القُشَيْرِيُّ عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ هَوَازِنَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ
الإِمَامُ، الزَّاهِدُ، القُدْوَةُ، الأُسْتَاذُ، أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ هَوَازِن بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ طَلْحَةَ القُشَيْرِيُّ، الخُرَاسَانِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الصُّوْفِيُّ، المُفَسِّرُ، صَاحِبُ (الرِّسَالَةِ ) .
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَتعَانَى الفُروسيَّة وَالعَمَل بِالسِّلاَح حَتَّى بَرَعَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ تَعَلَّم الكِتَابَة وَالعَرَبِيَّة، وَجَوَّد.
ثُمَّ سَمِعَ الحَدِيْث مِنْ: أَبِي الحُسَيْنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الخَفَّاف؛ صَاحِب أَبِي العَبَّاسِ الثَّقَفِيّ، وَمِنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَبْدِ الْملك بن الحَسَنِ الإِسفرَايينِي، وَأَبِي
الحَسَن العَلَوِيّ، وَعبدِ الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيْمَ المُزَكِّي، وَعَبْدِ اللهِ بن يُوْسُفَ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ فُورك، وَأَبِي نُعَيْمٍ أَحْمَدَ بن مُحَمَّدٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدُوْس، وَالسُّلَمِيّ، وَابْن بَاكُويه، وَعِدَّة.وَتَفَقَّهَ عَلَى: أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بن أَبِي بَكْرٍ الطُّوْسِيّ، وَالأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الإِسفرَايينِي، وَابْن فُورك.
وَتَقدم فِي الأُصُوْل وَالفروع، وَصَحِبَ العَارِف أَبَا عليّ الدَّقَّاق، وَتَزَوَّجَ بابْنته، وَجَاءهُ مِنْهَا أَوْلاَد نُجبَاء.
قَالَ القَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَ أَبُو القَاسِمِ عَلاَّمَةً فِي الفِقْه وَالتَّفْسِيْر وَالحَدِيْث وَالأُصُوْل وَالأَدب وَالشّعر وَالكِتَابَة.
صَنَّف (التَّفْسِيْر الكَبِيْر ) وَهُوَ مِنْ أَجْوَد التَّفَاسير، وَصَنَّفَ (الرِّسَالَة) فِي رِجَال الطّرِيقَة، وَحَجَّ مَعَ الإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ الجُوَيْنِيّ، وَالحَافِظ أَبِي بَكْرٍ البَيْهَقِيّ.
وَسَمِعُوا بِبَغْدَادَ وَالحِجَاز.
قُلْتُ: سَمِعُوا مِنْ هِلاَل الحَفَّار، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ بِشْرَان، وَطَبَقَتِهمَا.
قَالَ :وَذكره أَبُو الحَسَنِ البَاخَرْزِي فِي كِتَاب (دمِيَة الْقصر) وَقَالَ :لَوْ قَرَعَ الصَّخْرَ بِسَوْطِ تَحذِيرهِ، لذَاب، وَلَوْ رُبِطَ إِبليسُ فِي مَجْلِسِهِ، لِتَاب.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: أَوْلاَدُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَعبدُ الوَاحِد، وَأَبُو نَصْرٍ عَبْدُ
الرَّحِيْم، وَعبدُ الْمُنعم، وَزَاهِر الشَّحَّامِيّ، وَأَخُوْهُ وَجيه، وَمُحَمَّد بن الفَضْلِ الفَرَاوِي، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بن شَاه، وَعبدُ الجَبَّار بن مُحَمَّدٍ الخُوَارِي، وَعبدُ الرَّحْمَن بن عَبْدِ اللهِ البَحيرِيّ، وَحَفِيْدُه أَبُو الأَسْعَد هِبَة الرَّحْمَن، وَآخَرُوْنَ.وَمَاتَ أَبُوْهُ وَهُوَ طِفْل، فَدُفِعَ إِلَى الأَدِيْب أَبِي القَاسِمِ اليَمنِي، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الآدَاب، وَكَانَتْ لِلقُشيرِي ضَيْعَة مُثْقَلَة بِالخَرَاج بِأُسْتُوا، فَتعلَّم طَرَفاً مِنَ الحسَاب، وَعَمِلَ قَلِيْلاً ديوَاناً، ثُمَّ دَخَلَ نَيْسَابُوْر مِنْ قرِيته، فَاتَّفَقَ حُضُوْره مَجْلِسَ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاق، فَوَقَعَ فِي شَبكَته، وَقَصُرَ أَملُه، وَطَلَبَ القَبا، فَوَجَد العَبَا، فَأَقْبَل عَلَيْهِ أَبُو عَلِيٍّ، وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِطَلَب العِلْم، فَمَضَى إِلَى حَلْقَة الطُّوْسِيّ، وَعَلَّق (التَّعليقَة) وَبَرَعَ، وَانْتَقَلَ إِلَى ابْنِ فُوْرَك، فَتَقَدَّم فِي الكَلاَم، وَلاَزَمَ أَيْضاً أَبَا إِسْحَاقَ، وَنظر فِي تَصَانِيْف ابْن البَلاَقِلاَّنِيّ، وَلَمَّا تُوُفِّيَ حَمُوْهُ أَبُو عَلِيٍّ تردَّد إِلَى السُّلَمِيّ، وَعَاشره، وَكَتَبَ المَنْسُوْب، وَصَارَ شَيْخ خُرَاسَان فِي التَّصُوْف، وَلَزِمَ المُجَاهِدَات، وَتَخَرَّج بِهِ المرِيْدُوْنَ.
