جعفر بن مُحمد بن نصير بن القاسم، أَبُو مُحَمَّد الخواص المعروف بالخلدي :
شيخ الصوفية. سمع الحارث بن أَبِي أسامة التميمي، وبشر بن مُوسَى الأسدي، وأبا شعيب الحراني، وعلي بن عبد العزيز البغوي، وعمر بن حفص الدوسي، والحسن ابن عَلِيّ المعمري، وَمُحَمَّد بن الفضل بن جابر السقطي، وَمُحَمَّد بن جَعْفَر القتات والحسن بن علويه القطان، وخلف بن عمرو العكبري، وأحمد بْن مُحَمَّدِ بْنِ مسروق الطوسي، ومحمد بن يوسف بن التركي، وأحمد بن علي الخراز، وجعفر بن محمّد ابن حرب العباداني، وأبا مُسْلِم الكجي، وَمحمد بْن عَبْد اللَّه بْن سُلَيْمَان الحضرمي، ومحمد بن عُثْمَان بن أَبِي شيبة، وغيرهم من أهل الكوفة، والمدينة، ومكة، ومصر، وكان سافر الكثير، ولقي المشايخ الكبراء من المحدثين، والصوفية، ثم عاد إِلَى بغداد فاستوطنها، وروى بها علما كثيرا. حدث عنه أَبُو عُمَر بْن حيويه، وَأبو الْحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ، وَأبو حفص بْن شاهين. وَحَدَّثَنَا عنه أَحْمَد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الصَّلْتِ الأهوازي، وعَبْد الْعَزِيزِ بْن مُحَمَّد بْن نَصْرٍ السُّتُورِيُّ، والحسين بن الْحَسَن المخزومي، وَأَبُو الْحَسَن بْنُ رِزْقَوَيْهِ، وأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بشران، وابن الفضل القطّان، والحسن بن عُمَر بن برهان الغزال، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى السُّكَّرِيُّ، وَمحمّد بْنُ أحمد ابن أَبِي طاهر الدَّقَّاق، ومحمد بن عُبَيْد اللَّهِ الحنائي، وعلي بن أحمد الرزاز وأبو
الحسن الحمامي المقرئ، ومُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بِن مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْن مخلد البزار، وأبو عَلِيّ بن شاذان، وغيرهم. وكان ثقة صادقا، دينا فاضلا.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْنُ أَبِي عَلِيّ الْبَصْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن أَحْمَد الطبري المقرئ قَالَ: سمعت جَعْفَرا الخلدي يقول: لو تركني الصوفية لجئتكم بإسناد الدنيا.
مضيت إِلَى عباس الدوري وأنا حدث، فكتبت عنه مجلسا واحدا، وخرجت من عنده فلقيني بعض من كنت أصحبه من الصوفية فَقَالَ: أيش هذا معك؟ فأريته إياه. فَقَالَ:
ويحك، تدع علم الخرق، وتأخذ علم الورق! قَالَ: ثم خرق الأوراق، فدخل كلامه فِي قلبي. فلم أعد إلى العبّاس.
حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الأزهري عَن مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس بن الفرات. قَالَ: مولد جَعْفَر الخلدي في سنة اثنتين- أو ثلاث- وخمسين ومائتين.
حَدَّثَنِي مسعود بن ناصر السجزي قَالَ سمعت أبا صالح مَنْصُور بن عبد الوهاب الصوفي يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ الهاشمي- بسمرقند- يقول سمعت جَعْفَر بن مُحَمَّد الخلدي يقول: كنت يوما عند الجنيد بن مُحَمَّد وعنده جماعة من أصحابه يسألونه عَنْ مسألة فَقَالَ لي: يا أبا مُحَمَّد أجبهم، قَالَ: فأجبتهم فَقَالَ: يا خلدي من أين لك هذه الأجوبة؟ فجرى اسم الخلدي على إلى يومي هذا، وو الله ما سكنت الخلد، ولا سكنه أحد من آبائي، وسألته عَنِ السؤال فَقَالَ:
قالوا: أنطلب الرزق؟ فقلت: إن علمتم أَنَّهُ نسيكم فذكروه، فقالوا: أندخل البيت ونتوكل عَلَى اللَّه؟ فقلت أتجربون اللَّه بالتوكل؟ فهذا شك. قالوا: فكيف الحيلة؟ فقلت ترك الحيلة.
