الكَامِلُ مُحَمَّدُ ابْنُ المَلِكِ العَادِلِ بنِ أَيُّوْبَ
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ، المَلِكُ الكَامِلُ، نَاصِرُ الدُّنْيَا وَالدِّيْنِ، أَبُو المَعَالِي، وَأَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ ابْنُ المَلِكِ العَادِلِ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَيُّوْبَ صَاحِب مِصْرَ وَالشَّامِ وَمَيَّافَارِقِيْنَ وَآمد وَخِلاَط وَالحِجَازَ وَاليَمَن وَغَيْر ذَلِكَ.
وُلِدَ: فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَهُوَ مِنْ أَقرَان أَخويه المُعَظَّم وَالأَشْرَف، وَكَانَ أَجلّ الثَّلاَثَة، وَأَرْفَعهم رُتْبَة.
أَجَاز لَهُ: عَبْد اللهِ بن بَرِّيّ النَّحْوِيّ.
وَتملّك الدِّيَار المِصْرِيَّة أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، شطرهَا فِي أَيَّامِ وَالِده، وَكَانَ عَاقِلاً، مَهِيْباً، كَبِيْرَ القَدْرِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ : مَال عِمَاد الدِّيْنِ ابْن الْمَشْطُوبَ وَأُمَرَاء إِلَى خلع
الكَامِل وَقت نَوْبَة دِمْيَاط وَسلطنَة أَخِيْهِ إِبْرَاهِيْم الفَائِز، وَلاَح ذَلِكَ لِلْكَامِل، فَدَارَى حَتَّى قَدِمَ إِلَيْهِ المُعَظَّم، فَأَفضَى إِلَيْهِ بسرّه، فَجَاءَ المُعَظَّم يَوْماً إِلَى خيمَة ابْن الْمَشْطُوبَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ، وَخضعَ، فَقَالَ: ارْكَبْ نَتحدّث، فَرَكِبَ، وَتحدثَا حَتَّى أَبعد بِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا فُلاَن، هَذِهِ البِلاَد لَكَ، فَنرِيْد أَنْ تَهبهَا لَنَا، وَأَعْطَاهُ نَفَقَة، وَوكّل بِهِ أَجنَاداً إِلَى الشَّامِ، ثُمَّ جهَّز الفَائِز ليطْلب عَسْكَر الجَزِيْرَة نَجدَة، فَتُوُفِّيَ الفَائِز بِسِنْجَار.قَالَ ابْنُ مَسْدِي: كَانَ مُحِبّاً فِي الحَدِيْثِ وَأَهْله، حرِيصاً عَلَى حِفْظِهِ وَنقله، وَلِلْعلم عِنْدَهُ سُوْق قَائِمَة عَلَى سُوْق، خَرَّج لَهُ الشَّيْخ أَبُو القَاسِمِ ابْن الصَّفْرَاوِيّ أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً سَمِعَهَا مِنْهُ جَمَاعَة.
وَحَكَى عَنْهُ مكرم الكَاتِب: أَنْ أَبَاهُ اسْتَجَاز لَهُ السِّلَفِيّ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْدِي: وَقفت أَنَا عَلَى ذَلِكَ، وَأَجَاز لِي وَلابْنِي.
وَقَالَ المُنْذِرِيّ : أَنشَأَ الكَامِل دَار الحَدِيْث بِالقَاهِرَةِ، وَعَمَّر قُبَّة عَلَى ضَرِيْح الشَّافِعِيّ، وَوَقَفَ الوُقُوْف عَلَى أَنْوَاع البِرّ، وَلَهُ الموَاقف المَشْهُوْرَة فِي الجِهَادِ بدِمْيَاط المُدَّة الطَّوِيْلَة، وَأَنفق الأَمْوَال، وَكَافح الفِرَنْج برّاً وَبَحْراً، يعرف ذَلِكَ منْ شَاهده، وَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَعزّ الله الإِسْلاَم، وَخذل الكُفْر.
وَكَانَ مُعَظِّماً لِلسُنَّة وَأَهْلهَا، رَاغِباً فِي نشرهَا وَالتّمسك بِهَا، مُؤثراً لِلاجتمَاع بِالعُلَمَاء وَالكَلاَم مَعَهُم حضَراً وَسفراً.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ شَهْماً، مَهِيْباً، عَادِلاً، يَفهَم وَيبحث.
