حبة بنت الفضل
من النسوة الفصيحات، قدمت دمشق مستأمنة لزوجها عبد الله بن فضالة.
قال عبيد الله بن عبد الله بن فضالة الزهراني: نادى منادي الحجاج بن يوسف يوم رسقيا داذ، أمن الناس كلهم إلا أربعة: عبد الله بن الجارود، وعبد الله بن فضالة، وعكرمة بن ربعي، وعبيد الله بن زياد بن ظبيان.
قال: فأتي برأس عبد الله بن الجارود فلم يصدق فرحاً به وقال: عمموه لي أعرفه فإني لم أره قط إلا معتماً، فعمم له فعرفه.
وأما عبيد الله بن زياد فإنه انطلق إلى عمان، فأصابه الفالج بها فمات.
وأما عكرمة بن ربعي فإنه لحقته خيل الحجاج في بعض سكك المربد، فعطف عليهم فقتل منهم نيفاً وعشرين رجلاً ثم قتلوه.
وأما عبد الله بن فضالة فإنه أتى خراسان، فلم يزل بها حتى ولي المهلب خراسان، وأمر بأخذه حيث أصابه، وقيل له: أكن ذلك ولا تبده فيحذر، ويحترز، واحرص على أسره دون قتله، فبعث المهلب ابنه حبيباً أمامه، وسار من سوق الأهواز إلى مرو على بغلة شهباء في سبع عشرة ليلة، فأخذه غاراً بمرو وهو لا يشعر.
ثم كتب إلى الحجاج يعلمه ذلك، فجاء المغيرة بن المهلب إلى منزل حبة بنة الفضل امرأة عبد الله بن فضالة، وهي ابنة عم عبد الله، فأرسل إليها أن حبيباً قد أخذ عبد الله، وقد كتب إلى الحجاج يعلمه ذلك، فإن كان عندك خير فشأنك، وعولي على المال ما بدا لك، فأرسلت إليه: لا، ولا كرامة، تقتلونه وآخذ منكم المال؟! هذا ما لا يكون.
فتحولت إلى منزل أخيها لأمها خولي بن مالك الراسبي، وأرسلت إلى بني سعد، فاشتري لها باب عظيم، فألقته على الخندق ليلاً، ثم جازت عليه فغشي عليها، فلما أفاقت قالت: إني لم أكن أتعب، فمتى أصابني هذا فشدوني وثاقاً ثم سيروا بي،
فخرجت مع خادمها ودليلها، لا يعلم بها أحد حتى دخلت دمشق على عبد الملك بن مروان، فأتت أم أيوب بنت عمرو بن عثمان بن عفان، وكانت أمها زينب بنت كعب بن حلحلة الخزاعي.
قالت: يا أم أيوب قصدتك لأمر بهظني وغم كظني، وأعلمتها الخبر، وقصت عليها القصة، فقالت أم أيوب: قد كنت أسمع أمير المؤمنين يكثر ذكر صاحبك، ويظهر التلظي عليه، قالت: وأين رحلتي إليك؟ قالت: سأدخلك مدخلاً وأجلسك مجلساً إن شفعت ففيه، وإن رددت فلا تنصبي، فلا شفاعة لك بعده، فأجلستها في مجلسها الذي كانت تجلس فيه لدخول عبد الملك ليلاً مغتراً.
فلما دنا أخذت بجانب ثوبه، ثم قالت: هذا مكان العائذ بك يا أمير المؤمنين، ففزع عبد الملك وأنكر الكلام.
فقالت أم أيوب: ما يفزعك يا أمير المؤمنين من كرامة ساقها الله إليك؟ فقال: عذت معاذاً، فمن أنت؟ قالت: تؤمن، يا أمير المؤمنين، من جئتك فيه. من كان من خلق الله، ممن تعرف أو لا تعرف، ممن عظم ذنبه لديك أو صغر شامياً أو عراقياً أو غير ذلك. من الآفاق؟ قال: نعم هو آمن.
قالت: بأمان الله ثم بأمانك يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، فمن هو أيتها المرأة؟ قالت: عبد الله بن فضالة، قال: أرسلي ثوبي أنبئك عنه.
قالت: أغدراً يا بني مروان؟ قال: لا، أرسلي ثوبي أحدثك ببلائي عنده وهو آمن لك ولمعاذك.
قالت: فحدثني يا أمير المؤمنين ببلائك عنده.
قال: ألم تعلمي أني وليته السوس وجنديسابور وأقطعته كذا ووهبت له كذا ونوهت بذكره ورفعت من قدره؟ قالت: بلى والله يا أمير المؤمنين، أفلا أحدثك ببلائه عندك؟ قال: بلى.
قالت: أتعلم أن داره هدمت ثلاث مرار بسببك لا يستر من السماء بشيء؟ قال: نعم.
قالت: أفتعلم يا أمير المؤمنين أنك كتبت إلى وجوه أهل البصرة وأشرافها، وكتبت إليه، فلم يكن منهم أحد أجابك ولا أطاعك غيره؟ قال: نعم.