حدّثنا محمّد بن علي بن الفتح أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْن بْن مُوسَى النيسابوري قَالَ سمعت الْحُسَيْن بن أَحْمَد- هو ابن جَعْفَر- أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ يقول: كان أهل بغداد يقولون: عجائب بغداد ثلاثة، إشارات الشبلي، ونكت المرتعش، وحكايات جَعْفَر!.
حَدَّثَنَا أَبُو نصر إِبْرَاهِيم بْن هبة اللَّه بْن إبراهيم الجرباذقاني- بها- حَدَّثَنَا معمر بن أَحْمَدَ بْنِ زياد الأصبهاني أخبرني يَحْيَى بن القاسم قَالَ سمعت الْحَسَن بن سُلَيْمَان.
يقول قَالَ: جَعْفَر الخلدي: كنت فِي ابتداء أمري وإرادتي ليلة نائما، فإذا بهاتف يهتف بي ويقول: يا جَعْفَر امض إِلَى موضع كذا وكذا واحفر، فإن لك هناك شيئا مدفونا، قَالَ فجئت إِلَى الموضع وحفرت، فوجدت صندوقا فيه دفاتر، وإذا فيه حزمة
فأخرجتها وقرأتها، فإذا فيها أسماء ستة آلاف شيخ من أهل الحقائق، والأصفياء والأولياء. من وقت آدم إِلَى زماننا هذا، ونعوتهم وصفتهم وكلهم كانوا يدعون هذا- يعني مذهب الصوفية- قَالَ الْحَسَن بن سُلَيْمَان: وكان فِي تلك الكتب عجائب، فقرأ ولم يدفع إلي أحد، ثم دفنها ولم يظهر ذلك لأحد إِلَى أن مات! أخبرنا عَلِيّ بن أَبِي عَلِيّ حدّثنا إبراهيم بن أحمد الطّبريّ حدّثنا جعفر بن الخلدي.
قال: ودعت في بعض حجاتي المريني الكبير الصوفي فقلت: زودني شيئا فَقَالَ: إن ضاع منك شيء، أو أردت أن يجمع اللَّه بينك وبين إنسان فقل: يَا جَامِعَ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إن اللَّه لا يخلف الميعاد، اجمع بيني وبين كذا وكذا، فإن اللَّه يجمع بينك وبين ذلك الشيء، أو ذلك الإنسان بتلك. فجئت إِلَى الكتاني الكبير الصوفي فودعته، وقلت: زودني شيئا، فأعطاني فصا عليه نقش كأنه طلسم وَقَالَ: إذا اغتممت فانظر إِلَى هذا فإنه يزول غمك، قَالَ: فانصرفت فما دعوت اللَّه بتلك الدعوة فِي شيء إلا استجيب، ولا رأيت الفص وقد اغتممت إلا زال غمي، فأنا ذات يوم قد توجهت أعبر إِلَى الجانب الشرقي من بغداد حتى هاجت ريح عظيمة وأنا فِي السميرية، والفص فِي جيبي، فأخرجته لأنظر إليه، فلا أدري كيف ذهب مني، فِي الماء، أو فِي السفينة، أو ثيابي؟ فاغتممت لذهابه غما عظيما، فدعوت بالدعوة وعبرت، فما زلت أدعو اللَّه بها يومي وليلتي ومن غد وأياما. فلما كان بعد ذلك أخرجت صندوقا فيه ثيابي لأغير منها شيئا، ففرغت الصندوق فإذا بالفص فِي أسفل الصندوق، فأخذته وحمدت اللَّه عَلَى رجوعه.
أخبرنا عَلِيّ بن محمود بن إبراهيم الزوزني حَدَّثَنَا عَلِيّ بن المثنى التميمي- بإستراباذ- قَالَ: سمعت جعفرا الخلدي يقول لرجل: كن شريف الهمة فإن الهمم تبلغ بالرجل لا المجاهدات.
أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن النيسابوري قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيّ الأبهري يقول سمعت جعفرا يقول: ما عقدت لله عَلَى نفسي عقدا فنكثته.
أخبرنا أَبُو عُبَيْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ النّيسابوريّ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بن عَلِيّ العلوي الهمذاني قَالَ: سمعت جَعْفَر بن مُحَمَّد الخلدي يقول: دخلت البرية وحدي فلما دخلت الهبير استوحشت، فإذا هاتف يهتف بي: يا جَعْفَر قد نقضت العهد، لم
تستوحش؟ أليس حبيبك معك؟! حَدَّثَنَا عبد العزيز بن الورّاق حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن عَبْد الله الهمذاني. قَالَ سمعت الخلدي يقول: خرجت سنة من السنين إِلَى البادية، فبقيت أربعة وعشرين يوما لم أطعم فيها طعاما، فلما كان بعد ذلك رأيت كوخا وفيه غلام، فقصدت الكوخ فرأيت الغلام قائما يصلي، فقلت فِي نفسي: بالعشي يجيء إِلَى هذا طعام فآكل معه، فبقيت تلك الليلة والغد وبعد غد ثلاثة أيام لم يجئه أحد بطعام. ولا رأيت أحدا، فقلت: هذا شيطان ليس هذا من الناس، فتركته وانصرفت، فلما كان بعد وقت أنا قاعد فِي منزلي أميز شيئا من الكتب، إذا بداق يدق الباب، فقلت: من هذا؟ ادخل، فدخل الغلام وَقَالَ لي: يا جَعْفَر أنت كما سميت، جاع فر! أَخْبَرَنَا رضوان بن مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَن الدينوري قال سمعت معروف بن مُحَمَّدِ بْنِ معروف الصوفي- بالري- قَالَ: سمعت الخلدي يقول: إني أخاف أن يوقفني المشايخ بين يدي الله تعالى يقولون لم أخرجت أسرارنا إِلَى الناس؟! أخبرنا عَلِيّ بن المحسن الْقَاضِي- غير مرة- قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الطبري. قَالَ: قَالَ لي جَعْفَر الخلدي: وقفت بعرفة ستا وخمسين وقفة منها إحدى وعشرون عَلَى المذهب! فقلت لأَبِي إِسْحَاقَ: أي شيء أراد بقوله عَلَى المذهب؟ فَقَالَ: يصعد إِلَى قنطرة الياسرية فينفض كميه حتى يعلم أَنَّهُ ليس معه زاد ولا ماء، ويلبي ويسير!! أخبرنا أبو حاتم أحمد بن الحسن حدّثنا مُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حمدون يقول سمعت جَعْفَر الخلدي يقول: حججت نيفا وعشرين حجة عَلَى قدمي، ما حملت فِي شيء منها زادا ولا درهما ولا دينارا. وكنت إذا نزل الناس فِي المنزل يكون حولي من المأكول والمشروب ما يكفي جماعة، فلما كان يوم من الأيام لقيتني امرأة ومعي ركوة فارغة فَقَالَتْ: هل أصب لك فيها ماء؟ قُلْتُ: افعلي، فصبت فِي ركوتي الماء ومشيت فأثقلني فصببته فِي أصل شجرة ثم سرت. وكان حالي في جميع الحج ما ذكرته.
أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن النيسابوري قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سعيد الرَّازِيّ يقول: لقيت جعفرا آخر ما لقيته وكان قد حج أربعا وخمسين حجة، ثم حج بعد ذلك حججا. قَالَ محمّد بن الْحُسَيْن: حج جَعْفَر ستين حجة! أخبرنا عَلِيّ بن محمود الصوفي قَالَ: سمعت أبا القاسم القصري في دار أبي مسلم ابن مامكا يقول: رأينا جعفرا الخلدي فِي آخر عمره وفي فرد رجله جورب من جلود.
فقالوا: أيها الشيخ إيش سبب هذا، فرد رجلك مكشوفة، وفرد رجلك مغطاة؟ فَقَالَ:
حججت الحجة الأخيرة، فلما رجعت من مكة كنت فِي كنيسة فجاز عَلَى فقير فَقَالَ لي: أيها الشّيخ أحد عندك رمانة؟ فقلت لَهُ: هاهنا موضع رمان؟! اطلب مني حبة كعك، أو ماء، الذي يوجد هاهنا. فَقَالَ لي: أتريد أنت رمانا؟ قُلْتُ: نعم.