قِيْلَ: شكَا إِلَيْهِ ركبدَار أَنْ أُسْتَاذه اسْتخدمه سِتَّة أَشْهُرٍ بِلاَ جَامكيَة، فَأَمر الجُنْدِي
بخدمَة الرّكبدَار، وَحَمَلَ مَدَاسه سِتَّة أَشْهُرٍ، وَكَانَتِ الطّرق آمِنَة فِي زَمَانِهِ لِهَيْبَتِهِ، وَقَدْ بَعَثَ ابْنه المَسْعُوْد، فَافْتَتَحَ اليَمَن، وَجَمَعَ الأَمْوَال، ثُمَّ حَجَّ، فَمَاتَ، وَحُمِلت خَزَائِنه إِلَى الكَامِل.قَالَ البَهَاء زُهَيْر :
وَأُقْسِمُ إِنْ ذَاقَتْ بَنُو الأَصْفَرِ الكَرَى ... لَمَا حَلُمَتْ إِلاَّ بِأَعْلاَمِكَ الصُّفْرِ
ثَلاَثَة أَعْوَامٍ أَقَمْتَ وَأَشْهُراً ... تُجَاهِدُ فِيْهِ لاَ بِزَيْدٍ وَلاَ عَمْرو
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: اسْتَوْزَر صَفِيّ الدِّيْنِ أَوَّلاً، فَلَمَّا مَاتَ، لَمْ يَسْتَوْزِر أَحَداً، كَانَ يَتولَّى الأُمُوْر بِنَفْسِهِ، وَكَانَ مَهِيْباً، حَازِماً، مدبّراً، عَمَرت مِصْر فِي أَيَّامِهِ، وَكَانَ عِنْدَهُ مَسَائِل مِنَ الفِقْه وَالنَّحْو يُوردهَا، فَمَنْ أَجَابَ فِيْهَا، حظِي عِنْدَهُ، وَجَاءته خلع السّلطنَة عَلَى يَد السُّهْرَوَرْدِيّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَالتقليد بِمِصْرَ، وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً، وَهِيَ: جُبَّة وَاسِعَة الكُم بِطرز ذهب، وَعِمَامَة، وَطوق وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ، وَمِنْ همّته أَنَّ الفِرَنْج لَمَّا أَخذُوا دِمْيَاط، أَنشَأَ عَلَى برِيْد مِنْهَا مدينَة المَنْصُوْرَة، وَاسْتوطنهَا مُرَابِطاً حَتَّى نَصره الله، فَإِنَّ الفِرَنْج طمعُوا فِي أَخْذِ مِصْر، وَعَسْكَرُوا بِقُرْبِ المَنْصُوْرَة، وَالْتَحَمَ القِتَال أَيَّاماً، وَأَلحّ الكَامِل عَلَى إِخْوَته بِالمجِيْء، فَجَاءهُ أَخوَاهُ الأَشْرَف وَالمُعَظَّم فِي جَيْش لجب، وَهَيْئَة تَامَّة، فَقوِي الإِسْلاَم، وَضَعفت نُفُوْس الفِرَنْج، وَرسلهُم تَتردد، وَبَذَلَ لَهُم الكَامِل قَبْل مجِيْء النّجدَة القُدْس وَطبرِيَّة وَعَسْقَلاَن وَجبلَة
وَاللاَّذِقِيَّة وَأَشيَاء عَلَى أَنْ يَردّوا لَهُ دِمْيَاط، فَأَبَوا، وَطَلَبُوا مَعَ ذَلِكَ ثَلاَث مائَة أَلْف دِيْنَار ليعمرُوا بِهَا أَسوَار القُدْس، وَطَلَبُوا الكَرَك، فَاتّفقَ أَن جَمَاعَة مِنَ المُسْلِمِيْنَ، فَجّرُوا مِنَ النِّيل ثلمَة عَلَى مَنْزِلَة العَدُوّ، فَأحَاط بِهِم النِّيل فِي هيجَانه، وَلاَ خِبرَة لَهُم بِالنِّيل، فَحَال بَيْنهُم وَبَيْنَ دِمْيَاط، وَانقطعت المِيْرَة عَنْهُم، وَجَاعُوا وَذلوا، فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِ الأَمَان عَلَى تَسْلِيم دِمْيَاط، وَعَقدَ هدنَة، فَأُجيبُوا، فَسلمُوا دِمْيَاط بَعْد اسْتَقرَارهم بِهَا ثَلاَث سِنِيْنَ - فَلله الْحَمد -.وَلَمَّا بلغَ الكَامِل مَوْتُ أَخِيْهِ المُعَظَّم جَاءَ وَنَازل دِمَشْق، وَأَخَذَهَا مِنَ النَّاصِر، وَجَعَلَ فِيْهَا الأَشْرَف، وَلَمَّا مَاتَ الأَشْرَف، بَادر الكَامِل إِلَى دِمَشْقَ وَقَدْ غلب عَلَيْهَا أَخُوْهُ إِسْمَاعِيْل، فَانْتزعهَا مِنْهُ، وَاسْتقر بِالقَلْعَة، فَمَا بلغَ رِيقَه حَتَّى مَاتَ بَعْدَ شَهْرَيْنِ، تَعلّل بسعَال وَإِسهَال، وَكَانَ بِهِ نِقْرِسٌ، فَبُهِتَ الخَلْقُ لَمَّا سَمِعُوا بِمَوْته، وَكَانَ عَدْلُه مشوباً بِعُسف؛ شنقَ جَمَاعَة مِنَ الجُنْد فِي بطيحَة شعير.