وَكَانَ عَديم النّظير فِي السّلوك وَالتَّذكير، لطيفَ العبَارَة، طَيِّبَ الأَخلاَقِ، غوَّاصاً عَلَى المَعَانِي، صَنَّف كِتَاب (نَحْو القُلُوْب) ، وَكِتَاب (لطَائِف الإِشَارَات ) ، وَكِتَاب (الجَوَاهِر) ، وَكِتَاب (أَحكَام السَّمَاع) ، وَكِتَاب (عُيُون الأَجوبَة فِي فُنُوْن الأَسولَة) ، وَكِتَاب (المنَاجَاة) ، وَكِتَاب
(المُنْتَهَى فِي نَكت أُوْلِي النُّهَى ) .قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: لَمْ يَرَ الأُسْتَاذ أَبُو القَاسِمِ مِثْلَ نَفْسه فِي كَمَاله وَبرَاعته، جَمَعَ بَيْنَ الشَّرِيعَة وَالحقيقَة، أَصلُه مِنْ نَاحِيَة أُسْتُوَاءة، وَهُوَ قُشَيْرِيُّ الأَب، سُلَمِيُّ الأُمّ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ : كتبْنَا عَنْهُ، وَكَانَ ثِقَةً، وَكَانَ حَسَنَ الْوَعْظ، مَليحَ الإِشَارَةِ، يَعرِف الأُصُوْلَ عَلَى مَذْهَب الأَشْعَرِيّ، وَالفروعَ عَلَى مَذْهَب الشَّافِعِيّ.
قَالَ لِي: وُلِدَتُ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَة سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَة اللهِ بن تَاجِ الأُمَنَاءِ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، عَن أُمّ المُؤَيَّد زَيْنَب بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفتُوح عَبْدُ الوَهَّابِ بن شَاه الشَّاذْيَاخِيّ، أَخْبَرَنَا زِينُ الإِسْلاَم أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الكَرِيْمِ بن هَوَازِن، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْملك، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، أَخْبَرْنَا ابْنُ وَهْب، أَخْبَرَنِي يُوْنُس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي سَعِيْدُ بنُ المسيِّب، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوْق بقرَةً قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا، الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ، وَقَالَتْ: إِنِّيْ لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ) .
فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللهِ!
فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (آمَنْتُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ).
وَبِهِ إِلَى عَبْد الكَرِيْمِ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ، سَمِعْتُ الحُسَيْن بن يَحْيَى، سَمِعْتُ جَعْفَر بن مُحَمَّدِ بنِ نُصَيْر، سَمِعْتُ الجُنَيْد يَقُوْلُ: قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِي:رُبَّمَا تَقَعُ فِي قَلْبِي النُّكْتَةُ مِنْ نُكَتِ القَوْم أَيَّاماً، فَلاَ أَقْبَل مِنْهُ إِلاَّ شَاهِدين عَدْلَيْنِ مِنَ الكِتَاب وَالسُّنَّة.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ البَاخَرْزِي : وَلأَبِي القَاسِمِ (فَضل النُّطْق المُسْتطَاب ) مَاهرٌ فِي التَّكلّم عَلَى مَذْهَب أَبِي الحَسَنِ الأَشْعَرِيّ، خَارِجٌ فِي إِحَاطته بِالعلُوْم عَنِ الحَدِّ البشرِي، كَلِمَاتُهُ لِلمُسْتفِيدين فَرَائِد، وَعَتبَات مِنْبَره لِلعَارِفِيْن وَسَائِد، وَلَهُ نَظْمٌ تُتَوَّجُ بِهِ رُؤُوْس معَاليه إِذَا خُتِمَتْ بِهِ أَذنَابُ أَمَاليه.