فأدخل يده فِي كمه فأخرج رمانة ورماها إِلَى المحمل، ولم يزل يرمي رمانة رمانة حتى امتلأت الكنيسة رمانا ثم غاب عني. قَالَ فبقيت أتعجب منه، وفرقت الرمان فِي القافلة، وحملت منه إِلَى بغداد، فلما كان من الغد جاز عَلَى فرآني نائما، وفرد رجلي خارج الكنيسة فَقَالَ لي: أما يكفيك أن تنام بين يدي سيدك حتى تمد رجلك؟ قَالَ وضرب بفرد كمه عَلَى رجلي فوقع فِي رجلي مثل النار، فكلما غطيتها سكن الضربان، وكلما كشفتها يعود ذلك الضربان.
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن هبة الله الجرباذقاني حَدَّثَنَا معمر بْن أَحْمَدَ الأصبهاني قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْد اللَّهِ الْبَغْدَادِيّ يقول: سمعت هبة اللَّه الضرير- ببغداد- يقول: دخل جَعْفَر الخلدي بلد حمص، فسألوه القيام عندهم سنة. فَقَالَ: عَلَى شريطة. قيل لَهُ: وما هي؟ قَالَ تجمعون لي كذا وكذا ألف دينار، قَالَ فجمعوا لَهُ ما سأل. فَقَالَ احملوها إِلَى الجامع قَالَ فجعلت عَلَى قطع، قَالَ ففرق كل ذلك عَلَى الفقراء فلم يأخذ منها شيئا، ثم قَالَ: لم أكن أحتاج إِلَى الدنانير ولكن أردت أن أجرب رغبتكم فِي وقوفي عندكم!! سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن رزق يَقُولُ: مات جَعْفَر الخلدي فِي سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة.
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن الفضل الْقَطَّان. قَالَ: توفي جَعْفَر الخلدي يوم الأحد لسبع خلون من شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة.
شيخ الصوفية. سمع الحارث بن أَبِي أسامة التميمي، وبشر بن مُوسَى الأسدي، وأبا شعيب الحراني، وعلي بن عبد العزيز البغوي، وعمر بن حفص الدوسي، والحسن ابن عَلِيّ المعمري، وَمُحَمَّد بن الفضل بن جابر السقطي، وَمُحَمَّد بن جَعْفَر القتات والحسن بن علويه القطان، وخلف بن عمرو العكبري، وأحمد بْن مُحَمَّدِ بْنِ مسروق الطوسي، ومحمد بن يوسف بن التركي، وأحمد بن علي الخراز، وجعفر بن محمّد ابن حرب العباداني، وأبا مُسْلِم الكجي، وَمحمد بْن عَبْد اللَّه بْن سُلَيْمَان الحضرمي، ومحمد بن عُثْمَان بن أَبِي شيبة، وغيرهم من أهل الكوفة، والمدينة، ومكة، ومصر، وكان سافر الكثير، ولقي المشايخ الكبراء من المحدثين، والصوفية، ثم عاد إِلَى بغداد فاستوطنها، وروى بها علما كثيرا. حدث عنه أَبُو عُمَر بْن حيويه، وَأبو الْحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ، وَأبو حفص بْن شاهين. وَحَدَّثَنَا عنه أَحْمَد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الصَّلْتِ الأهوازي، وعَبْد الْعَزِيزِ بْن مُحَمَّد بْن نَصْرٍ السُّتُورِيُّ، والحسين بن الْحَسَن المخزومي، وَأَبُو الْحَسَن بْنُ رِزْقَوَيْهِ، وأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بشران، وابن الفضل القطّان، والحسن بن عُمَر بن برهان الغزال، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى السُّكَّرِيُّ، وَمحمّد بْنُ أحمد ابن أَبِي طاهر الدَّقَّاق، ومحمد بن عُبَيْد اللَّهِ الحنائي، وعلي بن أحمد الرزاز وأبو
الحسن الحمامي المقرئ، ومُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بِن مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْن مخلد البزار، وأبو عَلِيّ بن شاذان، وغيرهم. وكان ثقة صادقا، دينا فاضلا.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْنُ أَبِي عَلِيّ الْبَصْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن أَحْمَد الطبري المقرئ قَالَ: سمعت جَعْفَرا الخلدي يقول: لو تركني الصوفية لجئتكم بإسناد الدنيا.