وَنَازل دِمَشْق، فَبَعَثَ صَاحِبُ حِمْص لَهَا نَجدَة خَمْسِيْنَ نَفْساً، فَظَفِرَ بِهِم، وَشنقهُم بِأَسرهِم.
قَالَ الشَّرِيْف العِمَاد البصروِيّ: حُكيَ لِي الخَادِم، قَالَ:
طلب مِنِّي الكَامِل طَستاً ليتقيّأ فِيْهِ، فَأَحضَرته، وَجَاءَ النَّاصِر دَاوُد، فَوَقَفَ عَلَى البَابِ ليعُوْده، فَقُلْتُ: دَاوُد عَلَى البَابِ.
فَقَالَ: يَنْتظر مَوْتِي؟!
وَانزعج، وَخَرَجتُ، فَنَزَلَ دَاوُد إِلَى دَار سَامَة، ثُمَّ دَخَلتُ إِلَى السُّلْطَانِ، فَوَجَدته قَدْ مَاتَ وَهُوَ مَكْبُوبٍ عَلَى المِخَدَّة.
وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: حَكَى لِي طبِيْبهُ، قَالَ: أَخَذَه زكَام، فَدَخَلَ الحَمَّام، وَصبّ عَلَى رَأْسه مَاء شَدِيد الحرَارَة اتِّبَاعاً لما قَالَ ابْنُ زَكَرِيَّا الرَّازَيّ : إِن ذَلِكَ يَحلّ الزُّكمَة فِي الحَال، وَهَذَا لَيْسَ عَلَى إِطلاَقه، قَالَ: فَانصَب مِنْ دِمَاغه إِلَى فَمِ المَعِدَةِ مَادَةٌ، فَتورمت، وَعرضت الحُمَّى، وَأَرَادَ القيءَ، فَنَهَاهُ الأَطبَّاء، وَقَالُوا: إِنْ تَقيَّأ هَلَكَ، فَخَالف، وَتَقيَّأ.وَقَالَ الرَّضِيّ الحَكِيْم: عرضت لَهُ خوَانِيق انفقأَت، وَتَقيَّأ دماً وَمِدَّة، ثُمَّ أَرَادَ الْقَيْء ثَانِياً، فَنَهَاهُ وَالِدِي، وَأَشَارَ بِهِ آخر، فَتقيَّأ، فَانصب ذَلِكَ إِلَى قصبَة الرِّئَة سدّتهَا، فَمَاتَ.
قَالَ المُنْذِرِيّ : مَاتَ بِدِمَشْقَ، فِي الحَادِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَجَب، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَدُفِنَ فِي تَابوت.
قُلْتُ: ثُمَّ بَعْد سَنَتَيْنِ عُمِلت لَهُ التُّرْبَة، وَفتح شُبَّاكهَا إِلَى الجَامِع.
وَخلّف ابْنَيْنِ: العَادل أَبَا بَكْرٍ، وَالصَّالِح نَجْم الدِّيْنِ، فَملّكُوا العَادل بِمِصْرَ، وَتَملّك الجَوَاد دِمَشْق، فَلَمْ تَطل مُدّتهُمَا.