قالت: أفتعلم أنه كان قبل زلته سيفاً لك على أعدائك وسلماً وبساطاً لأوليائك؟ قال: نعم حسبك، قد أجبت وأبلغت.
قالت: أفيذهب يوم من أيامه بصالح أيامه وطاعته وحسن بلائه؟ قال: لا، هو آمن.
قالت: يا أمير المؤمنين إنها الدماء، وإنه الحجاج وإن رآه قتله.
قال: كلا.
قالت: فالكتاب يا أمير المؤمنين مع البريد.
قال: فكتب لها كتاباً مؤكداً: إياك وإياه، أحسن جائزته ورفده وخل سبيله، ثم وجه به مع البريد، ثم أقبل عليها فقال: ما أنت منه؟ قالت: امرأته، وابنة عمه.
قال: فضحك وقال: أين نشأت؟ قالت: في حجر أبيه.
قال: فوالله لأنت أعرب وأفصح لساناً، فهل معه غيرك؟ قالت: نعم، ابنة عبيد بن كلاب وكذا كذا جارية.
قال: فأنا أوليك طلاقها وعتق جواريه قالت: بل تهنئه نساءه كما هنأته دمه.
فأقبل على أم أيوب فقال: يا أم أيوب، لا نساء إلا بنات العم، ثم قال: أقيمي عند أم أيوب حتى يأتيك الكتاب بمحبتك إن شاء الله.
وقدم الكتاب، وقد قدم به على الحجاج من خراسان، فأقامه للناس في سراويل، وقد كان نزع ثيابه قبل ذلك وعرضه على الناس في الحديد ليعرفوه.
فلما أمسى دعا به الحجاج، فقال له عبد الله: أتأذن في الكلام؟ قال: لا كلام سائر اليوم.
قال: فكساه وحمله وأجازه وخلى سبيله، فانصرف إلى أهله فسألهم عن حبة، فأخبر بأمرها، وقيل: ما ندري أين توجهت، ثم بلغه ما صنعت، فكتب إليها: إنك قد صنعت بنا ما لم تصنعه أنثى، فأعلميني بمقدمك أتلقاك ويتلقاك الناس معي، فلم تعلمه حتى قدمت ليلاً وهو عند ابنة عبيد بن كلاب، فقالت: لا والله لا يؤذن بي الليلة، فلما أصبح أخبر بمكانها فأتاها.
من النسوة الفصيحات، قدمت دمشق مستأمنة لزوجها عبد الله بن فضالة.
قال عبيد الله بن عبد الله بن فضالة الزهراني: نادى منادي الحجاج بن يوسف يوم رسقيا داذ، أمن الناس كلهم إلا أربعة: عبد الله بن الجارود، وعبد الله بن فضالة، وعكرمة بن ربعي، وعبيد الله بن زياد بن ظبيان.
قال: فأتي برأس عبد الله بن الجارود فلم يصدق فرحاً به وقال: عمموه لي أعرفه فإني لم أره قط إلا معتماً، فعمم له فعرفه.
وأما عبيد الله بن زياد فإنه انطلق إلى عمان، فأصابه الفالج بها فمات.
وأما عكرمة بن ربعي فإنه لحقته خيل الحجاج في بعض سكك المربد، فعطف عليهم فقتل منهم نيفاً وعشرين رجلاً ثم قتلوه.
وأما عبد الله بن فضالة فإنه أتى خراسان، فلم يزل بها حتى ولي المهلب خراسان، وأمر بأخذه حيث أصابه، وقيل له: أكن ذلك ولا تبده فيحذر، ويحترز، واحرص على أسره دون قتله، فبعث المهلب ابنه حبيباً أمامه، وسار من سوق الأهواز إلى مرو على بغلة شهباء في سبع عشرة ليلة، فأخذه غاراً بمرو وهو لا يشعر.
ثم كتب إلى الحجاج يعلمه ذلك، فجاء المغيرة بن المهلب إلى منزل حبة بنة الفضل امرأة عبد الله بن فضالة، وهي ابنة عم عبد الله، فأرسل إليها أن حبيباً قد أخذ عبد الله، وقد كتب إلى الحجاج يعلمه ذلك، فإن كان عندك خير فشأنك، وعولي على المال ما بدا لك، فأرسلت إليه: لا، ولا كرامة، تقتلونه وآخذ منكم المال؟! هذا ما لا يكون.
فتحولت إلى منزل أخيها لأمها خولي بن مالك الراسبي، وأرسلت إلى بني سعد، فاشتري لها باب عظيم، فألقته على الخندق ليلاً، ثم جازت عليه فغشي عليها، فلما أفاقت قالت: إني لم أكن أتعب، فمتى أصابني هذا فشدوني وثاقاً ثم سيروا بي،
فخرجت مع خادمها ودليلها، لا يعلم بها أحد حتى دخلت دمشق على عبد الملك بن مروان، فأتت أم أيوب بنت عمرو بن عثمان بن عفان، وكانت أمها زينب بنت كعب بن حلحلة الخزاعي.