مضيت إِلَى عباس الدوري وأنا حدث، فكتبت عنه مجلسا واحدا، وخرجت من عنده فلقيني بعض من كنت أصحبه من الصوفية فَقَالَ: أيش هذا معك؟ فأريته إياه. فَقَالَ:
ويحك، تدع علم الخرق، وتأخذ علم الورق! قَالَ: ثم خرق الأوراق، فدخل كلامه فِي قلبي. فلم أعد إلى العبّاس.
حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الأزهري عَن مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس بن الفرات. قَالَ: مولد جَعْفَر الخلدي في سنة اثنتين- أو ثلاث- وخمسين ومائتين.
حَدَّثَنِي مسعود بن ناصر السجزي قَالَ سمعت أبا صالح مَنْصُور بن عبد الوهاب الصوفي يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ الهاشمي- بسمرقند- يقول سمعت جَعْفَر بن مُحَمَّد الخلدي يقول: كنت يوما عند الجنيد بن مُحَمَّد وعنده جماعة من أصحابه يسألونه عَنْ مسألة فَقَالَ لي: يا أبا مُحَمَّد أجبهم، قَالَ: فأجبتهم فَقَالَ: يا خلدي من أين لك هذه الأجوبة؟ فجرى اسم الخلدي على إلى يومي هذا، وو الله ما سكنت الخلد، ولا سكنه أحد من آبائي، وسألته عَنِ السؤال فَقَالَ:
قالوا: أنطلب الرزق؟ فقلت: إن علمتم أَنَّهُ نسيكم فذكروه، فقالوا: أندخل البيت ونتوكل عَلَى اللَّه؟ فقلت أتجربون اللَّه بالتوكل؟ فهذا شك. قالوا: فكيف الحيلة؟ فقلت ترك الحيلة.
حدّثنا محمّد بن علي بن الفتح أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْن بْن مُوسَى النيسابوري قَالَ سمعت الْحُسَيْن بن أَحْمَد- هو ابن جَعْفَر- أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ يقول: كان أهل بغداد يقولون: عجائب بغداد ثلاثة، إشارات الشبلي، ونكت المرتعش، وحكايات جَعْفَر!.
حَدَّثَنَا أَبُو نصر إِبْرَاهِيم بْن هبة اللَّه بْن إبراهيم الجرباذقاني- بها- حَدَّثَنَا معمر بن أَحْمَدَ بْنِ زياد الأصبهاني أخبرني يَحْيَى بن القاسم قَالَ سمعت الْحَسَن بن سُلَيْمَان.
يقول قَالَ: جَعْفَر الخلدي: كنت فِي ابتداء أمري وإرادتي ليلة نائما، فإذا بهاتف يهتف بي ويقول: يا جَعْفَر امض إِلَى موضع كذا وكذا واحفر، فإن لك هناك شيئا مدفونا، قَالَ فجئت إِلَى الموضع وحفرت، فوجدت صندوقا فيه دفاتر، وإذا فيه حزمة
فأخرجتها وقرأتها، فإذا فيها أسماء ستة آلاف شيخ من أهل الحقائق، والأصفياء والأولياء. من وقت آدم إِلَى زماننا هذا، ونعوتهم وصفتهم وكلهم كانوا يدعون هذا- يعني مذهب الصوفية- قَالَ الْحَسَن بن سُلَيْمَان: وكان فِي تلك الكتب عجائب، فقرأ ولم يدفع إلي أحد، ثم دفنها ولم يظهر ذلك لأحد إِلَى أن مات! أخبرنا عَلِيّ بن أَبِي عَلِيّ حدّثنا إبراهيم بن أحمد الطّبريّ حدّثنا جعفر بن الخلدي.