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ، المَلِكُ الكَامِلُ، نَاصِرُ الدُّنْيَا وَالدِّيْنِ، أَبُو المَعَالِي، وَأَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ ابْنُ المَلِكِ العَادِلِ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَيُّوْبَ صَاحِب مِصْرَ وَالشَّامِ وَمَيَّافَارِقِيْنَ وَآمد وَخِلاَط وَالحِجَازَ وَاليَمَن وَغَيْر ذَلِكَ.
وُلِدَ: فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَهُوَ مِنْ أَقرَان أَخويه المُعَظَّم وَالأَشْرَف، وَكَانَ أَجلّ الثَّلاَثَة، وَأَرْفَعهم رُتْبَة.
أَجَاز لَهُ: عَبْد اللهِ بن بَرِّيّ النَّحْوِيّ.
وَتملّك الدِّيَار المِصْرِيَّة أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، شطرهَا فِي أَيَّامِ وَالِده، وَكَانَ عَاقِلاً، مَهِيْباً، كَبِيْرَ القَدْرِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ : مَال عِمَاد الدِّيْنِ ابْن الْمَشْطُوبَ وَأُمَرَاء إِلَى خلع
الكَامِل وَقت نَوْبَة دِمْيَاط وَسلطنَة أَخِيْهِ إِبْرَاهِيْم الفَائِز، وَلاَح ذَلِكَ لِلْكَامِل، فَدَارَى حَتَّى قَدِمَ إِلَيْهِ المُعَظَّم، فَأَفضَى إِلَيْهِ بسرّه، فَجَاءَ المُعَظَّم يَوْماً إِلَى خيمَة ابْن الْمَشْطُوبَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ، وَخضعَ، فَقَالَ: ارْكَبْ نَتحدّث، فَرَكِبَ، وَتحدثَا حَتَّى أَبعد بِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا فُلاَن، هَذِهِ البِلاَد لَكَ، فَنرِيْد أَنْ تَهبهَا لَنَا، وَأَعْطَاهُ نَفَقَة، وَوكّل بِهِ أَجنَاداً إِلَى الشَّامِ، ثُمَّ جهَّز الفَائِز ليطْلب عَسْكَر الجَزِيْرَة نَجدَة، فَتُوُفِّيَ الفَائِز بِسِنْجَار.قَالَ ابْنُ مَسْدِي: كَانَ مُحِبّاً فِي الحَدِيْثِ وَأَهْله، حرِيصاً عَلَى حِفْظِهِ وَنقله، وَلِلْعلم عِنْدَهُ سُوْق قَائِمَة عَلَى سُوْق، خَرَّج لَهُ الشَّيْخ أَبُو القَاسِمِ ابْن الصَّفْرَاوِيّ أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً سَمِعَهَا مِنْهُ جَمَاعَة.
وَحَكَى عَنْهُ مكرم الكَاتِب: أَنْ أَبَاهُ اسْتَجَاز لَهُ السِّلَفِيّ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْدِي: وَقفت أَنَا عَلَى ذَلِكَ، وَأَجَاز لِي وَلابْنِي.
وَقَالَ المُنْذِرِيّ : أَنشَأَ الكَامِل دَار الحَدِيْث بِالقَاهِرَةِ، وَعَمَّر قُبَّة عَلَى ضَرِيْح الشَّافِعِيّ، وَوَقَفَ الوُقُوْف عَلَى أَنْوَاع البِرّ، وَلَهُ الموَاقف المَشْهُوْرَة فِي الجِهَادِ بدِمْيَاط المُدَّة الطَّوِيْلَة، وَأَنفق الأَمْوَال، وَكَافح الفِرَنْج برّاً وَبَحْراً، يعرف ذَلِكَ منْ شَاهده، وَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَعزّ الله الإِسْلاَم، وَخذل الكُفْر.
وَكَانَ مُعَظِّماً لِلسُنَّة وَأَهْلهَا، رَاغِباً فِي نشرهَا وَالتّمسك بِهَا، مُؤثراً لِلاجتمَاع بِالعُلَمَاء وَالكَلاَم مَعَهُم حضَراً وَسفراً.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ شَهْماً، مَهِيْباً، عَادِلاً، يَفهَم وَيبحث.