قالت: يا أم أيوب قصدتك لأمر بهظني وغم كظني، وأعلمتها الخبر، وقصت عليها القصة، فقالت أم أيوب: قد كنت أسمع أمير المؤمنين يكثر ذكر صاحبك، ويظهر التلظي عليه، قالت: وأين رحلتي إليك؟ قالت: سأدخلك مدخلاً وأجلسك مجلساً إن شفعت ففيه، وإن رددت فلا تنصبي، فلا شفاعة لك بعده، فأجلستها في مجلسها الذي كانت تجلس فيه لدخول عبد الملك ليلاً مغتراً.
فلما دنا أخذت بجانب ثوبه، ثم قالت: هذا مكان العائذ بك يا أمير المؤمنين، ففزع عبد الملك وأنكر الكلام.
فقالت أم أيوب: ما يفزعك يا أمير المؤمنين من كرامة ساقها الله إليك؟ فقال: عذت معاذاً، فمن أنت؟ قالت: تؤمن، يا أمير المؤمنين، من جئتك فيه. من كان من خلق الله، ممن تعرف أو لا تعرف، ممن عظم ذنبه لديك أو صغر شامياً أو عراقياً أو غير ذلك. من الآفاق؟ قال: نعم هو آمن.
قالت: بأمان الله ثم بأمانك يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، فمن هو أيتها المرأة؟ قالت: عبد الله بن فضالة، قال: أرسلي ثوبي أنبئك عنه.
قالت: أغدراً يا بني مروان؟ قال: لا، أرسلي ثوبي أحدثك ببلائي عنده وهو آمن لك ولمعاذك.
قالت: فحدثني يا أمير المؤمنين ببلائك عنده.
قال: ألم تعلمي أني وليته السوس وجنديسابور وأقطعته كذا ووهبت له كذا ونوهت بذكره ورفعت من قدره؟ قالت: بلى والله يا أمير المؤمنين، أفلا أحدثك ببلائه عندك؟ قال: بلى.
قالت: أتعلم أن داره هدمت ثلاث مرار بسببك لا يستر من السماء بشيء؟ قال: نعم.
قالت: أفتعلم يا أمير المؤمنين أنك كتبت إلى وجوه أهل البصرة وأشرافها، وكتبت إليه، فلم يكن منهم أحد أجابك ولا أطاعك غيره؟ قال: نعم.
قالت: أفتعلم أنه كان قبل زلته سيفاً لك على أعدائك وسلماً وبساطاً لأوليائك؟ قال: نعم حسبك، قد أجبت وأبلغت.
قالت: أفيذهب يوم من أيامه بصالح أيامه وطاعته وحسن بلائه؟ قال: لا، هو آمن.
قالت: يا أمير المؤمنين إنها الدماء، وإنه الحجاج وإن رآه قتله.
قال: كلا.
قالت: فالكتاب يا أمير المؤمنين مع البريد.
قال: فكتب لها كتاباً مؤكداً: إياك وإياه، أحسن جائزته ورفده وخل سبيله، ثم وجه به مع البريد، ثم أقبل عليها فقال: ما أنت منه؟ قالت: امرأته، وابنة عمه.
قال: فضحك وقال: أين نشأت؟ قالت: في حجر أبيه.
قال: فوالله لأنت أعرب وأفصح لساناً، فهل معه غيرك؟ قالت: نعم، ابنة عبيد بن كلاب وكذا كذا جارية.
قال: فأنا أوليك طلاقها وعتق جواريه قالت: بل تهنئه نساءه كما هنأته دمه.
فأقبل على أم أيوب فقال: يا أم أيوب، لا نساء إلا بنات العم، ثم قال: أقيمي عند أم أيوب حتى يأتيك الكتاب بمحبتك إن شاء الله.
وقدم الكتاب، وقد قدم به على الحجاج من خراسان، فأقامه للناس في سراويل، وقد كان نزع ثيابه قبل ذلك وعرضه على الناس في الحديد ليعرفوه.
فلما أمسى دعا به الحجاج، فقال له عبد الله: أتأذن في الكلام؟ قال: لا كلام سائر اليوم.
قال: فكساه وحمله وأجازه وخلى سبيله، فانصرف إلى أهله فسألهم عن حبة، فأخبر بأمرها، وقيل: ما ندري أين توجهت، ثم بلغه ما صنعت، فكتب إليها: إنك قد صنعت بنا ما لم تصنعه أنثى، فأعلميني بمقدمك أتلقاك ويتلقاك الناس معي، فلم تعلمه حتى قدمت ليلاً وهو عند ابنة عبيد بن كلاب، فقالت: لا والله لا يؤذن بي الليلة، فلما أصبح أخبر بمكانها فأتاها.