قَالَ عبدُ الغَافِرِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: وَمِنْ جُمْلَةً أَحْوَال أَبِي القَاسِمِ مَا خُصَّ بِهِ مِنَ المِحنَة فِي الدِّين، وَظُهُوْرِ التعصُّب بَيْنَ الفَرِيْقَيْنِ فِي عَشْرِ سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة إِلَى سَنَة خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ، وَمَيْلِ بَعْضِ الوُلاَة إِلَى الأَهوَاء، وَسَعِي بَعْض الرُّؤَسَاء إِلَيْهِ بِالتَّخليط، حَتَّى أَدَّى ذَلِكَ إِلَى رَفْعِ المَجَالِس، وَتَفرُّقِ شَمْلِ الأَصْحَاب، وَكَانَ هُوَ المقصودَ مِنْ بَيْنهِم حَسَداً، حَتَّى اضْطر إِلَى مفَارقَةَ الْوَطَن، وَامتدّ فِي أَثْنَاء ذَلِكَ إِلَى بَغْدَادَ، فَوَرَدَ عَلَى القَائِمِ بِأَمْرِ اللهِ، وَلقِي
قبولاً، وَعُقِدَ لَهُ المَجْلِسُ فِي مَجَالِسه المُخْتصَّة بِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمحضرٍ وَمرَأَى مِنْهُ، وَخَرَجَ الأَمْر بِإِعزَازِهِ وَإِكرَامه، فَعَاد إِلَى نَيْسَابُوْرَ، وَكَانَ يَخْتَلِفُ مِنْهَا إِلَى طُوْس بِأَهْلِهِ، حَتَّى طلع صُبْحُ الدَّوْلَة أَلبآرسلاَنِيَّة فَبقِي عشر سِنِيْنَ مُحتَرماً مُطَاعاً مُعَظَّماً.وَمِنْ نَظْمِهِ:
سَقَى اللهُ وَقْتاً كُنْتُ أَخْلُو بِوَجْهِكُمْ ... وَثَغْرُ الهَوَى فِي رَوْضَةِ الأُنْسِ ضَاحِكُ
أَقَمْتُ زَمَاناً وَالعُيُونُ قَرِيْرَةٌ ... وَأَصْبَحْتُ يَوْماً وَالجفُوْنُ سَوَافِكُ
أَنشدنَا أَبُو الحُسَيْنِ الحَافِظ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا القَاضِي حسنُ بنُ نَصْر بِنُهَاوند، أَنشدنَا أَبُو القَاسِمِ القُشَيْرِيُّ لِنَفْسِهِ:
البَدْرُ مِنْ وَجْهِكَ مَخْلُوْقُ ... وَالسِّحْرُ مِنْ طَرْفِكَ مَسْرُوْقُ
يَا سَيِّداً تَيَّمَنِي حُبُّهُ ... عَبْدُكَ مِنْ صَدِّكَ مَرْزُوْقُ
وَلأَبِي القَاسِمِ أَرْبَعُوْنَ حَدِيْثاً مِنْ تخرِيجه سمِعنَاهَا عَالِيَة.
قَالَ عبدُ الغَافِر: تُوُفِّيَ الأُسْتَاذ أَبُو القَاسِمِ صَبِيْحَةَ يَوْمِ الأَحَد السَّادِس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ربيعٍ الآخر، سَنَة خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
قُلْتُ: عَاشَ تِسْعِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ المُؤَيَّد فِي (تَارِيْخِهِ ) : أُهدي لِلشَّيْخِ أَبِي القَاسِمِ فَرَسٌ، فَرَكبه نَحْواً مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً، فَلَمَّا مَاتَ الشَّيْخُ لَمْ يَأْكُلِ الفرسُ شَيْئاً، وَمَاتَ بَعْدَ أُسْبُوْع.
