بكار بن قتيبة بن عبيد الله
ابن أبي برذعة بن عبيد الله بن بشير بن عبيد الله بن أبي بكرة، أبو بكرة الثقفي.
قاضي مصر أصله من البصرة، ولي القضاء بمصر سنين كثيرة.
قدم دمشق سنة تسع وستين ومائتين في صحبة أحمد بن طولون، وحدث بها، وروى عنه جماعةٌ من أهلها.
حدث عن روح بن عبادة بسنده، عن ابن عباس أن أم الفضل أرسلت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم عرفة بلبن، فشربه وهو يخطب الناس.
وحدث عنه أيضاً بسنده، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من قال: سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلةٌ في الجنة.
وحدث عن الضحاك بن مخلد بسنده، عن أبي بكرة قال:
كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتاه الشيء يسره سجد.
قال أحمد بن سهل بن بويه الهروي: كنت ألازم غريماً لي إلى بعد العشاء الآخرة، وكنت ساكناً في جوار بكار بن قتيبة، فانصرفت إلى منزلي فإذا هو يقرأ: " يا داود إنا جعلناك خليفةً في الأرض " إلى قوله: "
فيضلك عن سبيل الله " فوقفت أتسمع عليه قليلاً، ثم انصرفت، فقمت في السحر على أن أصير إلى منزل الغريم، فإذا هو يقرأ هذه الآية يرددها ويبكي، فعلمت أنه كان يقرؤها من أول الليل.
قال سعيد بن عثمان: سمعت بكار بن قتيبة ينشد: " من الطويل "
لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها ... لعيبي في نفسي عن الناس شاغل
ولي بكار بن قتيبة القضاء بمصر من قبل المتوكل.
قدمها يوم الجمعة لثمانٍ بقين من جمادى الآخرى سنة ستٍ وأربعين ومائتين.
وتوفي في ذي الحجة سنة سبعين ومائتين.
ولم يزل قاضياً إلى أن توفي.
وأقامت بمصر بلا قاضٍ سبع سنين إلى أن ولى خمارويه بن أحمد بن طولون محمد بن عبدة القضاء.
وكان أحمد بن طولون أراد بكاراً على لعن الموفق فامتنع من ذلك فسجنه إلى أن مات أحمد؛ فأطلق من السجن.
فمكث بعد ذلك يسيراً ثم مات؛ فغسل ليلاً وكثر الناس فلم يدفن إلى وقت صلاة العصر.
وكان مولد بكار بالبصرة سنة اثنتين ومائة، ومات وهو ابن سبع وثمانين.
وكان من الحمد في ولايته القضاء ومن القبول لأهلها إياه، ومن عفته عن أموالهم ومن سلامته في أحكامه، ومن اضطلاعه بذلك على نهاية ما يكون عليه مثله، حتى لو كانت أخلاقه ومذاهبه هذه فيمن تقدم لكان يبين بها عن كثيرٍ منهم.
وكان الأمير أحمد بن طولون من المعرفة بحقه، والميل إليه والتعظيم لقدره على نهاية، وكان يأتي إليه وهو يملي على الناس الحديث على كثرة من كان يحضر مجلسه، فيمنع حاجبه مستمليه من الانقطاع عن الاستملاء عليه؛ ثم يصعد إليه إلى المجلس الذي كان يحدث فيه، فيقعد مع الناس فيه ويستتم بكارٌ مجلسه وهو حاضر، ثم لا يقطعه بحضوره إياه؛ فلم يزل كذلك حتى أراد منه أحمد طولون خلع أبي أحمد الموفق ولعنه، فأبى ذلك عليه، فلما رأى أحمد بن طولون أنه لا يلتئم له منه ما يحاوله منه ألب عليه سفهاء أهل الأحباش ومن سواهم من العوام، وجعله لهم خصماً.
وكان يقعد له من يقيمه بين يديه مع من يخاصمه مقام الخصوم فلا يأبى ذلك ويقوم بالحجة لنفسه.
وكان أحمد قد حبس القاضي بكاراً بالمرفق في القماحين.
قال:
فأدخل إليه فقال: هذا رجل كان يزعم أنه قاضي المسلمين خمسةً وعشرين سنة، وقد غصبني داري وهو ساكنها الآن ولي عليه من أجرتها خمسة دنانير؛ فسئل القاضي بكار عن ذلك فقال: لا أدري ما يقول هذا الرجل، أنا لم أنزل هذه الدار، وإنما أنزلتها كرهاً، فإن كان مغصوباً فالذي غصبه هو الذي أنزلنيها.
وهذا في الجملة كلامٌ محال، ما ظننته يجوز على أحد، لأني إن كنت غاضباً فما له علي أجرة معلومة، ولئن كانت له علي أجرة بسكناي داره فما أنا غاضب.
قال: فأمر للذي كان يخاصم إليه بخمسة دنانير فدفعت إلى الذي خاصمه ما كان يلبسه للجمعة وخرج إلى الباب يريد الرواح منه فيقول له الموكلون به: ارجع، فيقول: اللهم اشهد، ثم يرجع.
فلم يزل كذلك فيها حتى توفي أحمد بن طولون؛ فبقي هو فيها بعد ذلك حتى توفي وأخرجت جنازته بعد العصر وكثر الناس وفيهم أصحاب أحمد بن طولون قد غطوا رؤوسهم حتى لا يعرفوا وزادت الجماعة من غير أن يرى في الناس راكبٌ واحد، فشهده أكثر ممن شهد العيد بوقارٍ وسكينة.