قِيْلَ: شكَا إِلَيْهِ ركبدَار أَنْ أُسْتَاذه اسْتخدمه سِتَّة أَشْهُرٍ بِلاَ جَامكيَة، فَأَمر الجُنْدِي
بخدمَة الرّكبدَار، وَحَمَلَ مَدَاسه سِتَّة أَشْهُرٍ، وَكَانَتِ الطّرق آمِنَة فِي زَمَانِهِ لِهَيْبَتِهِ، وَقَدْ بَعَثَ ابْنه المَسْعُوْد، فَافْتَتَحَ اليَمَن، وَجَمَعَ الأَمْوَال، ثُمَّ حَجَّ، فَمَاتَ، وَحُمِلت خَزَائِنه إِلَى الكَامِل.قَالَ البَهَاء زُهَيْر :
وَأُقْسِمُ إِنْ ذَاقَتْ بَنُو الأَصْفَرِ الكَرَى ... لَمَا حَلُمَتْ إِلاَّ بِأَعْلاَمِكَ الصُّفْرِ
ثَلاَثَة أَعْوَامٍ أَقَمْتَ وَأَشْهُراً ... تُجَاهِدُ فِيْهِ لاَ بِزَيْدٍ وَلاَ عَمْرو
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: اسْتَوْزَر صَفِيّ الدِّيْنِ أَوَّلاً، فَلَمَّا مَاتَ، لَمْ يَسْتَوْزِر أَحَداً، كَانَ يَتولَّى الأُمُوْر بِنَفْسِهِ، وَكَانَ مَهِيْباً، حَازِماً، مدبّراً، عَمَرت مِصْر فِي أَيَّامِهِ، وَكَانَ عِنْدَهُ مَسَائِل مِنَ الفِقْه وَالنَّحْو يُوردهَا، فَمَنْ أَجَابَ فِيْهَا، حظِي عِنْدَهُ، وَجَاءته خلع السّلطنَة عَلَى يَد السُّهْرَوَرْدِيّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَالتقليد بِمِصْرَ، وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً، وَهِيَ: جُبَّة وَاسِعَة الكُم بِطرز ذهب، وَعِمَامَة، وَطوق وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ، وَمِنْ همّته أَنَّ الفِرَنْج لَمَّا أَخذُوا دِمْيَاط، أَنشَأَ عَلَى برِيْد مِنْهَا مدينَة المَنْصُوْرَة، وَاسْتوطنهَا مُرَابِطاً حَتَّى نَصره الله، فَإِنَّ الفِرَنْج طمعُوا فِي أَخْذِ مِصْر، وَعَسْكَرُوا بِقُرْبِ المَنْصُوْرَة، وَالْتَحَمَ القِتَال أَيَّاماً، وَأَلحّ الكَامِل عَلَى إِخْوَته بِالمجِيْء، فَجَاءهُ أَخوَاهُ الأَشْرَف وَالمُعَظَّم فِي جَيْش لجب، وَهَيْئَة تَامَّة، فَقوِي الإِسْلاَم، وَضَعفت نُفُوْس الفِرَنْج، وَرسلهُم تَتردد، وَبَذَلَ لَهُم الكَامِل قَبْل مجِيْء النّجدَة القُدْس وَطبرِيَّة وَعَسْقَلاَن وَجبلَة
وَاللاَّذِقِيَّة وَأَشيَاء عَلَى أَنْ يَردّوا لَهُ دِمْيَاط، فَأَبَوا، وَطَلَبُوا مَعَ ذَلِكَ ثَلاَث مائَة أَلْف دِيْنَار ليعمرُوا بِهَا أَسوَار القُدْس، وَطَلَبُوا الكَرَك، فَاتّفقَ أَن جَمَاعَة مِنَ المُسْلِمِيْنَ، فَجّرُوا مِنَ النِّيل ثلمَة عَلَى مَنْزِلَة العَدُوّ، فَأحَاط بِهِم النِّيل فِي هيجَانه، وَلاَ خِبرَة لَهُم بِالنِّيل، فَحَال بَيْنهُم وَبَيْنَ دِمْيَاط، وَانقطعت المِيْرَة عَنْهُم، وَجَاعُوا وَذلوا، فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِ الأَمَان عَلَى تَسْلِيم دِمْيَاط، وَعَقدَ هدنَة، فَأُجيبُوا، فَسلمُوا دِمْيَاط بَعْد اسْتَقرَارهم بِهَا ثَلاَث سِنِيْنَ - فَلله الْحَمد -.وَلَمَّا بلغَ الكَامِل مَوْتُ أَخِيْهِ المُعَظَّم جَاءَ وَنَازل دِمَشْق، وَأَخَذَهَا مِنَ النَّاصِر، وَجَعَلَ فِيْهَا الأَشْرَف، وَلَمَّا مَاتَ الأَشْرَف، بَادر الكَامِل إِلَى دِمَشْقَ وَقَدْ غلب عَلَيْهَا أَخُوْهُ إِسْمَاعِيْل، فَانْتزعهَا مِنْهُ، وَاسْتقر بِالقَلْعَة، فَمَا بلغَ رِيقَه حَتَّى مَاتَ بَعْدَ شَهْرَيْنِ، تَعلّل بسعَال وَإِسهَال، وَكَانَ بِهِ نِقْرِسٌ، فَبُهِتَ الخَلْقُ لَمَّا سَمِعُوا بِمَوْته، وَكَانَ عَدْلُه مشوباً بِعُسف؛ شنقَ جَمَاعَة مِنَ الجُنْد فِي بطيحَة شعير.