الإِمَامُ، الزَّاهِدُ، القُدْوَةُ، الأُسْتَاذُ، أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ هَوَازِن بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ طَلْحَةَ القُشَيْرِيُّ، الخُرَاسَانِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الصُّوْفِيُّ، المُفَسِّرُ، صَاحِبُ (الرِّسَالَةِ ) .
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَتعَانَى الفُروسيَّة وَالعَمَل بِالسِّلاَح حَتَّى بَرَعَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ تَعَلَّم الكِتَابَة وَالعَرَبِيَّة، وَجَوَّد.
ثُمَّ سَمِعَ الحَدِيْث مِنْ: أَبِي الحُسَيْنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الخَفَّاف؛ صَاحِب أَبِي العَبَّاسِ الثَّقَفِيّ، وَمِنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَبْدِ الْملك بن الحَسَنِ الإِسفرَايينِي، وَأَبِي
الحَسَن العَلَوِيّ، وَعبدِ الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيْمَ المُزَكِّي، وَعَبْدِ اللهِ بن يُوْسُفَ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ فُورك، وَأَبِي نُعَيْمٍ أَحْمَدَ بن مُحَمَّدٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدُوْس، وَالسُّلَمِيّ، وَابْن بَاكُويه، وَعِدَّة.وَتَفَقَّهَ عَلَى: أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بن أَبِي بَكْرٍ الطُّوْسِيّ، وَالأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الإِسفرَايينِي، وَابْن فُورك.
وَتَقدم فِي الأُصُوْل وَالفروع، وَصَحِبَ العَارِف أَبَا عليّ الدَّقَّاق، وَتَزَوَّجَ بابْنته، وَجَاءهُ مِنْهَا أَوْلاَد نُجبَاء.
قَالَ القَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَ أَبُو القَاسِمِ عَلاَّمَةً فِي الفِقْه وَالتَّفْسِيْر وَالحَدِيْث وَالأُصُوْل وَالأَدب وَالشّعر وَالكِتَابَة.
صَنَّف (التَّفْسِيْر الكَبِيْر ) وَهُوَ مِنْ أَجْوَد التَّفَاسير، وَصَنَّفَ (الرِّسَالَة) فِي رِجَال الطّرِيقَة، وَحَجَّ مَعَ الإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ الجُوَيْنِيّ، وَالحَافِظ أَبِي بَكْرٍ البَيْهَقِيّ.
وَسَمِعُوا بِبَغْدَادَ وَالحِجَاز.
قُلْتُ: سَمِعُوا مِنْ هِلاَل الحَفَّار، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ بِشْرَان، وَطَبَقَتِهمَا.
قَالَ :وَذكره أَبُو الحَسَنِ البَاخَرْزِي فِي كِتَاب (دمِيَة الْقصر) وَقَالَ :لَوْ قَرَعَ الصَّخْرَ بِسَوْطِ تَحذِيرهِ، لذَاب، وَلَوْ رُبِطَ إِبليسُ فِي مَجْلِسِهِ، لِتَاب.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: أَوْلاَدُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَعبدُ الوَاحِد، وَأَبُو نَصْرٍ عَبْدُ
الرَّحِيْم، وَعبدُ الْمُنعم، وَزَاهِر الشَّحَّامِيّ، وَأَخُوْهُ وَجيه، وَمُحَمَّد بن الفَضْلِ الفَرَاوِي، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بن شَاه، وَعبدُ الجَبَّار بن مُحَمَّدٍ الخُوَارِي، وَعبدُ الرَّحْمَن بن عَبْدِ اللهِ البَحيرِيّ، وَحَفِيْدُه أَبُو الأَسْعَد هِبَة الرَّحْمَن، وَآخَرُوْنَ.وَمَاتَ أَبُوْهُ وَهُوَ طِفْل، فَدُفِعَ إِلَى الأَدِيْب أَبِي القَاسِمِ اليَمنِي، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الآدَاب، وَكَانَتْ لِلقُشيرِي ضَيْعَة مُثْقَلَة بِالخَرَاج بِأُسْتُوا، فَتعلَّم طَرَفاً مِنَ الحسَاب، وَعَمِلَ قَلِيْلاً ديوَاناً، ثُمَّ دَخَلَ نَيْسَابُوْر مِنْ قرِيته، فَاتَّفَقَ حُضُوْره مَجْلِسَ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاق، فَوَقَعَ فِي شَبكَته، وَقَصُرَ أَملُه، وَطَلَبَ القَبا، فَوَجَد العَبَا، فَأَقْبَل عَلَيْهِ أَبُو عَلِيٍّ، وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِطَلَب العِلْم، فَمَضَى إِلَى حَلْقَة الطُّوْسِيّ، وَعَلَّق (التَّعليقَة) وَبَرَعَ، وَانْتَقَلَ إِلَى ابْنِ فُوْرَك، فَتَقَدَّم فِي الكَلاَم، وَلاَزَمَ أَيْضاً أَبَا إِسْحَاقَ، وَنظر فِي تَصَانِيْف ابْن البَلاَقِلاَّنِيّ، وَلَمَّا تُوُفِّيَ حَمُوْهُ أَبُو عَلِيٍّ تردَّد إِلَى السُّلَمِيّ، وَعَاشره، وَكَتَبَ المَنْسُوْب، وَصَارَ شَيْخ خُرَاسَان فِي التَّصُوْف، وَلَزِمَ المُجَاهِدَات، وَتَخَرَّج بِهِ المرِيْدُوْنَ.
