Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=151508#8a9bbf
العباس بن محمد بن علي
ابن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، أبو الفضل الهاشمي ولاه المنصور دمشق والشام كله، وقدمها مع المهدي، وولي إمارة الجزيرة في أيام الرشيد، وكان من رجالات بني هاشم. ولد سنة إحدى وعشرين ومئة، وقيل: سنة اثنتين وعشرين، وقيل: سنة ثمان عشرة ومئة. وأمُّه وأُمُّ ولد. قدم دمشق والياً عليها وعلى الشام سنة أربعين ومئة. وكان العباس أجود الناس رأياً. وكان الرشيد يقول: عمي العباس بن محمد يذكر في أسلافنا.
قال العباس: قلت للرشيد يوماً: إنما مالُك تزرعُ به من أصلحتْه نعمتُك، وسيفُك تحصد به من كفرها. وكان بين يدي الرشيد طبيب يقول: له كُلْ كذا ولا تأكل كذا، فقلت للطبيب: أنت أحمق، إذا صححْتَ فَكُل كُلَّ شيء، وإذا مرضت فاحتَمِ مِنْ كُلِّ شيء.
وقال له بعض الشعراء: " الكامل
لو قيلَ للعباسِ يابنَ محمدٍ ... قُلْ: لا وأنت مخُلَدٌ ما قالها
إن السماحة لم تزل مَعْقولةٌ ... حتة حَلَلْتَ براحتيك عِقالها
وإذا الملوكُ تسايرَت في بَلدةٍ ... كانوا كواكِبَها وكنتً هِلالَها
قال العباس بن محمد لمؤدب بنيه: يا فل، إنك قد كفيتَ أعراضهم فاكفني آدابهم، علِّمهم كتابَ الله فإِنّه عليهم نزل، ومن عندهم فصل. وأنه كفى بالمرء جهلاً أن يجهل فضلا عنه أُخذ، وفَقِههم في الحلالِ والحرام فإنه حابسٌ أن يظلموا، وغذهم بالحكمة فإنها ربيع القلوب، والتمسني عند آثارك فيهم تجدني.
قال رجل للعباس بن محمد: إني أتيتُك في حاجة صغيرة، فقال: اطلب لها رجلاً صغيراً.
وحكى ابن قتيبة قال: قال رجل للعباس بن محمد: إني أتيتك في حُوَيْجة، فقال: اطلب لها رُجَيلاً.
قال: وهذا خلاف قول علي بن عبد الله بن العباس لرجل قال له: إني أتيتك في حاجة صغيرة، قال: هاتِها، فإن الرجل لا يصغُر عن كبير أخيه ولا يكبر عن صغيره.
وفي سنة خمس وثمانين ومئة ولي العباس بن محمد الذي تنسب إليه العباسية الجزيرة، وصار إلى الرٌّقة، فأمر الرشيد يفرش له في قصر الإمارة، واتخذت له فيه الآلات، وشحن بالرقيق، حمل إليه خمسة آلاف ألف درهم.
وفي سنة ست وثمانين توفي العباس بن محمد ببغداد، وكانت علته الماء الأصفر. وصلى عليه الأمين. ودفن في العباسية وسنة خمس وستون سنة.
وقيطعة العباس التي في الجانب الشرقي تنسب إلى العباس وهو أخو المنصور. وبينه وبين وفاة أبي العباس خمسون سنة، لأن أبا العباس مات سنة ست وثلاثين، ومات العباس سنة ست وثمانين ومئة. وكان يتولى الجزيرة، وأهله يتهمون فيه الرشيد، يزعمون أنّه سَمَّه، وأنه سقى بطنُه، فمات في هذه العلة.
/
العباس بن مرداس بن أبي عامر ابن حارثة ويقال: جارية
ابن عبد عباس، ويقال: عيسى، ويقال: عبس، ويقال: عبد عبس بن رفاعة بن الحارث بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان.
وفي نسبه اختلاف، له صحبة، وكان من المؤلفة قلوبهم، واستعمله سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بني سليم، وقدم دمشق، وكان بها دار.
روى العباس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا عشية عرفة لأمته بالمغفرة والرحمة فأكثر الدعاء فأجابه الله: إني قد فعلت وغفرت لأمتك إلا ظلم بعضهم بعضاً، فأعاد فقال: يا رب إنك قادر أن تغفر للظالم وتثيب المظلوم خيراً من ظلامه، فلم تكن تلك العشية إلا ذا، فلما كان من الغد دعا غداة المزدلفة فعاد يدعو لأمته فلم يلبث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تبسم فقال بعض أصحابه - وفي رواية فقال: أبو بكر وعمر -: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي تبسمت في ساعة لم تكن تضحك فيها فما أضحكك أضحك الله سنك؟ قال: تبسمت من عدو الله إبليس حين علم أن الله تبارك وتعالى قد أجابني في أمتي وغفر للظالم أهوى يدعو بالثبور والويل، يحثو التراب على رأسه فضحكت مما يصنع من جزعه.
وعن العباس: أنه أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فطلب إليه أن يحفره ركية بالدثينة فأحفره إياها على أنه ليس له منها إلا فضل ابن السبيل.
أسلم العباس قبل فتح مكة، ثم أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تسع مئة من قومه على الخيول معهم القنا والدروع الظاهرة فحضروا فتح مكة، وحضر حنيناً وأعطاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع من أعطى من المؤلفة قلوبهم، ولم يكن يسكن بمكة ولا المدينة وكان يغزو مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيرجع إلى بلاد قومه وكان ينزل بوادي البصرة، ويأتي البصرة كثيراً، وقيل كان ينزل أرض بني سليم.
وحدث العباس بن مرداس: أنه كان في لقاح له نصف النهار إذ طلعت عليه نعامة بيضاء عليها راكب عليه ثياب بيض مثل اللبن فقال: يا عباس بن مرداس، ألم تر أن السماء كفت أحراسها، وأن الحرب تجرعت أنفاسها، وأن الخيل وضعت أحلاسها، وأن الدين نزل بالبر والتقوى يوم الاثنين ليلة الثلاثاء. صاحب الناقة القصواء؟ قال: فرجعت مرعوباً قد راعني ما رأيت وسمعت، حتى جئت وثناً لنا يدعى الضمار وكنا نعبده ونكلمه من جوفه فكنست ما حوله ثم تمسحت به وقبلته وإذا صائح من جوفه يقول:
قل للقبائل من سليم كلها ... هلك الضمار وفاز أهل المسجد
هلك الضمار وكان يعبد مرة ... قبل الصلاة مع النبي محمد
إن الذي جا بالنبوة والهدى ... بعد ابن مريم من قريش مهتد
قال: فخرجت مرعوباً حتى جئت قومي فقصصت عليهم القصة وأخبرتهم الخبر، فخرجت في ثلاثة مئة من قومي من بني حارثة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بالمدينة فدخلنا المسجد. فلما رآني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يا عباس، كيف كان إسلامك؟ قال: فقصصت عليه القصة. قال: فسر بذلك فأسلمت أنا وقومي.
وعن رافع بن خديج قال: أعطى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين أبا سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية،
وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس مئة من الإبل، وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك. فقال العباس بن مرداس:
أتجعل نهبي ونهب العبي ... د بين عيينة والأقرع
وما كان بدر ولا حابس ... يفوقان مرداس في مجمع
وما كنت دون امرئٍ منهما ... ومن تخفض اليوم لا يرفع
قال: فأتم له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مئة.
وفي رواية: أنه كان في فتح مكة وأنه قال: اذهب يا بلال فاقطع لسانه. قال: فذهب بلال، فجعل يقول: يا معشر المسلمين، أيقطع لساني بعد الإسلام! يا رسول الله، لا أعود أبداً. فلما رأى بلال جزعه قال: إنه لم يأمرني أن أقطع لسانك، أمرني أن أكسوك وأعطيك شيئاً.
قال في هذه الرواية: إنه في فتح مكة، وإنما كان يوم حنين.
وفي رواية: أنه أعطاه أربعاً من الإبل فعاتب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شعر قاله:
كانت نهاباً تلافيتها ... بكري على القوم باالأجرع
وحثي الجنود لكي يدلجوا ... إذا هجع القوم لم أهجع
فأصبح نهبي ونهب العبي ... د بين عيينة والأقرع
إلا أفاليل أعطيتها ... عديد قوائمها الأربع
وقد كنت في الحرب ذا تدارإ ... فلم أعط شيئاً ولم أمنع
وما كان بدر ولا حابس ... يفوقان مرداس في المجمع
وما كنت دون امرئ منهما ... ومن تضع اليوم لا ترفع
فرفع أبو بكر أبياته إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال للعباس: أنت الذي يقول: أصبح نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة؟ فقال أبو بكر: بأبي وأمي يا رسول الله ليس هكذا قال. قال: فكيف قال؟ قال: فأنشده أبو بكر كما قال عباس، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سواء، ما يضرك بدأت بالأقرع أم عيينة فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي، ما أنت بشاعر ولا راوية ولا ينبغي لك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقطعوا عني لسانه وأعطوه مئة من الإبل - ويقال: خمسين من الإبل - ففزع منها أناس وقالوا: أمر بعباس يمثل به.
دخل عمرو بن معدي كرب على عمر بن الخطاب فقال عمر: أخبرني يا عمرو من أشجع العرب؟ قال: كنا يا أمير المؤمنين ستة فرسان لا يعادلنا أحد من العرب، وكان أشجعنا العباس بن مرداس السلمي. قال: وكيف حكمت له بذلك وعلمته؟ قال: علمته بأشعار قلناها في حروبنا. قال: هات ما قلت أنت وما قال هؤلاء قال: قلت:
ولما رأيت الخيل زوراً كأنها ... جداول زرع خليت فاسبطرت
فجاشت إلي النفس أول مرة ... فردت إلى مكروها فاستقرت
ما جاشت نفسي يا أمير المؤمنين إلا من الجبن. وقال دريد بن الصمة:
ولقد أصرفها كارهة ... حين للنفس من الموت هرير
كلما ذلل عني خلق ... وبكل أنا في الروع جدير
ما هرّ من الموت إلا من الجبن. وقال عمرو بن الإطنابة:
وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي
ما جشأت نفسه ولا جاشت إلا من الجبن. وقال عامر بن الطفيل:
أقول لنفسي لا يجاد بمثلها ... أقلي مراجاً إنني غير مدبر
ما مرجت نفسه يا أمير المؤمنين إلا من الجبن. وقال عنترة:
إذ يتقون بي الأسنة لم أخم ... عنها ولكني تضايق مقدمي
ما تضايق مقدمه إلا من الجبن. وقال العباس بن مرداس:
أشد على الكتيبة لا أبالي ... أفيها كان حتفي أم سواها
فكان هذ اأشجعنا فقال: صدقت يا عمرو.
قيل للعباس بن مرداس بعدما كبر: ألا تأخذ من الشراب، فإنه يزيد في جرأتك ويقويك؟ قال: أصبح سيد قومي وأمسي سفيههم؟ لا والله لا يدخل جوفي شيء يحول بيني وبين عقلي أبداً.