وَنَازل دِمَشْق، فَبَعَثَ صَاحِبُ حِمْص لَهَا نَجدَة خَمْسِيْنَ نَفْساً، فَظَفِرَ بِهِم، وَشنقهُم بِأَسرهِم.
قَالَ الشَّرِيْف العِمَاد البصروِيّ: حُكيَ لِي الخَادِم، قَالَ:
طلب مِنِّي الكَامِل طَستاً ليتقيّأ فِيْهِ، فَأَحضَرته، وَجَاءَ النَّاصِر دَاوُد، فَوَقَفَ عَلَى البَابِ ليعُوْده، فَقُلْتُ: دَاوُد عَلَى البَابِ.
فَقَالَ: يَنْتظر مَوْتِي؟!
وَانزعج، وَخَرَجتُ، فَنَزَلَ دَاوُد إِلَى دَار سَامَة، ثُمَّ دَخَلتُ إِلَى السُّلْطَانِ، فَوَجَدته قَدْ مَاتَ وَهُوَ مَكْبُوبٍ عَلَى المِخَدَّة.
وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: حَكَى لِي طبِيْبهُ، قَالَ: أَخَذَه زكَام، فَدَخَلَ الحَمَّام، وَصبّ عَلَى رَأْسه مَاء شَدِيد الحرَارَة اتِّبَاعاً لما قَالَ ابْنُ زَكَرِيَّا الرَّازَيّ : إِن ذَلِكَ يَحلّ الزُّكمَة فِي الحَال، وَهَذَا لَيْسَ عَلَى إِطلاَقه، قَالَ: فَانصَب مِنْ دِمَاغه إِلَى فَمِ المَعِدَةِ مَادَةٌ، فَتورمت، وَعرضت الحُمَّى، وَأَرَادَ القيءَ، فَنَهَاهُ الأَطبَّاء، وَقَالُوا: إِنْ تَقيَّأ هَلَكَ، فَخَالف، وَتَقيَّأ.وَقَالَ الرَّضِيّ الحَكِيْم: عرضت لَهُ خوَانِيق انفقأَت، وَتَقيَّأ دماً وَمِدَّة، ثُمَّ أَرَادَ الْقَيْء ثَانِياً، فَنَهَاهُ وَالِدِي، وَأَشَارَ بِهِ آخر، فَتقيَّأ، فَانصب ذَلِكَ إِلَى قصبَة الرِّئَة سدّتهَا، فَمَاتَ.
قَالَ المُنْذِرِيّ : مَاتَ بِدِمَشْقَ، فِي الحَادِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَجَب، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَدُفِنَ فِي تَابوت.
قُلْتُ: ثُمَّ بَعْد سَنَتَيْنِ عُمِلت لَهُ التُّرْبَة، وَفتح شُبَّاكهَا إِلَى الجَامِع.
وَخلّف ابْنَيْنِ: العَادل أَبَا بَكْرٍ، وَالصَّالِح نَجْم الدِّيْنِ، فَملّكُوا العَادل بِمِصْرَ، وَتَملّك الجَوَاد دِمَشْق، فَلَمْ تَطل مُدّتهُمَا.