكان عثمان بن عفان يقربه على ذلك ويدني مجلسه، وكان نصرانياً، فحضر ذات يوم عثمان وعنده المهاجرون والأنصار فتذاكروا مآثر العرب وأشعارها، فالتفت عثمان إلى أبي زبيد، فقال: يا أخا تبع المسيح، أسمعنا بعض قولك فقد أنبئت أنك تجيد، فأنشده قصيدته التي يقول فيها:
من مبلغ قومنا النائين إذ شحطوا ... أن الفؤاد إليهم شيق ولع
ووصف فيها الأسد، فقال عثمان: تالله تفتأ تذكر الأسد ما حييت! والله إني
لأحسبك جباناً هدانا، قال: كل يا أمير المؤمنين، ولكني رأيت منه منظراً وشهدت منه مشهداً لا يبرح ذكره يتجدد في قلبي، ومعذور أنا بذلك يا أمير المؤمنين غير ملوم. فقال له عثمان: وأنى كان ذلك؟ قال: خرجت في صيابة أشراف من أفناء قبائل العرب ذوي هيئة وشارة حسنة، ترتمي بنا المهاري بأكسائها، والقيروانات على قنو البغال تسوقها العبدان، ونحن نريد الحارث بن أبي شمر الغساني ملك الشام، فاخروط بنا السير في حمارة القيظ، حتى إذا عصبت الأفواه وذبلت الشفاه وشالت المياه وأذكت الجوزاء المعزاء وذاب الصيهد وصر الجندب وضاف العصفور الضب في جحره أو قال في وجاره وقال قائلنا: أيها الركب، غوروا بنا في ضوج هذا الوادي، وإذا واد قد بدا لنا كثير الدغل دائم الغلل، شجراؤه مغنة وأطياره مرنة، فحططنا رحالنا بأصول دوحات كنهبلات، فأصبنا من فضالات المزاود، واتبعناها الماء البارد، فإنا لنصف حر يومنا ذلك ومماطلته إذ صر أقصى الخيل أذنيه، وفحص الأرض بيديه، فوالله، ما لبث أن جال، ثم حمحم فبال، ثم فعل فعله الذي يليه واحد فواحد، فتضعضعت الخيل
وتكعكعت الإبل وتقهقرت البغال، فمن ناد بشكاله وناهض بعقاله، فعلمنا أن قد أتينا وأنه السبع، ففزع كل امرئ منا إلى سيفه، فاستله من جربانه، ثم وقفنا زردقا. فأقبل يتظالع من بغيه كأنه مجنوب أو في هجار مسحوب، لصدره نحيط، ولبلاعيمه غطيط، ولطرفه وميض، ولأرساغه نقيض، كأنما يخبط هشيماً، أو يطأ صريماً، وإذا هامة كالمجن، وخد كالمسن، وعينان سجراوان كأنهما سراجان يقدان، وقصرة ربلة ولهزمة رهلة، وكتد مغبط، وزور مفرط، وساعد مجدول، وعضد مفتول، وكف شثنة البراثن إلى مخالب كالمحاجن، فضرب بيديه فأرهج، وكشر فأفرج عن أنياب كالمعاول، مصقولة غير مفلولة، وفم أشدق كالغار
الأخوق، ثم تمطى فأشرع بيديه، وحفز وركيه برجليه حتى صار ظله مثليه، ثم أقعى فاقشعر ثم تميل فاكفهر، ثم جهز فازبأر. فلا والذي بيته في السماء ما اتقينا بأول أخ لنا من بني فزارة كان ضخم الجزارة، فوقصه ثم نفضه نفضة فقضقض متنيه، وجعل يلغ في دمه، فذمرت أصحابي فبعد لأي ما استقدموا، فهجهجنا به فكر مقشعراً بزبرته، كأن به شيهماً حولياً، فاختلج رجلاً أعجر ذا حوايا، فنفضه نفضة تزايلت مفاصله، ثم نهم ففرفر، ثم زفر فبربر ثم زار فجرجر ثم لحظ، فوالله لخلت البرق يتطاير من تحت جفونه، من عن شماله ويمينه، فأرعشت الأيدي، واصطكت الأرجل، وأطت الأضلاع، وأرتجت الأسماع وحمجت العيون،
وألحقت الظهور بالبطون، وانخزلت المتون، وساءت الظنون.
فقال عثمان: اسكت، قطع الله لسانك! فقد رعبت قلوب المؤمنين.
وقال يصف الأسد:
فباتوا يذلجون وبات يسري ... بصير بالدجى هاد هموس
إلى أن عرسوا وأغب عنهم ... قريباً ما يحس له حسيس
خلا أن العتاق من المطايا ... حسن به فهن إليه شوس
فلما أن رآهم قد تدانوا ... أتاهم وسط أرجلهم يميس
فثار الزاجرون فزاد منهم ... تقراباً وواجهه ضبيس
بنصل السيف ليس له مجن ... فصد ولم يصادفه جسيس
فيضرب بالشمال إلى حشاه ... وقد نادى فأخلفه الأنيس
يشمر كالمحالق في قنوت ... تقيه قضة الرض الدخيس
فخر السيف واختلفت يداه ... وكان بنفسه وقيت نفوس
فطار القوم شتى والمطايا ... وغودر في مكرهم الرسيس
وجال كأنه فرس صنيع ... يجر جلاله ذيل شموس
كأن بنحره وبساعديه ... عبيراً بات تعبؤه عروس
فذلك إن تلاقوه نفادوا ... ويحدث بينكم أمر شكيس
وكان أبو زبيد الطائي منقطعاً إلى الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وكان الوليد يكنى بوهب. فقال أبو زبيد:
من يرى العيس لابن أروى على ظه ... ر المرورى حداهن عجال
مصعدات والبيت بيت أبو وه ... ب خلاء تحن فيه الشمال
يعرف الجاهل المضلل أن الده ... ر فيه النكراء والزلزال
بعدما تعلمين يا أم وهب ... كان فيهم عيش لنا وجمال
ووجوه تودنا مشرقات ... ونوال إذا يراد النوال
فلعمر الإله لو كان للسي ... ف مصال أو للسان مقال
ما تناسيتك الصفاء ولا الو ... د ولا حال دونك الأشغال
ولحرمت لحمك المتعصي ... ضلة ضل حلمهم ما اقتالوا
أصبح البيت قد تبدل بالحي ... وجوهاً كأنها الأقتال
غير ما طالبين ذحلاً ولكن ... مال دهر على أناس فمالوا
قولهم بشرب الحرام وقد كا ... ن شراب سوى الحرام حلال
وأبى ظاهر العداوة إلا ... طغياناً وقول ما لا يقال
من يخنك الصفاء أو يتبدل ... أو يزل مثلما تزول الظلال
فاعلمن أنني أخوك أخو الود ... حياتي حتى تزول الجبال
كان أبو زبيد جاهلياً إسلامياً، وأقام في الإسلام علة النصرانية وعاش مائة وخمسين سنة، وكان يحمل في كل يوم أحد إلى البيعة مع النصارى فيظل يومه يشرب، فبينا هو في بعض تلك الآحاد يشرب، وحوله النصارى وفي يده الكأس إذ وقع بصره إلى السماء فنظر نظراً شديداً طويلاً، ثم رمى بالكأس من يده وقال:
إذا جعل المرء الذي كان حازماً ... يحل به حل الحوار ويحمل
فليس له في العيش خير يريده ... وتكفينه ميتا أعف وأجمل
ثم مات.
وزاد في رواية بيتاً آخر:
أتاني رسول الموت يا مرحباً به ... لآتيه وسوف والله أفعل
ثم مات.