ابن أبي برذعة بن عبيد الله بن بشير بن عبيد الله بن أبي بكرة، أبو بكرة الثقفي.
قاضي مصر أصله من البصرة، ولي القضاء بمصر سنين كثيرة.
قدم دمشق سنة تسع وستين ومائتين في صحبة أحمد بن طولون، وحدث بها، وروى عنه جماعةٌ من أهلها.
حدث عن روح بن عبادة بسنده، عن ابن عباس أن أم الفضل أرسلت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم عرفة بلبن، فشربه وهو يخطب الناس.
وحدث عنه أيضاً بسنده، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من قال: سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلةٌ في الجنة.
وحدث عن الضحاك بن مخلد بسنده، عن أبي بكرة قال:
كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتاه الشيء يسره سجد.
قال أحمد بن سهل بن بويه الهروي: كنت ألازم غريماً لي إلى بعد العشاء الآخرة، وكنت ساكناً في جوار بكار بن قتيبة، فانصرفت إلى منزلي فإذا هو يقرأ: " يا داود إنا جعلناك خليفةً في الأرض " إلى قوله: "
فيضلك عن سبيل الله " فوقفت أتسمع عليه قليلاً، ثم انصرفت، فقمت في السحر على أن أصير إلى منزل الغريم، فإذا هو يقرأ هذه الآية يرددها ويبكي، فعلمت أنه كان يقرؤها من أول الليل.
قال سعيد بن عثمان: سمعت بكار بن قتيبة ينشد: " من الطويل "
لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها ... لعيبي في نفسي عن الناس شاغل
ولي بكار بن قتيبة القضاء بمصر من قبل المتوكل.
قدمها يوم الجمعة لثمانٍ بقين من جمادى الآخرى سنة ستٍ وأربعين ومائتين.
وتوفي في ذي الحجة سنة سبعين ومائتين.
ولم يزل قاضياً إلى أن توفي.
وأقامت بمصر بلا قاضٍ سبع سنين إلى أن ولى خمارويه بن أحمد بن طولون محمد بن عبدة القضاء.
وكان أحمد بن طولون أراد بكاراً على لعن الموفق فامتنع من ذلك فسجنه إلى أن مات أحمد؛ فأطلق من السجن.
فمكث بعد ذلك يسيراً ثم مات؛ فغسل ليلاً وكثر الناس فلم يدفن إلى وقت صلاة العصر.
وكان مولد بكار بالبصرة سنة اثنتين ومائة، ومات وهو ابن سبع وثمانين.
وكان من الحمد في ولايته القضاء ومن القبول لأهلها إياه، ومن عفته عن أموالهم ومن سلامته في أحكامه، ومن اضطلاعه بذلك على نهاية ما يكون عليه مثله، حتى لو كانت أخلاقه ومذاهبه هذه فيمن تقدم لكان يبين بها عن كثيرٍ منهم.
وكان الأمير أحمد بن طولون من المعرفة بحقه، والميل إليه والتعظيم لقدره على نهاية، وكان يأتي إليه وهو يملي على الناس الحديث على كثرة من كان يحضر مجلسه، فيمنع حاجبه مستمليه من الانقطاع عن الاستملاء عليه؛ ثم يصعد إليه إلى المجلس الذي كان يحدث فيه، فيقعد مع الناس فيه ويستتم بكارٌ مجلسه وهو حاضر، ثم لا يقطعه بحضوره إياه؛ فلم يزل كذلك حتى أراد منه أحمد طولون خلع أبي أحمد الموفق ولعنه، فأبى ذلك عليه، فلما رأى أحمد بن طولون أنه لا يلتئم له منه ما يحاوله منه ألب عليه سفهاء أهل الأحباش ومن سواهم من العوام، وجعله لهم خصماً.
وكان يقعد له من يقيمه بين يديه مع من يخاصمه مقام الخصوم فلا يأبى ذلك ويقوم بالحجة لنفسه.
وكان أحمد قد حبس القاضي بكاراً بالمرفق في القماحين.
قال:
فأدخل إليه فقال: هذا رجل كان يزعم أنه قاضي المسلمين خمسةً وعشرين سنة، وقد غصبني داري وهو ساكنها الآن ولي عليه من أجرتها خمسة دنانير؛ فسئل القاضي بكار عن ذلك فقال: لا أدري ما يقول هذا الرجل، أنا لم أنزل هذه الدار، وإنما أنزلتها كرهاً، فإن كان مغصوباً فالذي غصبه هو الذي أنزلنيها.
وهذا في الجملة كلامٌ محال، ما ظننته يجوز على أحد، لأني إن كنت غاضباً فما له علي أجرة معلومة، ولئن كانت له علي أجرة بسكناي داره فما أنا غاضب.
قال: فأمر للذي كان يخاصم إليه بخمسة دنانير فدفعت إلى الذي خاصمه ما كان يلبسه للجمعة وخرج إلى الباب يريد الرواح منه فيقول له الموكلون به: ارجع، فيقول: اللهم اشهد، ثم يرجع.
فلم يزل كذلك فيها حتى توفي أحمد بن طولون؛ فبقي هو فيها بعد ذلك حتى توفي وأخرجت جنازته بعد العصر وكثر الناس وفيهم أصحاب أحمد بن طولون قد غطوا رؤوسهم حتى لا يعرفوا وزادت الجماعة من غير أن يرى في الناس راكبٌ واحد، فشهده أكثر ممن شهد العيد بوقارٍ وسكينة.