وَكَانَ عَديم النّظير فِي السّلوك وَالتَّذكير، لطيفَ العبَارَة، طَيِّبَ الأَخلاَقِ، غوَّاصاً عَلَى المَعَانِي، صَنَّف كِتَاب (نَحْو القُلُوْب) ، وَكِتَاب (لطَائِف الإِشَارَات ) ، وَكِتَاب (الجَوَاهِر) ، وَكِتَاب (أَحكَام السَّمَاع) ، وَكِتَاب (عُيُون الأَجوبَة فِي فُنُوْن الأَسولَة) ، وَكِتَاب (المنَاجَاة) ، وَكِتَاب
(المُنْتَهَى فِي نَكت أُوْلِي النُّهَى ) .قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: لَمْ يَرَ الأُسْتَاذ أَبُو القَاسِمِ مِثْلَ نَفْسه فِي كَمَاله وَبرَاعته، جَمَعَ بَيْنَ الشَّرِيعَة وَالحقيقَة، أَصلُه مِنْ نَاحِيَة أُسْتُوَاءة، وَهُوَ قُشَيْرِيُّ الأَب، سُلَمِيُّ الأُمّ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ : كتبْنَا عَنْهُ، وَكَانَ ثِقَةً، وَكَانَ حَسَنَ الْوَعْظ، مَليحَ الإِشَارَةِ، يَعرِف الأُصُوْلَ عَلَى مَذْهَب الأَشْعَرِيّ، وَالفروعَ عَلَى مَذْهَب الشَّافِعِيّ.
قَالَ لِي: وُلِدَتُ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَة سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَة اللهِ بن تَاجِ الأُمَنَاءِ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، عَن أُمّ المُؤَيَّد زَيْنَب بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفتُوح عَبْدُ الوَهَّابِ بن شَاه الشَّاذْيَاخِيّ، أَخْبَرَنَا زِينُ الإِسْلاَم أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الكَرِيْمِ بن هَوَازِن، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْملك، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، أَخْبَرْنَا ابْنُ وَهْب، أَخْبَرَنِي يُوْنُس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي سَعِيْدُ بنُ المسيِّب، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوْق بقرَةً قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا، الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ، وَقَالَتْ: إِنِّيْ لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ) .
فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللهِ!
فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (آمَنْتُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ).
وَبِهِ إِلَى عَبْد الكَرِيْمِ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ، سَمِعْتُ الحُسَيْن بن يَحْيَى، سَمِعْتُ جَعْفَر بن مُحَمَّدِ بنِ نُصَيْر، سَمِعْتُ الجُنَيْد يَقُوْلُ: قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِي:رُبَّمَا تَقَعُ فِي قَلْبِي النُّكْتَةُ مِنْ نُكَتِ القَوْم أَيَّاماً، فَلاَ أَقْبَل مِنْهُ إِلاَّ شَاهِدين عَدْلَيْنِ مِنَ الكِتَاب وَالسُّنَّة.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ البَاخَرْزِي : وَلأَبِي القَاسِمِ (فَضل النُّطْق المُسْتطَاب ) مَاهرٌ فِي التَّكلّم عَلَى مَذْهَب أَبِي الحَسَنِ الأَشْعَرِيّ، خَارِجٌ فِي إِحَاطته بِالعلُوْم عَنِ الحَدِّ البشرِي، كَلِمَاتُهُ لِلمُسْتفِيدين فَرَائِد، وَعَتبَات مِنْبَره لِلعَارِفِيْن وَسَائِد، وَلَهُ نَظْمٌ تُتَوَّجُ بِهِ رُؤُوْس معَاليه إِذَا خُتِمَتْ بِهِ أَذنَابُ أَمَاليه.
قَالَ عبدُ الغَافِرِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: وَمِنْ جُمْلَةً أَحْوَال أَبِي القَاسِمِ مَا خُصَّ بِهِ مِنَ المِحنَة فِي الدِّين، وَظُهُوْرِ التعصُّب بَيْنَ الفَرِيْقَيْنِ فِي عَشْرِ سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة إِلَى سَنَة خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ، وَمَيْلِ بَعْضِ الوُلاَة إِلَى الأَهوَاء، وَسَعِي بَعْض الرُّؤَسَاء إِلَيْهِ بِالتَّخليط، حَتَّى أَدَّى ذَلِكَ إِلَى رَفْعِ المَجَالِس، وَتَفرُّقِ شَمْلِ الأَصْحَاب، وَكَانَ هُوَ المقصودَ مِنْ بَيْنهِم حَسَداً، حَتَّى اضْطر إِلَى مفَارقَةَ الْوَطَن، وَامتدّ فِي أَثْنَاء ذَلِكَ إِلَى بَغْدَادَ، فَوَرَدَ عَلَى القَائِمِ بِأَمْرِ اللهِ، وَلقِي
قبولاً، وَعُقِدَ لَهُ المَجْلِسُ فِي مَجَالِسه المُخْتصَّة بِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمحضرٍ وَمرَأَى مِنْهُ، وَخَرَجَ الأَمْر بِإِعزَازِهِ وَإِكرَامه، فَعَاد إِلَى نَيْسَابُوْرَ، وَكَانَ يَخْتَلِفُ مِنْهَا إِلَى طُوْس بِأَهْلِهِ، حَتَّى طلع صُبْحُ الدَّوْلَة أَلبآرسلاَنِيَّة فَبقِي عشر سِنِيْنَ مُحتَرماً مُطَاعاً مُعَظَّماً.وَمِنْ نَظْمِهِ:
سَقَى اللهُ وَقْتاً كُنْتُ أَخْلُو بِوَجْهِكُمْ ... وَثَغْرُ الهَوَى فِي رَوْضَةِ الأُنْسِ ضَاحِكُ
أَقَمْتُ زَمَاناً وَالعُيُونُ قَرِيْرَةٌ ... وَأَصْبَحْتُ يَوْماً وَالجفُوْنُ سَوَافِكُ
أَنشدنَا أَبُو الحُسَيْنِ الحَافِظ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا القَاضِي حسنُ بنُ نَصْر بِنُهَاوند، أَنشدنَا أَبُو القَاسِمِ القُشَيْرِيُّ لِنَفْسِهِ:
البَدْرُ مِنْ وَجْهِكَ مَخْلُوْقُ ... وَالسِّحْرُ مِنْ طَرْفِكَ مَسْرُوْقُ
يَا سَيِّداً تَيَّمَنِي حُبُّهُ ... عَبْدُكَ مِنْ صَدِّكَ مَرْزُوْقُ
وَلأَبِي القَاسِمِ أَرْبَعُوْنَ حَدِيْثاً مِنْ تخرِيجه سمِعنَاهَا عَالِيَة.
قَالَ عبدُ الغَافِر: تُوُفِّيَ الأُسْتَاذ أَبُو القَاسِمِ صَبِيْحَةَ يَوْمِ الأَحَد السَّادِس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ربيعٍ الآخر، سَنَة خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
قُلْتُ: عَاشَ تِسْعِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ المُؤَيَّد فِي (تَارِيْخِهِ ) : أُهدي لِلشَّيْخِ أَبِي القَاسِمِ فَرَسٌ، فَرَكبه نَحْواً مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً، فَلَمَّا مَاتَ الشَّيْخُ لَمْ يَأْكُلِ الفرسُ شَيْئاً، وَمَاتَ بَعْدَ أُسْبُوْع.