قال: ودعت في بعض حجاتي المريني الكبير الصوفي فقلت: زودني شيئا فَقَالَ: إن ضاع منك شيء، أو أردت أن يجمع اللَّه بينك وبين إنسان فقل: يَا جَامِعَ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إن اللَّه لا يخلف الميعاد، اجمع بيني وبين كذا وكذا، فإن اللَّه يجمع بينك وبين ذلك الشيء، أو ذلك الإنسان بتلك. فجئت إِلَى الكتاني الكبير الصوفي فودعته، وقلت: زودني شيئا، فأعطاني فصا عليه نقش كأنه طلسم وَقَالَ: إذا اغتممت فانظر إِلَى هذا فإنه يزول غمك، قَالَ: فانصرفت فما دعوت اللَّه بتلك الدعوة فِي شيء إلا استجيب، ولا رأيت الفص وقد اغتممت إلا زال غمي، فأنا ذات يوم قد توجهت أعبر إِلَى الجانب الشرقي من بغداد حتى هاجت ريح عظيمة وأنا فِي السميرية، والفص فِي جيبي، فأخرجته لأنظر إليه، فلا أدري كيف ذهب مني، فِي الماء، أو فِي السفينة، أو ثيابي؟ فاغتممت لذهابه غما عظيما، فدعوت بالدعوة وعبرت، فما زلت أدعو اللَّه بها يومي وليلتي ومن غد وأياما. فلما كان بعد ذلك أخرجت صندوقا فيه ثيابي لأغير منها شيئا، ففرغت الصندوق فإذا بالفص فِي أسفل الصندوق، فأخذته وحمدت اللَّه عَلَى رجوعه.
أخبرنا عَلِيّ بن محمود بن إبراهيم الزوزني حَدَّثَنَا عَلِيّ بن المثنى التميمي- بإستراباذ- قَالَ: سمعت جعفرا الخلدي يقول لرجل: كن شريف الهمة فإن الهمم تبلغ بالرجل لا المجاهدات.
أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن النيسابوري قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيّ الأبهري يقول سمعت جعفرا يقول: ما عقدت لله عَلَى نفسي عقدا فنكثته.
أخبرنا أَبُو عُبَيْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ النّيسابوريّ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بن عَلِيّ العلوي الهمذاني قَالَ: سمعت جَعْفَر بن مُحَمَّد الخلدي يقول: دخلت البرية وحدي فلما دخلت الهبير استوحشت، فإذا هاتف يهتف بي: يا جَعْفَر قد نقضت العهد، لم
تستوحش؟ أليس حبيبك معك؟! حَدَّثَنَا عبد العزيز بن الورّاق حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن عَبْد الله الهمذاني. قَالَ سمعت الخلدي يقول: خرجت سنة من السنين إِلَى البادية، فبقيت أربعة وعشرين يوما لم أطعم فيها طعاما، فلما كان بعد ذلك رأيت كوخا وفيه غلام، فقصدت الكوخ فرأيت الغلام قائما يصلي، فقلت فِي نفسي: بالعشي يجيء إِلَى هذا طعام فآكل معه، فبقيت تلك الليلة والغد وبعد غد ثلاثة أيام لم يجئه أحد بطعام. ولا رأيت أحدا، فقلت: هذا شيطان ليس هذا من الناس، فتركته وانصرفت، فلما كان بعد وقت أنا قاعد فِي منزلي أميز شيئا من الكتب، إذا بداق يدق الباب، فقلت: من هذا؟ ادخل، فدخل الغلام وَقَالَ لي: يا جَعْفَر أنت كما سميت، جاع فر! أَخْبَرَنَا رضوان بن مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَن الدينوري قال سمعت معروف بن مُحَمَّدِ بْنِ معروف الصوفي- بالري- قَالَ: سمعت الخلدي يقول: إني أخاف أن يوقفني المشايخ بين يدي الله تعالى يقولون لم أخرجت أسرارنا إِلَى الناس؟! أخبرنا عَلِيّ بن المحسن الْقَاضِي- غير مرة- قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الطبري. قَالَ: قَالَ لي جَعْفَر الخلدي: وقفت بعرفة ستا وخمسين وقفة منها إحدى وعشرون عَلَى المذهب! فقلت لأَبِي إِسْحَاقَ: أي شيء أراد بقوله عَلَى المذهب؟ فَقَالَ: يصعد إِلَى قنطرة الياسرية فينفض كميه حتى يعلم أَنَّهُ ليس معه زاد ولا ماء، ويلبي ويسير!! أخبرنا أبو حاتم أحمد بن الحسن حدّثنا مُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حمدون يقول سمعت جَعْفَر الخلدي يقول: حججت نيفا وعشرين حجة عَلَى قدمي، ما حملت فِي شيء منها زادا ولا درهما ولا دينارا. وكنت إذا نزل الناس فِي المنزل يكون حولي من المأكول والمشروب ما يكفي جماعة، فلما كان يوم من الأيام لقيتني امرأة ومعي ركوة فارغة فَقَالَتْ: هل أصب لك فيها ماء؟ قُلْتُ: افعلي، فصبت فِي ركوتي الماء ومشيت فأثقلني فصببته فِي أصل شجرة ثم سرت. وكان حالي في جميع الحج ما ذكرته.
أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن النيسابوري قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سعيد الرَّازِيّ يقول: لقيت جعفرا آخر ما لقيته وكان قد حج أربعا وخمسين حجة، ثم حج بعد ذلك حججا. قَالَ محمّد بن الْحُسَيْن: حج جَعْفَر ستين حجة! أخبرنا عَلِيّ بن محمود الصوفي قَالَ: سمعت أبا القاسم القصري في دار أبي مسلم ابن مامكا يقول: رأينا جعفرا الخلدي فِي آخر عمره وفي فرد رجله جورب من جلود.
فقالوا: أيها الشيخ إيش سبب هذا، فرد رجلك مكشوفة، وفرد رجلك مغطاة؟ فَقَالَ:
حججت الحجة الأخيرة، فلما رجعت من مكة كنت فِي كنيسة فجاز عَلَى فقير فَقَالَ لي: أيها الشّيخ أحد عندك رمانة؟ فقلت لَهُ: هاهنا موضع رمان؟! اطلب مني حبة كعك، أو ماء، الذي يوجد هاهنا. فَقَالَ لي: أتريد أنت رمانا؟ قُلْتُ: نعم.
فأدخل يده فِي كمه فأخرج رمانة ورماها إِلَى المحمل، ولم يزل يرمي رمانة رمانة حتى امتلأت الكنيسة رمانا ثم غاب عني. قَالَ فبقيت أتعجب منه، وفرقت الرمان فِي القافلة، وحملت منه إِلَى بغداد، فلما كان من الغد جاز عَلَى فرآني نائما، وفرد رجلي خارج الكنيسة فَقَالَ لي: أما يكفيك أن تنام بين يدي سيدك حتى تمد رجلك؟ قَالَ وضرب بفرد كمه عَلَى رجلي فوقع فِي رجلي مثل النار، فكلما غطيتها سكن الضربان، وكلما كشفتها يعود ذلك الضربان.
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن هبة الله الجرباذقاني حَدَّثَنَا معمر بْن أَحْمَدَ الأصبهاني قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْد اللَّهِ الْبَغْدَادِيّ يقول: سمعت هبة اللَّه الضرير- ببغداد- يقول: دخل جَعْفَر الخلدي بلد حمص، فسألوه القيام عندهم سنة. فَقَالَ: عَلَى شريطة. قيل لَهُ: وما هي؟ قَالَ تجمعون لي كذا وكذا ألف دينار، قَالَ فجمعوا لَهُ ما سأل. فَقَالَ احملوها إِلَى الجامع قَالَ فجعلت عَلَى قطع، قَالَ ففرق كل ذلك عَلَى الفقراء فلم يأخذ منها شيئا، ثم قَالَ: لم أكن أحتاج إِلَى الدنانير ولكن أردت أن أجرب رغبتكم فِي وقوفي عندكم!! سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن رزق يَقُولُ: مات جَعْفَر الخلدي فِي سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة.
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن الفضل الْقَطَّان. قَالَ: توفي جَعْفَر الخلدي يوم الأحد لسبع خلون من شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة.